ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية0%

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 311

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 311
المشاهدات: 56936
تحميل: 7698

توضيحات:

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56936 / تحميل: 7698
الحجم الحجم الحجم
ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

علياً »(1) .

فقد آلت الشّورى إذاً في النتيجة إلى استيلاء الاُمويِّين - في شخص عثمان - على الحكم، ولكنّها خلقت مواقف مختلفة من هذه النتيجة، حيث بدأ التفكير في الخلافة يتسرّب إلى نفوس هؤلاء المرشّحين من رجال الشّورى، وغدا كلّ واحد منهم يرجوها لنفسه بعد أن رشّحه لها عمر، وطمح إلى الخلافة رجال غير رجال الشّورى من قريش؛ لأنّهم رأوا أنّ بعض مَنْ رشّحهم عمر لا يفضلونهم في شيء، بل ربّما امتازوا عليهم في أشياء كثيرة.

وكان لنظام الشّورى أسوأ الأثر في نفسيّات الأنصار، هؤلاء الذين وعدوا في السّقيفة أن يكونوا وزراء وشركاء في الحكم، وإذا بهم يُحرمون من كلّ شيء حتّى من حقّ المشورة.

أضف إلى هذا: إنّ النتيجة التي آلت إليها لم تكن مُرضية لهم؛ فقد رأوا في انتصار الاُمويِّين انتصار لأعدائهم القدماء من مشركي مكّة.

وقد عبّر علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن عدم رضاه عن هذه النتيجة، وتسليمه بالأمر الواقع قائلاً: « لقد علمتم أنّي أحقّ الناس بها من غيري، ووالله لأُسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جوز إلاّ عليّ خاصّة »(2) .

بينما أخذ الطّامحون إلى الخلافة يجمعون الأنصار حولهم في الخفاء، ويستعينون على ذلك بأموالهم وقبائلهم، وإنشاء علاقات المصاهرة مع القبائل الأخرى، حتّى إذا تقدّم العمر بخلافة عثمان ظهرت هذه الأحزاب إلى العلن،

____________________

(1) انظر: المصدران السابقان.

(2) انظر: نهج البلاغة/الخطبة 73.

٤١

تعمل في سبيل هدفها الفريد.

وكانت عاقبة الشّورى أنّها سبّبت نُشوء هذه الأحزاب القائمة على الولاء لأشخاص مُعيّنين ذوي أهداف شخصيّة في الوصول إلى الحكم، مستغلّة أسباب الشّكوى والاستياء من عثمان وبطانته وولاته على الأمصار.

وقد روى ابن عبد ربّه حديثاً لمعاوية بن أبي سفيان اعترف فيه بأنّه: « لم يُشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهواءهم إلاّ الشّورى التي جعلها عمر في ستة نفر... لم يكن رجل منهم رجاها لنفسه، ورجاها له قومه، وتطلّعت إلى ذلك نفسه »(1) .

هذه هي الأحداث التي نرى أنّها تتّصل اتصالاً وثيقاً بالفتنة التي أصابت المسلمين في عهد عثمان، فقد تفاعلت هذه الأحداث فيما بينها، وتفاعلت مجتمعة مع أسلوب عثمان في سياسة المال، والإدارة، والاجتماع، فكان من ذلك جميعاً الانحراف الصريح عن مبادئ الإسلام الذي وصل بالمأساة إلى قمّتها فدفع بالمسلمين إلى الثورة، وانتهى بهم إلى شرّ ما كانوا يحذرون.

____________________

(1) انظر: العقد الفريد - بتحقيق محمد سعيد العريان 5/31 - 32.

٤٢

سياسية عثمان الماليّة والإداريّة

وسار عثمان حين ولي الخلافة على سياسة في المال لم يعهدها المسلمون ممّن تقدّمه، ولم يألفوها؛ فقد راح يغدق الهبات الضخمة على آله وذويه وغيرهم من أعيان قريش، وعلى بعض أعضاء الشّورى بصورة خاصّة.

ولو كانت هذه الهبات من أمواله الخاصّة لما أثارت اعتراض أحد، ولكنّها كانت من بيت المال الذي يشترك فيه المسلمون جميعاً. وقد سار عمّال عثمان في أنحاء الخلافة سيرته في المدينة، فانكفؤوا على بيوت الأموال المحلية ينفقونها على آلهم وأنصارهم والمقرّبين إليهم(1) .

وقام عثمان بإجراء مالي فتح به للطّبقة الثريّة التي كان يخصّها بهباته وعطاياه أبواباً من النشاط المالي، وأتاح لهم فرص التّمكين لنفسها وتنمية ثرواتها، وذلك حين اقترح أن ينقل الناس فيهم من الأرض إلى حيث أقاموا؛ فلمَنْ كان له أرض في العراق، أو في الشام، أو في مصر أن يبيعها ممّن له أرض بالحجاز، أو غيره من بلاد العرب.

وقد سارع الأثرياء إلى الاستفادة من هذا الإجراء، فاشتروا بأموالهم المُكدّسة أرضين في البلاد المفتوحة، وبادلوا

____________________

(1) انظر: مروج الذهب 2/341، أنساب الأشراف 5/25 - 28، 48، 54، وغيرهما.

٤٣

بأرضهم الحجاز أرضين في البلاد المفتوحة، وجلبوا لها الرقيق والأحرار يعملون فيها ويستثمرونها، وبذلك نمت هذه الثروات نمواً عظيماً، وازدادت هذه الطّبقة الطّامحة إلى الحكم والطّامحة إلى السيادة قوّة إلى قوّتها.

وقد ذكر المسعودي وغيره بعض الأمثلة على هذه الثروات الضّخمة في ذلك الوقت، « فقد بلغت ثورة الزبير خمسين ألف دينار، وألف فرس، وألف عبد، وضياعاً وخططاً في البصرة، والكوفة، ومضر، والإسكندرية.

وكانت غلّة طلحة بن عبيد الله من العراق كلّ يوم ألف دينار، وقيل أكثر، وبناحية الشّراة أكثر ممّا ذكرنا. وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مئة فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف شاة، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً.

وحين مات زيد بن ثابت خلّف من الذهب والفضة ما كان يُكسر بالفؤوس غير ما خلّف من الأموال والضياع بقيمة مئة ألف دينار. ومات يعلى بن مُنبه وخلّف خمسمئة ألف دينار، وديوناً، وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمئة ألف دينار.

أمّا عثمان نفسه فكان له يوم قُتل عند خازنه مئة وخمسون ألف دينار، ومليون درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى، وحنين وغيرهما مئة ألف دينار، وخلّف خيلاً كثيراً وإبلاً ».

٤٤

ثمّ قال المسعودي بعد ذلك: « وهذا باب يتّسع ذكره، ويكثر وصفه فيمَنْ تملّك الأموال في أيّامه »(1) .

وقد جدّت إلى جانب هذه الطّبقة الثريّة طبقة أُخرى فقيرة، لم تملك أرضاً ولا مالاً، وليس لها عطاءات ضخمة، تلك هي طبقة الجنود المُقاتلين وأهلهم وذراريهم.

وقد تكوّنت هذه الطبقة باستئثار عثمان وعمّاله بالفيء والغنائم لأنفسهم والمُقرّبين منهم، وحرمان المقاتلين منها؛ مدّعين أنّ الفيء لله وليس للمحارب إلاّ أجر قليل يُدفع إليه(2) .

أمّا السّواد، سواد العراق، فهو - على حدّ تعبير سعيد بن العاص والي عثمان على الكوفة - « إنّما السّواد بُستان لقريش تأخذ منه ما شاءت، وتترك منه ما شاءت »(3) .

وأمّا أموال بيت المال فقد قال عثمان نفسه عنها: « لنأخُذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أُنوف أقوام »(4) .

____________________

(1) انظر: مروج الذهب 1/34، 2/341 - 343، الطبقات الكبرى 3/78، 136، تأريخ الأمم والملوك 5/134.

(2) انظر تاريخ الإسلام - حسن إبراهيم حسن 1/358.

(3) انظر: تأريخ الطبري 3/365، الكامل في التأريخ 3/137، تأريخ مدينة دمشق 21/114، الطبقات الكبرى 5/32، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 3/129، مروج الذهب 2/346.

(4) انظر شرح نهج البلاغة بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم 3/49.

٤٥

ومضت الأيّام، والأحداث تزيد الهُوّة اتّساعاً بين هاتين الطبقتين؛ فبينما تزداد الطّبقة الإرستقراطية الثريّة ثراء وتسلّطاً، وتُمعن في اللهو والبطالة والعبث بحيث يُشارك بعض أولاد الخليفة نفسه في اللهو الحرام والمجون(1) ، تُزداد الطّبقة الأُخرى فقراً وإحساساً بهذا الفقر.

ولم يكن المُسلمون بحاجة إلى وقت طويل ليتبيّن لهم أنّهم حين بايعوا عثمان قد سلّموا السّلطان الفعلي على المُسلمين إلى آله وذوي قرابته من بني أُميّة وآل أبي معيط؛ فقد اتّضح في وقت مبكّر أنّ عثمان ليس إلاّ واجهة يكمن خلفها الاُمويّون. وسرعان ما عزّزت الأحداث هذا؛ وذلك إنّ عثمان أسند إلى آله وذويه الولايات الكبرى في دولة الخلافة، وهي: البصرة والكوفة، والشام ومصر.

وهذه الولايات الكبرى الأربع هي الولايات ذات المنزلة العظيمة في الحرب والاقتصاد والاجتماع. فهي مركز الثروة المالية، والزراعية لدولة الخلافة منها تُحمل الأموال والأقوات، وهي مركز تجمّع الجيوش الإسلاميّة الوافدة من شتى بقاع الدولة، وهي مركز عمليات الفتح الكبرى التي كانت إذ ذاك لا تزال في أوجها، وما عدا هذه الولايات فذو شأن ثانوي لا يُؤبه له، ولا يُلتف إليه.

لقد ولّى عثمان على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز، وعمره خمس وعشرون سنة، وولّى على الكوفة أخاه الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ثمّ عزله تحت ضغط الرأي العام بعد أن ثبت عليه شرب الخمر والتهتّك، وولّى مكانه سعيد بن العاص، وكان معاوية عاملاً لعمر على دمشق والأردن فضمّ إليه عثمان ولاية حمص، وفلسطين، والجزيرة، وبذلك مدّ له في أسباب السّلطان إلى أبعد

____________________

(1) « قُتل عثمان وابنه الوليد - وكان صاحب شراب وفتوّة ومجون - وهو مُخَلق الوجه، سكران، عليه مصبغات واسعة ». انظر: مروج الذهب 2/341، المعارف - لابن قتيبة/202 (دار الكتب/1960).

٤٦

مدى مُستطاع، وولّى مصر أخاه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح.

كان هؤلاء الولاة جميعاً من قرابة عثمان، ولم يكن سلوكهم الديني أو الإداري أو هما معاً في أمصارهم ومع رعيتهم مُرضياً ومقبولاً؛ فقد كانوا جميعاً من قريش، وكانوا في تصرّفاتهم لا يخفون قبليتهم وتعصّبهم على غير قريش من قبائل العرب؛ ففي الكوفة تجبّر سعيد بن العاص وتعصّب لقريش، وقال: « إنّما السّواد بُستان لقريش تأخذ منه ما شاءت، وتترك منه ما شاءت »(1) .

فلمّا اعترضه المسلمون من غير قريش نفاهم إلى الشام، وإذا بمعاوية يناظرهم في فضل قريش وتقدّمها على سائر المسلمين، فلمّا أنكروا عليه ذلك نفاهم إلى الجزيرة - وأميرها من قبل معاوية عبد الله بن خالد بن الوليد المخزومي - فأذلّهم، وأظهر لهم سيادة قريش بامتهانه لهم، وتحقيره لشأنهم، وحطّه من مقامهم.

وفي مصر قسا عبد الله بن سعد في جباية الخراج، فظلم وأسرف في الظلم، ثمّ أظهر من العصبيّة لقريش ما أثار غير قريش من العرب المسلمين ودفعهم إلى أن يشكوه إلى عثمان، فلمّا كتب إليه عثمان يأمره بالإقلاع عمّا هو عليه عدا على الشهود فعاقبهم، وضرب رجلاً منهم حتّى قتله.

ولم يكن ولاة عثمان هؤلاء من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام، وإنّما كانوا متّهمين في دينهم، بل كان فيهم من أمره في الفسق ورِقّة الدين معروف مشهور.

كان فيهم عبد الله بن سعد الذي بالغ في إيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والسُّخر منه، وبالغ في الهُزء بالقرآن حتّى نزل القرآن بكفره، والوليد بن عقبة ممّن أمره في

____________________

(1) انظر: تأريخ الطبري 3/365، الكامل في التأريخ 3/127، تأريخ مدينة دمشق 21/114، الطبقات الكبرى 5/32، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 3/129، مروج الذهب 2/346.

٤٧

الفُسق معروف مشهور، وقد نزل فيه قرآن يُعلن فسقه.

وكان المُسلمون - أعيانهم وعامّتهم - يُراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه، ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم، ولا يسمع فيهم أيّة شكوى إلاّ كارهاً.

هذه السياسة التي سلكها عثمان في الولايات أثارت عليه وعلى عهده موجة عامّة من السّخط بين المسلمين؛ لِما رأوه فيه من عصبية قبلية يمارسها هو وولاته من قريش.

وأثارت عليه سخط المسلمين والمعاهدين من غير العرب؛ لِما عوملوا به من امتهان وقسوة من قبل ولاته وعمّاله، وأثارت عليه سخط الصحابة؛ لأنّه ولّى أمور المسلمين وأموالهم وأبشارهم هؤلاء الغُلمة القرشيين الذين لا يحترمون الدين ولا يأبهون له، والذين يظلمون دون أن يَردوا من قِبل عثمان.

وأثارت عليه سخط الأنصار؛ لأنّهم حُرموا من الولايات بعد أن وعُدوا بأن يكونوا شركاء في الحكم، ولم ينس الأنصار يوماً أنّ سيوفهم وقتلاهم وأموالهم هي التي بوّأت قريشاً هذه المنزلة.

وأثارت سخط شباب قريش والطامحين إلى الحكم من أعضاء الشورى؛ لأنّهم أُهملوا ولم ينالوا ولاية من هذه الولايات.

٤٨

موقف عثمان من معارضيه

ولقد كان سُلوك عثمان إزاء مُعارضي سياسته في المال والإدارة من كبار الصحابة سبباً في مُضاعفة النّقمة عليه في قريش وفي عامّة المسلمين، وعاملاً مهمّاً من عوامل تعقيد الأزمة التي عاناها عثمان وعاناها المسلمون في عهد عثمان؛ فقد عارض سياسة عثمان في المال والإدارة عبد الله بن مسعود الهذلي حليف بني زهرة، وكان خازناً لبيت المال، فاعترضه عثمان بقوله: « إنّما أنت خازن لنا ».

ثمّ اشتدّت معارضة ابن مسعود فأمر عثمان بضربه حتّى كسر بعض أضلاعه(1) ، وعارضه أبو ذرّ الغفاري فنفاه إلى الشام(2) ، فلم يكُفّ عن المُعارضة، بل

____________________

(1) أبو عبد الرحمن، وكان إسلامه قبل إسلام عمر بن الخطاب بزمان، وشهد بيعة الرضوان، وكان على قضاء الكوفة. انظر: المعارف - لابن قتيبة/249، أُسد الغابة 3/384، سيرة ابن هشام 1/314، السيرة النبوية 2/82، مستدرك الحاكم 3/337، 345، تأريخ الطبري 5/80، 94، مسند أحمد 5/155، 166، 6/457، كنز العمال 6/29، 170، العقد الفريد 3/91، تأريخ أبي الفداء 1/168، الإصابة 3/619، الطبقات - لابن سعد 5/8، أنساب الأشراف 5/28.

(2) أبو ذرّ الغفاري: هو جندب بن السكن، ولقبه بربر، وقيل: اسمه بُريد بن جنادة، وقيل: اسمه جندب بن جنادة وهو من غفار قبيلة من كنانة، وهو: غفار بن مُليل بن حمزة بن بكى بن عبد مناة بن كنانة بن خُزيمة.

قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأسلم، ورجع إلى بلاد قومه فأقام، ثم رجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّ عثمان نفاه إلى الربذة، وليس له عقب. كان رابع أربعة سبقوا إلى الإسلام. انظر الطبقات الكبرى - لابن سعد 4 ق1/161، مسند أحمد 2/163، 175، 223، 5/147، 155، 159، 165 - 166، 172، 174، 351، 356، 6/442، المستدرك 3/342، صحيح البخاري - مناقب أبي ذرّ، صحيح البخاري وصحيح مسلم في باب المناقب، سنن ابن ماجة - الباب الأوّل من المقدّمة، مسند الطيالسي ح458، التقريب 2/420. روى عنه أصحاب الصحاح (281) حديثاً.

٤٩

أمدته أساليب معاوية في الناس بمادة جديدة، فأخذ ينتقد أساليب معاوية في إنفاق الأموال العامّة، وصادف كلامه هوى في نفوس رعية معاوية، فكتب بشأنه إلى عثمان، فأرسل إليه عثمان: « أرسل إليّ جندباً - وهذا اسم أبي ذرّ - على أغلظ مركب وأوعره ».

فوصل أبو ذرّ إلى المدينة وقد تآكل لحم فخذيه من عنف السير، ولكنّه لم يكُفّ عن المعارضة أيضاً، فنفاه عثمان إلى الربذة، ولبث فيها حتّى مات غريباً وحيداً سنة 32 هـ(1) .

وعارضه عمّار بن ياسر حليف بني مخزوم، فشتمه عثمان وضربه حتّى غُشي عليه سائر النهار، ولكنّ هذا العنف لم يثنِ عماراً فاستمر في معارضته، فشتمه عثمان وأمر به فطرح على الأرض، ووطئه برجليه وهما في الخف حتّى أصابه الفتق(2) .

____________________

(1) انظر: المصابيح - لأحمد بن إبراهيم/288.

(2) انظر: المصدر نفسه، العقد الفريد 3/77، 91، السيرة النبوية 2/82، الطبعة الثانية مصر، شرح النهج 1/66، 233، مستدرك الحاكم 3/337، 345، ابن الأثير 3/65، 73، تأريخ الطبري 5/80، 94، مسند أحمد 5/155، 166، 6/457، كنز العمال 6/170، المعارف - لابن قتيبة/84، ابن كثير 7/452، تأريخ أبي الفداء 1/168، الإصابة 3/619، سنن البيهقي 8/61، الطبقات - لابن سعد 5/8، أنساب الأشراف 5/28، مرآة الجنان 1/85، كلّ هذه المصادر وغيرها نقلت لنا هذه المساوئ العثمانية بشكل مفصّل، فمَنْ أراد المزيد فليراجع.

٥٠

وعارضه غير هؤلاء من الصحابة من المهاجرين والأنصار في الأحداث التي كان يقدم عليها، والسياسة التي كان ينتهجها، فلم يسمع منهم ولم يستجيب لهم.

وقد كانت هذه المُعارضة تشيع في المسلمين فينتظرون من عثمان أن يستجيب لها؛ لأنّها كانت معارضة قائمة على إدراك حاجات المجتمع، وكانت تعبيراً عن عدم رضا المسلمين عن السياسة التي كانوا يُساسون بها، ولكنّهم بدل ذلك كانوا يرون ويسمعون أنّ عثمان وآله قد نكّلوا بالمعارضين هذا التنكيل الشديد، ومسّوهم بهذا الأذى البالغ، ولم يستجيبوا إلى شيء ممّا دعوا إليه.

وقد أثار موقفه هذا سخط عامّة المسلمين؛ فهؤلاء المعارضون من أعلام الصحابة وأركان الدعوة، يمتهنهم عثمان ويضطهدهم لدعائهم إيّاه إلى الإصلاح في الوقت الذي يسمع فيه من مروان بن الحكم وأشباهه من بني أُميّة وأنصارهم من مسلمة الفتح الطلقاء، الذين ليس لهم سابقة ولا مكانة في الإسلام.

وهؤلاء المعارضون كانوا يعبّرون بمعارضتهم هذه عن إرادة جميع المسلمين الذي آذتهم سياسة عثمان في كراماتهم وأرزاقهم، ولم يُفسّر المسلمون موقف عثمان من المعارضين إلاّ بأنّه عازم على المضي في سياسته دون الالتفات إلى أيّ نُصح أو تحذير.

وإلى جانب هذه المعارضة الصادقة المخلصة، الهادفة إلى خير المسلمين

٥١

جميعاً كانت توجد معارضة أخرى مدفوعة بأسباب مُغايرة، وتستهدف نتائج مُغايرة.

وقد رأى زعماء هذه المعارضة في فساد الأوضاع العامّة، وشيوع التذمّر والنقد فرصة يستغلّونها لاستعجال نهاية عهد عثمان التي تُمكّنهم من الوصول إلى مآربهم، فأخذوا يُساهمون في نشر رُوح التذمّر وتعميقها.

وقد مكّن عثمان بسياسته الإدارية لهذه الطائفة من معارضيه أسباب القوّة والنفوذ؛ وذلك حين أطلق لها أن تُنمي ثرواتها إلى أبعد مدى بإجرائه الذي قدّمنا الحديث عنه في الأراضي، وتكوين الإقطاعات الضّخمة، وحين أطلق لها أن تُغادر المدينة إلى البلاد المفتوحة؛ حيث راح أفرادها يستكثرون لأنفسهم من الأموال، ويستكثرون من الأتباع، ويُمنّون أنفسهم بالوصول إلى الخلافة، ويمنّيهم بذلك أتباعهم وقبائلهم.

وقد أشار الطبري في أحداث سنة خمس وثلاثين إلى هذه الحقيقة فقال: « كان عمر بن الخطّاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلاّ بإذن وأجل(1) .

فلمّا ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر، فانساحوا في البلاد، فلمّا رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع مَنْ لم يكن له طول ولا مزية في الإسلام فكان مغموراً في الناس، وصاروا أوزاعاً إليهم، وأمّلوهم وتقدّموا في ذلك، فقالوا يملكون فنكون قد عرفناهم، وتقدّمنا في التقرّب والانقطاع إليهم، فكان ذلك أوّل وهن دخل على

____________________

(1) قال عمر لمّا استأذنه الزبير بن العوام في الغزو « ها إنّي ممسك بثياب هذا الشعب أن يتفرّق أصحاب محمد في الناس فيُضلّوهم » انظر: شرح نهج البلاغة 20/20. منهرحمه‌الله .

٥٢

الإسلام، وأوّل فتنة كانت في العامّة ليس إلاّ ذلك »(1) .

وقال في موضع آخر: «... فلمّا ولي عثمان خلى عنهم، فاضطربوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس... »(2) .

____________________

(1) انظر: تأريخ الطبري 5/134.

(2) انظر: تأريخ الطبري 5/134.

٥٣

٥٤

نتائج سياسة عثمان

فإذا لاحظنا أنّ عثمان فتح باب الهجرة أمام قريش فانساحوا في البلاد يستصلحون الأموال، ويُكوّنون الثروات، ويجمعون حولهم الأنصار بالمال، والأصهار إلى قبائل العرب، وبسمعتهم الدينية التي جاءتهم من صحبتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسبقهم إلى الإسلام، وجهادهم في سبيله.

وإنّ سلوك عمّال عثمان على الأمصار الكبرى، وسلوك عثمان نفسه في المدينة مع ناصحيه والمشفقين عليه، وعلى الناس من سلوكه، كان يُقدّم للمسلمين أسباب التذمّر والشكوى، وأنّ هؤلاء الصحابة من قريش كانوا يرون هذا ويسمعونه ويشاركون فيه، فإذا أضفنا إلى ذلك ما خلّفه تدبير الشّورى لدى هؤلاء من طموح إلى الخلافة، وسعي في سبيلها... إذا لاحظنا هذا كلّه اتّسقت لأعيننا الخطوط البارزة، والعوامل الأساسية في ثورة المسلمين على عثمان وعلى عهده.

طبقة ارستقراطية دينية كوّنتها السقيفة بما بعثت من مركز قريش، غدت - بالإضافة إلى ارستقراطيتها الدينية - تتمتّع بثروات طائلة بسبب مبدأ التفضيل في العطاء، وسياسة عثمان في المال، والأرض، والهجرة، وقد كوّن مبدأ الشّورى في نفوس كثير من أفرادها الطموح إلى الحكم ممّا دفعهم إلى استغلال كلّ الظروف

٥٥

المواتية للوصول إلى هذا الهدف، يُقابل هذه الطبقة طبقة المحاربين والمسلمين الجُدد المحرومة من كافة الامتيازات، والتي كانت أسباب تذمّرها مُتوفّرة.

لقد كانت جماهير المحاربين هي مادة الثورة، أمّا وقودها فهو تصرّفات عثمان وولاته وآل بيته، وأمّا الذي أجّجها فهم أصحاب المصلحة فيها. هم هؤلاء الزعماء الذين أوتوا من الطموح ما جعل الخلافة هدفهم، ومن المال والمنزلة الدينية ما مكّنهم من جمع الأنصار حولهم، ومن سوء الأوضاع ما سهّل عليهم أن يعدّوا الناس بخير ممّا هم فيه.

* * *

وقد تمخّضت هذه الملابسات والظروف السيئة عن حركة عامّة، إن فقدت النظام بالمعنى الحزبي الدقيق، فإنّها لم تفقد وحدة الأفكار الدافعة، والأهداف المشتركة.

وقد سلك عثمان وبطانته من الاُمويِّين والمنتفعين تجاه هذه الحركة سلوكاً بعيداً عن الحكمة والعدل؛ فبدلاً من أن تُجاب مطالب الثوّار رُدوا بعنف، واستُهين بهم، وجوبهوا بسياسة قاسية هي هذه السياسة التي تمخّض عنها مؤتمر عثمان مع عمّاله على الأمصار، والتي قدّم لنا الطبري صورة عنها: «... فقال له عبد الله بن عامر: رأيي يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تُجمرهم في المغازي حتّى يذلّوا لك، فلا يكون همّة أحدهم إلاّ نفسه، وما هو فيه من دُبرة دابته، وقمّل فروه...

فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم،

٥٦

وأمرهم بالتّضييق على مَنْ قبلهم، وأمرهم بتجمير(1) الناس في البعوث، وعزم على تحريم(2) اُعطياتهم؛ ليطيعوه ويحتاجوا إليه »(3) .

ولكنّ هذه الإجراءات العنيفة زادت نار المقاومة اشتعالاً، بدل أن تُخفّف من شدّتها؛ فقد رأى هؤلاء المحاربون الفقراء أنّهم خُدعوا، فتكتّلوا من الكوفة والبصرة، ومصر والحجاز، ومن هنا وهناك للقيام بمسعى جماعي لإرغام عثمان على تغيير بطانته التي اعتبروها مسؤولة عن كثير من المآسي، وتبديل عمّاله الذي أساؤوا السيرة، وجاروا على الرعية... وتغيير سياسته المالية.

وبينما كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام يُسفر بين الثوار وبين الخليفة، فيُهدئ من ثورة اُولئك، وينبّه عثمان وينصحه بالاستقامة والعدل، نرى أنّ الآخرين من الطامحين إلى الخلافة ينتهزون فرصة ثورة الجماهير للوصول إلى هدفهم، فيؤجّجون الثورة، ويزيدون النّقمة اشتعالاً، ويبذلون الأموال الطائلة في تمويل الثورة، واصطناع قادتها، وتسليح أفرادها.

وبلغت المأساة قمّتها بمقتل عثمان.

____________________

(1) جمر الناس: جمعهم. وجمر الجيش: حبسهم في أرض العدو ولم يقفهم (قاموس). انظر: لسان العرب 4/146. يريد عثمان من عمّاله أن يجمعوا الناس في البعوث العسكرية الطويلة الأمد، لا يردّوهم إلى أوطانهم.

(2) حرم: منع.

(3) انظر: تأريخ الطبري 3/373 - 374.

٥٧

٥٨

موقف الإمام عليعليه‌السلام من الحكم بعد عثمان

وجاء الناس إلى الإمام عليعليه‌السلام يطلبون منه أن يلي الحكم، ولكنّه أبى عليهم ذلك؛ لا لأنّه لم يأنس من نفسه القوّة على ولاية الحكم وتحمّل تبعاته، فقد كانعليه‌السلام على تمام الأُهبة لذلك، كان قد خبر المجتمع الإسلامي من أقطاره، وخالط مُختلف طبقاته، وراقب حياتها عن كثب، ونفذ إلى أعماقها، وتعرّف على الوجدان الطبقي الذي يشدّها ويجمعها.

وقد مكّنه من ذلك كلّه المركز الذي كان يتمتّع به من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وزيره ونجيّه، وأمين سرّه، وقائد جيوشه، ومنفّذ خططه، ومعلن بلاغاته... هذه المنزلة الفريدة التي لم يتمتّع بها أحد من الصحابة أعدّته إعداداً تامّاً لمهمّة الحكم.

وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يبتغي من وراء إناطة هذه المهام كلّها به إعداده للمنصب الإسلامي الأوّل ليصل إليه وهو على أتمّ ما يكون أهلية واستعداداً.

ولقد غدا من نافلة القول أن يُقال: إنّه هو الخليفة الذي كان يجب أن يلي حكومة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المجتمع الإسلامي، وإذا لم يقدر له أن يصل إلى الحكم بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه لم ينقطع عن الحياة العامّة، بل ساهم فيها مساهمة خصبة؛ فقد كان أبو بكر، ثمّ عمر، ومن بعدهما

٥٩

عثمان لا يسعهم الاستغناء عن آرائه في القضاء والسياسة والحرب، وخاصّة في خلافة عثمان؛ فقد كان على أتمّ الصّلة بالتيّارات التي تمخُر المجتمع الإسلامي، ولكنّ عثمان لم ينتفع كثيراً بالتوجيه الذي كان الإمام يُقدّمه؛ لأنّ بطانته المعروفة كانت تأبى عليه ذلك.

ولقد رأى أنّ المجتمع الإسلامي قد تردّى في هوّة من الفوارق الاجتماعيّة والاقتصادية التي زادت عمقاً وحدّة، بسبب السياسة غير الحكيمة التي اتّبعها ولاة عثمان مدّة خلافته، ورأى أنّ التوجيهات الدينية العظيمة التي عمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة حياته على إرساء أصولها في المجتمع الإسلامي الناشئ قد فقدت فاعليتها في توجيه حياة الناس.

وإنّما صار الناس إلى واقعهم هذا؛ لأنّهم فقدوا الثقة بالقوّة الحاكمة التي تُهيمن عليهم، فراحوا يسعون إلى إقرار حقوقهم وصيانتهم بأنفسهم، وهكذا انقطعت الصلة بينهم وبين الرموز المعنوية التي يجب أن تقود حياتهم.

والسبيل إلى تلافي هذا الفساد هو إشعار الناس أنّ حكماً صحيحاً يهيمن عليهم لتعود إلى الناس ثقتهم الزائلة بحكّامهم، ولكنّ هذا لم يكن سهلاً قريب الجنى، فثمّة طبقات ناشئة لا تُسيغ مثل هذا؛ ولذلك فهي حريّة بأن تقف في وجه كلّ منهج إصلاحي ومحاولة تطهيرية.

وإذاً فقد كان عليعليه‌السلام يُدرك - نتيجة لوعيه العميق للظروف الاجتماعيّة والنفسية التي كانت نجاح المجتمع الإسلامي في ذلك الحين - أنّ المدّ الثوري الذي انتهى بالأمور إلى ما انتهت إليه بالنسبة إلى عثمان يقتضي عملاً ثورياً يتناول دعائم المجتمع الإسلامي من النواحي الاقتصادية والاجتماعيّة والسياسية.

ولمّا كانت البيعة عقداً حقيقياً يستتبع مسؤوليات وواجبات وحقوقا

٦٠