اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220
المشاهدات: 129581
تحميل: 7237

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 129581 / تحميل: 7237
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: 964- 5688-23
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني (١) .

وكانعليه‌السلام يستشهد بسيرة آبائه وأجداده للحث على العمل وطلب الرزق، فقد روىعليه‌السلام :أن رجلاً لقي أمير المؤمنين عليه‌السلام وتحته وسق من نوى، فقال له: ما هذا يا أبا الحسن تحتك ؟ فقال: مائة عذق إن شاء الله، فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة (٢) .

وكان ينهى عن الكسل والتقاعس عن العمل، وقد جعل الكسل عن الآخرة ملازماً للكسل عن طلب الدنيا، فقال:(إنّي لأبغض الرجل ـ أوأبغض للرجل ـأن يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه، فهو عن أمر آخرته أكسل) (٣) .

وبيّن أن الرزق من الله تعالى، وهو الذي حدّد لكل نفس رزقها، فما على الإنسان إلاّ السعي لطلبه، قالعليه‌السلام :(ليس من نفس إلاّ وقد فرض الله عَزَّ وجَلَّ لها رزقاً حلالاً يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئاً من الحرام قاصّها به من الحلال الذي فرض لها، وعند الله سواهما فضل كثير، وهو قوله عَزَّ وجَلَّ : ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) (٤) ...) (٥) .

ونهى عن جمع المال من المكاسب المحرّمة ومنها الغلول، فقد سأله عمّار بن مروان عنها فقال:(كل شيء غلّ من الإمام فهو سحت، وأكل مال اليتيم وشبهه سحت، والسحت أنواع كثيرة: منها أجور الفواجر، وثمن الخمر والنبيذ، والمسكر، والربا بعد البيّنة، فأمّا الرُّشا في الحكم، فإنّ ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله) (٦) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٥ / ٧٣ ـ ٧٤.

(٢) المصدر السابق: ٥ / ٧٥.

(٣) المصدر السابق: ٥ / ٨٥.

(٤) النساء (٤): ٣٢.

(٥) الكافي: ٥ / ٨٠.

(٦) المصدر السابق: ٥ / ١٢٦.

١٦١

ونهىعليه‌السلام عن الربّا لأن فيه غصباً لحقوق الآخرين، وإضعافاً لروح الودّ والإخاء، وإماتة لروح الزهد في الدنيا والإحسان للآخرين، ولذا اعتبرهعليه‌السلام من أخبث المكاسب، فقالعليه‌السلام :(أخبث المكاسب كسب الرّبا) (١) .

ولم يحبّذ لأنصاره العمل غير اللائق بهم وان كان حلالاً كالعمل في الحجامة(٢) .

التوازن بين طلب الرزق وطلب المكارم

حثّ الإمامعليه‌السلام على العمل وطلب الرزق كمقدمة للاستغناء عن الناس، وإشباع النفس والعيال لكي يتفرغوا للهدف الكبير الذي خُلقوا من أجله وهو حمل الأمانة الإلهية، وتبليغها للناس جميعاً، وتقرير أسسها وقواعدها في الواقع، فقد أراد من أتباعه التطلع إلى أفق أعلى، والى اهتمامات أرفع لتكون القيم المعنوية هي الحاكمة على جميع تصرفاتهم المالية، ولكي لا ينساقوا وراء الشهوات وينشغلوا بإشباعها، قالعليه‌السلام :(إن أهل التقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل من الدنيا، فمؤنتهم يسيرة أخّروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم) (٣) .

وبيّن في دعاء له الأهداف المتوخاة من طلب الرزق وحدوده، والتوازن بينه وبين القيم المعنوية، ومن دعائه قولهعليه‌السلام :(... أسألك اللهمَّ الرّفاهية في معيشتي ما أبقيتني، معيشة أقوى بها على طاعتك، وأبلغ بها رضوانك، وأصير بها بمنّك إلى دار الحيوان، ولا ترزقني رزقاً يطغيني، ولا تبتلني بفقر أشقى به، مضيّقاً عليّ، أعطني حظاً وافراً في آخرتي، ومعاشاً واسعاً هنيئاً مريئاً في دنياي ...) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٥ / ١٤٧.

(٢) المصدر السابق: ٥ / ١١٦ .

(٣) تحف العقول: ٢٠٩.

(٤) بحار الأنوار: ٩٤ / ٣٧٩، طبعة ثانية: ٩٧ / ٣٧٩.

١٦٢

وبيّنعليه‌السلام الميزان الاقتصادي والمالي للجماعة الصالحة لتوزن به درجة قربها وبعدها عن العمل للآخرة فقال:(إنّا لنحبّ الدنيا ولا نؤتاها، وهو خير لنا، وما أوتي عبد منها شيئاً إلاّ كان أنقص لحظه في الآخرة، وليس من شيعتنا من له مئة ألف ولا خمسون ألفاً ولا أربعون ألفاً، ولو شئت أن أقول ثلاثون ألفاً لقلت، وما جمع رجل قط عشرة الآف من حلّها) (١) .

ودعاعليه‌السلام إلى الاقتصاد في إشباع الرغبات والشهوات لكي لا تصبح هدفاً بذاتها، فقالعليه‌السلام :(إذا شبع البطن طغى) (٢) .

وقال أيضاً:(ما من شيء أبغض إلى الله عَزَّ وجَلَّ من بطن مملوء) (٣) .

الموارد المالية للجماعة الصالحة

الأول: الزكاة

الزكاة هي أحد الموارد المالية للجماعة الصالحة، وهي عبادة اقتصادية أمر الله تعالى بها لإشباع الجياع وكسوتهم ورفع المستوى المعاشي للفقراء والمحتاجين، وإيجاد التوازن بين الطبقات لكي لا يحدث تفاوت فاحش بين مستويات الناس الاقتصادية، ولكي لا تتكدس الأموال عند طبقة معيّنة.

وقد حثّعليه‌السلام على إعطاء الزكاة، ومما جاء في ذلك قولهعليه‌السلام :(فرض الله الزكاة مع الصلاة) (٤) .

وبيّنعليه‌السلام الآثار المترتبة على منع الزكاة ومنها منع البركات

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٩ / ٦٦، طبعة ثانية: ٧٢ / ٦٦.

(٢) الكافي: ٦ / ٢٧٠.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الكافي: ٣ / ٤٩٨.

١٦٣

فقالعليه‌السلام :(وجدنا في كتاب عليٍّ عليه‌السلام ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها) (١) .

ومن آثار منعها في الحياة الأخرى هو العذاب الإلهي، قالعليه‌السلام :(إن الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة، معهم ملائكة يعيّرونهم تعييراً شديداً، يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم الله، فمنعوا حقّ الله في أموالهم) (٢) .

الثاني: الخمس

حثّ الإمامعليه‌السلام على إعطاء الخمس لأنّه فريضة ثابتة في الشريعة الإسلامية، وهي حقّ ثابت فمن لم يعطه فقد أكل حقاً، ومن تصرّف به فقد تصرف بأموال ليست له، قالعليه‌السلام :(من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحلّ له) (٣) .

وقالعليه‌السلام :(لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا) (٤) .

وقد بيّنعليه‌السلام هذا الحق المغتصب وغيره من الحقوق، وأوضح قاعدة عامة فقال:(ما كان للملوك فهو للإمام) (٥) .

ومن الموارد المالية الواجبة: الكفّارات، وهنالك موارد ثانوية غير واجبة كالهدايا والصدقات والإنفاق في وجوه الخير.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٣ / ٥٠٥.

(٢) المصدر السابق: ٣ / ٥٠٦.

(٣) تهذيب الأحكام: ٤ / ١٣٦.

(٤) الكافي: ١ / ٤٥٨.

(٥) المصدر السابق: ١/٤٥٨ .

١٦٤

التكافل داخل الجماعة الصالحة

الجماعة الصالحة لها كيانها المستقل ومواردها المستقلة التي سبق ذكرها، وإن إنفاق الأموال في مواردها التي وضعها الله تعالى تؤدي إلى التكافل داخل الجماعة الصالحة .

فالزكاة تدفع للفقراء والمساكين والعاملين عليها ، وفي عتق الرقاب المؤمنة ، وللمثقلين بالديون ، وابن السبيل وتدفع للمؤلفة قلوبهم للإسلام ولمذهب أهل البيتعليهم‌السلام أو دفع شرّهم ، ولها موارد إنفاق تقع تحت عنوان (في سبيل الله) .

وهي تدفع لهم مباشرة دون إذن الإمامعليه‌السلام ، كما يفهم من أحاديثه الشريفة(١) .

وهي في الأصل تدفع إلى من ينتمي إلى الجماعة الصالحة ، فعن ضريس قال : سأل المدائني أبا جعفرعليه‌السلام قال : إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففيمن نضعها ؟ فقالعليه‌السلام :في أهل ولايتك فقال : إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك فقالعليه‌السلام :(ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ، ولا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غداً إلى أمرك لم يجيبوك) (٢) .

وقالعليه‌السلام :(إنّما موضعها أهل الولاية) (٣) .

ــــــــــــــ

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣٠ .

(٢) الكافي : ٣ / ٥٥٥ .

(٣) المصدر السابق : ٣ / ٥٤٥ .

١٦٥

وكان يقدّم المهاجرين وأصحاب العقل والفقه على غيرهم ، فحينما سئلعليه‌السلام عن كيفية العطاء فقالعليه‌السلام :(أعطهم على الهجرة في الدين والعقل والفقه) (١) .

أما الرقاب وسهم المؤلفة قلوبهم فلا يشترط فيها الانتماء إلى الجماعة الصالحة كما هو المشهور .

والزكاة الواجبة تختص بالمحتاجين وغير القادرين على العمل ، فلا ينبغي إعطاؤها لغيرهم، قالعليه‌السلام :(إن الصدقة لا تحلّ لمحترف ، ولا لذي مرّة سوي قوي ، فتنزهوا عنها) (٢) .

وقد حدّدعليه‌السلام أصناف وأوصاف المستحقين فقال :(المحروم : الرجل الذي ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق وهو محارف) (٣) .(الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل) (٤) .

ويجب إعطاء الزكاة مصحوباً بالتكريم ، فعن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة ، فأعطيه من الزكاة ولا أُسمّي له أنّها من الزكاة ؟ فقالعليه‌السلام :(أعطه ولا تسمّ له ولا تذل المؤمن) (٥) .

والعطاء ينبغي أن يكون إلى حد الإغناء بحيث لا يبقى محتاجاً،

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ٣ / ٥٤٩ .

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣١ .

(٣) الكافي : ٣ / ٥٠٠ .

(٤) المصدر السابق : ٣ / ٥٠٢ .

(٥) المصدر السابق : ٣ / ٥٦٤ .

١٦٦

قالعليه‌السلام :(إذا أعطيته فأغنه) (١) .

مّا مصرف الخمس فهو عائد للإمام قالعليه‌السلام :(والخمس لله وللرسول ولنا )(٢) .

والخمس ملك للإمامعليه‌السلام باعتبار منصبه ، وليست ملكاً شخصياً له ، وقد دلت سيرة الإمام الباقرعليه‌السلام وسيرة من سبقه من الأئمةعليهم‌السلام على ذلك ، فكانوا يأخذونه وينفقونه لا على أنفسهم ، حيث كان ما ينفق على أنفسهم وعيالهم شيئاً يسيراً ، بالقياس إلى ضخامة الأموال التي تُجبى إليهم ، ومع ذلك كان بعضهم محتاجاً ، لأنّه كان ملكاً للمنصب وليس للشخص .

ومن أجل إحياء روح التكافل الاقتصادي والاجتماعي حثَّ الإمامعليه‌السلام على الصدقة وهي الزكاة المستحبة فقال :(إن الصدقة لتدفع سبعين بليّة من بلايا الدنيا مع ميتة السوء) (٣) .

وقالعليه‌السلام : (إن صنائع المعروف تدفع مصارع السوء)(٤) .

وحثعليه‌السلام على إطعام الطعام وذبح الذبائح وإشباع الفقراء والمحتاجين منها فقال :(إن الله عَزَّ وجَلَّ يحب إطعام الطعام وإراقة الدماء) (٥) .

وحث على الجود والسخاء ، والإنفاق ، والهدية والقرض ، وإنظار المعسر في تسديد دينه ، كما ورد في مختلف كتب الحديث عنهعليه‌السلام .

وكان يتصدق في كل جمعة ويقول :(الصدقة يوم الجمعة تُضاعف لفضل

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ٣ / ٥٤٨ .

(٢) المصدر السابق : ١ / ٥٣٩ .

(٣) المصدر السابق : ٤ / ٦ .

(٤) المصدر السابق : ٤ / ٢٩ .

(٥) المصدر السابق : ٤ / ٥١ .

١٦٧

يوم الجمعة على غيره من الأيام) (١) .

وكان ينفق الأموال على أصحابه ، فقد أمر غلامه بإعطاء الأسود بن كثير سبعمائة درهم ، وقال له :استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني (٢) .

وعن سلمى مولاته قالت : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده ، حتى يطعمهم الطعام الطيّب ، ويكسوهم الثياب الحسنة في بعض الأحيان، ويهب لهم الدراهم ، فأقول له في ذلك ليقلّ منه.

فيقول :يا سلمى ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الإخوان والمعارف (٣) .

وجعلعليه‌السلام الإنفاق مقياساً للإخوة ، حين قال لجماعة من أصحابه : يدخل أحدكم يده في كُمِّ أخيه يأخذ حاجته ؟ فقالوا : لا قالعليه‌السلام :ما أنتم بإخوان (٤) .

ونهى عن السؤال ومع ذلك شجّع على عدم رد السائل فقال :(لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً ، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة ما ردّ أحد أحداً) (٥) .

وجعل التعامل الاقتصادي فيما بين الجماعة الصالحة أو غيرها من الجماعات قائماً على أساس قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، التي رواها عن جدّه رسول الله(٦) .

ــــــــــــــ

(١) ثواب الأعمال : ١٦٨ .

(٢) صفة الصفوة : ٢ / ١١٢ .

(٣) الفصول المهمة : ٢١٥ .

(٤) مختصر تاريخ دمشق : ٢٣ / ٨٥ .

(٥) الكافي : ٤ / ٢٠ .

(٦) المصدر السابق : ٥ / ٢٩٢ .

١٦٨

تاسعاً : الإمام الباقرعليه‌السلام والنظام الاجتماعي للجماعة الصالحة

النظام الاجتماعي للجماعة الصالحة هو مصداق حقيقي للنظام الاجتماعي الإسلامي الذي أرسى دعائمه القرآن الكريم، وخاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو قائم على أسس خلقية في التعامل والعلاقات، وعلى رأسها حسن الخُلق، قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) (١) .

ومن حسن الخلق تلقّي الآخرين بوجه منبسط، فقد قالعليه‌السلام :(أتى رسول الله رجل فقال: يا رسول الله أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال: الق أخاك بوجه منبسط) (٢) .

ومن مصاديق حسن الأخلاق الرفق بجميع أصناف الناس قالعليه‌السلام :(من قسم له الرفق قسم له الإيمان) (٣) .

ووضع لكل وحدة اجتماعية نظامها الخاص بها، وعلاقاتها مع الوحدات الاجتماعية الأخرى، ابتداءً بالأسرة وانتهاءً بالمجتمع الكبير.

١ ـ الأسرة

الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة ، وهي المسؤولة عن رفد المجتمع بالعناصر الصالحة ، وهي نقطة البدء التي تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني وقد وضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها ، ابتداءً باختيار شريك الحياة المناسب على أساس التديّن وحسن الخلق والانحدار من أسرة صالحة ، كما وضع برنامجاً للحقوق والواجبات على كل من الزوجين، ومراعاتهما من قبلهما كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأسرة .

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ٢ / ٩٩ .

(٢) المصدر السابق : ٢ / ١٠٣ .

(٣) المصدر السابق : ٢ / ١١٨ .

١٦٩

فقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حق الزوج على الزوجة بقوله :( أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدق من بيتها بشيء إلاّ بإذنه ، ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه ...) (١) .

وقالعليه‌السلام :( جهاد المرأة حسن التبعل ) (٢) .

ودعا إلى تحمّل أذى الزوج من أجل إدامة العلاقة الزوجية ، وعدم تفكّك الأسرة من خلال عدم مقابلة الأذى بأذى ، بقولهعليه‌السلام :( وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته) (٣) .

ووضع الإمامعليه‌السلام واجبات على الزوج اتجاه زوجته ، وهو مسؤول عن تنفيذها لكي يتعمق الودّ بينهما ، ويكون الاستقرار والهدوء هو السائد في أجواء الأسرة ، ومن هذه الحقوق ، الإطعام وما تحتاجه من ثياب ، قالعليه‌السلام :( من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرّق بينهما ) (٤) .

وأكّد على الاهتمام بالزوجة ومراعاتها ، فقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلاّ من

ــــــــــــــ

(١) مكارم الأخلاق : ٢١٤ .

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٧٨ .

(٣) مكارم الأخلاق : ٢١٥ .

(٤) المصدر السابق : ٢١٧ .

١٧٠

فاحشة بيّنة) (١) .

وحثّ على تحمل الأذى من المرأة ، وعدم مقابلة الأذى بالأذى لأن ذلك يؤدي إلى تردّي العلاقات وتشنجها ، فقالعليه‌السلام :(من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنة ...) (٢) .

وقد كانعليه‌السلام أسوة في تحمل الأذى ، حتى قال الإمام الصادقعليه‌السلام :(كانت لأبي امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها ) (٣) .

ووضععليه‌السلام منهجاً للحقوق والواجبات بين الأبناء ووالديهم ، فالواجب على الوالدين تربية أولادهم على المفاهيم والقيم الإسلامية(٤) . وإبعادهم عن الانحرافات بمختلف ألوانها(٥) .

ووضععليه‌السلام برنامجاً للتربية في مختلف مراحل حياة الأطفال ابتداءً بالطفولة المبكرة حتى بلوغ وسن التكليف والرشد(٦) .

وحثّعليه‌السلام على التعامل المتوازن مع الأطفال فقالعليه‌السلام :(شرّ الآباء من دعاه التقصير إلى العقوق وشرّ الآباء من دعاه البر إلى الإفراط) (٧) .

وأمرعليه‌السلام ببرّ الوالدين، فقال:(ثلاثة لم يجعل الله عَزَّ وجَلَّ فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين) (٨) .

وكانت أوامره مؤكدة على برّ الوالدين وان كانا منحرفين أو فاجرين وذلك لحقوقهما على الابن.

ــــــــــــــ

(١) مكارم الأخلاق : ٢١٦ .

(٢) المصدر السابق : ٢١٦ .

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٧٩ .

(٤) مكارم الأخلاق : ٢٢٢ .

(٥) المصدر السابق : ٢٢٣ .

(٦) مراجعة كتاب : تربية الطفل في الإسلام ، إصدار مركز الرسالة .

(٧) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٢٠ .

(٨) الكافي : ٢ / ١٦٢ .

١٧١

ونهى عن العقوق مهما كانت الظروف ، وان كان الوالدان مسيئين للأبناء ، فقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :(إياكم وعقوق الوالدين ، فإنّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام ، ولا يجدها عاقّ ...) (١) .

٢ ـ الأرحام

الأرحام هم كل من يرتبط بالأسرة بعلاقة نسبية وهم الإخوان والأخوات والأعمام والأخوال، والأجداد، وسائر أفراد العشيرة القريبين بالنسب أو البعيدين. لقد حثّ الإمامعليه‌السلام على صلتهم بزيارة أو لقاء، وما يترتّب على هذه العلاقات من حقوق وهم مقدّمون على غيرهم في الإحسان إليهم، وإدخال السرور في قلوبهم، ومساعدتهم في حلّ مشاكلهم.

وبيّنعليه‌السلام الآثار الايجابية المترتبة على صلة الأرحام، فقال:(صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتدفع البلوى، وتنمي الأموال، وتنسئ له في عمره، وتوسّع في رزقه، وتحبّب في أهل بيته، فليتّق الله وليصل رحمه) (٢) .

وقالعليه‌السلام لأحد أصحابه:(أما إنه قد حضر أجلك غير مرّة ولا مرتين، كلّ ذلك يؤخّر الله بصلتك قرابتك) (٣) .

٣ ـ الجيران

أكّد الإمامعليه‌السلام على حسن التعامل مع الجيران فقال:(قرأت في كتاب

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ٢ / ٣٤٩ .

(٢) المصدر السابق: ٢ / ١٥٢.

(٣) رجال الكشي: ٢٢٤.

١٧٢

عليّ عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب، أن الجار كالنفس غير مضار ولا إثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه) (١) .

ونهى عن أذى الجيران وتضييع حقوقهم، فقد روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال:(من آذى جاره حرّم الله عليه ريح الجنة، ومأواه جهنّم وبئس المصير، ومن ضيّع حق جاره فليس منّا، وما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه ...) (٢) .

وروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(ما آمن بي من أمسى شبعاناً وأمسى جاره جائعاً) (٣) .

والجار في منهج أهل البيتعليه‌السلام هو مطلق الإنسان سواء كان من أفراد الجماعة الصالحة، أو من غيرهم، وسواء كان مسلماً أم غير مسلم، كما هو المشهور في الروايات الصادرة عنهمعليهم‌السلام .

٤ ـ أفراد الجماعة الصالحة

النظام الاجتماعي في داخل الجماعة الصالحة يقوم على أساس وحدة التصورات والمبادئ، ووحدة الموازين والقيم، ووحدة الشرائع والقوانين، ووحدة الأوضاع والتقاليد، لأنّ مجموع الجماعة الصالحة تتلقى منهج حياتها من جهة واحدة وهي أهل البيتعليهم‌السلام ، وتجمعها وحدة الطريقة التي تتلقى بها، ووحدة المنهج الذي تفهم به ما تتلقى من أفكار وعواطف وممارسات.

والنظام الاجتماعي قائم على أساس القاعدة الثابتة، وهي قول الإمام

ــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة: ١٢ / ١٢٦.

(٢) المصدر السابق: ١٢ / ١٢٧.

(٣) المحاسن: ٩٨.

١٧٣

الباقرعليه‌السلام :(المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه) (١) .

فقد جعل العلاقة بين أفراد الجماعة الصالحة كالعلاقة النسبية التي تترتب عليها حقوق وواجبات، كالسعي في حوائج المؤمنين، وتفريج كربهم، والنصيحة لهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وستر عيوبهم(٢) .

والعلاقة القائمة تنطلق من الإيثار وتحكيم الحق في النفس، قالعليه‌السلام :(إن لله جنة لا يدخلها إلاّ ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحقّ) (٣) .

ويقوم النظام الاجتماعي على قاعدة تعظيم وتوقير أفراد الجماعة الصالحة لكي يتعمّق الودّ والإخاء، قالعليه‌السلام :(عظموا أصحابكم ووقّروهم ولا يتجهم بعضكم بعضاً، ولا تضارّوا ولا تحاسدوا، وإياكم والبخل، وكونوا عباد الله المخلصين) (٤) .

وحثّ الإمامعليه‌السلام على إشاعة الودّ والمحبّة من خلال ممارسات متنوّعة، قالعليه‌السلام :(تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف القذى عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن) (٥) .

ووضع مجموعة من الحقوق المتبادلة عليهما فقال:(من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرّج عنه كربته ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده) (٦) .

وحثّ على العوامل التي تؤدي إلى التقريب بين القلوب وتزيد في

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ١٦٦.

(٢) الكافي: ٢ / ١٩٨، ١٩٩، ٢٠٥، ٢٠٧، ٢٠٨.

(٣) وسائل الشيعة: ١٥ / ٢٨٥.

(٤) الكافي: ٢ / ١٧٣.

(٥) المصدر السابق: ٢ / ١٨٨.

(٦) المصدر السابق: ٢ / ١٦٩.

١٧٤

الإخوة والتآلف والتآزر. عن أبي حمزة الثمالي قال: زاملت أبا جعفرعليه‌السلام فحططنا الرحل، ثم مشى قليلاً، ثم جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة، فقلت: جعلت فداك أو ما كنت معك في المحمل ؟ ! فقال:(أما علمت أنّ المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه نظر الله إليهما بوجهه، فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه، ويقول للذنوب: تتحاتَّ عنهما، فتتحاتّ ـ يا أبا حمزة ـ كما يتحاتُّ الورق عن الشجر، فيفترقان وما عليهما من ذنب) (١) .

وقالعليه‌السلام :(ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا) (٢) .

وروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار) (٣) .

وحثّعليه‌السلام على تبادل الزيارات لأنها تؤدي إلى تجذر روح الإخاء وزرع الودّ في القلوب والنفوس، ورغّب فيها بتبيان آثارها الايجابية على المتزاورين، حين قال:(أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقّه كتب الله له بكلّ خطوة حسنة، ومحيت عنه سيئة، ورفعت له درجة، وإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه، ثم باهى بهما الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا فيَّ، حقٌّ عليَّ ألاّ أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيّعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل، فإن مات فيما بينهما اُعفي من الحساب، وان كان المزور

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ١٨٠.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ١٨١.

(٣) المصدر السابق.

١٧٥

يعرف من حقّ الزائر ما عرفه الزائر من حقّ المزور ; كان له مثل أجره) (١) .

ونهىعليه‌السلام عن جميع الممارسات التي تؤدّي إلى الكراهية والتنافر والتقاطع كالغيبة والبهتان والتحقير والتعيير والتنابز بالألقاب، والسباب، والاعتداء على الأموال والأعراض وغير ذلك.

ودعا إلى الإصلاح بين المؤمنين وحثّهم على التآلف فقالعليه‌السلام :(إن الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه، فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدّد، ثم قال: فزت، فرحم الله امرئً أ لّف بين وليّين لنا، يا معشر المؤمنين تألّفوا وتعاطفوا) (٢) .

ونهىعليه‌السلام عن إحصاء عثرات الآخرين وزلاتهم، فقال:(إن أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرّجل الرّجل على الدين، فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما) (٣) .

ونهى عن الطعن بالمؤمنين ونبزهم بالكفر فقال:(ما شهد رجل على رجل بكفر قطّ إلاّ باء به أحدهما، إن كان شهد به على كافر صدق، وإن كان مؤمناً رجع الكفر عليه، فإيّاكم والطعن على المؤمنين) (٤) .

ونهى عن النميمة فقال:(محرّمة الجنّة على القتّاتين المشائين بالنميمة) (٥) .

ونهىعليه‌السلام عن الإذاعة وكشف الأسرار الخاصّة بالمؤمنين فقال:(يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ إنّك لتعلم أنّك قبضتني وما سفكت دماً.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ١٨٣، ١٨٤.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ٣٤٥.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ٣٥٥.

(٤) المصدر السابق: ٢ / ٣٦٠.

(٥) المصدر السابق: ٢ / ٣٦٩.

١٧٦

فيقول: بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه فنقلت حتّى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها وهذا سهمك من دمه) (١) .

٥ ـ مجتمع المسلمين

الإسلام هو الأفق الواسع الجامع لمن شهد الشهادتين، وهو الميدان الرحب لتجميع الطاقات وتوحيد الإمكانات لتنطلق في مصالح واحدة ومصير واحد، ولهذا فالإسلام محوره وحدوده مجتمع المسلمين جميعاً.

والنظام الاجتماعي لمجتمع المسلمين قائم على أساس الإخاء والتآلف والتآزر من أجل تحقيق الأهداف الكبرى والحفاظ على الكيان الإسلامي من التصدّع والتمزّق.

ولذا حثّ الرسول وأهل بيتهعليهم‌السلام على الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، والاهتمام بالعوامل التي تؤدي إلى التقريب والاتفاق على القواسم المشتركة في الفكر والعاطفة والسلوك.

ووضع الإمامعليه‌السلام قاعدة كلية في التعامل وهي تعميق مفهوم الولاية بين المسلمين. عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران على أبي جعفرعليه‌السلام ، فقلت له: إنّا نمدُّ المطمار فمن وافقنا من علويّ أو غيره توليّناه، ومن خالفنا من علويّ أو غيره برئنا منه، فقال لي:يا زرارة قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله عَزَّ وجَلَّ: ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ... ) أين المرجون لأمر الله ؟ أين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ؟ أين أصحاب الأعراف ؟ أين المؤلفة قلوبهم ؟ (٢) .

فليس المقياس عند الإمامعليه‌السلام هو الانتماء إلى الجماعة الصالحة فقط، وإنّما المقياس هو الانتماء إلى الإسلام.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ٣٧١ .

(٢) المصدر السابق: ٢ / ٣٨٢.

١٧٧

ومن خلال سيرة أهل البيتعليهم‌السلام ومن خلال متابعة أحاديثهم وبالخصوص أحاديث الإمام الباقرعليه‌السلام المنتشرة في بطون الكتب نستطيع أن نقسم الولاية إلى أربعة أقسام:

الأول: ولاية الله تعالى.

الثاني: ولاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثالث: ولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

الرابع: الولاية بين المسلمين.

فمن لم يؤمن بولاية الله وولاية الرسول فهو كافر بإجماع المسلمين، أما الذي يؤمن بهما، ولا يؤمن بولاية أهل البيتعليهم‌السلام ـ أي بإمامتهم ـ فلا يجوز سلب صفة الإسلام منه فتبقى ثابتة له ـ ما لم يبغضهم ـ وتبقى الولاية بين أتباع أهل البيتعليهم‌السلام وغيرهم من المسلمين ثابتة لا يجوز خرمها وقطعها.

وبهذه الروح الإسلامية تعامل الإمام الباقرعليه‌السلام مع سائر المسلمين. ومن خلال هذا المفهوم بيّنعليه‌السلام الأسس العامة في التعامل الاجتماعي، فحثّ على التعاون مع سائر المسلمين، ومن مصاديق التعاون، ما رواه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: (من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السماوات: الفردوس، وجنة عدن، وطوبى)(١) .

وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(من كسا أحداً من فقراء المسلمين ثوباً من عري أو أعانه بشيء ممّا يقوته من معيشته، وكّل الله عَزَّ وجَلَّ به سبعين ألف ملك من الملائكة

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ٢٠١.

١٧٨

يستغفرون لكل ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور) (١) .

ونهىعليه‌السلام عن وضع حجاب بين المسلم والمسلم. عن أبي حمزة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه ؟.

قالعليه‌السلام :(يا أبا حمزة أ يّما مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله، فاستأذن له ولم يخرج إليه ; لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا) .

فقلت: جعلت فداك في لعنة الله حتّى يلتقيا ؟

قال:نعم يا أبا حمزة (٢) .

ونهىعليه‌السلام عن تتبع عورات المسلمين، وروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته) (٣) .

وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(ليس منّا من ماكر مسلماً) (٤) .

ودعا الإمامعليه‌السلام إلى حسن التعامل والصبر على الأذى وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة، والظلم بالظلم، والقطيعة بالقطيعة، فدعا إلى العفو فقال:(الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة) (٥) .

وقالعليه‌السلام :(ثلاث لا يزيد الله بهنّ المرء المسلم إلاّ عزّاً: الصفح عمّن ظلمه،

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ٥٠٢.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ٣٦٥.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ٣٥٤.

(٤) وسائل الشيعة: ١٢ / ٢٤٢.

(٥) المصدر السابق: ١٢ / ١٧٠.

١٧٩

وإعطاء من حرمه، والصلة لمن قطعه) (١) .

حبّبعليه‌السلام طلب مرضات الناس وسائر المسلمين، بالتقرب إليهم بحسن المعاملة وحسن السيرة، ويجب أن لا تكون مرضاة الناس مسخطة لله تعالى، فقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذامّاً، ومن آثر طاعة الله بغضب الناس كفاه الله عداوة كل عدّو، وحسد كل حاسد، وبغي كل باغ، وكان الله عَزَّ وجَلَّ له ناصراً وظهيراً) (٢) .

وفي الوقت الذي شجّع فيه على إقامة العلاقات مع سائر المسلمين وسائر الناس حذّر من مصاحبة أصناف منهم، فقد روى عن أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام وصيته له:(يا بنيّ انظر خمسة فلا تصاحبهم، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق.

إياك ومصاحبة الكذّاب فإنه بمنزلة السّراب يقرب لك البعيد، ويباعد لك القريب.

وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقلّ من ذلك.

وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله.

وإياك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك) (٣) .

ونهىعليه‌السلام عن الخصومة، ودعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليكون المؤمن في وسط الميدان الاجتماعي ويكون قدوة لغيره بعمله وإخلاصه لله، وحسن سيرته. قالعليه‌السلام :(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم، والمسلم حرام على

ــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة: ١٢ / ١٧٣.

(٢) الكافي: ٢ / ٣٧٢.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ٣٧٦.

١٨٠