السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام0%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 175364
تحميل: 7609

توضيحات:

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175364 / تحميل: 7609
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

«لقد جئت شيئاّ إدّاً، وأمراً عظيماً! ألم أشفق عليك واُقدّمك على غيرك في العطاء، فلماذا تجازيني بهذا الجزاء؟» .

والتفت الإمام (عليه السّلام) إلى ولده الحسن (عليه السّلام) فأوصاه بالبرّ والإحسان بابن ملجم قائلاً:«يا بُني، ارفق بأسيرك وارحمه، واشفق عليه» .

فبُهر الحسن (عليه السّلام) وقال:«يا أبتاه، قتلك هذا اللعين، وفجعنا بك، وأنت تأمرنا بالرفق به!» . فأجابه الإمام (عليه السّلام) بما انطوت عليه نفسه من المُثل العليا قائلاً:«يا بُني، نحن أهل بيت الرحمة والمغفرة؛ أطعمه ممّا تأكل، واسقه ممّا تشرب، فإن أنا متّ فاقتصّ منه بأن تقتله، ولا تمثّل بالرجل؛ فإنّي سمعت جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور. وإن أنا عشت فأعلم ما أفعله به، وأنا أولى بالعفو؛ فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً» .

أيّ نفس ملائكية هذه النفس التي توصي بالبرّ والإحسان لقاتلها؟!

السيّدة اُمّ كلثوم مع ابن ملجم

وبكت السيّدة اُمّ كلثوم، وأخذت تندب أباها بأشجى ما تكون الندبة، وأكبر الظنّ أنّها العقيلة الزينب، فقالت للباغي الأثيم ابن ملجم: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين! فردّ عليها الباغي الزنيم: لم أقتل أمير المؤمنين، ولكن قتلت أباك. فردّت عليه: والله، إنّي لأرجو أن لا يكون عليه بأس. فأجابها ابن ملجم بصلف وشماتة:

١٦١

فلِمَ تبكين إذاً؟ عليَّ تبكين؟! والله لقد أرهقت السيف، ونفيت الخوف، وخسئت الأجل، وقطعت الأمل، وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ - وقيل: بربيعة أو مضر - لأتت عليهم. والله، لقد سممته شهراً، فإن أخلفني فأبعده سيفاً وأسحقه(١) !

لك الويل أيّها الأثيم! فقد عمدت لاغتيال أقدس إنسان بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أراد أن يُقيم الحقّ ويوزّع خيرات الله في الأرض على المحرومين والمضطهدين، لقد خسرت صفقتك وبئت بغضب الله وعذابه الدائم.

العقيلة مع أبيها

وهرعت عقيلة بني هاشم السيدة زينب (عليها السّلام) إلى أبيها وهي تبكيه وتندبه، وقد ذابت نفسها حزناً وألماً، وطلبت منه أن يحدّثها بالحديث الذي سمعته من المرأة الصالحة اُمّ أيمن عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عمّا يجري عليها من الكوارث والخطوب، ولم يكن عند الإمام (عليه السّلام) قوّة على الكلام، فقال لها:«الحديث كما حدّثتك اُمّ أيمن، وكأنّي بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد، أذلاّء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبراً صبراً؛ فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ما لله على ظهر الأرض يومئذ وليّ غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم.

ولقد قال لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين أخبرنا بهذا الخبر: إنّ إبليس (لعنه الله) في ذلك اليوم - أي يوم قتل الحسين -يطير فرحاً، فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته، فيقول: يا معاشر الشياطين، قد أدركنا من ذرّيّة آدم الطلبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم النار، ألا مَنْ اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحملهم على عداوتهم، وإغرائهم بهم وأوليائهم حتّى تستحكم ضلالة الخلق

____________________

(١) أنساب الأشراف ١ / ٢١٦، القسم الأوّل.

١٦٢

وكفرهم، ولا ينجو منهم ناج. ولقد صدّق عليهم إبليس - وهو كذوب - أنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر)) (١) .

وصاياه

وجعل الإمام (عليه السّلام) وهو في الساعات الأخيرة من حياته يوصي أبناءه، وفي طليعتهم سيّدا شباب أهل الجنّة الإمام الحسن والحسين (عليهما السّلام) بمكارم الأخلاق والزهد في الدنيا.

ومن بنود وصيّته هذه الوصايا الخالدة، قال (عليه السّلام):«اُوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء زُوي عنكما، وقولا للحقّ، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً.

اُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَنْ بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم؛ فإنّي سمعت جدّكما (صلّى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام.

الله الله في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم (٢) ، ولا يضيعوا بحضرتكم. الله الله في جيرانكم؛ فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتّى ظننا أنّه سيورّثهم. والله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم. الله الله في الصلاة؛ فإنّها عمود دينكم. الله الله في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم؛ فإنّه إن تُرك لم تُناظروا - أي لم ينظر إليكم بالكرامة -.الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، وعليكم بالتواصل والتباذل (٣) ، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيتولّى عليكم شرارُكم ثمّ تدعون فلا يُستجاب لكم» .

ثمّ وجّه وصيته إلى آله وذويه قائلاً:

____________________

(١) كامل الزيارات / ٢٦٦.

(٢) لا تغبوا أفواههم: أي لا تقطعوا صلتكم عنهن، وصلوا أفواههم بالطعام دوماً.

(٣) التباذل: العطاء والصلة.

١٦٣

«يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قُتل أمير المؤمنين، قُتل أمير المؤمنين (١) ؛ألا لا تقتلنَّ بي إلاّ قاتلي. انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يُمثّل بالرجل؛ فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور» (٢) .

وحفلت هذه الوصية بالقيم الخالدة التي هي من أروع ما خلّفه الأنبياء والمصلحون لاُممهم وشعوبهم.

إقامة الحسن (عليه السّلام) من بعده

وأقام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) خليفة على المسلمين من بعده ولده الأكبر سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الإمام الحسن (عليه السّلام)، وأجمعت الشيعة على ذلك.

وذهب بعض أهل السُنّة إلى أنّ الإمام (عليه السّلام) لم يستخلف أحداً من بعده، مستدلّين على ذلك بما رواه شعيب بن ميمون الواسطي أنّه قيل لعليّ: ألا تستخلف؟ فقال: إن يرد الله بالاُمّة خيراً يجمعهم على خيرهم. وهذه الرواية من موضوعات شعيب ومن مناكيره كما نصّ على ذلك ابن حجر(٣) .

إنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) هو أفضل إنسان في المجتمع الإسلامي، فهو سيّد شباب أهل الجنّة، وإمام إن قام أو قعد على حدّ تعبير رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد توفّرت فيه جميع الصفات الكريمة والنزعات الرفيعة، فكيف لا يُرشّحه الإمام لهذا المنصب الخطير؟ ومَنْ هو أحقّ به منه؟!

____________________

(١) يشير بذلك إلى مصرع عثمان الذي اتّخذ الاُمويّون دمّه ورقة رابحة في سبيل أطماعهم السياسيّة.

(٢) نهج البلاغة ٣ / ٨٥.

(٣) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٥٧.

١٦٤

الوصية الأخيرة للإمام (عليه السّلام)

أمّا الوصية الأخيرة للإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقد روتها عقيلة بني هاشم السيّدة زينب (عليها السّلام)، قالت: كان آخر عهد أبي إلى أخوي الحسن والحسين (عليهما السّلام)، أنّه قال لهما:«يا بنيَّ، إذا أنا متّ فغسّلاني، ثمّ نشّفاني بالبردة التي نُشّف بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السّلام)، وحنّطاني وسجّياني على سريري، ثمّ انظروا حتّى إذا ارتفع لكما مقدّم السرير فاحملا مؤخّره» (١) .

إلى جنّة المأوى

ولمّا أدلى الإمام (عليه السّلام) بوصاياه أخذ يُعاني آلام الموت وهو يتلو آيات الذكر الحكيم، ويُكثر من الدعاء والاستغفار، ولمّا دنا منه الأجل المحتوم كان آخر ما نطق به:«لمثل هذا فليعمل العاملون» (٢) . ثمّ فاضت روحه الزكية إلى جنّة المأوى.

لقد ارتفع ذلك اللطف الإلهي الذي أضاء الدنيا بعدله وعمله وكماله، فما أظلّت سماء الدنيا قطّ أفضل ولا أسمى منه ما عدا أخاه وابن عمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

لقد مادت أركان العدل، وانطمست معالم الحقّ، ومات أبو الغرباء والبؤساء.

سيّدي أبا الحسن، لقد مضيت إلى عالم الخلود، وأنت مكدود مجهود، قد جُهل حقّك، واُبعدت عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد تظافرت الاُسر القرشيّة على حربك، ووضعت الحواجز والسدود أمام مخطّطاتك الإصلاحية، كما فعلت مثل ذلك مع ابن عمّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

____________________

(١) زينب الكبرى / ٣٨.

(٢) سورة الصافات / ٦١.

١٦٥

تجهيزه ودفنه (عليه السّلام)

وقام الإمام الحسن (عليه السّلام) مع بقية إخوانه بتجهيز أبيه، فغسّلوا الجسد الطاهر وأدرجوه في أكفانه وصلّوا عليه، وفي الهزيع الأخير من الليل حملوا الجثمان المقدّس إلى مقرّه الأخير، وكانت معهم العقيلة زينب(١) وهي تذرف الدموع، وقد نخب الحزن فؤادها، ودفنوا الجثمان المعظّم في النجف الأشرف حيث مقرّه الآن كعبة للوافدين، وجامعة من أهم الجامعات في الإسلام.

لقد شاهدت السيّدة زينب الكوارث والخطوب التي أحاطت بأبيها، فملأت قلبها الزاكي أسى وحزناً، وعرفتها بما تكنّه قريش من الحقد والحسد لأبيها، وسائر أبناء الاُسرة النبويّة.

عهد الإمام الحسن (عليه السّلام)

وفي صبيحة اليوم الذي وارى فيه الإمام الحسن (عليه السّلام) جثمان أبيه انبرى إلى جامع الكوفة يحفّ به إخوته وسائر بني هاشم، وقد اكتظّ الجامع بمعظم قطعات الجيش وقادة الفرق والوجوه والأشراف، فاعتلى المنبر فابتدأ خطابه بتأبين أبيه عملاق الفكر الإسلامي، وكان تأبينه منسجماً تمام الانسجام مع سموّ شخصية أبيه؛ فقد وصفه بأبلغ وأروع ما يكون الوصف.

وصفه بهذه الكلمات الذهبية:«لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل، ولم يُدركه الآخرون بعمل» .

ومعنى ذلك أنّ أباه نسخة فريدة لا مثيل لها في تأريخ الإنسانيّة في جميع الأزمان والآباد؛ فإنّ من المحقّق أنّه ليس في ميدان الإصلاح الاجتماعي والسياسي زعيم كالإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في نزاهته وتجرّده من جميع النزعات المادية؛ فقد

____________________

(١) زينب الكبرى / ٣٨.

١٦٦

تقلّد زمام الحكم وكان معظم الشقّ خاضعاً لحكمه، وكانت الأموال تُجبى له كالسيل فلم يؤثر نفسه وأهله بشيء منها، ولم يخلّف صفراء ولا بيضاء سوى سبعمئة درهم كان قد ادّخرها من راتبه ليشتري بها عبداً يستعين به أهله في حاجاتهم إلاّ أنّه عدل عن ذلك، وأمر ولده الحسن (عليه السّلام) بإرجاعها إلى بيت المال، كما أعلن ذلك الإمام الحسن (عليه السّلام) في خطابه.

استمعوا له، قال (عليه السّلام):«وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمئة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله، وقد أمرني أن أردّها إلى بيت المال» .

وكان ذلك حقّاً هو منتهى السموّ والعظمة، ومنتهى التجرّد عن الدنيا والزهد في جميع مظاهرها وملاذّها.

ولمّا أنهى الإمام الحسن (عليه السّلام) خطابه الرائع بايعه الجمهور، وكانوا أصنافاً، وهم:

١ - قادة الفرق والزعماء، وهؤلاء كان معظمهم مع معاوية؛ فقد استمالهم بأمواله وذهبه، ووعدهم بالمناصب العالية إن انضموا إليه.

٢ - الخوارج، وهم من ألدّ أعدائه وأعداء أبيه، وكانوا يكيدون له في وضح النهار وغلس الليل.

٣ - المؤمنون من شيعته ممّن عرفوا حقّه، ودانوا له بالولاء والطاعة، وهم قلّة قليلة.

وعلى أيّ حال، فقد علم معاوية ما مُني به جيش الإمام الحسن (عليه السّلام) من الضعف والانحلال والتمرّد على قيادته، فكتب إلى الإمام (عليه السّلام) يستنجزه الحرب، وزحف بجيوشه الذين تسودهم الطاعة والإخلاص له، فانتهى إلى المدائن فعسكر فيها.

ولمّا اُذيع ذلك سرت أوبئة الرعب والخوف في نفوس جيش الإمام (عليه السّلام)، وقد دعاهم إلى مناجزة معاوية فلم يستجب له سوى بعض المؤمنين من أصحابه، وجعل يستحثّ الناس على الخروج لحرب معاوية، وبعد جهد شاق خرج معه أخلاط من الناس - على حدّ تعبير الشيخ المفيد - متباينون في أفكارهم وميولهم، وأخذوا

١٦٧

يجدّون في السير لا يلوون على شيء حتّى انتهوا إلى المدائن فعسكروا فيها.

حوادث رهيبة

ومُني الإمام الحسن (عليه السّلام) بحوادث مروّعة حينما كان في مسكن، كان من أقساها وأفجعها ما يلي:

١ - خيانة القائد العام

وكان عبيد الله بن العباس قائداً لجميع القوات المسلّحة في جيش الإمام (عليه السّلام)، ولمّا تيقّن أنّ الدنيا قد تنكّرت للإمام انحرف عنه ومال إلى معسكر معاوية بعد أن تسلّم الرشوة منه، وقد اضطرب جيش الإمام (عليه السّلام) وماج بالفتن، وكانت خيانته من أفجع النكبات التي مُني بها الإمام (عليه السّلام).

٢ - تسلل الوجوه إلى معاوية

وتسلّل الوجوه والأشراف في جيش الإمام (عليه السّلام) إلى معاوية بعد أن تسلّموا منه الأموال.

٣ - خيانة ثمانية آلاف

والتحق بمعسكر معاوية ثمانية آلاف جندي مع قادتهم، وأكبر الظنّ أنّهم من أتباع الخائن العميل الأشعث بن قيس، وقد بان الانكسار والضعف بجيش الإمام (عليه السّلام) بعد خيانة هذا العدد الكبير منهم.

٤ - خيانة ربيعة

وتعتبر قبائل ربيعة العمود الفقري في جيش الإمام (عليه السّلام)؛ فقد أقبل زعيمها خالد بن معمر إلى معاوية فقال له: اُبايعك عن ربيعة كلّها. فبايعه على ذلك.

وفيه يقول الشاعر مخاطباً معاوية:

معاوي أكرم خالدَ بن معمّرٍ = فإنّك لولا خالدٌ لم تؤمّرِ

ولمّا انتهى الخبر إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) انهارت قواه، واتّجه صوب الجيش

١٦٨

فقال لهم:«يا أهل العراق، أنتم الذين أكرهتم أبي على القتال والحكومة ثمّ اختلفتم عليه، وقد أتاني أنّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية فبايعوه، فحسبي منكم! لا تغرّوني في نفسي وديني» (١) .

وكذلك بايع معاوية سرّاً عثمان بن شرحبيل زعيم بني تميم(٢) .

٥ - نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام)

وعمدت تلك العصابة التي انمحت عن نفوسها جميع أفانين الشرف والكرامة إلى نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام) وأجهزته، وأكبر الظنّ أنّ للخوارج ضلعاً كبيراً في هذه الجريمة.

٦ - محاولة اغتيال الإمام (عليه السّلام)

ولم تقف محنة الإمام الحسن (عليه السّلام) في جيشه عند حدّ؛ فقد عظم بلاؤه إلى أكثر من ذلك؛ فقد قدم المرتشون والخوارج على اغتياله وذلك في عدّة محاولات، وهي:

١ - إنّه كان يصلّي فرماه شخص بسهم

٢ - طعنه الجرّاح بن سنان في فخذه

٣ - طعنه بخنجر في أثناء الصلاة

واتّضحت للإمام (عليه السّلام) بعد هذه الاعتداءات الصارخة على حياته أنّه ليس عنده جيش يركن إليه لمناجزة معاوية.

٧ - الحكم عليه بالكفر

ومن بين المحن الشاقة التي امتحن بها الإمام الحسن (عليه السّلام) أنّ بعض العناصر في جيشه حكموا عليه بالشرك والإلحاد، وأكبر الظنّ أنّهم الخوارج الذين لا نصيب لهم

____________________

(١) أنساب الأشراف ١ / ٢٢٣، القسم الأوّل.

(٢) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٢٧.

١٦٩

من الإيمان والإسلام.

وعلى أيّ حال، فقد انبرى الجرّاح بن سنان نحو الإمام وهو رافع صوته قائلاً: أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل!

إنّ مجتمعاً يضمّ أمثال هؤلاء الأوغاد لهو مجتمع غير سليم.

ضرورة الصلح

ودرس الإمام الحسن (عليه السّلام) الموقف من جميع جوانبه ووجوهه، ورأى أنّه بين محذورين؛ وهما:

الأول: أن يناجز معاوية ويفتح معه باب الحرب، وهذا ما يطلبه ويبغيه لإنقاذ العالم الإسلامي من هذا العدو الظالم الذي يكيد له في الليل إذا يغشى، وفي النهار إذا تجلّى؛ فحربه أمر لازم وضروري، ولكن ذلك لا سبيل له، ولا تساعده الحكمة وعمق النظر؛ وذلك لما يلي:

١ - إنّه ليس عند الإمام (عليه السّلام) قوّة عسكرية يستطيع أن يخوض بها الحرب؛ فإنّ الأكثرية الساحقة من جيشه قد استجابت لمعاوية، وآثرت السلم والعافية.

٢ - إنّ معاوية قد أرشى معظم قادة الفرق في جيش الإمام (عليه السّلام)، فصاروا طوع إرادته، وضمنوا إنجاز ما يريد من اغتيال الإمام (عليه السّلام) أو تسليمه له أسيراً.

٣ - إنّ من المؤكد أنّ معاوية هو الذي ينجح في الحرب - حسب الفنون العسكريّة - فإذا استشهد الإمام (عليه السّلام) فإنّه لا يستشهد وحده، وإنّما يستشهد معه جميع أفراد اُسرته وخلّص شيعته، ولا تستفيد القضية الإسلاميّة من تضحيتهم شيئاً؛ فإنّ دهاء معاوية وما يتمتّع به من وسائل المكر والخداع يجعل تبعة ذلك على الإمام (عليه السّلام)، وبذلك يخسر العالم الإسلامي أهم رصيد روحي وفكري.

٤ - إنّ الإمام إذا لم يستشهد واُخذ أسيراً لمعاوية، فإنّ من المحقّق أنّه يمنّ عليه ويوصمه مع بقية أهل البيت (عليهم السّلام) بالطلقاء، ويسجّل له بذلك يداً على العلويِّين،

١٧٠

ويمحو عنه وعن الاُمويِّين وصمة الطلقاء التي أسداها عليهم النبي (صلّى الله عليه وآله) حينما فتح مكة.

الثاني: أن يصالح معاوية على ما في الصلح من قذى العين وشجى الحلق، وهذا هو المتعيّن في عرف السياسة وقوانين الحكمة، وله مرجّحاته الواقعية والظاهرية التي أشرنا إليها.

وكان من أعظم فوائد الصلح ومن أهم ثمراته إبراز الواقع الاُموي الذي خفي على المسلمين؛ فقد تظاهر الاُمويِّين بالإسلام، وأشاعوا أنّهم حماة الدين، وأقرب الناس إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وأمسّهم رحماً به، وبعد الصلح انكشف زيفهم، وظهر واقعهم الجاهلي؛ فقد تفجّرت سياسة معاوية بكلّ ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه؛ فقد أعلن بعد الصلح مباشرة أمام الحشود فخاطب أهل العراق قائلاً: إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتزكّوا ولا لتحجّوا وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك، وإنّي قد أعطيت الحسن بن عليّ شروطاً لا أفي بواحد منها وها هي تحت قدمي.

ولو لم يكن للصلح من فائدة إلاّ إبراز حقيقة معاوية وتجريده من كلّ إطار ديني لكفى؛ فقد أبرز معاوية واقعه بهذا الخطاب، فهو لم يُقاتل أهل العراق من أجل الطلب بدم عثمان، ولا من أجل ظاهرة إسلاميّة، وإنّما قاتلهم من أجل الإمرة والسلطان، ولو كان يملك ذرّة من الشرف والكرامة لما فاه بذلك، ولما أعلن نقضه للعهود والمواثيق التي أعطاها للإمام الحسن (عليه السّلام).

وعلى أيّ حال، فإنّا قد بسطنا القول بصورة موضوعية وشاملة في بيان ضرورة الصلح، وإنّه هو المتعيّن على الإمام (عليه السّلام) شرعاً وسياسة في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام))، كما استوفينا البحث من الشروط التي شرطها الإمام (عليه السّلام) على معاوية والتي لم يفِ بشيء منها، فمَنْ أراد الإلمام بهذه البحوث عليه بمراجعة هذا الكتاب.

١٧١

السفر إلى يثرب

وأخذ الإمام الحسن (عليه السّلام) يتهيّأ للسفر إلى يثرب، ويترك البلد الذي خذله وخذل أباه من قبل، ولمّا تمّت وسائل النقل خرج أهل الكوفة إلى توديعه وهم ما بين باك وآسف يندبون حظّهم التعيس؛ فقد أصبحت بلدهم مصراً من الأمصار بعد أن كانت عاصمة الدولة الإسلاميّة، وأصبحت القطع السورية من الجيش تدخل مصرهم وتسيطر عليهم، ويُقام في بلدهم حكم إرهابي لا يعرف الرحمة ولا الرأفة.

وعلى أيّ حال، فقد انتهى الإمام (عليه السّلام) إلى يثرب فخفّ أهلها إلى استقباله؛ فقد أقبل إليهم الخير وحلّت في ديارهم السعادة.

وعلى أيّ حال، فقد أفلت دولة الحقّ وقامت على أنقاضها دولة الباطل، وكان ذلك من أعظم النكبات التي عانتها حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وعقيلة بني هاشم السيّدة زينب، فكانت عالمة بمجريات الأحداث ونتائجها التي كان منها ما عانته من الرزايا والخطوب في كربلاء.

١٧٢

حكومة معاوية

واستقبل المسلمون حكومة معاوية بكثير من الوجوم والقلق والاضطراب واعتبروها نكسة للإسلام، ونصراً حاسماً للقوى المعادية له والحاقدة عليه، وفي طليعتها الاُسرة الاُمويّة ومَنْ شايعها من القبائل القرشيّة؛ فقد انتعشت الأفكار الجاهليّة وعادت لها الحياة من جديد، وانطوت الديمقراطية الإسلاميّة وما تنشده من التقدّم والتطوّر للإنسان في مجالاته الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسيّة.

يقول السيد مير علي الهندي: ومع ارتقاء معاوية الخلافة في الشام عاد حكم التوليغارشية الوثنية السابقة، فاحتلّ موقع ديمقراطية الإسلام، وانتعشت الوثنية بكلّ ما يرافقها من خلاعات، وكأنّها بُعثت من جديد، كما وجدت الرذيلة والتبذّل الخُلقي لنفسها متّسعاً في كلّ مكان ارتادته رايات حكم الاُمويِّين من جند الشام(١) .

لقد وقعت الاُمّة فريسة تحت أنياب معاوية فساسها سياسة سوداء تفجّرت بكلّ ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه، فأشاع فيها البؤس والحرمان والقتل والدمار.

ونعرض - بإيجاز - لبعض نزعاته وصورة عن سياسته:

عداؤه للنبيّ (صلّى الله عليه وآله)

وورث معاوية عداءه للرسول (صلّى الله عليه وآله) من أبيه أبي سفيان الذي هو من ألدّ أعدائه

____________________

(١) روح الإسلام / ٢٩٦.

١٧٣

وخصومه، وقد ناجزه الحرب في بدر واُحد وغيرهما، وقد حاول جاهداً أن يلفّ لواء الإسلام ويُطفئ نور الله، ولكنّ الله تعالى ردّ كيده ونصر رسوله وأعزّ جنده.

وأمّا اُمّ معاوية فهي الباغية هند، وهي التي عُرفت بالعداء العارم للاُسرة العلوية، وهي التي حرّضت وحشيّاً على قتل سيّد الشهداء حمزة فقتله، وبعد قتله مثّلت به شرّ تمثيل.

ولا يقلّ معاوية في عدائه للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن أبويه؛ فقد اُترع بالكراهية والبغض له، وكان من حقده له أنّه سمع المؤذّن يؤذّن: أشهد أنّ محمداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلم يملك إهابه واندفع قائلاً: لله أبوك يابن عبد الله! لقد كنت عالي الهمّة، ما رضيت لنفسك إلاّ أن يُقرن اسمك باسم ربّ العالمين(١) .

وكان من حقده على النبي (صلّى الله عليه وآله) ما حدّث به مطرف بن المغيرة و قال: وفدت مع أبي على معاوية، فكان يتحدّث عنده ثم ينصرف إليّ وهو يذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه. وأقبل ذات ليلة وهو غضبان، فأمسك عن العشاء، فانتظرته ساعة وقد ظننت أنّه شيء حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: ما لي أراك مغتماً هذه الليلة؟

- يا بُني، جئتك من أخبث الناس.

- ما ذاك؟

- خلوت بمعاوية فقلت له: إنّك قد بلغت مُناك يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً؛ فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه.

فثار معاوية وقال:

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٠١.

١٧٤

هيهات، هيهات! ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وعمره عشر سنين، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل به ما عمل، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، وإنّ أخا هاشم يصرخ به في كلّ يوم خمس مرّات أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فأيّ عمل يبقى بعد هذا - لا اُمّ لك - إلاّ دفناً دفناً؟!(١)

وتحكي هذه البادرة مدى حقده وبغضه للنبي (صلّى الله عليه وآله)، وأنّه يسعى جاهداً لمحو ذكره وإطفاء نوره.

بغضه لآل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)

وكان معاوية من أبغض الناس وأحقدهم على آل النبي (صلّى الله عليه وآله)، وقد قام بما يلي:

١ - ستر فضائلهم

وأوعز معاوية إلى جميع عمّاله وولاته بستر فضائل آل النبي (صلّى الله عليه وآله) وحجبها عن الناس، وقد حجّ بيت الله الحرام بعد عام الصلح، فقام إليه جماعة من الناس سوى ابن عباس، فبادره معاوية قائلاً: يابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلاّ لموجدة عليّ بقتالي إيّاكم يوم صفّين. يابن عباس، إنّ ابن عمّي عثمان قُتل مظلوماً.

فردّ عليه ابن عباس: فعمر بن الخطاب قُتل مظلوماً، فسلّم الأمر إلى ولده؟ وهذا ابنه - وأشار إلى عبد الله بن عمر -.

فأجابه معاوية:

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٧.

١٧٥

إنّ عمر قتله مشرك.

فانبرى ابن عباس قائلاً: فمَنْ قتل عثمان؟

- قتله المسلمون.

وامسك ابن عباس بزمامه قائلاً: فذلك أدحض لحجّتك؛ إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلاّ بحقّ.

ووجم معاوية ثمّ قال: إنّا كتبنا إلى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته، فكفّ لسانك يابن عباس.

فأجابه ابن عباس ببليغ منطقه: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟

- لا.

- أفتنهانا عن تأويله؟

- نعم.

- فنقرأه ولا نسأل عمّا عنى الله به؟

- نعم.

- فأيّهنّ أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

- العمل به.

- فكيف نعمل به حتّى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

- سل عن ذلك مَنْ يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت وأهل بيتك.

- إنّما نزل القرآن على أهل بيتي، فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط؟

- فاقرؤوا القرآن، ولا ترووا شيئاً ممّا أنزل الله فيكم، وممّا قاله رسول الله فيكم، وارووا ما سوى ذلك.

١٧٦

وسخر منه ابن عباس، وتلا قوله تعالى:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) .

وصاح به معاوية: اكفف نفسك، وكفّ عنّي لسانك، وإن كنت فاعلاً فليكن سرّاً، ولا تسمعه أحداً علانية.

لقد جهد معاوية في ستر فضائل أهل البيت (عليهم السّلام) ومحو ذكرهم حتّى لا يبقى لهم أيّ رصيد شعبي في الأوساط الإسلاميّة.

٢ - اضطهاد الشيعة

واضُطهدت الشيعة اضطهاداً مريراً وقاسياً في أيام معاوية؛ فقد انتقم منهم كأقسى وأشدّ ما يكون الانتقام، وكان ما عانوه منه لا يُوصف لشدّة قسوته ومرارته.

وهذه صورة موجزة لما عانوه:

أ - القتل الجماعي

وعهد معاوية إلى الجلاّدين من شرطته بقتل الشيعة وإبادتهم؛ فقتل المجرم بسر بن أرطأة بعد التحكيم ثلاثين ألفاً عدا مَنْ أحرقهم بالنار(٢) ، وقتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة(٣) ، وأمّا زياد ابن أبيه فقد اقترف أفظع الجرائم؛ فقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وأنزل بالشيعة جميع صنوف العذاب.

كما صفّى معاوية جميع العناصر الواعية من الشيعة، وكان منهم:

____________________

(١) سورة التوبة / ٣٢.

(٢) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ٣٤٣.

(٣) شرح نهج البلاغة ٢ / ٦.

١٧٧

١ - حجر بن عدي وجماعته

٢ - عمرو بن الحمق الخزاعي

٣ - رشيد الهجري

٤ - أوفى بن حصن

٥ - عبد الله الحضرمي وجماعته

٦ - جويرية العبدي

٧ - عبد الرحمن العنزي

٨ - صيفي بن فسيل.

وقد ذكرنا بصورة مفصّلة كيفية شهادتهم، وما لاقوه من التنكيل من معاوية؛ لمحبّتهم لأهل البيت (عليهم السّلام).

ب - ترويع النساء

وروّع معاوية جمهرة من سيّدات نساء الشيعة، كان من بينهنّ:

١ - الزرقاء بنت عدي

٢ - اُمّ الخير البارقية

٣ - سودة بنت عمارة

٤ - اُمّ البراء بنت صفوان

٥ - بكارة الهلالية

٦ - أروى بنت الحارث

٧ - عكرشة بنت الأطرش

٨ - الدرامية الحجونية

لقد لاقين هذه السيّدات التوهين والتقريع والترويع من معاوية؛ لولائهنّ لأهل البيت (عليهم السّلام).

١٧٨

جـ - هدم دور الشيعة

وأوعز معاوية إلى عمّاله بهدم دور الشيعة فقاموا بهدمها(١) ، وتركوهم بلا مأوى يأوون إليه.

د - حرمان الشيعة من العطاء

وكتب معاوية إلى عمّاله نسخة واحدة بحرمان الشيعة من العطاء، وهذا نصها: وانظر إلى مَنْ قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه(٢) .

وقام عملاؤه بالفحص في سجلاتهم، فمَنْ وجدوه يتعاطف مع أهل البيت (عليهم السّلام) محوا اسمه، وأسقطوا عطاءه.

هـ - رفض شهادة الشيعة

وعمد معاوية إلى إذلال الشيعة وتجريحهم فأوعز إلى ولاته بعدم قبول شهادة الشيعة في دور القضاء وغيره(٣) ؛ مبالغة في التوهين بهم.

و - إبعاد الشيعة إلى خراسان

ومن الإجراءات القاسية التي اتّخذها زياد بن أبيه عمدة ولاة معاوية، وأخوه اللاّشرعي ضدّ شيعة أهل البيت (عليهم السّلام)، وكسر شوكتهم أنّه أجلى خمسين ألفاً منهم من الكوفة إلى خراسان، المقاطعة الشرقية في فارس(٤) .

وقد عمل المبعدون على نشر التشيّع

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٤.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٧٨.

(٤) تاريخ الشعوب الإسلاميّة ١ / ١٤٧.

١٧٩

في تلك البلاد حتّى تحوّلت إلى جبهة قوية للمعارضة ضدّ الحكم الاُموي، وقد استغلّها أبو مسلم الخراساني فجنّدها وحارب بها الاُمويِّين حتّى أطاح بدولتهم.

هذه بعض الإجراءات الرهيبة التي اتّخذها معاوية ضدّ الشيعة، وهي تمثّل مدى حقده وعدائه لأهل البيت (عليهم السّلام).

أمّا البحث عن نزعاته الشريرة وسائر أعماله المجافية لروح الإسلام والقانون فقد ذكرناها بصورة مفصّلة في الجزء الثاني من كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام)) فلا حاجة لذكرها.

اغتيال الإمام الحسن (عليه السّلام)

وأكبر موبقة اقترفها معاوية ضدّ الإسلام والمسلون اغتياله لسبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الإمام الحسن (عليه السّلام)، الذي أعطاه عهداً بأن تكون الخلافة له من بعده إلاّ أنّه خان بعهده، وراح يُنشئ دولة اُمويّة تنتقل بالوراثة إلى أبنائه وأعقابه.

وقد وصفه (الميجر أوزبورن) بأنّه مخادع، وذو قلب خال من كلّ شفقة، وأنّه كان لا يتهيّب من الإقدام على أيّة جريمة من أجل أن يضمن مركزه؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، كما تخلّص من مالك الأشتر قائد عليّ بنفس الطريقة(١) .

واستعرض الطاغية السفّاك المجرمين ليعهد إلى أخسّهم باغتيال ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلم يجد أحداً خليقاً باقتراف هذه الجريمة سوى جعدة بنت الأشعث، فهي من بيت جُبل على الجريمة، وطُبع على الغدر والخيانة؛ فأرسل إلى مروان بن الحكم سمّاً فاتكاً كان قد جلبه من ملك الروم، وأمره بإغراء جعدة بالأموال وزواج ولده يزيد إن استجابت له، وعرض عليها مروان ذلك فاستجابت له،

____________________

(١) روح الإسلام / ٢٩٥.

١٨٠