تلخيص التمهيد الجزء ١

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 459

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 459
المشاهدات: 76945
تحميل: 10472


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76945 / تحميل: 10472
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تلخيصُ التَمهيد

موجز دراسات مبسّطة عن مختلف شؤون القرآن الكريم

تمتاز هذه الطبعة بإضافات ذوات أهمّية كبيرة وتنقيح كثير

تأليف:

محمّد هادي معرفة

الجزء الأوّل

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة

١

تلخيصُ التَمهيد

(ج 1)

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلْقه محمّد الأمين، وعلى آله الطاهرين المنتجبين.

وبعد، لا يخفى على أُولي البصائر والأذهان اشتمال كتاب الله الكريم، ومعجزة الرسول العظيم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على كنوز المعارف الإلهية، وجواهر العلوم الربّانية التي أركعت أرباب العقول المتوقّدة من الحكماء والعلماء في مختلف الفنون والمعارف أمام عظمتها وسِعتها، فقد انطوت آيات الكتاب الحكيم على الرموز والإشارات واللطائف والحِكم ما لا تحويه عقول البشر، مضافاً إلى التشريعات والقوانين وقصص الأنبياء والصالحين وأخبار الأمم من الغابرين وعلوم المبدأ والمعاد، بحيث ما من مرتبة من مراتب العلم الحسّي والمعنوي يرتقي إليها المحقّقون والمكتشفون، إلاّ وتجد القرآن قد سبقهم إليها وأشار إليها من قريب أو بعيد، فهو بحقّ الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفيه تبيان كلّ شيء ورحمة وشفاء لمَا في الصدور.

ومنذ الأيام الأُولى لنزول القرآن، اهتمّ المسلمون بدراسة شؤون وملابسات الآيات القرآنية، وما يتعلّق بها من علوم ومعارف أعمّ من شأن النزول، ومعرفة المعاني والمحكَم والمتشابه والناسخ والمنسوخ، مضافاً إلى القراءات والنكات الأدبية والبلاغية وغيرها، ولكن كانت بشكلٍ بدائيّ، وأخذت بمرور الزمن تتطوّر

٣

وتزداد سعةً وعمقاً، حتّى صار البحث في هذه العلوم منضوياً تحت علمٍ مستقلّ أُطلق عليه بـ (علوم القرآن)، فكُتبت العشرات من الكتُب في مسائله المتنوّعة، وتضاربت الآراء، وطُرحت النظريات المتعدّدة والدراسات المختلفة على اختلاف مذاهب أصحابها.

ولأهمّية هذه العلوم لم يغفل علماء الشيعة عنها، فلم يمرّوا بباب من أبوابها إلاّ وأشبعوه بحثاً واستدلالاً، فصنّفوا وأتقنوا، وكان كتاب (التمهيد في علوم القرآن) للأستاذ المحقق الشيخ محمّد هادي معرفة (أيّده الله)، يمثّل أصدق نتاج في هذا المضمار، ولمّا كان البحث فيه بشكلٍ موسَّع ومبسوط رأى المؤلّف - ونزولاً عند رغبة مديرية الحوزة العلمية في قم المشرّفة - أن يُلخّص ما جاء فيه من الأبحاث بشكلٍ يناسب ومستوى الدراسة في المعاهد الإسلامية والحوزات العلمية في مراتبها الأوّلية، فجمعَ كلَّ ما ورد في أصل الكتاب في جِلدين بأسلوب جزلٍ واختصارٍ غير مخلٍّ.

والطبعة الماثلة بين يديك - عزيزنا القارئ - هي طبعة منقّحة وأُدخلت عليها بعض الإضافات، وحُذف البعض الآخر بقلم المؤلّف، وبذلك سدّ ما كان في الطبعة الأولى للتلخيص من فجوات وثغور فجاء كاملاً، ولبلوغ الغاية ونيل المطلوب موصّلاً إن شاء الله.

ونحنُ إذ نُقدِم على طبع هذا الكتاب بحلّته الجديدة، لا يفوتنا أن نتقدّم بخالص دعائنا لسماحة الشيخ المؤلّف، وأن يمدّ في عُمره وينفع به أمّته، ونتقدّم كذلك بشكرنا للإخوة الذين شاركونا في تنظيم هذا الكتاب، نخصّ بالذِكر فضيلة الأخ الحاج كمال الكاتب حفظه الله وزاد في توفيقه.

اللّهم نوّر قلوبنا بالقرآن، ووفّقنا للعمل به وبيّض وجوهنا يوم نلقاك، وآخِر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

٤

مقدمة المؤلّف

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّه وآله وعلى رواة سُنّته، وحَمَلة أحاديثه وحَفظة كلِمه.

وبعد، كانت دراستنا لعلوم القرآن - سواء في الأجزاء المطبوعة من التمهيد أمْ غير المطبوعة، وهي تربو على ستّة مجلّدات - دراسة مستوعبة فيها تفصيل وتبسيط شامل، كان يتناسب والتحقيق في المسائل القرآنيَّة، شأن أيِّ موضوع ذي أهمّية بالغة، ولكنَّه كان فوق الحدّ اللازم للدراسات الرتيبة في المعاهد العلمية.

ومن ثَمَّ كنت قد قصدت من أوّل الأمر أن أُلخّصها في دروس متناسبة مع المستويات الدراسية في المعاهد، لولا أنَّ متابعة البحوث المتتالية كانت تعوقني عن إنجاز هذه المهمَّة، وفي هذا الأخير قد طلبَتْ منّي مديرية شؤون الحوزة العلميَّة بقم المقدَّسة تحقيق هذا المهمّ؛ لاستدعاء ضرورة الدراسات الطلاّبية ذلك، فوعدتهم بالإنجاز بعونه تعالى، فاغتنمت فرصة العطلة الصيفية لهذا العام (1409هـ) في قرية (فردو - من مصايف قم)؛ لإنجاز الوعد وتحقيق تلك الأُمنية القديمة، فجاءت بحمد الله كاملة ووافية بأصول البحث وفروعه بما يشبع نَهَم المتعلّمين في شؤون القرآن الكريم، فله الشكر على هذا التوفيق، جعله الله خير رفيق.

قم المقدّسة

محمّد هادي معرفة

ذو الحجّة الحرام 1409هـ

٥

٦

الوحي والقرآن

1 - ظاهرة الوحي.

2 - نزول القرآن.

3 - معرفة أسباب النزول.

4 - كُتّابُ الوحي.

٧

٨

1 - ظاهرةُ الوحي

- الوحي في اللّغة.

- الوحي في القرآن.

- إمكان الوحي.

- الوحي عند فلاسفة الغرب.

- أنحاء الوحي الرسالي.

- موقف النبي (صلّى الله عليه وآله) من الوحي.

- النبوَّة مقرونة بدلائل نيِّرة.

- قصَّة ورقة بن نوفل.

- الوحي لا يَحتمل التباساً.

- أُسطورة الغرانيق.

٩

ظاهرةُ الوَحي

الوَحي في اللغة:

الوَحي: إعلام سريع خفيّ، سواء أكان بإيماءة أو همسة أو كتابة في سرّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك في سرعة خاطفة حتى فَهِمه فهو وحيٌ، قال الشاعر:

نظرتُ إليها نظرة فتحيَّرتْ

دقائق فكري في بديع صفاتها

فأوحى إليها الطَرْف أنّي أُحبها

فأثَّر ذاك الوحي في وَجَناتها

وقال تعالى عن زكريّا (عليه السلام): ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْـرَةً وَعَشِيّـاً ) (1) ، أي أشار إليهم على سبيل الرمز والإيماء.

قال الراغب : أصل الوحي، الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة قيل: أمرٌ وحِيٌّ (أي سريع)، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة (2) .

وقال ابن فارس : و، ح، ي، أصل يدلّ على إلقاء علم في إخفاء أو غيره، والوحي: الإشارة، والوحي: الكتاب والرسالة، وكلّ ما ألقيتَه إلى غيرك حتّى

____________________

(1) مريم: 11.

(2) المفردات للإصبهاني: ص515.

١٠

عِلمه فهو وحي، كيف كان (1) .

ولعلَّ هذا التعميم في مفهوم الوحي - عند ابن فارس - كان في أصل وضْعه، غير أنّ الاستعمال جاء فيما كان خفيّـاً.

قال أبو إسحاق: أصل الوحي في اللغة كلّها: إعلام في خَفاء؛ ولذلك سُمّي الإلهام وحياً.

وقال ابن بري: وحى إليه وأوحى: كلَّمه بكلام يخفيه من غيره، ووحى وأوحى: أومأ، قال الشاعر:

فأوحت إلينا والأنامل رُسُلها (2) أي: أشارت بأناملها.

الوحي في القرآن:

واستعمله القرآن في معانٍ أربعة:

1 - نفس المعنى اللُغَوي: الإيماءة الخفية، وقد مرّ في آية مريم.

2 - تركيز غريزيّ فطريّ، وهو تكوين طبيعيّ مجعول في جِبلَّة الأشياء، استعارة من إعلام قوليّ لإعلام ذاتيّ، بجامع الخفاء في كيفية الإلقاء والتلقّي، فبما أنَّ الوحي إعلام سرّي، ناسب استعارته لكلّ شعور باطنيّ فطريّ، ومنه قوله تعالى: ( وَأَوْحَى‏ رَبّكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً ) (3) ، فهي تنتهج وفْق فطرتها، وتستوحي من باطن غريزتها، مذلَّلة لِما أُودع فيها من غريزة العمل المنتظم، ومن ثَمَّ فهي لا تحيد عن تلك السبيل.

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وَأَوْحَى‏ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) (4) أي: قدّر، وقد استوحى العجاج هذا المعنى من القرآن في قوله:

أوحى لها القرار فاستقرَّت

وشدَّها بالراسيات الثُبَّت (5)

____________________

(1) معجم مقاييس اللغة: ج6، ص93.

(2) لسان العرب لابن منظور.

(3) النحل: 68 و69.

(4) فصّلت: 12.

(5) لسان العرب لابن منظور.

١١

3 - إلهامٌ نفسيّ، وهو شعور في الباطن، يحسّ به الإنسان إحساساً يخفى عليه مصدره أحياناً، وأحياناً يُلهم أنَّه من الله، وقد يكون من غيره تعالى.

وهذا المعنى هو المعروف عند الروحيّين بظاهرة (التلباثي: التخاطر من بعيد)، وهو خطور باطنيّ آنيّ لا يُعرف مصدره، قالوا: إنَّها فكرة تنتقل من ذهن إنسان إلى آخر، والمسافة بينهما شاسعة، أو إلقاء روحي من قِبل أرواح عالية أو سافلة (1) ، وقيل: إنَّها فكرة رحمانيّة تُوحيها الملائكة، تنفثها في رَوع إنسان يريد الله هدايته، أو وسوسة شيطانية تُلقيها أبالسة الجِنّ؛ لغرض غوايته.

* * *

ومن الإلهام الرحماني قوله تعالى: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ أُمّ مُوسَى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنّا رَادّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (2) .

قال الأزهري: الوحي هنا: إلقاء الله في قَلْبها، قال: وما بعد هذا يدلّ - والله أعلم - على أنّه وحي من الله على جهة الإعلام، للضمان لها ( إِنّا رَادّوهُ إِلَيْكِ ) ، وقيل: إنَّ معنى الوحي هنا: الإلهام، قال: وجائز أن يُلقي الله في قلبها أنَّه مردود إليها وأنَّه يكون مرسلاً، ولكنَّ الإعلام أبيَن في معنى الوحي هنا (3) .

والشيخ المفيد (قدّس سرّه) أخذ الوحي هنا بمعنى الإعلام الخفيّ في كتابه (أوائل المقالات)، لكنَّه في كتابه (تصحيح الاعتقاد) جعله بمعنى رؤيا أو كلام سمعته أُمّ موسى في المنام.

وقال - بصدد إيضاح معنى الوحي -: أصل الوحي هو الكلام الخفيّ، ثُمَّ قد يُطلق على كلّ شيء قُصد به إفهام المخاطب على السرّ له عن غيره (4) .

وأمّا التعبير بالوحي عن وسواس الشيطان وتسويله خواطر الشرّ والفساد،

____________________

(1) راجع مفصّل الإنسان روح لا جسد لرؤوف عبيد: ج1، ص542.

(2) القصص: 7.

(3) لسان العرب لابن منظور.

(4) راجع أوائل المقالات: ص39، وتصحيح الاعتقاد: ص56.

١٢

فجاء في قوله تعالى: ( وَكَذلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) (1) ، وقال: ( وَإِنّ الشّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى‏ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) (2) ، ويفسّره قوله: ( مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ * الّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ * مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ ) (3) .

كما جاء التعبير عمّا يُلقيه الله إلى الملائكة من أمره؛ ليفعلوه من فورهم، بالوحي أيضاً في قوله تعالى: ( إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا ) (4) .

وأمّا التعبير بالوحي عمّا يلقيه الله إلى نبيّ من أنبيائه بواسطة مَلك، أو بغير واسطة؛ لأجل تبليغ رسالة الله، فهو معنى رابع استعمله القرآن وهو موضوع بحثنا في الفصل التالي.

4 - الوحي الرسالي، وهو معنى رابع استعمله القرآن في أكثر من سبعين موضعاً، معبِّراً عن القرآن أيضاً بأنّه وحي أُلقي على النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ( نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ) (5) ، ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنذِرَ أُمّ الْقُرَى‏ وَمَنْ حَوْلَهَا ) (6) ، ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ ) (7) .

وظاهرة الوحي بشأن رسالة الله، هي أُولى سمات الأنبياء، امتازوا بها على سائر الزعماء والمصلحين، أصحاب العبقريّات الملهَمين، ولم يكن النبيّ محمَّد (صلّى الله عليه وآله) بِدعاً من الرسل في هذا الاختصاص النبويّ، ولا أوَّل مَن خاطب الناس باسم الوحي السماوي، ومن ثَمَّ فلا عجب في هذا الاصطفاء ما دام ركْب البشريَّة - منذ بداية سيرها - لم تزل يرافقها رجال إصلاحيّون يهتفون بهذا النداء

____________________

(1) الأنعام: 112.

(2) الأنعام: 121.

(3) الناس: 4 - 6.

(4) الأنفال: 12.

(5) يوسف: 3.

(6) الشورى: 7.

(7) العنكبوت: 45.

١٣

الروحي، ويدعون إلى الله باسم الوحي وتبليغ رسالة الله:

( أَكَانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النّاسَ وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أَنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنّ هذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ) (1) .

ودفعاً لهذا الاستنكار الغريب قال: ( إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى‏ نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسى‏ وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنَا دَاوُود زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى‏ اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى‏ بِاللّهِ شَهِيداً * إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلّوا ضَلاَلاً بَعِيداً ) (2) .

والوحي الرسالي لا يعدو مفهومه اللغوي بكثير، بعد أن كان إعلاماً خفياً، وهو اتّصال غيبيّ بين الله ورسوله، يتحقّق على أنحاء ثلاثة، كما جاءت في الآية الكريمة: ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنّهُ عَلِيّ حَكِيمٌ ) (3).

فالصورة الأولى: إلقاء في القلب ونفْثٌ في الرَوع.

والثانية: تكليم من وراء حجاب، بخلْق الصوت في الهواء بما يقرع مسامع النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ولا يرى شخص المتكلّم.

والثالثة: إرسال مَلك الوحي فيبلّغه إلى النبي، إمّا عياناً يراه، أو لا يراه ولكن يستمع إلى رسالته.

إذاً فالفارق بين الوحي الرسالي وسائر الإيحاءات المعروفة، هو جانب مصدره الغيبي اتّصالاً بما وراء المادَّة، فهو إيحاءٌ من عالَمٍ فوق، الأمر الذي دعا بأولئك الذين لا يروقهم الاعتراف بما سوى هذا الإحساس المادّي، أن يجعلوا

____________________

(1) يونس: 2.

(2) النساء: 163 - 167.

(3) الشورى: 51.

١٤

من الوحي الرسالي سبيله إلى الإنكار، أو تأويله إلى وجدان باطني ينتشئ من عبقريَّة واجدِه، وسنبحث عن ذلك في فصل قادم.

إمكان الوحي:

قد يتشبّث البعض - ذريعة لإنكار النبوّات - بتباعد ما بين العالَم العُلوي والعالَم السُفلي، ذاك متشعشع روحيّ لطيـف، وهذا متكدّر مادّي كثيف، وإذ لا واسطة بين الجانبين، فلا عُلقة تربط أحد العالَمَين بالآخر.

هذه شبهة مَن يرى من عالم الدنيا مادّياً محضاً، لا تناسُب بينه وبين عالَم الملَكوت الأعلى.

لكن إذا ما عرفنا من هذا الإنسان وجوداً برزخياً ذا جانبين - هو من أحدهما جسمانيّ كثيف، وفيه خصائص المادَّة السفلى، ومن جانبه الآخر روحاني لطيف، وهو ملَكوتي رفيع - لم يكن موقع لهذه الشبهة رأساً.

الإنسان وراء شخصيَّته هذه الظاهرة شخصيَّة أخرى باطنة، هي التي تؤهِّله - أحياناً - للارتباط مع عالم روحاني أعلى، إذ كان مبدأه منه، وإليه منتهاه: ( إِنّا للّهِ‏ِ وإِنّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ ) (1) ، هذا هو واقع الإنسان الحقيقي ذو التركيب المزدوج من روح وجسم، ومن ثَمَّ فهو برزخ بين عالَمي المادّة وما وراء المادَّة، فمن جهة هو مرتبط بالسماء، ومن أخرى مستوثق بالأرض، قال تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ * ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ) ، إلى هنا تكتمل خِلقة الإنسان الماديّة، ثمَّ يقول: ( ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (2) .

وهذا الخلْق الآخر هو وجود الإنسان الروحي، وهو وجوده الأصيل الذي

____________________

(1) البقرة: 156.

(2) المؤمنون: 12 - 14.

١٥

أشارت إليه آية أخرى: ( وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ ) (1) .

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الله خلقَ خلْقاً وخلَق روحاً، ثمَّ أمر مَلكاً فنفخ فيه...) (2) .

فهذا هو الإنسان، مخلوق متركّب من جسم هو مادّي، وروح هو لا مادّي، فبوجوده المادّي خَلْق، وبوجوده اللامادّي خَلقٌ آخر، وبوجوده هذا الآخَر يستأهل الاتّصال بالملأ الأعلى، لا بوجوده ذاك المادّي الكثيف.

* * *

نعم، جاءت فكرة إنكار الوحي نتيجةً للنظرة المادّية البحتة إلى هذا الإنسان، وهي نظرة قاصرة بشأن الإنسان، سادت أوروبا في عصر نشوء الفكرة الماديّة عن الحياة، والتي جعلت تتقدَّم وتتوسَّع كلَّما تقدَّمت العلوم الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وأخذت المقاييس المعنويَّة في الحياة تتدهور تراجعاً إلى الوراء، وكادت الموجة تطبّق العالم أجمع، لولا أن انتهضت الفكرة الروحية في أمريكا ومنها سرت إلى أوروبا كلّها، فجعلت مسألة الوحي تَحيى من جديد.

قال الأستاذ وجدي: كان الغربيّون - إلى القرن السادس عشر - كجميع الأمم المتديّنة يقولون بالوحي، وكانت كتُبهم مشحونة بأخبار الأنبياء، فلمَّا جاء العلم الجديد بشكوكه وماديّاته، ذهبت الفلسفة الغربية إلى أنّ مسألة الوحي هي من بقايا الخرافات القديمة، وتغالَت حتّى أنكرت الخالق والروح معاً، وعلَّلت ما ورد عن الوحي في الكتب القديمة بأنّه: إمّا اختلاق من المتنبّئة أنفسهم لجذْب الناس إليهم وتسخيرهم لمشيئتهم، وإمّا هذَيان مَرَضي يعتري بعض العصبيين، فيُخيَّل إليهم يرون أشباحاً تكلّمهم، وهُم لا يرون في الواقع شيئاً.

____________________

(1) السجدة: 7 - 9.

(2) بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي: ج61، ص32.

١٦

راج هذا التعليل في العالم الغربي، حتّى صار مذهب العِلم الرسمي.

فلمّا ظهرت آية الروح في أمريكا سنة 1846م، وسرَت منها إلى أوروبا كلّها، وأثبت الناس بدليل محسوس وجود عالَم روحاني آهِل بالعقول الكبيرة والأفكار الثاقبة، تغيّر وجه النظر في المسائل الروحانية، وحيِيَت مسألة الوحي بعد أن كانت في عِداد الأضاليل القديمة، وأعاد العلماء البحث فيها على قاعدة العلم التجريبيّ المقرَّر، لا على أسلوب التقليد الديني، ولا من طريق الضرب في مهامّ الخيالات، فتأدَّوا إلى نتائج، وإن كانت غير ما قرّره علماء الدين الإسلامي، إلاّ أنّها خطوة كبيرة في سبيل إثبات أمر عظيم كان قد أُحيل إلى عالَم الأمور الخرافية (1) .

خلاصة الكلام: إنَّ الإنسان يملك في وجوده جانبَين: هو من أحدهما جسماني ، ومن الآخر روحاني ، فلا غَروَ أن يتَّصل أحياناً بعالَم وراء المادَّة، ويكون هذا الاتّصال مرتبطاً بجانبه الروحي الباطن، وهو اتّصال خفيّ، الأمر الذي يشكّل ظاهرة الوحي.

الوحي ظاهرة روحيَّة قد توجد في آحاد من الناس، يمتازون بخصائص روحيَّة تؤهّلهم للاتّصال بالمَلأ الأعلى، إمّا مكاشفةً في باطن النفس أو قرْعاً على مسامع، يحسّ به الموحى إليه إحساساً مفاجئاً يأتيه من خارج وجوده، وليس منبعثاً من داخل الضمير، ومن ثمَّ لا يكون الوحي ظاهرة فكرية تقوم بها نفوس العباقرة - كما يزعمه ناكروا الوحي - كلاّ، بل إلقاء روحانّي صادر من محلٍّ أرفع إلى مهبطٍ صالحٍ أمين.

قال تعالى: ( أَكَانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النّاسَ ) (2) .

نعم، شيء واحد لا نستطيع إدراكه، وإن كنّا نعتبره واقعاً حقّاً، ونؤمن به إيماناً

____________________

(1) دائرة معارف القرن العشرين لمحمّد فريد وجدي: ج10، ص713.

(2) يونس: 2.

١٧

صادقاً، وهو: كيف يقع هذا الاتّصال الروحي؟ هذا شيء يخفى علينا إذا كنّا نحاول إدراكه بأحاسيسنا المادّية، أو نريد التعبير عنه بمقاييسنا اللفظية الكلامية، إنَّها ألفاظ وُضِعت لمفاهيم لا تعدو الحسّ أو لا تكاد، وكلّ ما باستطاعتنا إنَّما هو التعبير عنه على نحو التشبيه والاستعارة، أو المجاز والكناية لا أكثر، فهو ممّا يُدرك ولا يوصف.

فالوحي ظاهرة روحية يدركها مَن يصلُح لها، ولا يستطيع غيره أن يصِفها وصفاً بالكُنه، ما عدا التعبير عنها بالآثار والعوارض هذا فحسب.

الوحي عند فلاسفة الغرب:

أشرنا فيما سبَق أنّ فلاسفة أوروبا - بعد أن عادوا إلى الاعتراف بوجود شخصيّة باطنة للإنسان تسمّى بالروح، وعلموا أنَّها هي التي كوَّنت جسمه في الرحِم، وهي التي تُحرِّك جميع عضلاته وأعضائه التي ليست تحت إرادته: كالكبـد، والقلب، والمعدة، وغيرها، فهو إنسان بها لا بهذه الشخصية العادية - عادوا يعترفون أيضاً بالوحي، الوحي الذي يدَّعيه الأنبياء مِلأ كتبهم النازلة المنسوبة إلى السماء.

ولكن فسَّروه تفسيراً يختلف عمّا قرَّره علماء الدين الإسلامي، على ما سبق تعريفه بأنَّه: إلقاء من خارج الوجود إمّا قذفاً في قلْب، أو قرعاً في سمْع.

قالوا: الوحي عبارة عن إلهامات روحية تنبعث من داخل الوجود، أي الروح الواعية هي التي تعطينا تلكم الإلهامات الطيّبة الفُجائية في ظروفٍ حرِجة، وهي التي تنفُث في رَوع الأنبياء ما يعتبرونه وحياً من الله، وقد تظهر نفس تلك الروح المتقبّعة وراء جسمهم، متجسّدة خارجاً، فيحسبونها من ملائكة الله هبطت عليهم من السماء، وما هي إلاّ تجلّي شخصيّتهم الباطنة، فتُعلّمهم ما لم يكونوا يعلمونه من قبْل، وتهديهم إلى خير الطُرق؛ لهداية أنفسهم وترقية أمّتهم، وليس بنزول مَلك من السماء ليلقي عليهم كلاماً من عند الله.

هذا ما يراه العلم الأوروبي التجريبي الحديث في مسألة الوحي.

١٨

ودليلهم على ذلك: أنَّ الله أجلّ وأعلى من أن يقابله بشَر أو يتَّصل به مخلوق، وأنَّ الملائكة مهما قيل في روحانيّتهم وتجرّدهم عن المادَّة، فلا يعقل أنَّهم يقابلون الله أو يستمعون إلى كلامه؛ لأنَّ هذا كلَّه يقتضي تحيّزاً في جانبه تعالى، ويستدعي عدم التنزيه المطلق اللائق بشأنه جلَّ شأنه؛ ولأنَّ الملائكة مهما ارتقَوا فلا يكونون أعلى من الروح الإنساني التي هي من روح الله نفسه، فمثَلهم ومثَلها سواء.

وبهذه النظرية حاولوا حلّ ما عسى أن يصادفوه في بعض الكتب السماوية، من أنواع المعارف المناقضة للعلم الصحيح طبيعياً وإلهياً، فهم لا يقولون بأنَّ تلك الكتب قد حرِّفت عن أصلها الصحيح النازل من عند الله، ولكنَّهم يقولون بأنَّ الشخصية الباطنة لكلّ رسول إنّما تؤتي صاحبها بالمعلومات على قدَر درجة تجلّيها وعبقريَّتها، وعلى قدر استعداده لقبول آثارها، ومن ثمَّ قد تختلط معارفها العالية بمعارف باطلة آتية من قِبل شخصيَّته العادية، فيقع في الوحي خلْطٌ كثير بين الغثّ والسمين، فترى بجانب الأصول العالية التي لم يعرفها البشر إلى ذلك الحين، أصولاً أخرى عامّية اصطلح عليها الناس إلى ذلك الزمان (1) .

* * *

وبعد، فإذا ما أخضعَتْهم الحقيقة العلمية على طريقة تجريبيَّة قاطعة، بأنَّ وجود الإنسان الحقيقي هو شخصيَّته الثانية القابعة وراء هذا الجسد، وأنَّه يبقى خالداً بعد فناء الجسد، فما عساهم امتنعوا من الاعتراف بحقيقة الوحي كما هي عند المسلمين!؟ لا شكَّ أنّ ما وصلوا إليه خطوة كبيرة نحو الواقعية، لا نزال نقدِّرها تقديراً علمياً، لكنَّها بلا موجب توقَّفت أثناء المسير ودون أن تنتهي إلى الشوط الأخير.

إنَّ منار العلم وضوء الحقيقة قد هَدَياهم إلى الدرب اللائح، وكادوا يلمسون

____________________

(1) راجع دائرة معارف القرن العشرين: ج10، ص715 فيما نقله عن العلاّمة (ميرس - Myers ) من كتابه (الشخصية الإنسانية)، ص77 فما بعد.

١٩

الحقيقة مكشوفة بعيان، فوجدوا وراء هذا العالم عالَماً آخر مليئاً بالعقول، ووجدوا من واقع الإنسان شخصيةً أخرى وراء شخصيَّته الظاهرة، فهاتان مقدّمتان أذعنوا لهما، وقد أشرفتا بهم على الاستنتاج الصحيح، وصاروا منه قاب قوسين أو أدنى، لكنَّهم بلا موجب توقّفوا، وأنكروا حقيقة كانوا على وَشَك لمْسها.

فعلى ضوء هاتين المقدَّمتين، لا مبرّر لعدم فهْم حقيقة اتّصال روحيّ خفيّ يتحقَّق بين مَلأ أعلى وجانب روحانيّة هذا الإنسان، فيتلقّى بروحه إفاضات تأتيه من ملَكوت السماء، وإشراقات نورية تشعّ على نفسه من عالَم وراء هذا العالم المادّي، وليس اتّصالاً أو تقارباً مكانيّاً؛ لكي يستلزم تحيّزاً في جانبه تعالى. وأظنّهم قاسُوا من أمور ذاك العالم غير المادّي بمقاييس تخصّ العالم المادّي، مع العلم أنّ الألفاظ هي التي تكون قاصرة عن أداء الواقع، وأنَّ التعبير بنزول الوحي أو المَلَك تعبير مجازي، وليس سوى إشراق وإفاضة قدسية ملَكوتية يجدها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حاضرة نفسه، مُلقاة عليه من خارج روحه الكريمة، وليست منبعثة من داخل كيانه هو.

هذا هو حقيقة الوحي الذي نعترف به، من غير أن يقتضي تحيّزاً في ذاته تعالى.

أمّا التعليل الذي يعلّلون به ظاهرة الوحي، فهو في واقعِه إنكار للوحي وتكذيب ملتوٍ للأنبياء بصورة عامّة، كما هم فسَّروا معجزة إبراء الأكمَه والأبرص بظاهرة الهبنو توزم (المغناطيسية الحيوانية)، فجعلوا من المسيح (عليه السلام) إنساناً مشعوذاً - حاشاه - يَستغلّ من عقول البسطاء مجالاً متّسعاً لترويج دعوته، بأساليب خدّاعة ينسبها إلى البارئ تعالى!.

ونحن نقدّس ساحة الأنبياء من أيّ مراوغة أو احتيال مسلَكي، وحاشاهم من ذلك، وما هي إلاّ واقعية بنَوا عليها دعوتهم الإصلاحية العامّة، واقعية يعترف بها العلم سواء في مراحله القديمة أو الجديدة الحاضرة، إذاً لا مبرّر لتأويل ما جاء في كتب الأنبياء من ظاهرة الوحي، اتّصالاً حقيقيّاً بمبدءٍ أعلى.

٢٠