اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)15%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132790 / تحميل: 7941
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لو طعنوا عليه في أحكامه قبل ذلك منهم، وبعد ازدياد الشكاوي عليه عزله، ثم أصبح فيما بعد من ندمائه ورخّص له في أمور كثيرة(١) .

وكان الانحراف واضحاً لدى المقربين من الحكام، ففي بداية عهد المأمون كان بعض الجنود والشرطة في بغداد والكرخ يجهرون بالفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق... وكانوا يجتمعون فيأتون القرى... ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغير ذلك، لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر على ذلك منهم، لان السلطان كان يعتزّ بهم، وكانوا بطانته(٢) .

الانحراف السياسي

١ - الأوضاع السياسية في عهد هارون

عاصر الإمام الرضاعليه‌السلام في مرحلة إمامته حكومة هارون عشر سنين من سنة (١٨٣ هـ) إلى سنة (١٩٣ هـ )، ولم تختلف سياسة هارون عن سياسة من سبقه من الحكّام، ولا عن سياسته السابقة في مرحلة الإمام الكاظمعليه‌السلام إلاّ أنه لم يتعرض تعرضاً مباشراً للإمام الرضاعليه‌السلام ؛ لأن الظروف والأوضاع السياسية لم تساعده على ذلك، فاغتيال الإمام الكاظمعليه‌السلام مسموماً لا زال يثير هواجسه خوفاً من ردود فعل الحركات المسلّحة المرتبطة بأهل البيتعليهم‌السلام ، ولذا نجده في بداية استشهاد الإمامعليه‌السلام أحضر القوّاد والكتّاب والهاشميين والقضاة، ثم كشف عن وجهه، وقال: أترَوْن به أثراً أو ما يدل على اغتيال؟(٣) .

____________________

(١) مروج الذهب: ٣ / ٤٣٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٨ / ٥٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤١٤.

٨١

ولهذا لم يقدم على اتخاذ نفس الأسلوب مع الإمام الرضاعليه‌السلام ورفض الاستجابة لمن حرّضه على قتله - كما تقدّم - وإضافة إلى ذلك فإن الإمام الرضاعليه‌السلام اتخذ أسلوباً واعياً في التحرك السياسي، ولم يعط لهارون أيّ مبرّر للتخوف من تحركه، على أنّ أغلب الرسائل التي رفعت إليه لم تتطرق إلى نشاط سياسي ملحوظ للإمام الرضاعليه‌السلام .

إذن كان حكم هارون أكثر هدوءً وسلاماً مع الإمام الرضاعليه‌السلام ، وإن كان قد اتّسم بالمظاهر التالية:

أولاً: الإرهاب

إن وصول هارون للحكم كغيره من بني أُمية وبني العبّاس لم يكن بنص من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا باختيار من المسلمين، ولم يختاره أهل الحل والعقد طبقاً للنظريات السائدة آنذاك. وإنّما وصل عن طريق العهد والاستخلاف من قبل من سبقه، وهذا الشعور دفعه للتشبث بالحكم بأيّ أسلوب أمكن، ولهذا استخدم الإرهاب إلى جانب الإغراء في تثبيت حكمه، فلم يسمح لأي معارضة وان كانت سلمية كما لم يسمح لأيّ نصح أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ففي أحد خطبه قام إليه رجل فقال:( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (١) ، فأمر بضربه مائة سوط(٢) .

وفي سنة (١٨٨ هـ) أخذ هارون أحد المقرّبين إلى أحمد بن عيسى العلوي، وضربه حتى مات - على الرغم من تجاوزه التسعين من عمره - لأنه لم يعلمه بمكان العلوي(٣) .

____________________

(١) سورة الصف (٦١): ٣.

(٢) العقد الفريد: ١ / ٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٢٣.

٨٢

وطارد هارون يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم آمنه، وحينما حمل إليه، سجنه وبقي في السجن إلى أن مات فيه، وقيل إن الموكل به منعه من الطعام أياماً فمات جوعاً(١) .

وفي عهده قتل حميد بن قحطبة الطائي ستين علوياً ورماهم في البئر بأمر من هارون حينما كان بطوس(٢) .

وعلى الرغم من ممارساته للإرهاب وقتله للعلويين إلاّ أنه لم يقدم على قتل الإمامعليه‌السلام ، وإنّما كان يكتفي بالتهديد أو التخطيط لقتله دون تنفيذ، ففي أحد المواقف قال: لأخرجن العام إلى مكة ولآخذنَّ علي ابن موسى ولأوردنّه حياض أبيه، وحينما وصل الخبر إلى الإمامعليه‌السلام قال: (ليس عليّ منه بأس)(٣) .

وحينما طلبه هارون للمثول أمامه قالعليه‌السلام لمن معه: (إنه لا يدعوني في هذا الوقت إلاّ لداهية، فوالله لا يمكنه أن يعمل بي شيئاً اكرهه) ولما دخل على هارون أكرمه وطلب منه أن يكتب حوائج أهله، وحينما خرجعليه‌السلام قال هارون: أردت وأراد الله وما أراد الله خير(٤) .

وبقي الإمامعليه‌السلام تحت رقابة شديدة من قبل عيون وجواسيس هارون، وكانوا ينقلون له كل ما يقوله، وكل ما يفعله، ويحصون عليه لقاءاته وزياراته، إلاّ أنه كان شديد الحذر من أجل أن يأمن هارون جانبه.

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠٨.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٠٩.

(٣) إثبات الوصية: ١٧٤.

(٤) بحار الأنوار: ٤٩ / ١١٦، عن مهج الدعوات.

٨٣

ثانياً: الاستبداد

لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثاً لأولاده الثلاث من بعده، واختار ابنه محمداً بن زبيدة إرضاءً لها على الرغم من اعترافه بعدم أهلية محمد للخلافة، حيث اعترف بذلك قائلاً: وقد قدمت محمداً... وإني لأعلم أنّه منقاد إلى هواه، مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الإماء والنساء، ولولا أم جعفر - يعني زبيدة - وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه(١) .

فاختار ابن زبيدة لهواها فيه، ولم يكترث ممّا سيحل بالمسلمين من كوارث جراء التنافس بين ولديه الذي ذهب ضحيته الآف المسلمين في قتال دموي وإنفاق لأموال المسلمين في ذلك القتال.

ومن مظاهر الاستبداد هو إسناد المناصب الحكومية والعسكرية إلى أقربائه وخواصّه والمتملّقين إليه دون النظر إلى مؤهلاتهم الدينية والخلقية والإدارية.

ثالثاً: الأخطار الخارجية

كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي بداية عهد الإمام الرضاعليه‌السلام أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة، قتل فيها الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف، وكما يقول المؤرخون: جرى على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبداً(٢) .

وكان الروم يتحيّنون الفرص للوثوب على المسلمين، وكانوا ينقضون الصلح بين فترة وأخرى، ولا يرجعون إليه إلاّ بمعارك طاحنة، وكان الغزو غير

____________________

(١) تاريخ الخميس ٦ ٢ / ٣٣٤.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة ( ١٨١، ١٩١): ١٢.

٨٤

قائم على أسس نشر الإسلام وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، وإنّما الدافع إليه هوى الحاكم ورغبته في السيطرة على أكبر مساحة وأكثر عدد من الناس، وإضافة إلى إشغال المسلمين وإبعادهم عن السياسة والمعارضة وسلوك هارون خير شاهد على هذه الحقيقة، فالحريص على الإسلام والمسلمين لا ينشغل بالجواري والأمسيات الفكاهية، ولا ينشغل بالترف والملذات.

رابعاً: اختلال الجبهة الداخلية

بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها هارون في مرحلة حكمه، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية، ففي سنة (١٨٤ هـ) خرج أبو عمرو حمزة الشاري، واستمر في خروجه إلى سنة (١٨٥ هـ )، وقمع هارون حركته بعد مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه.

وفي نفس السنة قتل أهل طبرستان والي هارون.

وفي السنة نفسها خرج أبو الخصيب للمرّة الثانية وسيطر على نسا وأبيورد وطوس ونيسابور وزحف إلى مرو وسرخس وقوي أمره، ولم تنته حركته إلاّ بمقتل الآلاف من الطرفين سنة ( ١٨٦ هـ)(١) .

وتوسع الخلل في الجبهة الداخلية سنة (١٨٧ هـ) حينما قام هارون بقتل البرامكة وهم أركان الحكم والمشيدون له(٢) ، وقد كان لهم دور كبير في القضاء على خصوم العباسيين ومخالفيهم.

وفي السنة نفسها سجن هارون بن عبد الملك بن صالح بن علي العباسي، لسعي ابنه به وادعائه بأنه يطلب الخلافة(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٨ / ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٢) تاريخ الطبري: ٨ / ٢٨٧.

(٣) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٨٠.

٨٥

وقتل إبراهيم بن عثمان بن نهيك لطلبه بثأر البرامكة(١) .

وفي سنة (١٨٩ هـ) توجه هارون إلى الري بعد ما وصلته الأخبار بأنّ علي بن عيسى بن ماهان - والي خراسان - قد أجمع على خلافه، إضافة إلى القطيعة بينه وبين أهل خراسان، وعاد بعد أربعة أشهر إلى بغداد دون أن يعزله(٢) .

وكان هارون كثير العزل والإقصاء لقادة الأجهزة الحسّاسة في الحكومة، فمنصب قائد الشرطة قد تناوب عليه ثمانية أشخاص يعزل أحدهم ويستبدله بثان وهكذا(٣) .

والسياسة الخاطئة أدّت إلى ضعف العلاقة بين هارون والأمة، والتي وصلت إلى حد الكراهية والبغضاء، فعند مرور هارون على فضيل بن عياض بمكة قال فضيل: الناس يكرهون هذا(٤) .

وخلاصة القول: إن الأوضاع السياسية التي كان يمرّ بها حكم هارون جعلته يستثني من قتل الإمام الرضاعليه‌السلام لقرب العهد بمقتل والده مسجوناً، إضافة إلى أن عهد الإمام كان خالياً من الثورات العلوية التي قد تنسب مسؤوليتها إلى الإمامعليه‌السلام لو كانت قائمة.

وكان دور الإمامعليه‌السلام في هذه المرحلة هو الإصلاح الهادئ لجميع الأوضاع، ومن أعماله القيام بتوضيح المفاهيم السياسية السليمة دون إعلان المعارضة الصريحة.

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٨٦.

(٢) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٩١، ١٩٢.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٢٩.

(٤) تاريخ بغداد: ١٤ / ١٢.

٨٦

٢ - الأوضاع السياسية في عهد محمد ( الأمين )

عاصر الإمامعليه‌السلام حكومة محمد بن هارون خمس سنين، من سنة (١٩٣ هـ) إلى سنة (١٩٨ هـ )، وفي هذه المرحلة لم تظهر من محمد بن هارون أي مبادرة إرهابية باتجاه الإمامعليه‌السلام وباتجاه أهل البيت عموماً، فلم يهدّد بقتله وقتل بقية العلويين، ولم يذكر لنا التأريخ تصريحاً منه بالتفكير في ذلك، ولعلّ الظروف والأوضاع التي أحاطت به لم تساعده على ذلك، ففي بداية حكومته بدأ الخلاف بينه وبين أخيه عبد الله المأمون، وانقسمت الدولة الإسلامية في الحكم إلى قسمين، فلكل منهما أنصار وأتباع ومصادر قوة من أموال وسلاح.

وفي سنة (١٩٤ هـ) تمرّد أهل حمص على الحكومة العباسية فقام قائد جيش محمد الأمين بقتل وجوه أهالي حمص وسجن أهاليها وإلقاء النار في نواحيها، ولم ينته التمرّد إلا بعد مزيد من القتلى والخراب الاقتصادي.

وفي السنة نفسها أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى بولاية العهد من بعده، ثم أمر أخاه المأمون أن يقدم ابنه موسى عليه فرفض.

وفي سنة ( ١٩٥ هـ) أرسل جيشاً إلى خراسان لقتال أخيه المأمون ولكن مني جيشه بالهزيمة، واستمر بإرسال الجيوش تباعاً إلى سنة ( ١٩٧ هـ) ولم تفلح جيوشه بالسيطرة على خراسان بل عادت متقهقرة، ولاحقتها جيوش المأمون إلى أن حاصرت بغداد حصاراً شديداً دام سنة كاملة.

وفي سنة (١٩٨ هـ) سيطرت جيوش المأمون على بغداد بعد قتال دام ذهب ضحيته عشرات الآلاف من الطرفين، وقُتِل الأمين ومن بقي معه من أصحابه، وأصبح المأمون هو الحاكم الوحيد الذي لا ينازعه منازع

٨٧

بعد مقتل أخيه(١) .

وهذه الظروف أدّت إلى عدم توفر فرصة لملاحقة الإمام الرضاعليه‌السلام وغيره من العلويين. وبطبيعة الحال، كان الإمامعليه‌السلام يستثمر هذه الظروف لإصلاح ما أمكن إصلاحه مما فسد في المجتمع الإسلامي والقيام بتوسيع القاعدة الشعبية الشيعية، ونشر المفاهيم والأفكار السليمة. وكان العلويون يقومون بإعادة بناء تنظيماتهم العسكرية، والإعداد لمرحلة مقبلة تبعاً للظروف التي تمر بها الحكومة والأمة الإسلامية معاً.

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٦ / ٢٢٢ - ٢٨٢.

٨٨

الفصل الثالث: دور الإمام الرضاعليه‌السلام قبل ولاية العهد

لقد كان الإمامعليه‌السلام محطّ أنظار الفقهاء ومهوى أفئدة طلاّب العلم، ويشهد لذلك قولهعليه‌السلام : (كنت أجلس في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى الواحد منهم عن مسألة أشاروا عليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجبت عنها)(١) .

وكانعليه‌السلام يأمر أتباعه بمداراة عقول الناس وعدم تحميلها ما لا تطيق من أفكار وعقائد، فقد قال لمحمد بن عبيد: (قل للعبّاسي: يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكفّ عمّا ينكرون)(٢) .

الإصلاح الفكري والديني

وضّح الإمامعليه‌السلام حقيقة التآمر الفكري في بلبلة عقول المسلمين، وأعطى قاعدة كلية في الأساليب والممارسات التي يستخدمها أعداء الإسلام لتشويه الأفكار والمفاهيم الإسلامية فقالعليه‌السلام : (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول

____________________

(١) إعلام الورى: ٢/٦٤ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٠٧ وفي بحار الأنوار: ٤٩/١٠٠.

(٢) التوحيد: ٩٥.

٨٩

بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم؛ ثلبونا بأسمائنا...)(١) .

واتخذ الإمامعليه‌السلام عدّة أساليب في مجال الإصلاح الفكري وإليك إيضاحها:

أوّلاً: الرد على الانحرافات الفكرية

قام الإمامعليه‌السلام بالرد على جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الألفة بين المنحرفين وبينها، وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة أخرى.

ففي ردّه على المشبّهة قالعليه‌السلام : (إلهي بدت قدرتك ولم تبد واهية فجهلوك، وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك وإنّي بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء)(٢) .

وفي ردّه على المجبرة والمفوضة قالعليه‌السلام : (من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومن زعم أنّ الله عَزَّ وجَلَّ فوض أمر الخلق والرزق إلى حججهعليهم‌السلام ، فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك)(٣) .

وله ردود عديدة على الغلاة والمجسّمة وأصحاب التفسير بالرأي والقياس، كما أن له ردوداً على الفرق غير الإسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.

وفنّد الإمامعليه‌السلام جميع الروايات التي يعتمد عليها المنحرفون، ووضّح

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠٤.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١١٧.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٤.

٩٠

بطلان صدورها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرشد المسلمين إلى الروايات الصحيحة، ففي رده على الرواية المفتعلة والمنسوبة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي جاء فيها: (أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا)، قالعليه‌السلام : (لعن الله المحرّفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله كذلك، وإنما قال: إن الله تعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فاغفر له... حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

كما دعا الإمام الرضاعليه‌السلام إلى مقاطعة المنحرفين كالمجبّرة والمفوّضة والغلاة مقاطعة كلية لمنع تأثيرهم في الأمة، وأسند هذه الأوامر إلى أجدادهعليهم‌السلام تارة وإليه ابتداءً تارة أخرى.

قالعليه‌السلام : (حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: من زعم أن الله تعالى يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون، فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلّوا ورائه، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً)(٢) .

وقالعليه‌السلام عن مقاطعة الغلاة والمفوّضة: (الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو وأكلهم، أو شاربهم، أو وأصلهم، أو زوّجهم، أو تزوّج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عَزَّ وجَلَّ وولاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولايتنا أهل البيت)(٣) .

بل أمر بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقالعليه‌السلام : (لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً، ألا كانوا مجوساً، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا قدريّة، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٦، ١٢٧.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٤.

(٣) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٠٣.

٩١

حرورية... لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم برئ الله منهم)(١) .

وأمّا موقفهعليه‌السلام من الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي:

بعد أن استشهد الإمام الكاظمعليه‌السلام طالب الإمام الرضاعليه‌السلام جماعة من وكلائه بإرسال المال الذي كان بحوزتهم إليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه: إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل(٢) .

واستطاع هؤلاء أن يستميلوا بعض الناس لترويج فكرة أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام لم يمت وأنّه القائم المنتظر.

وكان دور الإمامعليه‌السلام هو إثبات موت أبيه في المرحلة الأولى من مواجهة هذه الأفكار الهدّامة.

واستمر في مواجهتهم بشتى الأساليب، وكانت الحكومة آنذاك تشجع مثل هذه الأفكار الهدّامة لتفتيت التآزر والتآلف بين أتباع أهل البيتعليهم‌السلام . وما كان من الإمامعليه‌السلام إلاّ أن يعلن المواجهة مع الواقفة للقضاء عليهم، فقد لعنهم أمام أصحابه فقالعليه‌السلام : (لعنهم الله ما أشدّ كذبهم)(٣) .

وأمر بعدم مجالستهم تحجيماً لأفكارهم ومدّعياتهم، فقال لمحمد بن عاصم: (بلغني أنّك تجالس الواقفة؟) قال: نعم، جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: (لا تجالسهم)(٤) .

وقالعليه‌السلام فيمن سأله عن الواقفة: (الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير)(٥) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ٢ / ٢٠٢.

(٢) الغيبة للطوسي: ٦٥ ح ٦٧ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٥٣.

(٣) رجال الكشي: ٤٥٨ ح ٨٦٨.

(٤) رجال الكشي: ٤٥٧ ح ٨٦٤.

(٥) رجال الكشي: ٤٥٥ ح ٨٦٠.

٩٢

وأمر بمنع الزكاة عنهم فعن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ قال: (لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة)(١) .

وبذلك استطاع تحجيم دورهم وإيقاف حركتهم داخل كيان أنصار أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم تنتشر أفكارهم إلا عند أصحاب المطامع والأهواء.

ثانياً: نشر الأفكار السليمة

ابتدأ الإمامعليه‌السلام بالرد على الأفكار المنحرفة ثم أمر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتأثرين بها؛ لتطويقها في مهدها والحيلولة دون استشرائها في الواقع، ثم عمل على نشر الأفكار السليمة لتتم المحاصرة من جميع الجوانب.

فكانعليه‌السلام يقوم بتفسير الآيات القرآنية التي تتناول أصول وقواعد العقيدة والشريعة، ويهتمّ بنشر الأحاديث الشريفة عن آبائه وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكي تكون هي الحاكمة على أفكار وتصورات المسلمين.

وكان يستثمر جميع الفرص المتاحة لتبيان الفكر السليم والمفاهيم الشرعية الصحيحة.

ففي مجال التوحيد قالعليه‌السلام : (حسبنا شهادة أن لا اله إلا الله أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، قيّوماً سميعاً بصيراً قوياً قائماً باقياً نوراً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنياً لا يحتاج، عدلاً لا يجور، خلق كل شيء، ليس كمثله شيء، لا شبه له، ولا ضدّ، ولا ندّ، ولا كفوء)(٢) .

وصنّفعليه‌السلام أصناف القائلين بالتوحيد فقال: (للناس في التوحيد ثلاثة

____________________

(١) رجال الكشي: ٤٥٦ ح ٨٦٢.

(٢) تحف العقول: ٣١٠.

٩٣

مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه)(١) .

وسئلعليه‌السلام : أيكلّف الله العباد ما لا يطيقون؟ فقال: (هو أعدل من ذلك)، قيل له: فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون؟ قال: (هم أعجز من ذلك)(٢) .

ونشر الأفكار الإسلامية يشكّل الركن الأساسي في الإصلاح الفكري لأنه يستبدل فكراً بفكر ورأياً برأي وتشريعاً بتشريع.

ثالثاً: إرجاع الأمة إلى العلماء

بعد توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيتعليهم‌السلام وصعوبة الالتقاء بالإمامعليه‌السلام باستمرار، قام الإمامعليه‌السلام بإرجاع الأمة إلى عدد من العلماء لأخذ معالم دينهم، فعن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا، فقلت: إني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني؟ قال: (خذ من يونس بن عبد الرحمن)(٣) .

وكان له أتباع من الفقهاء منتشرين في جميع الأمصار، يُرجع لهم أنصاره وسائر المسلمين لأخذ معالم الدين من عقائد وتشريعات وأحكام، منهم: أحمد بن محمد البزنطي، ومحمد بن الفضل الكوفي، وعبد الله بن جندب البجلي، والحسين بن سعيد الأهوازي.

وكان يتابع حركة الرواة لكي لا يكذبوا عليه أو على آبائه، فكان يقول عن يونس مولى علي بن يقطين: (كذب - لعنه الله - على أبي)(٤) .

____________________

(١) بحار الأنوار: ٣ / ٢٦٣.

(٢) الوافي بالوفيات: ٢٢ / ٢٤٩.

(٣) رجال الكشي: ٤٨٣ ح ٩١٠.

(٤) بحار الأنوار: ٤٩ / ٢٦١ - ٢٦٢ عن السرائر: ٣/٥٨٠.

٩٤

الاصلاح الاقتصادي

لم يكن الإمامعليه‌السلام على رأس سلطة حتى يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية إصلاحاً فعلياً، ولذا اكتفى بنشر المفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحياة الاقتصادية والنظام الاقتصادي الإسلامي، فقد حدّد جوامع الشريعة في رسالة له طويلة اعتبر الانحراف عن نهج الإسلام الاقتصادي من الكبائر التي يعاقب عليها الإنسان، ومما جاء في هذه الرسالة: (واجتناب الكبائر، وهي... أكل مال اليتامى ظلماً... وأكل الربا والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان والمكيال... وحبس الحقوق من غير عسر... والإسراف والتبذير)(١) .

وكان يدعو إلى دفع الزكاة فيقول: (إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلّى ولم يزكّ لم تقبل منه صلاته...)(٢) .

وكان يوضّح أسباب الظواهر السلبية ومنها حبس الزكاة فيقول: (إذا كذبت الولاة حبس المطر، وإذا جار السلطان هانت الدولة، وإذا حبست الزكاة ماتت المواشي)(٣) .

وكانعليه‌السلام يدعو إلى إيصال الزكاة إلى مستحقيها، فحينما سئل عن إعطاء الزكاة فيمن لا يعرف - إي بالإيمان - قال: ( لا، ولا زكاة الفطرة)(٤) .

وكان يقول: (وزكاة الفطرة فريضة... لا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية لأنها فريضة)(٥) .

____________________

(١) تحف العقول: ٣١٦.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٥٨.

(٣) وسائل الشيعة ٩ / ٣١، عن أمالي الطوسي: ١ / ٧٧.

(٤) وسائل الشيعة: ٩/٢٢١، عن الكافي: ٣ / ٥٤٧.

(٥) وسائل الشيعة: ٩ / ٣٣٩.

٩٥

وهذا تصريح يكشف التلاعب بأموال المسلمين من قبل الحكّام بتوزيعهم الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيّد بميزان شرعي.

وكان يدعو إلى إعطاء الخمس إلى الإمام الحقّ وليس إلى الحاكم المغتصب للخلافة ففي كتابه إلى أحد تجّار فارس ردّاً على سؤال له يقول: (... لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحله الله. إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا... فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم...)(١) .

وكان يدعو إلى التكافل الاقتصادي ويحثّ عليه قالعليه‌السلام : (السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه)(٢) .

وقال لعلي بن يقطين: (أضمن لي الكاهلي وعياله وأضمن لك الجنّة)(٣) .

وكان يحارب الإسراف والتبذير، فعن ياسر الخادم قال: أكل الغلمان يوماً فاكهة، فلم يستقصوا أكلها ورموا بها فقال لهم أبو الحسنعليه‌السلام : (سبحان الله! إن كنتم استغنيتم فإنّ إناساً لم يستغنوا، اطعموه من يحتاج إليه)(٤) .

وكان ينفق ما يصل إليه من أموال على الفقراء والمعوزين حتى إنه وزع جميع ما يملك في يوم عرفة(٥) .

وكان قدوة في الصدقة والعطاء لتقتدي به الأُمة، ويكون عمله ميزاناً تزن به الأُمة ممارسات الحكّام المالية، لتميز بين منهجين اقتصاديين، منهج أهل البيتعليهم‌السلام ومنهج الحكّام المتلاعبين بأموال المسلمين.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ٩ / ٥٣٨، عن الكافي ١ / ٤٦٠.

(٢) فرائد السمطين: ٢ / ٢٢٣.

(٣) رجال الكشي: ٤٣٥ ح ٨٢٠.

(٤) الكافي: ٦ / ٢٩٧.

(٥) بحار الأنوار: ٤٩ / ١٠٠، عن: مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٩٠.

٩٦

وكان يحارب التصوّف ومفاهيم الزهد الخاطئ، الذي شجّع عليه الحكّام لإبعاد الأُمة عن المطالبة بحقوقها، أو الدعوة إلى التوازن الاقتصادي، فكانعليه‌السلام يجلس في الصيف على حصير وفي الشتاء على بساط من شعر، ويلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيّن لهم(١) .

ودخل عليه قوم من الصوفية فقالوا له:... والأئمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض؟ فأجابهم بالقول: (كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون، ويحكم! إنما يراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز. إن الله لم يحرم لبوساً ولا مطعماً...)(٢) .

والدعوة إلى رفض المفاهيم الخاطئة للزهد هي معارضة صامتة للحكّام الذين سمحوا بانتشار هذه المفاهيم.

الإصلاح الأخلاقي

كان الإمامعليه‌السلام يستثمر جميع الفرص المتاحة للإصلاح والتغيير الأخلاقي والاجتماعي وبناء واقع جديد مغاير لما عليه عامة الناس، ولهذا تعددت أساليبه التربوية الإصلاحية فكانت كما يلي:

أولاً: إحياء روح الاقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قام الإمامعليه‌السلام بتوجيه الأنظار والقلوب للاقتداء بأرقى النماذج البشرية وهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو قدوة للحكّام باعتباره حاكماً ورئيس دولة، وقدوة

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٧٨.

(٢) كشف الغمة: ٣ / ١٠٠ عن الآبي في نثر الدرر، الفصول المهمة: ٢٥٤.

٩٧

للفقهاء، وقدوة لسائر المسلمين من أفراد وجماعات.

وإذا كانت الحكومات المعاصرة للإمامعليه‌السلام تضيّق الخناق على الإمامعليه‌السلام في حالة التدخل في السياسة فإنها لا تستطيع أن تمنعه من الحديث المتعلق بأخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصوصاً أخلاقه كحاكم، ولذا وجدعليه‌السلام الظروف مناسبة للدعوة إلى الاقتداء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد كان يذكر الأحاديث عن أجداده حول أخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها الحديث المروي عن الإمام الحسنعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام في صفات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأخلاقية:

(... وكان من سيرته في جزء الأُمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيشاغل ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأُمة من مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته... كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخزن لسانه إلاَّ عما يعنيه... ويكرم كريم قوم ويولّيه عليهم... ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس... خيارهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة... وقد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أباً رحيماً، وصاروا عنده في الحق سواء... كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب... وترك من الناس من ثلاث كان لا يذم أحداً ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته... وجمع له الحلم مع الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر مع أربع: أخذه الحسن ليقتدى به، وتركه الباطل لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في إصلاح أمته والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة)(١) .

وهذه الدعوة دعوة صامتة لتقوم الأُمة بتشخيص منهجين في الأخلاق: منهج الحكّام ومنهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو منهج أهل البيتعليهم‌السلام . وقد

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣١٧ - ٣١٩.

٩٨

فوّت الإمامعليه‌السلام على الحكّام فرصة منعه من التحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجانب الخلقي. وهكذا كانت الدعوة إلى الاقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوة صامتة وسلميّة لكشف حقيقة أخلاق الحكّام.

ثانياً: القيام بدور القدوة

إن دور الإمامعليه‌السلام هو دور القدوة، وقد أدى الإمامعليه‌السلام هذا الدور أداءً مطابقاً لقيم الإسلام الثابتة، وأبرز للمسلمين نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الإسلامي الرفيع، وكان قمة في الصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد، والتواضع، واحترام الآخرين، والاهتمام بالمسلمين، وقضاء حوائجهم.

وكان يعالج الواقع الفاسد في العلاقات معالجة عملية، ومن مواقفه العملية انه دعا يوماً بمائدة، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقيل له: لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال: (إن الربّ تبارك وتعالى واحد والأم واحدة والأب واحد والجزاء بالأعمال)(١) .

وقال لخدّامه: (إن قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون، فلا تقوموا حتى تفرغوا).

وكان لا يستخدم أحداً من خدّامه حتى يفرغ من طعامه(٢) .

ووصفه إبراهيم بن العباس: ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، ما جفا أحداً ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين يدي جليس، ولا اتكئ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدة مماليكه... كثير

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٩ / ١٠٢ عن فروع الكافي.

(٢) الكافي: ٦ / ٢٨٩.

٩٩

المعروف والصدقة في السر...(١) .

وكان متواضعاً للناس، دخل الحمام فقال له بعض الناس: دلّكني يا رجل. فجعل يدلّكه فعرّفوه، فجعل الرجل يعتذر منه، وهو يطيب قلبه ويدلّكه(٢) .

وكانعليه‌السلام كثير العفو والصفح لا يقابل الإساءة بالإساءة، رحيماً لا يحمل حقداً ولا عداءاً لمن يؤذيه من عامة الناس أو من خواصهم، فقد عفى عن الجلودي الذي سلب حلي نساء أهل البيتعليهم‌السلام عندما هجم على دار الإمام الرضاعليه‌السلام في عهد هارون، وطلب من المأمون أن لا يمسّه بسوء(٣) .

وقال شعراً يصف به أخلاقه الكريمة لتقتدي به الأُمة:

إذا كان من دوني بليت بجهله

أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل

وإن كان مثلي في محلّي من النهى

أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى

عرفت له حق التقدّم والفضل (٤)

ثالثاً: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

كانعليه‌السلام يدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق ومحاسنها، ويعمق هذه الدعوة من خلال نشر أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم، ومن تلك الأحاديث التي رواها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة

____________________

(١) إعلام الورى: ٢/٦٤ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٠٦ وفي مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٨٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٩١.

(٣) أعيان الشيعة: ٢ / ٢٥.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٠٢.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253