السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام0%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 175240
تحميل: 7608

توضيحات:

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175240 / تحميل: 7608
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

السيدة زينب (عليها السّلام)

رائدة الجهاد في الإسلام

عرضٌ وتحليلٌ

تأليف: باقر شريف القَرَشي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ )

سورة آل عمران / ٣٣ - ٣٤

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

سورة الأحزاب / ٣٣

( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ )

سورة الشورى / ٢٣

٤

الإهداء

إلى ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (عليه السّلام)، أرفع إلى مقامه الرفيع هذه الدراسة عن شقيقته وشريكته في نهضته، والمطالبة بثأره، حفيدة الرسول السيّدة زينب (عليها السّلام)، راجياً أن يتفضل عليّ بالقبول، ويمنحني السعادة والشفاعة يوم ألقى الله.

٥

٦

تقديم

- ١ -

السيّدة زينب حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، هي أوّل سيّدة في دنيا الإسلام صنعت التأريخ، وأقامت صروح الحقّ والعدل، ونسفت قلاع الظلم والجور، وسجّلت في مواقفها المشرّفة شرفاً للإسلام وعزاً للمسلمين على امتداد التأريخ.

لقد أقامت سيّدة النساء صروح النهضة الفكرية، ونشرت الوعي السياسي والديني في وقت تلبّدت فيه أفكار الجماهير، وتخدّرت وخفي عليها الواقع؛ وذلك من جرّاء ما تنشره وسائل الحكم الاُموي من أنّ الاُمويِّين أعلام الإسلام وحماة الدين وقادة المتّقين، فأفشلت مخطّطاتهم، وأبطلت وسائل إعلامهم، وأبرزت بصورة إيجابية واقعهم الملوّث بالجرائم والموبقات وانتهاك حقوق الإنسان، كما دلّلت على خيانتهم وعدم شرعيّة حكمهم، وأنّهم سرقوا الحكم من أهله، وتسلّطوا على رقاب المسلمين بغير رضاً ومشورة منهم.

لقد أعلنت ذلك كلّه بخطبها الثورية الرائعة التي وضعت فيها النقاط على الحروف، وسلّطت الأضواء على جميع مخطّطاتهم السياسيّة وجرّدتها من جميع المقوّمات الشرعيّة.

٧

- ٢ -

وتجسّدت في حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) جميع الصفات الكريمة والنزعات الشريفة؛ فكانت أروع مثلٍ للشرف والعفاف والكرامة، ولكلّ ما تعتزّ به المرأة وتسمو به في دينا الإسلام.

لقد ورثت العقيلة من جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) ومن أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) جميع ما امتازوا به من المثل الكريمة، والذي كان من أبرزها الإيمان العميق بالله تعالى، فقد ضارعتهما العقيلة في هذه الظاهرة.

وقد روى المؤرّخون عن إيمانها صوراً مذهلة، كان منها أنّها صلّت ليلة الحادي عشر من محرّم، وهي أقسى ليلة في تأريخ الإسلام، صلاة الشكر لله تعالى على هذه الكارثة الكبرى التي حلّت بهم، والتي فيها خدمة للإسلام ورفع لكلمة التوحيد.

وكان من عظيم إيمانها وإنابتها إلى الله تعالى أنّها في اليوم العاشر من المحرّم وقفت على جثمان أخيها، وقد مزّقته سيوف الكفر، ومثّلت به العصابة المجرمة، فقالت كلمتها الخالدة التي دارت مع الفلك وارتسمت فيه قائلةً: «اللّهمّ تقبّل هذا القربان، وأثبه على عمله...».

تدول الدول وتفنى الحضارات وهذا الإيمان أحقّ بالبقاء وأجدر بالخلود من هذا الكوكب الذي نعيش عليه.

- ٣ -

وأقسى كارثة مدمّرة مُني بها العالم الإسلامي في جميع مراحل تأريخه

٨

إقصاء أهل بيت النبوة ومعدن الرحمة عن المسرح السياسي، وتسليم قيادة الاُمّة ومقدّراتها إلى غيرهم؛ فقد اندفع قادة الانقلاب بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) - فيما أجمع عليه المؤرّخون - رافعين عقيرتهم قائلين: «لا تجتمع النبوّة والخلافة في بيتٍ واحدٍ...».

ولم يحفلوا بوصايا النبي (صلّى الله عليه وآله) في حقّ أهل بيته من أنّهم سفن نجاة الاُمّة وأعلام هدايتها وباب حطّتها، وقال فيهم:«لا تتقدّموهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» .

وقرنهم بمحكم التنزيل فقال مكرّراً:«إنّي تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله حبل ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما...» (١) .

إنّ الإمعان والتدبّر في الوثائق السياسيّة التي ذكرها المؤرّخون بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) تبدو فيها بصورة واضحة حقيقة المؤامرة ودوافعها التي دُبّرت ضدّ أهل البيت (عليهم السّلام)، والتي كان من أظهرها الحسد لعترة النبي (صلّى الله عليه وآله) على ما منحهم الله من الفضل، وما خصّهم من المنزلة والكرامة، مضافاً إلى التهالك على السلطة والاستيلاء على مقدّرات الدولة.

وتُلقي هذه الدراسة الأضواء على ذلك بصورة أمينة وبعيدة عن المؤثّرات التقليديّة.

- ٤ -

وحُرمت الاُمّة بجميع شرائحها من الانتهال من نمير علوم أهل البيت (عليهم السّلام) الذين

____________________

(١) المراجعات / ٤٩، نقلاً عن كنز العمّال ١ / ٤٤، والترمذي، وحفلت مصادر الحديث بتخريج الرواية وتصحيحها.

٩

هم خزنة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) وسدنة حكمته، فكان سيّد العترة وعملاق الفكر الإسلامي الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بمعزلٍ تام عن الحياة السياسيّة والعملية طيلة حكم الخلفاء، ولمّا آل إليه الأمر وتقلّد زمام الحكم ثارت عليه الرأسمالية القرشية التي ناجزت الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، كما ثار عليه الطامعون والمنحرفون عن نهج الحقّ؛ فجرّعوه الغصص والآلام، وشغلوه حتّى عن نفسه، ومُني العالم الإسلامي بخسارة عظمى، فلم يُفسح المجال لهذا الإمام الملهم العظيم أن ينشر علومه بين الناس.

ومن المؤسف حقّاً أنّ الأئمّة (عليهم السّلام) من بعده واجهوا المصير الذي لاقاه جدّهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)؛ فقد عمد الاُمويّون والعباسيّون إلى حجبهم عن الأوساط الشعبيّة حتّى لا تعرف قدراتهم العلميّة، وكلّ هذه الضربات القاسية التي عانتها الاُمّة من جراء فصل القيادة العامّة عن أهل البيت (عليهم السّلام).

- ٥ -

ومن النتائج المؤسفة والمحزنة بعد إقصاء العترة الطاهرة عن شؤون الحكم أن آلت الخلافة الإسلاميّة التي هي ظلّ الله في الأرض إلى (بني اُميّة)، الذين هم الشجرة الملعونة في القرآن؛ فاتّخذوا مال الله دِوَلاً، وعباد الله خِوَلاً، وأشاعوا الجور والظلم بين الناس، واستهدفوا المصلحين ورجال الوعي بالإعدام والتنكيل.

فقد أعدم معاوية بن أبي سفيان أعلام الإسلام وحماته، أمثال: حجر بن عدي وأصحابه المجدّدين، وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهم، وتتبّع أخوه اللاشرعي الإرهابي زياد بن أبيه شيعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذين يمثّلون الوعي الديني والسياسي في المجتمع الإسلامي؛ فنفّذ في معظمهم الإعدام، وأخلد الكثيرين منهم

١٠

في ظلمات السجون. وسار على هذه السياسة الخرقاء السوداء عمّاله وولاته، وسائر ملوك بني اُميّة من بعده؛ فأوعزوا إلى رجال أمنهم وأجهزة حكمهم بمطاردة شيعة آل البيت (عليهم السّلام)، وإبادتهم تحت كلّ حجر ومدر.

لقد كانت سياستهم شعلة من النار تحرق المصلحين، وتبيد المؤمنين، وتحمي الفاسقين، وتساند الظالمين.

- ٦ -

وظهر على مسرح السياسة الإسلاميّة بعد هلاك معاوية ولده يزيد، وهو فيما أجمع عليه المؤرّخون: حاكم ظالم، جاهلي، لم يؤمن بالله طرفة عين، قد خلد إلى الفسق والفجور واقتراف كلّ ما حرّم الله من إثم، وقد أعلن كفره وإلحاده ومروقه عن الدين بقوله:

لَعِبَت هاشمُ بالمُلكِ فلا = خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزل

وقد تفجّرت سياسته في جميع مراحل حكمه بكلّ ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه؛ من إشاعة المنكر والفجور، واستعباد المسلمين، وإرغامهم على ما يكرهون...

لقد سلّطه أبوه معاوية على جميع مقدّرات الدولة الإسلاميّة، ومكّنه من رقاب المسلمين مع علمه وإحاطته التامّة بنزعاته الجاهليّة، وتحلّله من جميع القيم والأعراف الإنسانيّة، فهو المسؤول أمام الله وأمام التأريخ والاُمّة عن موبقات هذا الوغد الجاهلي الذي حوّل حياة المسلمين إلى جحيم لا يُطاق.

- ٧ -

وليس في العالم الإسلامي مَنْ يستطيع أن يقول كلمة الحقّ، ويغيّر

١١

مجرى التأريخ غير سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته، ووارث علمه الإمام الحسين (عليه السّلام)؛ ففجّر ثورته الكبرى التي أعزّ الله بها الإسلام، وأوضح بها الكتاب، وجعلها عبرة لأولي الألباب، تمدّ المسلمين على امتداد التأريخ بالعزّة والكرامة، والتمرّد على الظلم، ومصارعة الطغاة، ومناجزة المستبدين.

لقد كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) من أهم الثورات الإصلاحية التي عرفها التأريخ الإنساني؛ فقد هزّت الضمير العالمي وذلك بفصولها المروّعة، ومآسيها الخالدة في دنيا الأحزان، كما أنّها تحمل عطاءً فكرياً ودروساً مشرقة لجميع شعوب العالم لإنقاذها من ويلات الاستعمار والاستعباد، وستبقى حيّةً مشرقةً حتّى يرث الله الأرض ومَنْ عليها.

- ٨ -

وكانت الأحداث المفزعة التي مُني بها العالم الإسلامي في أيام معاوية وولده يزيد بمرأى ومسمع من الإمام الحسين (عليه السّلام)؛ فقد رأى باطلاً يُحيا، وصادقاً يُكذَّب، وكاذباً يُصدَّق، ومفسداً يُعظّم، وأثرة بغير تُقى.

قد عُطلت حدود الله، وجمدت أحكام الإسلام. لا آمر بمعروف، ولا ناهٍ عن منكر، فلم يستطع سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الصبر على هذه الكوراث التي مُني بها العالم الإسلامي؛ فأعلن (سلام الله عليه) ثورته الكبرى على الحكم الاُموي، مستهيناً بالموت، عازماً على الشهادة، وأعلن كلمته الخالدة التي هي وسام شرف وفخر للإسلام، ونشيد لأحرار العالم في كلّ زمان ومكان قائلاً:«لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً...» .

واستقبل الموت هو وأهل بيته وأصحابه بثغورٍ باسمة، ونفوس

١٢

مطمئنة؛ لإنقاذ المسلمين من استعباد الاُمويِّين وظلمهم، وإعادة الحياة الإسلاميّة إلى مجراها الصحيح.

- ٩ -

وساهمت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب (عليها السّلام) في الثورة الحسينيّة، وشاركت في جميع ملاحمها وفصولها مشاركة إيجابيّة وفاعلة؛ فقد وقفت إلى جانب شقيقها في أوّل مرحلة من مراحل جهاده، وهي على علم لا يُخامره أدنى شك من شهادته، وما يجري عليه وعليها من صنوف الكوارث والخطوب.

أخبرها بذلك أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) باب مدينة علم النبي (صلّى الله عليه وآله)، كما أسرّ إليها بذلك أخوها الإمام الحسين (عليه السّلام)، فانطلقت (سلام الله عليها) بإرادة وعزم وتصميم إلى مساندة أخيها، ومشاركته في ثورته الكبرى التي غيّرت مجرى التأريخ، وأمدّت العالم الإسلامي بجميع عوامل النهوض والارتقاء.

لقد آمنت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بثورة أخيها أبي الأحرار، وجاهدت جهاداً لم يعرف التأريخ مثله في مرارته وأهواله، وتبنّت جميع مُخطّطات الثورة وأهدافها، وهي التي أبرزت قيمها الأصيلة في خطبها التأريخية في أروقة الحكم الاُموي؛ فبلورت الرأي العام، وأوجدت وعياً أصيلاً كان من نتائجه الثورات الشعبيّة المتلاحقة التي أطاحت بالحكم الاُموي، وأزالت ذلك الكابوس المظلم عن الاُمّة الإسلاميّة.

- ١٠ -

وليس في العالم الإسلامي وغيره امرأة تضارع سيّدة النساء السيّدة زينب

١٣

في قوّة شخصيتها، وصلابة عزيمتها، وعظيم إيمانها؛ فقد رأت ما حلّ بأهلها من الرزايا والكوارث التي تميد من هولها الجبال، وهي صامدة قد تسلّحت بالصبر، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

رأت حفيدة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الشباب الذين هم كالبدور من أبنائها، وأبناء إخوتها وعمومتها، قد تقطّعت أوصالهم على صعيد كربلاء، رأت الأطفال الأبرياء من أهل البيت يُذبحون بوحشية لا مثيل لها بأيدي اُولئك القُساة الممسوخين.

رأت حرائر النبوّة قد أشرفن على الهلاك من ألم العطش القاتل وهنّ يندبن بذوب أرواحهنّ قتلاهنّ، وهي (سلام الله عليها) تسلّيهنّ وتأمرهنّ بالخلود إلى الصبر.

رأت أخاها سيّد الشهداء الذي هو عندها أعزّ من الحياة قد أحاطت به أوغاد البشرية، وهم يوسعونه ضرباً بسيوفهم ورماحهم ونبالهم حتّى احتزّوا رأسه الشريف.

رأت هجوم الكفرة العتاة بعد مقتل أخيها على خيام النساء وقد أضرموا النار فيها، والمخدّرات من بنات الرسول يتراكضن في البيداء خوفاً من الحريق، وقد تكالب على نهبهن أعداء الله... كلّ هذه المصائب والرزايا قد حلّت بحفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله)، فما استكانت ولا وهنت وإنّما زادتها إيماناً وتماسكاً وتسليماً لأمر الله.

- ١١ -

إنّ كارثة كربلاء وما جرى على بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من صنوف الأسر والذلّ والتنكيل تستدعي أن ننظر إلى الوثائق السياسيّة، وإلى الأحداث التي

١٤

جرت بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) مباشرة؛ فإنّها المصدر الأساسي لِما حلّ بأهل البيت (عليهم السّلام) من عظيم الرزايا والخطوب.

إنّ مؤتمر السقيفة ونظام الشورى هما من أهمّ العوامل التي أدّت إلى استيلاء بني اُميّة على كرسي الحكم، وتسلّطهم على رقاب المسلمين، وإبادتهم لعترة النبي (صلّى الله عليه وآله)؛ فلولا السقيفة والشورى لما حلم الاُمويّون بأيّ منصب من مناصب الدولة الإسلاميّة؛ فقد أذلّهم الإسلام منذ فجر تأريخه، واستهان بهم المسلمون لأنّهم من ألدّ أعدائهم الذين ناجزوهم الحرب، وجهدوا على محو دين الله، وحاولوا قتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

إنّ الأجهزة الحاكمة بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) قرّبت الاُسرة الاُمويّة، وأزالت عنهم كابوس الذلّ والهوان الذي ضربه عليهم الإسلام؛ فمنحتهم الثراء العريض، وقلّدتهم معظم المناصب في الدولة الإسلاميّة.

وكان من أعظم المنتفعين منهم الذئب الجاهلي معاوية بن أبي سفيان؛ فقد أسندوا إليه ولاية الشام، وزادوا في رقعة سلطانه، ومنحوه كلّ تسديد وتأييد، تتوافد الأخبار إلى الخليفة الثاني أنّ معاوية يسرف في أموال المسلمين، ويُشيّد القصور، ويقترف كلّ ما حرّم الله؛ فيلبس الحرير، ويشرب ويأكل في أواني الذهب والفضة وذلك محرّم في الإسلام، فيعتذر عنه ويقول: ذاك كسرى العرب!

وليس - والحمد لله - في شريعة الإسلام كسروية ولا قيصرية، فجميع المسلمين سواء أمام القانون لا يفضّل بعضهم على بعض إلاّ بالتقوى وعمل الخير، ثمّ هل يُباح لكسرى العرب أن يقترف ما حرّم الله وتنتفي عنه المسؤولية الشرعيّة؟! ومتى كان معاوية كسرى العرب؛ فقد أذلّه الإسلام وأسقطه اجتماعياً، ووسمه وأفراد اُسرته بالشجرة المعلونة في القرآن، كما وسمهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) بالطلقاء؟!

١٥

وعلى أيّ حال، فإنّ أدنى تأمّل في أحداث كربلاء وما عانته عترة النبي (صلّى الله عليه وآله) من الويلات والكوارث يستند بصورة أوّلية لا تقبل الجدل والشك إلى مؤتمر السقيفة والشورى؛ فهما مصدران لكلّ كارثة جرت على آل البيت (عليهم السّلام)، كما هما السبب في كلّ فتنة مُني بها المسلمون على امتداد التأريخ.

- ١٢ -

إنّ أعظم خدمة تؤدّي للاُمّة، وأكثر عائدة عليها بفضل، هي إبراز القيم الأصيلة والمثل العليا لأهل البيت (عليهم السّلام)، وإشاعة فضائلهم ومآثرهم بين الناس؛ فإنّ لها التأثير المباشر في نشر الفضيلة وتهذيب الأخلاق وتنمية السلوك نحو الأفضل؛ فإنّهم (سلام الله عليهم) أشعة من نور الله في كلامهم وسيرتهم وسلوكهم، وهم سفن نجاة هذه الاُمّة، وعُدلاء الذكر الحكيم حسبما تواترت الأخبار بذلك عن جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

إنّ حياة أهل البيت (عليهم السّلام) مدرسة من مدارس التقوى والإيمان، والجهاد والكفاح، قد وهبوا حياتهم لله تعالى، وأخلصوا كأعظم ما يكون الإخلاص له؛ فلا تقرأ سيرة أحدٍ منهم إلاّ تجد ملفّ حياته حافلاً بتقوى الله وطاعته، صياماً في النهار، وقياماً بالصلاة وتلاوة الكتاب بالليل.

كما أنّ البارز في سيرتهم إشاعة العلم والحكمة والآداب بين الناس، والبرّ بالفقراء، والعطف على [البائسين]، ومقارعة الباطل، ومناجزة الظلم، ومقاومة حكّام الجور؛ فقد تبنّوا (سلام الله عليهم) قضايا المسلمين، فناجزوا حكّام عصورهم الذين أشاعوا الظلم والفساد في الأرض، فتعرّضوا جميعاً إلى التنكيل والاضطهاد من الحاكمين حتّى استشهدوا

١٦

جميعاً بين مقتول ومسموم.

- ١٣ -

ومن بين أهل البيت (عليهم السّلام) الذين رفعوا كلمة الله عاليةً في الأرض سيّدة النساء السيّدة زينب، فهي أوّل سيّدة مجاهدة في الإسلام، وقد عانت أشقّ وأقسى أنواع المحن والخطوب؛ فقد سُبيت بعد مقتل أخيها من كربلاء إلى الكوفة، ومعها باقي بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، واُدخلن على ابن مرجانة الذي هو أقذر إرهابي مجرم عرفه التأريخ، فجرت مشادّة بينه وبين السيّدة زينب، فاستهانت به واحتقرته، فاستشاط الخبيث الدنس غضباً، وهمّ بضرب حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله)، إلاّ أنّه امتنع؛ فقد عذله بعض الحاضرين مخافة الفتنة والاضطراب.

ثمّ حُملن إلى الشام سبايا فاُدخلن على يزيد حفيد أبي سفيان، فخطبت السيّدة زينب في بلد يزيد خطابها التأريخي الخالد الذي نعت فيه قتله لسيّد الشهداء، وأسره لبنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يتصفّح وجوههنَّ القريب والبعيد، وقد بلورت فيه الرأي العام، وأيقظت الجماهير من سباتها، وجرّدت الحكم القائم من كلّ شرعيّة، ودعت المسلمين إلى الإطاحة به.

لقد تجرّعت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) الغصص والمصائب التي تذوب من هولها الجبال، كلّ ذلك من أجل الإسلام والحفاظ على مبادئه وقيمه، ومناهضة الظلم والاستبداد.

إنّ السيّدة زينب (سلام الله عليها) بمواقفها البطولية وكفاحها المشرّف ضدّ الظلم والطغيان يجب أن تكون قدوة فذّة لجميع السيّدات من نساء العالمين، وأن يتّخذنَّها قائدة لمقارعة الظلم ونشر العدل في الأرض.

١٧

- ١٤ -

وفي ختام هذا التقديم أرجو أن أكون قد أدّيت في هذه الدراسة عن حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله) بعض فروض المحبّة والولاء لأهل بيت النبوّة الذين فرض الله مودّتهم في كتابه الكريم، وأن أكون قد ساهمت في إبراز بعض قيم هذه السيّدة الجليلة التي هي أسمى وأرفع امرأة في الإسلام بعد اُمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السّلام). آملاً من الله تعالى أن تنالني شفاعتها يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ مَنْ أتى الله بقلب سليم.

كما أرى أنّ من الحقّ عليّ أن أشيد بسماحة أخي حجة الإسلام والمسلمين العلاّمة الكبير الشيخ هادي شريف القرشي؛ ففي ذرى عطفه ورعايته ألّفت هذا الكتاب وغيره، والله تعالى هو الذي يتولّى جزاءه كما يجازي المحسنين من عباده، إنّه تعالى وليّ التوفيق.

النجف الأشرف

١٨ / شعبان/ ١٤١٤ هـ

باقر شريف القرشي

١٨

النسب الوضّاح

ليس في دنيا الإسلام وغيره نسب أرفع ولا أسمى من نسب السيّدة زينب (سلام الله عليها)؛ فقد تفرّعت من دوحة النبوّة والإمامة، والتقت بها جميع أواصر الشرف والكرامة، فهي فرع زاكٍ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن الإمام علي (عليه السّلام)، وهما من أفضل ما خلق الله من بني الإنسان، فتبارك هذا النسب الوضّاح، وتعالت تلك الاُسرة الكريمة التي أعزّ الله بها العرب والمسلمين، وجعلها مصدر الوعي والإلهام للمسلمين على امتداد التأريخ.

إنّ الاُسرة العلوية هي أسمى اُسرة عرفها التأريخ بجهادها ونضالها، وتبنّيها لحقوق الإنسان وقضايا مصيره، ومقاومتها للظلم والطغيان، فليس في اُمم العالم وشعوب الأرض مثل اُسرة العلويِّين في دفاعهم عن حقوق المظلومين والمضطهدين، وقد استشهد المئات منهم من أجل حرية الإنسان وكرامته.

وعلى أيّ حال، فهذه لمحة موجزة عن الاُصول الكريمة التي تفرّعت منها سيّدة النساء زينب (عليها السّلام).

الجدّ

أمّا جدّ السيّدة زينب فهو سيّد الكائنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الذي فجّر ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وأسس معالم الحضارة والتطوّر، وبنى مجتمعاً كريماً تسوده

١٩

العدالة والقانون، وسحق خرافات الجاهليّة وعاداتها، ودمّر أصنامها وأوثانها، ودعا إلى توحيد الله خالق الكون وواهب الحياة، وجاء بالخير العميم لاُمّته، ولكلّ ما تسمو به من التقاليد والعادات، فما أعظم عائدته عليها وعلى البشرية جمعاء!

لقد أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين، ومنار هداية لخلقه أجمعين، فكان (صلوات الله عليه) كما قال الله تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (١) . فهو رحمة للناس جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، حريص على هدايتهم وإسعادهم، قال تعالى:( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (٢) .

لقد تشرّفت الإنسانيّة برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأشرقت الدنيا بدعوته، وتوطّدت أركان العدالة بدينه، فهو (صلّى الله عليه وآله) القائد الملهم لقضايا الفكر والوعي في الأرض.

هذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ونبي الرحمة جدّ سيّدة النساء زينب (عليها السّلام)، وقد ورثت منه خصائصه ومميزاته، والتي منها الدفاع عن الحقّ، ورفع كلمة الله عالية في الأرض.

الجدّة

أمّا جدّة السيّدة زينب فهي اُمّ المؤمنين وسيّدة نساء النبي (صلّى الله عليه وآله) خديجة الكبرى التي نصرت الإسلام في أيام محنته وغربته، وجاهدت في سبيل الله كأعظم ما يكون الجهاد، وقد بذلت جميع ما تملكه في نصرة الإسلام، وكانت من أثرى قريش، فلم تعد بعد ثرائها العريض تملك ما تجلس عليه سوى حصير بال، فكانت (رضوان الله عليها) من أهم الدعائم لإقامة دين الإسلام، وهي التي أمدّت النبي (صلّى الله عليه وآله) ومَنْ كان

____________________

(١) سورة الأنبياء / ١٠٧.

(٢) سورة التوبة / ١٢٨.

٢٠