اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220
المشاهدات: 129545
تحميل: 7237

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 129545 / تحميل: 7237
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: 964- 5688-23
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العرش، فانّ قوماً تكلموا في الله فتاهوا ...) (١) .

وبيّنعليه‌السلام معياري الإيمان والإسلام فقال:(الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل) (٢) .

وقالعليه‌السلام :(الإيمان ما كان في القلب، والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء، والإيمان يشرك الإسلام، والإسلام لا يشرك الإيمان) (٣) .

وبيّن الأصل الأساسي من أصول العقيدة بعد أصل التوحيد وهو الولاية والإمامة المجعولة من الله تعالى ; لأن الولي والإمام يقوم بدور الحجّة نيابة عن الله تعالى، وبيّن مصير من لا يتولّى من نصّبه الله تعالى، فقال:(إنّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل من الله، فإنّ سعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر، ومثله كمثل شاة لا راعي لها ضلّت عن راعيها وقطيعها فتاهت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا أن جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فجاءت إليها فباتت معها في ربضتها متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بسرح قطيع غنم آخر فعمدت نحوه وحنّت إليها، فصاح بها الرّاعي الحقي بقطيعكِ فإنّكِ تائهة متحيّرة قد ضللت عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيّرة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها ويردّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وهكذا يا محمّد بن مسلم من أصبح من هذه الأمة ولا إمام له من الله عادل أصبح تائهاً متحيّراً، إن مات على حاله تلك مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد أنّ أئمة الحقّ وأتباعهم على دين الله ...) (٤) .

وبيّن حدود ولاية أهل البيتعليهم‌السلام وحدود شفاعتهم فقال:(يا جابر!

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢٣٨.

(٢) تحف العقول: ٢١٧.

(٣) المصدر السابق: ٢١٨.

(٤) المحاسن: ٩٢، ٩٣ .

١٢١

فو الله ما يُتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع) (١) .

وحذّر اتباعه من التأثر بأفكار واعتقادات الغلاة لأنها مخالفة للتوحيد، ومخالفة للمنهج العقائدي لأهل البيتعليهم‌السلام .

٢ ـ مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام

إن المنهج الإسلامي هو منهج واقعي للحياة، بكل ما للحياة من تشكيلات وتنظيمات وأوضاع وقيم وأخلاق وآداب وعبادات وشعائر، وهو كمنهج نظري يراد تطبيقه في الواقع بحاجة إلى قدوة تجسّده في الواقع كي يقتدي بها الناس ليندفعوا أشواطاً إلى الأمام في مسيرة التنفيذ والتطبيق، ولهذا ركّز الإمامعليه‌السلام على القدوة الناطقة بالكتاب والسنّة وهم أهل البيتعليهم‌السلام تمييزاً عن غيرهم من الذين تنكبوا طريق الاستقامة وانحرفوا عن المنهج انطلاقاً من أهوائهم ومصالحهم التي تخدم السلاطين والحكّام وانفلاتاً من قيود العقيدة والشريعة. فقد أكّد الإمامعليه‌السلام على الولاية باعتبارها أهم أركان الإسلام فقال:(بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية) (٢) ، التي أوضحها في نص آخر بأنها الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

وأورد الأحاديث الشريفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تؤكد على ولاية

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ٧٤.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ١٨.

(٣) الخصال: ١ / ٢٧٨ .

١٢٢

أهل البيتعليهم‌السلام ومرجعيتهم في الأمة، ومنها توجيه الأنظار إلى ولاية أول الأئمة أعني الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام متمثّلة بالولاء العاطفي له، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما من مؤمن إلاّ وقد خلص ودِّي إلى قلبه، وما خلص ودّي إلى قلب أحد إلاّ وقد خلص ودّ عليّ إلى قلبه، كذب يا علي من زعم أنه يحبّني ويبغضك) (١) .

وفسرّ الآيات النازلة في حق أهل البيتعليهم‌السلام وبيّن مؤدّاها بشكل دقيق وهو مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام في جميع شؤون الحياة فكرية وعاطفية وسلوكية.

ففي قوله تعالى:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢) ، قالعليه‌السلام :نحن أهل الذكر .

وفي قوله تعالى:( لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٣) ، قالعليه‌السلام :نحن هم .

وفي قوله تعالى:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) (٤) ، قالعليه‌السلام :نحن الأمة الوسط .

وفي قوله تعالى:( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٥) ، قالعليه‌السلام :أي مع آل محمد (٦) .

وأمّا أحاديثه التي رواها عن رسول الله حول ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ومرجعيتهم للأمة فمنها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(أنا رسول الله إلى النّاس أجمعين ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله، يقومون في الناس فيكذّبونهم ويظلمونهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا فمن والاهم واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني،

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ١٥١.

(٢) النحل (١٦): ٤٣.

(٣) البقرة (٢): ١٤٣.

(٤) البقرة (٢): ١٤٣.

(٥) التوبة (٩): ١١٩.

(٦) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ١٩٤، ١٩٥ .

١٢٣

ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذّبهم، فليس مني ولا معي وأنا منه بريء) (١) .

وحثّعليه‌السلام على الرجوع إلى القرآن والسنّة، وأكّد مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام باعتبار أنّ سنّتهم امتداد للسنّة النبويّة الشريفة، وباعتبار أعلميّتهم بمنهج القرآن الكريم وسيرة النبي العظيم; فإنّهم أهل بيت الوحي والرسالة فهم أدرى بما في البيت.

بيّن الإمامعليه‌السلام خصائص الإنسان الشيعي وهو الإنسان الموالي والمتّبع لأهل البيتعليهم‌السلام تمييزاً له عمّن سواه ممّن يحمل شعار الولاء والمشايعة لهم، قالعليه‌السلام :(فو الله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه ...) (٢) .

وقال أيضاً:(لا تذهب بكم المذاهب، فو الله ما شيعتنا إلاّ من أطاع الله عَزَّ وجَلَّ) (٣) .

٣ ـ خصائص الانتماء لأهل البيتعليهم‌السلام

وبيّن الخصائص الولائية والسلوكية للجماعة الصالحة من حيث علاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم مع الآخرين. فقالعليه‌السلام :(إنما شيعة عليّ: المتباذلون في ولايتنا المتحابّون في مودّتنا المتزاورون لإحياء أمرنا.الذين إذا اغضبوا لم يظلموا وإذا رضوا لم يسرفوا بركة على من جاوروا سلم لمن خالطوا) (٤) .

وقال أيضاً:(إنما شيعة عليّ: من لا يعدو صوتُه سمعَه، ولا شحناؤه بدنَه، لا يمدح لنا قالياً ولا يواصل لنا مبغضاً ولا يجالس لنا عائباً) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ١٥٥.

(٢) الكافي: ٢ / ٧٤.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ٧٣.

(٤) تحف العقول: ٢٢٠.

(٥) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٦٨ .

١٢٤

وقال أيضاً:(إنما شيعة عليّ: الحلماء العلماء، الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم) (١) .

وقال أيضاً:(إنّما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي إلى ما ليس له بحقّ) (٢) .

وبيّنعليه‌السلام أسس التقييم الموضوعي لمن يريد إثبات صحة انتمائه للجماعة الصالحة. ومن هذه الأسس عرض الإنسان نفسه على كتاب الله.

قالعليه‌السلام :(يا جابر، واعلم بأنّك لا تكون لنا وليّاً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرّك ذلك. ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ; فإن كنت سالكاً سبيله زاهداً في تزهيده راغباً في ترغيبه خائفاً من تخويفه فاثبت وأبشر، فإنه لا يضرّك ما قيل فيك وإن كنت مبائناً للقرآن فما الذي يغرك من نفسك ؟!...) (٣) .

والعلامة المميّزة لأفراد الجماعة الصالحة هي التزامهم بمبادئ القرآن الكريم وقيمه في مختلف مجالات الحياة الإسلامية، في العبادة والارتباط بالله تعالى، وفي العلاقات الاجتماعية، وقد بيّن ذلك بقولهعليه‌السلام ـ كما مرّ سابقاً ـ:

(فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام. وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير. وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٨٩.

(٢) الكافي: ٢/٢٣٤.

(٣) تحف العقول: ٢٠٦، مستدرك الوسائل: ١/٤٦٠.

(٤) الكافي: ٢ / ٧٤ .

١٢٥

ثانياً: الإمام الباقرعليه‌السلام والتزكية

١ ـ مقوّمات التزكية عند الإمام الباقرعليه‌السلام :

لا تتحقق التزكية إلاّ بعد أن تنطلق من القلب والضمير وتتفاعل مع الشعور بخشية مستمرة وحذر دائم وتوقٍّ من الرغائب والشهوات، والمطامع والمطامح، فلا بد وأن تكون شعوراً في الضمير، وحالة في الوجدان، وضعاً في المشاعر لتتهيأ النفوس لتلقي أسسها وتقريرها في الواقع، ولهذا ركّز الإمامعليه‌السلام في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية وهي:

أ ـ تحكيم العقل.

ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية.

ج ـ استشعار الرقابة الإلهية.

د ـ التوجّه إلى اليوم الآخر.

أ ـ تحكيم العقل:

إن الله تعالى خلق الإنسان مزوداً بعقل وشهوة، ومنحه معرفة سبل الهداية من خلال البينات والحقائق الثابتة، وهو مكلف بإعداد القلب للتلقي والاستجابة والتطلع إلى أفق أعلى واهتمامات أرفع من الرغبات والشهوات الحسّية، ولهذا ركّز الإمامعليه‌السلام على تحكيم العقل على جميع الرغبات والشهوات، ليكون للإنسان واعظ من نفسه يعينه على تزكية نفسه.

١٢٦

قالعليه‌السلام :(من لم يجعل الله له من نفسه واعظاً، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً) (١) .

وقال أيضاً:(من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه) (٢) .

ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية:

ان تكامل النفس لا يتم إلاّ من خلال التطابق بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية وذلك باتباع المنهج الإلهي في الحياة، وهذا التطابق يحتاج إلى مجاهدة الهوى والهيمنة على الشهوات وتقييدها بقيود شرعية; فإنّ مجاهدة النفس تجعل الإنسان مستعدّاً بالفعل لتلقّي الفيض الإلهي لإكمال نفسه وتزكيتها على أساس المنهج الربّاني للإنسان في هذه الحياة.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(يقول الله عَزَّ وجَلَّ: وعزّتي وجلالي، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت غناه في قلبه، وهمّه في آخرته ...) (٣) .

ج ـ استشعار الرقابة الإلهية:

لا تتم التزكية إلاّ باستشعار الرقابة الإلهية في العقل والضمير والوجدان، والإحساس بأنّ الله تعالى محيط بالإنسان، يحصي عليه حركاته وسكناته، ولهذا ركّز الإمام الباقرعليه‌السلام على هذه الرقابة لتكون هي الدافع لإصلاح النفس وتزكيتها، ففي موعظته لجماعة من أنصاره قال:(ويلك كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لست بعين الله، أو كأن الله ليس لك بالمرصاد ! ...) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) جامع الأخبار: ٢٧٠.

(٤) تحف العقول: ٢١٢ .

١٢٧

د ـ التوجّه إلى اليوم الآخر:

إن التوجه إلى الحياة الأخرى الخالدة يمنع الإنسان من الانحراف ويدفعه لتخليص النفس من ربقة الشهوات وظلمة المطامع وأدناس الهوى. وقد وجّه الإمامعليه‌السلام الجماعة الصالحة إلى ذلك اليوم ليجعلوه نصب أعينهم ليكون حافزاً لهم لإصلاح النفس وتزكيتها، ومما جاء في موعظته لجماعة منهم قولهعليه‌السلام :(... يا طالب الجنّة ما أطول نومك وأكَلَّ مطيّتك، وأوهى همتك، فلله أنت من طالب ومطلوب! ويا هارباً من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها! يا ابن الأيام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه، ويومك الذي تنزل فيه قبرك، ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك، فياله من يوم عظيم! يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة؟!) (١) .

وبيّن الإمامعليه‌السلام أن الدنيا دار بلاء وامتحان، وان هذا الابتلاء يتناسب مع درجة إيمان الإنسان فقال:(إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه) (٢) .

٢ ـ منهج التزكية عند الإمام الباقرعليه‌السلام

رسم الإمامعليه‌السلام للجماعة الصالحة منهجاً واقعياً متكاملاً وشاملاً لتزكية النفس وتربيتها بحيث يكون كفيلاً بتحقيقها عند مراعاته بشكل دقيق.

وتتحدد معالم هذا المنهج بالنقاط التالية:

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٢، ٢١٣.

(٢) جامع الأخبار: ٣١٣ .

١٢٨

أ ـ الارتباط الدائم بالله تعالى

الارتباط بالله تعالى والاستسلام له والعزم على طاعته من شأنه أن يمحّص القلوب، ويطهّر النفوس، لأنه ينقل الإنسان من مرحلة التفكّر والتدبّر في عظمة الله تعالى وهيمنته ورقابته إلى مرحلة العمل الصالح في ظلّ هذا التدبر، فالعزم يتبعه العون منه تعالى، ويتبعه التثبيت على المضي في طريق تزكية النفس.

والارتباط بالله تعالى يبدأ بمعرفته التي تحول بين الإنسان وبين مخالفة ربّه وخالقه، قالعليه‌السلام :(ما عرف الله من عصاه) (١) .

فإنّ المعرفة تنتج الحبّ والحبّ الصادق يحول بين الإنسان وبين مخالفة محبوبه.

والارتباط بالله تعالى يتجسد في مراتب عديدة منها: حسن الظن بالله ورجاء رحمته، فقد روى عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:(والذي لا اله إلاّ هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب الناس) (٢) .

ويتحقق الارتباط بالله تعالى أيضاً عن طريق المداومة على العبادات وقد حثّ الإمامعليه‌السلام الجماعة الصالحة على كثرة العبادة، حتى جعلها إحدى خصائصهم ـ كما تقدم ـ.

وحثّعليه‌السلام على قراءة القرآن الكريم والسير على منهاجه.

كما حثّعليه‌السلام على جعل الروابط والعلاقات الاجتماعية قائمة على أساس القرب والبعد من الله تعالى، فقد أورد أحاديث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤكد

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٥.

(٢) الكافي: ٢ / ٧٢ .

١٢٩

على ذلك ومنها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ومن أحبّ في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله ; فهو من أصفياء الله) (١) .

ب ـ الإقرار بالذنب والتوبة

إن منهج أهل البيتعليهم‌السلام يهدف إلى علاج النفوس البشرية، واستجاشة عناصر الخير فيها، وإلى مطاردة عوامل الشر والضعف والغفلة. والطبيعة البشرية قد تستقيم مرة وتنحرف مرة أُخرى، ولهذا فإنّ العودة إلى الاستقامة تقتضي محاسبة النفس باستمرار، والإقرار بالأخطاء، ثم التوبة، والعزم على عدم العود، ولذا أكّد الإمامعليه‌السلام على هذه المقومات، وبدأ بالإقرار بالذنب كمقدمة للنجاة منه، فقالعليه‌السلام :(والله ما ينجو من الذنب إلاّ من أقرّ به) (٢) . وقالعليه‌السلام :(كفى بالندم توبة) (٣) .

والإقرار يتبعه الغفران بعد طلبه من الله تعالى، قالعليه‌السلام :(لقد غفر الله لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما قال: اللهم إن تعذبني فأهل ذلك أنا، وإن تغفر لي فأهل ذلك أنت، فغفر له) (٤) .

والتوبة تمحي الذنب فيعود الإنسان من خلالها إلى الاستقامة ثانية، قالعليه‌السلام :(التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢٦٣.

(٢) الكافي: ٢ / ٣١١.

(٣) وسائل الشيعة: ١٦ / ٥٩.

(٤) المصدر السابق: ١٦ / ٦٠.

(٥) الكافي: ٢ / ٣١٦ .

١٣٠

ج ـ الحذر من التورّط بالذنوب

الحذر والحيطة من الذنوب ضرورة ملحة في تزكية النفس، وهي تتطلب الدقة في تناول كل خالجة وكل حركة وكل موقف، وتتطلب التحليل الشامل للأسباب والظواهر، والعوامل المسبّبة للموقف، والتعالي بالنفس في ميادينها الباطنية، ولهذا دعا الإمامعليه‌السلام إلى الحذر والحيطة من جميع الممارسات فقال:(إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعلّ رضاه فيه، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعلّ سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرنّ أحداً فلعلّه ذلك الولي) (١) .

ودعاعليه‌السلام إلى الاحتياط في القول في الحكم على الأشخاص والأعمال والممارسات فقال:(لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه) (٢) .

وقالعليه‌السلام لأحد أصحابه:(يا فضيل بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السلام، وقل لهم: إني أقول: أني لا أغني عنكم من الله شيئاً إلاّ بورع، فاحفظوا ألسنتكم، وكفّوا أيديكم، وعليكم بالصبر والصلاة ; إن الله مع الصابرين) (٣) .

د ـ تعميق الحياء الداخلي

إن موجبات التزكية كامنة في النفس ذاتها، قبل التأثر بالعوامل الخارجية، والتزكية ليست مجرد كلمات ورؤى نظرية بل هي ممارسة وسلوك عملي، يجب ان تنطلق من داخل النفس الإنسانية، ولا بد أن يتسلّح الإنسان

ــــــــــــــ

(١) كشف الغمة: ٢ / ١٤٨.

(٢) تحف العقول: ٢١٨.

(٣) تفسير العياشي: ١ / ٦٨ .

١٣١

بالواعز الذاتي الذي يصدّه عن فعل القبيح، ولذا أكّد الإمامعليه‌السلام على الحياء لأنه حصن حصين يردع الأهواء والشهوات من الانطلاق اللامحدود، قالعليه‌السلام :(الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه) (١) .

هـ ـ كسر الأُلفة بين الإنسان وسلوكه الجاهلي

حينما يعتاد الإنسان على السلوك الجاهلي فإنه سيأنس به، ويألفه حتى يصبح وكأنه جزء من كيانه، ترضاه نفسه، ويقبله قلبه، ولهذا فهو بحاجة إلى كسر هذه الألفة وهذا الأُنس إن أراد أن يزكّي نفسه ويسمو بها إلى مشارف الكمال، ولذا أكّد الإمامعليه‌السلام على بعض الخطوات التي تكسر هذه الألفة، فقال:(إن الله يبغض الفاحش المتفحّش) (٢) .

وزرع في النفس كراهية الطمع والرغبات المذلة، فقال:(بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذله) (٣) .

ومن أجل زرع الكراهية للشر روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(ألا إن شرار أمتي الذين يكرمون مخافة شرّهم، ألا وإنّ من أكرمه النّاس اتقاء شرّه فليس منّي) (٤) .

وقالعليه‌السلام :(... إنّ أسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يَعمى عليه من نفسه، وأن يأمر للناس بما لا يستطيع التحوّل عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه) (٥) .

فإذا كسرت الألفة بين الإنسان وسلوكه الجاهلي فإنّه سيقلع عنه، ويكون مهيّئاً لتقبل السلوك الإسلامي.

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٧.

(٢) الكافي: ٢ / ٢٤٥.

(٣) وسائل الشيعة: ١٦ / ٢٤.

(٤) الخصال: ١ / ١٥.

(٥) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨٦ .

١٣٢

و ـ إزالة الحاجز النفسي بين الإنسان والسلوك السليم

قد يحدث حاجز نفسي بين الإنسان والسلوك السليم بسبب ضغط الأهواء والشهوات، أو بسبب الهواجس والوساوس المطبقة عليه، وسوء التصور، ورواسب الجاهلية، والضعف البشري، فلا بد من إزالة هذه الحواجز أولاً ثم التمرين على ممارسة السلوك السليم ثانياً.

فقد حبّب الإمامعليه‌السلام إلى أصحابه السلوك الصالح، بربطه بالعبادة وطلب العون من الله تعالى، فقال:(ما من عبادة أفضل من عفّة بطن وفرج، وما من شيء أحبُّ إلى الله من أن يُسأل، وما يدفع القضاء إلاّ الدعاء، وإن أسرع الخير ثواباً البرّ ...) (١) .

وحبّب إلى النفوس حسن الخلق والرفق، فقال:(من أعطي الخلق والرفق، فقد أعطي الخير كلّه، والراحة، وحسن حاله في دنياه وآخرته، ومن حُرم الرفق والخلق كان ذلك له سبيلاً إلى كل شرّ وبليّة إلاّ من عصمه الله تعالى) (٢) .

وحبّب إلى نفوس أصحابه الأدب وحسن السيرة، فقال:(ما استوى رجلان في حسب ودين قط إلاّ كان أفضلهما عند الله آدبهما) (٣) .

وروىعليه‌السلام عن الإمام عليّعليه‌السلام قوله:(إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا) (٤) .

وحثَّعليه‌السلام على أداء العبادات المندوبة لكي تتجذر في النفوس وفي الإرادة، لأنها تساعد على إصلاح النفس وتزكيتها، وبيّن ثواب من عمل بها،

ــــــــــــــ

(١) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨٦.

(٢) حلية الأولياء: ٣ / ١٨٧.

(٣) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨٥.

(٤) وسائل الشيعة: ١٦ / ١٢ .

١٣٣

واستمر على أدائها في جميع الظروف والأحوال.وحثَّ على التمرّن على الأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة، فقالعليه‌السلام :عليكم بالورع والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً كان أو فاجراً، فلو أن قاتل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ائتمنني على أمانة لأديتها إليه (١) .

ثالثاً: المنهج التثقيفي عند الإمام الباقرعليه‌السلام

العلم خير وسيلة لتجلية حقيقة التصور الإسلامي، والمنهج الإلهي في الحياة الإنسانية. وهو الوسيلة المُثلى لتوجيه الجماعة الصالحة للارتفاع بها إلى مستوى الأمانة العظيمة التي ناطها الله بها. ولذا كان أهل البيتعليهم‌السلام يتشدّدون مع الجماعة الصالحة في أمر تلقي العلوم المرتبطة بالعقيدة والشريعة من مصادرها الأصيلة وهي القرآن والسنة الشريفة. وفي منهج الإمام الباقرعليه‌السلام التثقيفي والتعليمي المعد للجماعة الصالحة نلاحظ التأكيد على الأمور التالية:

١ ـ الحث على طلب العلم

حثّ الإمامعليه‌السلام على طلب العلم، وخصوصاً علم الفقه فقال:(الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة) (٢) .

وحثعليه‌السلام على السؤال باعتباره مفتاح العلم، وروى عن

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٩.

(٢) الكافي: ١ / ٣٢ .

١٣٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(العلم خزائن ومفتاحها السؤال، فاسئلوا يرحمكم الله، فانه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمجيب لهم) (١) .

٢ ـ موقع العلماء المتميّز وفضلهم

بيّن الإمام الباقرعليه‌السلام فضل العالم وقدّمه على العابد، لأن العلم الحقيقي يجعل الإنسان على وعي كامل بالحقائق والتصورات وبالأحداث والمواقف، فلا يختلط عليه أمر بأمر ولا موقف بموقف فيكون قادراً على التمييز والتشخيص، وإصابة الواقع في جميع مجالاته، قالعليه‌السلام :(عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد) (٢) .

وقالعليه‌السلام :(والله لموت عالم أحبّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً) (٣) .

وبيّنعليه‌السلام خصائص العالم فقال:(إنّ الفقيه حق الفقيه: الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي) (٤) .

٣ ـ الإخلاص في طلب العلم

حثعليه‌السلام على إخلاص النية في طلب العلم، بأن يكون الهدف النهائي من طلبه للعلم هو الوصول إلى الحقّ، وتقريره في عقول الناس وقلوبهم تقرباً إلى الله تعالى، وتجسيداً لمنهجه في الحياة.

قالعليه‌السلام :(من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوء مقعده من النار، إنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء: ٣ / ١٩٢.

(٢) المصدر السابق: ٣ / ١٨٣.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٠٤.

(٤) الكافي: ١ / ٧٠.

(٥) المصدر السابق: ١ / ٤٧ .

١٣٥

٤ ـ ضرورة نشر العلم وتثقيف الناس

حث الإمامعليه‌السلام على نشر العلم وتعليمه للناس، وإشاعته في الأوساط المختلفة، نهي عن كتمانه، بقولهعليه‌السلام :(من علّم باب هدى فله أجر من عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً ...) (١) .

وقالعليه‌السلام :(رحم الله عبداً أحيا العلم يذاكر به أهل الدين وأهل الورع) (٢) .

وجعل على العلم زكاة فقال:(زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله) (٣) .

كما جعل تذاكره ومدارسته صلاة، فقال:(تذاكر العلم دراسة، والدراسة صلاة حسنة) (٤) .

٥ ـ مزالق وآفات المتعلّمين

إن الإنسان مهما أوتي من علم فإنه يبقى بحاجة إلى المزيد، ويبقى في كثير من الأحيان جاهلاً ببعض الحقائق، لذا حثّ الإمامعليه‌السلام على الاحتياط في الإجابة لكي يأمن الانحراف، ولا تؤدي إلى تغرير الآخرين، قالعليه‌السلام :(الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه) (٥) .

وقال:(ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا: الله اعلم، إن الرجل لينتزع الآية من القرآن يخرّ فيها أبعد ما بين السماء والأرض) (٦) .

وجعل هذا الاحتياط حقاً لله على العباد، فقال:(حق الله على العباد: أن

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٣٥.

(٢ و٣ و٤) المصدر السابق: ١ / ٤١.

(٥) المصدر السابق: ١ / ٥٠.

(٦) المصدر السابق: ١ / ٤٢.

١٣٦

يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عندما لا يعلمون) (١) .

٦ ـ المرجعية العلمية

من الحقائق المشهورة عند المسلمين أنّ علياًعليه‌السلام أعلم الصحابة بكتاب الله وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو باب علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد علّم أبناءه ما تعلّمه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا يتوارثون العلم فيما بينهم، من هنا كان أهل البيتعليهم‌السلام أعلم الناس بالقرآن والسنّة، ولهذا أكّد الإمام الباقرعليه‌السلام على مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام العلمية، وبيّن أن علمهم موروث منذ آدم إلى يومه هذا، فقال:(إن العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان عليّ عليه‌السلام عالم هذه الأمة، وانه لم يهلك منّا عالم قط إلاّ خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء الله) (٢) .

وبيّن اختصاص أهل البيتعليهم‌السلام بعلم القرآن ظاهره وباطنه فقال:(ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء) (٣) .

كما بيّن أنّ علمهمعليهم‌السلام علم صائب، فقال:(ليس عند أحد من الناس حقّ ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حقّ إلاّ ما خرج منّا أهل البيت) (٤) .

وقد أثبت الواقع أهليّتهمعليهم‌السلام للمرجعية العلمية العامّة للمسلمين جميعاً، فكانوا مقصد العلماء من جميع أمصار العالم الإسلامي.

وكانعليه‌السلام يحث الجماعة الصالحة على الرجوع لأهل البيت الأطهار

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٤٣.

(٢) المصدر السابق: ١ / ٢٢٢.

(٣) المصدر السابق: ١ / ٢٢٨.

(٤) المصدر السابق: ١ / ٣٩٩ .

١٣٧

تجسيداً لهذه المرجعية وتحصيناً لهم من الزيغ والانحراف(١) .

وكان أيضاً يرشد أصحابه إلى مراجعة العلماء الذين أخذوا العلم من أهل البيتعليهم‌السلام واتقنوا فنونه وأسسه وقواعده(٢) .

٧ ـ المؤسسات الثقافية

كان للإمام الباقرعليه‌السلام دور كبير في توسيع المؤسسات الثقافية، فقد أسس عدة مدارس في أهم الأمصار الإسلامية:

مدرسة المدينة: وكان يشرف عليها مباشرة، وينتقي منها الفقهاء ليواصلوا حمل العلم ونشره.

مدرسة الكوفة: وكان يشرف عليها من تتلمذ على يديه، وتخرّج من مدرسته، وقد أثمرت هذه المدرسة في نشر علوم أهل البيتعليهم‌السلام وإرجاع الناس إليهم، حتى اعترف الحاكم الأُموي هشام بن عبد الملك بهذه الحقيقة، فقد أشار إلى الإمامعليه‌السلام قائلاً: هذا المفتون به أهل العراق(٣) . ولذا أمر الأمويون بمنع أهل العراق من الالتقاء بالإمامعليه‌السلام (٤) .

مدرسة قم: وكان يشرف عليها بعض من تتلّمذ على يدي الإمامعليه‌السلام ، وهي متفرعة من مدرسة الكوفة.وتأثرت بمدرسة الكوفة وقم مدارس أُخرى في الشرق الإسلامي، كمدرسة الري وخراسان(٥) .

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢١٣.

(٢) بحار الأنوار: ٤٦ / ٣٢٨.

(٣) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٧٩.

(٤) المصدر السابق: ٢٣ / ٨٣.

(٥) دور أهل البيتعليهم‌السلام في بناء الجماعة الصالحة: ١ / ١٣٣ .

١٣٨

وهنالك مدارس جوّالة كان يؤسسها طلابه أينما حلّوا وهي محدودة بحدود عدد الأفراد المشرفين وبمقدار الاستجابة لهم من قبل الناس. والمؤسسات الثقافية كان لها دور كبير في تخريج الفقهاء والمبلغين من مختلف الأمصار. وكانت أساليب الإمام التثقيفية متنوعة، بعضها ذو طابع فردي والآخر ذو طابع جماعي. كما كان التثقيف يتم عن طريق التدريس، وأخرى عن طريق الرسائل والوصايا.

ولم يكن تثقيفه وتعليمه مقتصراً على الفقه والأصول أو العلوم الدينية بشكل خاص، بل كان شاملاً لجميع العلوم المعروفة آنذاك(١) .

رابعاً: الإمام الباقرعليه‌السلام وإحياء الروح الثورية في الأمة

كانت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ذات دور كبير في إحياء الروح الثورية، وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله ورسوله ضدّ الحكّام الظالمين، ولهذا نشط الإمام الباقرعليه‌السلام ليجعل الثورة حيّة تمنح الناس طاقة ثورية لخوض المواجهة في وقتها وظرفها المناسب.وقد تجسد إحياؤه للروح الثورية هذه في مظهرين:

الأول: إقامة الشعائر الحسينية

كان الإمامعليه‌السلام يقوم بنفسه بإحياء الشعائر الحسينية، حيث كان يقيم مجالس العزاء في منزله، دون معارضة من قبل الحكّام الأمويين لأنهم لا يستطيعون منع مجلس عزاء يقيمه الإمامعليه‌السلام على جدِّه، ولأنهم كانوا يحاولون إلقاء اللوم في قتل الحسين وأهل بيته وصحبه على آل أبي سفيان.

ــــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٢٦٤ .

١٣٩

وتجسّدت الشعائر الحسينية بالممارسات التالية:

١ ـ الحزن وإقامة مجالس العزاء: شجَّع الإمام على البكاء لمصاب جدّه الإمام الحسينعليهما‌السلام وأهل بيته، والأبرار من صحابته من أجل أن تتجذّر الرابطة العاطفية بهعليه‌السلام في المشاعر، وكان يقول: (من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل البعوضة غفر الله له ذنوبه)(١) .

٢ ـ الزيارة: حثّ الإمام الباقرعليه‌السلام على زيارة قبر جدّه الإمام الحسينعليه‌السلام لتعميق الارتباط به شخصاً ومنهجاً، واستلهام روح الثورة منه، ومعاهدته على الاستمرار على نهجه.

وكان يؤكد لمحبّيه والمؤمنين بقيادته الاهتمام بها، ويقول: (مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي، وزيارته مفروضة على من أقرّ للحسين بالإمامة)(٢) .

وأكّدعليه‌السلام على لزوم اقتران حب أهل البيتعليهم‌السلام بزيارة قبر الحسينعليه‌السلام كما جاء في قوله: (من كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فمن كان للحسين زوّاراً عرفناه بالحب لنا أهل البيت)(٣) .

٣ ـ إنشاء الشعر: كما كانعليه‌السلام يشجع على قول الشعر في الإمام الحسينعليه‌السلام وقد بذل من أمواله لنوادب يندبن بمنى أيام الموسم(٤) .

وقد أثمر هذا الحثّ إحياء روح الثورة والنهوض، حتى إن الثورات التي انطلقت بعد عصر الإمام الباقرعليه‌السلام كانت تنطلق في عاشوراء ; إذ كان الثّوار يتزوّدون من قبرهعليه‌السلام ثم ينطلقون بثورتهم وحركتهم المسلّحة غالباً.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٩٨ / ١.

(٢) المصدر السابق: ٤٤ / ٢٩٣.

(٣) المصدر السابق : ٩٨ / ٤.

(٤) مقتل الحسين للمقرّم : ١٠٦.

١٤٠