اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)23%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132809 / تحميل: 7943
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لو طعنوا عليه في أحكامه قبل ذلك منهم، وبعد ازدياد الشكاوي عليه عزله، ثم أصبح فيما بعد من ندمائه ورخّص له في أمور كثيرة(١) .

وكان الانحراف واضحاً لدى المقربين من الحكام، ففي بداية عهد المأمون كان بعض الجنود والشرطة في بغداد والكرخ يجهرون بالفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق... وكانوا يجتمعون فيأتون القرى... ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغير ذلك، لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر على ذلك منهم، لان السلطان كان يعتزّ بهم، وكانوا بطانته(٢) .

الانحراف السياسي

١ - الأوضاع السياسية في عهد هارون

عاصر الإمام الرضاعليه‌السلام في مرحلة إمامته حكومة هارون عشر سنين من سنة (١٨٣ هـ) إلى سنة (١٩٣ هـ )، ولم تختلف سياسة هارون عن سياسة من سبقه من الحكّام، ولا عن سياسته السابقة في مرحلة الإمام الكاظمعليه‌السلام إلاّ أنه لم يتعرض تعرضاً مباشراً للإمام الرضاعليه‌السلام ؛ لأن الظروف والأوضاع السياسية لم تساعده على ذلك، فاغتيال الإمام الكاظمعليه‌السلام مسموماً لا زال يثير هواجسه خوفاً من ردود فعل الحركات المسلّحة المرتبطة بأهل البيتعليهم‌السلام ، ولذا نجده في بداية استشهاد الإمامعليه‌السلام أحضر القوّاد والكتّاب والهاشميين والقضاة، ثم كشف عن وجهه، وقال: أترَوْن به أثراً أو ما يدل على اغتيال؟(٣) .

____________________

(١) مروج الذهب: ٣ / ٤٣٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٨ / ٥٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤١٤.

٨١

ولهذا لم يقدم على اتخاذ نفس الأسلوب مع الإمام الرضاعليه‌السلام ورفض الاستجابة لمن حرّضه على قتله - كما تقدّم - وإضافة إلى ذلك فإن الإمام الرضاعليه‌السلام اتخذ أسلوباً واعياً في التحرك السياسي، ولم يعط لهارون أيّ مبرّر للتخوف من تحركه، على أنّ أغلب الرسائل التي رفعت إليه لم تتطرق إلى نشاط سياسي ملحوظ للإمام الرضاعليه‌السلام .

إذن كان حكم هارون أكثر هدوءً وسلاماً مع الإمام الرضاعليه‌السلام ، وإن كان قد اتّسم بالمظاهر التالية:

أولاً: الإرهاب

إن وصول هارون للحكم كغيره من بني أُمية وبني العبّاس لم يكن بنص من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا باختيار من المسلمين، ولم يختاره أهل الحل والعقد طبقاً للنظريات السائدة آنذاك. وإنّما وصل عن طريق العهد والاستخلاف من قبل من سبقه، وهذا الشعور دفعه للتشبث بالحكم بأيّ أسلوب أمكن، ولهذا استخدم الإرهاب إلى جانب الإغراء في تثبيت حكمه، فلم يسمح لأي معارضة وان كانت سلمية كما لم يسمح لأيّ نصح أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ففي أحد خطبه قام إليه رجل فقال:( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (١) ، فأمر بضربه مائة سوط(٢) .

وفي سنة (١٨٨ هـ) أخذ هارون أحد المقرّبين إلى أحمد بن عيسى العلوي، وضربه حتى مات - على الرغم من تجاوزه التسعين من عمره - لأنه لم يعلمه بمكان العلوي(٣) .

____________________

(١) سورة الصف (٦١): ٣.

(٢) العقد الفريد: ١ / ٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٢٣.

٨٢

وطارد هارون يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم آمنه، وحينما حمل إليه، سجنه وبقي في السجن إلى أن مات فيه، وقيل إن الموكل به منعه من الطعام أياماً فمات جوعاً(١) .

وفي عهده قتل حميد بن قحطبة الطائي ستين علوياً ورماهم في البئر بأمر من هارون حينما كان بطوس(٢) .

وعلى الرغم من ممارساته للإرهاب وقتله للعلويين إلاّ أنه لم يقدم على قتل الإمامعليه‌السلام ، وإنّما كان يكتفي بالتهديد أو التخطيط لقتله دون تنفيذ، ففي أحد المواقف قال: لأخرجن العام إلى مكة ولآخذنَّ علي ابن موسى ولأوردنّه حياض أبيه، وحينما وصل الخبر إلى الإمامعليه‌السلام قال: (ليس عليّ منه بأس)(٣) .

وحينما طلبه هارون للمثول أمامه قالعليه‌السلام لمن معه: (إنه لا يدعوني في هذا الوقت إلاّ لداهية، فوالله لا يمكنه أن يعمل بي شيئاً اكرهه) ولما دخل على هارون أكرمه وطلب منه أن يكتب حوائج أهله، وحينما خرجعليه‌السلام قال هارون: أردت وأراد الله وما أراد الله خير(٤) .

وبقي الإمامعليه‌السلام تحت رقابة شديدة من قبل عيون وجواسيس هارون، وكانوا ينقلون له كل ما يقوله، وكل ما يفعله، ويحصون عليه لقاءاته وزياراته، إلاّ أنه كان شديد الحذر من أجل أن يأمن هارون جانبه.

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠٨.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٠٩.

(٣) إثبات الوصية: ١٧٤.

(٤) بحار الأنوار: ٤٩ / ١١٦، عن مهج الدعوات.

٨٣

ثانياً: الاستبداد

لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثاً لأولاده الثلاث من بعده، واختار ابنه محمداً بن زبيدة إرضاءً لها على الرغم من اعترافه بعدم أهلية محمد للخلافة، حيث اعترف بذلك قائلاً: وقد قدمت محمداً... وإني لأعلم أنّه منقاد إلى هواه، مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الإماء والنساء، ولولا أم جعفر - يعني زبيدة - وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه(١) .

فاختار ابن زبيدة لهواها فيه، ولم يكترث ممّا سيحل بالمسلمين من كوارث جراء التنافس بين ولديه الذي ذهب ضحيته الآف المسلمين في قتال دموي وإنفاق لأموال المسلمين في ذلك القتال.

ومن مظاهر الاستبداد هو إسناد المناصب الحكومية والعسكرية إلى أقربائه وخواصّه والمتملّقين إليه دون النظر إلى مؤهلاتهم الدينية والخلقية والإدارية.

ثالثاً: الأخطار الخارجية

كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي بداية عهد الإمام الرضاعليه‌السلام أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة، قتل فيها الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف، وكما يقول المؤرخون: جرى على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبداً(٢) .

وكان الروم يتحيّنون الفرص للوثوب على المسلمين، وكانوا ينقضون الصلح بين فترة وأخرى، ولا يرجعون إليه إلاّ بمعارك طاحنة، وكان الغزو غير

____________________

(١) تاريخ الخميس ٦ ٢ / ٣٣٤.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة ( ١٨١، ١٩١): ١٢.

٨٤

قائم على أسس نشر الإسلام وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، وإنّما الدافع إليه هوى الحاكم ورغبته في السيطرة على أكبر مساحة وأكثر عدد من الناس، وإضافة إلى إشغال المسلمين وإبعادهم عن السياسة والمعارضة وسلوك هارون خير شاهد على هذه الحقيقة، فالحريص على الإسلام والمسلمين لا ينشغل بالجواري والأمسيات الفكاهية، ولا ينشغل بالترف والملذات.

رابعاً: اختلال الجبهة الداخلية

بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها هارون في مرحلة حكمه، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية، ففي سنة (١٨٤ هـ) خرج أبو عمرو حمزة الشاري، واستمر في خروجه إلى سنة (١٨٥ هـ )، وقمع هارون حركته بعد مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه.

وفي نفس السنة قتل أهل طبرستان والي هارون.

وفي السنة نفسها خرج أبو الخصيب للمرّة الثانية وسيطر على نسا وأبيورد وطوس ونيسابور وزحف إلى مرو وسرخس وقوي أمره، ولم تنته حركته إلاّ بمقتل الآلاف من الطرفين سنة ( ١٨٦ هـ)(١) .

وتوسع الخلل في الجبهة الداخلية سنة (١٨٧ هـ) حينما قام هارون بقتل البرامكة وهم أركان الحكم والمشيدون له(٢) ، وقد كان لهم دور كبير في القضاء على خصوم العباسيين ومخالفيهم.

وفي السنة نفسها سجن هارون بن عبد الملك بن صالح بن علي العباسي، لسعي ابنه به وادعائه بأنه يطلب الخلافة(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٨ / ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٢) تاريخ الطبري: ٨ / ٢٨٧.

(٣) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٨٠.

٨٥

وقتل إبراهيم بن عثمان بن نهيك لطلبه بثأر البرامكة(١) .

وفي سنة (١٨٩ هـ) توجه هارون إلى الري بعد ما وصلته الأخبار بأنّ علي بن عيسى بن ماهان - والي خراسان - قد أجمع على خلافه، إضافة إلى القطيعة بينه وبين أهل خراسان، وعاد بعد أربعة أشهر إلى بغداد دون أن يعزله(٢) .

وكان هارون كثير العزل والإقصاء لقادة الأجهزة الحسّاسة في الحكومة، فمنصب قائد الشرطة قد تناوب عليه ثمانية أشخاص يعزل أحدهم ويستبدله بثان وهكذا(٣) .

والسياسة الخاطئة أدّت إلى ضعف العلاقة بين هارون والأمة، والتي وصلت إلى حد الكراهية والبغضاء، فعند مرور هارون على فضيل بن عياض بمكة قال فضيل: الناس يكرهون هذا(٤) .

وخلاصة القول: إن الأوضاع السياسية التي كان يمرّ بها حكم هارون جعلته يستثني من قتل الإمام الرضاعليه‌السلام لقرب العهد بمقتل والده مسجوناً، إضافة إلى أن عهد الإمام كان خالياً من الثورات العلوية التي قد تنسب مسؤوليتها إلى الإمامعليه‌السلام لو كانت قائمة.

وكان دور الإمامعليه‌السلام في هذه المرحلة هو الإصلاح الهادئ لجميع الأوضاع، ومن أعماله القيام بتوضيح المفاهيم السياسية السليمة دون إعلان المعارضة الصريحة.

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٨٦.

(٢) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٩١، ١٩٢.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٢٩.

(٤) تاريخ بغداد: ١٤ / ١٢.

٨٦

٢ - الأوضاع السياسية في عهد محمد ( الأمين )

عاصر الإمامعليه‌السلام حكومة محمد بن هارون خمس سنين، من سنة (١٩٣ هـ) إلى سنة (١٩٨ هـ )، وفي هذه المرحلة لم تظهر من محمد بن هارون أي مبادرة إرهابية باتجاه الإمامعليه‌السلام وباتجاه أهل البيت عموماً، فلم يهدّد بقتله وقتل بقية العلويين، ولم يذكر لنا التأريخ تصريحاً منه بالتفكير في ذلك، ولعلّ الظروف والأوضاع التي أحاطت به لم تساعده على ذلك، ففي بداية حكومته بدأ الخلاف بينه وبين أخيه عبد الله المأمون، وانقسمت الدولة الإسلامية في الحكم إلى قسمين، فلكل منهما أنصار وأتباع ومصادر قوة من أموال وسلاح.

وفي سنة (١٩٤ هـ) تمرّد أهل حمص على الحكومة العباسية فقام قائد جيش محمد الأمين بقتل وجوه أهالي حمص وسجن أهاليها وإلقاء النار في نواحيها، ولم ينته التمرّد إلا بعد مزيد من القتلى والخراب الاقتصادي.

وفي السنة نفسها أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى بولاية العهد من بعده، ثم أمر أخاه المأمون أن يقدم ابنه موسى عليه فرفض.

وفي سنة ( ١٩٥ هـ) أرسل جيشاً إلى خراسان لقتال أخيه المأمون ولكن مني جيشه بالهزيمة، واستمر بإرسال الجيوش تباعاً إلى سنة ( ١٩٧ هـ) ولم تفلح جيوشه بالسيطرة على خراسان بل عادت متقهقرة، ولاحقتها جيوش المأمون إلى أن حاصرت بغداد حصاراً شديداً دام سنة كاملة.

وفي سنة (١٩٨ هـ) سيطرت جيوش المأمون على بغداد بعد قتال دام ذهب ضحيته عشرات الآلاف من الطرفين، وقُتِل الأمين ومن بقي معه من أصحابه، وأصبح المأمون هو الحاكم الوحيد الذي لا ينازعه منازع

٨٧

بعد مقتل أخيه(١) .

وهذه الظروف أدّت إلى عدم توفر فرصة لملاحقة الإمام الرضاعليه‌السلام وغيره من العلويين. وبطبيعة الحال، كان الإمامعليه‌السلام يستثمر هذه الظروف لإصلاح ما أمكن إصلاحه مما فسد في المجتمع الإسلامي والقيام بتوسيع القاعدة الشعبية الشيعية، ونشر المفاهيم والأفكار السليمة. وكان العلويون يقومون بإعادة بناء تنظيماتهم العسكرية، والإعداد لمرحلة مقبلة تبعاً للظروف التي تمر بها الحكومة والأمة الإسلامية معاً.

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٦ / ٢٢٢ - ٢٨٢.

٨٨

الفصل الثالث: دور الإمام الرضاعليه‌السلام قبل ولاية العهد

لقد كان الإمامعليه‌السلام محطّ أنظار الفقهاء ومهوى أفئدة طلاّب العلم، ويشهد لذلك قولهعليه‌السلام : (كنت أجلس في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى الواحد منهم عن مسألة أشاروا عليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجبت عنها)(١) .

وكانعليه‌السلام يأمر أتباعه بمداراة عقول الناس وعدم تحميلها ما لا تطيق من أفكار وعقائد، فقد قال لمحمد بن عبيد: (قل للعبّاسي: يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكفّ عمّا ينكرون)(٢) .

الإصلاح الفكري والديني

وضّح الإمامعليه‌السلام حقيقة التآمر الفكري في بلبلة عقول المسلمين، وأعطى قاعدة كلية في الأساليب والممارسات التي يستخدمها أعداء الإسلام لتشويه الأفكار والمفاهيم الإسلامية فقالعليه‌السلام : (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول

____________________

(١) إعلام الورى: ٢/٦٤ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٠٧ وفي بحار الأنوار: ٤٩/١٠٠.

(٢) التوحيد: ٩٥.

٨٩

بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم؛ ثلبونا بأسمائنا...)(١) .

واتخذ الإمامعليه‌السلام عدّة أساليب في مجال الإصلاح الفكري وإليك إيضاحها:

أوّلاً: الرد على الانحرافات الفكرية

قام الإمامعليه‌السلام بالرد على جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الألفة بين المنحرفين وبينها، وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة أخرى.

ففي ردّه على المشبّهة قالعليه‌السلام : (إلهي بدت قدرتك ولم تبد واهية فجهلوك، وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك وإنّي بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء)(٢) .

وفي ردّه على المجبرة والمفوضة قالعليه‌السلام : (من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومن زعم أنّ الله عَزَّ وجَلَّ فوض أمر الخلق والرزق إلى حججهعليهم‌السلام ، فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك)(٣) .

وله ردود عديدة على الغلاة والمجسّمة وأصحاب التفسير بالرأي والقياس، كما أن له ردوداً على الفرق غير الإسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.

وفنّد الإمامعليه‌السلام جميع الروايات التي يعتمد عليها المنحرفون، ووضّح

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠٤.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١١٧.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٤.

٩٠

بطلان صدورها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرشد المسلمين إلى الروايات الصحيحة، ففي رده على الرواية المفتعلة والمنسوبة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي جاء فيها: (أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا)، قالعليه‌السلام : (لعن الله المحرّفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله كذلك، وإنما قال: إن الله تعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فاغفر له... حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

كما دعا الإمام الرضاعليه‌السلام إلى مقاطعة المنحرفين كالمجبّرة والمفوّضة والغلاة مقاطعة كلية لمنع تأثيرهم في الأمة، وأسند هذه الأوامر إلى أجدادهعليهم‌السلام تارة وإليه ابتداءً تارة أخرى.

قالعليه‌السلام : (حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: من زعم أن الله تعالى يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون، فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلّوا ورائه، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً)(٢) .

وقالعليه‌السلام عن مقاطعة الغلاة والمفوّضة: (الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو وأكلهم، أو شاربهم، أو وأصلهم، أو زوّجهم، أو تزوّج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عَزَّ وجَلَّ وولاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولايتنا أهل البيت)(٣) .

بل أمر بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقالعليه‌السلام : (لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً، ألا كانوا مجوساً، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا قدريّة، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٦، ١٢٧.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٤.

(٣) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٠٣.

٩١

حرورية... لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم برئ الله منهم)(١) .

وأمّا موقفهعليه‌السلام من الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي:

بعد أن استشهد الإمام الكاظمعليه‌السلام طالب الإمام الرضاعليه‌السلام جماعة من وكلائه بإرسال المال الذي كان بحوزتهم إليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه: إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل(٢) .

واستطاع هؤلاء أن يستميلوا بعض الناس لترويج فكرة أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام لم يمت وأنّه القائم المنتظر.

وكان دور الإمامعليه‌السلام هو إثبات موت أبيه في المرحلة الأولى من مواجهة هذه الأفكار الهدّامة.

واستمر في مواجهتهم بشتى الأساليب، وكانت الحكومة آنذاك تشجع مثل هذه الأفكار الهدّامة لتفتيت التآزر والتآلف بين أتباع أهل البيتعليهم‌السلام . وما كان من الإمامعليه‌السلام إلاّ أن يعلن المواجهة مع الواقفة للقضاء عليهم، فقد لعنهم أمام أصحابه فقالعليه‌السلام : (لعنهم الله ما أشدّ كذبهم)(٣) .

وأمر بعدم مجالستهم تحجيماً لأفكارهم ومدّعياتهم، فقال لمحمد بن عاصم: (بلغني أنّك تجالس الواقفة؟) قال: نعم، جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: (لا تجالسهم)(٤) .

وقالعليه‌السلام فيمن سأله عن الواقفة: (الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير)(٥) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ٢ / ٢٠٢.

(٢) الغيبة للطوسي: ٦٥ ح ٦٧ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٥٣.

(٣) رجال الكشي: ٤٥٨ ح ٨٦٨.

(٤) رجال الكشي: ٤٥٧ ح ٨٦٤.

(٥) رجال الكشي: ٤٥٥ ح ٨٦٠.

٩٢

وأمر بمنع الزكاة عنهم فعن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ قال: (لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة)(١) .

وبذلك استطاع تحجيم دورهم وإيقاف حركتهم داخل كيان أنصار أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم تنتشر أفكارهم إلا عند أصحاب المطامع والأهواء.

ثانياً: نشر الأفكار السليمة

ابتدأ الإمامعليه‌السلام بالرد على الأفكار المنحرفة ثم أمر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتأثرين بها؛ لتطويقها في مهدها والحيلولة دون استشرائها في الواقع، ثم عمل على نشر الأفكار السليمة لتتم المحاصرة من جميع الجوانب.

فكانعليه‌السلام يقوم بتفسير الآيات القرآنية التي تتناول أصول وقواعد العقيدة والشريعة، ويهتمّ بنشر الأحاديث الشريفة عن آبائه وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكي تكون هي الحاكمة على أفكار وتصورات المسلمين.

وكان يستثمر جميع الفرص المتاحة لتبيان الفكر السليم والمفاهيم الشرعية الصحيحة.

ففي مجال التوحيد قالعليه‌السلام : (حسبنا شهادة أن لا اله إلا الله أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، قيّوماً سميعاً بصيراً قوياً قائماً باقياً نوراً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنياً لا يحتاج، عدلاً لا يجور، خلق كل شيء، ليس كمثله شيء، لا شبه له، ولا ضدّ، ولا ندّ، ولا كفوء)(٢) .

وصنّفعليه‌السلام أصناف القائلين بالتوحيد فقال: (للناس في التوحيد ثلاثة

____________________

(١) رجال الكشي: ٤٥٦ ح ٨٦٢.

(٢) تحف العقول: ٣١٠.

٩٣

مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه)(١) .

وسئلعليه‌السلام : أيكلّف الله العباد ما لا يطيقون؟ فقال: (هو أعدل من ذلك)، قيل له: فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون؟ قال: (هم أعجز من ذلك)(٢) .

ونشر الأفكار الإسلامية يشكّل الركن الأساسي في الإصلاح الفكري لأنه يستبدل فكراً بفكر ورأياً برأي وتشريعاً بتشريع.

ثالثاً: إرجاع الأمة إلى العلماء

بعد توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيتعليهم‌السلام وصعوبة الالتقاء بالإمامعليه‌السلام باستمرار، قام الإمامعليه‌السلام بإرجاع الأمة إلى عدد من العلماء لأخذ معالم دينهم، فعن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا، فقلت: إني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني؟ قال: (خذ من يونس بن عبد الرحمن)(٣) .

وكان له أتباع من الفقهاء منتشرين في جميع الأمصار، يُرجع لهم أنصاره وسائر المسلمين لأخذ معالم الدين من عقائد وتشريعات وأحكام، منهم: أحمد بن محمد البزنطي، ومحمد بن الفضل الكوفي، وعبد الله بن جندب البجلي، والحسين بن سعيد الأهوازي.

وكان يتابع حركة الرواة لكي لا يكذبوا عليه أو على آبائه، فكان يقول عن يونس مولى علي بن يقطين: (كذب - لعنه الله - على أبي)(٤) .

____________________

(١) بحار الأنوار: ٣ / ٢٦٣.

(٢) الوافي بالوفيات: ٢٢ / ٢٤٩.

(٣) رجال الكشي: ٤٨٣ ح ٩١٠.

(٤) بحار الأنوار: ٤٩ / ٢٦١ - ٢٦٢ عن السرائر: ٣/٥٨٠.

٩٤

الاصلاح الاقتصادي

لم يكن الإمامعليه‌السلام على رأس سلطة حتى يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية إصلاحاً فعلياً، ولذا اكتفى بنشر المفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحياة الاقتصادية والنظام الاقتصادي الإسلامي، فقد حدّد جوامع الشريعة في رسالة له طويلة اعتبر الانحراف عن نهج الإسلام الاقتصادي من الكبائر التي يعاقب عليها الإنسان، ومما جاء في هذه الرسالة: (واجتناب الكبائر، وهي... أكل مال اليتامى ظلماً... وأكل الربا والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان والمكيال... وحبس الحقوق من غير عسر... والإسراف والتبذير)(١) .

وكان يدعو إلى دفع الزكاة فيقول: (إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلّى ولم يزكّ لم تقبل منه صلاته...)(٢) .

وكان يوضّح أسباب الظواهر السلبية ومنها حبس الزكاة فيقول: (إذا كذبت الولاة حبس المطر، وإذا جار السلطان هانت الدولة، وإذا حبست الزكاة ماتت المواشي)(٣) .

وكانعليه‌السلام يدعو إلى إيصال الزكاة إلى مستحقيها، فحينما سئل عن إعطاء الزكاة فيمن لا يعرف - إي بالإيمان - قال: ( لا، ولا زكاة الفطرة)(٤) .

وكان يقول: (وزكاة الفطرة فريضة... لا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية لأنها فريضة)(٥) .

____________________

(١) تحف العقول: ٣١٦.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٥٨.

(٣) وسائل الشيعة ٩ / ٣١، عن أمالي الطوسي: ١ / ٧٧.

(٤) وسائل الشيعة: ٩/٢٢١، عن الكافي: ٣ / ٥٤٧.

(٥) وسائل الشيعة: ٩ / ٣٣٩.

٩٥

وهذا تصريح يكشف التلاعب بأموال المسلمين من قبل الحكّام بتوزيعهم الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيّد بميزان شرعي.

وكان يدعو إلى إعطاء الخمس إلى الإمام الحقّ وليس إلى الحاكم المغتصب للخلافة ففي كتابه إلى أحد تجّار فارس ردّاً على سؤال له يقول: (... لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحله الله. إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا... فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم...)(١) .

وكان يدعو إلى التكافل الاقتصادي ويحثّ عليه قالعليه‌السلام : (السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه)(٢) .

وقال لعلي بن يقطين: (أضمن لي الكاهلي وعياله وأضمن لك الجنّة)(٣) .

وكان يحارب الإسراف والتبذير، فعن ياسر الخادم قال: أكل الغلمان يوماً فاكهة، فلم يستقصوا أكلها ورموا بها فقال لهم أبو الحسنعليه‌السلام : (سبحان الله! إن كنتم استغنيتم فإنّ إناساً لم يستغنوا، اطعموه من يحتاج إليه)(٤) .

وكان ينفق ما يصل إليه من أموال على الفقراء والمعوزين حتى إنه وزع جميع ما يملك في يوم عرفة(٥) .

وكان قدوة في الصدقة والعطاء لتقتدي به الأُمة، ويكون عمله ميزاناً تزن به الأُمة ممارسات الحكّام المالية، لتميز بين منهجين اقتصاديين، منهج أهل البيتعليهم‌السلام ومنهج الحكّام المتلاعبين بأموال المسلمين.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ٩ / ٥٣٨، عن الكافي ١ / ٤٦٠.

(٢) فرائد السمطين: ٢ / ٢٢٣.

(٣) رجال الكشي: ٤٣٥ ح ٨٢٠.

(٤) الكافي: ٦ / ٢٩٧.

(٥) بحار الأنوار: ٤٩ / ١٠٠، عن: مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٩٠.

٩٦

وكان يحارب التصوّف ومفاهيم الزهد الخاطئ، الذي شجّع عليه الحكّام لإبعاد الأُمة عن المطالبة بحقوقها، أو الدعوة إلى التوازن الاقتصادي، فكانعليه‌السلام يجلس في الصيف على حصير وفي الشتاء على بساط من شعر، ويلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيّن لهم(١) .

ودخل عليه قوم من الصوفية فقالوا له:... والأئمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض؟ فأجابهم بالقول: (كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون، ويحكم! إنما يراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز. إن الله لم يحرم لبوساً ولا مطعماً...)(٢) .

والدعوة إلى رفض المفاهيم الخاطئة للزهد هي معارضة صامتة للحكّام الذين سمحوا بانتشار هذه المفاهيم.

الإصلاح الأخلاقي

كان الإمامعليه‌السلام يستثمر جميع الفرص المتاحة للإصلاح والتغيير الأخلاقي والاجتماعي وبناء واقع جديد مغاير لما عليه عامة الناس، ولهذا تعددت أساليبه التربوية الإصلاحية فكانت كما يلي:

أولاً: إحياء روح الاقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قام الإمامعليه‌السلام بتوجيه الأنظار والقلوب للاقتداء بأرقى النماذج البشرية وهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو قدوة للحكّام باعتباره حاكماً ورئيس دولة، وقدوة

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٧٨.

(٢) كشف الغمة: ٣ / ١٠٠ عن الآبي في نثر الدرر، الفصول المهمة: ٢٥٤.

٩٧

للفقهاء، وقدوة لسائر المسلمين من أفراد وجماعات.

وإذا كانت الحكومات المعاصرة للإمامعليه‌السلام تضيّق الخناق على الإمامعليه‌السلام في حالة التدخل في السياسة فإنها لا تستطيع أن تمنعه من الحديث المتعلق بأخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصوصاً أخلاقه كحاكم، ولذا وجدعليه‌السلام الظروف مناسبة للدعوة إلى الاقتداء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد كان يذكر الأحاديث عن أجداده حول أخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها الحديث المروي عن الإمام الحسنعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام في صفات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأخلاقية:

(... وكان من سيرته في جزء الأُمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيشاغل ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأُمة من مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته... كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخزن لسانه إلاَّ عما يعنيه... ويكرم كريم قوم ويولّيه عليهم... ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس... خيارهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة... وقد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أباً رحيماً، وصاروا عنده في الحق سواء... كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب... وترك من الناس من ثلاث كان لا يذم أحداً ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته... وجمع له الحلم مع الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر مع أربع: أخذه الحسن ليقتدى به، وتركه الباطل لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في إصلاح أمته والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة)(١) .

وهذه الدعوة دعوة صامتة لتقوم الأُمة بتشخيص منهجين في الأخلاق: منهج الحكّام ومنهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو منهج أهل البيتعليهم‌السلام . وقد

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣١٧ - ٣١٩.

٩٨

فوّت الإمامعليه‌السلام على الحكّام فرصة منعه من التحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجانب الخلقي. وهكذا كانت الدعوة إلى الاقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوة صامتة وسلميّة لكشف حقيقة أخلاق الحكّام.

ثانياً: القيام بدور القدوة

إن دور الإمامعليه‌السلام هو دور القدوة، وقد أدى الإمامعليه‌السلام هذا الدور أداءً مطابقاً لقيم الإسلام الثابتة، وأبرز للمسلمين نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الإسلامي الرفيع، وكان قمة في الصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد، والتواضع، واحترام الآخرين، والاهتمام بالمسلمين، وقضاء حوائجهم.

وكان يعالج الواقع الفاسد في العلاقات معالجة عملية، ومن مواقفه العملية انه دعا يوماً بمائدة، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقيل له: لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال: (إن الربّ تبارك وتعالى واحد والأم واحدة والأب واحد والجزاء بالأعمال)(١) .

وقال لخدّامه: (إن قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون، فلا تقوموا حتى تفرغوا).

وكان لا يستخدم أحداً من خدّامه حتى يفرغ من طعامه(٢) .

ووصفه إبراهيم بن العباس: ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، ما جفا أحداً ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين يدي جليس، ولا اتكئ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدة مماليكه... كثير

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٩ / ١٠٢ عن فروع الكافي.

(٢) الكافي: ٦ / ٢٨٩.

٩٩

المعروف والصدقة في السر...(١) .

وكان متواضعاً للناس، دخل الحمام فقال له بعض الناس: دلّكني يا رجل. فجعل يدلّكه فعرّفوه، فجعل الرجل يعتذر منه، وهو يطيب قلبه ويدلّكه(٢) .

وكانعليه‌السلام كثير العفو والصفح لا يقابل الإساءة بالإساءة، رحيماً لا يحمل حقداً ولا عداءاً لمن يؤذيه من عامة الناس أو من خواصهم، فقد عفى عن الجلودي الذي سلب حلي نساء أهل البيتعليهم‌السلام عندما هجم على دار الإمام الرضاعليه‌السلام في عهد هارون، وطلب من المأمون أن لا يمسّه بسوء(٣) .

وقال شعراً يصف به أخلاقه الكريمة لتقتدي به الأُمة:

إذا كان من دوني بليت بجهله

أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل

وإن كان مثلي في محلّي من النهى

أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى

عرفت له حق التقدّم والفضل (٤)

ثالثاً: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

كانعليه‌السلام يدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق ومحاسنها، ويعمق هذه الدعوة من خلال نشر أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم، ومن تلك الأحاديث التي رواها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة

____________________

(١) إعلام الورى: ٢/٦٤ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٠٦ وفي مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٨٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٩١.

(٣) أعيان الشيعة: ٢ / ٢٥.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٠٢.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253