صنعتها قرائح القصّاصين، ونسبوها إلى بعض التابعين ومن الصحابة إلى ابن عبّاس، ودلائل الكذِب والافتراء بادية على محيّاها القذِر.
أوّلاً:
لم يتَّصل تسلسل سند الحديث إلى صحابيّ إطلاقاً، وإنَّما أُسند إلى جماعة من التابعين، ومَن لم يدرك حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ وعليه فالحديث مرسَل غير موصول السند إلى مَن شاهد القضيَّة - فرضاً -.
وأمّا النسبة إلى ابن عبّاس، فلا تقلّ عن غيرها، بعد أن كانت ولادة ابن عباس في السنة الثالثة قبل الهجرة، فلم يشهد القصَّة بتاتاً، وإنّما نُقلت إليه.
فالرواية من جميع وجوهها، غير موصولة الإسناد إلى شهود القصة، لو صحّت الواقعة.
وقواعد فنّ التمحيص في إسناد الروايات تأبى جواز الاحتجاج بمثل هذا الحديث المرسَل.
ثانياً:
شهادة جلّ أئمّة الحديث بكِذب هذا الخبر، وأنَّ الطُرق إليه ضعاف واهية، فهو فيما يشتمل عليه من السند أيضاً ساقط في نظر الفنّ.
قال ابن حجَر: وجميع الطُرق إلى هذه القصَّة - سوى طريق ابن جبير - إمّا ضعيف (يكون الراوي غير موثوق به، أو مرمياً بالوضع والكذِب)، أو منقطع (أي كانت حلقة الوصْل بين الراوي الأوّل والراوي الأخير مفقودة)
. وسنذكر أنَّ بلاء طريق ابن جبير هو الإرسال والضعف أيضاً.
وقال أحمد بن الحسين البيهقي - أكبر أئمّة الشافعيَّة، مشهوراً بدقَّة النقد والتمحيص -: هذا الحديث من جهة النقل، غير ثابت ورُواته مطعونٌ فيهم
.
وقال أبو بكر ابن العربي: كلّ ما يرويه الطبري في ذلك باطل لا أصل له
.
وصنَّف محمَّد بن إسحاق بن خزيمة رسالةً فنَّد فيها هذا الحديث المفتعَل،