الحسين (عليه السلام) ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله)

الحسين (عليه السلام) ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله)0%

الحسين (عليه السلام) ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 204

  • البداية
  • السابق
  • 204 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25289 / تحميل: 5814
الحجم الحجم الحجم
الحسين (عليه السلام) ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله)

الحسين (عليه السلام) ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله)

مؤلف:
العربية

عن أبي رافع عن أبيه قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أذّن في أُذن الحسين حين ولدته فاطمةرضي‌الله‌عنها (1) .

عن عبد العزيز بإسناده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً فأقبل الحسن والحسين فلمّا رآهماصلى‌الله‌عليه‌وآله قام لهما واستبطأ بلوغَهُما فاستقبلهما وحملهما على كتفيْه وقال: «نِعْمَ المطيُّ مطيُّكما ونِعْمَ الراكبان أنتما»(2) .

عن ابن عباس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حامل الحسين بن علي على عاتقه فقال رجل: نِعْمَ المركب ركبت يا غلام. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ونِعْمَ الراكب هو»(3) .

عن جابر قال: دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلّي والحسن والحسين على ظهره وقلت: نعم الجمل جملكما. ولمّا فرغ قال: «نعم نِعمَ العدلان أنتما»(4) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا»(5) .

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين: ج3 ص 179.

(2) ذخائر العقبى: ص 226.

(3) سنن الترمذي: ج 5 ص 661 ح 3784: سير أعلام النبلاء ج 4 ص 385 رقم 270 ينابيع المودّة: ص 262، ص 194 اُسد الغابة: ج2 ص 16.

(4) سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 385؛ ينابيع المودّة: ص 263 مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 1 ص 99؛ بغية الطلب: ج 6 ص 2574.

(5) الإصابة في تمييز الصحابة: ج 1 ص 332؛ الفصول المهمة: ص 152؛ ينابيع المودّة: ص

٢١

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيرُ رجالكم علي بن أبي طالب وخيرُ شبابكم الحَسَن والحُسَيْن وخير نسائكم فاطمة بنت محمد»(1) .

عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: «بايع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وهم صغار ولم يُبايع قطّ صغيرٌ إلاّ همعليهم‌السلام »(2) .

وروي عن جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «اصطرع الحسن والحسينعليهما‌السلام بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إيهاً حسن. فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا رسول الله استنهضت الكبير على الصغير! فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا جبرائيلعليه‌السلام يقول للحسين: إيهاً حسين خذ الحسنعليه‌السلام »(3) .

فشخصية الحسينعليه‌السلام وهو فتىً كانت بلا حدود وقد ورثها من جدّه وأبيه وأُمّه وأخيهعليهم‌السلام فكانت قوّته وجرأته قد ظهرت منذ صباه؛ فقد ورد عن الحسين بن عليعليه‌السلام أنّه قال: «أتيت عمر بن الخطاب وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت له: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر:

____________________

193؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 129 ح 3419؛ كنز العمال: ج 12 ص 113 ح 34251؛ النهاية: ج 2 ص 288.

(1) تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 167 ح 3505؛ كنزالعمال: ج 12 ص 102 ح 34191.

(2) العقد الفريد: ج 4 ص 351؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 180 ح 3517.

(3) الفصول المهمة: ص 169 الاصابة في تمييز الصحابة: ج 1 ص 332؛ ذخائر العقبي: ص 233؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 165 ح 3500؛ سير أعلام النبلاء: ج 4ص 405 رقم: 270؛ مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 105؛ أسد الغابة: ج 2 ص 26؛ نور الأبصار: ص 221.

٢٢

لم يكن لأبي منبر منبر أبيك والله لا منبر أبي. ثمّ قال لي: مَنْ علّمك هذا؟ فقلت: والله ما علّمني أحد. فقال: لا تزال تأتينا. فجئت يوماً وهو خال بمعاوية وابن عمر على الباب فرجعت فلقيني فقال: ألم أقل لك تأتينا؟ قلت: قد جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر على الباب. قال: أفأنت مثل ابن عمر؟ وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلاّ الله ثمّ أنتم؟ إذا جئت فلا تستأذن»(1) .

كلّ هذا إشارة إلى أهليتهم للإمامة والخلافة وهم صغار؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». وقول الحسينعليه‌السلام لعمر كلام خطير للغاية حيث نبّهه على عدم التصدّي للخلافة؛ لأنّ صعود المنبر معناه تزعّم الخلافة.

عن هشام بن محمد قال: لمّا أُجري الماء على قبر الحُسَيْن نضب بعد أربعين يوماً وامتُحي أثر القبر فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمّه حتى وقع على قبر الحسين وبكى وقال: بأبي وأُمّي! ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميتاً! ثمّ بكى وأنشأ يقول:

أرادوا ليخفوا قبرهُ عن وليِّه

فطيبُ ترابِ القبرِ دلّ على القبرِ(2)

____________________

(1) تهذيب التهذيب: ج 3 ص 436؛ الإصابة في تمييز الصحابة: ج 1 ص 333؛ ينابيع المودة: ص 197؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 157 ح 3517؛ مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 145؛ سيرأعلام النبلاء: ج 4 ص 405 - 270، وفيه (أي بني لو جعلت تأتينا وتغشانا) تهذيب الكمال: ج 6 ص 404؛ بغية الطلب: ج 6 ص 2584.

(2) تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 245 ح 3547؛ سير اعلام النبلاء: ج 3 ص 317 وفيه: (انمحى بدل امتحى) كفاية الطالب: ص 397؛ تهذيب الكمال: ج 6 ص 444؛ بغية

٢٣

وأمّا نظمهعليه‌السلام فمن ذلك ما نقله عنه ابن أعثم صاحب كتاب الفتوح وهو أنّهعليه‌السلام لمّا أحاطت به جموع ابن زياد (لعنه الله)(1) وقتلوا مَنْ قتلوا من

____________________

الطلب: ج 6 ص 2657.

(1) اللعن في اللغة: هو الطرد والإبعاد من الخير ولعنهم الله: أي طردهم وأبعدهم من رحمته. واللعن في القرآن الكريم بمعنى الطرد من رحمة الله وقيل اللعن: هو العذاب وقيل: الدعاء. واللعين: هو الشيطان؛ لأنّه أبعد من رحمة الله. وهناك فرق بين السب واللعن لغوياً مع أنّ كثيراً من الناس خلطوا بينهما؛ حيث اعتبروا اللعن هو السب.

وأمّا السب: بمعنى الشتم أي شتمه شتماً وجيعاً أي نال من عرضه. وحتى النظر يأتي بمعنى السب إذا كان نظر شامت. وفي القرآن الكريم يوجد أكثر من أربعين آية في اللعن وإن دلّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على مشروعية اللعن وجوازه بل ورد الاستحباب به. ومن الآيات قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) . سورة الأحزاب / 57( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) سورة البقرة: الآية 159 (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) سورة هود: الآية 18. وأمّا الروايات في اللعن منها:

عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ملعون ملعون مَنْ سبّ أباه ملعون ملعون مَنْ سبّ أُمّه ملعون ملعون مَنْ عمل عمل قوم لوط ملعون ملعون مَنْ أغرى بين بهيمتين ملعون ملعون مَنْ غيَّر تخوم الأرض ملعون ملعون مَنْ كمه أعمى عن الطريق». تاريخ بغداد: ج 4 ص 330 ح 2146؛ ميزان الاعتدال: ج 1 ص 106 ح 420.

عن أبي يحيى قال: كنت يوماً مع الحسن والحسين فسبّهما مروان سبَّاً قبيحاً حتى قال: والله إنّكم أهل بيت ملعونون. فقال الحسن والحسين أو أحدهما: «والله والله والله لقد لعنك الله على لسان نبيّه وأنت في صلب الحكم». فسكت مروان. المطالب العالية: ج 4 ص 329 ح 4522.

عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم». تاريخ بغداد: ج 10 ص 254 ح 5370.

٢٤

أصحابه ومنعوهم الماء كان له ولد صغير فجاءه سهم فقتله فرمّله الحسينعليه‌السلام وحفر له بسيفه وصلّى عليه ودفنه وقال شعراً منه:

غدرَ القومُ وقدماً رغبوا

عن ثوابِ اللهِ ربِّ الثقلين

قتلوا قدماً علياً وابنه

حسنَ الخيرِ كريمِ الأبوين

حسداً منهم وقالوا أقبلوا

نقتلُ الآن جميعاً للحسين

خيرةَ اللهِ من الخلقَ أبي

ثمّ أُمّي فأنا ابن الخيرتين

فضةٌ قد صُفيت من ذهبٍ

فأنا الفضةُ وابنُ الذهبين

مَنْ لهُ جدّ كجدّي في الورى

أو كشيخي فأنا ابن القمرين

فاطمُ الزهراءِ أُمّي وأبي

قاصمُ الكفرَ ببدرٍ وحنين(1)

____________________

عن عائشة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «شارب الخمر ملعون في التوراة والإنجيل والقرآن». كتاب فردوس الأخبار: ج 2 ص 507 ح 3427.

عن جابر قال: لعن رسول الله آكل الربا ومُوكِلَهُ وكاتبه وشاهديْه وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هم سواء». صحيح مسلم: ج 3 ص 407 ح 1598 - باب لعن آكل الربا ومؤكله.

عن أبي سعيد: لعن رسول الله الفاعل والمفعول به وأنا منهم بريء. ميزان الاعتدال: ج 2 ص 50 ح 2780

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ تغوّط على ضفة نهر يُتَوضأ منه ويُشرب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». تاريخ بغداد: ج 8 ص 356 ح 4456.

عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ لم تكن عنده صدقة فليلعن اليهود؛ فإنّها صدقة له». تاريخ بغداد: ج 1 ص 258 ح 87.

راجع كتابنا أهل البيتعليهم‌السلام - امتداد القرآن الفصل الخامس مشروعية اللعن [المؤلّف].

(1) الفصول المهمة: ص 177 مقتل الحسين - لأبي مخنف: ص 134 وفيه: بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين. كتاب الفتوح: ج 5 ص 210؛ نور الأبصار: ص 242.

٢٥

٢٦

أخلاق الحسينعليه‌السلام

٢٧

٢٨

من صفات المعصوم القائد والإمام الاتصاف بالخُلق الرفيع وهذه ميزة متجسّدة في خُلق الإمام أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام ؛ باعتباره صاحب مسيرة كبرى لتركيز إسلام جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وفيما يلي بعض ما روي في هذا الباب:

روى عن الحسن بن على قال: وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها فدُلَّ على الحسينعليه‌السلام فدخل المسجد فوجده مصلّياً فوقف بإزائه وأنشأ:

لم يخب الآن مَنْ رجاكَ ومَنْ

حرَّكَ من دون بابكَ الحلقهْ

أنتَ جوادٌ وأنتَ معتمدٌ

أبوكَ قد كانَ قاتلَ الفسقهْ

لو لا الذي كانَ من أوائلكمْ

كانت علينا الجحيمُ منطبقهْ

قال: فسلَّم الحسينعليه‌السلام وقال: «يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟» قال: نعم أربعة آلاف دينار. فقال: «هاتها؛ قد جاء مَنْ هو أحقٌّ بها منّا». ثمّ نزع بُرديه ولفَّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقِّ الباب؛ حياءً من الأعرابيِّ وأنشأ:

خذها فإنّي إليكَ معتذرٌ

واعلم بأنّي عليك ذو شفقهْ

٢٩

لو كانَ في سيرنا الغداةَ عصاً

أمست سمانا عليكَ مندفقهْ

لكنَّ ريبَ الزمانِ ذو غِيَرٍ

والكفُّ منِّي قليلةُ النفقهْ

قال: فأخذها الأعرابيُّ وبكى فقال له: «لعلّك استقللت ما أعطيناك؟». قال: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك؟ وولّى وهو يقول:

مُطهرونَ نقياتٌ جيوبهمُ

تجري الصلاةُ عليهم أينما ذُكروا

وأنتمُ أنتمُ الأعلونَ عندكمُ

علمُ الكتابِ وما جاءت بهِ السورُ

مَنْ لم يكن علوياً حينَ تنسبهُ

فما لهُ في جميعِ الناسِ مفتخرُ(1)

ومن أخلاقهعليه‌السلام : مرَّ الحسين بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا: الغداء. فنزل وقال: «إنّ الله لا يحبّ المتكبّرين». فتغدّى معهم ثمّ قال لهم: «قد أجبتكم فأجيبوني». قالوا: نعم. فمضى بهم إلى منزله فقال للرباب: «أخرجي ما كنت تدّخرين»(2) .

قال أنس: كنت عند الحسينعليه‌السلام فدخلتْ عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان فقال لهاعليه‌السلام : «أنت حرّة لوجه الله». فقلتُ له: تجيئك جارية تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟! قالعليه‌السلام : كذا أدّبنا الله قال الله:( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) وكان أحسن منها عتقها ) (3) .

عن علي بن موسى عن آبائهعليهم‌السلام : «أنّ الحسين بن علي دخل المستراح

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 185 ح 3517؛ مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 65؛ بغية الطلب: ج 6 ص 2593.

(2) تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 181 ح 3517.

(3) الفصول المهمة: ص 175.

٣٠

فوجد لقمة ملقاة فدفعها إلى غلام له فقال: يا غلام اذكرني هذه اللقمة إذا خرجت. فأكلها الغلام فلمّا خرج الحسين قال: يا غلام اللقمة. قال: أَكلتها يا مولاي. قال: أنت حرّ لوجه الله تعالى. فقال له رجل: اعتقته يا سيدي؟! قال: نعم سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: مَنْ وجد لقمة ملقاة فمسح منها ما مسح وغسل منها ما غسل وأكلها لم يسغها في جوفه حتّى يعتقه الله من النار ولم أكن لأستعبد رجلاً أعتقه الله من النار»(1) .

رويَ أنّ أعرابياً من البادية قصد الحسينعليه‌السلام فسلَّم عليه فردّعليه‌السلام فسأله حاجة وقال: سمعت جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إذا سألتم حاجةً فاسألوها من أحد أربعة؛ إمّا من عربي شريف أو مولى كريم أو حامل القرآن أو ذي وجه صبيح». فأمّا العرب فشرفت بجدّك وأمّا الكرم فدأبكم وسيرتكم وأمّا القرآن ففي بيوتكم نزل وأمّا الوجه الصبيح فإنّي سمعت جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن والحسين». فقال الحسين له: «ما حاجتك؟». فكتبها على الأرض فقال له الحسينعليه‌السلام : «سمعت أبي علياًعليه‌السلام يقول قيمة كلّ امرئ ما يحسنه وسمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث خصال؛ فإن أجبتني عن واحدة فلك ثلث ما عندي وإن أجبتني عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي وإن أجبتني عن الثلاث فلك كلّ ما عندي وقد حملت إليَّ صرّة مختومة وأنت أولى بها». فقال: سل عمّا بدا لك؛ فإن أجبت وإلاّ

____________________

(1) مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 1 / 148؛ ذخائر العقبى: ص 231.

٣١

تعلّمت منك فأنت من أهل العلم والشرف ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

فقال الحسينعليه‌السلام : «أي الأعمال أفضل؟».

قال: الإيمان بالله والتصديق برسوله.

قالعليه‌السلام : «فما نجاة العبد من الهلكة؟».

قال: الثقة بالله.

قالعليه‌السلام : «فما يزين المرء؟».

قال: علم معه حلم.

قالعليه‌السلام : «فإن أخطأه؟».

قال: فمال معه كرم.

قالعليه‌السلام : «فإن أخطأه ذلك؟».

قال: فقر معه صبر.

قالعليه‌السلام «فإن أخطأه ذلك؟».

قال: فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه. فضحك الحسينعليه‌السلام ورمى له بالصرّة وفيها ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمته مئتا درهم وقالعليه‌السلام : «يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك». فأخذ ذلك الأعرابي وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته(1) .

هذه الأخلاق العالية لم تصدر من إنسان عادي بل هي أخلاق الأنبياء

____________________

(1) مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 1 ص 156.

٣٢

والأوصياء وإنّها لدليل على أهليته للإمامة والخلافة والرئاسة.

ومن أخلاقهعليه‌السلام : لمّا التقى الحسينعليه‌السلام وأصحابه مع الحرّ بن يزيد التميمي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حَرّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم فقال الحسين لفتيانه: «اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشِّفوا الخيل ترشيفاً». فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطِّساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس فإذا عبَّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلّها. ولمّا حضر وقت الصلاة قال الحسينعليه‌السلام للحرّ: «أتريد أن تصلّي بأصحابك؟».

قال: لا بل تصلّي ونصلّي بصلاتك(1) .

نعم هذه أخلاق الحسينعليه‌السلام يسقي أعداءه الماء ويرشّف خيلهم اقتداءً بأبيه عليعليه‌السلام في واقعة صفين عندما استولىعليه‌السلام على الماء سمح لهم بالسقي والشرب بعكس معاوية وأصحابه حينما كانوا مستولين على الماء منعوا علياً وأصحابه منه وهكذا في واقعة الطفّ لمّا أمر عبيد الله بن زياد جيش عمر بن سعد بأن يمنعوا الماء عن الحسين وأصحابه وأهل بيته. وقد تمّ ذلك بالفعل عندما أقبل الحرّ بن يزيد على أهل الكوفة وهو عند الحسينعليه‌السلام فقال: لأُمّكم الهَبل والعُبْر! دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه فصار في

____________________

(1) أنساب الأشراف: ج 3 ص 169؛ تاريخ الطبري: ج 4 ص 302؛ الكامل في التاريخ: ج 2 ص 551؛ الأخبار الطوال: ص 249.

٣٣

أيديكم كالأسير قد حلأتموه ونساءه وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتتمرّغ فيه خنازير السواد لبئسما خلفتم به محمداً في ذرّيته! فدعوا هذا الرجل يمضي في بلاد الله؛ أما أنتم مؤمنون وبنبوة محمّد مصدّقون وبالمعاد موقنون؟! لا سقاكم الله يوم الظماء(1) .

وكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره أن يمنع الحسين ومَنْ معه الماء فأرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمئة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام. ونادى ابن حصين الأزدي: يا حسين أما تنظر إلى الماء؟ لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً. فقال الحسينعليه‌السلام : «اللّهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً». قال: فمرض فيما بعد فكان يشرب الماء القُلّة ثمّ يقيء ثمّ يعود فيشرب فمازال كذلك حتّى مات. وذكر البلاذري: فمات ابن حصين بالعطش كان يشرب حتّى يبغر(2) فيما يروى فما زال ذاك دأبه حتّى لفظ نفسه(3) .

ويُقال: إنّ عمرو بن الحجّاج قال: يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب وتشرب منه الحمير والخنازير والله لا تذوق منه جرعة حتّى تذوق الحميم في نار جهنم(4) .

____________________

(1) أنساب الأشراف: ج 3 ص 189؛ تاريخ الطبري: ج 4 ص 326؛ الكامل في التاريخ: ج 2 ص 564؛ مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 1 ص 252.

(2) يبغر: أي كان يشرب إلى أن يمتلئ جوفه من الماء فما يروى ولا يسكن عطشه.

(3) لفظ أنفاسه: أي حتّى مات يُقال: لفظ فلان نفسه.

(4) أنساب الأشراف: ج 3 ص 181؛ الكامل في التاريخ: ج 2 ص 556 تاريخ الطبري: ج 4 ص 311.

٣٤

ونادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيّات(1) والله لا تذوقه أو تموت. فقال الحسينعليه‌السلام : «إنّي لأرجو أن يوردنيه الله ويحلئكم(2) عنه»(3) .

هذا موقف معسكر يزيد بن معاوية من الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه لمّا منعوهم الماء وإن دلّ على شيء إنّما يدلّ على قساوة قلوبهم إضافة إلى مروقهم من الدين فبالأمس كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتحمل عطش ولده الحسينعليه‌السلام لمّا طلب منه الماء. وهذا ما رويَ عن جابر قال: كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الحسين بن علي فعطش فطلب له النبي ماء فلم يجده فأعطاه لسانه فمصّه حتّى روي(4) .

____________________

(1) المضبوط في جل المصادر (الحيتان) وهو جمع حوت والكلام كناية عن شعشعة الماء وتموّجه.

(2) يحلئكم: أي يطردكم عنه ويمنعكم عن وروده.

(3) أنساب الأشراف: ج 3 ص 181.

(4) مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 1 ص 152.

٣٥

٣٦

كلمات الحسينعليه‌السلام

٣٧

٣٨

ومن كلماتهعليه‌السلام التي دوَّت في تاريخ البشرية وكانت مدرسة للأجيال ولكلّ الأحرار والمفكّرين والعظماء بل مدرسة لا يمكن التخلّي عنها هي:

قولهعليه‌السلام : «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درَّتْ معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الديّانون». ثمّ قال لهمعليه‌السلام : «أهذه كربلاء؟». قالوا: نعم. فقالعليه‌السلام : «هذه موضع كرب وبلاء. ها هنا مناخ ركابنا ومحطّ رحالنا ومسفك دمائنا»(1) .

وقولهعليه‌السلام - مخاطباً أصحابه بعد أن حمد الله وأثنى عليه -: «أيّها الناس خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخُيِّر لي مصرع أنا لاقيه كأنّي بأوصالي تُقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خطّ بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفّينا أُجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته هي مجموعة لنا في حظيرة القدس؛ تقرّ بهم عينه

____________________

(1) مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 1 ص 237 بغية الطلب: ج 6 ص 2613.

٣٩

وينجز لهم وعده. فمَنْ كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معي فأنا راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى»(1) .

وقولهعليه‌السلام لمّا خرج من منزله ذات ليلة وأتى قبر جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك والثقل الذي خلّفته في أُمّتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنّهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك صلّى الله عليك»(2) .

وقولهعليه‌السلام في وصية إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب لأخيه محمّد بن الحنفيّة المعروف بابن الحنفيّة. إنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحقّ من عنده وأنّ الجنّة حقّ والنار حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور. وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدُي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة أبي علي بن أبي طالب فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ومَنْ ردَّ عليَّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين»(3) .

____________________

(1) مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 2 ص 5.

(2) مقتل الحسين - للخوارزمي: ج 1 ص 186؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج 1 ص 396؛ الفصول المهمة: ص 180؛ مقتل الحسين - لأبي مخنف: ص 24.

(3) كتاب الفتوح: ج 5 ص 33.

٤٠