اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
ISBN: 964- 5688-25-6
الصفحات: 202

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: ISBN: 964- 5688-25-6
الصفحات: 202
المشاهدات: 60554
تحميل: 7121

توضيحات:

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 202 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 60554 / تحميل: 7121
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: 964- 5688-25-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فساخت بهم ديارهم وأموالهم) (١) .

٤ ـ وعن هشام بن الحكم قال موسى بن جعفرعليه‌السلام لأبرهة النصراني:(كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا عالم به وبتأويله. فابتدأ موسى عليه‌السلام يقرأ الإنجيل. فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة، فأسلم على يديه) (٢) .

٥ ـ وقال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسنعليه‌السلام فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتاً بالقرآن(٣) .

٦ ـ أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام والجامع النبوي سنة (١٦١ هـ) فامتنع أرباب الدور المجاورين للجامعين من بيعها على الحكومة وقال فقهاء عصره بعدم جواز إجبارهم على ذلك فأشار عليه علي بن يقطين أن يسأل الإمام موسى بن جعفر عن ذلك فجاء جواب الإمام ما نصه بعد البسملة:(إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى ببنائها، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها) ، ولمّا انتهى الجواب إلى المهدي أمر بهدم الدور وإضافتها إلى ساحة المسجدين(٤) .

٧ ـ طلب المهدي من الإمام الكاظمعليه‌السلام أن يستدل له على تحريم الخمر من كتاب الله تعالى قائلاً له: (هل الخمر محرّمة في كتاب الله؟ فإن الناس إنّما يعرفونها ولا يعرفون التحريم. فقال الإمامعليه‌السلام :بل هي محرمة في كتاب الله . فقال المهدي في أي موضع هي محرّمة ؟ فقالعليه‌السلام :قوله عزّ وجلّ: ( إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) واستشهد على أن (الإثم) هي الخمرة بعينها بقوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) . فالإثم في كتاب الله هو الخمر والميسر وإثمهما كبير، كما قال الله عزّ وجلّ ).

ــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب: ٤/٣٣٦ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٠٤ وفي الاحتجاج: ٢/١٥٩ ـ ١٦١ أكثر تفصيلاً.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤/٣٣٥ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٠٤.

(٣) الارشاد: ٢/ ٣٣٥ وعنه في كشف الغمة: ٣/٢٠.

(٤) حياة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : ١ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

٨١

والتفت المهدي إلى علي بن يقطين قائلاً له: هذه والله فتوى هاشمية. فقال علي بن يقطين: صدقت والله ياأمير المؤمنين. الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. فلذعه هذا الكلام فلم يملك صوابه فاندفع قائلاً: صدقت يا رافضي)(١) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام وبناء الجماعة الصالحة

كرّس الإمام الكاظمعليه‌السلام جهده لإكمال بناء الجماعة الصالحة التي يهدف من خلالها إلى الحفاظ على الشريعة من الضياع ويطرح النموذج الصالح الذي يتولّى عملية التغيير والبناء في الأُمة، حيث مارس الإمامعليه‌السلام تحرّكاً مشهوداً في هذا المجال وقدّم للأمة النموذج الصالح الذي صنعته مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام .

أولاً: تركيز الانتماء لخط أهل البيتعليهم‌السلام

١ ـ الانتماء السياسي: ركّز الإمامعليه‌السلام على بعد الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام ولا سيّما الانتماء السياسي لهم وتحرك الإمام على مستوى تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله إلى مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي:

الهدف الأول: الإحاطة بالوضع السياسي

إنّ الاقتراب من أعلى موقع سياسي، من أجل الإحاطة بالمعلومات السياسية وغيرها التي تصدر من البلاط الحاكم أمر ضروري جدّاً وذلك ليتخذ التدابير والحيطة اللازمة لئلاّ يتعرّض الوجود الشيعي للإبادة أو الانهيار. والشاهد على ذلك: أنه لمّا عزم موسى الهادي على قتل الإمام موسىعليه‌السلام بعد ثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ وتدخل أبو يوسف القاضي في تغيير رأي الهادي عندما قال له بأن موسى الكاظمعليه‌السلام لم يكن مذهبه الخروج ولا مذهب أحد من ولده حيث استطاع أبو يوسف أن يقنع الخليفة.

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٨ / ١٤٩.

٨٢

هنا كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام بصورة الأمر(١) من أجل أن يكون الإمام على علم بنشاطاته وسترى في المرحلة التالية الدور الفاعل الذي لعبه علي بن يقطين في خلافة الرشيد لمصالح الإمام الكاظمعليه‌السلام والشيعة الموالين له.

ــــــــــــ

(١) مهج الدعوات: ٢٢٩ / ح١، عوالم العلوم والمعارف والأحوال: ٣٦٦.

٨٣

الهدف الثاني: قضاء حوائج المؤمنين

إنّ قضاء حوائج المؤمنين بخطّ أهل البيت والذين يعيشون في ظل دولة ظالمة تطاردهم وتريد القضاء على وجودهم يشكّل هدفاً مهمّاً يصب في رافد بقاء واستمرار وجود هذه الجماعة الصالحة.

وقد طلب علي بن يقطين من الإمام الكاظمعليه‌السلام التخلي عن منصبه أكثر من مرة، وقد نهاه الإمامعليه‌السلام قائلاً له:(يا علي إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي) (١) .

وقال له في مرة أخرى:(لا تفعل فإن لنا بك أُنساً ولإخوانك بك عزّاً وعسى الله أن يجبر بك كسيراً أو يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. يا علي ، كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته وأكرمته أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ولا ينالك حد السيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً...) (٢) .

وعن علي بن طاهر الصوري: قال: ولّي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد وكان عليَّ بقايا يطالبني بها وخفت من الزامي إياها خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: إنه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك، فأقع فيما لا أُحبّ.

فاجتمع رأيي على أني هربت إلى الله تعالى، وحججت ولقيت مولاي الصابر ـ يعني موسى بن جعفرعليه‌السلام ـ فشكوت حالي إليه فاصحبني

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٤٣٣ ح ٨١٧.

(٢) خبر الضمان في اختيار معرفة الرجال: ٤٣٣ ح ٨١٨ وعنه في حياة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

٨٤

مكتوباً نسخته:(بسم الله الرحمن الرحيم ، اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ من أسدى إلى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك ، والسلام) (١) .

ومن مصاديق قضاء حوائج الإخوان المؤمنين: جباية الأموال جهراً وإرجاعها إليهم سراً.

عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام ما تقول في أعمال هؤلاء ؟

قال:(إن كنت لا بدّ فاتق الله في أموال الشيعة) .

قال الراوي: فأخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ(٢) .

الهدف الثالث: التأثير في السياسة العامّةعليه‌السلام

استخدم الإمام آليات متقنة ومحكمة في نشاطه الاستخباري وتأمين الاتّصال السري مع علي بن يقطين أو غيره من الشيعة المندسين في مراكز النظام الحاكم، ولعل الهدف من هذا الاختراق ومسك مواقع متقدمة من السلطة إمّا للتأثير في السياسة العامة للسلطة أو لإنجاز أعمال سياسيّة أو فقهيّة لصالح الأُمة من خلال قربه لهذه المواقع.

يحدّثنا إسماعيل بن سلام عن آليات هذا الارتباط وما يتضمّنه من نشاط في النصّ التالي:

ــــــــــــ

(١) راجع تمام الخبر ومصادره في: ٣٦ ـ ٣٨ من هذا الكتاب.

(٢) الكافي: ٥ / ١١٠، ح٣ ، وعنه في البحار: ٤٨ / ١٥٨، ح ٣١، وفي اختيار معرفة الرجال: ٤٣٥ ح ٨٢٠ عن كاتبه أمية وغيره.

٨٥

قال إسماعيل بن سلام وابن حميد: بعث إلينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين، وتجنّبا الطريق. ودفع إلينا أموالاً وكتباً حتى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسىعليه‌السلام ولا يعلم بكما أحد، قال: فأتينا الكوفة واشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً، وخرجنا نتجنّب الطريق حتى إذا صرنا ببطن الرّمة شدّدنا راحلتنا، ووضعنا لها العلف، وقعدنا نأكل فبينا نحن كذلك، إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري، فلما قرب منّا فإذا هو أبو الحسن موسىعليه‌السلام فقمنا إليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا إياها فقال:هذه جوابات كتبكم ...(١) .

ثانياً: التثقيف السياسي

إنّ النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمامعليه‌السلام في هذه المرحلة ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج إلى لون خاص من الوعي ودقة في الملاحظة وعمق في الإيمان، ممّا دفع بالإمامعليه‌السلام إلى أن يرعى ويشجع الخواص ويعمق في نفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفاً خاصاً من المستوى الإيماني ويدفعهم إلى أفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس.

وفي هذا المجال نلاحظ ما يلي:

١ ـ شحّذ الإمامعليه‌السلام الهمم التي آمنت بالحق موضحاً أنّ الأمر لا يتعلق بكثرة الأنصار أو قلتها.

فعن سماعة بن مهران قال: قال لي العبد الصالحعليه‌السلام :(يا سماعة ، أمنوا على

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٤٣٦ ح ٨٢١ والخرائج والجرائح: ١/٣٢٧ وعنهما في بحار الأنوار: ٤٨ / ٣٤، ح ٥.

٨٦

فرشهم وأخافوني ، أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلاّ واحد يعبد الله، ولو كان معه غيره لأضافه الله عزّ وجلّ إليه حيث يقول: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١) فصبر بذلك ما شاء الله. ثم إن الله آنسه با إسماعيل وإسحاق، فصاروا ثلاثة أما والله إن المؤمن لقليل، وإنّ أهل الباطل لكثير أتدري لم ذلك ؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك. فقال:صيّروا أُنساً للمؤمنين يبثّون إليهم ما في صدورهم، فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه) (٢) .

٢ ـ لقد سعى الإمامعليه‌السلام لتربية شيعته على أساس تقوية أواصر الإخوة والمحبة الإيمانية بحيث تصبح الجماعة الصالحة قوة اجتماعية متماسكة لا يمكن زعزعتها أو تضعيفها لقوة الترابط العقائدي والروحي فيما بينها. لنقرأ النص التالي معاً:

سأل الإمام موسىعليه‌السلام يوماً أحد أصحابه قائلا له: (يا عاصم كيف أنتم في التواصل والتبارّ ؟ فقال: على أفضل ما كان عليه أحد. فقالعليه‌السلام :أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده ، فيأمر بإخراج كيسه فيخرج فيفضّ ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟! قال: لا، قال:لستم على ما أحب من التواصل والضيقة والفقر )(٣) .

ــــــــــــ

(١) النحل (١٦): ١٢٠.

(٢) الكافي: ٢ / ٢٤٣ وعنه في بحار الأنوار: ٤٧ / ٣٧٣، ح ٩٤ و ٦٧ / ١٦٢ قال المجلسي معلقاً ومفسراً على هذا الخبر: أي إنما جعل الله تعالى هؤلاء المنافقين في صورة المؤمنين مختلطين بهم لئلا يتوحش المؤمنون لقلتهم.

(٣) مكارم الأخلاق: ١٦٥ وفي ط: ٢/١٤٤ عن بصائر الدرجات، وفي بحار الأنوار: ٤٨ / ١١٩، ح٣٥ وفي وسائل الشيعة: ٢٥/٣٥.

٨٧

ثالثاً: البناء العملي والانتماء الفكري:

ركّز الإمام الكاظمعليه‌السلام في تربيته للجماعة الصالحة على ضرورة الانتماء الفكري والمعرفي لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، وتحرك الإمامعليه‌السلام بهذا الاتّجاه مستغلاً للنهضة الفكرية التي حقّقها الإمام الصادقعليه‌السلام من قبل ، فقام بإكمال عمل أبيه في بناء الكادر المتخصص فامتدّت قواعده من هذا النوع حتى ذكر له (٣١٩) صحابياً(١) كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الإمام الكاظمعليه‌السلام وقد خضعت هذه الجماعة بانتمائها الفكري إلى برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية والفقهية والإبداع في ميدانها الخاص.

وفيما يلي نشير إلى جانب من نشاط الإمامعليه‌السلام بهذا الاتّجاه:

قام الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام بإعداد نخبة من الفقهاء ورواة الحديث تقدّر كما ذكرنا بـ (٣١٩) شخصاً لكن قد تميّز من بين أصحابه ستة بالصدق والأمانة وأجمع الرواة على تصديقهم فيما يروونه عن الأئمةعليهم‌السلام على أنه اشتهر بين المحدثين ثمانية عشر فقيهاً ومحدّثاً من أصحاب الأئمة الثلاثة: (الباقر والصادق والكاظم) وهم المعروفون بأصحاب الإجماع، ستة من أصحاب (أبي جعفر) وستة من أصحاب (أبي عبد الله) وستة من أصحاب (أبي الحسن موسىعليهم‌السلام )، وهم: (يونس بن عبد الرحمن)، و(صفوان بن يحيى بياع السابري)، و(محمد بن أبي عمير)، و(عبد الله بن المغيرة)، و(الحسن بن محبوب السرّاد)، و(أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي)(٢) هذا في المجال الفقهي أما الميادين الفكرية الأخرى ، مثل الكلام والقرآن واللغة وما شاكل ذلك ، فلها أيضاً نخبة متخصصة فيها.

ــــــــــــ

(١) الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام لباقر شريف القرشى: ٢ / ٢٢٣.

(٢) انظر اختيار معرفة الرجال: ٥٥٦ ح ١٠٥٠.

٨٨

اعتقال الإمام الكاظمعليه‌السلام

لقد عرفنا عداء المهدي للعلويين بشكل عام بل لمن يتولاّهم، وما كان إخراجهم من السجون إلاّ لأنه أحسّ بأن حكومته لا تدوم لو استمرّ على سيرة أبيه المنصور في التضييق عليهم، وقد أعرب عن سياسته بقوله: إني أرى التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة، والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة، والقلوب لا تبقى لوال لا يعطف إذا استعطف ، ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر، ولا يرحم إذا استرحم، من قلّت رحمته واشتدّت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه(١) .

ولكن مع كل هذا نجد المهديّ ينكّل بوزيره المحبوب عنده (يعقوب بن داود) لأنه كان ذا ميل للعلويين، وبعد أن اختبره قال له: قد حلّ لي دمك ولو آثرت إراقته لأرقته ثم أمر بسجنه مؤبداً وصادر جميع أمواله(٢) .

ومن هنا نستطيع أن نكتشف أن سبب أمر المهدي العباسي باعتقال الإمام موسى إنّما كان شيوع ذكر الإمامعليه‌السلام وانتشار اسمه وعلمه في الآفاق مما جعله يتصوّر أن بقاء ملكه لا يتمّ إلاّ باعتقاله.

وقد عرفت أن المهدي اضطرّ إلى إطلاق سراح الإمامعليه‌السلام بعد أن رأى في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام متأثّراً حزيناً مخاطباً إياه:

ــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٢) حياة الإمام موسى بن جعفر: ١ / ٤٤٧ ـ ٤٤٩ وفي تاريخ اليعقوبي: ٢/٤٠١: وكان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة، محبّاً للخير، كثير الفضل، حسن الهدى، ثم سخط عليه فعزله وحبسه، فلم يزل محبوساً حتى مات المهدي. وفي مروج الذهب: ٣/٣١٢: ثم اختصّ به يعقوب بن داود السلمي فكان يصل إليه في كل وقت دون كل الناس ثمّ اتّهمه بشيء من أمر الطالبيين فبقي في حسبه إلى أيام الرشيد فأطلقه، ثم نقل فيه أقوالاً أخرى.

٨٩

(يا محمد ! ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) ) ففزع المهدي من نومه.. وأمر بإحضار الإمام وقصّ عليه رؤياه وطلب منه أن لا يخرج عليه أو على أحد من ولده. ثم أعطاه ثلاثة آلاف دينار وردّه إلى المدينة(١) .

ومات المهدي لثمان بقين من المحرم سنة (١٦٩ هـ) وهو ابن ثمان وأربعين سنة بعد أن خرج إلى الصيد ودخل خربة أصاب بابها عمود ظهره أو أن بعض جواريه كانت قد دسّت له السم لأنها كانت تغار من جارية كان يهواها ويخلص لها(٢) .

وهكذا انتهت حياته بعد أن كان قد أخذ البيعة لابنه موسى وهارون بالخلافة من بعده.

الإمام الكاظمعليه‌السلام في حكومة موسى الهادي العباسي

ثم استولى على الحكم موسى الهادي بعد وفاة أبيه المهدي في العشر الأخير من محرم سنة (١٦٩ هـ) وتوفي في السنة (١٧٠ هـ) وكان عمره (٢٦) سنة(٣) وبالرغم من قصر المدّة التي حكم فيها موسى الهادي إلاّ أنها قد تركت آثاراً سيّئة على الشيعة وامتازت بحدث مهم في التاريخ الإسلامي وهو (واقعة فخ) التي قال عنها الإمام الجوادعليه‌السلام :(لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ) (٤) فكانت سياسة الهادي قد امتازت بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه

ــــــــــــ

(١) تأريخ بغداد: ١٤ / ٣٠ ـ ٣١ ، والمناقب: ٤ / ٣٢٥.

(٢) تأريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠١ وحياة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : ١ / ٤٥٤.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠١ ـ ٤٠٦.

(٤) الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : ٢ / ٤٥٧.

٩٠

حتى نقم عليه القريب والبعيد وأبغضه الناس جميعاً وقد حقدت عليه أمه الخيزران حتى بلغ بها الغيظ له نهايته، قيل إنها هي التي قتلته(١) .

ولقد نكّل بالعلويين وأذاع الخوف والرعب في صفوفهم وقطع ما أجراه لهم المهدي من الأرزاق والأعطيات وكتب إلى جميع الآفاق في طلبهم وحملهم إلى بغداد(٢) .

ثورة فخ

إنّ الذي فجّر الثورة على الحاكم العبّاسي هو (الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ).

أسباب الثورة

والأسباب التي أدّت إلى الثورة عديدة، نذكر منها سببين:

الأوّل: الاضطهاد والإذلال الذي مارسه الخلفاء العبّاسيون ضد العلويين واستبداد موسى الهادي على وجه الخصوص.

الثاني: الولاة الذين عيّنهم موسى الهادي على المدينة مثل تعيينه إسحاق بن عيسى بن علي الذي استخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز. وقد بالغ هذا الأثيم في إذلال العلويين وظلمهم فألزمهم بالمثول عنده كل يوم، وفرض عليهم الرقابة الشخصية فجعل كل واحد منهم يكفل صاحبه

ــــــــــــ

(١) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ١٧٢ عن سر السلسلة العلوية: ١٤. ونقل القول الأصفهاني في مقاتل الطالبيين وعنه في بحار الأنوار: ٤٨/١٦٥.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠٤.

٩١

بالحضور، وقبضت شرطته على كل من الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، ومسلم بن جندب وعمر بن سلام، وادّعت الشرطة أنها وجدتهم على شراب فأمر بضربهم، وجعل في أعناقهم حبالاً، وأمر أن يطاف بهم في الشوارع ليفضحهم(١) .

وفي سنة (١٦٩ هـ) عزم الحسين بن علي (صاحب فخ) على الخروج وفاتح الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام بالأمر وطلب منه المبايعة فقال له الإمامعليه‌السلام :(يا ابن عم، لا تكلّفني ما كلّف ابنُ عمِك عمَكَ أبا عبد الله فيخرجُ مني ما لا أريد، كما خرج من أبي عبد الله ما لم يكن يريد) . فقال له الحسين: إنّما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه. وإن كرهته لم أحملك عليه والله المستعان، ثم ودّعه.

فجمع الحسين أصحابه مثل يحيى، وسليمان، وإدريس بن عبد الله بن الحسن، وعبد الله بن الحسن الأفطس وغيرهم فلما أذّن المؤذن الصبح دخلوا المسجد ونادوا أحد أحد، وصعد الأفطس المنارة، وأجبر المؤذّن على قول: حيّ على خير العمل وصلَّى الحسين بالناس الصبح فخطب بعد الصلاة وبايعه الناس، وبعد أن استولى على المدينة توجّه نحو مكة وبعد أن وصل إلى (فخ) فعسكر فيه وكان معه (٣٠٠) مقاتل ولحقته الجيوش العبّاسية وبعد صراع رهيب استشهد الحسين وأصحابه وأرسلت رؤوس الأبرار إلى الطاغية موسى الهادي، ومعهم الأسرى وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، وأمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الحبس(٢) .

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٨ / ١٦١ عن الأصفهاني في مقاتل الطالبيين.

(٢) تاريخ الطبري: ١٠ / ٢٩ وبحار الأنوار: ٤٨ / ١٦١ ـ ١٦٥ عن مقاتل الطالبيين.

٩٢

نتائج الثورة

بعد أن انتهت الثورة باستشهاد (الحسين صاحب فخ) وصحبه أخذ الهادي يتوعّد الأحياء منهم، وقد ذكر سيدهم الإمام موسى قائلاً: والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره، ولا اتّبع إلاّ محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت. قتلني الله إن أبقيت عليه(١) .

وكتب علي بن يقطين إلى الإمام موسىعليه‌السلام بصورة الأمر فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم على ما ورد عليه من الخبر فقال:ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا: نشير عليك ـ أصلحك الله ـ وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبّار وتغيّب شخصك دونه.

فتبسم الإمام موسىعليه‌السلام ثم تمثّل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو:

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها = فليغلبنَّ مغالب الغلاب

وأقبل الإمام نحو القبلة ودعا بدعاء الجوشن الصغير المعروف الوارد عنهعليه‌السلام ثم قالعليه‌السلام : (قد ـ وحرمة هذا القبر ـ مات في يومه هذا والله و ( إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) (٢) ) .

قال الراوي: ثم قمنا إلى الصلاة وتفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت الهادي والبيعة للرشيد(٣) .

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٨ / ١٥٠ ـ ١٥٣ عن ابن طاووس في مهج الدعوات: ٢١٧.

(٢) الذاريات (٥١): ٢٣.

(٣) بحار الأنوار: ٤٨/٢١٧، ح ١٧ عن مهج الدعوات لابن طاووس.

٩٣

تحليل ثورة فخ وموقف الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام منها

لقد استعرضنا فيما سبق نشاط الإمام لإكمال بناء الجماعة الصالحة لإيصالها إلى المستوى العالي من العقيدة والإيمان والوعي السياسي الذي يُهيّء الأرضية لانجاز المشروع التغييري الإسلامي الكبير.

أما العامل الثاني الذي يتكامل به انجاز هذا المشروع، فهو تحريك ضمير الأُمة وتحرير إرداتها إلى حدّ يمنحها القوة والصلابة ويمنعها من التنازل عن كرامتها، والذوبان في سياسة الظالمين وذلك من خلال استمرار العمل الثوري ضد الحكومات الظالمة، فانطلاقاً من هذه الضرورة يمكن أن نلخّص موقف الإمام موسى من واقعة (فخ) بما يلي:

١ ـ لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام في هذه المرحلة موقفاً ثورياً ضد نظام الحكم القائم.

٢ ـ صرّح الإمامعليه‌السلام بموقفه من الثورة لزعيمها (الحسين) عندما طلب منه المبايعة وذكّره بموقف الإمام الصادقعليه‌السلام من ثورة محمد ذي النفس الزكية، وسوف يكون موقفه كأبيه فيما إذا أصرّ الحسين على ضرورة المبايعة(١) .

٣ ـ عندما استولى الحسين على المدينة وصلّى بالناس صلاة الصبح لم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلاّ الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن وموسى بن جعفرعليه‌السلام (٢) .

٤ ـ صدر من الإمام تأييد ومساندة صريحة لحركة الحسين وثورته

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٣٦٦ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٦١.

(٢) بحار الأنوار: ٤٨ / ١٦٣ عن الأصفهاني في مقاتل الطالبيين.

٩٤

عندما عزم عليها في قولهعليه‌السلام :(إنّك مقتول فأحدّ الضراب، فإن القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة) (١) .

٥ ـ ولمّا سمع الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام بمقتل الحسين (رض) بكاه وابّنه بهذه الكلمات:(إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله) (٢) .

موسى الهادي يحاول عزل الرشيد من ولاية العهد:

قال اليعقوبي: وشجرت بين موسى وأخيه الوحشة فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر وليّ العهد، ودعا القوّاد إلى ذلك، فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل ، وسارع بعضهم وقووا عزيمته في ذلك وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلى هارون، فكان ممن سعى في خلعه أبو هريرة محمد بن فرّوخ الأزدي القائد من الأزد ، وقد كان موسى وجّه به في جيش كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ويدعو الناس إلى خلع هارون، فمن أبى جرّد فيهم السيف فسار حتى صار إلى الرقة فأتاه الخبر بوفاة موسى(٣) .

ومات موسى الهادي لأربع عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة (١٧٠ هـ)(٤) .

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٣٦٦ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨/١٦٠، ح ٦.

(٢) بحار الأنوار: ٤٨ / ١٦٥ عن الأصفهاني في مقاتل الطالبيين.

(٣) تأريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠٥.

(٤) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠٧.

٩٥

الباب الرابع: وفيه فصول:

الفصل الأول: ملامح عهد الرشيد وسياسته مع الإمام الكاظمعليه‌السلام .

الفصل الثاني: موقف الإمام الكاظمعليه‌السلام من حكم الرشيد.

الفصل الثالث: اعتقالات الإمامعليه‌السلام حتى استشهاده.

الفصل الرابع: تراث الإمام الكاظمعليه‌السلام .

الفصل الأوّل: ملامح عهد الرشيد وسياسته مع الإمام الكاظمعليه‌السلام

تعتبر السنوات الأخيرة من عمر الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام من أعقد مراحل حياته وأشدّها صعوبة وأذىً على الإمامعليه‌السلام بالقياس إلى المراحل الأخرى التي سبقتها، وقد عاصر فيها هارون الرشيد لمدة (١٤) سنة وأشهراً(١) وكانت حافلة بالآلام والمصاعب.

وقد صبّ فيها هارون كلّ الحقد الجاهلي وما تطويه نفسه الخبيثة من لؤم ودهاء على أهل البيتعليهم‌السلام فقد صمّم سياسة ظالمة تميّز بها عن غيره من الخلفاء، حتى كان من شأنها أن شل حركة الإمامعليه‌السلام وعزله عن الأُمة تمهيداً لقتله فيما بعد داخل السجن، وبهذا تشكل حياة الإمام موسى لجوؤه لأساليب أخرى من العمل مرحلة جديدة بالنسبة لحركة الأئمةعليهم‌السلام الذين سبقوه. ويكون الحديث عن هذه المرحلة من حياة الإمام الكاظمعليه‌السلام في عدة فصول:

الأوّل: عن عهد الرشيد وعن أساليبه التي استخدمها مع الإمامعليه‌السلام .

الثاني: موقف الإمامعليه‌السلام من حكم وسياسة الرشيد ونشاط الإمامعليه‌السلام مع الأُمة.

الثالث: عن اعتقالات الإمام ودوره في داخل السجن حتى استشهادهعليه‌السلام في سنة (١٨٣ هـ). ويقع الكلام في هذا الفصل ضمن بحثين:

البحث الأول: ملامح عهد الرشيد:

سبقت الإشارة إلى الظواهر الانحرافية التي اجتاحت البلاد الإسلامية والسياسة الظالمة ضد أهل البيتعليهم‌السلام التي جاء بها العباسيون في منهجهم الجاهلي.

ــــــــــــ

(١) إعلام الورى: ٢/٧ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١، ح١.

٩٦

ولا يسعنا أن نستعرض كل الأحداث والظروف التي أحاطت بالإمامعليه‌السلام في عصر حكومة الرشيد بل نحاول أن نقف على أهم ما امتازت به المرحلة من ظواهر لعلها تكون كافية لإعطاء الصورة الواقعية وحجم المأساة التي يعانيها الإمامعليه‌السلام .

إذا لاحظنا الأموال التي كانت تجبى له من أطراف البلاد لوجدناها تفوق ضخامتها ورقمها أموال كل من سبقه من الخلفاء وكانت تنفق على غير مصالح المسلمين مثل التفنن في الملذّات حتى أسرف هارون في هباته للمغنّين وأغدق عليهم الأموال الطائلة فقد أنشده أبو العتاهية هذه الأبيات:

بأبي من كان في قلبي له

مرة حب قليل فسرق

يا بني العبّاس فيكم ملك

شعب الإحسان منه تفترق

إنّما هارون خير كله

مات كل الشر مذ يوم خلق

وغنّاه إبراهيم الموصلي بها فأعطى كل واحد منهما مئة ألف درهم ومئة ثوب(١) .

وكان هارون مولعاً بالجواري حريصاً على الاستمتاع والتلذّذ بهنّ حتى أفرط في ذلك وكان له قصة مع الجارية (غادر) جارية أخيه الهادي وكانت حسناء من أحسن الناس وجهاً وغناءً وكان الهادي يحبها وشك ذات يوم بأن الرشيد سيتزوجها حال مماته فقال للرشيد أريد أن تحلف بأنك لا تتزوجها بعدي فحلف واستوفى عليه الإيمان من الحج راجلاً وطلاق الزوجات وعتق المماليك وتسبيل ما يملكه، ثم أحلفها بمثل ذلك فحلفت فلم يمض على ذلك الأشهر فمات الهادي وبويع الرشيد فبعث إلى (غادر) وخطبها(٢) . وكان الرشيد شديد الولع بالغناء فاشتمل قصره على مختلف الآلات الموسيقية وقد أمر المغنّين أن يختاروا له مئة صوت فاختاروها ثم أمرهم باختيار عشرة فاختاروها، ثم أمرهم باختيار ثلاثة ففعلوا(٣) وانقطع إبراهيم عن الغناء لأنه عاهد الهادي بعدم الغناء بعده، لكن الرشيد أمره أن يغنّي فامتنع فرماه في السجن ولم يطلق سراحه حتى غنّى في مجلسه(٤) .

وكان هارون من المدمنين على شرب الخمرة، وكان يدعو خواصّ جواريه إذا أراد الشراب(٥) .

قال حماد بن إسحاق عن أبيه: أرسل إليّ الرشيد ذات ليلة فدخلت عليه

ــــــــــــ

(١) الاغاني: ٤ / ٧٤.

(٢) نساء الخلفاء: ٤٦.

(٣) الاغاني: ١ / ٧.

(٤) الأغاني: ١ / ١٦٢.

(٥) التاج: ٣٧.

٩٧

فإذا هو جالس وبين يديه جارية عليها قميص مورّد وسراويل مورّدة ، فلما غنّت، فقال: لمن هذا اللحن؟ فقلت: لي يا أمير المؤمنين فقال: هات لحن ابن سريج فغنّيته إياه فطرب وشرب رطلاً وسقى الجارية رطلاً وسقاني رطلاً(١) .

وكان الرشيد شديد التعلق بلعب القمار (النرد) و (الشطرنج)(٢) وبذل الأموال الطائلة من أجل هذه الألعاب.

أمّا موقفه من العلويين فكان الرشيد شديد العداء والحقد عليهم وقد أقسم حين تولّى الخلافة على استئصالهم وقتلهم فقال: والله لأقتلنهم ـ أي العلويين ـ ولأقتلن شيعتهم(٣) وفعلاً نفّذ قسمه بقتل طائفة كبيرة من أعلام العلويين هم خيرة المسلمين علماً وورعاً في الدين.

وعندما رأى جماهير غفيرة من الأُمة الإسلامية تتهافت على زيارة مرقد الحسينعليه‌السلام قام بهدم الدور المجاورة له، واقتلاع السدرة التي كانت إلى جانب القبر الشريف(٤) كما أمر بحرث أرض كربلاء ليمحو بذلك كلّ أثر للقبر المطهر، وقد انتقم الله منه فإنّه لم يدُر عليه الحول حتى هلك في خراسان(٥) .

وامتدّ سلوك هذا الحاكم الفاسد إلى الأُمة، حيث أشيع في البلاد الإسلامية كل أنواع الفساد، وتحوّلت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية في عصره إلى مسرح للّهو، والرقص، وحانات الخمور ودور المجون، حتى أصبحت هذه المظاهر سمة بارزة يتميّز بها ذلك العصر، وعكس لنا الشعراء انطباعاتهم وأحاسيسهم باللهو وحبّ الجواري والتلذّذ بالخمرة، وكرّس أبو نؤاس مجهوده الفكري في وصف الأكواب والكؤوس والسقاة والخمّارين والندماء وافتتن الناس بخمرياته.

ــــــــــــ

(١) الأغاني: ٥ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٢) الأغاني: ٩ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٣) الأغاني: ٥ / ٢٢٥.

(٤) المناقب: ٢ / ١٩ ، والأمالي: ٢٠٦.

(٥) تأريخ كربلاء: ١٩٨.

٩٨

وامتاز عصر هارون بالفقر والبؤس، الذي عم الملايين فنجد جموع المسلمين تعرى وتجوع، فيما زخرت بغداد بأموال المسلمين والتي تكرّست عند طبقة خاصة من الخلفاء وأبنائهم وعشيرتهم ووزرائهم والمغنين والجواري والخمّارين والوشاة والمنتفعين من مائدة الخلافة.

وحيث ظهر الفقر والبؤس في موطن كان منشئاً للكفر. فقد ظهرت في ذلك العصر حركات إلحادية نشطت بين البسطاء.

يقول (فلهوزن): إنّ هناك صلة وثيقة بين الدعوة العباسية والزنادقة، ويقول: إنّ العبّاسيين في ذلك الوقت جمعوا الزنادقة حولهم ولم ينبذوهم إلاّ فيما بعد(١) .

والغريب أنّ هذه الحركات الهدّامة التي انتشرت في البلاد الإسلامية مثل (المزدكيّة) وغيرها كانت تدعو للتحلّل من جميع القيم وهي نوع من أنواع الشيوعية، يقول الشهرستاني: إنّ مزدك أحلّ النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة كاشتراكهم في المال والنار والكلأ(٢) .

ــــــــــــ

(١) الدولة العربية: ٤٨٩.

(٢) الملل والنحل: ١ / ٢٢٩.

٩٩

البحث الثاني: موقف الرشيد من الإمام الكاظمعليه‌السلام

كان الرشيد شديد الحساسية والحقد على الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام بالنسبة إلى الخلفاء العبّاسيين الذين سبقوه، من هنا بدأ بمحاصرة الإمام ومراقبته بغية شل حركته ونشاطه، بطرق وأساليب متعددة وملتوية ومتطوّرة تمثّلت في الاستدعاءات المتعدّدة للبلاط ثم الاعتقالات المتكرّرة، ومحاولات الاغتيال بتصفية أتباع الإمامعليه‌السلام وشيعته، وزجّ البعض في السجون بعد بثّه للجواسيس بشكل مكثّف ورصد ومُتابعة كل حركة تصدر من الإمام وأصحابه وإكرام الوشاة وتشجيعهم فيما إذا جاءوا بمعلومة سرّية عن الإمام حتى إنه كانت تقدم رؤوس العلويين كهدايا للرشيد باعتبارها من الأمور الثمينة عنده.

واستخدم الرشيد سياسته هذه مع الإمام على المدى البعيد وأراد فيها تطويق الإمامعليه‌السلام وعزله بشكل تام وقطع كل أواصر الارتباط مع الأُمة.

واتّسمت سياسة الرشيد العدوانية مع الإمام بأنها كانت منذ بويع للخلافة تراوحت بين السجن والاتّهام السياسي مرّة والإكرام والتعظيم نفاقاً مرة أخرى.

وسوف نستعرض مجموعة النصوص التي وردت في هذا الصدد لنقف على مجموعة الأساليب الصريحة والملتوية والمتطوّرة التي سلكها هذا الطاغية لتصفية حركة أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم.

الطائفة الأولى:

تتضمّن أساليب الرشيد مع الإمام والتي تدور بين إكرام الإمام مرة والتخطيط لقتله مرّة أخرى، والاعتراف بكونه الإمام المفترض الطاعة مرّة ثالثة.

١ ـ جاء عن الفضل أنه قال: (كنت أحجب الرشيد، فأقبل عليّ يوماً غضباناً، وبيده سيف يقلّبه. فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك.

فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي. قلت: وأيّ الحجازيين؟ قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

١٠٠