اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 241

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 241
المشاهدات: 105257
تحميل: 7758

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 241 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105257 / تحميل: 7758
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اسم الكتاب : أعلام الهداية (ج٨) الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام .

المؤلّف : لجنة التأليف .

الموضوع :كلام وتاريخ .

الناشر : مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام .

الطبعة : الأولى .

المطبعة : ليلى .

الكمية : ٥٠٠٠ .

تاريخ النشر : ١٤٢٢ هـ .

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام ـ قم

شابك isbn : ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٤-٨

١

أهل البيت في القرآن الكريم

( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)

الأحزاب : ٣٣ / ٣٣

أهل البيت في السنّة النبويّة

 ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً )

( الصحاح والمسانيد )

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ، ثم الصلاة والسلام على مَن اختارهم هداةً لعباده ، لا سيّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله الميامين النجباء .

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة ، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل ، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه .

وقد جعل الله العقل المميِّز حجّةً له على خلقه ، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به ، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها ، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها .

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها ، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة ، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أُخرى .

قال تعالى :

( قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى ) ( الأنعام (٦) : ٧١ ) .

( والله يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم ) ( البقرة (٢) : ٢١٣ ) .

( والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل ) ( الأحزاب (٣٣) : ٤ ) .

( ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم ) ( آل عمران (٣) : ١٠١ ) .

( قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتَّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون ) ( يونس (١٠) : ٣٥ ) .

( ويرى الذين أُوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) ( سبأ (٣٤) : ٦ ) .

( ومَن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) ( القصص (٢٨) :٥٠ ) .

فالله تعالى هو مصدر الهداية ، وهدايته هي الهداية الحقيقية ، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم .

٣

وهذه الحقائق يؤيّدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم .

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به ، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال ، ومن هنا قال تعالى : ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) ( الذاريات (٥١) : ٥٦ ) وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة ، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال .

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال ، لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة ، والهوى الناشئ منهما ، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية ; كي تتمّ عليه الحجّة ، وتكمل نعمة الهداية ، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة ، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته .

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي ، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد ؛ وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة .

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون ، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجّة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء ، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه ؛ لئلاّ يكون للناس على الله حجّة ، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة ، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً : ( إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد ) ( الرعد (١٣) : ٧ ) .

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها ، والتي تتلخّص في:

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة ، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه ، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ( الأنعام (٦) : ١٢٤ ) و( الله يجتبي من رسله مَن يشاء ) ( آل عمران (٣) : ١٧٩ ) .

٤

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمَن أُرسلوا إليه ، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في ( الاستيعاب والإحاطة اللازمة ) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها ، و( العصمة ) عن الخطأ والانحراف معاً ، قال تعالى : ( كان الناسُ أُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) ( البقرة (٢) : ٢١٣ ) .

٣ ـ تكوين أُمّة مؤمنة بالرسالة الإلهية ، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة ، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم ، قال تعالى :( ويزكّيهم ويعلّمهم الكتابَ والحكمة ) ( الجمعة (٦٢) : ٢ ) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال ، كما قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة ) ( الأحزاب (٣٣) : ٢١ ) .

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها ، وهذه المهمّة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية ، والتي تسمّى بالعصمة .

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية ؛ وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية ، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية ، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً ، وشجاعةً فائقةً ، وثباتاً كبيراً ، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة ، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية ، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة

الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها .

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي ، واقتحموا سبيل التربية الشاق ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب ، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته ، ولم يتراجعوا لحظة ، ولم يتلكّأوا طرفة عين .

٥

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها ، طالباً منه تحقيق أهدافها

وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة ، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية ، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي :

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء .

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف .

٣ ـ تكوين أُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً ، وبالرسول قائداً ، وبالشريعة قانوناً للحياة .

٤ ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء .

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري :

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر .

ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال ، على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته .

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته ، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم ; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه ، وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين ، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور ، وحتى يرث الله الأرض ومَن عليها .

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .

وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير مَن عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده .

٦

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

فأخذ الأئمة المعصومونعليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثورته المباركة ، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء .

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم ، والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم ؛ فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته ، والمستقرّين في أمر الله ، والتامّين في محبّته ، والذائبين في الشوق إليه ، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود .

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى ، ثم اختاروا الشهادة مع العِزّ على الحياة مع الذلّ ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير .

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل ؛ ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم ، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق ، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق .

إنّ دراستنا لحركة أهل البيتعليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتهي بخاتم الأوصياء ، محمد ابن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله .

٧

ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام سادس أئمة أهل البيتعليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهو المعصوم الثامن من أعلام الهداية الربّانية في دين الإسلام وكل مذاهب المسلمين مَدينة إلى علمه وفقهه ، كما أنّ الحضارة الإنسانية في عصرنا هذا ترى نفسها مستظلة بظلال علومه ومعارفه .

ولا بدَّ لنا من ذكر كلمة شكر لكلّ العاملين الذين بذلوا جهداً في إخراج هذا المشروع ، لا سيّما لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى .

وأخيراً نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لإتمام سائر أجزاء هذه الموسوعة المباركة ، وهو حسبنا نعم المولى ونعم النصير .

 المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

 قم المقدّسة

٨

الباب الأول :

فيه فصول :

الفصل الأول : الإمام الصادقعليه‌السلام في سطور .

الفصل الثاني : انطباعات عن شخصيتهعليه‌السلام .

الفصل الثالث : مظاهر من شخصيتهعليه‌السلام .

٩

الفصل الأول : الإمام الصادقعليه‌السلام في سطور

الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام سادس الأئمة الأطهار من أهل البيت المعصومين الذين نص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافتهم من بعده .

ولد في سنة ( ٨٣ ) هجرية وترعرع في ظلال جدّه زين العابدين وأبيه محمّد الباقرعليهم‌السلام وعنهما أخذ علوم الشريعة ومعارف الإسلام فهو يشكّل مع آبائه الطاهرين حلقات نورية متواصلة لا يفصُل بينها غريب أو مجهول ، حتَّى تصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لذا فهو يغترف من معين الوحي ومنبع الحكمة الإلهية .

وبهذا تميّزت مدرسة أهل البيت التي أشاد بناءها الأئمة الأطهار ، ولا سيّما الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام ؛ فهي مدرسة الرسالة المحمّدية التي حفظت لنا أصالة الإسلام ونقاءه .

وهكذا تبوّأ الإمام الصادق مركز الإمامة الشرعية بعد آبائه الكرام ، وبرز إلى قمّة العلم والمعرفة في عصره مرموقاً مهاباً ؛ فطأطأت له رؤوس العلماء إجلالاً وإكباراً حتَّى عصرنا هذا .

لقد كان عامة المسلمين وعلماؤهم يرون جعفر بن محمّدعليه‌السلام سليل

١٠

النبوّة وعميد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً .

فهو الرمز الشرعي للمعارضة التي قادها أهل بيت الوحيعليهم‌السلام ضد الظلم والطغيان الأموي والعبَّاسي معاً .

كما كان العلماء يرونه بحراً زاخراً وإماماً لا ينازعه أحد في العلم والمعرفة وأستاذاً فذّاً في جميع العلوم التي عرفها أهل عصره والتي لم يعرفوها آنذاك .

لقد عايش الإمام الصادقعليه‌السلام الحكم الأموي مدّة تقارب ( أربعة ) عقود وشاهد الظلم والإرهاب والقسوة التي كانت لبني أمية ضد الأمة الإسلامية بشكل عام ، وضد أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيعتهم بشكل خاص .

وكان من الطبيعي ـ بعد ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ـ أن يكون آل البيت هم الطليعة والقيادة المحبوبة لدى الجماهير المسلمة ، ومن هنا بدأت فصائل العباسيين تتحرّك باسم أهل البيت وتدعو إلى الرضا من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخلافة ذرّية فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لقد انسحب الإمام الصادقعليه‌السلام من المواجهة المكشوفة ولم تنطل عليه الشعارات التي كان يستخدمها بنو العباس للوصول إلى الحكم بعد سقوط بني أمية ، بعد أن ازداد ظلمهم وعتوّهم وإرهابهم وتعاظمت نقمة الأمة عليهم .

لقد سقط سلطان بني أمية سنة ( ١٣٢ هـ ) ، ثمّ آلت الخلافة إلى بني العباس فعاصر حكم أبي العباس السفّاح وشطراً من حكم المنصور الدوانيقي بما يقرب من عشر سنوات .

لقد انصرف الإمام الصادقعليه‌السلام عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء الأمة الإسلامية علمياً وفكرياً وعقائدياً وأخلاقياً ، بناءً يضمن سلامة الخط

١١

الإسلامي على المدى البعيد ، بالرغم من استمرار الانحرافات السياسية والفكرية في أوساط المجتمع الإسلامي .

لقد انتشرت الفرق الإسلامية كالمعتزلة والأشاعرة والخوارج والكيسانية والزيدية في عصره ، واشتدّ الصراع بينها ، كما بدأت الزندقة تستفحل وتخترق أجواء المجتمع الإسلامي ؛ فتصدّى الإمام الصادقعليه‌السلام للردّ على الملاحدة من جهة ، وتصدى لمحاكمة الفرق المنحرفة من جهة أخرى .

لقد اهتمّ الإمامعليه‌السلام ببناء الجماعة الصالحة التي تتحمّل مسؤولية تجذير خط أهل البيت في الأمة الإسلامية إلى جانب اهتمامه ببناء جامعة أهل البيت الإسلامية ، وتخريج العلماء في مختلف فنون المعرفة ولا سيّما علماء الشريعة الذين يضمنون للأمة سلامة مسيرتها على مدى المستقبل القريب والبعيد ويزرعون بذور الثورة ضد الطغيان .

ولم يغفل الإمامعليه‌السلام عن تقوية الخط الثوري والجهادي في أوساط الأمة من خلال تأييده لمثل ثورة عمّه زيد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام ومَن تلاه من ثوّار البيت العلوي الكرام .

ولم يكن الإمام الصادقعليه‌السلام ليسلم من هذه المحنة ـ محنة الثورة على الظلم العباسي ـ فقد كان المنصور يطارده الخوف من الإمام الصادقعليه‌السلام ويتصوّر أنَّه اليد التي تحرّك كل ثورة ضد حكمه ، ممّا أدّى إلى استدعائه إلى العراق أكثر من مرة وضيّق عليه وأجرى عليه محاكمة يجل الإمام عن مثلها ليشعره بالرقابة والمتابعة ، ثمَّ خلّى سبيله .

بل قد ذكرت بعض المصادر أنّ المنصور قد نوى قتله أكثر من مرَّة إلاّ أنّ الله سبحانه حال بينه وبين ما أراد .

١٢

وهكذا عاش الإمام الصادقعليه‌السلام الفترة الأخيرة من حياته ـ وبعد أن استقرّت دعائم الحكم العباسي ـ حياة الاضطراب والإرهاب ، وفي جوٍّ مشحون بالعداء والملاحقة ، إلاّ أنّه استطاع أن يؤدّي رسالته بحكمة وحنكة وقوّة عزم ويفجّر ينابيع العلم والمعرفة ويبني الأمة الإسلامية من داخلها ويربّي العلماء والفقهاء الأمناء على حلاله وحرامه ، ويشيد بناء شيعة أهل البيت الذين يمثّلون الجماعة الصالحة التي عليها تتكئ دعائم الخطّ النبوي لتحقيق مهامّه الرسالية بعد أن عصفت الرياح الجاهلية بالرسالة الخاتمة ، وتصدّى لقيادة الأمة رجال لم يكونوا مؤهّلين لذلك .

١٣

الفصل الثاني : انطباعات عن شخصية الإمام الصادقعليه‌السلام

أشاد الإمام الباقرعليه‌السلام أمام أعلام شيعته بفضل ولده الصادقعليه‌السلام قائلاً :هذا خير البريّة (١) .

وأفصح عمّه زيد بن علي عن عظيم شأنه فقال : في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ الله به على خلقه ؛ وحجّة زماننا ابن أخي جعفر لا يضلّ مَن تبعه ولا يهتدي مَن خالفه(٢) .

وقال مالك بن أنس : ما رأت عين ولا سمعت أُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادة وورعاً(٣) .

وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمام الصادقعليه‌السلام : إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) وكان ممّن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات(٤) .

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت ٣٢٧ هـ ) : سمعت أبي يقول :

ـــــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ٣٠٧ .

(٢) المصدر السابق : ٣٠٦ .

(٣) تهذيب التهذيب : ٢ / ١٠٤ .

(٤) تاريخ اليعقوبي : ٣ / ١٧ .

١٤

جعفر بن محمّد ثقة لا يُسأل عن مثله .

وقال : سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر بن محمّد عن أبيه ، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه ، والعلاء عن أبيه أيّما أصح ؟ قال : لا يقرن جعفر بن محمّد إلى هؤلاء(١) .

وقال أبو حاتم محمّد بن حيّان ( ت ٣٥٤ هـ ) عنه : كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً(٢) .

وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( ٣٢٥ ـ ٤١٢ هـ ) عنه : فاق جميع أقرانه من أهل البيتعليه‌السلام وهو ذو علم غزير وزهد بالغ في الدنيا وورع تام عن الشهوات وأدب كامل في الحكمة(٣) .

وعن صاحب حلية الأولياء ( ت ٤٣٠ هـ ) : ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ، أقبل على العبادة والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ، ونهى عن الرئاسة والجموع(٤) .

وأضاف الشهرستاني ( ٤٧٩ ـ ٥٤٨ هـ ) على ما قاله السلمي عنه : وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ثمَّ دخل العراق وأقام بها مدَّة ، ما تعرّض للإمامة قط ، ولا نازع في الخلافة أحداً(٥) ، ومَن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط ، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ(٦) .

ـــــــــــــــــ

(١) الجرح والتعديل : ٢ / ٤٨٧ .

(٢) الثقات : ٦ / ١٣١ .

(٣) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ١/٥٨ .

(٤) حلية الأولياء : ١/٧٢ .

(٥) إن كان يقصد بذلك التعرّض الظاهر للإمامة الظاهرة كما يفهم من قول ( ولا نازع في الخلافة ) فهذا صحيح وإلاّ فلا .

(٦) الملل والنحل : ١ / ١٤٧ .

١٥

وذكر الخوارزمي ( ت ٥٦٨ هـ ) في مناقب أبي حنيفة أنّه قال : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمَّد وقال : لولا السنتان لهلك النعمان مشيراً إلى السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق(١) .

وقال ابن الجوزي ( ٥١٠ ـ ٥٩٧ هـ ) : جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين كان مشغولاً بالعبادة عن طلب الرئاسة(٢) .

وقال محمّد بن طلحة الشافعي ( ت ٦٥٢ هـ ) عنه : هو من عظماء أهل البيتعليهم‌السلام وساداتهم ، ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتتبّع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجايبه ، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه ، رؤيته تذكّر الآخرة ، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا ، والاقتداء بهديه يورث الجنّة ، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة ، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة ، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم ، وعدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها .

وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدّ الحاصر ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر ، حتَّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى ، صارت الأحكام التي لا تدرك عللها ، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها ، تضاف إليه وتروى عنه .

وقد قيل إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامهعليه‌السلام ، وإنّ في هذه لمنقبة سنيّة ، ودرجة في مقام الفضائل عليّة ، وهي

ـــــــــــــــــ

(١) مناقب أبي حنيفة : ١ / ١٧٢ ، والتحفة الاثني عشرية : ٨ .

(٢) صفوة الصفوة : ٢/٩٤ .

١٦

نبذة يسيرة ممّا نقل عنه(١) .

وفي تهذيب الأسماء ( ٦٣١ ـ ٦٧٦ هـ ) عن عمرو بن أبي المقدام قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنه من سلالة النبيين(٢) .

وقال ابن خلكان ( ٦٠٨ ـ ٦٨١ هـ ) : جعفر الصادق أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية وكان من سادات أهل البيت ، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر من أن يذكر وله كلام في صنعة الكيميا ، والزجر والفال ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه(٣) .

وقال البخاري في فصل الخطاب ( ٧٥٦ ـ ٨٢٢ هـ ) : اتفقوا على جلالة الصادقعليه‌السلام وسيادته(٤) .

وقال ابن الصبّاغ المالكي (٧٨٤ ـ ٨٥٥ هـ ) : نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان ، ولم ينقل من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث .

وروى عنه جماعة من أعيان الأمة وصّى إليه أبو جعفرعليه‌السلام بالإمامة وغيرها وصيّة ظاهرة ، ونصّ عليها نصّاً جليّاً(٥) .

ـــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول : ٢/٥٦ .

(٢) تهذيب الأسماء : ١ / ١٤٩ .

(٣) وفيات الأعيان : ١ / ٣٢٧ .

(٤) ينابيع المودّة : ٣٨٠ ، وهذا البخاري هو محمد خواجه بارساي .

(٥) الفصول المهمّة : ٢٢٢ .

١٧

الفصل الثالث : مظاهر من شخصية الإمام الصادقعليه‌السلام

سعة علمه :

لقد شقّق الإمام الصادقعليه‌السلام العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق ؛ حتَّى ملأ الدنيا بعلومه ، وهو القائل :( سلوني قبل أن تفقدوني فإنّه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي ) (١) ولم يقل أحد هذه الكلمة سوى جدّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأدلىعليه‌السلام بحديث أعرب فيه عن سعة علومه فقال :( والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره كأنّه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر ما كان ، وخبر ما هو كائن ، قال الله عزَّ وجلَّ : ( فيه تبيان كل شيء ) (٢) .

وقد كان من مظاهر سعة علمه أنّه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب ، وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) تأريخ الإسلام للذهبي : ٦/٤٥ ، تذكرة الحفّاظ : ١/١٥٧ ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال : ٥/٧٩ .

(٢) أصول الكافي : ١ / ٢٢٩ .

(٣) الإرشاد : ٢/١٧٩ وعنه في إعلام الورى : ٣٢٥ ، ومناقب آل أبي طالب : ٤/٢٤٧ والمعتبر للمحقق الحلي : ٥ .

١٨

كرمه وجوده :

لقد كان الإمام الصادقعليه‌السلام من أندى الناس كفّاً ، وكان يجود بما عنده لإنعاش الفقراء والمحرومين ، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من كرمه ، كان من بينها ما يلي :

١ ـ دخل عليه أشجع السلمي فوجده عليلاً ، وبادر أشجع فسأل عن سبب علّته ، فقالعليه‌السلام :تعدّ عن العلّة ، واذكر ما جئت له فقال :

ألبسك الله منه عافية

في نومك المعتري وفي أرقك

يخرج من جسمك السقام

كما أخرج ذلّ السؤال من عنقك

وعرف الإمام حاجته فقال لغلامه :أي شيء معك ؟ فقال : أربعمائة فأمره بإعطائها له(١) .

٢ ـ ودخل عليه المفضل بن رمانة وكان من ثقاة أصحابه ورواته فشكا إليه ضعف حاله ، وسأله الدعاء ، فقالعليه‌السلام لجاريته :هاتِ الكيس الذي وصلنا به أبو جعفر ، فجاءته به ، فقال له :هذا كيس فيه أربعمائة دينار فاستعن به ، فقال المفضل : لا والله جُعلت فداك ما أردت هذا ، ولكن أردت الدعاء ، فقالعليه‌السلام :لا أدع الدعاء لك (٢) .

٣ ـ سأله فقير فأعطاه أربعمائة درهم ، فأخذها الفقير ، وذهب شاكراً ، فقالعليه‌السلام لخادمه :أرجعه ، فقال الخادم : سئلت فأعطيت ، فماذا بعد العطاء ؟ قالعليه‌السلام :قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( خير الصدقة ما أبقت غنى ) ، وإنّا لم نغنه ، فخذ هذا الخاتم فأعطه فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم ، فإذا احتاج فليبعه بهذه القيمة (٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي : ١/٢٨٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٤/٢٩٦ .

(٢) اختيار معرفة الرجال للكشي : ٢/ ٤٢٢ ح ٣٢٢ ترجمة مفضل بن قيس بن رمانة .

(٣) الإمام جعفر الصادق ، أحمد مغنية : ٤٧ .

١٩

٤ ـ ومن بوادر جوده وسخائه وحبّه للبر والمعروف أنّه كانت له ضيعة قرب المدينة تسمّى ( عين زياد ) ، فيها نخل كثير ، فإذا نضج التمر أمر الوكلاء أن يثلموا في حيطانها الثلم ، ليدخل الناس ويأكلوا من التمر(١) .

وكان يأمر لجيران الضيعة الذين لا يقدرون على المجيء كالشيخ والعجوز والمريض لكل واحد منهم بمدّ من التمر ، وما بقي منهم يأمر بحمله إلى المدينة فيفرّق أكثره على الضعفاء والمستحقين ، وكانت قيمة التمر الذي تنتجه الضيعة أربعة آلاف دينار ، فكان ينفق ثلاثة آلاف منها ، ويبقى له ألف(٢) .

٥ ـ ومن بوادر كرمه أنّه كان يطعم ويكسو حتَّى لم يبق لعياله شيء من كسوة أو طعام(٣) .

ومن كرمه أنّه مرّ به رجل ، وكانعليه‌السلام يتغدّى ، فلم يسلّم الرجل فدعاه الإمام إلى تناول الطعام ، فأنكر عليه بعض الحاضرين ، وقال له : السنّة أن يسلّم ثم يُدعى ، وقد ترك السلام على عمد فقابله الإمامعليه‌السلام ببسمات مليئة بالبشر وقال له :هذا فقه عراقي ، فيه بخل ... (٤) .

صدقاته في السر :

أمّا الصدقات في السر فإنّها من أفضل الأعمال وأحبّها لله ؛ لأنّها من الأعمال الخالصة التي لا يشوبها أي غرض من أغراض الدنيا ، وقد ندب إليها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، كما أنّها كانت منهجاً لهم ، فكل واحد منهم كان يعول

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام جعفر الصادق : ٤٧ .

(٢) المصدر السابق .

(٣) تأريخ الإسلام : ٦/٤٥ ، مرآة الزمان : ٦/١٦٠ ، تهذيب الكمال : ٥/٨٧ .

(٤) حياة الإمام الصادقعليه‌السلام : ١/٦٤ عن نثر الدرر .

٢٠