تلخيص التمهيد الجزء ١

تلخيص التمهيد4%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 459

  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78382 / تحميل: 10940
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقال جلال الدين السيوطي: وأمّا إسقاطه الفاتحة، فقد أخرجه أبو عبيد بسندٍ صحيح (١) ، وكان قد ذكر الرواية قبل ذلك (٢) .

وقال ابن قتيبة: وأمّا إسقاطه الفاتحة من مصحفة، فليس لجهله بأنَّها من القرآن، كيف وهو أشدّ الصحابة عناية بالقرآن، ولم يزل يسمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يؤمّ بها، ويقول: (لا صلاة إلاّ بسورة الحمد، وهي السبع المثاني وأُمُّ الكتاب)، لكنَّه ذهب - فيما يظنّ أهل النظر (المحقّقون) - إلى أنَّ القرآن إنَّما كُتب وجُمع بين اللوحين (الدفّتين)، مخافة الشكّ والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أنَّ ذلك مأمون على سورة الحمد؛ لقصرها، ولأنَّها تُثنّى في كلِّ صلاة، ولوجوب تعلّمها على كلِّ مسلم، فلمّا أمِن عليها العلَّة التي من أجْلها كُتب المصحف، ترك كتابتها وهو يعلم أنَّها من القرآن (٣) .

* * *

(جهة ثالثة): إسقاطه سورَتي المعوَّذتين: (الفلَق والناس)؛ اعتقاداً منه أنَّهما عوذة يُتَعوَّذ بهما لدفع العَين أو السحر، كما ورد أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) تعوَّذ بهما من سحر اليهود، وقال: (ما تعوَّذ معوذٍ بأفضل من ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ) (٤) .

وقد صحَّ الإسناد إلى ابن مسعود أنَّه كان يحكّ المعوَّذتين من المصاحف، ويقول: لا تخلطوا بالقرآن ما ليس منه، إنَّهما ليستا من كتاب الله، إنَّما أمَر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يتعوَّذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما في صلاته (٥) .

هذا، وقد أنكر بعضهم صحَّة هذه النسبة إلى ابن مسعود: كالرازي، وابن حزم

____________________

(١) الإتقان للسيوطي: ج١، ص٨٠.

(٢) نفس المصدر السابق ص٦٥.

(٣) تأويل مشكل القرآن: ص٤٨ الطبعة الثانية.

(٤) الدّر المنثور: ج٦، ص٤١٦.

(٥) فتح الباري لابن حجر: ج٨، ص٥٧١. الدرّ المنثور: ج٦، ص٤١٦.

١٦١

فيما نقَل عنهما ابن حجر وردَّ عليهما بصحّة إسناد الرواية، قال: والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يُقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل (١) .

وأخذ الباقلاني في بيان هذا التأويل، قال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنَّما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنَّه كان يرى أن لا يُكتب في المصحف شيئاً، إلاّ إن كان النبي (صلّى الله عليه وآله) أذِن في كتابته فيه، وكأنَّه لم يبلغه الإذن في ذلك، فهذا تأويل منه وليس جَحداً لكونهما قرآناً....

وقال ابن حجر: وهذا تأويل حسَن، إلاّ أنَّ الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك، حيث جاء فيها: ويقول: أنَّهما ليسَتا من كتاب الله، نعم، يمكن حمْل لفظ (كتاب الله) على المصحف، فيتمشّى التأويل المذكور (٢) .

قلت: هذا التأويل الأخير أيضاً لا يلتئم مع قوله: لا تخلطوا بالقرآن ما ليس منه (٣) .

ملحوظة: قد يزعم البعض أنَّ ما نُسب إلى ابن مسعود يناقض القول بتواتر النصّ القرآني!.

لكن غير خفيّ أنّ ابن مسعود لم ينكر كونهما وَحْياً - بالمعنى العامّ - وإنَّما أنكَر كونهما وحْياً قرآنياً - بسِمة كونهما من كتاب الله -، فالاتّفاق على أنَّ المعوَّذتين وحيٌ من الله حاصل من الجميع، وإنّما الاختلاف جاء في وصفهما الخاصّ: هل هما من كتاب الله (القرآن) أمْ لا؟ وهذا لا يضرّ بعد الاتّفاق المذكور.

* * *

(جهة رابعة): قال صاحب الإقناع: كانت البسملة ثابتة لبراءة في مصحف ابن مسعود، قال: ولا يؤخَذ بهذا (٤).

ويعني بكلامه الأخير: أنَّ ابن مسعود كانت له مخالفات شاذَّة، نبذَها الصحابة

____________________

(١) فتح الباري: ج٨، ص٥٧١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الدرّ المنثور: ج٦، ص٤١٦.

(٤) الإتقان: ج١، ص٦٥.

١٦٢

و التابعون، و لعلَّها كانت اجتهادات شخصية خطَّأه الآخرون عليها، كمذهبه في التطبيق (١).

قال ابن حزم: و التطبيق في الصلاة لا يجوز؛ لأنَّه منسوخ، و كان ابن مسعود يفعله، و كان يضرب الأيدي على ترْكه، و كذلك كان أصحابه يفعلونه.

وفي ذلك قال ابن مسعود - فيما روَينا عنه -: علَّمنا رسول اللّه الصلاة، فكبَّر فلمّا أراد أن يركع طبَّق يديه بين ركبتيه وركع، فبلغ ذلك سعد بن أبي وقّاص، فقال: صدق أخي، قد كنّا نفعل هذا، ثمَّ أُمِرنا بهذا: أي الإمساك بالرُكب (٢) .

قال الإمام الرازي - بشأن مخالفات ابن مسعود -: يجب علينا إحسان الظنّ به، وأن نقول: إنَّه رجع عن هذه المذاهب (٣) .

* * *

(جهة خامسة): اختلاف قراءته مع النصّ المشهور في كثير من الآي، وهذا الاختلاف كان يرجع إلى تبديل كلمة إلى مرادفتها في النصّ، وكان ذلك غالبيّاً؛ لغرض الإيضاح والإفهام.

والمعروف من مذهب ابن مسعود توسيعه في قراءة ألفاظ القرآن، فكان يجوِّز أن تُبدَّل كلمة إلى أُخرى مرادفتها، إذا كانت الثانية أوضح، ولا تُغيِّر شيئاً من المعنى الأصلي.

قال: لقد سمعت القرّاء ووجدت أنَّهم متقاربون، فاقرأوا كما عُلّمتم - أي كيفما علَّمكم القارئ الأستاذ - فهو كقولكم: هلمَّ وتعال (٤) .

____________________

(١) هو: تطبيق بطن الكفَّين إحداهما على الأخرى وجعلهما بين الركبتين حالة الركوع.

(٢) المحلّى: ج٣، ص٢٧٤، المسألة رقم ٣٧٥. وراجع لسان العرب مادة (ط ب ق).

(٣) التفسير الكبير: ج١، ص٢١٣.

(٤) معجم الأدباء لياقوت الحموي: ج ٤، ص١٩٣، رقم ٣٣ في ترجمة أحمد بن محمَّد بن يزداد ابن رستم، طبع دار المأمون، وفي طبعة مرجليوث: ج٢، ص٦٠، رقم ٢٤. وراجع أيضاً النشر في القراءات العشر: ج١، ص٢١. والإتقان: ج١، ص٤٧.

١٦٣

وكان يُعلِّم رجُلاً أعجميّاً القرآن، فقال: ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ ) (١) ، فكان يقول الرجُل: طعام اليتيم، ولم يستطع أن يقول: الأثيم، فقال له ابن مسعود: قل: طعام الفاجر، ثمَّ قال ابن مسعود: إنَّه ليس من الخطأ في القرآن أن يقرأ مكان (العليم) (الحكيم)، بل أن يضع آية الرحمة مكان آية العذاب (٢) .

ومن هذا القبيل ما رواه الطبري: كان ابن مسعود يقول إلياس هو إدريس، فقرأ (وإنّ إدريس لمِن المرسلين)، وقرأ: سلام على إدراسين (٣) .

وذكر ابن قتيبة: أنّ ابن مسعود كان يقرأ: (وتكون الجبال كالصوف المنفوش) (٤) بدل (العِهن المنفوش)؛ لأنّ العِهن هو الصوف، وهذا أوضح وآنَس للأفهام.

* * *

هذا، ومن ثمَّ تعوَّد بعض المفسِّرين القدامى إذا أُشكل عليهم فَهْم كلمة غريبة في النصّ القرآني، أن يراجعوا قراءة ابن مسعود في ذلك، فلابدَّ أنَّه أبدلها بكلمة أخرى مرادفة لها أوضح وأبيَن للمقصود الأصلي.

قال مجاهد: كنّا لا ندري ما الزُخرُف، حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود: أو يكون لك بيت من ذهب (٥) .

وفسَّر الزمخشري اليدَين في قوله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ) (٦) باليمينَين؛ لأنَّ ابن مسعود قرأ: (فاقطعوا أيْمانهما) (٧) .

وذكر الغزالي من آداب البيع: إقامة لسان الميزان، فإنَّ النقصان والرجحان يظهر بمَيلِه، واستشهد بقراءة ابن مسعود: (وأقيمُوا الوزنَ باللِسان ولا تُخسِروا الميزانَ) قال: لأنَّ القِسط - في القراءة المشهورة - إنَّما يقوم بلسان الميزان (٨) .

____________________

(١) الدخان: ٤٣ و ٤٤.

(٢) تفسير الإمام الرازي: ج١، ص٢١٣.

(٣) جامع البيان: ج٢٣، ص٩٦.

(٤) تأويل مشكل القرآن: ص٢٤، راجع الآية ٥ من سورة القارعة.

(٥) تفسير الطبري: ج١٥، ص١٦٣، راجع الآية ٩٣ من سورة الإسراء.

(٦) المائدة: ٣٨.

(٧) الكشّاف: ج١، ص٤٥٩.

(٨) إحياء العلوم: ج٢، ص ٧٧، راجع الآية ٩ من سورة الرحمن.

١٦٤

وفي بعض طبعات (إحياء العلوم) صحَّحوه وفْق النصّ المشهور، ففاتَهم غَرَض استشهاد المؤلّف.

وهكذا قرأ: (إنّي نذرت للرحمن صمتاً فلن أُكلِّم اليوم إنسيّاً) (١) بدل (صوماً)؛ لأنَّ الصوم المنذور كان صوم صمت.

وقرأ: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للَّذين آمنوا أمهلونا نقتبس من نوركم) (٢) بدل (انظرونا)؛ لأنَّ المقصود هو الإمهال.

وقرأ: (إِن كانت إلاّ زقية واحدة) (٣) بدل ( صَيْحَةً وَاحِدَةً ) .

قال العلاّمة الطبرسي: هو من زقى الطير: إذا صاح، وكأنَّ ابن مسعود استعمل هنا صياح الديك تنبيهاً على أنّ البعث - بما فيه من عظيم القدرة واستثارة الموتى من القبور - سهل على الله تعالى كزيقيةٍ زقاها طائر، فهو كقوله تعالى: ( مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) .

* * *

ملحوظة: قد يأخذ البعض من هذا الاختلاف في قراءة النصّ القرآني ذريعة للطعن عليه، كما جاء في كلام المستشرق الألماني العلاّمة جولد تسيهر، في كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي) الذي وضعه لهذا الغرض.

لكنَّها محاولة فاشلة بعد أن علمنا أنَّ الاختلاف كان في مجرَّد القراءة خارج النصّ الثابت في المصحف، فالنصُّ القرآني شيء لم يختلف فيه اثنان، وهو المثبَت في المصحف الشريف منذ العهد الأوَّل الإسلامي حتّى العصر الحاضر، ومن ثمَّ لم يمسّوه حتّى لإصلاح أخطائه الإملائية، تحفّظاً على نصِّ الوحي يبقى بلا تحوير.

نعم، جاءت قضية مراعاة جانب التسهيل على الأمّة من بعض السلَف؛ لتجوز

____________________

(١) تذكرة الحفّاظ: ج١، ص٣٤٠، راجع الآية ٢٦ من سورة مريم.

(٢) الإتقان: ج١، ص٤٧، راجع الآية ١٣ من سورة الحديد.

(٣) سورة يس: ٢٩ و ٥٣.

(٤) مجمع البيان: ج٨، ص٤٢١. والآية ٢٨ من سورة لقمان.

١٦٥

القراءة بأيّ نحوٍ كانت، ما دامت تؤدّي نفس المعنى الأصلي من غير تحريف فيه، الأمر الذي يكون خارج النصّ المثبَت قطعيّاً.

ومن ثمَّ أجاز ابن مسعود أن ينطق ذلك الأعجمي بدل (طعام الأثيم): (طعام الفاجر) (١) ، فاستبدل من النصّ الصعب التلفّظ بالنسبة إليه لفظاً أسهل، لكنَّه لم يُثبته في المصحف كنصٍّ قرآني، ولم يكن ذلك منه تجويز التبديل في نصِّ الوحي، حاشاه!.

وهكذا كان تجويز عائشة لذلك العراقي: وما يضرّك أيَّه قرأتَ (٢) ؟ توسعةً في مقام القراءة فقط، لا توسعة في ثبْت النصّ القرآني الذي هو وحي السماء في المصحف، ولا شكَّ أنَّ مصحفها كان ذا ثبْتٍ واحد قطعاً.

* * *

(جهة سادسة) : ربَّما كان ابن مسعود يزيد في لفظ النصّ زيادات تفسيرية، كانت أشبَه بتعليقات إيضاحية أُدرجت ضمن النصّ الأصلي.

وهذا أيضاً كان مبنيّاً على مذهبه (التوسعة في اللفظ)؛ لغرض الإيضاح، مع التحفّظ على نفس المعنى الأصيل.

وهكذا اعتبر أئمَّة الفنّ هذه الزيادات في قراءة ابن مسعود تفسيرات، ولم يعتبروها نصّاً قرآنيّاً منسوباً إلى ابن مسعود؛ ليكون اختلافاً بين السلَف في نصّ الوحي.

نعم، كانت هذه التوسعة من ابن مسعود محاباة غير مستحسَنة بالنصِّ القرآني، ربَّما كانت تؤدّي بالنصّ الأصلي وتجعله عُرضة للتحريف والتغيير، الأمر الذي كان يتنافى تماماً مع تلك الحيطة والحذر على نصّ القرآن النازل من السماء، وقد تمسَّك بعض الأغبياء بذلك وجعله دليلاً على جواز إدخال ما ليس من القرآن في القرآن، إذا كان الغرض هو التفسير والإيضاح (٣) ، لكنّه تفريع على أصلٍ باطل.

____________________

(١) تقدَّم في صفحة: ١٧٤.

(٢) راجع صحيح البخاري: ج٦، ص٢٢٨.

(٣) راجع الزرقاني على الموطّأ: ج١، ص٢٥٥.

١٦٦

وصفُ مصحف أُبَيّ بن كعب:

كان ترتيب مصحف أُبيّ قريباً من مصحف ابن مسعود، غير أنَّه قدَّم سورة الأنفال وجعلها بعد سورة يونس وقبل سورة براءة، وقدَّم سورة مريم والشعراء والحجّ على سورة يوسف، وهكذا، ممّا سيتبيّن في الجدول الآتي.

وقد اشتمل مصحفه على مئة وخمس عشرة سورة، جعل سورتَي الفيل وقريش سورة واحدة، وزاد سورتَي الخَلْع والحفد، وسنذكرهما.

وكان مصحفه مفتتحاً بسورة الحمد ومختتماً بالمعوَّذتين كمصحفنا اليوم (١) .

(جهة أخرى): اشتمال مصحفه على دعاءَي القنوت، باعتبارهما سورتَين فيما زعم. أمّا الخلْع فهي: (بسم الله الرحمن الرحيم * اللّهمّ إنّا نستعين ونستغفرك ونُثني عليك الخير * ولا نكفرك * ونخلَع ونترك مَن يفجرك). وأمّا الحفْد فهي: (بسم الله الرحمن الرحيم * اللّهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد * وإليك نسعى ونحفد * نخشى عذابك ونرجو رحمتك * إنّ عذابك بالكفّار ملحَق) (٢) .

(جهة ثالثة): كان قد ترك البسملة بين سورتَي الفيل وقريش باعتبارهما سورة واحدة (٣) ، وقد ورد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً أنَّهما سورة واحدة، ولكن مع فصْل البسملة بينهما، فإذا قرأ المصلّي: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ) يجب أن يقرأ: ( لإِيلافِ قُرَيْشٍ ) ، فهما سورة واحدة قراءةً، ولكنّّهما سورتان ثبْتاً، على عكس ما في مصحف أُبيّ.

روى العيّاشي عن أبي العبّاس، عن أحدهما (الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام)) قال: (ألم ترَ كيف فعل ربّك، ولإيلاف قريش، سورة واحدة).

وهكذا رُوينا بشأن سورتي الضحى والانشراح: أنَّهما سورة واحدة (٤).

وقد أفتى بذلك علماؤنا الأعلام.

قال المحقّق الحلّي (قدّس سرّه): روى أصحابنا أنّ

____________________

(١) الإتقان: ج١، ص٦٤ و ٦٥.

(٢) نفس المصدر السابق: ص٦٥.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) راجع وسائل الشيعة: ج٤، ص٧٤٣.

١٦٧

الضحى وألَم نشرح سورة واحدة، وكذا الفيل ولإيلاف، ولا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كلِّ ركعة (١) .

وفي مجمع البيان: روي أنَّ أُبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه (٢) .

(جهة رابعة): كان افتتح سورة الزمَر في مصحفه بـ (حم)، فيكون عدد الحواميم عنده ثمانية. أخرجه ابن أشتة في كتاب المصاحف، قال: ثمَّ الزمَر أوّلها حم (٣) .

(جهة خامسة): اختلاف قراءته مع النصّ المشهور على نحو اختلاف قراءة ابن مسعود، وإليك نماذج من قراءاته الشاذَّّة.

قرأ: ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن (هبَّنا) مِن مَّرْقَدِنَا ) بدل ( مَن بَعَثَنَا ) (٤) .

وقرأ: ( كُلَّمَا أَضَاء لَهُم (مرّوا) فِيهِ ) ، وقرأ - أيضاً - (سعوا فيه) - بدل (مشوا فيه) (٥).

وقرأ: ( فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (متتابعات) فِي الْحَجِّ ) (٦) ؛ نظراً لأنَّه يجب التتابع فيها، فأوضحها بهذه الزيادة!

وقرأ: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ (إلى أجل مسمّى) فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (٧) للتنصيص على أنَّها متعة النكاح.

وقرأ: ( إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا (من نفسي فكيف أُظهركم عليها)) (٨) شرح وتفسير للآية.

وقرأ: ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ (ولو حَميتم كما حَموا لفسدَ المسجد الحرام) فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٩) .

____________________

(١) راجع جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: ج ١٠، ص٢٠.

(٢) مجمع البيان، الطبرسي: ج١٠، ص٥٤٤.

(٣) الإتقان: ج١، ص٦٤.

(٤) يس: ٥٢. مجمع البيان: ج٨، ص٤٢٨.

(٥) البقرة: ٢٠. الإتقان: ج١، ص٤٧.

(٦) البقرة: ١٩٦. الكشّاف: ج١، ص٢٤٢.

(٧) النساء: ٢٤. جامع البيان للطبري: ج٥، ص٩.

(٨) طه: ١٥. تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: ص٢٥ الطبعة الثانية.

(٩) الفتح: ٢٦. عبقات الأنوار: مجلّد حديث مدينة العلم ص ٥١٨ طبعة الهند.

١٦٨

٢ - توحيد المصاحف

- اختلاف المصاحف.

- نماذج من اختلاف العامَّة.

- عثمان يأتمر صحابة الرسول.

- عقد لِجنة توحيد المصاحف.

- موقف الصحابة تجاه المشروع.

- عام تأسيس اللجْنة.

- منجزات المشروع المصاحفي.

- عدد المصاحف العثمانية.

- تعريف عامّ بهذه المصاحف.

١ - الترتيب.

٢ - النُقَط والتشكيل.

٣ - مخالفات في رسم الخطّ.

٤ - اختلاف المصاحف.

- القرآن في أطوار الأناقة والتجويد.

١٦٩

توحيد المصاحف

سبقَ أنَّ الفترة بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) كانت فترة جمْع القرآن، فقد اهتمَّ كبار الصحابة بتأليف سوَر القرآن وجمْع آياته، حسب ما أُوتوا من عِلم وكفاءة، كلٌّ في مصحف يخصّه، وآخرون أعوزتهم الكفاءة فلجأوا إلى غيرهم؛ ليستنسخوا لهم مصاحف أو يجمعوا لهم آيات وسوَراً في صحُف، وهكذا أخذت نُسَخ المصاحف تتزايد، اطّراداً مع اتّساع رقعة الإسلام.

كان المسلمون - وهم في كثرة مطَّردة، ومنتشرون في أطراف البلاد المترامية - قد أحسّوا بحاجتهم القريبة إلى نُسَخ من كتاب الله، حيث كان الدستور السماوي الوحيد الذي كان المسلمون يُنَظِّمون عليه معالم حياتهم العامَّة في جميع جوانبها، فهو مصدرهم في الأحكام والتشريعات والتنظيمات.

وقد أحرز بعض هذه المصاحف في العالم الإسلامي آنذاك مقاماً رفيعاً حسب انتسابه إلى جامِعِه، كمصحف عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل كان مرجع أهل الكوفة، وهو بلد العِلم ومعهد الدراسات الإسلامية العليا، ومصحف أُبَي بن كعب في الأقطار الشامية، ومصحف أبي موسى الأشعري في البصرة، ومصحف المقداد بن الأسود في دمشق، وهكذا.

١٧٠

اختلافُ المصاحف:

ولمّا كان جامِعوا المصاحف متعدّدين ومتباعدين، ومختلفين بحسب الكفاءة والمقدرة والاستعداد، وكان كلُّ نسخة منها تشتمل على ما جمعه صاحبها، وما جمعه واحد لا يتّفق تماماً مع ما جمعه آخرون، كانت طبيعة الحال تقضي باختلاف في تأليف تلكم المصاحف، أُسلوباً وترتيباً وقراءةً وغيرها، وقد تقدَّم حديث ما بين مصاحف السلَف من اختلاف.

وهذا الاختلاف في المصاحف وفي القراءات كان بلا شكٍّ يستدعي اختلافاً بين الناس، عندما تجمعَهُم ندوةٌ أو مناسَبة، على مختلف نزعاتهم واتّجاهاتهم يومذاك، فربَّما كان المسلمون يجتمعون في غزوة أو احتفال، وهم من أقطار متباعدة، فيقع بينهم نزاع وجدل، وإنكار أحدهم على الآخر، فيما يتعصَّبون له من مذهب أو عقيدة أو رأي.

نماذج من اختلاف العامَّة:

وفيما يلي عَرضٌ موجز عن نماذج من اختلاف العامَّة على المصاحف، فيما تعصَّبوا له من قراءات أصحابها:

١ - في غزْو مرج أرمينية: بعدما قفل حذيفة راجعاً من غزو الباب (مرج أرمينية - آذربيجان) قال لسعيد بن العاص وكان بصحبته: لقد رأيت في سفري هذا أمراً لئن تُرك؛ ليختلفنَّ في القرآن، ثمَّ لا يقومون عليه أبداً! قال سعيد: وما ذاك؟ قال: رأيت أُناساً من أهل حمْص يزعمون أنَّ قراءتهم خير من قراءة غيرهم، وأنَّهم أخذوا القرآن عن المقداد، ورأيت أهل دمشق يقولون: إنَّ قراءتهم خير من قراءة غيرهم، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك وأنَّهم قرأوا على ابن مسعود، وأهل البصرة يقولون مثل ذلك وأنَّهم قرأوا على أبي موسى الأشعري

١٧١

ويسمّون مصحفه (لُباب القلوب) .

فلمّا وصل ركْب حذيفة وسعيد إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك وحذَّرهم ما يخاف، فوافقه أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكثير من التابعين.

وقال له أصحاب ابن مسعود: ما تُنكر، ألسنا نقرأه على قراءة ابن مسعود؟!.

فغضب حذيفة ومَن وافَقه، وقالوا: إنَّما أنتم أعراب فاسكتوا، فإنَّكم على خطأ، وقال حذيفة: والله لئن عشتُ لآتيَنّ أمير المؤمنين - يعني عثمان - ولأُشيرنَّ عليه أن يحُول بين الناس وبين ذلك.

فأغلظ له ابن مسعود، فغضب سعيد وقام، وتفرّق الناس، وغضب حذيفة وسار إلى عثمان... (١) .

٢ - في مسجد الكوفة: عن يزيد النخعي قال: إنّي لفي المسجد (مسجد الكوفة) زمن الوليد بن عقبة - وكان والياً على الكوفة من قِبل عثمان - في حلَقة فيها حذيفة بن اليمان، وليس إذ ذاك حجَزة ولا جلاوزة - أي لم يكن للمسجد آنذاك سَدَنة وحفَظَة - إذ هتف هاتف: مَن كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأتِ الزاوية التي عند باب كندة، ومَن كان يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود، فليأتِ الزاوية التي عند دار عبد الله، واختلفا في آية من سورة البقرة، قرأ هذا: (وأتمّوا الحجَّ والعمرة للبيت)، وقرأ هذا: ( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) !

فغضب حذيفة واحمرّت عيناه، ثمَّ قام ففرز قميصه في حُجزته وهو في المسجد، فقال: إمّا أن يُركَب إلى أمير المؤمنين وإمّا أن أركب، فهكذا كان من قبلكم.

وفي رواية أبي الشعثاء: فقال حذيفة: قراءة ابن أُمّ عبد! وقراءة أبي موسى الأشعري! والله، إن بقيتُ حتّى آتي أمير المؤمنين لآمرنّهُ بجعْلها قراءة واحدة.

____________________

(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج٣، ص٥٥.

١٧٢

فغضب عبد الله، فقال كلمة شديدة، فسكت حذيفة، وفي رواية ثالثة: قال حذيفة: يقول أهل الكوفة: قراءة عبد الله! ويقول أهل البصرة: قراءة أبي موسى! والله لئن قدمتُ على أمير المؤمنين لآمرنَّه بغرْق هذه المصاحف! فقال له عبد الله: أمَا والله لئن فعلت ليغرقنَّك الله في غير ماء - يعني سقَر - (١).

وروى ابن حجر: أنَّ ابن مسعود قال لحذيفة: بلَغني عنك كذا، قال: نعم، كرهت أن يقال قراءة فلان وقراءة فلان، فيختلفون كما اختلف أهل الكتاب (٢) .

٣ - في نفس المدينة: أخرج ابن أشتة عن أنس بن مالك، قال: اختلفوا في القرآن على عهد عثمان، جعل المعلِّم يُعلِّم قراءة الرجُل (أحد أصحاب المصاحف)، والمعلِّم يعلِّم قراءة الرجل (آخر من أصحاب المصاحف)، فكان الغِلمان يلتقون فيختلفون، حتّى ارتفع ذلك إلى المعلّمين، فجعل يكفُر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان بن عفّان، فقال: عندي تكذِّبون به وتُلحنون فيه، فمَن نأى عنّي كان أشدَّ تكذيباً ولَحناً (٣) .

وعن محمَّد بن سيرين، قال: كان الرجُل يقرأ حتّى يقول الرجُل لصاحبه: كفرتَ بما تقول. فرُفع ذلك إلى عثمان فتعاظم في نفسه، فجمَع اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار (٤) .

وعن بكير الأشجّ قال: إنَّ أُناساً بالعراق كان يسأل أحدهم عن الآية، فإذا قرأها قال - أي السائل -: ألا إنّي أكفر بهذه القراءة. ففشا ذلك في الناس، فتكلَّم بعضهم مع عثمان في ذلك (٥) .

____________________

(١) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: ص١١ - ١٤.

(٢) فتح الباري بشرح البخاري: ج٩، ص١٥.

(٣) الإتقان: ج١، ص٥٩. المصاحف: ص٢١.

(٤) طبقات ابن سعد: ج٣، ق٢، ص٦٢. المصاحف: ص٢٥.

(٥) فتح الباري: ج٩، ص١٦.

١٧٣

وهكذا وقعت حوادث حول اختلاف قراءة القرآن كانت تُنذر بسوء ووقوع فِتَن، ربَّما لا تُحمَد عُقباها لولا تدارُكها من قِبل رجال نابهين أمثال: حذيفة بن اليمان وأضرابه رضوان الله عليهم.

قدوم حذيفة المدينة:

عندما رجع حذيفة من غزو أرمينية ناقماً اختلاف الناس في القرآن، استشار مَن كان بالكوفة من صحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بشأن معالجة القضية قبل تفاقم الأمر، فكان رأيه حمْل عثمان على أن يقوم بتوحيد نُسَخ المصاحف، وإلجاء الناس على قراءة واحدة، فاتَّفقت كلمة الصحابة على صواب هذا الرأي (١) سوى عبد الله بن مسعود، ومن ثمَّ أزمع في الأمر وسار إلى المدينة يستحثّ عثمان على إدراك أُمَّة محمَّد (صلّى الله عليه وآله) قبل تفرّقها، قال: يا أمير المؤمنين، أنا النذير العريان أدرِك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. قال عثمان: وما ذاك؟ قال: غزوت مرج أرمينية، فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة أُبَي بن كعب ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة ابن مسعود ويأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفِّر بعضهم بعضاً (٢) .

عثمان يأتمِر الصحابة:

تلك حوادث وأضرابها كانت وخيمةِ المآل؛ دعت بعثمان أن يهتمَّ بالأمر ويقوم بساعد الجدّ، لولا أن تهيَّبَتْه القضية وهي فاجئة مباغتة، لم يسبقه إليها غيره ممَّن تقدَّمه، مضافاً إلى ما كان يراه من صعوبة العمل في مرحلة تنفيذه، حيث انتشار نُسَخ المصاحف في البلاد، ومن ورائها رجال من كِبار الصحابة لا يستهان

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ج٣، ص٥٥.

(٢) صحيح البخاري: ج٦، ص٢٢٥. المصاحف: ص١٩ - ٢٠. الكامل: ج٣، ص٥٥.

١٧٤

بشأنهم في المجتمع الإسلامي آنذاك، فربَّما يقومون بحمايتها والدفاع عنها، فيشكِّلون عرقلة عويصة تسدُّ وجه الطريق.

ومن ثمَّ جمعَ أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله) مَن كان حاضراً بالمدينة، واستشارهم في الأمر، فلم يكن منهم سوى اتِّفاقهم على ضرورة القيام به مهما كلّف الأمر.

قال ابن الأثير: فجمَع عثمان الصحابة وأخبرهم الخبر، فأعظموه ورأوا جميعاً ما رأى حذيفة (١) .

لُجْنة توحيد المصاحف:

وأخيراً أزمع عثمان على تنفيذ الفكرة، فوجَّه - أوّلاً - نداءه إلى عامَّة الصحابة: يا أصحاب محمَّد، اجتمِعوا فاكتُبوا للناس إماماً (٢) ، ثمَّ ندب نفراً يخصّونه، وهم أربعة: زيد بن ثابت (وهو أنصاري)، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام (وهم قرشيّون).

وهؤلاء الأربعة أعضاء أوَّلية انعقدت بهم لُجْنة توحيد المصاحف (٣) ، وكانت لزيد سِمةُ رئاسةٍ على الآخرين، كما يظهر من تذمّر ابن مسعود واستنكاره استئمار زيد لهذا المنصب.

قال: يا معشر المسلمين، أأُعزل عن نَسْخ المصاحف ويتولاّها رجُل، والله لقد أسلمتُ وإنَّه لفي صُلب رجُل كافر - يريد زيد بن ثابت - (٤) ؟! وكان عثمان هو يتعاهدهم بنفسه (٥) .

لكنّ هؤلاء الأربعة لم يستطيعوا القيام بصميم الأمر، وكانت تعوزهم الكفاءة لهكذا عمل خطير، ومن ثمَّ استعانوا: بأُبيّ بن كعب، ومالك بن أبي عامر، وكثير بن

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ج٣، ص٥٥.

(٢) الإتقان: ج١، ص٥٩ عن مصاحف ابن أشتة. وراجع مصاحف ابن أبي داود: ص ٢١.

(٣) صحيح البخاري: ج٦، ص٢٢٦.

(٤) فتح الباري: ج٩، ص١٧. المصاحف: ص١٥.

(٥) المصاحف: ص٢٥.

١٧٥

أفلج، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عبّاس، ومصعب بن سعد (١) ، وعبد الله بن فطيمة (٢) إلى تمام الاثني عشر، على ما جاء في رواية ابن سيرين وابن سعد وغيرهما (٣) .

وفي هذا الدَور كانت الرئاسة مع أُبيّ بن كعب، فكان هو يُملي عليهم ويكتب الآخرون، قال أبو العالية: إنَّهم جمعوا القرآن من مصحف أُبيّ بن كعب، فكان رجال يكتبون، يُملي عليهم أُبيّ بن كعب (٤) .

قال ابن حجر: وكأنَّ ابتداء الأمر كان لزيد وسعيد، حيث سأل عثمان: مَن أكتَبُ الناس؟ قالوا: زيد، ثمَّ قال: فأيُّ الناس أفصح؟ قالوا: سعيد، فقال: فليُملِ سعيد، وليكتُب زيد (٥) .

قال: ثمَّ احتاجوا إلى مَن يساعدهم في الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي تُرسَل إلى الآفاق، فأضافوا إلى زيد مَن ذُكِر، ثمَّ استظهروا بأُبَيّ بن كعب في الإملاء (٦) .

موقف الصحابة تجاه المشروع المصاحفي:

سبق أنَّ حذيفة بن اليمان كان أوَّل مَن فكَّر في توحيد المصاحف، وحلفَ ليأتينَّ الخليفة وليأمرنَّه بجعلها قراءة واحدة (٧) ، كما استشار هو مَن كان بالكوفة

____________________

(١) إرشاد الساري بشرح البخاري للقسطلاني: ج٧، ص٤٤٩.

(٢) المصاحف: ص٣٣.

(٣) المصاحف: ص٢٥. وراجع الطبقات لابن سعد: ج٣، ق٢، ص٦٢.

(٤) المصاحف: ص٣٠.

(٥) فتح الباري: ج٩، ص١٦. جاء ذلك في رواية مصعب بن سعد، لكن في صحَّة ما تضمَّنته الرواية من فحوى كلام ونقاش.

(٦) نفس المصدر السابق. وراجع الطبقات لابن سعد: ج٣، ق٢، ص٦٢. وتهذيب التهذيب: ج١، ص١٨٧.

(٧) فتح الباري: ج٩، ص١٥.

١٧٦

من صحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فوافَقوه على ما عزَم، سوى ابن مسعود (١) .

وجمعَ عثمان مَن كان بالمدينة من الصحابة فائتمرهم في ذلك، فهبّوا جميعاً يوافقون فكرة توحيد المصاحف. قال ابن الأثير: فجمع الصحابة وأخبرهم الخبر، فأعظموه ورأوا جميعاً ما رأى حذيفة (٢) .

وهكذا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أبدى رأيه موافقاً للمشروع ذاتياً، أخرج ابن أبي داود عن سويد بن غفلة، قال: قال عليّ (عليه السلام): (فو الله ما فعَل عثمان الذي فعَل في المصاحف إلاّ عن مَلأ منّا، استشارنا في أمر القراءات، وقال: بلَغني أنَّ بعضهم يقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كُفراً، قلنا: فماذا رأيت؟ قال: أرى أن يُجمَع الناس على مصحفٍ واحد فلا تكون فُرْقة ولا اختلاف. قلنا: فنِعمَ ما رأيت) (٣) .

وفي رواية أخرى قال: (لو ولّيتُ في المصاحف ما وُلّي عثمان، لفعلت كما فعل) (٤) .

* * *

وكان (عليه السلام) - بعدما تولّى الخلافة - أحرص الناس على الالتزام بالمرسوم المصحفي، حتّى ولو كانت فيه أخطاء إملائية، حِفظاً على كتاب الله من أن تمسَّه يد التحريف فيما بعد باسم الإصلاح، قال (عليه السلام) بهذا الصدد: (لا يهاج القرآن بعد اليوم) (٥) .

ذكروا: أنَّه قرأ رجل بمسمع الإمام: ( وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ) (٦) فجعل الإمام يترنّم

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ج٣، ص٥٥.

(٢) الكامل في التاريخ: ج٣، ص٥٥.

(٣) قال جلال الدين: والسند صحيح (الإتقان: ج١، ص٥٩).

(٤) النشر في القراءات العشر: ج١، ص٨.

(٥) تفسير الطبري: ج٢٧، ص ١٠٤. مجمع البيان: ج٩، ص٢١٨.

(٦) الواقعة: ٢٩. وقد احتار المفسرون في توجيه معنى الطلْح هنا.

١٧٧

في نفسه: ما شأن الطلح؟ إنما هو طلعٌ كما في قوله تعالى: ( لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ) (١) ، ولم يكن ذلك اعتراضاً من الإمام على القارئ، ولا دعوة إلى تغيير الكلمة، بل كان مجرَّد حديث نفس ترنَّم به الإمام (عليه السلام).

ولكنَّ أُناساً سمعوا كلامه فهبّوا يسألونه: ألا تغيّره؟ فانبرى الإمام (عليه السلام) مستغرباً هذا الطلب، وقال كلمته الحاسمة الخالدة: (إنَّ القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوَّل) (٢) .

وهكذا سار على منهجه (عليه السلام) الأئمّة من وُلده.

قرأ رجل عند الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأه الناس، فقال له الإمام: (مه مه، كُفَّ عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس).

وقال (عليه السلام) في جواب مَن سأله عن الترتيل في القرآن: (اقرأوا كما عُلِّمتم) (٣) .

ومن ثمَّ وقع إجماع أصحابنا الإمامية على أنّ ما بأيدينا هو قرآن كلّه (٤) ، لم تمسَّه يدُ تحريفٍ أصلاً، وأنَّ القراءة المشهورة هي القراءة الصحيحة التي تجوز القراءة بها في الصلاة، وغيرها من أحكام أجروها على النصِّ الموجود، واعتبروه هو القرآن الذي أُوحيَ إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولم يعتبروا شيئاً سواه.

* * *

وأمّا ابن مسعود، فلا أظنّ مخالفته كانت جوهريَّة، وإنَّما أغضبه انتداب أشخاص غير أكفّاء لهكذا مشروع جليل كان أمثاله جديرين بالانتداب له، كان يقول: إنَّ رجالاً لم يؤذَن لهم قد تصرّفوا في القرآن من تلقاء أنفسهم (٥) ، ومن ثمَّ

____________________

(١) ق: ١٠.

(٢) تفسير الطبري: ج٢٧، ص١٠٤. مجمع البيان: ج٩، ص٢١٨.

(٣) وسائل الشيعة: ج٤، ص٨٢١.

(٤) راجع حديث طلحة مع الإمام في بحار الأنوار: ج٩٢، ص٤١ - ٤٢.

(٥) طبقات ابن سعد: ج٣، ص٢٧٠.

١٧٨

أبى إباءً شديداً أن يدفع مصحفه إلى رسول الخليفة.

قال أبو ميسرة: أتاني رجُل وأنا أُصلّي فقال: أراك تصلّي وقد أُمِر بكتاب الله أن يمزَّق كلَّ ممزَّق! فتجوَّزت في صلاتي وكنت أجلس، فدخلت الدار ولم أجلس، ورقيت فلم أجلس، فإذا أنا بالأشعري وحذيفة وابن مسعود يتقاولان، وحذيفة يقول لابن مسعود: ادفع إليهم المصحف، قال: والله، لا أدفعه إليهم، أقرأني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بضعاً وسبعين سورة ثمَّ أدفعه إليهم؟! والله، لا أدفعه إليهم (١) .

عام تأسيس المشروع:

قال ابن حجر: كانت هذه القصَّة في سنة خمس وعشرين، في السنة الثالثة أو الثانية (٢) من خلافة عثمان، قال: وغفل بعض مَن أدركناه فزعم أنَّ ذلك كان في حدود سنة ثلاثين، ولم يذكر لذلك مستنداً (٣) .

وعدَّها ابن الأثير - وتبعه بعض مَن تأخَّر عنه من غير تحقيق - من حوادث سنة ثلاثين قال: وفي هذه السنة غزا حذيفة الباب مدداً لعبد الرحمان بن ربيعة، وفيها رأى حذيفة اختلافاً كثيراً بين الناس في القرآن، فلمّا رجع أشار على عثمان بجمْع القرآن، ففَعل (٤) .

وأظنّ ابن الأثير متوهّماً في هذا التحديد:

____________________

(١) مستدرك الحاكم: ج٢، ص٢٢٨.

(٢) هذا الترديد ينظر إلى الاختلاف في اليوم الذي بويع فيه لعثمان، فقيل: في العشر الأخير من ذي الحجَّة عام ٢٣هـ، وعليه فعام تأسيس اللجنة يقع في صدر السنة الثالثة من خلافته، وقيل: في العشر الأوَّل من محرّم عام ٢٤هـ، وعليه فيكون تأسيس اللجنة واقعاً في مؤخَّرة السنة الثانية.

(راجع تاريخ الطبري: ج٣، ص٣٠٤، أو ج٤، ص ٢٤٢ طبعة دار المعارف).

(٣) فتح الباري: ج٩، ص١٥.

(٤) الكامل: ج٣، ص٥٥. الفتوحات الإسلامية: ج١، ص١٧٥.

١٧٩

أوَّلاً: كانت غزوة آذربيجان وأرمينية سنة ٢٤هـ في رواية أبي مخنف، ذكرها الطبري. غزاها الوليد بن عقبة؛ لأنَّهم حبسوا ما صالحوا عليه حذيفة اليمان عندما غزاهم سنة ٢٢هـ أيّام عمر بن الخطّاب (١) .

وقال ابن حجر: أرمينية فُتحت في خلافة عثمان، وكان أمير العسكر من أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وكان عثمان قد أمر أهل الشام وأهل العراق أن يجتمعوا على ذلك، وكان أمير أهل الشام في ذلك العسكر حبيب بن سلمة الفهري، وكان حذيفة من جملة مَن غزا معهم، وكان هو على أهل المدائن، وهي من جملة أعمال العراق.

ثمَّ قال: سنة خمس وعشرين هو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أنَّ أرمينية فُتحت فيه، أوّل ولاية الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة من قِبل عثمان (٢) .

ثانياً: كانت الغزوة التي غزاها عبد الرحمان بن ربيعة هي في سنة اثنتين وعشرين، وكان الذي بصحبته حذيفة بن أُسيد الغفاري، لا حذيفة بن اليمان العنسي (٣) .

ثالثاً: في سنة ثلاثين عيِّن سعيد حاكماً على الكوفة مكان الوليد، وفي نفس الوقت تهيَّأ لغزو طبرستان، وصَحِبه في الغزو ابن الزبير، وابن عبّاس، وحذيفة (٤)، ولم يرجع سعيد إلى المدينة حتّى سنة ٣٤هـ، وفي السنة التالية كان مقتل عثمان (٥) .

كلّ ذلك لا يلتئم وكون سعيد عضواً ثانياً لِلّجْنة، إذا كانت تأسَّست عام ٣٠هـ، وهكذا ابن الزبير وابن عبّاس على ما تقدّم.

رابعاً: ذكر الذهبي فيمن توفّي عام ثلاثين (أُبَي بن كعب)، قال: وقال الواقدي: هو أثبَت الأقاويل عندنا (٦)، مع العلم أنَّ أُبيّاً كان مُملياً على الأعضاء،

____________________

(١) الطبري: ج٤، ص٢٤٦ - ٢٤٧ دار المعارف.

(٢) فتح الباري: ج٩، ص١٣ - ١٤.

(٣) تاريخ الطبري: ج٤، ص١٥٥ دار المعارف.

(٤) تاريخ الطبري: ج٤، ص ٢٦٩ - ٢٧١.

(٥) المصدر السابق: ص٣٣٠ و ص ٣٦٥.

(٦) ميزان الاعتدال: ج٢، ص٨٤. وراجع: الطبقات: ج٣، ق٢، ص٦٢.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459