راجعاً إلى بيت خديجة، ولم يكن عِرفانه الذاتي الذي كان يتعمَّقه مدَّة اختلائه بِحراء، كلّ ذلك لم يستوجب استيقانه بالأمـر، ليستيقن من طَمْأنة امرأة أو رجل متنصّر؟! إنّ هذا إلاّ إزراء فظيع بمقام رسالة الله، إن لم يكن مسّاً شنيعاً بكرامة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المنيعة.
ثالثاً:
اختلاف سرد القصَّة، بما لا يلتئم مع بعضها البعض؛ لَدليلٌ على كِذبها رأساً.
ففي رواية: (انطلقت خديجة لوَحدها إلى ورَقة، فأخبرته بما جرى).
وفي أخرى: (انطلقت بي إلى ورقة وقالت: اسمع من ابن أخيك، فسألني فأخبرته، فقال: هذا الناموس الذي أُنزل على موسى).
وفي ثالثة: (لقيَه ورَقة بن نوفل وهو يطوف بالبيت، فقال: يا بن أخي، أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنَّك لنبيُّ هذه الأمّة، ولئن أدركتُ ذلك لأنصرنَّ الله نصراً يعلمه).
وفي رابعة: (عن ابن عبّاس، عن ورَقة بن نوفل قال: قلت: يا محمّد، أخبرني عن هذا الذي يأتيك - يعني جبرائيل (عليه السلام) -؟ فقال: يأتيني من السماء، جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر)
، وهذا ليس في روايات خديجة مع ورَقة، على ما جاءت في الصحاح المتقدّمة.
وفي خامسة: (إنَّ أبا بكر دخل على خديجة، فقالت: انطلق بمحمَّد إلى ورَقة، فانطلقنا، فقصّا عليه...)
.
ثمَّ لو صحَّت القصَّة، فلماذا لم يؤمن به ورَقة حينذاك وقد علم أنَّه نبيّ مبعوث؟! فقد صحَّ أنَّه مات كافراً لم يؤمن بـه، وقضيَّة رؤيا النبي (صلّى الله عليه وآله): (كان ورَقة في ثياب بيض) أيضاً مكذوبة وسنَدها مقطوع، وإلاّ لسُجِّل اسمه فيمن آمن به، قال ابن عساكر: لا أعرف أحداً قال إنَّه أسلَم
.
هذا، وقد عاش ورقة إلى زمن بعد البعثة، فقد روي أنَّه مرَّ ببلال وهو يُعذَّب
.