منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث0%

منع تدوين الحديث مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 586

منع تدوين الحديث

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: دار الغدير
تصنيف:

الصفحات: 586
المشاهدات: 103053
تحميل: 7812

توضيحات:

منع تدوين الحديث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 586 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103053 / تحميل: 7812
الحجم الحجم الحجم
منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

الأخصّ في عهد عمر، وخضع لنفوذهم أُمم شتّى لها حضارات مختلفة، ممّا جعلهم يواجهون مشاكل معقّدة لا عهد لهم بها من قبل، سواء في الناحية العسكريّة أو الماليّة، أو الأحوال الشخصيّة، أو الجنائيّة وغيره، وهذا ممّا جعلهم يلجئون إلى استعمال القياس حيث لا نصّ من كتاب ولا سنّة. وكانت طريقتهم في الاجتهاد اللجوء إلى كتاب الله‏، ثمّ إن لم يجدوا فيه نصّاً التجأوا إلى السنّة النبويّة، فإن لم يحضرهم شي ممّا أُثِر عن رسول الله‏ صلّى الله عليه وآله استشاروا حفّاظ الصحابة، هل يحفظون في القضيّة النازلة بهم شيئاً عن رسول الله‏ صلّى الله عليه وآله؟ فإن لم يوجد لجئوا إلى الرأي، وسيأتي أنّ عمر كان يسأل: هل ثبت شي في القضيّة النازلة بهم عن أبي بكر؟(١) .

والرأي الذي استعملوه ينتظم فيه القياس والاستحسان، والمصلحة المرسلة وسدّ الذرائع. وفي هذا العصر ظهر مصدر جديد من مصادر التشريع الإسلاميّ لم يُعرف في العهد التأسيسيّ للتشريع، ألا وهو الإجماع، فإنّ أبا بكر كان يشرّع فيما لا نصّ فيه من كتاب ولا سنّة عن طريق جمعيّة تشريعيّة، وكذلك الأمر بالنسبة لأوّل خلافة عمر. وكان ما يصدر عن تلك الجمعيّة التشريعيّة من أحكام يعتبر صادراً عنهم جميعاً(٢) .

وقال: (وخلاصة القول أنّ الصحابة كانوا يرجعون إلى الرسول في الأغلب الأعمّ، حينما كان على قيد الحياة. أمّا حينما التحق بالرفيق الأعلى فقد أصبح هذا المرجع مفقود، وهذا ما جعل اجتهادهم بعد موته‏ صلّى الله عليه وآله يدخل في مرحلة أعظم وطور أخطر.

قال الأستاذ مصطفى الزرقاء: فشأنهم في حياة الرسول استماع واتّباع واستفتاء منه فيما يشكل عليهم.

وبتعبير آخر: اعتماد على الرسول في الفهم والتوجيه في كلّ شي.

____________________

(١) بل كان يقرنه برسول الله‏ صلّى الله عليه وآله في كونه من مصادر التشريع، فيقول لمَن نهاه عن أخذ أموال الكعبة محتجّاً عليه بفعل النبي وأبي بكر: هما المرآن يقتدى بهما (انظر صحيح البخاري ٦: ٢٦٥٥، ح ٦٨٤٧، مسند أحمد ٣: ٤١٠، أحاديث شيبة بن عثمان العبدي، أسد الغابة ٣: ٨ ترجمة شيبة بن عثمان العبدري). ويبدو أن عمر بن الخطاب أول من أعطى قيمةً لرأي الخليفة أبي بكر بعد موته، واتخذها كخطوة أولى لإعطاء قيمة لآراء عمر بعد موته أيضاً، ومن هذه الخطوة وأشباهها وُلدت سيرة الشيخين التي استعيض بها من بعد عن سنّة رسول الله‏ صلّى الله عليه وآله التي منعها عمر.

(٢) الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة للوافي المهدي: ٤٦.

١٨١

أمّا بعد وفاته ‏صلّى الله عليه وآله فقد انتقلوا فجأة من طور الاعتماد إلى طور الاجتهاد؛ لزوال ذلك المرجع، وحلول مخلّفاته الدستوريّة - القرآن والسنّة - محلّ بياناته الشفهية، فتولّدت من ذلك الحين ضرورة إلى الاجتهاد لامناص منها تجاه طوارئ الحوادث، ولا حدود ولا أمد كان له)(١) .

فالاجتهاد هو الغطاء الذي احتمى به السلف، وكان في نفس الوقت المبرّر للخلف عمّا فعله السلف! ولو راجعت أبواب المصالح المرسلة لرأيتها دوّنت كي تصحّح أفعال الصحابة، فقد حملوا عهد أبي بكر لعمر بالخلافة - مع قولهم بأنّ النبيّ لم يخلّف - على أنّه جاء لمصلحة المسلمين والحفاظ على وحدة كلمتهم(٢) . وكذا الحال بالنسبة إلى حرق عثمان المصاحف، فقالوا: إنّها جاءت لجمع الناس على مصحف واحد(٣) ؛ درءاً للاختلاف، ومثله الكثير.

إنّ القول بالمصالح المرسلة إنّما كان - إذن - لتصحيح أفعال وفتاوى الصحابة، والمطالع في أُصول فقه العامّة يعلم أنّ المصالح المرسلة ليست من الأصول الذاتيّة في هذا الفقه ولم يشذّ عن هذا، إلاّ مالك فإنّه هو الوحيد الذي اعتبرها أصلاً مستقلاً، فقد قسّموا المصالح إلى ملغاة ومرسلة ومعتبرة، والأخيرة إلى ضروريّة وحاجّيّة وتحسينيّة، وفرّعوا عليها الفروع والأحكام.

مفردات اجتهاديّة

والآن فلنرجع إلى مواقف الخليفة في الأحكام؛ لنرى إن كانت اجتهاداته قد انتهت عند هذا الحدّ أم أنّ له آراء أُخرى ذهبت إلى أبعد من ذلك؟

____________________

(١) الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة: ٦٩ - ٧٠ وقد أخذ كلام الدكتور الزرقاء من الفقه الإسلاميّ في ثوبه الجديد ١: ١٦٧.

(٢) تاريخ الطبري ٢: ٣٥٣، الطبقات الكبرى ٣: ٢٠٠، المنتظم لابن الجوزي ٤: ١٢٦.

(٣) الكامل في التاريخ ٣: ٧ - ٨، باب ذكر غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف، التمهيد والبيان لأبي بكر المالقي ١: ٦٢ - ٦٣، البداية والنهاية ٧: ٢١٨.

١٨٢

والواقع أنّنا الآن في غنى عن التفصيل في هذا الموضوع، بيد أنّ تجلية رؤيتنا في مسألة منع الحديث تقود بالضرورة إلى بيان الجانب الفقهيّ للخليفة، ومدى المفردات وأُمّهات المسائل الفقهيّة التي استفاد فيها من الرأي المحض والاجتهاد.

فمن ذلك: أنّ عمر بن الخطّاب شرّع صلاة التراويح وقال عنها: نِعْمَت البِدعة هذه!(١)

وأضاف في أذان الصبح (الصلاة خير من النوم)، لمجرّد إعجاب الخليفة بها حين سمعها من أحد الصحابة. وبالمقابل حذف (حيّ على خير العمل) من الأذان معلّلاً ذلك بأنّ هذه الجملة ستمنع المسلمين من الجهاد(٢) ، ونهى عن البكاء على الميّت(٣) ، وجعل علامة البلوغ ستّة أشبار(٤) ، مع أنّ الثابت عن رسول اللَّه‏ صلّى الله عليه وآله هو قوله: (والغلام حتّى(٥) يحتلم)، وقال بعدم توريث الأعاجم إلاّ مَن ولد في العرب(٦) مع أنّ الرسول الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله يقول:(لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلاّ بالتقوى) (٧) .

____________________

(١) صحيح البخاريّ ٢: ٧٠٧، باب فضل مَن قام رمضان، ح ١٩٠٦، موطّأ مالك ١: ١١٤، باب ما جاء في رمضان، ح ٢٥٠، تاريخ المدينة ٢: ٧١٣، الطبقات الكبرى ٥: ٥٩، تاريخ العيقوبي ٢: ١٤٠.

(٢) وهناك أسباب ودواعي أخرى لتلك الإضافة وهذا الحذف، بيّنا جوانب كثيرة منها في دراسة لنا مستقلة (الأذان بين الأصالة والتحريف) تقع في ثلاث مجلّدات، وقد صدر الأول منها بعنوان (حي على خير العمل الشرعية والشعارية).

(٣) صحيح البخاريّ ١: ٤٣٢، باب قول النبي ‏صلّى الله عليه وآله يعذّب الميت ببعض بكاء أهله، ح ١٢٢٦، وفيه استنكار عائشة لرواية عمر لهذا الحديث قائلة: والله‏ ما حدث رسول اللَّه‏ صلّى الله عليه وآله أنّ الله‏ ليعذب المؤمن ببكاء بعض أهله عليه، ولكنّ رسول اللَّه ‏صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله‏ ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، وقالت حسبكم القرآن( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ، وانظر صحيح مسلم ٢: ٦٤٢، ح ٩٢٩، سنن النسائي (المجتبى) ٤: ١٨، ح ١٨٥٨، مسند أحمد ١: ٢٣٧، ح ٢١٢٧، و ١: ٣٣٥، ح ٣١٠٣، بسنده عن ابن عباس وفيه ما معناه: أنّ عمر ضرب نساءً بكين رقية ابنة رسول الله‏ حين ماتت فنهاه رسول الله‏ عن ذلك، والمستدرك على الصحيحين ٣: ٢١٠، ح ٤٨٦٩، الإجابة للزركشيّ: ٦٧.

(٤) مصنف عبد الرزاق ١٠: ١٧٨، باب لا قطع على مَن لم يحتلم، مصنف بن أبي شيبة ٥: ٤٨١، باب في الغلام يسرق أو يأتي الحد، ح ٢٨١٦٢.

(٥) سنن الدارمي ٢: ٢٢٥، باب رفع القلم عن ثلاثة، ح ٢٢٩٦، سنن أبي داود ٤: ١٤٠، ح ٤٤٠١، سنن الدارقطني ٣: ١٣٨، ح ١٧٣.

(٦) الموطأ لمالك ٢: ٥٢٠، باب ميراث أهل الملل، ح ١٠٨٦، المدونة الكبرى ٨: ٣٣٨، ٣٨٣.

(٧) مسند أحمد ٥: ٤١١، ح ٢٣٥٣٦، المعجم الأوسط ٥: ٨٦، ح ٤٧٤٩، مجمع الزوائد ٨: ٨٤.

١٨٣

ويقول الله‏ سبحانه وتعالى:( إنّ أكرمكم عند الله‏ أتقاكم ) (١) واختلفت الأحكام عنده في حدّ شارب الخمر، فتارة يجعله ثمانين جَلدة(٢) ، وأُخرى يجعله ستّين! ويقول لمطيع الأسود: اقص عنه بعشرين، أي اترك العشرين الباقية لشدّة ما أوجعته(٣) . وجاء عنه أنّه صلّى المغرب فترك القراءة، فلمّا انقضت الصلاة قيل له: تركت القراءة!

قال: كيف كان الركوع والسجود؟

قالوا: حسناً.

قال: لا بأس(٤) .

في حين صحَّ عن النبيّ أنّه قال:لا صلاة لمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (٥) .

وجاء عن عمر أنّه ضرب ابنه عبيد الله‏ لتكّنيه بأبي عيسى، معلّلاً أنّ عيسى ويحيى ليس لهما أب(٦) .

وعن هشام بن عروة عن أبيه: أنّ عمر بن الخطّاب قرأ آية السجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد، وسجد الناس معه ثمّ قرأها يوم الجمعة الأخرى، فتهيّأ الناس للسجود، فقال: على رسلكم، إنّ الله‏ لم يكتبها علينا إلاّ أن نشاء، فلم يسجد،

____________________

(١) الحجرات: ١٣، وانظر مجمع الزوائد ٣: ٢٧٢.

(٢) سنن الدارقطني ٣: ١٥٧، ح ٢٢٣، السنن الكبرى للبيهقي ٨: ٣١٨ - ٣١٩. انظر المحلّى ١١: ١٥٧، مسألة ٢١٨٤.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي ٨: ٣١٧ - ٣١٨، شرح النهج ١٢: ١٣٧ الطبعة القديمة - خطبة ٢٢٣، الفائق ٤: ١١٩، فتح الباري ١٢: ٧٣.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ٢: ٣٤٧، باب من سها عن القراءة، ح ٣٦٧٨.

(٥) صحيح البخاري ١: ٢٦٣، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، ح ٧٢٣، صحيح مسلم ١: ٢٩٧، ح ٣٩٥، سنن الدارمي ١: ٣١٢، باب لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ح ١٢٤٢، سنن أبي داود ١: ٢١٧، ح ٨٢٢، ٨٢٣، سنن الترمذي ٢: ٢٥ - ٢٦، باب ما جاء أنّه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، مسند أحمد ٢: ٢٤١، ح ٧٢٨٩، ٢: ٤٧٨، ح ١٠٢٠١.

(٦) المصنّف لعبد الرزّاق ١١: ٤٢، سنن أبي داود ٤: ٢٩١، باب فيمن يتكنّى بأبي عيسى، ح ٤٩٦٣، السنن الكبرى للبيهقي ٩: ٣١٠، باب مَن تكنّى، تيسير الوصول ١: ٤٧، ٧، شرح النهج ١٢: ٤٤ واللفظ له، وفي الطبقات الكبرى ٥: ٦٩: عن عمر بن الخطّاب أنّه جمع كلّ غلام اسمه اسم نبيّ فأدخلهم الدار ليغيّرَ أسماءهم، فجاء آباؤهم فأقاموا البيّنة أنَّ رسول الله‏ سمّى عامّتهم، فخلّى عنهم...

١٨٤

ومنعهم أن يسجدوا(١) .

والمطالع في كتب الفقه يقف على رواسب هذا الحكم وامتداداته في الفقه الإسلاميّ، في أحد مدارسه الفقهيّة.

فقد اختلفوا في حكم سجود التلاوة: أهو واجب أم سنّة؟

قال مالك(٢) والشافعيّ(٣) وأحمد(٤) : هو سنّة، أو فضيلة عند مالك وليس بواجب.

أمّا أبو حنيفة(٥) فقد خالفهم وذهب إلى أنّه واجب.

قال الزرقانيّ في شرحه على الموطّأ(٦) : هو سنّة أو فضيلة؟ قولان مشهوران. وقد روى في ذلك حديثاً عن أبي هريرة: أنّ رسول الله‏ قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلاّ رجلَين(٧) .

وعن زيد بن ثابت أنّ رسول الله‏ قرأ بالنجم فلم يسجد فيها(٨) .

وفي آخر عنه ‏صلّى الله عليه وآله: السجدة على مَن سمعها وعلى مَن تلاها(٩) . وإلى غيرها من الأحاديث التي وُضعت لاحقاً لتصحيح مواقف الخليفة وما تذهب إليه المذاهب.

____________________

(١) الموطّأ ١: ٢٠٦، ح ٤٨٤، شرح معاني الآثار ١: ٣٥٤، السنن الكبرى للبيهقي ٢: ٣٢١، ح ٣٥٧٤ و ٣: ٢١٣، ح ٥٥٨٧، التمهيد لابن عبد البر ١٩: ١٢٨.

(٢) التمهيد لابن عبد البر ١٩: ١٣٢، الشرح الكبير ١: ٣٠٦.

(٣) الأم ١: ١٣٣ - ١٣٩، باب سجود التلاوة والشكر، حلية العلماء للشاشي ٢: ١٢٢، المجموع ٤: ٦٩.

(٤) المغني ١: ٣٦١.

(٥) نور الإيضاح ١: ٨٠، الهداية في شرح البداية ١: ٧٨.

(٦) شرح الزرقاني ٢: ٢٧.

(٧) صحيح البخاري ١: ٣٦٣، باب ما جاء في سجود القرآن، ح ١٠١٧، وفيه عن عبد الله‏ قال: قرأ النبي ‏صلّى الله عليه وآله النجم بمكّة فسجد فيها وسجد مَن معه غير شيخ أخذ كفّاً من حصى أو تراب ورفعه إلى جبهته وقال يكفيني هذا. فرأيته بعد ذلك قتل كافراً. ومثله في صحيح مسلم ١: ٤٠٥، ح ٥٧٦، وسنن الدارمي ١: ٤٠٧، ح ١٤٦٥، الأم ١: ١٣٥، باب سجود التلاوة والشكر، والمتن منه، السنن الكبرى للبيهقي ٢: ٣٢١، ح ٣٥٧٢.

(٨) صحيح البخاري ١: ٣٦٤، باب من قرأ السجدة ولم يسجد، ح ١٠٢٢، سنن الدارمي ١: ٤٠٩، ح ١٤٧٢، سنن أبي داود ٢: ٥٨، ح ١٤٠٤.

(٩) المبسوط للسرخسي ٢: ٤، بدائع الصنائع ١: ١٨٠، نصب الراية ٢: ١٧٨، وانظر أثر الأدلّة المختلف فيه: ٣٥٥.

١٨٥

ولو راجع الباحث أثر قول الصحابيّ في الأحكام لعرف الكثير الكثير(١) ، ومنها حكم هذه المسألة التي نحن بصددها؛ إذ استدلّ مالك على أنّها سنّة، لترك عمر السجود فيها بمحضر الصحابة، ولم ينكر عليه أحد ولم ينقل عن أحد منهم خلاف، وهم أفهم بمغزى الشرع وأقعد بفهم الأوامر الشرعيّة!!(٢)

قال الدكتور محمّد سلّام مدكور، بعد ذكره للروايات المجيزة للاجتهاد في عصر الرسول:... والواقع أنّ شيئاً من ذلك لا يدلّ على أنّ أحداً غير الرسول ‏صلّى الله عليه وآله - بما يوحى إليه - له سلطة تشريعيّة في ذلك العهد؛ لأنّ هذه الجزئيّات: منها ما صدر في حالات خاصّة يتعذّر فيها الرجوع إليه - عليه الصلاة والسلام - لبعد المسافة أو خوف فوات الفرصة، ومنها ما كان القضاء منها أو الإفتاء مجرّد تطبيق لا تشريع. ونستطيع أن نقول: إنّ الرسول على مقتضى هذه النظريّة نفسها لم يكن بحاجة إلى هذا المعنى من الاجتهاد.

إلى أن يقول: أمّا بعد انتقال الرسول ‏صلّى الله عليه وآله من الحياة الدنيا، وفي عصر الصحابة - رضوان الله‏ عليهم، الذي ينتهي بنهاية القرن الهجريّ الأوّل - فقد عرضت لهم بسبب التوسّع والفتح واتّساع رقعة الدولة الإسلاميّة، مسائل جديدة لم يكن لهم بها عهد، وقد انقطع الوحي فكان لا مناص من مواجهة الأحكام الفقهيّة للأحداث والنوازل في دولة ناشئة سريعة النموّ تضمّ أقطاراً وأجناساً مختلفة(٣) .

وعليه، فقد عرفنا أنّ الخليفة كان يعتمد في فتاواه على محض الرأي دون نصّ من القرآن أو فعل من النبيّ، بل كان يخالف أحياناً بفتواه صريح القرآن كما في آية الطلاق(٤) ، وأمر النبيّ - كما في قضية الرجل المتنسّك(٥) ورزيّة يوم الخميس(٦) -

____________________

(١) انظر أثر الأدلّة المختلف فيها في الفقه الإسلاميّ: ٣٥٣ - ٤٣٣ مثلاً.

(٢) أثر الأدلّة المختلف فيه: ٣٥٥ عن المغني ١: ٣٦١، بداية المجتهد ١: ١٦٢، واللفظ منه، الزرقانيّ على الموطّأ ٢: ٢٧.

(٣) مناهج الاجتهاد في الإسلام: ٤٣ - ٤٤.

(٤) صحيح مسلم ٣: ١٣٠، ح ١٤٧١، عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، الدر المنثور ١: ٦٦٨.

(٥) الإصابة ١: ٤٨٤، حلية الأولياء ٣: ٢٢٧، مسند أحمد ٣: ١٥.

(٦) صحيح البخاري ١: ٥٤، ح ١١٤، ٦: ٢٦٨٠، ح ٦٩٣٢، صحيح مسلم ٣: ١٢٥٩، ح ١٦٣٧، مسند أحمد ١: ٣٢٤، ح ٢٩٩٢ و ١: ٣٣٦، ح ٣١١١.

١٨٦

لما رآه من مصلحة!

ولو سلّمنا بحجّيّة رأي الصحابيّ وأنّ الصحابة جميعاً عدول، فإنّ ذلك لا يقتضي العمل بما يقولون وإن خالف النصّ الصريح.

وأقصى ما يمكن أن يقال فيهم، هو أنّ لكلِّ واحد منهم أن يلتزم بما يراه، فيكون منجّزاً ومعذّراً له، وليس على الآخرين أن يلتزموا بما التزم هو به.

واللافت للنظر أنّ الخليفة كان يفتي قبل تصفّح الكتاب العزيز ومراجعة السنّة المطهّرة، فضلاً عن استفراغ الوسع وبذل الجهد في تحصيل الحكم الشرعيّ منهم.

فإرادة الخليفة رجمَ المرأة التي ولدت لستّة أشهر مع وجود آيتين في كتاب الله‏، تدلاّن بالتأمّل على شرعيّة حملها وولادته...

وكذا اقتراحه تجريدَ الكعبة من كسوتها، ومخالفة شيبة بن عثمان وأُبيّ بن كعب له وقولهم: إنّ رسول الله‏ والصدّيق كانا أحوج منك إليها.

وكذا جهله بحكم تزويج المرأة في عدّته، وإرادته رجم المجنونة الزانية، والتباس وجه الحيلة عليه في قضيّة المرأة التي اتّهمت الشابّ بمراودتها عن نفسه، وغيرها من النصوص المارّة الذكر سابق... كلّها لَتؤكد على أنّ الخليفة كان يفتي دون استحضارٍ لآيات الذكر الحكيم والسنّة المطهّرة، ثمّ يريد أن يتعبّد الصحابة بفتواه، خلافاً لما ثبت وصحّ عندهم.

فلو صحّ القول بحجّيّة رأي الصحابة للزم عمر أن يأخذ بمرويّات الآخرين كذلك، خصوصاً في المسائل التي ليس عنده أثر فيها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما يلزمه الأخذ بفتاوى الآخرين وآرائهم؛ لأنّها حجّة حسب فرضه، ولا يحقّ له إلزامهم بالتعبّد برأيه وحده.

١٨٧

إنّه لَيحقّ للمطالع بعد هذا أن يتساءل: كيف يجوز للخليفة أن يهدّد عمّاراً وأُبيّاً وأبا موسى الأشعريّ وغيرهم؟! فيقول لأبي موسى: (والله‏ لتقيمنّ عليه بيّنة)(١) أو (أقم عليه البيّنة وإلاّ أوجعتُك)(٢) ، ويقول لأُبيّ: (لتخرجنّ ممّا قلت، فجاء يقوده حتى أدخله المسجد...)(٣) ، ولابن مسعود: (ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله‏؟!)(٤) ، ويقول لأبي هريرة: (لتتركنّ الحديث عن رسول الله‏ أو لألحقنّك بأرض دوس)(٥) ، وضربه تميمَ الداريّ بالدرّة(٦) .

نعم، قال علماء أهل السنّة والجماعة بعدم لزوم اتّباع الصحابة الأوائل بعضهم للآخر(٧) من أجل أن يعذروا عمر ويبرّروا أفعاله معهم، وليحدّوا من تأثير مخالفات الصحابة للخليفة!

ويظهر من النصوص المتقدّمة أنَّ عدم لزوم الاتّباع إنَّما هو لمن خالف الخليفة من الصحابة، وأمّا مَن وافقه فإنَّهم أضفوا عليهم هالة من القدسيّة والعظمة بحيث لم يقبلوا خطأ أحد الخلفاء أو أتباعهم، حتّى أنّهم جعلوا من سيرة الشيخين مصدراً تشريعيّاً لا يقبل النقاش، مع ذهابهم إلى عدم عصمة أُولئك الصحابة!!

إنّ الخليفة بتأكيده على القياس كان يريد تصحيح اجتهاداته، وبإصراره على الرأي كان يريد الانطلاق من موقعيّة عُليا في الدولة الإسلاميّة، فتراه يقف موقف المشرّع

____________________

(١) انظر الخبر في صحيح البخاري ٥: ٢٣٠٥ باب التسليم والاستئذان ثلاثاً، ح ٥٨٩١.

(٢) انظر الخبر بتفاصيله في صحيح مسلم ٣: ١٦٩٤، باب الاستئذان، ح ١٢٠٣، السنن الكبرى للبيهقي ٨: ٣٣٩، باب الرجل يستأذن على دار، الوقوف على الموقوف لابن حجر ١: ١١٤، من كتاب الأدب، ح ١٤٨.

(٣) الطبقات الكبرى ٤: ٢١، تاريخ دمشق ٢٦: ٣٧١، الدر المنثور ٥: ٢٣١.

(٤) المعجم الأوسط ٣: ٣٧٨، ح ٣٤٤٩، مجمع الزوائد ١: ١٤٩، باب الإمساك عن بعض الحديث، سير أعلام النبلاء ٧: ٢٠٦، ١١: ٥٥٥.

(٥) أصول السرخسي ١: ٣٤١، المحدث الفاصل ١: ٥٥٤، سير أعلام النبلاء ٢: ٦٠١، البداية والنهاية ٨: ١٠٦، وانظر تاريخ المدينة ٣: ٨٠٠.

(٦) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ١: ٣٢٨، باب الصلاة بعد العصر، ح ٢١٤، وعنه في كنز العمّال ٨: ٤٩، ح ٢١٨١٠، سير أعلام النبلاء ٢: ٢٤٨.

(٧) انظر أثر الأدلّة المختلف فيه، للدكتور البغا: ٣٣٩.

١٨٨

الذي لا يتراجع عمّا أفتى به، اللّهمّ إلاّ إذا عورض بتيّار فكريّ قويّ، ونُقِد كلامه بآية قرآنيّة أو حديث عن رسول الله‏، متّفق عليه بين المسلمين، فيرضخ عند ذلك لحكم الوحي ويتراجع عن رأيه!

وبنظري أنَّ القول بالتصويب في الأحكام الشرعيّة عند مدرسة الخلفاء جاء من هذا المنطلق.

ومن هذا كلّه نخلُص إلى أنّ القول بحجّيّة كلام الصحابيّ، وأنّ للخليفة الإفتاء طبق ما يراه مصلحةً، كان المنطلق والنهاية في مدرسة الخلفاء.

وعليه فقد اتّضحت لنا لحدّ الآن أُمور، هي:

١ - عدم اختصاص الشيخين بميزة ترفعهما عن غيرهما.

٢ - انقسام المسلمين - بعد رسول الله‏ - إلى نهجين فكريّين.

٣ - سعي الخليفة عمر بن الخطّاب في إخضاع الآخرين لرأيه.

٤ - عدم حجّيّة قول الصحابة، لمخالفة عمر لآرائهم ومخالفتهم إيّاه في عدّة موارد.

٥ - الخدش فيما قيل عن نظريّة عدالة الصحابة، لتكذيب الخليفة لهم وعدم اطمئنانه إلى أقوالهم وكذا العكس.

٦ - إمكان مناقشة الصحابة فيما بينهم، والقول بعدم جواز ردّهم جاء لتصحيح ما وقع في الصدر الأوّل من الاختلاف في فتاواهم، وعدّ ذلك من الرأي الممدوح!

٧ - بطلان ما أسّسوه من أُسس للاجتهاد، كالقياس والاستحسان والمصلحة؛ لكونها قد أُسّست لاحقاً ولضرورات وقتيّة، فلم ينصّ عليها كتاب ولا سنّة(١) .

فمن الطبيعي - والحالة هذه - أن تزداد موجة الاعتراض على نهج الرأي والاجتهاد من قبل الصحابة المتعبّدين، وذلك بتحديثهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ لأنّ في نقل الحديث والإكثار منه، فيه ما يعني تخالف الأحكام ووجهات النظر الشرعيّة بين

____________________

(١) وأما استدلوا بها لاحقاً لشرعية القياس والاستحسان و... فجميعها مردودة.

١٨٩

مدرسة السنّة النبويّة وبين منحى الرأي والاجتهاد؛ لأنّ في مدرسة السنّة النبويّة حقائق توعويّة، قد لا تتوافق مع ما يصبو إليه أتباع نهج الرأي والاجتهاد من الحكّام وغيرهم. ومَن يراجع النصوص الحديثيّة والتاريخيّة يجد هذه الحقيقة ظاهرة جليّة.

فالبعض مِن الصحابة لا يرتضي الرأي والاجتهاد، ويدعو إلى لزوم استقاء الأحكام من القرآن والسنّة النبويّة المطهّرة، لا غير، ولا يرتضي اجتهادات الصحابة وفِعْل الشيخين.

والبعض الآخر منهم يذهب إلى مشروعيّة قول عمر، ويعتبره حجّة يجب التعبّد به.

ومن هذا كلّه نخلص إلى القول: بأنَّ المدوّنين كانوا من أتباع التعبّد المحض، موافقين لروح الشريعة الحاثّة على العلم والوصايا واهتمام النبيّ بالتدوين، وقد دوّنوا وحدّثوا فعلاً. وأمّا المانعون عن التدوين فهم من أتباع الاجتهاد والرأي، ومن أتباع الخلفاء، وقد لاقى المدوّنون الإذلال والاستهانة في عهد الخلفاء، حتى وصل الأمر بالحجّاج بن يوسف الثقفي أن يختم في يد جابر بن عبد الله‏ الأنصاري، وفي عنق سهل بن سعد الساعدي، وأنس بن مالك، يريد إذلالهم وأن يتجنّبهم الناس ولا يسمعوا منهم(١) .

____________________

(١) الاستيعاب ٢: ٦٦٤، ترجمة سهل بن سعد الساعدي رقم ١٠٨٩، أُسد الغابة لابن الأثير ٢: ٣٦٦ في ترجمة سهل بن سعد الساعدي، تهذيب الكمال ١٢: ١٨٩.

١٩٠

نماذج من امتداد النهجين

ولمزيد من تجلية هذه الحالة، إليك بعض النصوص:

أخرج ابن سعد في الطبقات عن عبد الله‏ بن العلاء قال: سألت القاسم يملي عَلَيّ أحاديث، فقال: إنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطّاب، فأنشدَ الناس أن يأتوه بها، فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها، ثمّ قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب(١) .

وإزاء مثل هذه الحوادث تحضر في ذهن القارئ أسئلة تبحث عن إجابات دقيقة مُقنعة: ترى...: لماذا تكثر الأحاديث على عهد عمر بن الخطّاب بالخصوص؟! وعلى أيّ شيء تدلّ هذه الظاهرة؟ ثمّ لماذا يأمر بحرقها ولا يُميثها بالماء أو يدفنها في الأرض مثلاً؟

ولماذا يتسرّع الخليفة في عمله، بدون تحقيق وتمحيص؟!

ثمّ لماذا يصطلح الخليفتان على موقف واحد من الأحاديث، فيقوم كلاهما بإبادتها حرقاً بالنار ولا يميثانها بالماء أو يدفنانها في الأرض، كما فعل ابن مسعود وغيره؟ هذا مع أنّ التيّار الفكريّ لأكثر الصحابة كان ضدّ إتلاف الأحاديث، لكنّ نهج الاجتهاد - صاحب السلطة التنفيذيّة - أبى إلاّ أن ينفِّذ ما يراه، فلماذا هذه الاستهانة وعدم الاعتناء بآراء ووجهات نظر الصحابة، مع موافقتها لأحاديث النبيّ وسيرته ولروح التشريع الإسلاميّ؟!

أترك القارئ ليستنتج الجواب من النصوص السابقة واللاحقة، وأُذكّره بحديث

____________________

(١) الطبقات الكبرى ٥: ١٨٨، سير أعلام النبلاء ٥: ٥٩.

١٩١

آخر رواه لنا سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس في المتعة وأنّه قال: تمتع النبيّ صلّى الله عليه وآله...

فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة.

فقال ابن عبّاس: ما يقول عُريّة؟!

قال: يقول: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة!

فقال ابن عبّاس: أراكم ستهلكون، أقول: قال رسول الله‏، ويقول: نهى أبو بكر وعمر!(١) .

وروى ابن حزم وابن عبد البرّ: والله‏ ما أراكم منتهين حتّى يعذّبكم الله ‏! نحدّثكم عن النبيّ وتحدّثونا عن أبي بكر وعمر!(٢) .

وفي حديث ثالث: قال ابن عبّاس: إنّي أُحدّثكم عن النبيّ ‏صلّى الله عليه وآله وتجيئوني بأبي بكر وعمر؟!

وعنه: أراهم أن يُرمَوا بالحجارة من السماء(٣) .

وأمّا جملة عروة: هما والله‏ كانا أعلم بسنّة رسول الله‏ وأتبع لها منك(٤) . فقد علّق الخطيب البغداديّ عليها بقوله:

قلت: قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما عروة، إلاّ أنّه لا ينبغي أن يقلّد أحد في ترك ما تثبت به سنّة رسول الله‏(٥) .

ونُقِلَ عن عبد الله‏ بن عمر أنّه كان يفتي بالذي أنزل الله‏ من الرخصة بالتمتّع، وما سنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد اعترض عليه البعض بقوله: كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟!

____________________

(١) مسند أحمد ١: ٣٣٧، ح ٣١٢١، زاد المعاد ٢: ٢٠٦، واللفظ له، إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد لمحمد بن إسماعيل الصنعاني: ٢٤ - ٢٥.

(٢) حجّة الوداع لابن حزم الأندلسي ١: ٣٥٣، التمهيد لابن عبد البر ٨: ٢٠٨، زاد المعاد ٢: ٢٠٦.

(٣) في البداية والنهاية ٥: ١٤١، عن ابن عمر انه قال: لقد خشية أن يقع عليكم حجارة من السماء، حين اعترض عليه لمخالفته لأبيه في الترخيص بالمتعة.

(٤) حجّة الوداع ١: ٣٥٣ - ٣٥٤، زاد المعاد ٢: ٢٠٦.

(٥) تقييد العلم.

١٩٢

فقال: أفرسول الله صلّى الله عليه وآله أحقّ أن تتّبعوا سنّته أم سنّة عمر؟!(١) .

وفي آخر: أأمرَ أبي أتّبع أم أمرَ رسول الله‏؟! لقد صنعها رسول الله‏(٢) .

وأخرج أحمد في مسنده عن عبد الأعلى، قال: صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة، فكبّر خمساً.

فقام إليه أبو عيسى عبد الرحمان بن أبي ليلى - فقيه الدولة في وقته - فأخذ بيده، فقال: نسِيتَ؟

قال: لا، ولكن صلّيت خلف أبي القاسم خليلي فكبّر خمساً، فلا أتركها أبداً(٣) .

وأخرج الطحاويّ بسنده عن يحيى بن عبد الله‏ التيميّ، قال: صلّيت مع عيسى - مولى حذيفة بن اليمان - على جنازة فكبّر عليها خمس، ثمّ التفت إلينا، فقال: ما وَهِمتُ ولا نسيت، ولكنّي كبّرت كما كبّر مولاي ووليّ نعمتي - يعني حذيفة بن اليمان - صلّى على جنازة فكبّر عليها خمساً، ثمّ التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسِيت، ولكنّي كبّرت كما كبّر رسول الله صلّى الله عليه وآله(٤) .

وعن وبرة بن عبد الرحمان قال: أتى رجل إلى ابن عمر فقال: أيصلح أن أطوف بالبيت وأنا محرم؟

قال: ما يمنعك من ذلك؟

قال: إنّ فلاناً ينهانا عن ذلك حتّى يرجع الناس من الموقف، ورأيته كأنّه مالت به الدنيا، وأنت أعجب إلينا منه. قال ابن عمر: حج رسول الله صلّى الله عليه وآله فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وسُنّة الله‏ تعالى ورسوله أحقّ أن تُتّبع من سنّة ابن فلان، إن كنت صادقاً(٥) .

____________________

(١) مسند أحمد ٢: ٩٥، ح ٥٧٠٠، السنن الكبرى للبيهقي ٥: ٢١، ح ٨٦٥٨، البداية والنهاية ٥: ١٤١.

(٢) إرشاد النقّاد للصنعانيّ: ٢٥، سنن الترمذي ٣: ١٨٥، ح ٨٢٣، سنن ابن ماجة ١: ٢١٤، ح ٢٩٧٨.

(٣) مسند أحمد ٤: ٣٧٠، شرح معاني الآثار ١: ٤٩٤، باب التكبير على الجنائز، وفيه فلا أتركه أبداً.

(٤) مسند أحمد ٥: ٤٠٦، ح ٢٣٤٩٥، شرح معاني الآثار ١: ٤٩٤، تاريخ بغداد ١١: ١٤٢، ترجمة عيسى البزاز المدني رقم ٥٨٤٠، مجمع الزوائد للهيثمي ٣: ٣٤، باب التكبير على الجنازة.

(٥) صحيح مسلم ٢: ٩٠٥، باب ما يلزم من إحرام بالحج، ح ١٢٣٣ وفيه ابن عباس بدل من ابن فلان،

=

١٩٣

وعن ابن عمر: إنّ رسول الله‏ قال: لا تمنعوا إماء الله‏ أن يصلّين في المسجد.

فقال ابن له: إنّا لَنمنعهنّ.

فغضب ابن عمر غضباً شديداً وقال: أُحدّثك عن رسول الله‏ وتقول: إنّا لنمنعهنّ!(١) .

وفي رواية أُخرى: فانتهره عبد الله‏ قائلاً: أفٍّ لك!! أقول: قال رسول الله‏ وتقول: لا أفعل؟!(٢) .

وفي مجمع الزوائد: أنّ تميماً ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطّاب عن الصلاة بعد العصر، فأتاه عمر فضربه بالدرّة، فأشار إليه تميم أن اجلس - وهو في صلاته - فجلس عمر، ثمّ فرغ تميم من صلاته.

فقال تميم لعمر: لِمَ ضربتني؟!

قال: لأنّك ركعت هاتين الركعتين، وقد نهيتُ عنه.

قال: إنّي صلّيتهما مع مَن هو خير منك؛ رسول الله صلّى الله عليه وآله.

فقال عمر: إنّه ليس بي أنتم الرهط، ولكن أخاف أن يأتي بعدي قوم يصلّون ما بين العصر والمغرب، حتّى يمرّوا بالساعة التي نهى رسول الله‏ أن يصلّي فيها كما وصلوا ما بين الظهر والعصر(٣) .

وجاء عن أبي أيّوب الأنصاريّ أنّه كان يصلّي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلمّا استخلف عمر تركه، فلمّا توفّي ركعهما.

____________________

=

مسند أحمد ٢: ٥٦، ح ٥١٩٤، واللفظ له، المسند المستخرج على صحيح مسلم ٣: ٣٣١، ح ٢٨٦٣ وفيه ابن عباس بدل عن ابن فلان وهو كذلك في سنن البيهقي الكبري ٥: ٧٥، ح ٩٠٢٨ وفتح الباري ٣: ٤٧٨،السنّة قبل التدوين:٩٠.

(١) صحيح مسلم ١: ٣٢٧، ح ٤٤٢، سنن ابن ماجة ١: ٨، ح ١٦، واللفظ له، مصنف عبد الرزاق ٣: ١٤٧، ح ٥١٠٧، مسند أحمد ٢: ٧٦، ح ٥٤٦٨، ٢: ٩٠، ح ٥٦٤٠.

(٢) مسند أحمد ٢: ١٢٧، ح ٦١٠١، وانظر جامع بيان العلم وفضله ٢: ١٥٩.

(٣) المعجم الأوسط ٨: ٢٩٦، ح ٨٦٨٤، المعجم الكبير ٢: ٥٨، ح ١٢٨١، مجمع الزوائد ٢: ٢٢٢ - ٢٢٣، باب الصلاة بعد العصر.

١٩٤

فقيل له: ما هذا؟

فقال: إنَّ عمر كان يضرب الناس عليهما(١) .

وجاء في سنن البيهقي قال زيد بن ثابت: أمرني أبو بكر حين قتل أهل اليمامة: أن يرث الأحياء من الأموات، ولا يرث الأموات بعضهم من بعض(٢) .

وفي نصٍّ آخر: أمرني عمر بن الخطاب ليالي الطاعون في قبيلة عمواس قال: وكانت القبيلة تموت بأسرها فيرثهم قوم آخرون، قال: فأمرني أن أورّث الأحياء من الأموات، ولا أورث الأموات بعضهم من بعض(٣) .

هذه النصوص تجسّم بكلّ وضوح معالم الاختلاف بين الصحابة، وأنّها كانت تدور غالباً في الفقه وجزئيّات الأحكام الشرعيّة، وأنّ الخليفة بتطبيقه السياسة الجديدة كان يريد إخضاع الصحابة لرأيه، وكانوا هُم لا يرتضون ذلك؛ لأنّهم كانوا قد كبّروا على الميّت خمساً، وصلّوا بين الطلوعَين وعند الغروب، وتمتّعوا على عهد رسول الله‏ و...

ولمّا رأى عمر تعذُّر فرض آرائه عليهم قال لتميم الداريّ: إنّي لا أريدكم أنتم الرهط!!

أجَل، إنّ لزوم تطبيق ما أفتى به كان من أُصول السياسة الجديدة، ولأجله ترى عمّار بن ياسر يقول: (إن شئت لا أُحدِّث بذلك). ومن هنا كان تبرُّم أُبيّ بن كعب وقوله (واللهِ لئن أحببتَ لألزمنّ بيتي فلا أُحدّث أحداً بشيء).

إنّ كلّ هذه النصوص تُنبئ عن وجود الضغط والتهديد، وقد مرّ بك سابقاً كلامه لعمّار: (نولّيك ما تولّيت) وتهديده لأبي موسى الأشعري بالضرب، وضربه تميماً الداريّ وأبا هريرة، وما سوى ذلك من الضغط والتهديد والوعيد، وكلّ هذه المفردات

____________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٢٢٢، باب ميراث من عمي موته، ح ١٢٠٣٠، وعنه في كنز العمّال ١١: ٢٣، ح ٣٠٤٦٨، وانظر المصنف لعبد الرزاق ٢: ٤٣٣، ح ٣٩٧٧، الأوسط في السنن، لأبي بكر النيسابوري ٢: ٣٩٤، ح ١١٠٣، المحلّى لابن حزم ٣: ٣، التمهيد لابن عبد البر ١٣: ٣٧.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ١٠: ٢٩٨، باب الغرقى، وعنه في كنز العمال ١١: ٢٣، ح ٣٠٤٦٧.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٢٢٢، باب ميراث من عمي موته، ح ١٢٠٣١، وعنه في كنز العمّال ١١: ٢٥، ح ٣٠٤٧٩، وانظر مصنف عبد الرزاق ١٠: ٢٨٨، باب ذوو السهام.

١٩٥

تنبئ عمّا كان في ذلك العصر من تصادم بين النهجين في الفكر والمنهج.

وبعد هذا لا يمكن لأحد أن ينكر نهي الخليفة عمر بن الخطّاب عن تدوين السنّة الشريفة، فإنَّ محاولتهم لتضعيف تلك الأخبار الناهية عن التدوين وحبسه للصحابة، تفنّده نصوص التاريخ وما جاء عنه في قضاياه العلميّة والعمليّة، حيث إنّ النصوص تؤيّد خبر النهي وتعضده، وتضعّف ما قاله ابن حزم والذهبيّ وغيرهما من أنّ النهي والحبس لا يتلاءم مع مكانة عمر ونفسيّته!!

والواقع أنّ استقصاء مواقف الخليفة عمر بن الخطّاب الفقهيّة ممّا يخرج بنا عن أصل الدراسة، لكنّ إشارتنا لمبانيه المبتناة على الرأي هي ممّا يعضد رؤيتنا في منع التدوين والتحديث.

و إليك نصّاً آخر في هذا السياق، وهو ما جاء في قضيّة قسمة الأراضي، التي فتحها المقاتلون عنوةً في العراق ومصر أيّام عمر بن الخطّاب، فالثابت في القرآن أنّ خُمس هذه الغنائم تودَع في بيت المال لتصرف في الموارد التي نصّت الآية عليه:( أنّما غَنِمْتُم مِن شَيءٍ فأنّ للهِ خُمُسَهُ وللرسولِ ولذي القُرْبى... ) (١) .

أمّا الأربعة الباقية - من الخمس - فتقسّم بين المقاتلين، عملاً بمفهوم الآية وفعل الرسول صلّى الله عليه وآله في خيبر.

فالمقاتلون - جرياً على العادة - جاؤوا إلى عمر بن الخطّاب يطلبون أن يُخرج الخمس لله - ولمن ذُكر في الآية - وأن يقسّم الباقي بين الغانمين.

فقال عمر: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الآباء وحِيزت؟! ما هذا برأي!

فقال له عبد الرحمان بن عوف: فما الرأي؟ ما الأرض والعلوج إلاّ ممّا أفاء الله‏ عليهم.

فقال عمر: ما هو إلاّ ما تقول، ولست أرى ذلك!

____________________

(١) الأنفال: ٤١.

١٩٦

فأكثروا على عمر، وقالوا: تقف ما أفاء الله‏ علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا؟!

فكان عمر لا يزيد أن يقول: هذا رأيي!

فقالوا جميعاً: الرأي رأيك(١) .

وهذا الخلاف المحتدم بين الصحابة في أبسط المفردات الفقهيّةّ، كان قد حدث بعد غياب النبيّ صلّى الله عليه وآله من بين المسلمين، وعدم التفافهم حول مرجعيّة علميّة واحدة؛ فلذلك كثرت الآراء والاجتهادات، وزاد العراك والجدل، وهذه النتائج السلبيّة السريعة الظهور بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله، هي التي كان يحذّر منها صلّى الله عليه وآله في حديث الأريكة، وأحاديث النهي عن الرأي، وهي التي كانت تعتصر آلامها قلب عليّ بن أبي طالب ومخلصي الصحابة وخواصّهم، ولم يكن تأسّفهم لفوت الخلافة كحكم سياسيّ حسب، بل كان الألم الأكبر هو ألم الخلاف والفرقة وضياع وحدة الخلافة والقيادة الدينيّة، وذلك بعينه ما كثّر شكاوى عليّ وأنس وعمّار وغيرهم من الصحابة، حتّى أنَّ حذيفة - صاحب السرّ في أسماء المنافقين - كان يحذّر بأشدّ المرارة من الاختلاف والتضارب في الآراء والاجتهادات، نتيجة ضياع الخلافة وانفلات أزمّتها وقيامها على أُسس غير سليمة.

وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ في كتابه (السقيفة) عن البراء بن عازب: أنّه كان في جماعة منهم المقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وسلمان الفارسيّ، وأبو ذرّ، وحذيفة، وأبو الهيثم بن التيهان، - وذلك بعد وفاة الرسول ‏صلّى الله عليه وآله - وإذا حذيفة يقول لهم: والله‏ ليكوننّ ما أخبرتكم به، والله‏ ما كَذِبْتُ ولا كُذِّبْتُ، وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.

ثمّ قال: ائتوا أُبيّ بن كعب، فقد علم كما علمت.

____________________

(١) معالم المدرستين ٢: ٢٨٦ عن المدخل إلى علم أُصول الفقه ٩٠ - ٩٥، باب أنواع الاجتهاد، وانظر الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة، للوافي المهدي: ١١١.

١٩٧

قال: فانطلقنا إلى أُبيّ، فضربنا عليه بابه حتّى صار خلف الباب، فقال: مَن أنتم؟ فكلّمه المقداد، فقال: ما حاجتكم؟ فقال له: افتح عليك بابك، فإنّ الأمر أعظم من أن يجري من وراء الحجاب، قال: ما أنا بفاتح بابي وقد عرفت ما جئتم له كأنّكم أردتم النظر في هذا العقد.

فقلنا: نعم.

فقال: أفيكم حذيفة؟

فقلنا: نعم.

قال: فالقول ما قال، وبالله ما أفتح عنّي بابي حتّى تجري عَلَيّ ما هي جارية، ولَما يكون بعدها شرّ منه، و إلى الله‏ المشتكى(١) .

وجاء عن أُبي بن كعب أيضاً أنّه قال: هلك أهل العقد وربِّ الكعبة. ألا لا عليهم آسى، ولكن آسى على مَن يهلكون من المسلمين(٢) .

وفي رواية ثالثة: لأقولنّ فيها قولاً لا أُبالي أستحييتموني عليه أو قتلتموني(٣) .

وذكر أبو الصلاح تقي الدين الحلبي (ت ٤٤٧ هـ) أُبياً وابن مسعود من الثابتين على ولاء آل البيت عليهم السلام المختصين بهم في العهد الأول بعد وفاة الرسول وأضاف: أن أُبيّاً حاول الاجهار بما يكنّه ضميره في أُخريات حياته، ولولا حلول الموت وكان من النفر الاثني عشر الذين نقموا على أبي بكر تصدّيه ولاية الأمر دون الإمام أمير المؤمنين وكابد الأمرّين على ذاك الحادث الجلل رافعاً شكواه إلى الله‏ بقوله: وإلى الله‏ المشتكى. وقد سمع من سعد بن عبادة ما نطق بما يوجب فرض ولاية الإمام علي.

وبهذا أُضيف إلى قائمة المخالفين لعمر بن الخطّاب في الفقه أسماء أُخرى، هي:

١٦ - زيد بن أرقم، ١٧ - البراء بن عازب، ١٨ - عبد الله‏ بن عمر، ١٩ - سلمان الفارسيّ، بروز المدوّنين في مخالفة الرأي ، ٢٠ - أبو هريرة، ٢١ - تميم الداريّ،

____________________

(١) السقيفة وفدك: ٤٩، وعنه في شرح النهج ٢: ٥١ - ٥٢.

(٢) مسند الطيالسي ١: ٧٥، ح ٥٥٥، مسند ابن الجعد ١: ١٩٧، ح ١٢٩١، مصنف بن أبي شيبة ٧: ٤٦٨، ح ٣٧٢٩٥، مسند أحمد ٥: ١٤٠، حديث قيس بن عباد عن أُبي بن كعب رضي الله عنه، ح ٢١٣٠١، الحلية لأبي نعيم ١: ٢٥٢ و ٣: ١١١، كلهم عن أبي بن كعب، وأنفرد معمر بن راشد في كتابه الجامع ١١: ٣٢٢، باب الإمام راع، ورواه بسنده عن حذيفة بن اليمان.

(٣) الطبقات الكبرى ٣: ٥٠٠: ٣، تاريخ دمشق ٧: ٣٤٠، تهذيب الكمال ٢: ٢٧٠، سير أعلام النبلاء ١: ٣٩٩.

١٩٨

٢٢ - المقداد بن الأسود، ٢٣ - أبو ذرّ الغفاريّ، ٢٤ - المقاتلون الذين أفاء الله‏ عليهم؛ من الصحابة ومن غير الصحابة!

* * *

بروز المدوّنين في مخالفة الرأي

لو أردنا أن نتأكّد من صحّة مُدّعانا وما عرضناه لحدّ الآن، لَلزم المزيد من التمعّن في مواقف هؤلاء الصحابة الذين ذكرناهم، وأن لا نكتفي في دراستنا على نقل واقعة واحدة أو حادثة واحدة عنهم، بل يجب علينا البحث عن فقه هؤلاء على النحو الغالب، وقد لفت انتباهنا حينما أردنا دراسة شخصيّات كهؤلاء هو أنّ غالبهم كانوا من أصحاب المدوَّنات، وأنّ تدوينهم يعني تخالف المنحى والمنهج بين الخليفة وهؤلاء الصحابة. و إليك أسماءهم حسب ما توصّلنا إليه لحدّ الآن:

١ - عليّ بن أبي طالب (ت ٤٠هـ).

لم ينكر أحد أنّ عليّاً كان من المدوِّنين على عهد الرسول ‏صلّى الله عليه وآله، وأنّ أمّ سلمة - زوج النبيّ - قالت: دعا رسول الله‏ بأديم وعليُّ بن أبي طالب عنده، فلم يَزَل رسول الله‏ يُملي وعليّ يكتب حتّى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه(١) .

وكانت لديه صحيفة عن رسول الله‏ يحتفظ بها في قراب سيفه. جاء ذكر هذه الصحيفة عن أكثر من عشرة من تلامذة الإمام عليّ(٢) . وقد وقفت على بعض مواقف الإمام المخالفة لآراء عمر فيما سبق.

____________________

(١) المحدث الفاصل: ٦٠١، باب الإملاء، أدب الإملاء والاستملاء: ١٢.

(٢) انظر معرفة النسخ: ٢٠٧.

١٩٩

٢ - أُبيّ بن كعب الأنصاريّ (ت ٢٢هـ).

روى أبو العالية عن أُبيّ بن كعب أنّ له نسخة كبيرة في التفسير(١) .

وقد عرفنا فيما مضى تخالف رأي أُبيّ مع الخليفة، وأ نّه كان يصرّح بعدم أعلميّة الخليفة، ولا يرتضي منعه عن التحديث وقراءة القرآن.

٣ - معاذ بن جبل (ت ١٨هـ).

أرسله رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى اليمن، وكتب معه كتاباً في الصدقات، فيه أحاديث(٢) . وكان عند موسى بن طلحة كتاب معاذ عن النبي‏ صلّى الله عليه وآله في الصدقات(٣) . وكانت لدى ابن عائذ كتب معاذ بن جبل(٤) ، وهذه النصوص مجتمعة تدلّ على تدوين معاذ ووجود مدوّناته وبقائها، رغم إحراق الخليفة ومنعه وتهديده، وقد مرّ عليك موقفه من عمر في قتل المسلم بالذميّ، ورجم المرأة التي ولدت لسنتين!

٤ - حذيفة بن اليمان، (ت ٣٦هـ).

قد مرَّ عليك كلامه مع عمر وأنّه أصبح يكره الحقّ ويحبّ، الفتنة، ويشهد بما لم يَرَه، ويصلّي على غير وضوء، وله في الأرض ما ليس لله في السماء!!

فقد كان حذيفة بن اليمان يكتب للنبي‏ صلّى الله عليه وآله صدقات التمر(٥) ، ويكتب خرص الحجاز(٦) وكان يكتب خرص النخل(٧) ، وكان كاتب رسول الله صلّى الله عليه وآله في الصدقات

____________________

(١) التفسير والمفسّرون ١: ١١٥ كما في الدراسات للأعظميّ: ١٠٠.

(٢) سيرة ابن هشام ٨٨٦٢ و ٩٥٦، حلية الأولياء ١: ٢٤٠، الأموال لأبي عبيد ٢٧ و ٣٧.

(٣) مسند أحمد ٥: ٢٢٨، ح ٢٢٠٤١، سنن الدارقطني ٢: ٩٦، باب ما يجب فيه الزكاة، ح ٨، واللفظ لأحمد.

(٤) دلائل التوثيق المبكّر: ٤١٨، المحدّث الفاصل: ٤٩٨.

(٥) التراتيب الإدارية ١: ٣٩٨.

(٦) التنبيه والإشراف: ٢٤٥، العقد الفريد ٤: ١٤٧.

(٧) التراتيب الإدارية ١: ١٢٤، صبح الأعشى ١: ١٢٥.

٢٠٠