اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 241

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 241
المشاهدات: 105285
تحميل: 7758

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 241 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105285 / تحميل: 7758
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جماعة من الفقراء وهم لا يعرفونه وكان الإمام الصادق يقوم في غلس الليل البهيم فيأخذ جراباً فيه الخبز واللحم والدراهم فيحمله على عاتقه ويذهب به إلى أهل الحاجة من فقراء المدينة فيقسمه فيهم ، وهم لا يعرفونه ، وما عرفوه حتَّى مضى إلى الله تعالى فافتقدوا تلك الصلات فعلموا أنّها منه(١) .

ومن صِلاته السرّية ما رواه إسماعيل بن جابر قائلاً : أعطاني أبو عبد اللهعليه‌السلام خمسين ديناراً في صرّة ، وقال لي :ادفعها إلى شخص من بني هاشم ، ولا تعلمه أنّي أعطيتك شيئاً ، فأتيته ودفعتها إليه فقال لي : من أين هذه ؟ فأخبرته أنّها من شخص لا يقبل أن تعرفه ، فقال العلوي : ما يزال هذا الرجل كل حين يبعث بمثل هذا المال ، فنعيش بها إلى قابل ، ولكن لا يصلني جعفر بدرهم مع كثرة ماله(٢) .

تكريمه للضيوف :

ومن بوادر كرمه وسخائه حبّه للضيوف وتكريمه لهم ، وقد كان يشرف على خدمة ضيوفه بنفسه ، كما كان يأتيهم بأشهى الطعام وألذّه ، وأوفره ، ويكرّر عليهم القول وقت الأكل :( أشدّكم حبّاً لنا أكثركم أكلاً عندنا ) .

وكان يأمر في كل يوم بوضع عشر ثبنات من الطعام يتغدى على كل ثبنة عشرة(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام جعفر الصادق : ٤٧ .

(٢) مجموعة ورام : ٢/٨٢ .

(٣) الثبنات : مفردها ثبنة وهي الوعاء الذي يوضع فيه الطعام.

(٤) الإمام جعفر الصادق : ٤٦ .

٢١

تواضعه :

ومن مظاهر شخصيته العظيمة نكرانه للذات وحبّه للتواضع وهو سيد المسلمين ، وإمام الملايين ، وكان من تواضعه أنّه كان يجلس على الحصير(١) ، ويرفض الجلوس على الفرش الفاخرة ، وكان ينكر ويشجب المتكبّرين وحتّى قال ذات مرة لرجل من إحدى القبائل : (مَن سيد هذه القبيلة ؟ فبادر الرجل قائلاً : أنا ، فأنكر الإمامعليه‌السلام ذلك ، وقال له :لو كنت سيدهم ما قلت : أنا . )(٢) .

ومن مصاديق تواضعه ونكراته للذات : أنّ رجلاً من السواد كان يلازمه ، فافتقده فسأل عنه ، فبادر رجل فقال مستهيناً بمَن سأل عنه : إنّه نبطي فردّ عليه الإمام قائلاً :أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، وكرمه تقواه ، والناس في آدم مستوون فاستحيى الرجل(٣) .

سمو أخلاقه :

كان الإمام الصادقعليه‌السلام على جانب كبير من سمو الأخلاق ، فقد ملك القلوب ، وجذب العواطف بهذه الظاهرة الكريمة التي كانت امتداداً لأخلاق جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي سما على سائر النبيين بمعالي أخلاقه .

وكان من مكارم أخلاق الإمام وسمو ذاته أنّه كان يحسن إلى كل مَن أساء إليه ، وقد روي أنّ رجلاً من الحجّاج توهّم أنّ هميانه قد ضاع منه ، فخرج

ـــــــــــــــــ

(١) النجوم الزاهرة : ٥/١٧٦ .

(٢) الطبقات الكبرى : ١/٣٢ .

(٣) حياة الإمام الصادقعليه‌السلام : ١/٦٦ عن مطالب السؤول .

(٤) الهميان : وهو كيس يجعل فيه ويشد على الوسط وجمعه همايين ، مجمع البحرين : ٦/٣٣٠ .

٢٢

يفتش عنه فرأى الإمام الصادقعليه‌السلام يصلّي في الجامع النبوي فتعلّق به ، ولم يعرفه ، وقال له : أنت أخذت همياني ؟

فقال له الإمام بعطف ورفق :ما كان فيه ؟

قال : ألف دينار ، فأعطاه الإمام ألف دينار ، ومضى الرجل إلى مكانه فوجد هميانه فعاد إلى الإمام معتذراً منه ، ومعه المال فأبى الإمام قبوله وقال له :شيء خرج من يدي فلا يعود إلي ، فبهر الرجل وسأل عنه ، فقيل له : هذا جعفر الصادق ، وراح الرجل يقول بإعجاب : لا جرم هذا فعال أمثاله(١) .

إنّ شرف الإمامعليه‌السلام الذي لا حدود له هو الذي دفعه إلى تصديق الرجل ودفع المال له .

وقالعليه‌السلام :إنّا أهل بيت مروءتنا العفو عمّن ظلمنا (٢) .

وكان يفيض بأخلاقه الندية على حضّار مجلسه حتَّى قال رجل من العامة : والله ما رأيت مجلساً أنبل من مجالسته(٣) .

صبره :

ومن الصفات البارزة في الإمامعليه‌السلام الصبر وعدم الجزع على ما كان يلاقيه من عظيم المحن والخطوب ، ومن مظاهر صبره أنّه لمّا توفّي ولده إسماعيل الذي كان ملأ العين في أدبه وعلمه وفضله دعاعليه‌السلام جمعاً من أصحابه فقدّم لهم مائدة جعل فيها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ، ولمّا فرغوا من تناول الطعام سأله بعض أصحابه ، فقال له : يا سيدي لا أرى عليك أثراً من

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام جعفر الصادق : ٤٨ .

(٢) الخصال : ١١ .

(٣) أصول الكافي : ٢/٦٥٧ .

٢٣

آثار الحزن على ولدك ؟ فأجابهعليه‌السلام :( وما لي لا أكون كما ترون ، وقد جاء في خبر أصدق الصادقين ـ يعني جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـإلى أصحابه إنّي ميت وإيّاكم ) (١) .

إقباله على العبادة :

أمّا الإقبال على عبادة الله تعالى وطاعته فإنّه من أبرز صفات الإمام ، فقد كان من أعبد الناس لله في عصره ، وقد أخلص في طاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص ، وإليك صورة موجزة عن عباداته :

أ ـ صلاته :

إنّ الصلاة من أفضل العبادات وأهمّها في الإسلام ، وقد أشاد بها الإمام الصادقعليه‌السلام في كثير من أحاديثه :

قائلاًعليه‌السلام :( ما تقرّب العبد إلى الله بعد المعرفة أفضل من الصلاة ) (٢) .

وقالعليه‌السلام :( إنّ أفضل الأعمال عند الله يوم القيامة الصلاة ، وما أحسن مَن عبد توضّأ فأحسن الوضوء ) (٣) .

وقالعليه‌السلام :( الصلاة قربان كل تقي ) (٤) .

وقالعليه‌السلام :( أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ الصلاة ، وهي آخر وصايا الأنبياء ، فما أحسن الرجل يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحّى حيث لا يراه أنيس فيشرف الله عليه وهو راكع أو ساجد ، إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس : يا ويله أطاعوا وعصيت ، وسجدوا وأبيت ) (٥) .

وقال أبو بصير : دخلت على أم حميدة ـ زوجة الإمام الصادقعليه‌السلام ـ

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام جعفر الصادق : ٤٩ .

(٢) مجموعة ورام : ٢ / ٨٦ .

(٣) وسائل الشيعة : ٦/٤٣٢ و ٨/١٢٩ .

(٤) المصدر السابق : ٤/٤٣ ـ ٤٤ و ٧/٢٦٢ .

(٥) المصدر السابق : ٣/٢٦ .

٢٤

أُعزّيها بأبي عبد اللهعليه‌السلام فبكت وبكيت لبكائها ، ثم قالت : يا أبا محمّد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً فتح عينيه ثم قال : اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة قالت فما تركنا أحداً إلاَّ جمعناه ، فنظر إليهم ثمَّ قال :( إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة ) (١) .

ومن الجدير بالذكر أنّ الإمامعليه‌السلام لم يدع نافلة من نوافل الصلاة إلاّ أتى بها بخشوع وإقبال نحو الله .

وكانعليه‌السلام إذا أراد التوجّه إلى الصلاة اصْفَرَّ لونه ، وارتعدت فرائصه خوفاً من الله تعالى ورهبة وخشية منه وقد أثرت عنه مجموعة من الأدعية في حال وضوئه ، وتوجّهه إلى الصلاة وفي قنوته ، وبعد الفراغ من صلاته(٢) .

ب ـ صومه :

إنّ الصوم من العبادات المهمّة في الإسلام ؛ وذلك لما يترتّب عليه من الفوائد الاجتماعية والصحية والأخلاقية ، ( وهو جُنّة من النار ) كما قال الإمام الصادقعليه‌السلام (٣) .

وقد حثّ الإمام الصادقعليه‌السلام الصائم على التحلّي بالأخلاق والآداب التالية ، قالعليه‌السلام :( وإذا صمت فليصم سمعك ، وبصرك ، ولسانك من القبيح والحرام ، ودع المراء ، وأذى الخادم ، وليكن عليك وقار الصيام ، ولا تجعل يوم صومك مثل يوم فطرك سواء ) (٤) .

وكانعليه‌السلام صائماً في أغلب أيامه تقرّباً إلى الله تعالى أمّا شهر رمضان المبارك فكان يستقبله بشوق بالغ ، وقد أثرت عنه بعض الأدعية المهمّة عند رؤيته لهلاله ، كما أثرت عنه بعض الأدعية في سائر أيامه وفي ليالي القدر

ـــــــــــــــــ

(١) المصدر السابق : ٣ / ١٧ .

(٢) راجع الصحيفة الصادقية وهي مجموعة الأدعية المأثورة عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٠ .

(٤) المصدر السابق : ١ / ١٦٥ .

٢٥

المباركة وفي يوم عيد الأضحى الأغرّ(١) .

ج ـ حجّه :

أمّا الحج فهو بالإضافة إلى قدسيّته فإنّه من أهم المؤتمرات السياسية التي تعقد في العالم الإسلامي ، حيث تعرض فيه أهم المشاكل التي تواجه المسلمين سواء أكانت من الناحية الاقتصادية أم الاجتماعية أو المشاكل السياسية الداخلية والخارجية ، مضافاً إلى أنّه من أهم الروابط التي يعرف بها المسلمون بعضهم بعضاً .

وقد حجّ الإمام الصادقعليه‌السلام مرات متعدّدة والتقى بكثير من الحجّاج المسلمين ، وقد كان المعلم والمرشد لهم على مسائل الحج ، فقد جهد هو وأبوه الإمام محمد الباقرعليهما‌السلام على بيان أحكام الحج بشكل تفصيلي ، وعنهما أخذ الرواة والفقهاء أحكام هذه الفريضة ، ولولاهما لما عرفت مسائل الحج وأحكامه .

وكان الإمام الصادقعليه‌السلام يؤدّي بخضوع وخشوع مراسيم الحج من الطواف ، والوقوف في عرفات ومنى ، وقد روى بكر بن محمد الأزدي فقال : خرجت أطوف ، وإلى جنبي الإمام أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام حتَّى فرغ من طوافه ثم مال فصلّى ركعتين بين ركن البيت والحجر ، وسمعته يقول في أثناء سجوده :( سجد وجهي لك تعبّداً ورقّاً ، لا إله إلاّ أنت حقاً حقاً ، الأول قبل كلّ شيء ، والآخر بعد كلّ شيء ، وها أنا ذا بين يديك ، ناصيتي بيدك فاغفر لي إنّه لا يغفر الذنب العظيم غيرك ، فاغفر لي ، فإنّي مقرٌّ بذنوبي على نفسي ، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك ) .

ثم رفع رأسه الشريف ، ووجهه كأنّما غُمس في الماء من كثرة البكاء(٢) .

وروى حمّاد بن عثمان فقال : رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد

ـــــــــــــــــ

(١) راجع الصحيفة الصادقية ، باقر شريف القرشي : ٥/١١٩ ـ ١٤٧ .

(٢) قرب الإسناد : ٢٨ .

٢٦

بالموقف رافعاً يده إلى السماء وكان في موقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وظاهر كفّيه إلى السماء(١) .

وكانعليه‌السلام إذا خرج من الكعبة المقدّسة يقول :( الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، اللّهمّ لا تجهد بلاءنا ، ولا تشمت بنا أعداءنا ، فإنّك أنت الضار النافع ) (٢) .

وروى حفص بن عمر ـ مؤذن علي بن يقطين ـ فقال : كنا نروي أنه يقف للناس في الحج سنة ( ١٤٠ هـ ) خير الناس ، فحججت في تلك السنة ، فإذا إسماعيل بن عبد الله بن العباس واقف فداخلنا من ذلك غم شديد ، فلم نلبث ، وإذا بالإمام أبي عبد اللهعليه‌السلام واقف على بغلة له ، فرجعت أبشّر أصحابي ، وقلت : هذا خير الناس الذي كنا نرويه(٣) .

وكان من أعظم الخاشعين والداعين في مواقف الحج ، فقد روي أنّ سفيان الثوري قال : والله رأيت جعفر بن محمّدعليه‌السلام ولم أر حاجّاً وقف بالمشاعر ، واجتهد في التضرُّع والابتهال منه ، فلمّا وصل عرفات أخذ من الناس جانباً ، واجتهد في الدعاء في الموقف(٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) قرب الإسناد : ٣١ .

(٢) المصدر السابق : ٣

(٣) المصدر السابق : ٩٨ .

(٤) حياة الإمام الصادقعليه‌السلام : ١/٧١ نقلاً عن ضياء العالمين .

٢٧

الباب الثاني :

فيه فصول :

الفصل الأوّل : نشأة الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظلّ جدّه وأبيهعليهم‌السلام .

٢٨

الفصل الأوّل : نشأة الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام

الأسرة الكريمة :

إنّ أسرة الإمام الصادقعليه‌السلام ، هي أجل وأسمى أسرة في دنيا العرب والإسلام ؛ فإنّها تلك الأسرة التي أنجبت خاتم النبيين وسيد المرسلين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنجبت أيضاً عظماء الأئمة وأعلام العلماء ، وهي على امتداد التأريخ لا تزال مهوى أفئدة المسلمين ، ومهبط الوحي والإلهام .

من هذه الأسرة التي أغناها الله بفضله ، والقائمة في قلوب المسلمين وعواطفهم تفرّع عملاق هذه الأمة ، ومؤسّس نهضتها الفكرية والعلمية الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، وقد ورث من عظماء أسرته جميع خصالهم العظيمة فكان ملء فم الدنيا في صفاته وحركاته .

الأب الكريم :

هو الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام سيد الناس لا في عصره ، وإنّما في جميع العصور على امتداد التأريخ علماً وفضلاً وتقوى ، ولم يظهر من أحد في ولد الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام مَن علم الدين والسنن وعلم القرآن

٢٩

والسير ، وفنون الأدب والبلاغة مثل ما ظهر منه(١) .

لقد فجّر هذا الإمام العظيم ينابيع العلم والحكمة في الأرض ، وساهم مساهمة إيجابية في تطوير العقل البشري ؛ وذلك بما نشره من مختلف العلوم لقد أزهرت الدنيا بهذا المولود العظيم الذي تفرّع من شجرة النبوّة ودوحة الإمامة ومعدن الحكمة والعلم ، ومن أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .

الأُم الزكيّة :

هي السيدة المهذّبة الزكية ( أم فروة ) بنت الفقيه القاسم(٢) بن محمّد بن أبي بكر(٣) وكانت من سيدات النساء عفّةً وشرفاً وفضلاً ، فقد تربّت في بيت أبيها وهو من الفضلاء اللامعين في عصره ، كما تلقّت الفقه والمعارف الإسلامية من زوجها الإمام الأعظم محمّد الباقرعليه‌السلام ، وكانت على جانب كبير من الفضل ، حتى أصبحت مرجعاً للسيدات من نساء بلدها وغيره في مهام أمورهن الدينية ، وحسبها فخراً وشرفاً أنّها صارت أُمّاً لأعظم إمام من أئمة المسلمين ، وكانت تعامل في بيتها بإجلال واحترام من قِبل زوجها ، وباقي أفراد العائلة النبوية .

ـــــــــــــــــ

(١) الفصول المهمّة : ١٩٢ .

(٢) أصول الكافي ١/٤٧٢ ، وتاريخ أهل البيت ١٢٢ ، والإرشاد ٢/١٨٠ ،وتذكرة الخواص : ٣٠٦ و٣٠٧ .

(٣) القاسم بن محمد بن أبي بكر كان من الفقهاء الأجلاّء ، وكان عمر بن عبد العزيز يجله كثيراً وقد قال : لو كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم بن محمّد الخلافة ، وقد عمّر طويلاً وذهب بصره في آخر عمره ، ولمّا احتضر قال لابنه : سن عليّ التراب سناً ـ أي ضعه عليّ سهلاً ـ وسوّي على قبري ، والحق بأهلك ، وإيّاك أن تقول : كان أبي ، وكانت وفاته بمكان يقال له قديد ، وهو اسم موضع يقع ما بين مكة والمدينة ، راجع ترجمته في صفة الصفوة : ٢/٤٩ ـ ٥٠ والمعارف : ٥٤ ، ومعجم البلدان : ٧ / ٣٨ ، ووفيات الأعيان : ٣ / ٢٢٤ .

٣٠

ولادة النور :

ولم تمضِ فترة طويلة من زواج السيدة ( أم فروة ) بالإمام محمّد الباقرعليه‌السلام حتَّى حملت ، وعمّت البشرى أفراد الأسرة العلوية ، وتطلّعوا إلى المولود العظيم تطلّعهم لمشرق الشمس ، ولمّا أشرقت الأرض بولادة المولود المبارك سارعت القابلة لتزف البشرى إلى أبيه فلم تجده في البيت ، وإنّما وجدت جدّه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، فهنّأته بالمولود الجديد ، وغمرت الإمام موجات من الفرح والسرور ؛ لأنّه علم أنّ هذا الوليد سيجدّد معالم الدين ، ويحيي سنّة جدّه سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبرته القابلة بأنّ له عينين زرقاوين جميلتين ، فتبسّم الإمامعليه‌السلام وقال :إنّه يشبه عيني والدتي (١) .

وبادر الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلى الحجرة فتناول حفيده فقبّله ، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية ، فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى .

لقد كانت البداية المشرقة للإمام الصادقعليه‌السلام أن استقبله جدّه الذي هو خير أهل الأرض ، وهمس في أذنه :

( الله أكبر )

( لا إله إلاّ الله )

وقد غذاه بهذه الكلمات التي هي سرّ الوجود لتكون أنشودته في مستقبل حياته .

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب : ٧٢ .

٣١

تاريخ ولادته :

اختلف المؤرّخون في السنة التي وُلد فيها الإمام الصادقعليه‌السلام فمن قائل إنّه وُلد بالمدينة المنوّرة سنة ( ٨٠ هـ )(١) .

وقال آخرون إنّه وُلد سنة ( ٨٣ هـ ) يوم الجمعة أو يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول(٢) .

وقال ثالث إنه وُلد سنة ( ٨٦ هـ )(٣) .

تسميته وألقابه :

أمّا اسمه الشريف فهو ( جعفر ) ونصّ كثير من المؤرّخين على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي سمّاه بهذا الاسم ، ولقّبه بالصادق .

لقد لُقِّب الإمامعليه‌السلام بألقاب عديدة يمثلّ كل منها مظهراً من مظاهر شخصيّته وإليك بعض هذه الألقاب الكريمة :

١ ـ الصادق : لقّبه بذلك جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره أصدق إنسان في حديثه وكلامه(٤) .

وقيل : إنّ المنصور الدوانيقي الذي هو من ألدّ أعدائه ، هو الذي أضفى عليه هذا اللقب ، والسبب في ذلك : أنّ أبا مسلم الخراساني طلب من الإمام

ـــــــــــــــــ

(١) تأريخ ابن الوردي : ١/٢٦٦ ، الإتحاف بحب الإشراف : ٥٤ ، سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : ٣٤ ، ينابيع المودة : ٤٥٧ ، تذكرة الحفاظ : ١/١٥٧ ، نور الأبصار للشبلنجي : ١٣٢ ، وفيات الأعيان : ١/١٩١ .

(٢) أصول الكافي : ١/٤٧٢ ، مناقب آل أبي طالب : ٤/٢٨٠ ، أعلام الورى : ٢٧١ وجاء فيه أنّه ولد بالمدينة لثلاث عشر ليلة بقيت من شهر ربيع الأول .

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤/٢٠٨ .

(٤) قال السمعاني في أنسابه : ٣ / ٥٠٧ ، الصادق لقب لجعفر الصادق لصدقه في مقاله .

٣٢

الصادقعليه‌السلام أن يدلّه على قبر جدّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فامتنع ، وأخبره أنّه إنّما يظهر القبر الشريف في أيام رجل هاشمي يقال له أبو جعفر المنصور ، وأخبر أبو مسلم المنصور بذلك في أيام حكومته وهو في الرصافة ببغداد ، ففرح بذلك ، وقال : هذا هو الصادق(١) .

٢ ـ الصابر (٢) : ولقّب بذلك لأنّه صبر على المحن الشاقة والخطوب المريرة التي تجرّعها من خصومه الأمويين والعباسيين .

٣ ـ الفاضل (٣) : لقّب بذلك لأنّه كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم لا في شؤون الشريعة فحسب ، وإنّما في جميع العلوم ، فهو الفاضل وغيره المفضول .

٤ ـ الطاهر (٤) : لأنّه أطهر إنسان في عمله وسلوكه واتجاهاته في عصره .

٥ ـ عمود الشرف (٥) : لقد كان الإمامعليه‌السلام عمود الشرف ، وعنوان الفخر والمجد لجميع المسلمين .

٦ ـ القائم (٦) : لأنّه كان قائماً بإحياء دين الله والذب عن شريعة سيد المرسلين .

٧ ـ الكافل (٧) : لأنّه كان كافلاً للفقراء والأيتام والمحرومين ، فقد قام بالإنفاق عليهم وإعالتهم .

ـــــــــــــــــ

(١) موسوعة الإمام الصادق : ١ / ٢٢ .

(٢) تذكرة الخواص ٣٠٧ ، مرآة الزمان : ٥ / ورقة ١٦٦ من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين .

(٣) تاريخ أهل البيت ١٣١ ، وتذكرة الخواص ٣٠٧ .

(٤) مرآة الزمان : ٥ / ورقة ١٦٦ .

(٥) سر السلسلة العلوية : ٣٤ .

(٦) مناقب آل أبي طالب : ٤/٢٨١ .

(٧) المصدر السابق .

٣٣

٨ ـ المنجي (١) : من الضلالة ، فقد هدى مَن التجأ إليه ، وأنقذ مَن اتصل به .

وهذه بعض ألقابه الكريمة التي تحكي بعض صفاته ، ومعالم شخصيته .

كُناه :

وكنّي الإمام الصادقعليه‌السلام بأبي عبد الله ، وأبي إسماعيل ، وأبي موسى(٢) .

ذكاؤه :

كان الإمام الصادقعليه‌السلام في سنّه المبكّر آية من آيات الذكاء ، فلم يجاريه أحد بمثل سنّه على امتداد التأريخ بهذه الظاهرة التي تدعو إلى الإعجاب والإكبار ، والتي كان منها أنّه كان يحضر دروس أبيه وهو صبي يافع لم يتجاوز عمره الثلاث سنين ، وقد فاق بتلقيه لدروس أبيه جميع تلاميذه من كبار العلماء والرواة ومن الجدير بالذكر أنّ دروس أبيه وبحوثه لم تقتصر لاعلى الفقه والحديث ، وتفسير القرآن الكريم ، وإنّما شملت جميع أنواع العلوم ، وقد ألمَّ بها الإمام الصادقعليه‌السلام أحسن إلمام ويدل على ذلك ما نقله الرواة من أنّ الوليد بن عبد الملك أمر عامله على يثرب عمر بن عبد العزيز بتوسعة المسجد النبوي ، فأنجز عمر قسماً كبيراً منه ، وأعلمه بذلك ، وسافر الوليد إلى يثرب ليطّلع بنفسه على ما أنجزه عمر من أعمال التعمير والتوسيع ، وقد استقبله عمر من مسافة خمسين فرسخاً ، وأعدَّ له استقبالاً رسمياً ، وخرجت أهالي يثرب بجميع طبقاتها لاستقباله والترحيب به ، وبعدما انتهى إلى يثرب دخل إلى الجامع النبوي ليشاهد ما أنجر من أعمال

ـــــــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤/٢٨١ .

(٢) المصدر السابق .

٣٤

التعمير ، وقد رأى الإمام الباقرعليه‌السلام على المنبر ، وهو يلقي محاضرة على تلاميذه فسلّم عليه ، فردّ الإمام السلام عليه ، وتوقّف عن التدريس تكريماً له ، فأصرّ عليه الوليد أن يستمر في تدريسه ، فأجابه إلى ذلك ، وكان موضوع الدرس ( الجغرافيا ) فاستمع الوليد ، وبهر من ذلك ، فسأل الإمام : ( ما هذا العلم ؟ ) .

فأجابه الإمام : إنّه علم يتحدث عن الأرض والسماء ، والشمس والنجوم .

ووقع نظر الوليد على الإمام الصادق ، فسأل عمر بن عبد العزيز : مَن يكون هذا الصبي بين الرجال ؟ .

فبادر عمر قائلاً : إنّه جعفر بن محمّد الباقر ...

وأسرع الوليد قائل : هل هو قادر على فهم الدرس واستيعابه؟ .

فعرفه عمر بما يملكه الصبي من قدرات علمية ، قائلاً : إنّه أذكى مَن يحضر درس الإمام وأكثرهم سؤالاً ونقاشاً .

وبهر الوليد ، فاستدعاه ، فلمّا مثل أمامه بادر قائلاً : ( ما اسمك ؟ ) .

وأجابه الصبي بطلاقة قائلاً :( اسمي جعفر ) .

وأراد الوليد امتحانه ، فقال له : ( أتعلم مَن كان صاحب المنطق ـ أي مؤسّسه ـ ؟ ) .

فأجابه الصبي :( كان أرسطو ملقباً بصاحب المنطق ، لقّبه إيّاه تلامذته ، وأتباعه ) .

ووجه الوليد إليه سؤالاً ثانياً قائلاً : ( من صاحب المعز ؟ ) .

فأنكر عليه الإمام وقال :( ليس هذا اسماً لأحد ، ولكنه اسم لمجموعة من النجوم ، وتسمى ذو الأعنة ) (١) .

واستولت الحيرة والذهول على الوليد ، فلم يدر ما يقول ، وتأمّل كثيراً ليستحضر مسألة أخرى يسأل بها سليل النبوّة ، وحضر في ذهنه السؤال الآتي

ـــــــــــــــــ

(١) هذه المجموعة من النجوم تسمّى في اصطلاح العلم الحديث ( أوريك ) أو ( أريجا ) .

٣٥

فقال له : ( هل تعلم مَن صاحب السواك ؟ ) .

فأجابه الإمام فور :( هو لقب عبد الله بن مسعود صاحب جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) .

ولم يستحضر الوليد مسألة يسأل بها الإمام ، ووجد نفسه عاجزاً أمام هذا العملاق العظيم ، فراح يبدي إكباره وإعجابه بالإمام ، ويرحّب به ، وأمسك بيده ، ودنا من الإمام الباقرعليه‌السلام ، يهنئه بولده قائلاً : إنّ ولدك هذا سيكون علاّمة عصره(١) .

وصدق توسّم الوليد ، فقد أصبح الإمام الصادقعليه‌السلام أعلم علماء عصره على الإطلاق ، بل أعلم علماء الدنيا على امتداد التأريخ ، وليس هناك تعليل مقنع لهذه الظاهرة التي اتصف بها سليل النبوّة في حال طفولته ، إلاَّ القول بما تذهب إليه الشيعة من أنّ الله تعالى منح أئمة أهل البيتعليهم‌السلام العلم والحكمة في جميع أدوار حياتهم كما منح أنبياءه ورسله .

معرفته بجميع اللغات :

وكان في سنّه المبكّر عارفاً بجميع لغات العالم إذ كان يتكلّم مع كل أهل لغة كأنّه واحد منهم وإليك نماذج تشير إلى ذلك :

١ ـ روى يونس بن ظبيان النبطي أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام تحدّث معه باللغة النبطية فأخبره عن أول خارجة خرجت على موسى بن عمران ، وعلى المسيح ، وعلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالنهروان ، وأعقب كلامه بقوله : ( مالح ديربير ماكي مالح ) ومعناه أن ذلك عند قريتك التي هي بالنبطية(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب : ١٠٨ ـ ١١٢ .

(٢) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب : ٤٨ .

٣٦

٢ ـ روى عامر بن علي الجامعي ، قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جُعلت فداك ، إنّا نأكل كل ذبائح أهل الكتاب ، ولا ندري أيسمّون عليها أم لا ؟ فقالعليه‌السلام : إذا سمعتموهم قد سمّوا فكلوا ، أتدري ما يقولون على ذبائحهم ؟

فقلت : لا .

فقرأ شيئاً لم أعرفه ثم قال : بهذا أُمروا .

فقلت : جعلت فداك إن رأيت أن نكتبها .

قالعليه‌السلام : اكتب ( نوح أيوا ادينو بلهيز مالحوا عالم اشرسوا أورصوبنوا (يوسعه) موسق ذعال اسطحو )(١) .

وفي رواية أخرى أنّ النص كالآتي ( باروح أنا ادوناي إيلوهنوا ملخ عولام اشرفدشنوا عبسوتا وسينوانوا على هشخيط ) ومعناه تباركت أنت الله مالك العالمين ، الذي قدّسنا بأوامره ، وأمرنا على الذبح(٢) .

٣ ـ روى أبو بصير قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام وعنده رجل من أهل خراسان وهو يكلّمه بلسان لا أفهمه(٣) وكانت تلك اللغة التي كان يتحدث بها مع الخراساني هي اللغة الفارسية .

ووفد عليه قوم من أهل خراسان ، فقالعليه‌السلام لهم :( من جمع مالاً يحرسه عذّبه الله على مقداره ) فقالوا له باللغة الفارسية : لا نفهم العربية ، فقالعليه‌السلام لهم : ( هركه درم اندوزد جزايش ذوزخ باشد )(٤) .

٤ ـ روى أبان بن تغلب قال : غدوت من منزلي بالمدينة وأنا أريد أبا عبد الله فلمّا صرت بالباب وجدت قوماً عنده لم أعرفهم ، ولم أر قوماً أحسن زيّاً منهم ، ولا أحسن سيماءً منهم كأنّ الطير على رؤوسهم ، فجعل

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب : ٤٧ .

(٢) المصدر السابق : ٤٨ .

(٣) الاختصاص : ١٨٣ .

(٤) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب : ٤٦ .

٣٧

أبو عبد اللهعليه‌السلام يحدثنا بحديث فخرجنا من عنده ، وقد فهَّم خمسة عشر نفراً ، متفرقي الألسن ، منهم : العربي ، والفارسي ، والنبطي ، والحبشي ، والصقلبي ، فقال العربي : حدثنا بالعربية ، وقال الفارسي : حدثنا بالفارسية ، وقال الحبشي : حدّثنا بالحبشية ، وقال : الصقلبي : حدثنا بالصقلبية ، وأخبرعليه‌السلام بعض أصحابه بأن الحديث واحد ، وقد فسّره لكل قوم بلغتهم(١) .

٥ ـ ودار الحديث بين الإمامعليه‌السلام وبين عمار الساباطي باللغة النبطية فبهر عمار وراح يقول : ( ما رأيت نبطياً أفصح منك بالنبطية ) .

فقالعليه‌السلام له :( يا عمار وبكل لسان ) (٢) .

هيبته ووقاره :

كانت الوجوه تعنو لهيبة الإمام الصادقعليه‌السلام ووقاره ، فقد حاكى هيبة الأنبياء ، وجلالة الأوصياء ، وما رآه أحد إلاَّ هابه إذ كانت تعلوه روحانية الإمامة ، وقداسة الأولياء وكان ابن مسكان وهو من خيار الشيعة وثقاتها لا يدخل عليه شفقة أن لا يوافيه حق إجلاله وتعظيمه ، فكان يسمع ما يحتاج إليه مراحل حياة الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام من أمور دينه من أصحابه ، ويأبى أن يدخل عليه(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب : ٤٦ ـ ٤٧ .

(٢) الاختصاص : ٢٨٣ .

(٣) الاختصاص : ٢٠٣ .

٣٨

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الصادقعليه‌السلام

ولد الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام في مرحلة ازدهار الدولة الأموية حين ابتعد الخلفاء كثيراً عن طريق الحق وترسّخت صيغة الملك المتوارث .

عاصر جدّه اثنتا عشرة سنة في المدينة وعاش مع أبيه بعد جدّه تسع عشرة سنة نهل خلالها جميع العلوم والمعارف من أبيهعليه‌السلام وفاق الجميع بسعة إدراكه وشدة ذكائه .

وشارك أباه محنة الصبر على تولّي الظالمين والتعرّض للبلاء كما ساهم مع أبيه في نشر العلوم الإسلامية من خلال حلقات الدرس التي أسّسها لكي لا تضيع الرسالة وتندرس معالم الدين .

وتمكّن من أن يواصل بعد أبيهعليه‌السلام خلال مدّة إمامته التي استمرّت أربعاً وثلاثين سنة تربية أجيال عديدة من العلماء والفقهاء الصالحين ممّن ينهج نهج أهل البيتعليهم‌السلام .

وكما عاصر الإمام الصادقعليه‌السلام مرحلة انحطاط الدولة الأموية وأفولها عاصر كذلك ظهور الدولة العباسية التي تعجّلت في ممارسة الظلم بالنسبة لأهل البيتعليهم‌السلام والتعدّي عليهم .

٣٩

وتمكّن الإمام الصادقعليه‌السلام في هذه الفترة من المعترك السياسي المرير أن يحافظ على كيان المذهب الشيعي واستمرار سلامة الجماعة الصالحة وتنميتها ، تلك الجماعة التي عمل على بنائها وتوسعتها آباؤه الطاهرون .

ومن هنا نقسِّم حياته إلى عصرين متميّزين :

عصر ما قبل التصدّي للإمامة ، وقد عاصر فيه كلاًّ من الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد وهشام بن عبد الملك .

وعصر ما بعد التصدّي للإمامة .

وينقسم العصر الأول إلى مرحلتين :

المرحلة الأولى : حياته مع جدّه وأبيه ( من سنة ٨٣ إلى سنة ٩٥ هـ )

المرحلة الثانية : حياته مع أبيه الباقرعليه‌السلام (من سنة ٩٥ إلى سنة ١١٤ هـ ) .

وينقسم العصر الثاني إلى مرحلتين أيضاً :

المرحلة الأولى : مرحلة انهيار الدولة الأموية حتَّى سقوطها ( ١١٤ إلى ١٣٢ هـ ) .

والمرحلة الثانية : مرحلة تأسيس الدولة العباسية حتَّى استشهاده ( سنة ١٤٨ هـ ) .

وعاصر في المرحلة الأولى من مرحلتي العصر الثاني كلاًّ من : هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد ثم يزيد بن الوليد المعروف بالناقص ثم أخيه إبراهيم بن الوليد ثم مروان بن محمد الذي عرف بمروان الحمار ، وهو آخر ملوك بني أمية والذي سقطت في عهده هذه الدولة الظالمة بعد أن عاثت في الأرض فساداً .

كما عاصر في المرحلة الثانية كلاًّ من : السفّاح وأبي جعفر المنصور ، حيث استشهد في حكم المنصور العباسي بعد إجراءات قاسية قام بها هذا الحاكم الذي تربّع على كرسي الخلافة باسم أهل البيتعليهم‌السلام .

وسنوافي القارئ الكريم بتفاصيل ما جرى على الإمامعليه‌السلام في هذه المرحلة من حياته الشريفة .

٤٠