منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث10%

منع تدوين الحديث مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 586

منع تدوين الحديث
  • البداية
  • السابق
  • 586 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109187 / تحميل: 8603
الحجم الحجم الحجم
منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فقال له ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ، صار ابن أخيك أخاك ، ولا تشاء أن تبكي إلاّ بكيت ، كيف يؤمن برحيل مَن هو مقيم؟

فقال عمرو : وعلى حينها! حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربّي ، اللهم إنّ ابن عباس يقنّطني من رحمتك ، فخذ منّي حتى ترضى.

فقال ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله أخذتَ جديداً وتُعطي خَلِقاً.

فقال عمرو : ما لي ولك يا بن عباس؟ ما أرسلت كلمة إلاّ أرسلت نقيضها )(1) .

فقال ابن قتيبة في ( المعارف ) : ( ثم وضع إصبعه في فمه حتى مات )(2) .

وروى اليعقوبي في تاريخه ، قال : ( ولمّا حضرت عمرواً الوفاة ، قال : لابنه : لودّ أبوك أنّه كان مات في غزاة ذات السلاسل ، إنّي قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله فيها.

ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته ، قال : ياليته كان بعراً ، ياليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، أثرت دنياي وتركت آخرتي ، ( عمي ) عليَّ رشدي حتى حضرني أجلي ، كأنّي بمعاوية قد حوى ما لي وأساء فيكم خلافتي.

ـ قال الله تعالى :( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) (3) ، وقال تعالى :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً

____________________

(1) الإستيعاب لابن عبد البر2 / 436 في ترجمة عمرو بن العاص ، رغبة الآمل3 / 214.

(2) المعارف / 286 تح عكاشة.

(3) البقرة / 167.

٤٦١

أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ـ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (1) ـ

وتوفي عمرو ليلة الفطر سنة 43 ، فأقرّ معاوية ابنه عبد الله بن عمرو ثم استصفى مال عمرو ، فكان أوّل من استصفى مال عامل ، ولم يكن يموت لمعاوية عامل إلاّ شاطر ورثته ماله ، فكان يكلّم في ذلك ، فيقول : هذه سنّة سنّها عمر بن الخطاب )(2) .

أقول : فلينظر العمريون أين تكون تلك السنّة؟ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من سنّ سنّة سيئة عُمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها )(3) .

وأخيراً فلينظر أبناء كثير وتيمية وقيّم الجوزية ، كيف كانت صحابتهم الذين يوالونهم ويعادون من عاداهم على غير هدى من الله ، وليفرحوا بما قاله ابن قيّمهم في تقيميهم في كتابه ( المنار المنيف ) ، الأحاديث بالإرقام التالية :

( 250 ـ ومن ذلك الأحاديث في ذم معاوية.

____________________

(1) الأنعام / 93 ـ 94.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 222.

(3) مسند أحمد4 / 361 ، وراجع موسوعة أطراف الحديث النبوي 8 / 319 ـ 320.

٤٦٢

251 ـ وكلّ حديث في ذمّه فهو كذب.

252 ـ وكلّ حديث في ذمّ عمرو بن العاص فهو كذب.

253 ـ وكلّ حديث في ذمّ بني أمية فهو كذب ، وكلّ حديث في ذمّ يزيد بن معاوية فكذب ).

وزاد المعلق في الهامش في الطنبور نغمة ، فقال : ( وأحاديث ذمّ معاوية ، أو عمرو بن العاص ، أو يزيد بن معاوية من وضع غلاة الشيعة ، القصد منها تفضيل عليّ ، وليس فضل عليّ بحاجة إلى وضع أحاديث. ومعاوية وعمرو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصحّ لمسلم الخوض فيهما ، وكلّ منهما له فضل ومناقبه ، أمّا يزيد فهو متروك إلى الله يحاسبه عما جنت يداه )(1) .

أقول : ما ذنب غلاة الشيعة في هذا ، وجميع ما تقدم من محاورات رواها أعلام السنة في كتبهم! فإن كان غلاة الشيعة قد اخترقوا الحواجز حتى كتبوا في مصادر أهل السنة ما القصد منه تفضيل عليّ؟ فليحرق أهل السنة تلك المصادر ويبوؤا بالخسران ، وليت ابن قيّم الجوزية ومن نقّ معه هذّبوا كتاب ( الإصابة ) لابن حجر العسقلاني من تراجم بعض الصحابة ممن كان يماكس ويعافس في بيع دينه بإعترافه كالحتات المجاشعي المذكور.

قال ابن حجر : ( ذكره ابن إسحاق وابن الكلبي فيمن وفد من بني

____________________

(1) المنار المنيف / 110 الفصل 33.

٤٦٣

تميم على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأسلموا ، وقال ابن هشام هو القائل :

لعمر أبيك فلا تكذبن

لقد ذهب الخير إلاّ قليلا

لقد فتن الناس في دينهم

وأبقى ابن عفان شراً طويلا(1)

ثم قال ابن حجر : وأخرج الدارقطني في المؤتلف ومن طريقه أبو عمر من رواية نصر بن علي الأصمعي عن الحارث بن عمير عن أيوب ، قال : غزا الحتات المجاشعي وحارثة بن قدامة والأحنف ، فرجع الحتات فقال لمعاوية : فضّلت عليَّ محرقاً ومخذلاً؟ قال : أشتريت منهما ذمتهما ، قال : فاشتر مني ذمتي ـ وهذا من التحريف المتعمد ، والصواب : ( اشتريت منهما دينهما ، قال : فاشتر مني ديني ) كما في ( الإستيعاب ) في ترجمة الحتات(2) ! ـ )(3) .

وممّا يستطرف من حديث هذا الصحابي ما رواه ابن عبد البر في ترجمته ، حيث قال : ( ذكره ابن إسحاق وابن هشام وابن الكلبي ، وقالوا : آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الحتات وبين معاوية بن أبي سفيان ، فمات الحتات عند معاوية في خلافته ، فورثه بتلك الإخوة.

فقال الفرزدق في ذلك لمعاوية :

____________________

(1) البيتان المذكوران في 1 / 310 ط مصطفى محمد بهامش الإستيعاب.

(2) الإستيعاب لابن عبد البر 1 / 413.

(3) ترجمة الحتات 1 / 394 ، هامش الإصابة ، نفس الطبعة المشار إليها.

٤٦٤

أبوك وعمي يا معاوية أورثا

تراثا فيحتاز التراث أقاربه

فما بال ميراث الحتات أكلته

وميراث صخر جامد لك دائبه

قال ابن هشام : وهذان البيتان في أبيات له.

والحتات بن يزيد هذا هو القائل :

لعمر أبيك فلا تكذبن

لقد ذهب الخير إلا قليلاً

لقد فتن الناس في دينهم

وخلّى ابن عفان شرا طويلا

وأوّل هذه الأبيات :

نأتك أمامة نأيا محيلا

وأعقبك الشوق حزناً طويلا

وحال أبو حسن دونها

فما تستطيع إليها سبيلا

لعمر أبيك الخ

وكان هرب من عليّ رضي الله عنه إلى معاوية ، وللحتات بنون عبد الله وعبد الملك ومنازل بنو الحتات ولّوا لبني أمية )(1) .

أقول : وهذا أيضاً ترجمه ابن الأثير في ( أسد الغابة )(2) وذكر بيع الدين. فيا ترى من هو الغالي من الروافض الذي اخترق صفوف أهل السنة فأدخل هذه المخزاة في مصادر تراجم الصحابة؟ وكم لحتات من نظير؟

( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (3) .

____________________

(1) الإستيعاب 1 / 413.

(2) أسد الغابة 1 / 379.

(3) الحج / 46.

٤٦٥

محاورته مع الأشعث بن قيس

أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير ) بسنده عن عيسى بن يزيد ، قال :

( استأذن الأشعث على معاوية بالكوفة فحجبه مليّاً وعنده العباس والحسن بن علي رضي الله عنهما.

فقال : أعن هذين حجبتني يا أمير المؤمنين؟ تعلم أنّ صاحبهما جائنا فملأنا كذباً ـ يعني عليّاً ـ.

فقال ابن عباس : أتراني أسبك بابن أبي طالب؟

قال : ما سبّ عربي خير منّي.

فقال ابن عباس : عبد مهرة ، قتل جدك ، وطعن في أست أبيك.

فقال : ألا تسمع مايقول لي يا أمير المؤمنين؟

قال : أنت بدأت )(1) .

ورواه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ، وقال : ( رواه الطبراني في الكبير وفيه جماعة لا أعرفهم )(2) .

أقول : وفي النفس من صحة هذا الخبر شيء ، إذ أن ابن عباس لم

____________________

(1) المعجم الكبير 1 / 238.

(2) مجمع الزوائد 7 / 248.

٤٦٦

يكن قد حضر الصلح ، ولم يجتمع مع معاوية بالكوفة ـ وقد مرّ أن ذكرت في الجزء الخامس من الحلقة الأولى زمان ومكان أوّل لقاء بينهما ـ وأحسب أنّ المراد بابن عباس في الخبر هو عبيد الله بن عباس الذي كان مع قيس بن سعد في مقدمة جيش الإمام الحسن عليه السلام وقيل عنه ما قيل من خيانة ترك الجيش وذهب إلى معاوية ، وهذا الخبر إن صح سندا ودلالة فهو يلقي بضلال الشك على ما قيل في عبيد الله.

٤٦٧

محاورته مع عتبة بن أبي سفيان

( قال عتبة بن أبي سفيان لعبد الله بن عباس رضي الله عنه : ما منع عليّاً أن يبعثك مكان أبي موسى الأشعري يوم الحكمين؟

قال : منعه والله من ذلك حاجز القدر ، وقصر المدة ، ومحنة الإبتلاء. أما والله لو بعثني مكانه لاعترضت لعمرو في مدارج نفسه ، ناقضاً ما أبرمه ، ومبرماً ما أنقضه ، أسفُ إذا طار ، وأطير إذا أسف ، ولكن مضى قدر وبقي أسف ، ومع اليوم غد ، والآخرة خير لأمير المؤمنين من الأولى )(1) .

وقالوا : لمّا استتبَّ الأمرُ لمعاوية قدم عليه عبد الله بن عباس ، وهي أوّلُ قدمةٍ قدمها عليه ، فدخل وكأنّه قُرْحَة تتبجس(2) ، فجعل عتبةُ بن أبي سفيانَ يطيلُ النظر إليه ويقلُّ الكلام معه.

فقال ابن عباس : يا عتبة إنّك لتطيلُ النظر إِليَّ وتقلُّ الكلام معي ،

____________________

(1) جاء ذلك في أمالي المرتضى 1 / 207 ، وشرح النهج للمعتزلي 1 / 195 ، وإعجاز القرآن للباقلاني / 122 ، والعقد الفريد للملك السعيد / 11 ، والمنتخب من كناية الأدباء وإشارات البلغاء للقاضي الجرجاني / 147 ( ت 482 هـ ) ، ط السعادة بمصر 1356 هـ ، وإسرار البلاغة بذيل المخلاة / 4 ، وجمهرة خطب العرب 2 / 92.

(2) تتبجس : أي تتفجر من قولهم : إنبجس الماء وتبجس : أي تفجّر ( الصحاح / بجس ).

٤٦٨

أفلموجدةٍ فدامت أو لمعْتَبَةٍ فلا زالت؟

فقال له عتبة : ماذا أبقيت لما لا رأيت؟ أمّا طولُ نظري إليك فسروراً بك ، وأمّا قلّةُ كلامي معك فلقلَّتِهِ مع غيرك ، ولو سلطت الحقَّ على نفسك لعلمتَ أنّه لا تنظرُ إليكَ عينُ مبغض.

فقال ابن عباس : أَمهيتَ يا أبا الوليد أَمهيتَ ، لو تحقْقَ عندنا أكثر ممّا ظنناه لمحاهُ أقلُّ ممّا قلت.

فذهب بعضُ من حضر ليتكلم ، فقال له معاوية : أسكتْ إنَّ الداخل بين قريشٍ لخائن نفسه. وجعل معاويةُ يصفّقُ بيديه ويقول : [من الرجز] :

جندلتانِ اصطكتا اصطكاكا

دعوتُ عَرْكا إذ دَعَوْا عراكا

( إنّ الداخل بين قريش لخائن نفسهِ ).

يقال : أمهيتَ الحديدةَ إذا سميتها ، والأمهاء : إرخاءُ الحبل. وأمهيت الفرسَ : أرخيتُ عنانه. ولبن ممهوّ : رقيق ، وناقة ممهاء : رقيقة اللبن(1) .

____________________

(1) التذكرة الحمدونية 5 / 53 برقم 124 ، والبصائر 6 / 26 ـ 27 ( برقم / 57 ) ، ونور القبس / 189 ، ونثر الدر 3 / 115 ، وما بين القوسين منه.

٤٦٩

محاورته مع زياد ( الدعيّ )

( إنّك لا تشاء أن تغلب إلا غلبت )

قالوا : ( إنّ عبد الله بن عباس قدم على معاوية وعنده زياد ، فرحّب به معاوية وألطفه وقرّب مجلسه ، ووسّع له إلى جنبه ، وأقبل عليه يسائله ويحادثه ، وزياد ساكت فلم يكلّمه شيئاً.

فأبتدأ ابن عباس وقال له : ما بالك أبا المغيرة كأنّك أردتَ أن تحدث بيننا وبينك هجرة؟

قال : لا ، ولكنه لا يسلّم على قادم بين يدي أمير المؤمنين.

فقال له ابن عباس : ما أدركت الناس إلاّ وهم يسلّمون على إخوانهم بين يدي أمرائهم.

فقال له معاوية : كفّ عنه يا بن عباس فإنّك لا تشاء أن تغلب إلاّ غلبت )(1) .

____________________

(1) العقد الفريد 1 / 10 ، و 2 / 9 ، نهاية الإرب 6 / 14.

٤٧٠

محاورته مع أبي موسى الأشعري

( لمّا استقام رأيُ الناسِ على جعل أبي موسى حكماً لأهل العراق بصفّين.

أَتاهُ عبدُ الله بنُ عباس ـ وعنده وجوهُ الناس وأَشرافُهم ـ فقال : يا أبا موسى ، إنّ الناسَ لم يرضَوْا بك ولم يجتمعوا عليك لفضلٍ لا تُشارَكُ فيه ، وما أَكثَر أشباهَكَ من المهاجرين والأنصار والمقدَّمِين قَبْلَكَ ، ولكنَّ أَهلَ الشَّامِ أبَوْا غيْرَك ، وايمُ الله إنّي لأَظنُّ ذلك شرَّاً لنا وخيراً لهم ، وإنّه قد ضُمَّ إليك داهيةُ العرب ، وليس في معاويةَ خَصْلَةٌ يَستحقُّ بها الخلافة ؛ فإن تقذِفْ بحقِّكَ على باطِلِه تُدرِكْ حاجتَكَ ، وإنْ تُطمِعْ باطلَهُ في حقِّكَ يُدرِكْ حاجتَهُ فيك.

إعلم أنّ معاوية طليقُ الإسلامِ ، وأنّ أباه من الأحزاب ، وأنّه ادعى الخلافةَ من غير مَشُورةٍ ، فإن صدَّقَكَ فقد صرَّحَ بخلعِهِ ، وإن كذَبَكَ فقد حَرُمَ عليك كلامُهُ ، وإن ادعى أنّ عمرَ وعثمانَ إستعملاه فَصدَقَ : فأمّا عمرُ استعملَهُ وهو الوالي عليه ، بمنزلةِ الطبيبِ من المريضِ يحميه ممّا يشتهي ويؤخِّرُهُ ممّا يكره ، ثم استعمله عثمان برأي عمر ، وما أكثر من استعملاه ثم لم يَدَّعُوا الخلافة ، وهو منهم واحد.

٤٧١

واعلَمْ أنّ لعمروٍ مع كلِّ شيءٍ يسرُّك حيناً يَسوءُك ، ومهما نسيتَ فلا تنسَ أن عليّاً بايَعهُ القومُ الذين بايعوا أبا بكر وعمرَ وعثمانَ ، فإنّها بيعةُ هدى ، وأنّه لم يقاتِلْ إلاّ غاصِباً أو ناكثاً.

فقال أبو موسى : رحمك الله ، والله ما لي إمامٌ غيرُ عليّ ، وإنّي لواقفٌ عند ما أرى ، ولِرَضى الله أَحبُّ إِليَّ من رضى أهلِ الشام ، وما أنا وأنت إلاّ بالله )(1) .

____________________

(1) التذكرة الحمدونية 7 / 196 برقم 904 ، ونثر الدر للآبي 1 / 421 ، كما في الهامش الأول.

٤٧٢

محاورته مع عروة بن الزبير

( ما تقول يا عُريّة )

أخرج ابن عبد البر في كتابه ( التمهيد كما في الموطأ من المعاني والأسانيد ) :

( إنّ عروة قال لابن عباس : أضللت الناس؟

قال : وما ذلك؟

قال : تفتي الناس إذا طافوا بالبيت فقد حلّوا ، وقال أبو بكر وعمر : من أحرم بالحج لم يزل محرماً إلى يوم النحر.

فقال ابن عباس : أحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحدثوني عن أبي بكر وعمر.

فقال عروة : كانا أعلم برسول الله منك )(1) .

وأخرج الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) في ذيل ترجمة محمد بن عبد الملك بن أيمن بن فرج بسنده ، عن سعيد بن جبير :

( فقال ابن عباس : ما تقول يا عريّة؟

قال : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة.

____________________

(1) التمهيد 3 / 522.

٤٧٣

فقال : أراهم سيهلكون أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقولون : قال أبو بكر وعمر؟!.

قال ابن حزم : إنّها لعظيمة ما رضي بها قط! أبو بكر وعمر )(1) !!

وذكر ابن قيم الجوزية في ( زاد المعاد ) عن أيوب :

( قال عروة لابن عباس : ألا تتقي الله ترخّص في المتعة؟

فقال ابن عباس : سل أمك ياعريّة.

فقال عروة : أمّا أبو بكر وعمرفلم يفعلا.

فقال ابن عباس : والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، نحدثكم عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتحدثونا عن أبي وبكر؟! )(2) .

____________________

(1) تذكرة الحفاظ 3 / 873.

(2) زاد المعاد 2 / 213.

٤٧٤

إحتجاجاته على ابن الزبير

( سل أمّك عن بردي عوسجة )

( خطب ابن الزبير بمكة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر.

فقال : إنّ ههنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ، يزعم أنّ متعة النساء حلال من الله ورسوله ، ويفتي في القملة والنملة ، وقد أحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى ، وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواريّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن وقاه بيده.

فقال ابن عباس لقائده سعيد بن جبير بن هشام ـ مولى بن أسد بن خزيمة ـ : استقبل بي وجه ابن الزبير ، وأرفع من صدري. وكان ابن عباس قد كفّ بصره.

فاستقبل به قائدُه عكرمةُ وجه ابن الزبير ، وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال : يا ابن الزبير :

قد أنصف القارة من راماها

إنّا إذا ما فئةٌ نلقاها

نردّ أولاها على آخراها

حتى تصير حَرَضاً دعواها

٤٧٥

يا بن الزبير أمّا العمى فإنّ الله تعالى يقول :( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (1) ، ثم أنشأ قوله :

إن يأخذ الله من عينيّ نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

وأمّا فتياي في القملة والنملة ، فإنّ فيهما حكميَن لا تعلمهما أنت ولا أصحابك.

وأمّا حملي المال ، فإنّه كان مالاً جبيناه فأعطينا كلّ ذي حق حقه ، وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله ، فأخذناه بحقنا.

وأمّا المتعة ، فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردي عوسجة ).

ـ وفي رواية : ( أوّل مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير ) ، وفي رواية ثالثة : ( فإنّ أوّل متعة سطع مجمرها لمجمر سطع بين أمك وأبيك ) ـ

وأمّا قتالنا أم المؤمنين ، فبنا سُمّيت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك ، فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها ، ثم اتخذاها فئة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما ، فما أنصفا الله ولا محمداً من أنفسهما ، أن ابرزا زوجة نبيّه وصانا حلائلهما.

وأمّا قتالنا إياكم ، فإنّا لقيناكم زحفاً ، فإن كنّا كفاراً فقد كفرتم بفراركم منّا ، وإن كنّا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا.

ـ وفي رواية : ( فقد لقيت أباك في الزحف وأنا مع إمام هدى ، فإن يكن

____________________

(1) الحج / 46.

٤٧٦

على ما أقول فقد كفر بقتالنا ، وإن يكن على ما تقول فقد كفر بهربه عنا ) ـ

وأيم الله لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظماً إلاّ كسرته.

فانقطع ابن الزبير.

ولمّا عاد إلى أمّه سألها عن بردي عوسجة؟ فقالت : يا بني ما ولدتك إلاّ في المتعة ، ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم فإنّهم كَعم الجواب إذا بدهوا.

فقال : بلى وعصيتك.

فقالت : يا بني أحذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الإنس والجن ، واعلم أنّ عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها ، فأياك وإياه آخر الدهر.

فقال أيمن بن خزيمة بن فاتك الأسدي :

يا ابن الزبير لقد لاقيتَ بائقة

من البوائق فالطف لطف محتال

لاقيته هاشمياً طاب منبته

في مغرسيه كريم العمّ والخال

ما زال يقرع منك العظم مقتدراً

على الجواب بصوت مسمع عال

حتى رأيتك مثل الكلب منحجراً

خلف الغبيط وكنت الباذخ العالي

إن ابن عباس المعروف حكمتَه

خير الأنام له حال من الحال

عيرّتُه المتعة المتبوع سنّتها

وبالقتال وقد عيّرت بالمال

لمّا رماك على رسلٍ بأسهمه

جرت عليك كسوف الحال والبال

٤٧٧

فأحتز مقولك الأعلى بشفرته

حزاً وحيّاً بلا قيل ولا قال

وأعلم بأنّك إن عاودت غيبته

عادت عليك مخازِ ذات أذيال )(1)

أقول : وأورد الحادثة الحافظ جمال الدين الزيلعي في ( نصب الراية لأحاديث الهداية ) نقلاً عن مسلم في صحيحه عن عروة بن الزبير :

( أنّ عبد الله بن الزبير قام بمكة ، فقال : إنّ ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ـ يعرّض برجل ـ.

فناداه فقال : إنّك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة في عهد إمام المتقين ـ يريد رسول الله ـ.

فقال له ابن الزبير : فجرّب نفسك فو الله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك )(2) .

وعلّق ابن الهمام الحنفي في شرحه على هذه الخطبة ، فقال : ( ولا تردّد عندنا في أنّ ابن عباس هو الرجل المعرّض به ، فكان قد كفّ بصره ، فلذا قال ابن الزبير : كما أعمى أبصارهم )(3) (4) .

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 490 ، ط دار الكتب العربية بمصر.

(2) نصب الراية لأحايدث الهداية 3 / ط مصر سنة 1357 نقلاً عن مسلم في صحيحه 4 / 133.

(3) شرح الفتح 2 / 286.

(4) وروى الحادثة النسائي أيضاَ والمسعودي في جملة من كتبه كالإستبصار وكتاب الصفوة والكتاب الواجب في الفروض اللازمة كما في مروج الذهب 2 / 103 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 3 / 157 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 4 / 489 ـ 491 ، والراغب في محاضراته 2 / 294 ، والمدني في الدرجات الرفيعة 1 / 142 ، وغيرهم

٤٧٨

تنبيه هام :

عند كثير ممن روى هذه الحادثة رواها خالية عن قصة أخذ المال وفتيا المتعة والقملة والنملة ، ومنهم الخوازمي في ( مقتل الحسين )(1) ، وأوردها خالية عن قصة أخذ المال فقط ، أو خالية بما عدا المتعة وعمى البصر كالزيلعي في ( نصب الراية ) ، وابن الهمام الحنفي في ( شرح الفتح )(2) ، وابن عبد ربه في ( العقد الفريد )(3) ، والمسعودي في مروجه(4) ، والراغب في محاضراته(5) ، وهامش ( الإستغاثة في بدع الثلاثة )(6) نقلاً عن المختصر من الأصل لابن شهر آشوب ، وستجد شرحاً عن المتعة في باب أقواله الفقهية التي خالف بها الخلفاء الثلاثة ، وهناك تجد قول من قال :

أقول للشيخ إذ طالت عزوبته

يا شيخ هل لك في فتوى ابن عباس

كما في ( محاضرات الراغب )(7) ، لشهرة فتواه بحلية المتعة ، وكذا تجد هذا في ( أصل الشيعة وأصولها )(8) .

____________________

(1) مقتل الحسين 2 / 252.

(2) شرح الفتح 2 / 286.

(3) العقد الفريد 2 / 157.

(4) مروج الذهب 2 / 102.

(5) محاضرات الراغب 2 / 94.

(6) الإستغاثة / 45.

(7) محاضرات الراغب 2 / 93.

(8) أصل الشيعة وأصولها / 123.

٤٧٩

( على رسلك )

( عن عثمان بن طلحة العبدري ، قال : شهدت من ابن عباس رحمه الله مشهداً ما سمعته من رجل من قريش ، كان يوضع إلى جانب سرير مروان بن الحكم ـ وهو يؤمئذ أمير المدينة ـ سرير آخر أصغر منه فيجلس عليه عبد الله بن عباس إذا دخل. وتوضع الوسائد فيما سوى ذلك.

فأذن مروان يوماً للناس ، وإذا سرير آخر قد أحدث تجاه سرير مروان ، فأقبل ابن عباس فجلس على سريره ، وجاء عبد الله بن الزبير فجلس على السريرالمحُدث ، وسكت مروان والقوم ، فإذا يدا ابن الزبير تتحرك ، فعلمت أن يريد أن ينطق.

ثم نطق ، فقال : إنّ أناساً يزعمون أنّ بيعة أبي بكر كانت غلطاً وفلتةُ ، ومغالبة. ألا إنّ شأن أبي بكر أعظم من أن يقال فيه هذا. ويزعمون أنّه لولا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم ، والله ما كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحداً أثبت إيماناً ولا أعظم سابقة من أبي بكرٌ ، فمن قال غير ذلك فعليه لعنة الله. فأين هم حين عقد أبو بكر لعمر ، فلم يكن إلاّ ما قال ، ثم ألقى عمر حظهم في حظوظ ، وجدّهم في جدود ، فقسمت تلك الحظوظ فأخرّ الله سهمهم ، وأدحض جدّتهم وولي الأمر عليهم مَن كان أحق به منهم ، فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجاً من القرية ، فأصابوا منه غرة فقتلوه ، ثم قتلهم الله به كلّ قتلة ، وصاروا مطرّدين تحت بطون الكواكب.

فقال ابن عباس : على رسلك أيها القائل في أبي بكر وعمر والخلافة.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586