فلو كان عقَّبه بأنّهم لا يخادعون الله والمؤمنين، وإنّما يخادعون أنفسهم كان ذلك تنافياً في الكلام، إذ كان قد نفى في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوّله.
أمّا لو قُرئ بغير ألف كان قد أخبر أنّ المخادعة من فِعلهم، لكنّ الخدع إنّما يحيق بهم خاصّة دون غيرهم من المؤمنين
.
توضيح ذلك:
إنّ المخادعة هي محاولة الخدْع، يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع، قال تعالى:
(
وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ
)
، أمّا الخدع فهو تعبير عن تحقّقه ووقوع تأثير الخداع، الأمر الذي ينفيه تعالى بالإضافة إلى نفسه والمؤمنين، وإنّما يحيق المكر السيّئ بأهله.
وبذلك يتبيّن وَهْن احتجاج أبي عمرو؛ لأنّهم لم يحاولوا خداع أنفسهم، وإنّما وقع تأثير الخداع بأنفسهم من غير أن يكونوا أرادوه، قال تعالى:
(
وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ
)
.
قال مكّي بن أبي طالب: وقراءة مَن قرأ بغير ألف أقوى في نفسي؛ لأنّ الخِداع فِعل أنفسهم قد يقع وقد لا يقع، والخدع فِعل وقع بلا شكّ، فإذا قرأت: (وما يخدعون) أخبرتَ عن فِعلٍ وقع بهم بلا شكّ، وأمّا إذا قرأت: (وما يخادعون) جاز أن يكون لم تقع بهم المخادعة، فـ(يخدعون) أمكَن في المعنى....
قال أبو حاتم: العامّة عندنا على قراءة (وما يخدعون)
.
***
(
وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
)
.
قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (يكذبون) بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد.
وقراءة التخفيف هي الأشبه بسياق الآية؛ لأنّهم إنّما عوتبوا على كِذبهم