السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186360 / تحميل: 8249
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

إلى العراق

ورافقت عقيلة بني هاشم أخاها أبا الأحرار في مسيرته الخالدة؛ لتكون معه في خندق واحد، وتشاركه في جهوده وجهاده لحماية الإسلام، وإنقاذ المسلمين من جور الاُمويِّين وظلمهم.

وقبل أن تُغادر العقيلة الحجاز استأذنت من زوجها عبد الله بن جعفر أن يسمح لها بالسفر مع شقيقها سيّد الشهداء، فأذن لها في ذلك، وقبل أن يسافر الإمام دخل عليه عبد الله بن عباس ليعدله عن السفر إلى العراق، فقال له الإمام (عليه السّلام):«يابن عباس، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت نبيّهم من وطنه وداره، وقراره وحرم جدّه، وتركوه خائفاً مرعوباً، لا يستقر في قرار، ولا يأوي إلى جوار، يريدون بذلك قتله وسفك دمه، ولم يشرك بالله شيئاً، ولم يرتكب منكراً ولا إثماً؟» .

فأجابه ابن عباس بصوت حزين النبرات قائلاً: جُعلت فداك يا حسين! إن كان لا بدّ لك من المسير إلى الكوفة فلا تسري بأهلك ونسائك.

فقال له الإمام الحسين (عليه السّلام):«يابن العمّ، إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في منامي وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه؛ إنّه أمرني بأخذهنَّ معي. يابن العمّ، إنّهنَّ ودائع رسول الله، ولا آمن عليهن أحداً» .

ويقول بعض الرواة: إنّ حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب قالت لابن عباس

٢٢١

وهي باكية العين: يابن عباس، تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟

وأجهش ابن عباس في البكاء وجعل يقول: يعزّ والله عليَّ فراقك يابن العمّ(١) .

لقد كان من أروع ما خطّطه الإمام في ثورته الكبرى حمله عقيلة بني هاشم وسائر مخدّرات الرسالة معه إلى العراق؛ فقد كان على علم بما يجري عليهنَّ من النكبات والخطوب، وما يقمنَ به من دور مشرّف في إكمال نهضته، وإيضاح تضحيته وإشاعة مبادئه وأهدافه.

وقد قمنَ حرائر النبوّة بإيقاظ المجتمع من سباته، وأسقطنَ هيبة الحكم الاُموي، وفتحنَ باب الثورة عليه؛ فقد ألقين من الخطب الحماسية ما زعزع كيان الدولة الاُمويّة.

لقد كان خروج العقيلة وسائر بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ضرورة ملحّة لا غنى عنها؛ فقد أخلدنَ نهضة أبي الأحرار.

يقول الإمام كاشف الغطاء: وهل تشكّ وترتاب في أنّ الحسين لو قُتل هو وولده، ولم يتعقّبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحدّيات لذهب قتله جباراً، ولم يطلب به أحد ثأراً، ولضاع دمه هدراً؟

فكان الحسين يعلم أنّ هذا عمل لا بدّ منه، وأنّه لا يقوم به إلاّ لتلك العقائل، فوجب عليه حتماً أن يحملهنَّ معه لا لأجل المظلومية بسبيهنَّ فقط، بل لنظر سياسي وفكر عميق، وهو تكميل الغرض، وبلوغ الغاية من قلب الدولة على يزيد، والمبادرة إلى القضاء عليها قبل أن تقضي على الإسلام، ويعود الناس إلى جاهليتهم الأولى(٢) .

ويقول الدكتور أحمد محمود صبحي: ثمّ رفض - يعني الحسين (عليه السّلام) - إلاّ أن

____________________

(١) زينب الكبرى / ٩٤.

(٢) السياسة الحسينيّة / ٤٦ - ٤٧.

٢٢٢

يصحب معه أهله؛ ليُشهد الناس على ما يقترفه أعداؤه ممّا لا يبرّره دين، ولا وازع من إنسانيّة، فلا تضيع قضيّته مع دمه المراق في الصحراء، فيُفترى عليه أشدّ الافتراء حين يعدم الشاهد العادل على ما جرى بينه وبين أعدائه.

تقول الدكتورة بنت الشاطئ: أفسدت زينب اُخت الحسين على ابن زياد وبني اُمية لذّة النصر، وسكبت قطرات من السمّ الزعاف في كؤوس الظافرين، وإنّ كلّ الأحداث السياسيّة التي ترتّبت بعد ذلك من خروج المختار، وثورة ابن الزّبير، وسقوط الدولة الاُمويّة، وقيام الدولة العباسية، ثمّ تأصّل مذهب الشيعة إنّما كانت زينب هي باعثة ذلك ومثيرته(١) .

اُريد أن أقول: ماذا يكون الحال لو قُتل الحسين (عليه السّلام) ومَنْ معه جميعاً من الرجال إلاّ أن يسجّل التأريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر أعدائه؟ فيضيع كلّ أثر لقضيته مع دمه المسفوك في الصحراء(٢) .

إنّ من ألمع الأسباب في استمرار خلود مأساة الإمام الحسين (عليه السّلام) واستمرار فعالياتها في نشر الإصلاح الاجتماعي هو حمل عقيلة الوحي وبنات الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع الإمام الحسين (عليه السّلام)؛ فقد قمنَ ببلورة الرأي العام، ونشرنَ مبادئ الإمام الحسين وأسباب نهضته الكبرى، وقد قامت السيدة زينب (عليها السّلام) بتدمير ما أحرزه يزيد من الانتصارات، وألحقت به الهزيمة والعار.

وسنوضح ذلك بمزيد من البيان في البحوث الآتية:

خطاب الحسين (عليه السّلام) في مكة

وأمر الإمام الحسين (عليه السّلام) بجمع الناس من أهالي مكة ومن المعتمرين والحجّاج فيها،

____________________

(١) بطلة كربلاء / ١٧٦ - ١٨٠.

(٢) نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية / ٣٤٣.

٢٢٣

فقام فيهم خطيباً فقال:«الحمد لله، وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله وسلّم. خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عُسلان (١) الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جُوفاً، وأجربةً سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويُوفّينا أجر الصابرين.

لن تَشُذّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. مَنْ كان باذلاً فينا مهجته، ومُوَطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا؛ فإنّني راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالى» (٢) .

ونعى الإمام نفسه في هذا الخطاب التأريخي الخالد، واعتبر الشهادة في سبيل الله زينة للإنسان كالقلادة التي تكون زينة للفتاة، كما أعلن عن شوقه العارم لملاقاة الله تعالى، وأنّ اشتياقه للذين استشهدوا في سبيل الله كاشتياق يعقوب إلى يوسف. وأخبر (عليه السّلام) عن البقعة الطاهرة التي يستشهد فيها، وهي ما بين النواويس وكربلاء، فيها تُقطّع أوصاله ويُراق دمه الزاكي.

وعلى أيّ حال، فقد حلّلنا هذا الخطاب وذكرنا أبعاده في كتابنا (حياة الإمام الحسين).

____________________

(١) العسلان: هي الذئاب.

(٢) كشف الغمّة ٢ / ٢٤١.

٢٢٤

السفر إلى العراق

وقبل أن يغادر الإمام (عليه السّلام) مكة مضى إلى البيت الحرام فأدّى له التحية بطوافه وصلاته، وبقي فيه حتّى أدّى صلاة الظهر ثمّ خرج مودّعاً له(١) .

وخرج الإمام (عليه السّلام) من مكة وهو يحمل معه مخدّرات الرسالة وعقائل النبوّة، وكان خروجه في اليوم الثامن من ذي الحجّة سنة ستّين من الهجرة(٢) ، وخيّم الحزن والأسى على أهل مكة وعلى حجاج بيت الله الحرام، وكان الإمام لا ينزل منزلاً إلاّ حدّث أهل بيته عن مقتل يحيى بن زكريا(٣) .

وسار موكب الإمام لا يلوي على شيء حتّى انتهى إلى موضع يُسمّى بـ «الصفاح»، فالتقى بالشاعر الكبير الفرزدق فسلّم على الإمام، وقال له: بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟

فأجابه الإمام عن سبب خروجه:«لو لم أعجل لأُخذت» .

إنّ السبب في خروج الإمام (عليه السّلام) قبل أن يتمّ العمرة هو أنّ السلطة قد عهدت إلى عصابة منها باغتيال الإمام ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة؛ فلذا سارع الإمام بالخروج من مكة.

وبادر الإمام (عليه السّلام) فسأل الفرزدق، فقال له:«من أين أقبلت يا أبا فراس؟» .

- من الكوفة.

-«بيّن لي خبر الناس؟» .

- على الخبير سقطت؛ قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء، وربّنا كلّ يوم هو في شأن(٤) .

____________________

(١) و (٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٥٣ - ٥٤.

(٢) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦.

(٤) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٦٠.

٢٢٥

واستصوب الإمام (عليه السّلام) كلام الفرزدق، فقال له:«صدقت، لله الأمر من قبل ومن بعد، يفعل الله ما يشاء وكلّ يوم ربّنا في شأن؛ إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدّ مَنْ كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته» (١) .

وواصل الإمام مسيرته الخالدة بعزم وثبات، لم يثنه عن عزيمته قول الفرزدق في تخاذل الناس عنه وتجاوبهم مع بني اُميّة.

مع أبي هرّة

وسار الإمام (عليه السّلام) مع موكبه حتّى انتهى إلى ذات عرق، فخفّ إليه أبو هرّة فقال له: يابن رسول الله، ما الذي أخرجك من حرم الله وحرم جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟

فأجابه الإمام بتأثّر قائلاً:«ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عِرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الله، لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسنّهم الله ذُلاّ شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وليسلّطنّ الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم» (٢) .

وانصرف الإمام (عليه السّلام) وهو حزين من هؤلاء الناس الذين لا يملكون وعياً لنصرة الحقّ والدفاع عن الإسلام.

فزع السيدة زينب (عليه السّلام)

وكانت السيدة زينب (عليها السّلام) فزعة حزينة قد ذابت نفسها أسى وحسرات؛ فقد علمت

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٦٠.

(٢) المصدر السابق ٥ / ٦٤.

٢٢٦

ما سيجري على أهلها من القتل، فخفّت إلى أخيها حينما كانوا في الخزيمية، وهي تقول له بنبرات مشفوعة بالبكاء: يا أخي، إنّي سمعت هاتفاً يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد = فمَنْ يبكي على الشهداءِ بعدي

على قومٍ تسوقهمُ المنايا = بمقدارٍ إلى إنجازِ وعدي

فأجابها أبيّ الضيم (عليه السّلام) غير حافل بما سيلقاه من النكبات والخطوب:«يا اُختاه، كلّ الذي قضى فهو كائن» (١) .

لقد أراد الإمام (عليه السّلام) من شقيقته أن تتسلّح بالصبر، وأن تقابل الرزايا والمصائب برباطة جأش وعزم حتّى تقوى على أداء رسالته.

النبأ المروّع بشهادة مسلم (عليه السّلام)

وانتهى النبأ المروّع بشهادة البطل مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) حينما كان في زرود؛ فقد أقبل رجل من أهل الكوفة، فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) عدل عن الطريق، فتبعه بعض أصحاب الإمام فالتقيا به وانتسبا له، وسألاه عن خبر الكوفة، فقال: إنّه لم يخرج منها حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورآهما يُجرّان بأرجلهما في الأسواق.

وأسرعا إلى الإمام (عليه السّلام) فقالا له: رحمك الله، إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك به علانية وإن شئت سرّاً.

ونظر الإمام إلى أصحابه فقال:«ما دون هؤلاء سرّاً» . وأخبراه بما سمعاه من الرجل من شهادة مسلم وهانئ، فكان هذا النبأ كالصاعقة على العلويِّين، فانفجروا بالبكاء على فقيدهم العظيم حتّى ارتجّ الموضع من شدّة البكاء، والتفت الإمام إلى بني عقيل فقال لهم:

____________________

(١) المناقب - لابن شهرآشوب ٥ / ١٢٧.

٢٢٧

«ما ترون؟ فقد قُتل مسلم» .

ووثبت الفتية كالأسود الضاربة، وهم يعلنون استهانتهم بالموت، وتصميمهم على الشهادة قائلين: لا والله، لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم.

وراح الإمام (عليه السّلام) يقول:«لا خير في العيش بعد هؤلاء» .

وتمثّل (عليه السّلام) بهذين البيتين:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى = إذا ما نوى حقّاً و جاهد مسلما

فإن متُّ لم أندم وإنْ عشت لم أُلمْ = كفى بكَ عاراً أن تذلَّ وتُرغما(١)

لقد مضى إلى ساحات الجهاد مرفوع الرأس، وهو على يقين لا يخامره شكّ في أنّه يسير إلى الفتح الذي لا فتح ولا ظفر مثله.

رؤيا الإمام الحسين (عليه السّلام)

وخفق الإمام الحسين (عليه السّلام) وقت الظهيرة فرأى رؤياً أفزعته، فانتبه مذعوراً، فأسرع إليه ولده مفخرة الإسلام علي الأكبر قائلاً: يا أبتِ، ما لي أراك فزعاً؟

-«رأيت رؤيا أفزعتني» .

- خيراً رأيت.

-((رأيت فارساً وقف عليَّ وهو يقول: أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة. فعلمت أنّ أنفسنا نُعيت إلينا)) (٢) .

____________________

(١) الدرّ النظيم / ١٦٧.

(٢) تاريخ الإسلام - الذهبي ٢ / ٣٤٦.

٢٢٨

وبادر عليّ قائلاً: ألسنا على الحقّ؟

أجل يا فخر هاشم أنتم معدن الحقّ، وأصله ومنتهاه، وأجابه أبوه قائلاً:«بلى والذي إليه مرجع أمر العباد» .

وطفق عليّ يلقي كلمته الذهبية الخالدة قائلاً: يا أبتِ، لا نبالي الموت.

ووجد الإمام الحسين (عليه السّلام) في ولده البارّ خير عون له على أداء رسالته الكبرى، فشكره على ذلك قائلاً:«جزاك الله يا بُني خير ما جزى به ولداً عن والده» (١) .

الالتقاء بالحرّ

وانتهى ركب الإمام إلى شراف وفيها عين للماء، فأمر الإمام فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا منه ففعلوا ذلك، ثمّ سارت قافلة الإمام (عليه السّلام) تطوي البيداء، فبادر رجل من أصحاب الإمام فكبّر، فاستغرب الإمام (عليه السّلام) وقال له:«لِمَ كبّرت؟» .

- رأيت النخل.

وأنكر عليه رجل ممّن خبر الطريق وعرفه، فقال له: ليس ها هنا نخل، ولكنّها أسنة الرماح وآذان الخيل.

وتأمّلها الإمام الحسين (عليه السّلام) فقال:«وأنا أرى ذلك» .

وعرف الإمام أنّها طلائع الجيش الاُموي جاءت لإلقاء القبض عليه، فقال لأصحابه:«أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟» .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ١١١.

٢٢٩

فقال له بعض أصحابه: هذا ذو حسم(١) إلى جنبك تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت له فهو كما تريد.

ومال ركب الإمام (عليه السّلام) إليه، فلم يسيروا إلاّ قليلاً حتّى أدركهم جيش مكثّف بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، وكان ابن مرجانة قد عهد إليه أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام (عليه السّلام)، وكان عدد ذلك الجيش ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، ووقفوا قبال الإمام (عليه السّلام)، وكان الوقت شديد الحرّ، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة العطش، فرقّ عليهم الإمام (عليه السّلام) وغضّ نظره من أنّهم جاؤوا لقتاله وسفك دمه، فأمر أصحابه وأهل بيته أن يسقوهم الماء، ويرشفوا خيولهم.

وقام أصحاب الإمام فسقوا القوم عن آخرهم، ثمّ انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملؤون القصاع والطساس فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت وسقي الآخر حتّى سقوها جميعاً(٢) .

لقد تكرّم الإمام (عليه السّلام) بإنقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه، ولم تهزّ هذه الأريحية ولا هذا النبل نفس هذا الجيش، ولم يتأثّروا بهذا الخلق الرفيع؛ فقد أحاطوا بالفرات في كربلاء وحرموا ذرّية نبيّهم من الماء، ولم يسقوهم قطرة حتّى توفّوا عطاشى.

خطاب الإمام (عليه السّلام)

وخطب الإمام (عليه السّلام) في قطعات ذلك الجيش، فقال بعد حمد الله والثناء عليه:«أيّها الناس، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ إليكم. إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت بها عليَّ رسلكم، أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام، ولعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى؛ فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما اطمئن به

____________________

(١) ذو حسم (بضمّ الحاء وفتح السين): جبل هناك.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٦.

٢٣٠

من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم» .

وأحجموا عن الجواب؛ فإنّ الأكثرية الساحقة منهم قد كاتبوا الإمام (عليه السّلام) وبايعوه على يد سفيره مسلم بن عقيل (عليه السّلام).

وحلّ وقت الصلاة فأمر الإمام مؤذّنه الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ويقيم لصلاة الظهر، وبعد فراغه قال الإمام (عليه السّلام) للحرّ:«أتريد أن تصلّي بأصحابك؟» .

فقال: بل نصلّي بصلاتك.

وأتمّوا بالإمام (عليه السّلام) فصلّى بهم صلاة الظهر، وبعد أدائه للصلاة قام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:«أيّها الناس، إنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم» .

ولم يعلم الحرّ بشأن الكتب التي بعثها أهل الكوفة للإمام (عليه السّلام)، فقال له: ما هذه الكتب التي تذكرها؟

فأمر الإمام (عليه السّلام) عقبة بن سمعان بإحضارها، وكانت قد ملئت خرجين، فنثرها بين يدي الحرّ فبُهر منها، وقال: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك.

وأراد الإمام (عليه السّلام) أن يتّجه إلى يثرب، فقال له الحرّ: قد اُمرت أن لا اُفارقك إذا لقيتك حتّى اُقدمك الكوفة على ابن زياد.

وتأثّر الإمام (عليه السّلام) وصاح به:«الموت أدنى إليك من ذلك» .

وجرت مشادّة عنيفة بين الإمام والحرّ؛ فقد حال الحرّ من توجّه الإمام إلى يثرب، وكان الوضع أن ينفجر باندلاع نار الحرب، إلاّ أنّ الحرّ ثاب إلى الهدوء وقال للإمام (عليه السّلام): إنّما لم اُؤمر بقتالك، وإنّما اُمرت أن لا اُفارقك حتّى اُقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة.

واتّفقا على ذلك، فتياسر

٢٣١

الإمام (عليه السّلام) عن طريق العذيب والقادسية(١) . وأخذت قافلة الإمام (عليه السّلام) تطوي البيداء، وكان الحرّ يُتابعه عن كثب، ويراقبه كأشدّ ما تكون المراقبة.

وفزعت حفيدة الرسول كأشدّ ما يكون الفزع وأيقنت بنزول الرزء القاصم، وأنّ أخاها مصمّم على الشهادة ومناجزة الحكم الاُموي.

خطبة الإمام (عليه السّلام)

ولمّا انتهى موكب الإمام إلى (البيضة) ألقى الإمام خطاباً على الحرّ وأصحابه، وقال فيه:«أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما هو عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله.

ألا إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ ممّنْ غيَّر. وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني؛ فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم فيَّ اُسوة.

وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي، فلعمري ما هي لكم بنكر؛ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، فالمغرور مَنْ اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَنْ نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم» .

وحفل هذا الخطاب الرائع باُمور بالغة الأهمية ذكرناها في كتابنا (حياة الإمام الحسين).

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٨٠.

٢٣٢

ولمّا سمع الحرّ خطاب الإمام (عليه السّلام) ووعاه أقبل عليه، فقال له: إنّي اُذكّرك الله في نفسك؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن.

فأجابه الإمام (عليه السّلام):«أبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! وما أدري ما أقول لك، ولكنّي أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أين تذهب فإنّك مقتول. فقال له:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى = إذا ما نوى خيراً وجاهدَ مسلما

وواسى الرجالَ الصالحينَ بنفسهِ = وخالفَ مثبوراً و فارقَ مجرما

فإن عشتُ لم أندم و إن متُّ لم أُلمْ = كفى بكَ ذلاً أن تعيشَ وتُرغما))

ولمّا سمع الحرّ مقالة الإمام (عليه السّلام) عرف أنّه مصمّم على الشهادة في سبيل أهدافه النبيلة. والتاعت السيّدة زينب (عليها السّلام) حينما سمعت مقالة أخيها، وأيقنت أنّه مصمّم على الموت والشهادة في سبيل الله.

مع الطرمّاح

وصحب الطرمّاح الإمام (عليه السّلام) في أثناء الطريق، وأقبل الإمام على أصحابه فقال لهم:«هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟» .

فقال له الطرماح: أنا أخبر الطريق.

فقال (عليه السّلام) له:«سر بنا» .

فسار بهم الطرماح وجعل يحدو بالإبل بصوت حزين قائلاً:

يا ناقتي لا تذعري من زجري = وامضي بنا قبلَ طلوعِ الفجرِ

بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سفرِ = آلِ رسولِ اللهِ أهلِ الفخرِ

السادةِ البيض الوجوهِ الزهرِ = الطاعنينَ بالرماحِ السمرِ

٢٣٣

الضاربينَ بالسيوفِ البترِ = حتى تحلّى بكريمِ النجرِ

بماجدِ الجدِّ رحيبِ الصدرِ = أتى بهِ اللهُ لخيرِ أمرِ

عمّرهُ اللهُ بقاءَ الدهرِ = يا مالكَ النفعِ معاً و الضرِّ

أمدد حسيناً سيّدي بالنصرِ = على الطغاةِ من بقايا الكفرِ

على اللعينينِ سليلَي صخرِ = يزيد لا زالَ حليفَ الخمرِ

والعودِ والصنجِ معاً والزمرِ = وابن زيادِ العهرِ وابنِ العهرِ(١)

وأسرعت الإبل في سيرها على نغمات هذا الشعر الحزين، وقد فاضت عيون السيّدات من بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي طليعتهن السيدة زينب بالبكاء، وهنّ يدعون للإمام (عليه السّلام) بالنصر والتأييد على أعدائه.

رسالة ابن زياد للحرّ

وسارت قافلة الإمام تطوي البيداء، وهي تارة تتيامن واُخرى تتياسر، وجنود الحرّ يذودون الركب عن البادية ويدفعونه تجاه الكوفة والركب يمتنع عليهم، وإذا براكب قد أقبل وهو رسول من قِبل ابن زياد إلى الحرّ، فسلّم الخبيث الدنس على الحرّ ولم يسلّم على الحسين (عليه السّلام)، وناول الحرّ رسالة من ابن مرجانة جاء فيها: أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يُفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسّلام(٢) .

وقرأ الحرّ الكتاب على الإمام الحسين (عليه السّلام)، وقد أراد أن يستأنف سيره متّجهاً صوب قرية أو ماء، فمنعه الحرّ. وانبرى زهير بن القين وهو من أفذاذ أصحاب الإمام (عليه السّلام)، فقال له: يابن رسول الله، إنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ١١١.

(٢) أنساب الأشراف / ٢٤٠.

٢٣٤

من بعدهم ما لا قِبل لنا به.

فقال له الحسين (عليه السّلام):«ما كنت لأبدأهم بقتال» .

وتابع زهير حديثه قائلاً: سر بنا إلى هذه القرية حتّى ننزلها فإنّها حصينة، وهي على شاطئ الفرات، فإن منعونا قاتلناهم؛ فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم.

ولكنّ الحرّ أصرّ على الإمام (عليه السّلام) أن ينزل في ذلك المكان ولا يتجاوزه، ولم يجد الإمام بدّاً من النزول فيه، والتفت إلى أصحابه فقال لهم:«ما اسم هذا المكان؟» .

فقالوا له: كربلاء.

وفاضت عيناه بالدموع وقال:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء» (١) .

وطافت به الذكريات، ومثل أمامه ما قاله جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبوه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أنّ دمه الزاكي سيُراق في هذه الأرض، وفيها تتقطّع أوصاله، وتُسفك دماء أهل بيته وأصحابه، وخلد الإمام إلى الصبر واستسلم لقضاء الله.

ونهض أصحاب الإمام (عليه السّلام) وأهل بيته فنصبوا الخيام لمخدّرات الرسالة وعقائل الوحي كما نصبوا الخيام لهم، وأسرع فتيان بني هاشم وأمامهم سيّدهم أبو الفضل العباس فأنزلوا السيّدات من المحامل وجاؤوا بهنَّ إلى خيامهن، وقد أحسّت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب (عليها السّلام) بالأخطار الهائلة والكوارث التي ستجري عليها وعلى أهلها في هذه الأرض.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٩١.

٢٣٥

٢٣٦

في كربلاء

وذاب قلب الصدّيقة الطاهرة زينب أسى وحسرات، واستولى عليها الألم العاصف؛ فقد أيقنت أنّها ستُشاهد في هذه الأرض مصرع أخيها وأهل بيته، وستجري عليها من النكبات والخطوب ما تذوب من هولها الجبال، وقد خلدت إلى الصبر وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

وحينما استقرّ الإمام الحسين (عليه السّلام) في كربلاء جمع أهل بيته وأصحابه فألقى عليهم نظرة حنان وعطف، ورفع يديه بالدعاء يناجي ربّه، ويشكو إليه ما ألمّ به من المحن والخطوب قائلاً:«اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد (صلّى الله عليه وآله)، قد اُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو اُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين» .

ثمّ أقبل على تلك الصفوة فقال لهم:«الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون» .

وحكت هذه الكلمات الذهبية واقع الناس واتّجاهاتهم، فهم في جميع مراحل التأريخ عبيد الدنيا، أمّا الدين فإنّما يجري على ألسنتهم، فإذا محّصوا بالبلاء مالوا عنه وتنكّروا له.

ثمّ خاطب أصحابه قائلاً:«أمّا بعد، فقد نزل بنا ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنّكرت، وأدبر

٢٣٧

معروفها، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل(١) .

ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً» (٢) .

والتاعت سيدة النساء زينب حينما سمعت خطاب أخيها وهو مصمّم على الموت، فقد اعتبره سعادة، واعتبر الحياة والعيش مع الظالمين برماً.

وحينما أنهى الإمام (عليه السّلام) خطابه هبّ أصحابه وأهل بيته وهم يعلنون الدعم الكامل له، ويهزؤون بالحياة، ويسخرون من الموت من أجله، فشكرهم الإمام (عليه السّلام) وأثنى عليهم.

خطبة ابن مرجانة

وحينما انتهى النبأ بنزول الإمام في كربلاء وإحاطة الحرّ به، دعا ابن مرجانة الناس إلى الجامع الأعظم فامتلأ منهم، فقام فيها خطيباً فقال: أيّها الناس، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه؛ حسن السيرة، محمود الطريقة، محسناً إلى الرعية، يُعطي العطاء في حقّه، وقد أمنت السبل على عهده، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره.

وهذا ابنه يزيد يُكرم العباد، ويغنيهم بالأموال، وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة، وأمرني أن اُوفّرها عليكم، واُخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا(٣) .

لقد منّاهم بالأموال التي يعبدونها من دون الله فاستجابوا له، وخرجوا

____________________

(١) المرعى الوبيل: هو الطعام الوخيم الذي يخاف وباله.

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٤، من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

(٣) الأخبار الطوال / ٢٥٣.

٢٣٨

كالكلاب لحرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة.

انتخاب ابن سعد للقيادة العامة

وانتخب الوغد الأثيم عبيد الله بن زياد عمر بن سعد قائداً عامّاً لقوّاته المسلّحة، وكان ابن سعد من أخسّ الناس ومن أرذلهم، ولا يملك أيّ رصيد من الشرف والكرامة، وكان ضعيف النفس، خائر العزيمة، لقد انتخبه ابن زياد لأفظع جريمة منذ خلق الله الأرض.

فقاد الجيوش لحرب ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأحاط به من كلّ جانب، وفرض عليه الحصار، فاستولى على جميع الطرق مخافة أن يصل إليه أيّ إمداد من الخارج. كما عهد إلى أربعة آلاف فارس بقيادة المجرم عمرو بن الحجّاج فاحتلوا نهر الفرات وجميع الشرائع والأنهر المتفرّعة منه، وقد حيل بين الإمام الحسين (عليه السّلام) وبين الماء قبل قتله بثلاثة أيام(١) .

وقد عانت العقيلة أعظم المحن؛ فقد أحاطت بها الأطفال وحرائر الرسالة وهم يعجّون من ألم الظمأ، وهي تصبّرهم وتمنّيهم بوصول الماء إليهم. لقد ذاب قلبها رحمةّ وحناناً على أطفال أخيها الذين ذبلت شفاههم وذوى عودهم.

يقول أنور الجندي:

و ذئابُ الشرورِ تنعمُ بالما = ءِ وأهلُ النبي من غيرِ ماءِ

يا لظلمِ الأقدارِ يظمأ قلب ال = -ليثِ و الليثُ موثقُ الأعضاءِ

وصغارُ الحسينِ يبكونَ في الصحرا = ء يا ربِّ أينَ غوثُ القضاءِ

إنّ جميع الشرائع والمذاهب لا تُبيح منع الماء عن الأطفال والنساء؛ فالناس جميعاً شركاء فيه، ولكن شريعة آل أبي سفيان التي تحكي طباع الاُسر القرشيّة التي أبت أن تجتمع الخلافة والنبوّة في بيت واحد هي التي حرّمت الماء على آل الرسول (صلّى الله عليه وآله).

____________________

(١) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان / ٨٩.

٢٣٩

الإمام (عليه السّلام) مع ابن سعد

وطلب الإمام (عليه السّلام) من ابن سعد الاجتماع به، فأجابه الباغي اللئيم على كره، وعقد الإمام (عليه السّلام) معه اجتماعاً مغلقاً حضره أبو الفضل العباس وعلي الأكبر، ومع ابن سعد ابنه حفص وغلام له، فقال له الإمام (عليه السّلام):«يابن سعد، أتقاتلني؟ أما تتقي الله الذي إليه معادك؛ فإنّي ابن مَنْ قد علمت؟ ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنّه أقرب إلى الله تعالى؟» .

وألقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلاً: أخاف أن تُهدم داري.

-«أنا أبنيها» .

- أخاف أن تؤخذ ضيعتي.

-«أنا أخلف عليك خيراً منها» .

- إنّ لي بالكوفة عيالاً، وأخاف عليهم من القتل مع ابن زياد.

ولمّا رأى الإمام (عليه السّلام) إصراره على الغيّ والعدوان، ولا ينفع معه النصح والإرشاد، راح يدعو عليه قائلاً:«ما لك؟ ذبحك الله على فراشك، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً» .

وولّى ابن سعد وهو يقول للإمام بسخرية: إنّ في الشعير كفاية.

واستجاب الله دعاء الإمام المظلوم في هذا الوضر الخبيث؛ فقد ذبحته جنود البطل العظيم المختار بن يوسف (نضّر الله مثواه) وهو على فراشه، وسيقت روحه الخبيثة إلى نار جهنم خالداً فيها مع أمثاله من المجرمين وأسياده الاُمويِّين.

وكانت العقيلة على علم بجميع ما يجري من الأحداث، وأيقنت أنّ أخاها سيلاقي حتفه على يد هذه العصابة المجرمة التي لم تؤمن بالله، والتي ساقتها الأطماع إلى اقتراف أفظع جريمة في الأرض.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

واطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية).(١)

٥٦٢٧ - وروى احمد بن محمد بن ابى نصر البزنطى قال: حدثنى حماد بن عثمان عن عبدالرحمن بن ابى عبدالله البصرى، عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: (ان ابنتى ماتت وامى حية، فقال ابان بن تغلب: ليس لها شئ، فقال ابوعبدالله عليه السلام سبحان الله اعطها سهما يعنى السدس)(٢) .

٥٦٢٨ - وروى الحسن بن محبوب، عن سعد بن ابى خلف عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال: (سألته عن بنات الابنة وجد، فقال: للجد السدس، والباقى لبنات الابنة)(٣) .

___________________________________

(١) طريق المصنف إلى الحسين بن سعيد صحيح كما في الخلاصة، وظاهر هذه الصحيحة استحباب الطعمة للجد والجدة، قال في المسالك: عد م ارث الجد مع الابوين أو أحدهما هو المشهور بين الاصحاب لا نعلم فيه مخالفا الاابن الجنيد فانه جعل الفاضل عن سهام البنت والابوين للجدين أو الجدتين لكن على المشهور يستحب للابوين أو أحدهما أن يطعم سدس الاصل للجد أو الجدة من قبله إذا زاد نصيبه عن السدس، واطلاق السدس في الاخبار ظاهر في كونه سدس الاصل لاسدس نصيب المطعم خلافا لابن الجنيد، ويشتر ط زيادة نصيب المطعم عن السدس وكونه أحد الابوين وكون الطعمة لمن يتقرب به من الابوين دون من يتقرب بالاخر، فلو لم يحصل لاحد الابوين سوى السدس كالام مع الحاجب والاب مع الزوج لم يستحب له الطعمة، ولو زاد نصيب أحدهما دون الاخر اختص بالطعمة لوجود الشرط فيه دون الاخر، وظاهر الاخبار أنه متى زاد نصيب أحد الابوين عن السدس، استحب له طعمة السدس وان بقي للمطعم أقل من السدس كما لوكان الوارث بنتا وابوين أو بنتين وأحدهما، وفي الدروس قيد الاستحباب بما إذا زاد نصيب المطعم بقدر السدس، وربما قيل باستحباب طعمة أقل الامرين من الزائد عن السدس ومنه، ووجهه من النص غير واضح.

(٢) ظاهر ه يدل على الوجوب وحملوه على الاستحباب فلعله لما هو الاصل في الارث أن الاقرب يمنع الابعد، وأنت خبير بأن وجوب اعطاء الابوين من نصيبهما شيئا على سبيل الطعمة غير توريث الذي هو مبني على الاقربية. (مراد)

(٣) " للجد السدس " ظاهره ينافي ماتقرر أن أولاد الاولاد في المرتبة الاولى من مراتب الارث عند عدم الاولاد، والجد في المرتبة الثانية الا أن يحمل على أنه يستحب أن تعطى بنات البنت الجد السدس على طريقة الطعمة، ويمكن أن يحمل الجد على جد البنات وهو أبوالاب دون جده (مراد) أقول: نقل في التهذيبين اجماع العصابة على ترك العمل بهذا الخبر وأمثاله.

وظاهر المصنف العمل بهاكما يأتي منه - رحمة الله -

٢٨١

٥٦٢٩ - وروى الحسن بن على بن فضال عن عبدالله بن بكير، عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: (ان رسول الله صلى الله عليه واله اطعم الجدة السدس، ولم يفرض الله عزوجل لها شيئا)(١) .

٥٦٣٠ - وروى يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله بن جبلة، عن ابى جميله، عن أسحاق بن عمار عن ابى عبدالله عليه السلام (في ابوين وجدة لام، قال: للام السدس، وللجدة السدس،(٢) وما بقى وهو الثلثان للاب).

٥٦٣١ - وفي رواية معاوية بن حكيم، عن على بن الحسن بن رباط رفعه إلى ابى عبدالله عليه السلام قال: (الجدة لها السدس مع ابنها ومع ابنتها)(٣) .

٥٦٣٢ - وروى الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب، عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام (في رجل مات وترك امرأته واخته وجده: فقال: هذه من اربعة اسهم للمرأة الربع وللاخت سهم، وللجد سهمان).

٥٦٣٣ - وروى ابان، عن بكير، الحلبى عن احدهما عليهما السلام(٤) قال: (للاخوة

___________________________________________

(١) لايستفاد من الخبر وجه فعله صلى الله عليه وآله واطعامه هل كان على وجه الوجوب أو الاستحباب، ومع الشك كيف يمكن استظهار الاستحباب ومقتضى الاصل البراء‌ة.

(٢) قال في التهذيبين: انما جعل للجد أو الجدة السدس على جهة الطعمة لا على وجه الميراث كما تقدم في خبر جميل وزرارة.

(٣) استدل بها الشيخ على القول بالطعمة وقال: ان الطعمة انما يكون للجد والجدة إذا كان ولدهما حيا فأما إذا كان ميتا فليس لهما طعمة على حال.

(٤) السند كما في الكافي والتهذيب صحيح وفيهما عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام والظاهر أن المؤلف جمع بين رواية بكير عن أبي جعفر عليه السلام ورواية الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام.

٢٨٢

من الام الثلث مع الجد، وهو شريك الاخوة من الاب)(١) .

٥٦٣٤ - وروى الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان قال: (سألت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل ترك اخاه لامه ولم يترك وارثا غيره فقال: المال له، قلت: فان كان مع الاخ للام جد؟ فقال: يعطى الاخ للام السدس، ويعطى الجد الباقى)(٢) .

٥٦٣٥ - وروى محمد بن الفضيل، عن ابى الصباح عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن الاخوة من الام مع الجد، فقال: للاخوة من الام فريضتهم الثلث مع الجد)(٣) .

٥٦٣٦ - و روى الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن ابى الربيع عن ابى عبدالله عليه السلام (في الجد مع اخوة لام، قال: ان في كتاب على عليه السلام ان الاخوة من الام يرثون مع الجد الثلث).

٥٦٣٧ - وروى ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن اخ لاب وجد، قال: المال بينهما سواء)(٤) .

___________________________________

(١) عبارة الكافي والتهذيب عن أبي عبدالله عليه السلام في الاخوة من الام مع الجد قال: " للاخوة من الام مع الجد نصيبهم الثلث مع الجد " والمراد أن الاخوة من الام إذا كانوا أكثر من واحد إذا اجتمعوا مع الجد للاب فلهم الثلث وللجد الثلثان. (المرآة)

(٢) زاد في الكافي والتهذيب " قلت فان كان الاخ لاب وجد، قال: المال بينهما سواء " ويأتي تحت رقم ٥٦٣٧ وقال الفاضل التفرشي قوله " فان كان مع الاخ جد " أى من جانب الاب وهو المراد من الاحاديث الاتية.

(٣) احتمل العلامة المجلسي غير ماتقدم وجهين آخرين الاول أن يكون المراد أن الاخوة من الام مع الجد من قبلها للجميع الثلث والباقي لكلالة الابوين أو الاب من الاخوة والاجداد ان كانوا والا يرد عليهم، الثاني أن الاخوة من الام مع الجد من قبلها فريضة الجميع الثلث إذا اجتمعوا مع الجد للاب.

(٤) أراد الجد من قبل الاب لانه ان كان من قبل الام يعطى السدس ويعطى الجد الباقى كما تقدم.

٢٨٣

٥٦٣٨ - وروى ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن ابى الربيع عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (كان على عليه السلام يورث الاخ من الاب مع الجد ينزله بمنزلته)(١) .

٥٦٣٩ - وروى ابن اذينة، عن زرارة، وبكير، ومحمد بن مسلم، والفضيل، و بريد ابن معاوية عن احدهما عليهما السلام (ان الجد مع الاخوة من الاب مثل واحد من الاخوة)(٢) .

٥٦٤٠ - وروى الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب، عن زرارة قال: (سالت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل مات وترك اخاه لابيه وامه، وجده، قال: المال بينهم اخوين كانا او مائة، فالجد معهم كواحد منهم، للجد مثل نصيب واحد من الاخوة)(٣) .

٥٦٤١ - وروى حماد، عن حريز، عن الفضيل او غيرة عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (ان الجد شريك الاخوة، وحظه مثل حظ احدهم ما بلغوا كثروا او قلوا).

٥٦٤٢ - وروى محمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان، عن اسماعيل الجعفى قال: سمعت ابا جعفر(٤) عليه السلام يقول: (الجد يقاسم الاخوة ولو كانوا مائة الف)(٥) .

٥٦٤٣ - وروى ابن ابى عمير، عن ابن مسكان، عن ابى بصير قال: قلت

___________________________________

(١) مؤيد للخبر السابق بل مبين له.

(٢) محمولة على اتحاد الجهة بأن كان الجد مع الاخوة للاب أو الاب والام أو كان الاخوة للام مع الجد من قبلها.

وقال في الدروس: المنفرد المال لاب كان أو لام وكذا الجدة ولو اجتمعا من طرف واحدة تقاسما المال للذكر مثل حظ الانثيين ان كانا لاب، وبالسوية ان كانا لام.

(٣) زاد في الكافي والتهذيب " قال: وان ترك اخته فللجد سهمان وللاخت سهم وان كانتا اختين فللجد النصف وللاختين النصف، قال: وان ترك اخوة وأخوات من أب وأم كان الجد كواحد من الاخوة للذكر مثل حظ الانثيين ".

(٤) في بعض النسخ " أبا عبدالله ".

(٥) يدل على جواز المبالغة فانه لا يمكن عادة وجودهم وهو مبالغة في الكثرة. (م ت)

٢٨٤

لابى عبدالله عليه السلام: (رجل مات وترك ستة إخوة وجدا قال: هو كاحدهم))(١) .

٥٦٤٤ - وفي رواية يونس، عن سيف بن عميرة، عن اسحاق بن عمار، عن ابى بصير قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول (في ستة اخوة وجد قال: للجد السبع).

٥٦٤٥ - وروى ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن رجل ترك اخوة واخوات من اب وام، وجدا، قال: الجد كواحد من الاخوة، المال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين).

٥٦٤٦ - وروى ابن محبوب، عن على بن رئاب، عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: (سئل عن ابن عم وجد، قال: المال للجد)(٢) .

٥٦٤٧ - وروى البزنطى، عن المثنى، عن الحسن الصيقل عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: (ابن اخ وجد، قال: المال بينهما نصفان).(٣)

٥٦٤٨ - وروى الحسن بن محبوب، عن سعد بن ابى خلف، عن بعض اصحاب ابى عبدالله عليه السلام (في بنات اخت وجد، قال: لبنات الاخت الثلث، وما بقى فللجد).(٤)

٥٦٤٩ - وروى الحسن بن على بن النعمان، عن عبدالله بن نمير، عن الاعمش

___________________________________

(١) أى للجد السبع كما يأتي.

(٢) يدل على أن الجد مقدم على ابن العم لان الجد يتقرب من الميت بواسطة، و وكذا يرث جد الجد مع الاخوة يقومون مقام آبائهم ويرثون مع الجد لاختلاف وصلتها وكذا يرث جد الجد مع الاخوة (م ) وقال في المسالك: لا يمنع الجد وان قرب ولد الاخ وان بعد لانه ليس من صنفه حتى يراعى فيه تقديم الاقرب فالاقرب، كذا لا يمنع الاخ الجد الابعد.

وقا ل العلامة المجلسي: الخبر محمول على ما إذا كانا من جهة واحدة ولا يمنع هنا بعد ابن الاخ لاختلاف الجهة.

(٤) زاد في الكافي والتهذيب " فأقام بنات الاخت مقام الاخت وجعل الجد بمنزلة الاخ ".

٢٨٥

عن سالم بن ابى الجعد (ان عليا عليه السلام اعطى الجدة المال كله)(١) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: انما اعطاها المال كله لانه لم يكن للميت وارث غيرها(٢) .

٥٦٥٠ - وروى عن على بن ابى طالب عليه السلام انه قال: (من اراد ان يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد)(٣) وروى ابن سيرين عن ابى عبيدة قال:(٤) حفظت عن بعض الصحابة في الجد مائة قضية يخالف بعضها بعضا.

وقال الفضل بن شاذان: اعلم ان الجد بمنزلة الاخ ابدا، يرث حيث يرث

___________________________________

(١) عبدالله بن نمير الهمداني الخارقي كوفي من رجال العامة وثقة ابن معين والعجلى وذكر ه ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب يروى عنه هنا الحسن بن على بن النعمان الكوفي وثقة النجاشي، وأما سليمان بن مهران الاعمش فشيعي ذكر ه العامة في رجالهم وأثنوا عليه، وأما سالم بن أبي الجعد الاشجعي عنونه العسقلاني في التهذيب ونقل عن جماعة توثيقه هذا الخبر هنا وهو من طريقهم لانهم ربما يتمسكون بظاهره ولا يورثون ابن الاخ مع الجد روى الكليني في الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم: " نشر أبوعبدالله عليه السلام صحيفة فأول ما تلقاني فيها: ابن أخ وجد المال بينهما نصفان، فقلت: جعلت فداك ان القضاة عندنا لا يقضون لابن الاخ مع الجد بشئ "، فيقال: ان هذا الكتاب خط على عليه السلام واملاء رسول الله صلى الله عليه وآله ".

(٢) وقال الشيخ في الاستبصار: الوجه في هذا الخبر أنه أعطاها المال لما لم يكن غيرها ممن هو اولى منها أومثلها بالميراث، وليس في الخبر أنه اعطاها مع وجودهم.

(٣) في النهاية اقتحم الانسان الامر العظيم وتقحمه إذا رمى بنفسه من غير روية وتثبت، ومنه حديث على عليه السلام " من سره أن يتقحم جراثيم جهنم فليقض في الجد " أى يرمى بنفسه في معاظم عذابها.

أقول: جرثوم الشئ أصله وجمعه جراثيم وجرثومة النمل قريته(٤) هو محمد بن سيرين البصرى من الفقهاء قا ل ابن سعد كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا اماما كثير العلم ورعا، والمراد بابي عبيدة حذيفة بن اليمان الصحابي المعروف بقرينة رواية ابن سيرين عنه، أو الصحيح " أبوعمرو عبيدة السلماني".

٢٨٦

ويسقط حيث يسقط(١) ، وغلط الفضل في ذلك لان الجد يرث مع ولد الولد ولا يرث معه الاخ(٢) ، ويرث الجد من قبل الاب مع الاب، والجد من قبل الام مع الام، ولا يرث الاخ مع الاب والام(٣) ، وابن الاخ يرث مع الجد ولا يرث مع الاخ، فكيف يكون الجد بمنزلة الاخ ابدا؟ وكيف يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط؟ بل الجد مع الاخوة بمنزلة واحد منهم، فاما ان يكون ابدا بمنزلتهم يرث حيث يرث الاخ ويسقط حيث يسقط الاخ فلا.

وذكر الفضل بن شاذان من الدليل على ذلك:

٥٦٥١ - ما رواه فراس، عن الشعبى، عن ابن عباس(٤) انه قال: (كتب إلى على بن ابى طالب عليه السلام في ستة اخوة وجد ان اجعله كأحدهم وامح كتابى).

فجعله على عليه السلام سابعا معهم وقوله عليه السلام (وامح كتابى) كره ان يشنع عليه

___________________________________

(١) في الكافي ج ٧ ص ١١٦ قال الفضل بن شاذان: ان الجد بمنزلة الاخ يرث حيث يرث الاخ ويسقط حيث يسقط الاخ، وذلك أن الاخ يتقرب إلى الميت بابي الميت وكذلك الجد يتقرب إلى الميت بابي الميت، فلما استويا في القرابة وتقربا من جهة واحدة كان فرضهما وحكمهما واحدا.

وقال استاذنا الشعراني - رحمه الله - رأي الفضل هو المشهور وكلام الصدوق غير وارد عليه لان ارث رجلين من رجل واحد انما يكون إذا كان في مرتبة واحدة فلابد أن يسقط أحدهما مع سقوط الاخر، والاخ يسقط مع ولد الولد، والجد في مرتبته فيجب أن يسقط أيضا وليس هذا قياسا.

(٢) مذهب الفضل هو عدم توريث الجد مع ولد الولد كما هو المشهور عنه، والقول بتوريثه خلاف المشهور مع أن الفضل يقول: يرث الجد حيث يرث الاخ ولم يقل يرث الاخ حيث يرث الجد لكنه قال: يسقط حيث يسقط.

(٣) انما كان اعطاء الجد السدس مع الاب وكذا الجدة مع الام على سبيل الطعمة لا التوريث كما تقدم، وظاهر كلام المؤلف يدل على أن مذهبه التوريث وهو خلاف المشهور أيضا، وقد تقدم منه ما يدل على المشهور.

(٤) فراس - بكسر أوله وبمهملة - من رجال العامة وقالوا كوفي ثقة روى عن الشعبي عامر بن شراحيل وهو ثقة عندهم مشهور فقيه فاضل.

٢٨٧

بالخلاف على من تقدمه، وليس هذا بحجة للفضل بن شاذان لان هذا الخبر انما يثبت ان الجد مع الاخوة بمنزلة واحد منهم، وليس يثبت كونه ابدا بمنزلة الاخ ولا يثبت انه يرث حيث يرث الاخ ويسقط حيث يسقط الاخ.

وروى مخالفونا ان عمر توفى ابن ابنه وترك اخوين فسأل عمر زيدا(١) عن ذلك، فقال له زيد: ارى المال بينكم اثلاثا فأخذ عمر بقول زيد فجعل نفسه وهو الجد اخا، واما ابن مسعود رضى الله عنه فانه قال في اخ لاب وام، واخ لاب وجد: ان المال بين الاخ للاب والام والجد نصفان ولا شئ للاخ للاب، فجعل الجد ههنا اخا كأن الميت ترك اخوين لاب وام واخا لاب، فجعل الجد اخا وهذا موافق لما نقوله.

فان ترك الرجل اخا واختا لام، وجدا وجدة من قبل الام، واختا لاب وام، واخا لاب، فللاخ والاخت من قبل الام والجد والجدة من قبل الام الثلث الذكر والانثى فيه سواء، وما بقى فللاخت للاب والام، وسقط الاخ من الاب.

فان ترك اخوة واخوات لام، وجدا وجدة لام، واخوة واخوات لاب وام وجدا وجدة لاب، واخوة واخوات لاب، فللاخوة والاخوات من قبل الام والجد والجدة من قبل الام الثلث، والذكر والانثى فيه سواء، وما بقى فللاخوة والاخوات للاب والام والجد والجدة من قبل الاب، للذكر مثل حظ الانثيين، وسقط الاخوة والاخوات من الاب.

فان ترك اخا لام، وجدا لام، واخا لاب وام، وجدا لاب، واخا لاب، فللاخ للام والجد للام الثلث بينهما بالسوية.

وما بقى فللاخ للاب والام والجد للاب بينهما نصفان، وسقط الاخ للاب.

فان ترك امرأة، واخا لام وجدا لاب، فللمرأة الربع وللاخ من الام والجد للام الثلث بينهما بالسوية، وما بقى فللاخ للاب.

___________________________________

(١) يعني زيد بن ثابت وقد تقدمت ترجمته.

٢٨٨

فان تركت امرأة زوجها، وابن ابنها، وجدا، واخوة واخوات لاب وام، فللزوج الربع، وللجد السدس(١) وما بقى فلابن الابن، وسقط الاخوة والاخوات.

فان تركت زوجها، وابويها، وجدها ابا امها فللزوج النصف وللام الثلث، ويؤخذ من هذا الثلث نصفه(٢) فيدفع إلى الجد وهو السدس من جميع المال وللاب السدس.

فان ترك الرجل ابويه، وجد الاب وجدا لام، فللام السدس، وللجد من قبل الام السدس، وللاب النصف، وللجد من قبل الاب السدس.

فان ترك الرجل اباه، وجده ابا امه فالمال للاب.

فان ترك امه، وجده ابا ابيه، فالمال لامه لان الجد ابا الاب انما له السدس من مال ابنه طعمة، وكذلك الجد ابوالام انما له السدس من مال ابنته طعمة.

فان ترك الرجل امرأته، وابويه، وجده ابا ابيه، وجده ابا امه فللمرأة الربع، وللام السدس، وللجد ابى الام السدس، وللجد ابى الاب السدس، وللاب الباقى.

فان تركت امرأة زوجها، وابويها، وجدها ابا ابيها،، وجدها ابا امها فللزوح النصف، وللام السدس، وللجد ابى الام السدس، وللاب السدس، وسقط الجد ابوالاب.

وهذا هو الموضع الذى لا يرث فيه الجد ابوالاب مع الاب، والعلة في ذلك ان الجد انما ميراثه السدس من مال ابنه طعمة فلما لم يرث ابنه الا السدس سقط من الطعمة.

فان تركت امرأة زوجها، وابويها، وجدها ابا ابيها وجدها ابا امها

___________________________________

(١) ظاهر كلامه الارث لا الطعمة.

(٢) هذه ظاهرة في أن السدس طعمة كما سيصرح به مكررا، فظهر أن المصنف يقول بالطعمة وجوبا وبالارث فيما ورد فيه النص لخبر سعد بن أبي خلف وغيره. (م ت)

٢٨٩

واخوة واخوات لاب او لاب وام، فللزوج النصف، وللام السدس، وللجد ابى الاب السدس، وما بقى فللاب، وسقط الجد ابوالام، وهذا هو الموضع الذى لا يرث فيه الجد ابوالام مع الام، والعلة في ذلك ان الاخوة والاخوات من قبل الاب والام او الاب حجبوا الام عن الثلث فردوها إلى السدس، فلما لم تأخذ الام الا السدس سقط ابوها من الطعمة من مالها.

فان تركت جدا او جدة لاب او لام، وعما او عمة، او خالا او خالة، فالمال للجد او الجدة، وسقط العم والعمة والخال والخالة، ولا يرث مع الجد والاخ، ولا مع الاخت ولا مع ابن الاخ، ولا مع ابن الاخت، ولا مع ابنه الاخ، ولا مع ابنة الاخت عم ولا عمة، ولا خال ولا خالة، ولا ابن عم ولا ابن عمة، ولا ابن خال ولا ابن خالة.

وولد الاخ وولد الاخت وان سفلوا فهم احق بالميراث من الاعمام والعمات والاخوال والخالات، ولا قوة الا بالله.

احق بالميراث من الاعمام والعمات والاخوال والخالات، ولا قوة الا بالله.

باب ميراث ذوى الارحام  (١)

إذا ترك الميت عما فالمال كله للعم، وكذلك ان ترك عمين او ثلاثة اعمام او اكثر، فالمال بينهم بالسوية.

فان ترك اعماما وعمات، فالمال كله بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

فان ترك عمين احدهما لاب وام، والاخر للاب، فالمال للعم من الاب والام، وسقط العم للاب فان ترك عما لاب وام، وعما لام، فللعم من الام السدس، وما بقى فللعم للاب والام، وكذلك ان ترك عمة لاب، وعمة لام، فللعمة من الام السدس، وما بقى فللعمة من الاب.

___________________________________

(١) أي ممن ليس فيهم نص وانما يرقون بآية " واولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ". (م ت)

٢٩٠

فان ترك خالا، فالمال كله للخال، وكذلك ان ترك خالين او ثلاثة، او اكثر فالمال بينهم بالسوية.

فان ترك اخوالا وخالات، فالمال بينهم بالسوية الذكر والانثى فيه سواء.

فان ترك خالين احدهما لاب وام، والاخر للاب، فالمال للخال من الاب والام [وسقط الخال للاب].

فان ترك خالين أحدهما لام، والاخر لاب وام، فللخال من الام السدس وما بقى فللخال للاب والام، وكذلك ان ترك خالا لاب، وخالا لام، فللخال من الام السدس، وما بقى فللخال من الاب، وكذلك ان ترك خالة لام، وخالة لاب، فللخالة من الام السدس، وما بقى فللخالة من الاب.

فان ترك ثلاثة اخوال متفرقين، وثلاثة اعمام متفرقين، فللخالين الثلث من ذلك للخال من الام السدس من الثلث، وللخال للاب والام خمسة اسداس الثلث وسقط الخال من الاب، وللعمين الثلثان للعم من الام السدس من الثلثين، وللعم من الاب والام خمسة اسداس الثلثين، وسقط العم للاب، وحسابه من ستة وثلاثين(١) للخال من الام من ذلك سهمان، وللخال للاب والام عشرة اسهم، وللعم من الام من ذلك اربعة اسهم، وللعم من الاب والام عشرون سهما.

فان ترك خالين لاب وام، وخالين لام وعمين لاب وام، وعمين من الام فللخالين من الام ثلث الثلث اربعة من ستة وثلاثين، وللخالين من الاب والام ثلثا الثلث ثمانية من ستة وثلاثين، وللعمين من الام ثلث الثلثين ثمانية من ستة وثلاثين وللعمين من الاب والام ستة عشر من ستة وثلاثين.

___________________________________

(١) بل من ثمانية عشر لان أصل الفريضة من ثلاثة واحد منها للخالين وهو الثلث ينكسر عليهما في مخرج السدس واثنان للعمين ينكسر عليهما في مخرج السدس أيضا، ولتماثل المخرجين يكتفي بأحدهما فيضرب الستة في ثلاثة يصير ثمانية عشر، نصيب الخالين منها ستة واحدها للخال من الام وخمسة للآخر، ونصيب العمين اثنا عشر اثنان منها للعم من قبل الام وعشرة للعم الآخر، وكذا الكلام في المسألة الآتية. (مراد)

٢٩١

فان ترك اخوالا وخالات، واعماما وعمات، فللاخوال والخالات الثلث بينهم [بالسوية] الذكر والانثى فيه سواء، وللاعمام والعمات الثلثان للذكر مثل حظ الانثيين.

فان ترك خالا لاب، وعما لام، فللخال من الاب الثلث، وللعم للام الثلثان.

فان ترك خالا لام، وعما لاب، فللخال للام الثلث لانه ليس احدمن قبل الام يشاركه في الميراث(١) ، وللعم من الاب الثلثان.

فان ترك عما لاب، وابن عم لاب وام، فالمال لابن العم للاب والام لانه قد جمع الكلالتين كلالة الاب وكلاة الام وهذا غير محمول على اصل(٢) بل مسلم للخبر الصحيح الوارد عن الائمة عليهم السلام.

فان ترك ابنى عم احدهما اخ لام، فالمال للاخ من الام.

فان تركت امرأة ابني عم احدهما زوج، فللزوج النصف، والنصف الاخر بينهما نصفان.

فان ترك الرجل ابنة عم لاب وام، وابنة عم لام، فلا بنة العم من الام السدس، وما بقى فلا بنة العم للاب والام.

وكذلك إذا ترك ابنة خال لاب وام، وابنة خال لام، فلا بنة الخال للام السدس، وما بقى فلابنة الخال للاب والام.

وان ترك خالا، وجدة لام، فالمال لجدة الام، وسقط الخال(٣) ، وغلط

___________________________________

(١) لعله يريد أن الخال يرث بسبب القرابة من الام وليس له مشارك من أهل الارث في تلك القرابة فيجب أن يرث تمام حصة الام. (مراد)

(٢) اذ الاصل أن يمنع الاقرب الابعد وان كان الابعد ذا جهتين لكن تلك المسألة اجماعية مخالفة لذلك الاصل ولذلك لوكان بدل العم الخال، أو بدل ابن العم بنت العم أو ابن الخال تغير ذلك الحكم إلى الاصل. (مراد)

(٣) لان الجدة شريكة الاخ، والخال لا يرث معه، فالاصل أن لا يرث مع من هو في مرتبته ولان قرابة الخال للميت بواسطة الجدة لانه ابنها أو في مرتبته. (مراد)

٢٩٢

الفضل بن شاذان في قوله المال بينهما نصفهما نصفان بمنزلة ابن الاخ والجد.

وترك عما، وابن اخت، فالمال لابن الاخت.

فان ترك عما، وابن اخ، فالمال لابن الاخ، وغلط يونس بن عبدالرحمن في قوله المال بينهما نصفان(١) وانما دخلت عليه الشبهة في ذلك لانه لما رأى ان بين العم وبين الميت ثلاثة بطون وكذلك بين ابن الاخ وبين الميت ثلاثة بطون وهما جميعا طريق من الاب قال: المال بينهما نصفان، وهذا غلط لانه وان كانا جميعا كما وصف فان ابن الاخ من الولد الاب والعم من ولد الجد، وولد الاب احق واولى بالميراث من ولد الجد وان سفلوا(٢) ، كما ان ابن الابن احق من الاخ لان ابن الابن من ولد الميت والاخ من ولد الاب، وولد الميث احق بالميراث من ولد الاب وان كانوا في البطون سواء.

فان ترك ابنة خالته، وعمة امه، فالمال لابنة خالته لان ابنة الخالة من ولد الجدة، وعمة الام من ولد جدة الام، وولد جدة الميت اولى بالميراث من ولد جدة ام الميت، وكذلك ان ترك عم امه، وابن خاله، فالمال لابن خاله.

فان ترك عمة امه، وابنة خالته، فقد استويا في البطون الا ان عمة الام من ولد جدة الام، وابنة الخالة من ولد جدة الميت، فابنة الخالة احق بالمال كله، وكذلك ابن الخالة.

فان تركت امرأة زوجها، وعمتها، وخالتها، فللزوج النصف، وللخالة الثلث، وما بقى فللعمة بمنزلة زوج وابوين فللزوج النصف، وللام الثلث، وللاب

___________________________________

(١) لم أر قائلا بهذا القول غيره. (المرآة)

(٢) فينتهى ابن الاخ إلى من هو في المرتبة الاولى من الارث والعم ولد الجد ينتهى إلى من هو في المرتبة الثانية، وانما يقوم الابن مقام الابن مقام الاب ولا يقوم الاب مقام الابن في الارث ألا ترى أن الابن لا يتغير عن مرتبة الاب وان كان قد يمنعه من هو أقرب في تلك المرتبة كالابن يمنع ابن الابن وهما في المرتبة الاولى من الميراث، والجد أبوالاب مرتبته بعد مرتبة الاب بدرجة فهو أبدا في المرتبة الثانية من الارث. (مراد)

٢٩٣

السدس.(١) فان ترك خالا وخالة، فالمال بينهما نصفان، وكذلك ان ترك ابن خال و ابن خاله، فالمال بينهما نصفان.

فان ترك خالة الام، وعمة الاب، فلخالة الام الثلث، ولعمة الاب الثلثان.

فان ترك عما، وخالا، فللخال الثلث، وللعم الثلثان.

فان ترك ابن اخت لام، وابنة اخ لام، فالمال بينهما نصفان، وكذلك ابنة اخت لام، وابن اخ لام، لان الذكر والانثى من الاخوة للام في الميراث سواء.

فان ترك ثلاثة بنى اخوات متفرقات، فلا بن الاخت من الام السدس، وما بقى فلا بن الاخت للاب والام.

فان ترك ثلاث بنات اخوات متفرقات مع كل واحدة منهن اخوها، فلابنة الاخت للام ولاخيها السدس بينهما بالسوية، وما بقى فلابنة الاخت للاب والام ولاخيها، للذكر مثل حظ الانثيين.

فان ترك ابنة اخت، وابن اخت امهما واحدة، فالمال بينهما للذكر مثل حظ ا لانثيين، وان كانا من اختين فالمال بينهما نصفان، وكذلك ان كانوا خمسة بنى اخت، وابنة اخت اخرى، فلبنى الاخت النصف بين الخمسة، ولابنة الاخت الاخرى النصف، وعلى هذا الحساب كل ما كان من هذا الضرب، لان كل ذى رحم انما يأخذ نصيب الذى يجره.

فان ترك ابنة اخت لاب، وابن ابن اخت لاب وام، فالمال لابنة الاخت للاب، وسقط الاخر.

___________________________________

(١) قوله " وللام الثلث " أى حيث لا يكون للام حاجب وهناك كذلك، اذ المفروض أن ليس للميت ولد ولا اخوة وان قلنا بأن حجب الاخوة لا يتوقف على وجود الاب وانما قلنا ان المفروض ذلك اذ لا يعقل وراثة العمة والخالة مع وجود الولد والاخوة. (مراد)

٢٩٤

فان ترك ثلاثة بنى ابنة اخت لاب وام، وثلاثة بنى ابنة اخت لاب، وثلاثة بنى ابنة اخت لام، فلبنى ابنة الاخت من الام السدس، وما بقى فلبنى ابنة الاخت للاب والام، وسقط بنوابنة الاخت من الاب، وغلط الفضل بن شاذان في هذة المسألة وأشباهها، فقال: لبني ابنة الاخت للاب والام النصف، ولبنى ابنة الاخت من الام السدس، وما بقى يرد عليهم على قدر انصبائهم.

فان ترك ابنة اخيه لابيه وامه، وابنة اخيه لابيه، فالمال لابنة الاخ للاب والام.

فان ترك عشر بنات اخ لام، وابنة أخ لاب وام، فلبنات الاخ للام السدس بينهن بالسوية، وما بقى فلا بنة الاخ للاب والام.

فان ترك ابنتى اختين لام، وابنة اخت لاب وام، فلا بنتى الاختين للام الثلث، وما بقى فلا بنة الاخت للاب والام.

فان ترك ثلاث بنات إخوة متفرقين، وثلاث بنات أخوات متفرقات، فاصل حسابه من ستة، لابنة الاخت من الام وابنة الاخ من الام الثلث سهمان لكل واحدة منهما سهم، وبقى الثلثان لابنة الاخت من الاب والام الثلث من هذا الثلثين ولابنة الاخ من الاب والام ثلثاه، فلم تستقم الاربعة بينهما فضربنا ستة في ثلاثة فبلغ ثمانية عشر، لابنة الاخت من الام وابنة الاخ من الام الثلث ستة اسهم بينهما نصفان وبقى اثنا عشر، لابنة الاخ للاب والام من ذلك ثمانية، ولابنة الاخت من الاب والام اربعة.

فان ترك ابنة ابنة اخ لاب وام، وابنة ابن أخ للاب، فالمال لابنة ابنة الاخ للاب والام، لان الاخ للاب لايرث مع الاخ للاب والام، فكذلك من يتقرب به، وكذلك ابن الاخ للاب لايرث مع الاخ للاب والام، وليست العصبة من دين الله عزوجل ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه واله(١) .

__________________________________

(١) المراد بالعصبة التعصب وهو توريث ما فضل عن السهام من كان من العصبة وهم الابن والاب ومن يدلى بهما من غير رد على ذوى السهام. والقائلون به لا يورثون الاخت مع الاخ ولا العمة مع العم وهو خلاف صريح قوله تعالى " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الولدان والاقربون ".

٢٩٥

فان ترك ابن اخ لام وهو ابن اخت لاب، وترك ابن اخت لاب وام، فلابن الاخ من الام السدس، وما بقى فلابن الاخت للاب والام.

 (١) فان ترك ابنة اخت لام وهى ابنة اخ لاب، وابنة اخت لاب وام، فلا بنة الاخت للام السدس، وما بقى فلابنة الاخت للاب والام.

فان ترك ابنة اخت لام وهى ابنة اخ لاب، وابنة اخت لاب وام، واختا لام، واختا لاب، فللاخت للام السدس، وما بقى فللاخت للاب، وسقط ابنتا الاختين لانهما قد نزلتا ببطن.

فان ترك ابنة اخت لاب وهى ابنة اخ لام، وابنة اخت لاب وام وخالة لام هى عمة لاب، وخالة لاب وام، فلابنة الاخت للام السدس، وليس لها من جهة انها ابنة اخ لاب شئ، وما بقى فلابنة الاخت للاب والام، وسقطت خالة الام التى هى عمة الاب، وخالة الاب والام جميعا.

فان ترك ابن ابنة اخت، وابن ابن اخت فالمال بينهما على ثلاثة اسهم ان كانت امهما واحدة(٢) لابن ابن الاخت الثلثان، ولابن ابنة الاخت الثلث وان كانا من اختين فالمال بينهما نصفان.

فان ترك ابن ابنة اخ لاب وام، وابنة ابن اخ لاب وام، فان كان ابن الاخ

___________________________________________

(١) قوله " وهو ابن أخت لاب " كأن تزوج أم زيد بعد مفارقة أبيه برجل فولدت منه ولدا وكان لابيه بنت من غير أمه فحصل التزويج بينهما فالولد الحاصل منهما ولد الاخ للاب والاخت للام أو بالعكس.

وفي بعض النسخ " وهو ابن اخ لاب " وهذا لا يتصو رالا ان يكون هو ابن أخ لاب وأم، وعليه فلم يكن هناك ابن أخ لام حتى يكون له السدس، ويمكن أن يكون لفظه " هو " زائدة كما قال التفرشي (ره) وقد حكها بعض المصححين في بعض النسخ.

(٢) قوله " فالمال بينهما على ثلاثة أسهم ان كانت أمهما واحدة - الخ " ضمير " بينهما " للابنين الوارثين، وأما ضمير " امهما " فاما لهما فلا بد من اضمار مضاف أى أم مورثهما وهي اخت الميت، واما لمورثهما فيلزم تفكيك الضمير. (مراد)

٢٩٦

وابنة الاخ ابوهما واحد(١) ، فلا بن ابنة الاخ الثلث، ولا بنة ابن الاخ الثلثان فان كان ابوابنة الاخ غير ابى ابن الاخ فالمال بينهما نصفان، يرث كل واحد منهما ميراث جده.

فان ترك ابن ابنة اخ لاب وام، وابنة ابنة اخ لاب وام، فان كانت امهما واحدة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الانثيين، وان لم يكن امهما واحدة فالمال بينهما نصفان.

فان ترك ابن ابنة اخ لام، وابن ابنة اخ لاب، فلا بن ابنة الاخ للام السدس وما بقى فلا بن ابنة الاخ للاب.

فان ترك ابنة ابنة اخ لاب وام، وابنة اخ لام، فالمال لابنة الاخ للام لانها اقرب.

فان ترك ثلاث بنات اخوات متفرقات، فلابنة الاخت من الام السدس، و ما بقى فلابنة الاخت من الاب والام، وسقطت ابنة الاخت من الاب لان امها لا ترث مع الاخت للاب والام.

وان ترك خمسة بنى اخت، وابنة اخت اخرى، فلخمسة بنى الاخت النصف ولابنة الاخت الاخرى النصف.

فان تركت امرأة زوجها، واخاها لامها، وابن عمها، وابن ابنتها، فللزوج الربع، وما بقى فلابن الابنة، وسقط الباقون.

فان ترك الرجل ابن ابنة، وابنة ابنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الانثيين ان كانت امهما واحدة وكانت الابنة ماتت وتركتهما.

فان ترك ابنة ابنة، وابنة ابنة ابن، فالمال لابنة البنت لانها اقرب ببطن.

فان ترك ابن ابنة ابن، وابن ابنة ابنة، فلابن ابنة الابن الثلثان، ولا بن ابنة

___________________________________

(١) كما إذا مات زيد وكان له أخ هو عمرو ولعمر وابن هو بكر وابنة هي زينب وكان لزينب ابن هو خالد، ولبكر ابنة هي هند، كان لهند الثلثان ميراث أبيها بكر، ولخالد الثلث ميراث أمه زينب. (مراد)

٢٩٧

الابنة الثلث، وكذلك ان ترك ابن ابن ابنة، وابنة ابنة ابن، فلا بنة ابنة الابن الثلثان ولابن ابن الابنة الثلث.

فان ترك بني ابنة، وابنة بنت اخرى، فلبنى البنت النصف، ولا بنة البنت الاخرى النصف، وكذلك ان ترك عشر بنات ابنة، وابنة بنت اخرى، فلعشر بنات البنت النصف عشرة اسهم من عشرين سهما، ولابنة البنت الاخرى النصف الباقى، وكذلك ان ترك عشرة بنى ابنة، وابنة ابنة اخرى فلعشرة بنى الابنة النصف، و لا بنة الابنة الاخرى النصف.

فان ترك ابنة ابنة ابنة، وابنتى ابنة ابنة اخرى، وثلاث بنات ابنة ابنة اخرى فهذه من ثمانية عشر لابنة ابنة الابنة ستة اسهم، ولا بنتى ابنة الابنة ستة اسهم بينهما لكل واحدة منهما ثلاثة اسهم ولثلاث بنات ابنة الابنة ستة اسهم لكل واحدة سهمان.

فان ترك ابنة ابن ابنة، وابنة ابنة ابنة جدتهما واحدة، وابنة ابنة ابنة اخرى فالمال بينهن على ستة، لابنة ابن الابنة سهمان، ولابنة ابنة الابنة سهم واحد، ولابنة ابنة الابنة الاخرى ثلاثة اسهم.

فان ترك ابنة ابنة ابنة، وابنة اخ، فالمال لابنة ابنة الابنة.

فان ترك ابنة ابنة ابنة، وثلاث بنات اخوات متفرقات فالمال كله لابنة ابنة الابنة، وليس ترث بنات الاخوة والاخوات مع بنات البنات وان سفلن شيئا.

فان تركت امرأة ابن ابنتها، أو ابنة ابنتها، وزوجها، واخاها لامها او لابيها وامها، وابن عمها، فللزوج الربع، ومابقى فلولد الابنة.

فان ترك الرجل عما، وابن ابنة، أو ابنة ابنة، فالمال كله لولد الابنة، وسقط العم من جهتين احديهما لان ولد الابنة هم ولد الميت والعم ولد الجد، وولد الميت نفسه احق واقرب من ولد الجد، واما الاخرى فان بين العم وبين الميت ثلاثة بطون لان العم يتقرب بالجد والجد يتقرب بالاب والاب يتقرب بنفسه، وبين ابنة الابنة وبين الميت بطنان لان ولد الابنة يتقربون بالابنة، والابنة تتقرب بنفسها، فولد الابنة اقرب في البطون واقرب في النسب، والجد لايرث مع

٢٩٨

الولد شيئا، والعم انما يتقرب بمن لايرث، وولد الولد يتقربون بمن يرث، فهم احق بالمال، ولا قوة الا بالله وبالله التوفيق.

والاخ وولد الاخ في هذا بمنزلة العم لا ميراث لهم مع ولد الابنة.

فان ترك اخا لام، وابنة اخ لاب وام، وابنة ابنة، وابن ابنة، فالمال لابنة الابنة وابن الابنة بينهما للذكر مثل حظ الانثيين.

فان ترك ابنة اخته لابيه، وابنة اخته لامه، وعصبته، فلا بنة الاخت للام السدس، وما بقى فلا بنة الاخت للاب، وسقط العصبة.

فان ترك عمة لاب وام، وعمة لاب، فالمال للعمة من الاب والام.

فان ترك عما، وابن اخت، فالمال لابن الاخت، لان ولد الاخوة يقومون مقام الاخوة، والعم لا يقوم مقام الجد، ولان ولد الاخوة من ولد الاب، والعم من ولد الجد، ولان ابن الاخ يرث مع الجد، وابن الجد لا يرث مع الاخ عند الجميع، وكذلك ان ترك عما، وابن اخ، فالمال لابن الاخ.

فان ترك ابنة عم لاب وام، وابنة عم لام، فلا بنة العم للام السدس، وما بقى فلا بنة العم للاب والام، وكذلك ابنة خال لام، وابنة خال لاب وام، فلابنة الخال من الام السدس، وما بقى فلابنة الخال من الاب والام.

فان ترك بنات عم، وبنى عم، فالمال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

فان ترك بنات خال، وبنى خال، فالمال بينهم بالسوية الذكر والانثى فيه سواء.

فان ترك ابن عم، وابنة عمة، فلابن العم الثلثان، ولابنة العمة الثلث.

فان ترك ابن عمته، وابنة عمته، فالمال بينهما للذكر مثل حظ الانثيين.

فان ترك عما لام، وخالا لاب وام، فللخال الثلث نصيب الام(١) ، وللعم للام الباقى نصيب الاب.

فان ترك ابنة عمته، وعمة ابيه، فالمال كله لابنة العمة.

___________________________________

(١) اذ لا مشارك له في التوريث من جانب الاب لينقله إلى السدس. (مراد)

٢٩٩

فان ترك عشرة بنى عمة، وابنة عمة اخرى، فلعشرة بني العمة النصف، ولا بنة العمة الاخرى النصف الباقى.

فان ترك عمة لاب، وعمة لاب وام، فالمال للعمة من الاب والام.

فان ترك خمس بنات عمة من اب وام، وابنة عمة لام، وابنة عمة لاب، فلخمس بنات العمة للاب والام خمسة اسداس المال، ولابنة العمة للام السدس وسقطت ابنة العمة للاب.

فان ترك ابنتى عم، وابنة عم آخر، فلابنتى العم النصف بينهما، ولابنة العم الاخر النصف الباقى، وكذلك ان كانوا بنى عم.

فان ترك ثلاث بنات اعمام متفرقين، او ثلاث بنات بنات اعمام متفرقين او بنات عمات متفرقات فهو على ما بينت(١) من امر بنات الاخوال وبنات العمات وبنات بنات العمات.

فان ترك خمسة بنى بنات اعمام لاب وام، وابنة ابنة عم لام، فلا بنة ابنة العم للام السدس، وما بقى فلخمسة بنى بنات الاعمام للاب والام.

فان ترك ثلاثة بنى بنات عم لاب وام، وابنة ابنة عم لاب وام وهى ابنة ابنة عم غيره(٢) ، وابنة ابنة عم لام فهي من ستة وثلاثين سهما، لابنة ابنة العم للام السدس ستة، ولابنة ابنة العم للاب والام خمسة عشر، ولثلاثه بنى بنات عم لاب وام خمسة عشر، لكل واحد منهم خمسة.

فان ترك ابنة عم ابيه، وابنة ابنة عمه، فالمال لابنة ابنة عمه، وسقطت ابنة عم ابيه لان هذا كانه ترك جد ابيه وعما، فالعم احق من جد الاب(٣) .

___________________________________

(١) وهو أنه لمن انتسب بالام السدس، ولمن انتسب بالاب والام خمسة أسداس، ويسقط من انتسب بالاب. (مراد)

(٢) أى غير العم الذي له ثلاثة بنى بنات، وحاصله أن يكون للميت عمان لاب وأم كانت لاحدها ثلاثة بنى بنات، وللاخر ابنة ابنة، وله عم آخر للام له أيضا ابنة. (مراد)

(٣) لان العم من ولد جد الميت يقوم مقامه فيكون أحق من جد أبي الميت، اذكما أن جد الميت أحق به من جد أبيه كذلك من يقوم مقام جده أحق من جد أبيه. (مراد)

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343