تلخيص التمهيد الجزء ١

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 459

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 459
المشاهدات: 76951
تحميل: 10475


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76951 / تحميل: 10475
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكان نزولها يوم النصّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بغدير خمّ (1) .

أقول: لا شكّ أنّ سورة النصر نزلت قبل براءة؛ لأنّها كانت بشارة بالفتح، أو بمكَّة عام الفتح (2) ، وبراءة نزلت بعد الفتح بسنة.

فطريق الجمْع بين هذه الروايات: أنَّ آخِر سورة نزلت كاملة هي سورة النصر، فقال (صلّى الله عليه وآله): (أمَا إنَّ نفسي نُعيَت إليَّ) (3) ، وآخِر سورة نزلت باعتبار مفتتحها هي سورة براءة.

وأمّا آية: ( وَاتّقُوْا يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ) فإن صحَّ أنّها نزلت بمِنى يوم النحْر في حجَّة الوداع، كما جاء في رواية الماوردي (4) ، فآخِر آية نزلت هي: آية الإكمال ، كما ذكرها اليعقوبي؛ لأنَّها نزلت في مرجعه (صلّى الله عليه وآله) من حجَّة الوداع ثامن عشر ذي الحجّة، وإلاّ فلو صحَّ أنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله) عاش بعد آية ( وَاتّقُوْا.. ) أحداً وعشرين يوماً، أو سبعة، أو تسعة أيام، فهذه هي آخر آية نزلت عليه (صلّى الله عليه وآله).

والأرجح عندنا: هو ما ذهب إليه اليعقوبي؛ نظراً لأنَّها آية الإعلام بكمال الدِين، فكان إنذاراً بانتهاء الوحي عليه (صلّى الله عليه وآله) بالبلاغ والأداء، فلعلَّ تلك الآية كانت آخِر آيات الأحكام، وهذه آخر آيات الوحي إطلاقاً.

وهناك أقوال وآراء أُخر لا قيمة لها، إنَّها غير مستندة إلى نصّ معصوم.

قال القاضي أبو بكر - في الانتصار -: وهذه الأقوال ليس في شيء منها ما رُفع إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويجوز أن يكون قاله قائلُه بضربٍ من الاجتهاد وتغليب الظنّ، وليس العلم بذلك من فرائض الدين؛ حتَّى يلزم ما طعن به الطاعنون من عدم الضبط، ويُحتمل أنَّ كُلاًّ منهم أخبر عن آخِر ما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وغيره سمِع منه بعد ذلك.

ويحتمل أيضاً أن تنزل الآية التي هي آخِر آية تلاها الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع آيات نزلت معها، فيؤمَر برسم ما نزل معها، وتلاوتها عليهم بعد

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي: ج2، ص35.

(2) أسباب النزول بهامش الجلالين: ج2، ص145.

(3) مجمع البيان: ج2، ص394.

(4) البرهان للزركشي: ج1، ص187.

٨١

رسم ما نزل آخراً وتلاوته، فيظنّ سامع ذلك أنَّه آخِر ما نزل في الترتيب (1) .

المكّي والمدَني:

لمعرفة المكّي من المدَني - سواء أكانت سورة أمْ آية - فائدة كبيرة تمسّ جوانب أسباب النزول، وتمدّ المفسِّر والفقيه في تعيين اتّجاه الآية، وفي مجال معرفة الناسخ من المنسوخ، والخاصّ من العامّ، والقيد من الإطلاق، وما أشبه، ومن ثمَّ حاول العلماء جهدهم في تعيين المكّيات من المدَنيات، ووقع إجماعهم على قِسم كبير، واختلفوا في البقية، كما استثنوا آيات مدَنية في سوَر مكّية أو بالعكس، ولذلك تفصيلٌ ذكرناه في تفصيل التمهيد.

واليك بعض فوائد معرفة المكّي عن المدنيّ.

فوائد معرفة المكّي عن المدَني:

لمعرفة السوَر المكّية عن المدنية فوائد جمّة نشير إلى بعضها:

أوّلاً: الجهة التاريخية لنزول الآيات، ووجه الخطاب فيها، والبيئة التي أحاطت نزولها في كلّ حين، هي غاية تاريخية يبتغيها روّاد العلم والمعرفة في جميع القضايا التاريخية، ولاسيّما المهمّة منها، ومن أهمّها: قضية نزول السوَر وآيات القرآن، وتترتّب على معرفة الحوادث زمنياً فوائد متصاعدة يعرفها أهل العلم بالتاريخ.

ثانياً: تأثيره في فهْم محتوى الآيات، ولاسيّما في مجالات الفقاهة والاستنباط، فربّما كان ظاهر الآية في شيء ويترتّب عليه حكم شرعي، لولا إرادة خلاف هذا الظاهر البدائي بعد التعمّق في محتوى الآية، ولاسيّما تاريخ نزولها.

____________________

(1) البرهان للزركشي: ج1، ص210.

٨٢

مثلاً: كانت مسألة تكليف الكفّار بالفروع، ممّا أثار البحث والجدل العريض بين الفقهاء، فمِن مُثبِتٍ وآخَر نافٍ، والمُثبِت ربّما استدلّ بظاهر قوله تعالى: ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) (1)، فإنّها عتاب للمشرِك حيث لا يؤدّي زكاة مالِه، ولا عتاب إلاّ بعد تكليف.

لكنّ الشيء المغفول عنه هنا هو: أنَّ الآية في سورة مكّية ولم يستثنِها أحد، والزكاة لم تكن مفروضة على المسلمين آنذاك فكيف بالمشركين؟!.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أترى أنّ الله عزّ وجلّ طلبَ من المشركين زكاة أموالهم وهُم يشركون به، حيث يقول: ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) ؟! فقال: إنّما دعا الله تعالى العباد إلى الإيمان به، فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترضَ عليهم الفرائض) .

قال المحقّق الفيض الكاشاني: هذا الحديث - وهو صحيح الإسناد - يدلّ على ما هو التحقيق من أنّ الكفّار غير مكلّفين بالأحكام الشرعيّة ماداموا على الكفر (2) .

ومن ثُمّ فقد أُوِّلت الآية تأويلات: (منها) : ما عن ابن عبّاس أنّها زكاة النفس، أي: لا يُطهّرون أنفسهم من دَرن الشِرك. (ومنها) : أنّ المقصود بالزكاة مطلق الصدقات والقُربات لوجه الله، حيث الكافر بالله لا يستطيع - وهو على كفره - أن يتصدّق بقُرْبة. (ومنها): أنّ المراد حرمان أنفسهم من تكاليف الشريعة التي هي بمجموعتها تطهير للنفوس؛ وذلك بسبب بقائهم على الكُفر والجحود.

ثالثاً: فائدة كلامية، ولاسيّما في بحث الإمامة والاستنادات الواقعة كثيراً في كثير من الآيات، وهي موقوفة في الأغلب على معرفة المكيّ عن المدنيّ.

مثلاً: سورة الدهر فيها الآيات بشأن فضيلةٍ من أكبر فضائل أهل بيت النبوّة، قضية النَذْر لشفاء الحسنَين (عليهما السلام) .

ذكر الطبرسي: أنّ الحسن والحسين (عليهما السلام) مرِضا، فعادهما جدُّهما (صلّى الله عليه وآله) في

____________________

(1) فصّلت: 6 - 7.

(2) تفسير الصافي: ج2، ص494.

٨٣

نفر من وجوه العرب، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذَرت على ولَديك نذْراً، فنذَر صوم ثلاثة أيّام، ونذرَت فاطمة كذلك.. فبرِئا، فأخذ عليّ (عليه السلام) أصْوعاً من الشعير وجاء بها إلى فاطمة؛ لتهيّئها خبزاً لإفطارهم.. فلمّا كان مساء اليوم الأول أتاهم مسكين يسألهم طعاماً فأعطوه الخبز، وكذلك في اليوم الثاني أتاهم يتيم، وفي الثالث أسير، فلمّا كان اليوم الرابع وقضوا نذورهم أتوا النبي (صلّى الله عليه وآله) وبهم ضعف، فلمّا رآهم النبي على تلك الحالة رقّ لهم قلْبه، ونزل جبرئيل حينذاك بسورة هل أتى (1) .

وذكر الطبرسي روايات أُخَر بمختلف الطُرق والمضامين، كلّها تشير إلى سبب نزول السورة بشأن أهل البيت (عليهم السلام)، وهكذا الحاكم الحسكاني، وغيرهما من الأعلام.

كما جاء الطبرسي هنا - بصدد إثبات كون السورة مدَنية - بروايات الترتيب عن أُمّهات المصادر الأُولى المعتمدة، بحيث ينفى كلّ رَيب في الموضوع، وقد صرّح مجاهد، وقتادة، وغيرهما من أعلام المفسّرين بكون السورة مدنيّة.. (2) .

نعم، كان مثل عبد الله بن الزبير - ممّن يحمل العداء لآل بيت الرسول - يَعتبر السورة مكّية (3) . وهكذا سيّد قطب؛ نظراً لِلَحْن السورة وسياقها حسب نظره (4) .

رابعاً: في كثير من المباحث القرآنية نرى تمام الاستدلال موقوفاً على معرفة السورة مكّيةً أمْ مدنيّة، ويكون ذلك حلاًّ فاصلاً في البحث.

من ذلك مسألة نسْخ القرآن بالقرآن، وقد أفرَط فيها جماعات، فأنهَوا الآيات المنسوخة إلى أكثر من مئتي آية منسوخة في القرآن، وهذا إفراطٌ مبالَغ فيه.

وفي تجاه هؤلاء مَن كاد ينكر أصل النسْخ في القرآن؛ نظراً للتهافت البائن

____________________

(1) مجمع البيان: ج10، ص404 - 405 / شواهد التنزيل: ص299 - 315 / وراجع التمهيد: ج1، ص154 - 155.

(2) مجمع البيان: ج10، ص404 - 405 / شواهد التنزيل: ص299 - 315 / وراجع التمهيد: ج1، ص154 - 155.

(3) الدرّ المنثور: ج6، ص297.

(4) في ظلال القرآن: ج29، ص215.

٨٤

بين الناسخ والمنسوخ، المتنافي مع قوله تعالى: ( أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (1) .

أمّا السائرون في الوسط، فيرَون النسْخ قليلاً في القرآن في بِضع آيات، ذكرناها في الجزء الثاني من التمهيد.

ومن الآيات التي زعمها الإفراطيون منسوخة: آية الاستمتاع (2) ، زعموها منسوخة بآية حِفظ الفَرْج دون الأزواج والإماء.

قال محمّد بن إدريس الشافعي: إنّ آية الاستمتاع نَسَخَتها آية حِفظ الفروج (3) .

ولكن يقال: إنّ المتمتَع بها زوجة، ولكنّها منقطعة في مقابلة الزوجة الدائمة، فهي زوجة وإن اختلفت في بعض أحكامها.

وأيضاً، قد غفل القائل بكون الناسخ آية الحِفْظ، فإنّها مكّية، ولم يقل أحد باستثناء هذه الآية، في حين أنّ آية الاستمتاع مدنيّة، فكيف يتقدّم الناسخ على المنسوخ بأعوام؟! (4) .

والمِلاك في تعيين المكّي والمدَني مختلِف حسب اختلاف الآراء والأنظار في ذلك، وفيما يلي ثلاث نظريات جاءت مشهورة:

الأوَّل: اعتبار ذلك بهجرة النبي (صلّى الله عليه وآله) ووصوله إلى المدينة المنوَّرة، فما نزلَ قبل الهجرة أو في أثناء الطريق قبل وصوله إلى المدينة، فهو مكّي، وما نزل بعد ذلك فهو مدَني.

____________________

(1) النساء: 82.

(2) قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ ) (النساء: 24).

(3) قال سبحانه: ( وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاّ عَلَى‏ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى‏ وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) (المؤمنون: 5 - 7)، راجع التمهيد: ج2، ص335.

(4) راجع التمهيد: ج1، ص198 - 199، رقم 15.

٨٥

والمِلاك على هذا الاعتبار ملاكٌ زمَني، فما نزل قبل وقت الهجرة ولو في غير مكَّة فهو مكّي، وما نزل بعد الهجرة ولو في غير المدينة - حتّى ولو نزل في مكَّة عام الفتح، أو في حجَّة الوداع - فهو مدَني باعتبار نزوله بعد الهجرة، وعلى هذا الاصطلاح؛ فجميع الآيات النازلة في الحروب وفي أسفاره (صلّى الله عليه وآله) - بما أنَّها نزلت بعد الهجرة - كلُّها مدَنيات.

قال يحيى بن سلام: ما نزل بمكَّة أو في طريق المدينة قبل أن يبلغ (صلّى الله عليه وآله) فهو مكّي، وما نزل بعدما قدِم (صلّى الله عليه وآله) المدينة، أو في بعض أسفاره وحروبه فهو مدَني.

قال جلال الدين: وهذا أثر لطيف يؤخَذ منه أنّ ما نزل في سفَر الهجرة مكّي اصطلاحاً (1) .

وذلك كقوله تعالى: ( إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادّكَ إِلَى‏ مَعَادٍ ) (2) قيل: نزلت بالجحفة والنبي (صلّى الله عليه وآله) في طريق هجرته إلى المدينة (3) .

الثاني: ما نزل بمكّة وحوالَيها ولو بعد الهجرة فهو مكّي، وما نزل بالمدينة وحواليها فهو مدَني، وما نزل خارج البلدَين بعيداً عنهما فهو لا مكّي ولا مدَني، كقوله تعالى: ( كَذلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لّتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبّي لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ) (4) قيل: نزلت بالحديبية حينما صالح النبي (صلّى الله عليه وآله) مشركي قريش، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم)، فقال سهيل بن عمرو وسائر المشركين: ما نعرف الرحمان إلاّ صاحب اليمامة - يعنون مسيلمة الكذّاب - فنزلت الآية (5) .

وهكذا آية الأنفال (6) نزلت في بدْر عندما اختصم المسلمون في تقسيم الغنائم (7) لا مكّية ولا مدنيّة، على هذا الاصطلاح.

____________________

(1) الإتقان: ج1، ص9.

(2) القصص: 85.

(3) البرهان للزركشي: ج1، ص197.

(4) الرعد: 30.

(5) مجمع البيان: ج6، ص293.

(6) قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ للّهِ‏ِ وَالرّسُولِ... ) (الأنفال: 1).

(7) راجع السيرة لابن هشام: ج2، ص322.

٨٦

الثالث: ما كان خطاباً لأهل مكّة فهو مكّي، وما كان خطاباً لأهل المدينة فهو مدَني، وهذا الاصطلاح مأخوذ من كلام ابن مسعود: كلّ شيء نزل فيه ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) فهو بمكّة، وكلّ شيء نزل فيه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ) فهو بالمدينة (1) . قال الزركشي: لأنَّ الغالب على أهل مكَّة الكُفر، والغالب على أهل المدينة الإيمان (2) .

* * *

وهذا الاختلاف في تحديد المكّي والمدَني، أوجب اختلافاً في كثير من آيات وسوَر أنّها مكّية أمْ مدَنية (3) ، غير أنّ المعتمد من هذه المصطلحات هو الأوّل، وهو المشهور الذي جرى عليه أكثرية أهل العلم (4) ، وكان تحديدنا الآتي في نَظْم السِوَر - حسب ترتيب نزولها - معتمداً على هذا الاصطلاح.

نعم، الطريق إلى معرفة مواقع النزول أنّها كانت بمكّة أو بالمدينة أو بغيرهما قليل جدّاً؛ لأنّ الأوائل لم يُعيروا هذه الناحية المهمّة اهتماماً معتدّاً به، سوى ما ذكروه في عَرَض الكلام استطراداً، وهي استفادة ضئيلة للغاية، ومن ثمّ يجب لمعرفة ذلك ملاحظة شواهد وقرائن من لفظ الآية، أو استفادة من لهجة الكلام خطاباً مع نوعيّة موقف الموجّه إليهم، أكان في حرب أم في سلم، وعْدٌ أمْ وعيد، إرشاد أو تكليف، فيما إذا أوجب ذلك علماً أو حلاًّ قطعياً لمشكلة في لفظ الآية، كما في قوله: ( فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطّوّفَ بِهِمَا ) (5) ، فإنّ مشكلة دلالتها على مطلق الترخيص دون الإلزام والإيجاب، تنحلّ بما أُثر في سبب نزولها (6) ، الأمر الذي يوجب الثقة بصحّة الأثر، مع غضّ النظر عن ملاحظة

____________________

(1) مستدرك الحاكم: ج 3 ص 18.

(2) البرهان للزركشي: ج 1 ص 187.

(3) كما في آية الأمانات من سورة النساء: 58، زعمها النحّاس مكّية لرواية ابن جريح. (راجع مجمع البيان: ج 3 ص 63).

(4) راجع البرهان للزركشي: ج 1 ص 187 / والإتقان: ج1، ص 9.

(5) البقرة: 158.

(6) كان المسلمون يتحرّجون السعي بين الصفا والمروة، زعماً أنّها عادة جاهلية تكريماً بمقام أساف ونائلة، فنزلت الآية دفعاً لهذا الوهْم. (راجع مجمع البيان: ج1، ص240).

٨٧

السنَد، ومن ثمّ فهي مدنيّة.

قال الجعبري: لمعرفة المكّي والمدَني طريقان: سماعي، وقياسي.

فالسماعي: ما وصل إلينا نزوله بأحدهما. والقياسي: قال علقمة، عن ابن مسعود: كلّ سورة فيها (يا أيها الناس) فقط، أو (كلاّ)، أو أوّلها حروف تهجّي سوى الزهراوين: (البقرة، وآل عمران)، والرعد - في وجه -، أو فيها قصّة آدم وإبليس سوى الطولي (البقرة)، أو فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية، فهي مكّية. وكلّ سورة فيها حدّ أو فريضة، فهي مدَنية، وفي رواية: وكلّ سورة فيها (يا أيّها الذين آمنوا) فهي مدنيّة.

قال الزركشي: وهذا القول الأخير إن أُخذ على إطلاقه ففيه نظر؛ فإنّ سورة البقرة مدنية وفيها: ( يَا أَيّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمُ ) (1) ، وفيها: ( يَا أَيّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيّباً ) (2) ، وسورة النساء مدنيّة وفيها: ( يَا أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ ) (3) ، وفيها: ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيّهَا النّاسُ ) (4) فإن أراد المفسّرون أنّ الغالب ذلك، فهو صحيح؛ ولذا قال مكّي بن حموش: هذا إنّما هو في الأكثر وليس بعامّ، وفي كثير في سوَر مكّيّة ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا ) (5) .

وقال القاضي أبو بكر: كانت العادة تقضي بحِفظ الصحابة ذلك، غير أنّه لم يكن من النبي (صلّى الله عليه وآله) في ذلك قول، ولا ورد عنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: ما نزل بمكّة كذا وبالمدينة كذا، وإنّما لم يفعله؛ لأنّه لم يؤمَر به، ولم يجعل الله عِلم ذلك من فرائض

____________________

(1) البقرة: 21.

(2) البقرة: 168.

(3) النساء: 1.

(4) النساء: 133.

(5) لم نجد في سورة مكّية ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا ) نعم، فيها كثير ذِكر (الذين آمنوا) بلا خطاب، كما في سورة: ص، والزمر، وغافر، وفصّلت وغيرها.

نعم، ذكر الزركشي مثالاً لذلك قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) سورة الحجّ: 77، فزعمها مكّية، لكنّ الصحيح أنّها مدَنية.

٨٨

الأمّة.

وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم - لمّا لم يعتبروا ذلك من فرائض الدِين - لم تتوفّر الدواعي على إخبارهم به، ومواصلة ذلك على أسماعهم، وإذا كان الأمر على ذلك ساغ أن يختلف مَن جاء بعدهم في بعض القرآن: هل هو مكّي أو مدَني؟ وأن يعملوا في القول بذلك ضرْباً من الرأي والاجتهاد... (1) .

ترتيب النزول:

اعتمدنا في هذا العَرْض على عدّة روايات متّفق عليها، وثقَ بها العلماء أكثرياً، وعَمدتها رواية ابن عبّاس بطُرق وأسانيد اعترف بها أئمّة الفنّ (2) .

قال الإمام بدر الدين الزركشي: وعلى هذا الترتيب استقرّت الرواية من الثقات (3).

وقد أخذناها الأصل الأوّل في هذا العرْض، وأكملنا ما سقط منها على رواية جابر بن زيد وغيره، وكذا نصوص تاريخية معتمدة (4) ، نعم، كان بينها بعض الاختلاف إمّا للاختلاف في تحديد المكّي والمدَني، أو في عدد المكّيات من المدَنيات، ومن ثَمّ جاء اختلافهم في نيّف وثلاثين سورة أنّها مكّيات أمْ مدَنيات.

والنظر في هذا العرض كان إلى مفتتح السوَر، فالسورة إذا نزلت من أوّلها بضْع آيات، ثمّ نزلت أخرى، وبعدها اكتملت الأُولى، كانت الأُولى متقدّمة على الثانية في ترتيب النزول، حسب هذا المصطلح.

وإليك قائمة السوَر المكّية، وعددها: ستّ وثمانون سورة ، متقدّمة على السوَر المدنيّة، وعددها: ثمان وعشرون سورة ، مع غضّ النظر عن سوَر مختلَفٌ فيها.

____________________

(1) راجع البرهان للزركشي: ج1 ص 190 - 192.

(2) راجع مجمع البيان للعلاّمة الطبرسي: ج10، ص 405 و 406 / والإتقان لجلال الدين السيوطي: ج1 ص10 و 11 و 25.

(3) البرهان للزركشي: ج1 ص 193 - 194.(4) راجع الفهرست لابن النديم: ص 28 / وتاريخ اليعقوبي: ج2، ص 28.

٨٩

السور المكّية (86)

٩٠

٩١

٩٢

آيات مُستَثْنيات:

تعرّض الأوائل لاستثناء آيات من سوَر تُخالفها في النزول، فربّ سورة مكّية فيها آيات مدَنية أو بالعكس، واستقصى ذلك جلال الدين السيوطي في (الإتقان) مستوعباً، غير أنّه اعتمد في الأكثر على روايات ونقول ضعيفة، ثمّ جاء المتأخّرون ليأخذوا بذلك تقليداً من غير تحقيق (1) ، في حين أنّ غالبية القائلين بهذه الاستثناءات قالوا بها عن حدَس أو اجتهادٍ في الرأي، من غير أن يستندوا إلى نصٍّ صحيح مأثور.

قال ابن الحصار: إنّ من الناس مَن اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل (2) .

ونحن إذ نستطرق هذا الباب، نضرب عن كلّ ما قالوه بهذا الشأن صفحاً إذا لم

____________________

(1) جاءت في المصحف الأميريّ - المطبوع بالقاهرة بإذن مشيخة الأزهر، وبإشراف لجنة مراقبة البحوث الإسلامية - استثناءات بأرقام كبيرة، لكنّه تقليد محض لا أصل لأكثريتها الساحقة، وهكذا سجّلها من غير تحقيق الشيخ أبو عبد الله الزنجاني في تاريخ قرآنه.

أضف إلى ذلك تناقضات جاءت في هكذا اختيارات تقليدية.

مثلاً: جاء في المصحف الأميريّ: أنّ سورة ألم تنزيل (السجدة) نزلت بعد سورة المؤمن، وأنّ سورة حم تنزيل (فصّلت) نزلت بعد سورة غافر، في حين أنّ المؤمن وغافر اسمان لسورة واحدة! وأثبت أبو عبد الله في تاريخ قرآنه قائمتين بشأن ترتيب نزول السورة، فذكر في القائمة الأُولى: أنّ سورة الأنعام نزلت بعد الحِجر، وفي الثانية أنّها نزلت بعد الكهف! كما ذكر في الأُولى أنّ الأعراف نزلت بعد ص، وفي الثانية نزلت بعد الأنفال! وذكر أنّ السوَر المكّيّة: 85، والسوَر المدنية: 28، ولم يلتفت أنّها تنقص مجموع سوَر القرآن بواحدة! وأظنّه في ذلك قلّد الإمام بدر الدين الزركشي!!.

كما جاء في مصحف مطبوع على عهد القاجارية قائمتان: الأُولى تُسجّل عام نزول كلّ سورة، والثانية تُسجّل ترتيب النزول، فجاء في الأُولى: نزلت الصافّات في العام الخامس من البعثة، ونزلت الأنعام في العام الثالث عشر، ثمّ جاء في القائمة الثانية: أنّ الصافات نزلت بعد الأنعام!! وأمثال هذا التناقض كثير.

(2) الإتقان: ج1 ص 14.

٩٣

يكن مستنداً إلى دليل مقبول، إذ لا شكّ أنّ الآيات كانت تُسجّل تِباعاً في كلّ سورة بعد نزول بسمَلتِها - واحدة تلو الأخرى - ترتيباً طبيعياً حسب النزول، أمّا أن تبقى آية مكّية غير مسجّلة في سورة حتّى تنزل سورة بالمدينة ثمّ تسجّل فيها، فهذا أمر غريب خارج عن طريقة الثبْت المعروف، كما أنّ آية مدنية تسجّل في سورة مكّية بحاجة إلى نصّ صريح خاصّ، وليس بالأمر الذي يتدخّل فيه الحدَس أو الاجتهاد النظري!.

قال ابن حجَر: وأمّا نزول شيء من سورة بمكّة، ثمّ يتأخّر نزول أصل السورة إلى المدينة، فلم أرَه إلاّ نادراً، فقد اتّفقوا على أنّ الأنفال مدَنية، لكن قيل: إنّ قوله تعالى: ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا ) (1) نزلت بمكّة، ثمّ نزلت سورة الأنفال بالمدينة، وهذا غريب جدّاً (2) .

وقد استوفينا الكلام عن ذلك، وأبدَينا رأينا في إنكار مزعومة الاستثناء رأساً؛ حيث لا دليل عليه البتّة، وإليك نماذج منها:

* مثلاً قالوا - في سورة البقرة المدَنية - في قوله تعالى: ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى‏ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ ) (3) : إنّها نزلت بمكّة بشأن المشركين أيام كان المسلمون ضعفاء، لكن صدر الآية: ( وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ... ) شاهد نزولها بشأن أهل الكتاب في أوائل الهجرة، حيث لم تقوَ شوكة المسلمين آنذاك، ثمّ نُسخت بقوله تعالى: ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ - إلى قوله - مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (4) (5) .

* وهكذا قالوا في قوله تعالى: ( وَاتّقُوْا يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ... ) (6) : هي

____________________

(1) الأنفال: 30.

(2) فتح الباري بشرح البخاري: ج 9 ص 38.

(3) البقرة: 109.

(4) التوبة: 29.

(5) راجع مجمع البيان: ج 1 ص 184 - 185 / والدرّ المنثور: ج1، ص 107.

(6) البقرة: 281.

٩٤

آخِر آية نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو بمِنى في حجّة الوداع (1) .

غير أنّ هذا القول مبتنٍ على كون المكان معياراً للوصف بالمكّية والمدَنية، وقد أسبقنا أنّ المعيار هو زمان الهجرة، فما نزلت بعدها فهي مدَنية وإن نزلت بمكّة أو غيرها.

* كما أنّ زَعْم بعضهم: أنّ الآية: ( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدّوا الأَمَانَاتِ إِلَى‏ أَهْلِهَا ) (2) نزلت بمكّة بعد الفتح، فهي مكّية في سورة مدَنية (3) ، أيضاً مردود بعد كون المعيار زمان الهجرة.

* وقوله تعالى: ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ ) (4) .

جاء في المجمع: أنّها مكّية ولم يذكر السبب (5) . غير أنّ لهجة الآية ومحتواها شاهِدَتا صدقٍ على كونها نزلت بالمدينة؛ لأنّها من آيات الأحكام بشأن المواريث.

* وقوله تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (6) .

زعم أبو عبد الله الزنجاني أنّها نزلت بعَرَفات في حجّة الوداع (7) .

لكنّ أبا عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (نزلت الآية بعد أن نصّب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) عَلماً للأمّة يوم غدير خمّ، مُنصرَفهُ عن حجّة الوداع) (8) .

وهكذا سجّلها ابن واضح اليعقوبي في تاريخه، قال: وكان نزولها يوم النصّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بغدير خمّ، قال: وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة (9)، وقد ذكرها الحافظ الحسكاني بعدّة طُرق (10) .

____________________

(1) الدرّ المنثور: ج1 ص 370.

(2) النساء: 58.

(3) مجمع البيان: ج3 ص 63.

(4) النساء: 176.

(5) مجمع البيان: ج3 ص 149.

(6) المائدة: 3.

(7) تاريخ القرآن للزنجاني: ص 27.

(8) راجع تفسير التبيان للشيخ الطوسي: ج 3 ص 435.

(9) تاريخ اليعقوبي: ج2 ص 35.

(10) شواهد التنزيل: ج1 ص 156 - 160.

٩٥

على أنّ النزول بعرَفات كان بعد الهجرة، فهي مدَنية أيضاً في المصطلح كما عرفت.

* وقوله تعالى: ( مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى‏ - إلى قوله -: ... إِنّ إِبْرَاهِيمَ لأَوّاهٌ حَلِيمٌ ) (1) .

قالوا: نزلت بشأن أبي طالب (عليه السلام) عندما حضرته الوفاة، دخل عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعنده بعض أشراف قريش، فقال النبي: أي عمّ، قل: لا إله إلاّ الله، أُحاجّ لك بها عند الله، فقال بعض الحضور: أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ قالوا: فأبى أبو طالب أن يذكر الشهادة، فقال النبي عند ذلك: لأستغفرنّ لك. فنزلت الآية... فهي مكّية مستثناة من سورة مدَنية (2) .

كما قالوا: إنّها نزلت بشأن والدَي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أراد أن يستغفر لأبيه، وهكذا استجاز ربّه في زيارة قبر أمّه فأجازه، ثمّ بدا لله في ذلك، فأنزل الله الآية، فما رُئيَ رسول الله أكثر باكياً من يومه ذاك (3) .

أقول: قاتل الله العصبية، عصبية الجاهلية الأُولى، لم تزَلْ متمكّنة في قلوب أذناب قريش ومواليهم حتّى اليوم.

وقد ثبتَ في الصحيح: أنّ أبا طالب مات مسلماً (4) ، كما أنّ قوله تعالى: ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ ) (5) تصريح بطهارة آباء رسول الله وأمّهاته، ففي حديث ابن عبّاس: (لم يزَل الله ينقلُني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة مصفّىً مهذّباً) (6) .

وهو المروي - صحيحاً - عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) قالا: (في أصلاب النبيّين نبيّ بعد نبيّ حتّى أخرجه من صُلب أبيه، من نكاح غير سفاح من

____________________

(1) التوبة: 113 و 114.

(2) راجع الدرّ المنثور: ج 3 ص 282 / وصحيح البخاري: ج 2 ص 119، وج 6 ص 87.

(3) جامع البيان للطبري: ج 11 ص 31.

(4) راجع التمهيد: ج 1 ص 230.

(5) الشعراء: 219.

(6) الدرّ المنثور: ج 3 ص 294.

٩٦

لدُن آدم (عليه السلام)) (1) .

وفي زيارة الوارث لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام): (أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة، لم تُنجّسك الجاهليةُ بأنجاسها، ولم تُلبسك من مُدلهمّات ثيابها...) (2) .

والصحيح في سبب نزول تلك الآية - على ما ذكره أبو علي الطبرسي -: أنّ المسلمين جاؤوا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) يطلبون إليه الاستغفار لموتاهم الذين مضَوا على الكُفر أو النفاق، قالوا: ألا تستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية؟! فنزلت الآية (3) .

راجع التفصيل في التمهيد (4) .

* * *

____________________

(1) راجع الدرّ المنثور: ج 5 ص 98 / ومجمع البيان: ج 7 ص 207.

(2) الزيارة السابعة من الزيارات المطلقة لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

(3) مجمع البيان: ج 5 ص 76.

(4) التمهيد: ج 1 ص 229 - 232.

٩٧

٩٨

3 - معرفةُ أسباب النزول

- قيمة هذه المعرفة وفائدتها.

- الاهتداء إلى معرفة أسباب النزول.

- الفَرْق بين سبب النزول وشأن النزول.

- معنى قولهم: نزلت الآية في كذا.

- الفرْق بين التنزيل والتأويل.

- هل يُشترط في ناقل السبب حضوره المشهد؟

- العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.

- نزلَ القرآن بـ (إيّاك أعني واسمعي يا جارة).

- القرآن يجري كما تجري الشمس والقمر.

- كيف الاهتداء إلى معالم القرآن؟

٩٩

معرفةُ أسباب النزول

وإذ كان القرآن ينزل نجوماً، وفي فترات متفاصلة بعضها عن بعض، ولمناسبات شتّى كانت تستدعي نزول آية أو آيات تعالج شأنها؛ فقد اصطلحوا على تسمية تلكم المناسبات بأسباب النزول أو شأن النزول - على فرْق بينهما - وهو عِلمٌ شريف، وفي نفس الوقت خطير يمسّ التنزيل في صميم معناه، ويهدي المفسّر المسترشد والفقيه المستنبط إلى حيث سواء السبيل.

واستيفاء هذا البحث يقتضي النظر في مسائل: قيمة هذه المعرفة وفائدتها في مجال الفقاهة والتفسير؟ وكيف الاهتداء إلى معرفة أسباب النزول؟ وهل هناك فرْق بين قولهم: سبب النزول، أو شأن النزول؟ والفرْق بين التنزيل والتأويل، وكذا ظَهْر الآية وبطْنها في مصطلح السلَف؟ وما معنى قولهم: نزلت الآية في كذا؟ وهل يجب في الناقل الأوّل للسبب أن يكون حاضر المشهد؟ وأنّ العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد؟ وأنّ القرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة؟ وأنّه يجري كما تجري الشمس والقمر؟ وكيف الاهتداء إلى معالم القرآن؟ وما هي الوسائل المستعملة في هذا السبيل؟ ونحو ذلك من أبحاث عامّة وشاملة.

١٠٠