السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186332 / تحميل: 8248
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

عن رأيه الخاص، وإنّما كان عن رأي المسلمين واتّفاقهم.

متى ولا نعلم أنّه حتّى استشار أحداً في تقمّصه للخلافة، ومصادرته لتركة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتأميمه لفدك وغيرها؛ مما أوجب التضييق الاقتصادي على العترة الطاهرة؟!

وعلى أي حال، فقد حفظت السيّدة زينب وهي في عهد الصبا هذا الخطاب الخالد، وهي إحدى رواته، وكان ذلك آية في نبوغها فقد روته بحرفيته، وكانت مع اُمّها حينما أدلت بهذا الخطاب الذي هو أحد الركائز المهمّة في مذهب أهل البيت (عليهم السّلام)، وقد رجعت معها وهي تجرّ أذيال الخيبة، قد مزّق الأسى فؤادها؛ فلم يرع أبو بكر مكانتها، ولم يستجب المسلمون لمطالبها، وقد استولت عليها الآلام والهموم على ما تُمنى به الاُمّة من الكوارث والأزمات من جراء إقصاء أهل البيت (عليهم السّلام) عن القيادة العامة للعالم الإسلامي.

اعتذار مرفوض

وجهد أبو بكر وعمر على إرضاء زهراء الرسول وتطييب خاطرها على ما اقترفاه في حقّها، فاستأذنا بالدخول عليها فأبت أن تأذن لهما، وعرضا على الإمام (عليه السّلام) رغبتهما الملحّة في مقابلة سيّدة النساء، فانطلق الإمام نحو الصدّيقة والتمس منها إجابتهما، فسمحت لهما بالدخول، فلمّا مثلا عندها أشاحت بوجهها عنهما، وقدّما إليها اعتذارهما، فقالت:«أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تعرفانه وتعملان به؟» .

فأجابا: نعم.

فقالت:«نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمَنْ أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، ومَنْ أرضى

١٠١

فاطمة فقد أرضاني، ومَنْ أسخط فاطمة فقد أسخطني؟» .

فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فانبرت حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهي مغيظة محنقة، فخاطبت أبا بكر وشاركت معه صاحبه قائلة:«إنّي اُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونّكما إليه» .

وفزع أبو بكر وقال رافعاً عقيرته: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة. ووجّهت إليه أعنف القول قائلة:«والله، لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة اُصليها» (١) .

وخرج أبو بكر ولم يظفر برضا زهراء الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وكان ذلك من أعظم الصدمات التي واجهها في أيام حكومته. ومن الطبيعي أنّ عقيلة بني هاشم قد شاركت اُمّها البتول في سخطها على أبي بكر، وعدم رضائها عنه.

مآسي البتول (عليها السّلام)

وطافت موجات قاسية من الآلام والأحزان ببضعة الرسول ووديعته؛ فقد استغرق الأسى قلبها الرقيق المعذّب، وغشيتها سُحب قاتمة من اللوعة والحزن على فقد أبيها الذي كان عندها أعزّ من الحياة، وكانت تزور بلهفة جسده الطاهر، فتطوف حوله

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ١٤، الطبعة الأولى.

١٠٢

وهي ذاهلة اللبّ، منهدّة الكيان، فتلقي بنفسها عليه، وتأخذ حفنة من ترابه الطاهر فتضعه على عينيها، وهي تبكي أمرّ البكاء وأقساه، وتقول:

ماذا على مَن شمّ تربةَ أحمدٍ = أن لا يشمَ مدى الزمانِ غواليا

صُبّت عليّ مصائبٌ لو أنّها = صُبّت على الأيام صرنَ لياليا

قل للمغيّبِ تحتَ أطباقِ الثرى = إن كنتَ تسمعُ صرختي و ندائيا

قد كنتُ ذات حمى بظلِ محمّدٍ = لا أختشي ضيماً و كانَ جماليا

فاليوم أخضعُ للذليلِ وأتّقى = ضيمي وأدفعُ ظالمي بردائيا

فإذا بكت قمريةٌ في ليلها = شجناً على غصنٍ بكيتُ صباحيا

فلأجعلنَّ الحزنَ بعدكَ مؤنسي = ولأجعلنّ الدمعَ فيك وشاحيا(١)

وحكت هذه الأبيات ما عانته زهراء الرسول من لوعة وشجون على فراق أبيها الذي استوعب حبّه عواطفها ومشاعرها، وقد بلغ من عظيم حزنها عليه أنّه لو صبّت مصائبها على الأيام لخلعت ضياءها ولبست السواد القاتم.

كما صوّرت هذه الأبيات الرقيقة مدى عزّتها وعظيم مكانتها في أيام أبيها سيّد الكائنات؛ فقد كانت من أعزّ وأمنع نساء المسلمين، ولكنّها بعد فقد أبيها تنكّر لها أصحابه، وأجمعوا على هضمها والغضّ من شأنها حتّى صارت تخضع للذليل، وتتّقي الظالمين لها بردائها، إذ ليس عندها قوّة تحميها ولم تكن تأوي إلى ركن شديد.

وقد خلدت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ووديعته إلى الأسى والحزن، وقد وجدت في البكاء راحة نفسية لها، وبلغ من عظيم وجدها على أبيها أنّ أنس بن مالك استأذن عليها ليعزّيها بمصاب أبيها، وكان ممّن وسّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مثواه الأخير،

____________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ١٣١.

١٠٣

فقالت له:«هذا أنس بن مالك؟» .

- نعم يا بنت رسول الله.

فانبرت وهي تلفظ قطعاً من قلبها المذاب قائلة:«كيف طابت نفوسكم أن تحثّوا التراب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!» (١) .

وغرق أنس في البكاء، وانصرف وقد نخب الأسى فؤاده.

وبلغ من عظيم حزن الصدّيقة على أبيها أنّها كانت تُطالب الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن يريها القميص الذي غُسّل فيه أباها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإذا جاء به إليها تأخذه بلهفة وتوسعه تقبيلاً وشمّاً؛ لأنّها تجد فيه رائحة أبيها الذي غاب في مثواه. وخلدت زهراء الرسول إلى البكاء في وضح النهار وفي غلس الليل، وظلّ شبح أبيها يطاردها في كلّ فترة من حياتها القصيرة الأمد.

وكانت ابنتها الصدّيقة الطاهرة زينب في حزن بهيم، تنظر إلى اُمّها وقد أشرفت على الموت من كثرة البكاء على أبيها، فكانت تشاركها في أحزانها وآلامها ولوعتها.

وثقل على أتباع أبي بكر بكاء الصدّيقة على أبيها، فشكوا ذلك إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وطلبوا منه أن يجعل لبكائها وقتاً خاصاً، فعرض الإمام عليها ذلك فأجابته؛ فكانت في نهارها تمضي إلى خارج المدينة وتصحب معها ولديها الحسن والحسين وزينب (عليهم السّلام)، فتجلس تحت شجرة من الأراك، وتأخذ باللوعة والبكاء على أبيها طيلة النهار، فإذا أوشكت الشمس أن تغرب قفلت مع أبنائها إلى الدار.

وعمد القوم إلى تلك الشجرة فقلعوها، فكانت تبكي في حرّ الشمس، فسارع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فبنى لها بيتاً سمّاه (بيت الأحزان)، وظل هذا البيت رمزاً لأساها وغضبها على القوم على مرّ العصور.

ويقول الرواة: إنّ الإمام قائم آل محمّد (عجّل الله تعالى فرجه) قال

____________________

(١) سنن ابن ماجة / ١٨، المواهب اللدنية ٢ / ٣٨١.

١٠٤

في هذا البيت:

أم تراني اتخذت لا وعُلاها = بعد بيت الأحزانِ بيتَ سرورِ

وكانت بضعة رسول الله وحبيبته مع أطفالها يمكثون طيلة النهار في ذلك البيت الحزين، وهي تناجي أباها وتندبه وتبكيه، فإذا جاء الليل أقبل الإمام (عليه السّلام) فأرجعها مع أطفالها إلى الدار.

واستولى الحزن على بضعة الرسول وذاب جسمها، وقد فتكت بها الأمراض فلازمت فراشها، ولم تتمكّن من النهوض والقيام، وكانت ابنتها العقيلة إلى جانبها تقوم بخدماتها ورعايتها، وبادرت السيّدات من نساء المسلمين إلى عيادتها، فقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟

فرمقتهنَّ بطرفها، وأجابتهنَّ بصوتٍ خافت مشفوع بالأسى والحسرات قائلة:«أجدني كارهة لدنياكنَّ، مسرورة لفراقكنَّ، ألقى الله ورسوله بحسرات، فما حُفِظ لي الحق، ولا رُعيت منّي الذمّة، ولا قُبلت الوصية، ولا عُرِفت الحرمة» (١) .

أجل، لم يُحفظ حقّها، ولم تُرعَ ذمّتها؛ فقد أصرّ القوم على هضمها والتنكّر لها، وانصرفن النسوة وقد غامت عيونهنَّ بالدموع، وعرضن على أزواجهن كلمات زهراء الرسول وغضبها عليهم، وقد عرفوا مدى تقصيرهم في حقّها.

وهرعت بعض اُمّهات المؤمنين إلى عيادتها، فقلنَ لها: يا بنت رسول الله، صيّري لنا في حضور غسلك حظّاً(٢) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩٥.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ٢٧.

١٠٥

فلم تجبهنَّ إلى ذلك، وقالت:«لا حاجة لي في حضوركنَّ» .

إلى جنة المأوى

وذوت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) كما تذوي الأزهار، ومشى إليها الموت سريعاً وهي في شبابها الغضّ الإهاب، وبدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة التي استهانت بها، وطلبت حضور ابن عمّها أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فعهدت إليه بوصيتها، وأهم ما فيها:

١ - أن يواري جثمانها المقدّس في غلس الليل البهيم.

٢ - أن لا يحضر جنازتها أحد من الذين هضموها وظلموها؛ فإنّهم أعداؤها وأعداء أبيها على حدّ تعبيرها.

٣ - أن يعفي موضع قبرها ويخفيه؛ ليكون رمزاً لغضبها على القوم، غير قابل للتأويل والتصحيح على ممر الأجيال الصاعدة.

وضمن لها الإمام جميع ما عهدت به إليه، وانصرف عنها وهو غارق في الأسى والشجون.

وطلبت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من أسماء بنت عميس أن يُصنع لها سرير يواري جسدها الطاهر؛ فقد كانت العادة بوضع الأموات على لوحة تبدو فيها أجسامهم، وكرهت ذلك سيّدة النساء، فعملت لها أسماء سريراً يُستر مَنْ فيه، كانت قد رأته حينما كانت في الحبشة.

فلمّا نظرت إليه ابتسمت، وهي أوّل ابتسامة شوهدت لها منذ أن لحق أبوها بالرفيق الأعلى(١) .

وفي آخر يوم من حياة الصدّيقة أصبحت وقد ظهر عليها بعض التحسّن، وبدا عليها الفرح والسرور؛ فقد علمت أنّ هذا اليوم هو خاتمة حياتها، وفيه تلتحق بأبيها الذي هو عندها أعزّ من الحياة، وعمدت الصدّيقة إلى أطفالها فغسلتهم،

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٢.

١٠٦

وصنعت لهم من الطعام ما يكفيهم يومهم، ثمّ أمرت ولديها الحسن والحسين (عليهما السّلام) أن يخرجا لزيارة قبر جدّهما ولا يشاهدا وفاتها، وألقت عليهما وعلى بنتها زينب نظرة الوداع، وقلبها الزاكي يذوب ألماً وحزناً، وخرج الحسنان وقد هاما في تيارات من الهواجس، وأحسّا ببوادر مخيفة أغرقتهما بالهموم والأحزان.

والتفتت وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى أسماء بنت عميس، وكانت تتولّى تمريضها وخدمتها، فقالت لها:«يا اُمّاه» .

- نعم يا حبيبة رسول الله.

-«اسكبي لي غسلاً» .

فسارعت أسماء وأتتها بالماء، فاغتسلت فيه، وقالت لها:«ايتيني بثيابي الجدد» . فأحضرتها لها، وقالت لها:«اجعلي فراشي في وسط البيت» .

وذعرت أسماء، وعلمت أنّ الموت قد دنا من وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وصنعت لها ما أرادت، فاضطجعت في فراشها، واستقبلت القبلة، ونادت أسماء قائلة بصوت خافت:«يا اُمّاه، إنّي مقبوضة الآن، وقد تطهّرت فلا يكشفني أحد» .

وأخذت تتلو آيات القرآن الكريم حتّى صعدت روحها الطاهرة إلى الله تحفّها ملائكة الرحمن، ويستقبلها أبوها التي كرهت الحياة من بعده.

لقد سمت تلك الروح إلى جنان الخلد فأشرقت الآخرة بقدومها، وأظلمت الأرض لفقدها، فما أضلّت سماء الدنيا مثلها في قداستها وطهرها، وقد انقطع بموتها آخر مَنْ كان في الدنيا من نسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

١٠٧

وكانت زينب إلى جانب اُمّها، وقد رأتها جثة هامدة قد انقطعت عنها الحياة، فذابت أسى، وعجّت بالبكاء والعويل.

وقفل الحسنان (عليهما السّلام) من مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الدار فلم يجدا اُمّهما فيها، فبادرا يسألان أسماء قائلين:«أين اُمّنا؟» .

فأجابتهما، وهي غارقة في البكاء قائلة: يا سيّدي، إنّ اُمّكما قد ماتت، فأخبرا بذلك أباكما.

وكانت هذه المفاجأة كالصاعقة، فهرعا إلى جثمان اُمّهما، فوقع عليها الحسن (عليه السّلام) وهو يقول:«يا اُمّاه، كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني» . وألقى الحسين (عليه السّلام) بنفسه عليها وهو يعجّ بالبكاء قائلاً:«يا اُمّاه، أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن ينصدع قلبي» .

وأخذت أسماء توسعهما تقبيلاً، وتواسيهما بمصابهما الأليم، وطلبت منهما أن يُخبرا أباهما بموت سيّدة النساء، وسارعا نحو مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد علا صوتهما بالبكاء، فاستقبلهما المسلمون قائلين: ما يبكيكما يا بني رسول الله، لعلّكما نظرتما قبر جدكما فبكيتما؟

فأجابا:«أوَ ليس قد ماتت اُمّنا فاطمة!» .

وهزّ النبأ المؤلم مشاعرهم؛ فقد ندموا على تقصيرهم تجاه بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ فقد ماتت وهي ساخطة عليهم؛ لأنّهم لم يحفظوا مكانتها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ولمّا علم الإمام (عليه السّلام) بموت الصدّيقة تصدّع قلبه، وودّ مفارقة الحياة، ورفع صوته

١٠٨

قائلاً:«بمَنْ العزاء يا بنت محمّد؟ كنتُ بكِ أتعزّى، ففيم العزاء من بعدك؟!» .

وخفّ مسرعاً نحو البيت وهو يذرف أحرّ الدموع، وألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول:

لكلّ اجتماعٍ من خليلينِ فرقةٌ = وكلّ الذي دونَ الفراقِ قليلُ

وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ = دليلٌ على أن لا يدومَ خليلُ

وكانت العقيلة زينب إلى جانبها اُمّها وهي تعجّ بالبكاء، قد ذاب قلبها؛ فقد فقدت جميع آمالها، وليس شيء أوجع على الطفل من فراق اُمّه.

وهرع الناس من كلّ صوب نحو بيت الإمام، وقد ساد فيهم وجوم رهيب، وعهد الإمام (عليه السّلام) إلى سلمان الفارسي أن يخبر الجماهير بأنّ مواراة جثمان بضعة الرسول قد اُجّل هذه العشية، فقفلوا إلى منازلهم.

وأقبلت عائشة وهي تريد الدخول إلى بيت الإمام (عليه السّلام) لتشاهد جثمان حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فحجبتها أسماء ومنعتها من الدخول قائلة: قد عهدت إليّ أن لا يدخل عليها أحد(١) .

ولمّا مضى شطر من الليل قام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فغسّل الجسد الطاهر، ومعه الحسنان (عليهما السّلام)، وأسماء، وزينب وهي تنظر إلى جثمان اُمّها وقد نخب الحزن قلبها، وتبكي عليها كأقسى وأمرّ ما يكون البكاء.

وبعد الفراغ من الغسل أدرجها في أكفانها، ودعا بأطفالها الذين لم ينتهلوا من حنان اُمّهم؛ ليلقوا عليها نظرة الوداع، فألقوا بنفوسهم على جثمان اُمّهم وهم يوسعونها تقبيلاً، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وبكائهم، وبعد انتهائهم من الوداع عقد الإمام (عليه السّلام) عليها الرداء، ولمّا حلّ

____________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٣ / ٣٦٥.

١٠٩

الهزيع الأخير من الليل قام فصلّى على الجسد الطيب، وعهد إلى مَنْ كان معه من خلّص صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمثال سلمان الفارسي وبني هاشم فحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير، وأودعها في قبرها، وأهال عليها التراب، وعفى موضع قبرها؛ ليكون دليلاً حاسماً على غضبها ونقمتها على مَنْ غصب حقّها.

ووقف الإمام الثاكل الحزين على حافة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه، وقد طافت به موجات من الحزن والألم القاسي، فأخذ يؤبّن زهراء الرسول بهذه الكلمات التي تحكي لوعته وأساه على هذا الرزء القاصم، وقد وجّه خطابه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعزّيه قائلاً:«السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، السريعة اللحاق بك.

قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسّي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزٍّ؛ فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة؛ أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودّعٍ لا قالٍ ولا سئم؛ فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن اُقم فلا عن سوء ظنٍ بما وعد الله الصابرين» (١) .

وحكت هذه الكلمات الحزن العميق والألم الممض الذي في نفس الإمام (عليه السّلام)؛ فقد أعلن شكواه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على ما مُنيت به حبيبته من الخطوب والنكبات، ويطلب منه أن يلحّ في السؤال منها لتخبره بما جرى عليها من الظلم في الفترة القصيرة التي عاشتها بعده.

____________________

(١) نهج البلاغة - محمّد عبده ٢ / ٢٠٧.

١١٠

كما أعلن الإمام عن أساه وشجاه على فقده لبضعة الرسول، فهو في حزن دائم وليل مسهّد، لا تنطفئ عنه نار اللوعة عليها حتّى يلتحق إلى جوار الله، وإنّه إذ ينصرف عن قبرها المقدّس فليس ذلك عن سأم ولا عن ملالة وكراهية، ولكن استجابة لتعاليم الإسلام الآمرة بالخلود إلى الصبر، ولولا ذلك لأقام عنده ولا يريم عنه.

وعاد الإمام إلى داره بعد أن وارى جثمان سيّدة نساء العالمين في مثواها الأخير، وقد نخب الحزن فؤاده ينظر إلى أطفاله وهم يبكون اُمّهم أمرّ البكاء، وأشجاه خصوصاً العقيلة زينب فكادت تندب اُمّها بذوب روحها تبكي عليها صباحاً ومساءً قد خلدت إلى الأسى والحزن.

لقد قطعت عقيلة بني هاشم دور طفولتها الحزينة وقد طافت بها الآلام القاسية والرزايا الموجعة؛ فقد فقدت جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يفيض عليها بعطفه وحنانه، ولم تمض بعد وفاته إلاّ أيام يسيرة حتّى فقدت اُمّها الرؤوم التي عاشت في هذه الدنيا وعمرها كعمر الزهور، وفاجأها الموت وهي في شبابها الغضّ الأهاب؛ فقد صُبّت عليها الكوارث والمصائب، والتي كان من أقساها جحد القوم لحقّها، وإجماعهم على هضمها وهي ابنة نبيّهم الذي برّ بدينهم ودنياهم.

لقد وعت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهي في سنّها الباكر الأهداف الأساسية التي دعت القوم إلى هضم اُمّها وجحد حقوقها وإقصاء أبيها عن قيادة الاُمّة، كلّ ذلك طمعاً بالحكم والظفر بالإمرة والسلطان.

وفاة أبي بكر

ولم يطل سلطان أبي بكر فقد ألمّت به الأمراض بعد مضي ما يزيد على سنتين من حكمه، وقد قلّد صاحبه عمر شؤون الخلافة، وقد لاقى معارضة شديدة من أعلام

١١١

الصحابة، كان من بينهم طلحة؛ فقد قال له: ماذا تقول لربّك وقد ولّيت علينا فظّاً غليظاً، تفرق منه النفوس، وتنفض منه القلوب؟(١) .

وسكت أبو بكر، فاندفع طلحة يشجب عهده لعمر قائلاً: يا خليفة رسول الله، إنّا كنّا لا نحتمل شراسته وأنت حيّ تأخذ على يده، فكيف يكون حالنا معه وأنت ميّت وهو الخليفة؟

وسارع أكثر المهاجرين والأنصار إلى أبي بكر وهم يعلنون رفضهم وسخطهم وكراهيتهم لخلافة عمر، قائلين: نراك استخلفت علينا عمراً وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا وأنت بين أظهرنا، فكيف إذا ولّيت عنّا؟! وأنت لاق الله عزّ وجلّ فسائلك، فما أنت قائل؟

فأجابهم أبو بكر: لئن سألني الله لأقولنّ استخلفت عليهم خيرهم من نفسي(٢) .

وكان الأجدر به أن يستجيب لعواطف أكثر المسلمين ورغباتهم إلاّ أنّه لم يحفل بهم، وأقام صاحبه خليفة من بعده، وتوفّي أبو بكر وانتهت بذلك خلافته القصيرة الأمد، وقد حفلت بأحداث رهيبة كان من بينها معاملة العترة الطاهرة التي هي وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله) في اُمّته كأشخاص عاديّين؛ فقد جرّد عنها هالة التقديس الذي أضفاه عليها النبي (صلّى الله عليه وآله)، كما فتحت الباب للحكومات التي تلت حكومة الخلفاء إلى ظلم آل البيت (عليهم السّلام) والإمعان في قتلهم تحت كلّ حجر ومدر.

ولعلّ أقسى ما جرى عليهم من الكوارث فاجعة كربلاء الخالدة في دنيا الأحزان؛ فقد استشهد الإمام الحسين

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ٥٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ٦ / ٣٤٣، دار إحياء الكتب العربية.

١١٢

ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بصورة مروّعة، ومُثّل بجثمانه المقدّس بوحشية لم يعهد لها مثيل، وسُبيت عائلته ومعها حفيدة الرسول وعقيلة بني هاشم من كربلاء إلى الشام.

كلّ هذه الرزايا كانت ناجمة عن إقصاء أهل البيت (عليهم السّلام) عن مركز القيادة العامة للمسلمين.

في عهد عمر

وتولّى عمر بعد وفاة أبي بكر شؤون الدولة الإسلاميّة، وقد قبض على الحكم بيد من حديد، وساس البلاد بعنفٍ حتّى تحامى لقاءه أكابر الصحابة؛ فإنّ درّته - فيما يقول المؤرّخون - كانت أهيب من سيف الحجّاج، حتّى إنّ ابن عباس مع قربه للنبي (صلّى الله عليه وآله)، ومكانته العلميّة لم يستطع أن يجهر برأيه في حلّية المتعة إلاّ بعد وفاته، كما تحاماه أهله وعياله فلم يستطع أحد منهم أن يجهر برأيه أو يفرض إرادته عليه.

وعلى أيّ حال، فقد نهج عمر في سياسته منهجاً خاصاً لا يتّفق في كثير من بنودها مع سياسيّة أبي بكر، خصوصاً في السياسة المالية؛ فقد كان السائد في سياسة أبي بكر المساواة بين المسلمين إلاّ أنّ عمر عدل عنها، وميّز بعض المسلمين على بعض؛ ففضّل العرب على الموالي، وقريشاً على سائر العرب، وقد أدّى ذلك إلى إيجاد الطبقية بين المسلمين(١) .

اعتزال الإمام (عليه السّلام)

واعتزل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن الحياة الاجتماعية والسياسيّة طيلة خلافة عمر كما اعتزل في أيام أبي بكر، وقد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير على

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ٢٨٤.

١١٣

ضياع حقّه وسلب تراثه؛ فقد جهد القوم على الغضّ من شأنه، وعزله عن جميع ما يتعلّق بأمر الدولة، حتّى ألصق خده بالتراب على حدّ تعبير بعض المؤرّخين.

يقول محمّد بن سليمان في أجوبته عن أسئلة جعفر بن مكي: إنّ عليّاً وضعه الأوّلون - يعني الشيخين - وأسقطاه وكسرا ناموسه بين الناس، فصار نسياً منسيّاً(١) .

وقد صار جليس بيته تساوره الهموم، ويسامر النجوم، ويتوسّد الأرق، ويتجرّع الغصص، قد كظم غيظه، وأسلم أمره إلى الله. وانطوت نفوس أبنائه على حزن لاذع وأسىً عميق على عمر؛ فقد روى المؤرّخون أنّ الحسين (عليه السّلام) خفّ إلى عمر وكان على المنبر يخطب، فصاح به:«انزل، انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك» .

وبهت عمر، واستولت عليه الحيرة، وراح يقول: صدقت، لم يكن لأبي منبر. وأخذه فأجلسه إلى جنبه، وجعل يفحص عمّن أوعز إليه بذلك قائلاً: مَنْ علّمك؟

-«والله ما علّمني أحد» .

شعور طافح بالأسى والألم انبعث عن إلهام وعبقرية، رأى الإمام الحسين (عليه السّلام) منبر جدّه الملهم الأوّل لقضايا الفكر الإنساني، وأنّه لا يليق أن يرقاه غير أبيه باب مدينة علم النبي (صلّى الله عليه وآله)، ورائد العلم والحكمة في دنيا الإسلام.

وعلى أيّ حال، فقد كان هذا الشعور سائداً عند ذرّية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يقتصر على الإمام الحسين (عليه السّلام) وإنّما كان شاملاً للعقيلة زينب كما يدلّل على ذلك

____________________

(١) نهج البلاغة ٩ / ٢٨.

١١٤

خطابها الرائع في البلاط الاُموي؛ فقد قالت ليزيد: وسيعلم مَنْ سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين... وهذه الكلمات صريحة فيما ذكرناه.

وقد بحثنا عن شؤون عمر وأيام حكومته في كتابنا (حياة الإمام الحسين)، فلا نعيد تلك البحوث.

اغتيال عمر

وبقي عمر على دست الحكم يتصرّف في شؤون الدولة حسب رغباته وميوله، وكان فيما يقول المؤرّخون: شديد البغض والكراهية للفرس، يبغضهم ويبغضونه؛ فقد حظر عليهم دخول يثرب إلاّ مَنْ كان سنّه دون البلوغ(١) .

وتمنّى أن يحول بينهم وبينه جبل من حديد، وأفتى بعدم إرثهم إلاّ مَنْ ولد منهم في بلاد العرب(٢) ، وكان يُعبّر عنهم بالعلوج(٣) .

وقد قام باغتياله أبو لؤلؤة وهو فارسي، أمّا السبب في اغتياله له فهو أنّه كان فتى متحمّساً لوطنه واُمّته، ورأى عمر قد بالغ في احتقار الفرس وإذلالهم، وقد خفّ إليه يشكو ممّا ألمّ به من ضيق وجهد من جرّاء ما فرض عليه المغيرة من ثقل الخراج، وكان مولى له، فزجره عمر وصاح به: ما خراجك بكثير من أجل الحِرف التي تُحسنها.

وألهبت هذه الكلمات قلبه، فأضمر له الشرّ، وزاد في حنقه عليه أنّه اجتاز على عمر فسخر منه، وقال له: بلغني أنّك تقول: لو شئت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٥.

(٢) الموطّأ ٢ / ١٢.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٨٥.

١١٥

ولذعته هذه السخرية، فخاطب عمر: لأصنعنّ لك رحى يتحدّث الناس بها.

وفي اليوم الثاني قام بعملية الاغتيال(١) ، فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرّة فخرقت الصفاق(٢) ، وهي التي قضت عليه، ثمّ هجم على مَنْ في المسجد فطعن أحد عشر رجلاً، وعمد إلى نفسه فانتحر(٣) ، وحُمل عمر إلى داره وجراحاته تنزف دماً، فقال لمَنْ حوله: مَنْ طعنني؟

- غلام المغيرة.

- ألم أقل لكم: لا تجلبوا لنا من العلوج أحداً فغلبتموني؟(٤) .

وأحضر أهله له طبيباً، فقال له: أيّ الشراب أحبّ إليك؟

- النبيذ.

فسقوه منه فخرج من بعض طعناته صديداً، ثم سقوه لبناً فخرج من بعض طعناته، فيئس منه الطبيب، وقال له: لا أرى أن تُمسي(٥) .

الشورى

ولمّا أيقن عمر بدنوّ الأجل المحتوم منه أخذ يطيل التفكير فيمَنْ يتولّى شؤون

____________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٢١٢.

(٢) الصفاق: الجلد الأسفل الذي تحت الجلد.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٨٥.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٨٧.

(٥) الاستيعاب (المطبوع على هامش الإصابة) ٢ / ٤٦١.

١١٦

الحكم من بعده، وقد تذكّر أعضاء حزبه الذين شاركوه في تمهيد الحكم لأبي بكر، فأخذ يُبدي حسراته عليهم؛ لأنّهم جميعاً قد اقتطفتهم المنيّة، فقال بأسى وأسف: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته؛ لأنّه أمين هذه الاُمّة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته؛ لأنّه شديد الحبّ لله تعالى.

لقد استعرض الأموات وتمنّى أن يقلّدهم الحكم، ولم يعرض لسيّد العترة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ولا للصفوة الطاهرة من صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) أمثال عمّار بن ياسر الطيّب ابن الطيّب، ولا لأبي ذرّ، ولا لرؤساء الأنصار من الذين ساهموا في بناء الإسلام واستشهد أبناؤهم في سبيله.

لقد تمنّى حضور أبي عبيدة وسالم يقلّدهما منصب رئاسة الدولة، مع العلم أنّهما لم يكن لهما أيّة سابقة تُذكر في خدمة الإسلام.

لقد رأى عمر أن يجعلها شورى بين المسلمين وانتخب مَنْ يمثّلهم، وهم ستة:

١ - الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

٢ - عثمان بن عفان الاُموي.

٣ - طلحة.

٤ - عبد الرحمن بن عوف.

٥ - الزبير.

٦ - سعد بن أبي وقاص.

وقد اختار عمر هؤلاء النفر لصرف الخلافة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)؛ فقد كان معظم أعضائها من المنحرفين عن الإمام والموالين لبني اُميّة، ولم يكن مع الإمام سوى الزبير، وهو لا يغني شيئاً. وقد جمع عمر أعضاء الشورى، وقدّم في كلّ

١١٧

واحد منهم سوى الإمام، فانصرف عنه، فقال عمر لمَنْ حضر عنده: والله إنّي لأعلم مكان رجل لو ولّيتموه أمركم لحملكم على المحجّة البيضاء.

فقالوا له: مَنْ هو؟

- هذا المولّي من بينكم.

- ما يمنعك من ذلك؟

- ليس إلى ذلك من سبيل(١) .

ودعا عمر بأبي طلحة الأنصاري فعهد إليه بما يحكم أمر الشورى، فقال له: يا أبا طلحة، إنّ الله أعزّ بكم الإسلام، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار، فالزم هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله. والتفت إلى المقداد فعهد إليه بمثل ما عهد إلى أبي طلحة، ثمّ قال له: إذا اتفق خمسة وأبى واحد منهم فاضربوا عنقه، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فاضربوا عنقيهما، وإن اتّفق ثلاثة على رجل ورضي ثلاثة منهم برجلٍ آخر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس.

والتاع الإمام (عليه السّلام) وعرف أنّها مكيدة دُبّرت ضدّه؛ فقد قال لعمّه العباس:«يا عمّ، لقد عُدلت عنّا» .

وسارع العباس قائلاً: مَنْ أعلمك بذلك؟

وكشف الإمام (عليه السّلام) الغطاء عمّا دبّره عمر ضدّه قائلاً:«لقد قرن بي عثمان، وقال: كونوا مع الأكثر، ثمّ قال: كونوا مع عبد الرحمن،

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٩٥.

١١٨

وسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر لعثمان، وهم لا يختلفون؛ فإمّا أن يولّيها عبد الرحمن عثمان، أو يولّيها عثمان عبد الرحمن» .

وصدق تفرّس الإمام؛ فقد ولاّها عبد الرحمن لعثمان إيثاراً لمصالحه، وابتغاءً لرجوعها إليه من بعده.

إنّ أدنى تأمّل في وضع الشورى يتّضح منه صرف الخلافة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ووضعها عند القوى المنحرفة عنه.

وعلى أيّ حال، فإنّ الشورى بأسلوبها الهزيل قد ألقت الاُمّة في شرّ عظيم، وفرّقت كلمتها، وأشاعت الطمع والتهالك على الحكم والسلطان بين أبنائها، وقد أعلن هذه الظاهرة معاوية بن أبي سفيان؛ فقد قال لأبي الحصين: بلغني أنّ عندك ذهناً وعقلاً، فأخبرني عن شيء أسألك عنه.

- سلني عمّا بدا لك.

- أخبرني ما الذي شتّت شمل أمر المسلمين وملأهم وخالف بينهم؟

- قتل الناس عثمان.

- ما صنعت شيئاً.

- مسير عليّ إليك وقتاله إياك.

- ما صنعت شيئاً.

- مسير طلحة والزبير وعائشة وقتال عليّ إيّاهم.

- ما صنعت شيئاً.

- ما عندي غير هذا.

وطفق معاوية يبيّن أسباب الخلاف والفرقة بين المسلمين قائلاً: أنا اُخبرك؛ إنّه لم يُشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهواءهم إلاّ الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر.

وأضاف يقول:

١١٩

ثمّ جعلها - عمر - شورى بين ستّة نفر، فلم يكن رجل منهم إلاّ رجاها لنفسه ورجاها له قومه، وتطلّعت إلى ذلك نفسه(١) .

لقد شاعت الأطماع السياسيّة بشكل سافر عند بعض أعضاء الشورى وغيرهم، فاندفعوا إلى خلق الحزبية في المجتمع الإسلامي للوصول إلى كرسي الحكم والظفر بخيرات البلاد.

وعلى أيّ حال، فقد ذكرنا بصورة موضوعية وشاملة آفات الشورى في كتابنا (حياة الإمام الحسين)، وقد ألمحنا إليها في هذه البحوث؛ وذلك لأنّها تُلقي الأضواء على الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة في ذلك العصر الذي عاشت فيه عقيلة بني هاشم، والتي أدّت إلى ما عانته من الأهوال والكوارث التي تذهل كلّ كائن حيّ.

انتخاب عثمان وحكومته

واجتمع أعضاء الشورى في بيت المال، وقيل في بيت مسرور بن مخرمة، وتداولوا الحديث عمّن أحقّ بأمر المسلمين، وكثر الجدل فيما بينهم، فانبرى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فحذّرهم من الخلاف والفتنة إن استجابوا لعواطفهم، ولم يؤثروا المصلحة العامة للمسلمين، قائلاً:«لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ، وصلة رحم، وعائدة كرم، فاسمعوا قولي وعوا منطقي عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتطي فيه السيوف، وتخالف منه العهود، حتّى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضلال، وشيعة لأهل الجهالة» .

ولم يعوا منطق الإمام ونصيحته؛ فقد استجابوا لعواطفهم، وكان الاُمويّون قد حفوا بأهل الشورى وهم يقدّمون لهم الوعود المعسولة إن انتخبوا عميدهم عثمان.

____________________

(١) العقد الفريد ٣ / ٧٣ - ٧٤.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

٥٠ ـ في بصائر الدرجات محمد بن الحسين عن يزيد شعر عن هارون بن حمزة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: هم الائمة خاصة( وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ) فزعم ان من عرف الامام والآيات، ممن يعقل ذلك.

٥١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم خاطب اللهعزوجل نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جل ذكره:( اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) قال: من لم تنه الصلوة عن الفحشاء والمنكر لم تزده من اللهعزوجل إلّا بعدا.

٥٢ ـ في كتاب التوحيد وقد روى عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: الصلوة حجزة الله وذلك انها تحجز المصلى عن المعاصي ما دام في صلوته، قال اللهعزوجل :( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) .

٥٣ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسين بن عبد الرحمن عن سفيان الحريري عن أبيه عن سعد الخفاف عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت جعلت فداك يا أبا جعفر وهل يتكلم القرآن؟ فتبسم ثم قال: رحم الله الضعفاء من شيعتنا انهم أهل تسليم. ثم قال: نعم يا سعد والصلوة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى قال: فتغير لذلك لوني وقلت: هذا شيء لا أستطيع ان أتكلم به في الناس، فقال أبو جعفر: وهل الناس إلّا شيعتنا فمن لم يعرف الصلوة فقد أنكر حقها، ثم قال: يا سعد أسمعك كلام القرآن؟ قال سعد: فقلت: بلى صلى الله عليك فقال:( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) فالنهى كلام والفحشاء والمنكر رجال، ونحن ذكر الله ونحن أكبر، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٥٤ ـ في مجمع البيان وروى انس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: من لم تنهه صلوته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلّا بعدا.

٥٥ ـ وأيضا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: لا صلوة لمن لم يطع الصلوة وطاعة الصلوة ان ينتهى عن الفحشاء والمنكر.

١٦١

٥٦ ـ وروى أنس ان فتى من الأنصار كان يصلّي الصلوات مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويرتكب الفواحش، فوصف ذلك لرسول الله فقال: إنّ صلوته تنهاه يوما ما.

٥٧ ـ وعن جابر قال: قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ فلانا يصلّي بالنهار ويسرق بالليل؟ فقال: إنّ صلوته لتردعه.

٥٨ ـ وروى أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من أحب أن يعلم قبلت صلوته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلوته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت صلوته.

٥٩ ـ * في كتاب سعد السعود لابن طاوسرحمه‌الله وقد روينا في الجزء الاول من كتاب المهمات والتتمات صفة الصلوة الناهية عن الفحشاء والمنكر.

٦٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) يقول: ذكر الله لأهل الصلوة أكبر من ذكرهم إياه ألآ ترى أنّه يقول: أذكروني أذكركم.

٦١ ـ في مجمع البيان وروى أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) قال: ذكر الله عند ما أحل وحرم.

٦٢ ـ وعن معاذ بن جبل قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أي الأعمال أحب إلى الله؟قال: ان تموت ولسانك رطب من ذكر اللهعزوجل .

٦٣ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معاذ إنّ السابقين الذين يسهرون بذكر اللهعزوجل ، ومن أحب ان يرتفع في رياض الجنة فليكثر من ذكر اللهعزوجل .

٦٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا.

٦٥ ـ وقال أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام : ذكر عند الصادقعليه‌السلام الجدال في الدين، وأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام قد نهوا عنه، فقال الصادقعليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقا ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله يقول:( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قيل: يا ابن رسول الله ما الجدال بالتي

١٦٢

هي أحسن وبالتي ليست بأحسن؟ قال: اما الجدال الذي بغير التي هي أحسن ان تجادل مبطلا فيورد عليك مبطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخالفة ان يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا، أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين، اما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلة وضعف في يده، حجة له على باطله، واما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل، واما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له، فقال الله حاكيا عنه:( وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فقال الله في الرد عليه: «قل» يا محمد( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) فأراد الله من نبيه ان يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز ان يبعث هذه العظام وهي رميم، قال: فقل( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) أفيعجز من ابتدأه لا من شيء ان يعيده بعد ان يبلى، بل ابتداءه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال:( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ) أي إذا كمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم انه على اعادة من بلى، اقدر، ثم قال:( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) أي إذا كان خلق السموات والأرض أعظم وابعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من اعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم، ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من اعادة البالي؟ قال الصادقعليه‌السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن، لان فيها قطع عذر الكافرين وازالة شبههم، واما الجدال بغير التي هي أحسن فان تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وانما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا، وجحدت أنت حقا آخر. قال أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام : فقام إليه رجل آخر فقال: يا ابن رسول الله أيجادل رسول الله

١٦٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال الصادقعليه‌السلام : مهما ظننت برسول الله من شيء فلا تظنن به مخالفة الله تعالى أليس الله قال:( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) و( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) لمن ضرب الله مثلا فتظن ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خالف ما أمره الله به فلم يجادل ما أمره به، ولم يخبر عن أمر الله بما أمره أن يخبره به.

٦٦ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وذكر حديثا طويلا قال فيهعليه‌السلام بعد ان قال: إنّ الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها: وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال الله تبارك وتعالى:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) وقال:( قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ ) إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) فهذا ما فرض الله على اللسان وهو عمله.

٦٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم واما قوله:عزوجل :( فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) فهم آل محمد صلوات الله عليهم ومن هؤلاء من يؤمن به يعنى أهل الايمان من أهل القبلة وقولهعزوجل : وما يجحد بآياتنا يعنى ما يجحد بأمير المؤمنين صلوات الله عليه والائمة صلوات الله عليهم إلّا الكافرون.

٦٨ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ ) وهو معطوف على قوله تعالى في سورة الفرقان:( اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) فرد الله عليهم فقال: كيف تدعون ان الذي تقرأه أو تخبر به تكتبه عن غيرك وأنت( ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ ) أي شكوا.

٦٩ ـ في عيون الأخبار في باب مجلس للرضاعليه‌السلام مع أهل الأديان والمقالات في التوحيد قال الرضاعليه‌السلام في أثناء المحاورات: وكذلك أمر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به وأمر كل نبي بعثه الله، ومن آياته انه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا و

١٦٤

لم يختلف إلى معلم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياءعليهم‌السلام وأخبارهم حرفا حرفا، وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة.

٧٠ ـ في أصول الكافي أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول في هذه الآية( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) فأومى بيده إلى صدره.

٧١ ـ عنه عن محمد بن علي عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: هم الائمةعليهم‌السلام .

٧٢ ـ ـ وعنه عن محمد بن علي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : هذه الآية( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) ثم قال: اما والله يا أبا محمد ما قال بين دفتي المصحف، قلت: من هم جعلت فداك؟ قال: من عسى أن يكون غيرنا؟.

٧٣ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن بريد عن هارون بن حمزة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: هم الائمة خاصة.

٧٤ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: هم الائمةعليهم‌السلام خاصة.

٧٥ ـ في بصائر الدرجات يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن بريد بن معاوية عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) فقال: أنتم هم من عسى ان يكونوا؟.

٧٦ ـ أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن مسكان عن حجر عن حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام وأبى عبد الله البرقي عن أبي الجهم عن أسباط عن

١٦٥

أبى عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: نحن.

٧٧ ـ أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام انه قرأ هذه الآية:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: يا أبا محمد والله ما قال بين دفتي المصحف، قلت: من هم جعلت فداك؟ قال: من عسى أن يكونوا غيرنا؟.

٧٨ ـ محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير والحسن بن علي بن فضال عن مثنى الحناط عن الحسن الصيقل قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: نحن، وإيانا عنى.

٧٩ ـ أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أيوب بن حسن عن حمران قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) أنتم هم؟ قال: من عسى أن يكونوا؟.

٨٠ ـ محمد بن الحسين عن يزيد شعر عن هارون بن حمزة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قال: هم الائمة خاصة،( وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ) ، فزعم ان من عرف الامام والآيات ممن يعقل.

٨١ ـ محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قلت: أنتم هم؟ قال: من عسى ان يكونوا؟.

٨٢ ـ أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن محمد بن يحيى عن عبد الرحيم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ هذا العلم انتهى إلى في القرآن ثم جمع أصابعه ثم قال:( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) .

٨٣ ـ في مجمع البيان( إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) وقيل :

١٦٦

إن قوما من المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب فهددهم سبحانه في هذه الآية ونهاهم عنه وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : جئتكم ببيضاء نقية.

٨٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ ) يقول: لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك فان خفتموهم أن يفتنوكم عن دينكم فان أرضى واسعة، وهو يقول:( فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ) فقال:( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) .

٨٥ ـ في مجمع البيان وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : معناه إذا عصى الله في ارض أنت بها فاخرج منها إلى غيرها.

٨٦ ـ في جوامع الجامع وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من فر بدينه من أرض إلى أرض وان كان شبرا من الأرض استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمدعليهما‌السلام .

٨٧ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المجموعة وباسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا نزلت هذه الآية( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) قلت: يا رب أيموت الخلائق كلهم وتبقى الأنبياء؟ فنزلت:( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) .

٨٨ ـ في تفسير العياشي عن زرارة قال: كرهت ان أسأل أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجعة واستخفيت ذلك قلت: لأسألن مسئلة لطيفة أبلغ فيها حاجتي، فقلت: أخبرنى عمن قتل أمات؟ قال: لا، الموت موت والقتل قتل: قلت: ما أحد يقتل إلّا وقد مات؟فقال: قول الله أصدق من قولك، فرق بينهما في القرآن فقال:( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ) وقال( لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ ) وليس كما قلت يا زرارة، الموت موت والقتل قتل قلت: فان الله يقول:( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) ؟ قال: من قتل لم يذق الموت، ثم قال: لا بد من أنْ يرجع حتى يذوق الموت.

٨٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول :

١٦٧

أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليهما‌السلام حتى يسيل على خده، بوأه الله بها في الجنة عرفا يسكنه أحقابا.

٩٠ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ ) قال: كانت العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع فقال اللهعزوجل : الله يرزقهم وإياكم.

٩١ ـ في مجمع البيان وعن عطا عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى دخلنا بعض حيطان الأنصار فجعل سقط من التمر ويأكل، فقال: يا ابن عمر ما لك لا تأكل؟ فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولو شئت لدعوت ربي فأعطانى مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت مع قوم يخبأون رزق سنتهم لضعف اليقين، فو الله ما برحنا حتى نزلت:( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .

٩٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قولهعزوجل :( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا ) أي صبروا وجاهدوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لنهدينهم سبلنا أي نثبتهم( وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: هذه الآية لال محمد صلوات الله عليهم ولاشياعهم.

٩٣ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن أمير المؤمنينعليهما‌السلام أنّه قال: الأواني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا ان تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم، انا المحسن يقول اللهعزوجل :( إِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٦٨

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا أبا محمد من أهل الجنة لا استثنى فيه أبدا ولا أخاف أن يكتب الله على في يميني إثما، وان لهاتين السورتين من الله مكانا.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ومن قرأها كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء، والأرض، وأدرك ما ضيع في يومه وليلته.

٣ ـ في كتاب الاستغاثة للشيخ ميثم ولقد روينا من طريق علماء أهل البيتعليهم‌السلام في أسرارهم وعلومهم التي خرجت منهم إلى علماء شيعتهم، ان قوما ينسبون من قريش وليسوا من قريش، وحقيقة النسب وهذا مما لا يجوز أن يعرفه إلّا معدن النبوة وورثة علم الرسالة، وذلك مثل بنى امية ذكروا انهم ليسوا من قريش وان أصلهم من الروم، وفيهم تأويل هذه الآية( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) معناه انهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنوا العباس.

٤ ـ في روضة الكافي ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عن ذكره:( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) قال: فقال: يا أبا عبيدة ان لهذا تأويلا لا يعلمه إلّا الله والراسخون في العلم من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا هاجر إلى المدينة وأظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث به مع رسوله يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام، وبعثه إليه مع رسوله، فاما ملك الروم فعظم كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأكرم رسوله، واما ملك فارس فانه استخف بكتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومزقه واستخف

١٦٩

برسوله، وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم وكان المسلمون يهوون ان يغلب ملك الروم فارس، وكانوا لناحيته أرجى منهم لملك فارس، فلما غلب ملك فارس ملك الروم كره ذلك المسلمون واغتموا به، فأنزل اللهعزوجل بذلك كتابا قرآنا( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) يعنى غلبتها فارس في ادنى الأرض وهي الشامات وما حولها «وهم» يعنى فارس( مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) يعنى يغلبهم المسلمون( فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ ) عزوجل فلما غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر اللهعزوجل ، قال: قلت: أليس اللهعزوجل يقول:( فِي بِضْعِ سِنِينَ ) وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وفي إمارة أبي بكر وانما غلب المؤمنون فارسا في إمارة عمر؟ فقال: ألم أقل لك ان لهذا تأويلا وتفسيرا، والقرآن يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ أما تسمع لقول اللهعزوجل ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) يعنى إليه المشية في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر في القول إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين، وذلك قولهعزوجل :( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ ) أي يوم يحتم القضاء بالنصر.

٥ ـ في الخرائج والجرائح في أعلام الحسن العسكريعليه‌السلام ومنها ما قال أبوها سأل محمد بن صالح أبا محمدعليه‌السلام عن قوله تعالى:( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) فقال: له الأمر من قبل أن يأمر به، وله الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء.

٦ ـ في مجمع البيان وسئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن قولهعزوجل :( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) فقال: الزجر(١) والنجوم.

٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) يعنى ما يرونه حاضرا( وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ) قال: يرون حاضر الدنيا ويتغافلون عن الاخرة.

٨ ـ في كتاب الخصال وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله تعالى:( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ) فقال: معناه أو لم ينظروا في القرآن.

قال عز من قائل:( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) الآية.

__________________

(١) الزجر: التيمن والنشاؤم بالطير.

١٧٠

٩ ـ في كتاب الخصال عن عليٍّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تقوم الساعة يوم الجمعة بين صلوة الظهر والعصر.

١٠ ـ وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: السبت لنا والأحد لشيعتنا إلى أنْ قالعليه‌السلام : وتقوم القيامة يوم الجمعة.

١١ ـ وعن أبي لبابة بن عبد المنذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ يوم الجمعة سيد الأيام إلى قوله: وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بر ولا بحر إلّا وهن يشفقن من يوم الجمعة أن تقوم فيه الساعة.

٢ ١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ) قال: إلى الجنة والنار( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ) أي يكرمون.

١٣ ـ في مجمع البيان( فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ) قيل: يلذذون بالسماع عن يحيى بن أبي كثير الأوزاعي أخبرنا أبو الحسن عبد الله بن محمد بن أحمد البيهقي قال: أخبرنا جدي الامام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال: حدّثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن بندار قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن القرباني(١) قال: حدّثنا سليمان بن عبد الرحمان الدمشقي قال حدّثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة الباهلي ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما من عبد يدخل الجنة إلّا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الانس والجن، وليس بمزمار الشيطان، ولكن بتمجيد الله وتقديسه.

١٤ ـ وعن أبي الدرداء قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يذكر الناس فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم وفي القوم أعرابى فجثا لركبته وقال: يا رسول الله هل

__________________

(١) وفي بعض النسخ الغربانى بالغين والمختار هو الموافق لنسخة المصدر.

١٧١

في الجنة من سماع؟ قال: نعم يا أعرابى، ان في الجنة نهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط، فذلك أفضل نعم الجنة، قال الراوي: سألت أبا الدرداء بم يتغنين؟ قال: بالتسبيح.

١٥ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام أنّه قال: جاء نفر من اليهود إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأل قال: أخبرنى عن اللهعزوجل إلى شيء فرض هذه الخمس الصلوات في خمسة مواقيت على أمتك في ساعات الليل والنهار؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها إلى أنْ قال صلوات الله عليه: واما صلوة المغرب فهي الساعة التي تاب اللهعزوجل فيها على آدمعليه‌السلام وكان ما بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب اللهعزوجل عليه ثلاثمأة سنة من أيام الدنيا، وفي أيام الاخرة يوم كألف سنة ما بين العصر إلى العشاء، وصلى آدم ثلاث ركعات: ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حواء، وركعة لتوبته، ففرض اللهعزوجل هذه الركعات الثلاث على أمتي، وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء فوعدني ربيعزوجل ان يستجيب لمن دعاه فيها وهي الصلوة التي أمرني ربي بها في قوله:( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٦ ـ في كتاب ثواب الأعمال عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: من قال حين يمسى ثلاث مرات:( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) ، لم يفته خير يكون في تلك الليلة، وصرف عنه جميع شرها ومن قال ذلك حين يصبح لم يفته خير يكون ذلك اليوم وصرف عنه جميع شره.

١٧ ـ في عوالي اللئالى وفي الحديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرء حين يصبح:( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) الآيات الثلاث إلى «تخرجون» أدرك ما فاته في يومه، وان قالها حين يمسى أدرك ما فاته ليلته.

١٨ ـ في جوامع الجامع وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من سره ان يكال له بالقفيز الأوفى

١٧٢

فليقل:( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ ) إلى قوله:( كَذلِكَ تُخْرَجُونَ ) .

١٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ ) قال: يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن( وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ) رد على الدهرية.

٢٠ ـ في الكافي أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن موسى بن سعدان عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي إبراهيمعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) قال: ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل، ولا قامة العدل فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.

٢١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى حكيمة بنت محمد بن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام عمة أبي محمد الحسنعليهما‌السلام انها قالت: كنت عند أبي محمدعليه‌السلام فقال: بيتي الليلة عندنا فانه سيلد المولود الكريم على اللهعزوجل الذي يحيى اللهعزوجل به الأرض بعد موتها، فقلت: ممن يا سيدي؟ ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل، فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهر البطن فلم أر بها أثر الحبل، فعدت إليهعليه‌السلام فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك الحبل لان مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لان فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى، وهذا نظير موسىعليه‌السلام والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

قال عز من قائل:( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ) .

٢٢ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام انه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال فأخبرنى عن آدم لم سمى آدم؟ قال: لأنه خلق من طين الأرض وأديمها، قال: فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد؟ قال: بل من الطين كله، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا، وكانوا على صورة واحدة، قال: فلهم في الدنيا مثل؟ قال: التراب فيه ابيض وفيه أحضر وفيه أشقر وفيه اغبر وفيه

١٧٣

أحمر وفيه أزرق وفيه عذب وفيه ملح وفيه خشن وفيه لين وفيه أصهب، فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن وفيهم أبيض وفيهم اصفر وأحمر واصهب واسود على ألوان التراب، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

قال عز من قائل:( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) .

٢٣ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: انصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سرية قد كان أصيب فيها ناس كثير من المسلمين فاستقبلته النساء يسألن عن قتلاهن فدنت منه امرأة فقالت: يا رسول الله ما فعل فلان؟ قال: وما هو منك؟ قال: أبي، قال: احمدي الله واسترجعي فقد استشهد، ففعلت ذلك فقالت: يا رسول الله وما فعل فلان؟ فقال: وما هو منك؟ فقالت: أخي فقال: احمدي الله واسترجعي فقد استشهد، ففعلت ذلك ثم قالت: يا رسول الله ما فعل فلان؟ فقال: وما هو منك؟ قالت: زوجي. قال: احمدي الله واسترجعي فقد استشهد، فقالت: وا ويلى فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كنت أظن ان المرأة تجد بزوجها هذا كله حتى رأيت هذه المرأة.

٢٤ ـ أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابنة جحش: قتل خالك حمزة قال: فاسترجعت وقالت: احتسبه عند الله ثم قال لها: قتل أخوك فاسترجعت وقالت: احتسبه عند الله، ثم قال لها: قتل زوجك فوضعت يدها على رأسها وصرخت فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يعدل الزوج عند المرأة شيء.

٢٥ ـ في أصول الكافي أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى عن الحسن بن علي الكوفي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: إنّ الامام إذا ابصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه، وان سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو، ان الله يقول:( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَ

١٧٤

اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ ) لآيات للعالمين وهم العلماء فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه: ناج أو هالك، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٦ ـ وباسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: كفي لاولى الألباب بخلق الرب المسخر وملك الرب القاهر، إلى قوله: وما انطلق به ألسن العباد وما أرسل به الرسل وما انزل على العباد دليلا على الرب.

٢٧ ـ في توحيد المفضل بن عمر المنقول عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في الرد على الدهرية: تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الإنسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه ونتيجة فكره، به يفهم غيره ما في نفسه(١) ولولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشيء، ولا تفهم عن مخبر شيئا، وكذلك الكتابة التي بها تفيد اخبار الماضين للباقين، واخبار الباقين للآتين، وبها تجلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجرى بينه وبين غيره من المعاملات والحساب، ولولاها لا نقطع اخبار بعض الازمنة عن بعض، واخبار الغائبين عن أوطانهم، ودرست العلوم وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم وما روى لهم مما لا يسعهم جهله، ولعلك تظن انها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة، وليست مما أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه، وكذلك الكلام انما هو شيء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم، ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة وكذلك الكتابة ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من ساير الكتابة التي هي متفرقة في الأمم انما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام، فيقال لمن ادعى ذلك ان الإنسان وان كان له في الأمرين جميعا فعل أو حيلة

__________________

(١) وفي نسخة البحار: «وبه يفهم عن غيره ما في نفسه».

١٧٥

فان الشيء الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من اللهعزوجل في خلقه، فانه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدى به للأمور لم يكن ليتكلم أبدا، ولو لم يكن له كف مهياة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبدا واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة فاصل ذلك فطرة الباري جل وعز وما تفضل به على خلقه فمن شكر أثيب( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) .

٢٨ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن حمّاد بن عبد الله الغرا عن معتب انه أخبره ان أبا الحسن الاول لم يكن يرى له ولد فأتاه يوما إسحق ومحمد أخواه وأبو الحسن يتكلم بلسان ليس بعربي، فجاء غلام سقلابي(١) فكلمه بلسانه، فذهب فجاء بعليّ ابنه فقال لإخوته: هذا عليٌّ إبني فضموه إليه واحدا بعد واحد فقبلوه ثم كلم الغلام بلسانه، فذهب به ثم تكلم بلسان غير ذلك اللسان، فجاء غلام اسود فكلمه بلسانه، فذهب فجاء بإبراهيم فقال: هذا إبراهيم إبني فكلمه بكلام، فحمله فذهب به فلم يزل يدعو بغلام بعد غلام ويكلمهم حتى جاء بخمسة أولاد، والغلمان مختلفون في أجناسهم وألسنتهم.

٢٩ ـ محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار قال: أرسلت إلى أبي الحسنعليه‌السلام غلامي وكان سقلابيا قال: فرجع الغلام إلى متعجبا فقلت: له ما لك يا بنى؟ قال: كيف لا أتعجب؟! ما زال يكلمني بالسقلابية كأنه واحد منا فظننت انه انما دار بينهم.

٣٠ ـ أحمد بن محمد عن أبي القاسم وعبد الله بن عمران عن محمد بن بشير عن رجل عن عمار الساباطي قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا عمار «أبو مسلم وظلله وكسا فكسحه مسطورا» قلت: جعلت فداك ما رأيت نبطيا أفصح منك، فقال: يا عمار وبكل لسان.

٣١ ـ وروى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وعن بعض رجاله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام يرفع الحديث إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما وعلى آبائهما أنّه قال: ان

__________________

(١) السلقب: جيل من الناس.

١٧٦

لله مدينتين إحداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد وعلى كل مدينة ألف ألف مصراعين ذهب، وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبه، وأنا أعرف جميع اللغات، وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري والحسين أخي.

٣٢ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام انه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: فأخبرنى عن آدم لم سمى آدم؟ قال: لأنه من طين الأرض وأديمها، قال: فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد؟ قال: بل من الطين كله ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا، وكانوا على صورة واحدة قال: فلهم في الدنيا مثل؟ قال: التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر وفيه أغبر وفيه أحمر وفيه أزرق وفيه عذب وفيه ملح وفيه خشن وفيه لين وفيه أصهب فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن وفيهم أبيض وفيهم أصفر وأحمر واصهب واسود على ألوان التراب، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٣ ـ وباسناده إلى سهل بن زياد الأدمي قال: حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: سمعت عليّ بن محمّد العسكريعليه‌السلام يقول: عاش نوح ألفين وخمسمائة سنة وكان يوما في السفينة نائما فهبت الريح فكشفت عورته فضحك حام ويافث فزجرهما سامعليه‌السلام ونهاهما عن الضحك، وكان كلما غطى سام شيئا تكشفه الريح كشفه حام ويافث فانتبه نوحعليه‌السلام فرآهم وهم يضحكون، فقال: ما هذا؟ فأخبره سام بما كان، فرفع نوحعليه‌السلام يده إلى السماء يدعو ويقول: أللّهمّ غير ماء صلب حام حتى لا يولد له ولد إلّا السودان، أللّهمّ غير ماء صلب يافث فغير الله ماء صلبيهما فجميع السودان حيث كانوا من حام، وجميع الترك والسقالب ويأجوج ومأجوج والصين من يافث حيث كانوا، وجميع البيض سواهم من سام، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

قال عز من قائل:( وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) .

٣٤ ـ في توحيد المفضل بن عمر المنقول عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام في الرد على الدهرية: والكرى يقتضي النوم الذي فيه راحة البدن وإجمام

١٧٧

قواه(١) إلى أنْ قالعليه‌السلام : وكذلك لو كان انما يصير إلى النوم، بالتفكر في حاجته إلى راحة البدن وإجمام قواه كان عسى أن يتثاقل عن ذلك فيدفعه حتى ينهك بدنه(٢) .

٣٥ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في بنى آدم ثلاثمأة وستين عرقا ثمانون ومأة متحركة وثمانون ومأة ساكنة، فلو سكن المتحرك لم ينم، أو تحرك الساكن لم ينم، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أصبح قال: الحمد لله رب العالمين كثيرا على كل حال ثلاثمأة وستين مرة. وإذا أمسى قال مثل ذلك.

٣٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة حديث طويل يقول فيه الحسن بن علىعليهما‌السلام مجيبا للخضرعليه‌السلام بأمر أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد سأله عن مسائل: أما ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه فان روحه متعلقة بالريح، والريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فان اذن اللهعزوجل برد تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء، فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها، وان لم يأذن اللهعزوجل برد تلك الروح على صاحبها جذب الهواء الريح فجذبت الريح الروح فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.

٣٧ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من خبر الشامي وما سأل عنه أمير المؤمنينعليه‌السلام في جامع الكوفة حديث طويل: وفيه: وسأله عن النوم على كم وجه هو؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام صلوات الله عليه: النوم على أربعة أصناف: الأنبياء تنام على أقفيتها مستقبلة وأعينها لا تنام متوقعة لوحى ربهاعزوجل ، والمؤمنون ينامون على

__________________

(١) الكرى: السهر. والجمام. الراحة.

(٢) نهكته الحمى: هزلته وجهدته ونهكه: غلبه. وفي البحار «فيدمغه» بدل «فيدفعه» ويحتمل التصحيف.

١٧٨

يمينهم مستقبلين القبلة، والملوك وأبناءها على شمائلها ليستمر أو ما يأكلون(١) وإبليس وإخوانه وكل مجنون وذو عاهة ينامون على وجوههم منبطحين(٢) .

٣٨ ـ في كتاب الخصال عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت أم سليمان بن داودعليه‌السلام لسليمان: إياك وكثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة.

٣٩ ـ عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا: الاكل زاده وحده والراكب الفلاة وحده والنائم في بيت وحده.

٤٠ ـ فيما أوصى به النبي علياعليهما‌السلام : يا عليُّ ثلاث يتخوف منهن الجنون إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والرجل ينام وحده.

٤١ ـ فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب إذا نام أحدكم فليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، فانه لا يدرى أينتبه من رقدته أم لا. لا ينام الرجل على المحجنة(٣) لا ينام الرجل على وجهه، ومن رأيتموه نائما على وجهه فانتبهوه ولا تدعوه إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وليقل: بسم الله وضعت جنبي لله على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية من افترض طاعته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فمن قال ذلك حفظ من اللص المغير والهدم، واستغفرت له الملائكة، من قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه وكل اللهعزوجل به خمسين ألف ملك يحرسونه ليلته. فاذا أراد أحدكم النوم فلا يضعن جنبه على الأرض حتى يقول: أعيذ نفسي وديني وأهلى ومالي وخواتيم عملي وما رزقني ربي وخولني(٤) بعزة الله وعظمة الله وجبروت الله وسلطان الله ورحمة الله ورأفة الله وغفران الله وقوة الله وقدرة الله وجلال الله وبصنع الله وأركان الله وبجمع الله وبرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبقدرة الله على ما يشاء من شر السامة والهامة ومن

__________________

(١) استمرأ الطعام: استطابه وعده ووجده مريئا.

(٢) بطحه على وجهه أي ألقاه على وجهه فانبطح.

(٣) المحجنة: العصا المنعطفة الرأس.

(٤) خوله الله مالا: أعطاه إياه متفضلا وملكه إياه.

١٧٩

شر الجن والانس ومن شر ما يدب في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن كل دابة ربي آخذ بناصيتها، إنّ ربي على صراط مستقيم وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم، فانّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعوّذ بها الحسن والحسينعليهما‌السلام وبذلك أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا انتبه أحدكم من نومه فليقل: لا إله إلّا الله الحليم الكريم الحي القيوم وهو على كل شيء قدير سبحان رب النبيين واله المرسلين وسبحان رب السموات السبع وما فيهن ورب الأرضين السبع وما فيهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين، وإذا جلس من نومه فليقل قبل أن يقوم: حسبي الله حسبي الرب من العباد، حسبي الذي هو حسبي مذ كنت، حسبي الله ونعم الوكيل.

٤٢ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ثلاث خصال فيهن المقت من الله تعالى: نوم من غير سهر، وضحك من غير عجب، وأكل على الشبع.

٤٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) قال: يعنى السماء والأرض هاهنا.

٤٤ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى حنان بن سدير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه: وقوم وصفوة بيدين فقالوا( يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) وقوم وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء، ووصفوه بالأنامل فقالوا: إنّ محمدا قال: إنّي وجدت برد أنامله على قلبي، فلمثل هذه الصفات قال:( رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) يقول: رب المثل الأعلى عما به مثلوه ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء، ولا يوصف ولا يتوهم فذلك المثل الأعلى.

٤٥ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى ياسر الخادم عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا عليُّ أنت حجّة الله وأنت باب الله وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٦ ـ وفي عيون الأخبار أيضا في الزيارة الجامعة لجميع الائمةعليهم‌السلام

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343