السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188995 / تحميل: 8416
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومثله ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ )(١) ، وعدّه في حاوي الأقوال في الضعاف(٢) .

وناقش البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) في التعليقة على وقفه ، وقال : الحكم بوقفه لا يخلو من شيء ; لما مرّ في الفوائد ، وأنّ الظاهر أنّ حكم الخلاصة به ممّا ذكر في رجال الكاظم ( عليه السلام ) والكشّي ، وفي الظنّ أنّ ما في رجال الكاظم ( عليه السلام ) ممّا في رجال الكشّي.

وبالجملة : لا يبقى وثوق في عدم كونه منه ، وبعض أشياخ حمدويه غير معلوم الحال ، فليتأمّل ، ورواية ابن أبي عمير عنه تشير إلى وثاقته ، وكذا رواية علي بن الحسين(٣) ، ورواية الجماعة كتابه تشير إلى الاعتماد عليه ، وكذا كونه كثير الرواية ، وكون أكثرها سديدة مضمونها مفتى به ، معمول عليه ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الفوائد(٤) .

وأجاب الشيخ أبو علي ( ت ١٢١٦ هـ ) عليه : فالتوقّف في وقفه بعد شهادة عدلين مرضيين ، بل وعدول مرضيين ، لعلّه ليس بمكانه ، وقوله سلّمه الله : بعض أشياخ ، إلى آخره ، عجيب! إذ لا شكّ في كونه من فقهائنا ( رضي الله عنه ) ، مع أنّه سلّمه الله كثيراً ما يقول في أمثال المقام : إنّ المراد ليس مجرّد نقل القول ، بل الظاهر أنّه للاعتماد عليه والاستناد إليه ، فتأمّل جدّاً.

وما ذكره سلّمه الله من المؤيّدات لا ينافي الوقف أصلاً.

نعم ، لا يبعد إدخال حديثه في القوي ، وخروجه بذلك من قسم

____________

[ ٢٧٤ ].

١ ـ رجال ابن داود : ٢٤٥ [ ١٨٠ ] ، القسم الثاني ، وانظر : نقد الرجال ٢ : ٢٢٤ [ ١٩٠٩ ].

٢ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٤٦٠ [ ١٥٥٣ ].

٣ ـ الظاهر أنّ ( الحسين ) تصحيف ( الحسن ).

٤ ـ منهج المقال : ١٣٨ ، الهامش.

٦١

الضعيف(١) ، ومثله المامقاني في تنقيحه(٢) .

وفي خاتمة المستدرك ـ بعد أن عدّ جماعة من الثقات رووا عنه ـ قال : وهؤلاء جماعة وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة ، وفيهم : ابن أبي عمير ، والبزنطي ، اللذان لا يرويان إلاّ عن ثقة ، وفيهم من الذين أجمعت العصابة على تصحيح أخبارهم ، أربعة : هما ، والحسن بن محبوب ، وعبد الله بن بكير ، ويأتي في شرح أصل النرسي أنّ الإجماع المذكور من أمارات الوثاقة.

وفيهم من الثقات الأجلاّء غيرهم ، جماعة : كالوشّاء ، وابن سويد ، وابن نهيك ، وابن مهران ، وابن معبد الذي يروي عنه صفوان بن يحيى ، والحسين بن زيد ، وأبو شعيب المحاملي ، وابن أسباط ، وإبراهيم بن محمّد ابن إسماعيل ، وسعد بن محمّد ، الذين يروي عنهم علي الطاطري ، وقد قال الشيخ ( قدس سره ) : إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريون.

وبعد رواية هؤلاء عنه لا يبقى ريب في أنّه في أعلى درجة الوثاقة ، ورواياته مقبولة وكتابه معتمد ، وقد تأمّل في التعليقة في وقفيّته ، ولعلّه في محلّه ، ولا حاجه لنا إلى شرحه(٣) .

ثمّ إنّه قد يستظهر من قول الكشّي ( القرن الرابع ) أنّه كان من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ، ولكنّي لم أجد له رواية عن الرضا ( عليه السلام ) ، وظاهر الكشّي لا يلائم قوله بالوقف كما صرّح به الكلّ.

نعم ، روى الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) رواية عن محمّد بن يحيى ، عن

____________

١ ـ منتهى المقال ٣ : ٢١٦ [ ١١٢٥ ].

٢ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٧ [ ٣٨٨٠ ] ، وانظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣٩٥ ، قاموس الرجال ٤ : ٢٧٤ [ ٢٧٦٢ ] ، معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٤ [ ٤٤٦٤ ].

٣ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٤٣ ، وانظر ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ] ، و ٧ : ٣٦١ [ ٨٨٥ ].

٦٢

محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام )(١) ، في باب ( ما لا يؤكل من الشاة وغيرها ).

ولكن هذه الرواية رواها البرقي ( ت ٢٧٤ أو ٢٨٠ هـ ) في المحاسن ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد(٢) .

والطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في التهذيب عن محمّد بن أحمد بنفس سند الكليني(٣) .

والراوندي ( ت ٥٧٣ هـ ) في فقه القرآن(٤) ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) مجرّداً بدون ( الرضا ) ، وهو ينصرف إلى موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) ، بل إنّ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ذكرها في الوسائل عن الكليني بدون ( الرضا )(٥) ، فتأمّل.

كما لم أجد رواية أُخرى لإبراهيم بن عبد الحميد عن الرضا ( عليه السلام ) غير ما في الكافي ، وإذا كان هو المُصرّح بوقفه فالمطلوب أوضح.

وبالتالي فإنّ المتيقّن أنّ درست بن أبي منصور كان من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ولا يعلم أنّه بقي إلى عصر الرضا ( عليه السلام ) أو لا ، أو بالأحرى لا يعلم هل بقي إلى القرن الثالث أو لا ، فلاحظ.

أصل ( كتاب ) درست :

ذكر النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) طريقيه إليه ، وقال : له كتاب يرويه

____________

١ ـ الكافي ٦ : ٢٥٣ ، ح ١ ، باب : ما لا يؤكل من الشاة وغيرها.

٢ ـ المحاسن ٢ : ٢٦٣ [ ١٨٣٦ ].

٣ ـ التهذيب ٩ : ٨٤ [ ٣١٣ ].

٤ ـ فقه القرآن ٢ : ٢٥٨.

٥ ـ الوسائل ٢٤ : ١٧١ ح ١ ، باب ما يحرم من الذبيحة ، وما يكره منها.

٦٣

جماعة ، منهم سعد بن محمّد الطاطري ، عمّ علي بن الحسن الطاطري ، ومنهم محمّد بن أبي عمير ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدَّثنا أحمد ابن جعفر ، قال : حدَّثنا حُميد بن زياد ، قال : حدَّثنا محمّد بن غالب الصيرفي ، قال : حدَّثنا علي بن الحسن الطاطري ، قال : حدَّثنا عمّي سعد بن محمّد أبو القاسم ، قال : حدَّثنا دُرست بكتابه ، وأخبرنا محمّد بن عثمان ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدَّثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، قال : حدَّثنا محمّد بن أبي عمير عن درست بكتابه(١) .

وطريق الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : أخبرنا بكتابه أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن أحمد بن عمر بن كيسبة ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست ، ورواه حميد عن ابن نهيك ، عن درست(٢) .

وقال الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في مشيخته : وما كان فيه عن درست بن أبي منصور ، فقد رويته عن أبي ( رحمه الله ) ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّا ، عن درست بن أبي منصور الواسطي(٣) .

وطريق الصدوق إليه صحيح ، قاله في الخلاصة(٤) ، وقال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : رجال السند من الأجلاّء الثقات(٥) ، وقال : وأمّا طريق الشيخ فهو مجهول في الفهرست بأحمد بن عمر بن كيسبة(٦) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ١٦٢ [ ٤٣٠ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ١٨٦ [ ٢٨٨ ].

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧٨ شرح مشيخة الفقيه.

٤ ـ خلاصة الأقوال : ٤٤١ ، الفائدة الثامنة ، وانظر : عدّة الرجال ٢ : ١٢٩ ، الفائدة السادسة.

٥ ـ خاتمة المستدرك ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ].

٦ ـ خاتمة المستدرك ٦ : ١٣٩ [ ٢٧٤ ] ، وانظر : معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٦ [ ٤٤٦٤ ].

٦٤

والنسخة التي اعتمد عليها صاحب البحار نسخة قديمة تحتوي على أُصول لرواة آخرين ، قال في أوّل البحار : مع أنّا أخذناهما ( يريد أصل النرسي والزرّاد ) من نسخة قديمة مصحّحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ( النصف الأوّل من القرن الخامس ) ، وهو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذها وسائر الأُصول المذكورة(١) بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ( رحمه الله ) ( ت ٣٨٥ هـ )(٢) .

ولكنّه لم يذكر أصل درست ضمن هذه الأُصول في النسخة ، وسببه أنّ أوّل أصل درست كان ساقطاً.

قال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) في خاتمة مستدركه في الفائدة الثانية : وكتاب درست وأخواته(٣) ، إلى جزء من نوادر علي بن أسباط ، وجدناها مجموعة منقولة كلّها من نسخة عتيقة صحيحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقلها من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذ الأُصول المذكورة من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ، وهذه النسخة كانت عند العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) ( ت ١١١١ هـ ) ، كما صرّح به في أوّل البحار ، ومنها انتشرت النسخ ، وفي أوّل جملة منها وآخرها يذكر صورة النقل.

____________

١ ـ يذكر ثلاثة عشر أصلا ، ولم يذكر أصل درست ، وسيأتي توضيحه في المتن.

٢ ـ البحار ١ : ٤٣ ، توثيق المصادر.

٣ ـ الأُصول المذكورة في كتاب الأُصول الستّة عشر ، ما عدا كتاب ديّات ظريف : ١٣٤ ، ومختصر علاء : ١٤٩.

٦٥

أمّا كتاب درست : فهو ساقط من أوّله(١) ، وفي آخره : تمّ كتاب درست ، وفرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن أيوّب القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) أيّده الله ، سماعاً له عن الشيخ أبي محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري أيّده الله ، بالموصل ، في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً(٢) .

ولكن في المطبوعة لم ترد صورة النقل في أوّلها ، ولم يذكر اسم الشيخ منصور بن الحسن الآبي وإن جاء اسمه في ضمن الكتاب ، وفي آخرها لا توجد جملة ( تمّ كتاب درست ) ، وإنّما يوجد ما بعدها ، والظاهر أنّه سقط من النساخ ; لأنّ الأحاديث الموجودة عن أصل درست مصدّرة باسمه(٣) .

وعلى هذه النسخة خطّ الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ، هكذا : إعلم أنّي تتبّعت أحاديث هذه الكتب الأربعة عشر ـ أي عدا ديّات ظريف ومختصر علاء ـ فرأيت أكثر أحاديثها موجوداً في الكافي ، أو غيره من الكتب المعتمدة ، والباقي له مؤيّدات فيها ، ولم أجد فيها شيئاً منكراً سوى حديثين محتملين للتقيّة وغيرها ، حرّره محمّد العاملي(٤) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : وهذا الكتاب أيضاً من الكتب الموجودة الباقية على الهيئة الأوّليّة ، وترتيبها أوّله الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً ، رأيت نسخة منه في

____________

١ ـ الأُصول الستّة عشر : ١٥٨.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٣٨ ، الفائدة الثانية.

٣ ـ انظر الأُصول الستّة عشر من أوّله ، وصفحة ١٥٨ ، وصفحة ١٦٩ ( الأخيرة ).

٤ ـ كتاب الأُصول الستّة عشر : ١٧٠.

٦٦

كربلاء عند السيّد إبراهيم بن السيّد هاشم القزويني المتوفّى ( ٧ ـ ٢ ـ ١٣٦٠ ) ، وهي بخطّ السيّد علي أكبر بن السيّد حسين الحسيني ، فرغ من الكتابة في النجف ( ١٢٨٦ ) وذكر أنّه استنسخها عن نسخة قوبلت من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين القمّي(١) .

ولكن الجملة المذكورة على أنّها في أوّله غير موجودة في المطبوع ، والظاهر أنّه كذلك في النسخة الخطيّة ، لما عرفت من نصّ النوري على أنّها ساقطة الأوّل ، فقد تكون من زيادات الناسخ ; لأنّ هذه النسخة في كربلاء مأخوذة من تلك النسخة ـ الأصل ـ على أنّ آخر أصل درست فيه هذه الجملة ( والحمد لله رب العالمين ) كما عرفت فيما نقلنا من المطبوع ، فلعلّه كان سبق قلم من العلاّمة الطهراني عندما قال أوّلها ويريد آخرها.

____________

١ ـ الذريعة ٦ : ٣٣٠ ( ١٨٨٩ ) ، وانظر : طبقات أعلام الشيعة ١ ( القرن الرابع ) : ٢٦١ ، ٣٢١ ، ٣٢٩، ٢ ( القرن الخامس ) : ١٩٦.

٦٧
٦٨

(٣) كتاب : الوصيّة

لعيسى بن المستفاد ( النصف الثاني من القرن الثاني )

الحديث :

قال السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في الطرف(١) :

عن عيسى بن المستفاد ، قال : حدَّثني موسى بن جعفر ، قال : سألت أبي جعفر بن محمّد ( عليه السلام )(٢) .

وعنه ، عن أبيه ، قال : لمّا حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا الأنصار ، وقال : « يا معشر الأنصار ، قد حان الفراق ، وقد دُعيت وأنا مجيب الداعي ، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ، ونصرتم فأحسنتم النصرة ، وواسيتم في الأموال ، ووسعتم في السكنى ، وبذلتم لله مهج النفوس ، والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى.

وقد بقيت واحدة ، وهي تمام الأمر وخاتمة العمل ، العمل معها مقرون به جميعاً ، إنّي أرى أن لا يفرّق بينهما جميعاً ، لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست ، من أتى بواحدة وترك الأُخرى كان جاحداً للأُولى ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا ».

قالوا : يا رسول الله ، فأَبنِ لنا نعرفها ، ولا نمسك عنها فنضلّ ونرتدّ

____________

١ ـ كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد مفقود ، ولا نعرف منه إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، وما أوردناه منه.

٢ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١١٥ ، الطرفة الأُولى.

٦٩

عن الإسلام ، والنعمة من الله ومن رسوله علينا ، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله ، [ وقد بلّغت ونصحت وأدّيت ، وكنت بنا رؤوفاً رحيماً ، شفيقاً مشفقاً ، فما هي يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )؟ ](١) .

قال لهم : « كتاب الله وأهل بيتي ، فإنّ الكتاب هو القرآن ، وفيه الحجّة والنور والبرهان ، وكلام الله جديد غضّ طريّ ، شاهد ومحكم عادل ، دولة قائد بحلاله وحرامه وأحكامه ، بصير به ، قاض به ، مضموم فيه ، يقوم غداً فيحاجّ به أقواماً ، فتزلّ أقدامهم عن الصراط ، فاحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي ، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

ألا وأنّ الإسلام سقف تحته دعّامة ، ولا يقوم السقف إلاّ بها ، فلو أنّ أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعّامة تحته ، فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فهوى في النار.

أيّها الناس ، الدعّامة دعّامة الإسلام ، وذلك قوله تبارك وتعالى( إليه يصْعَدُ الكَلِمُ الطيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يرفَعُه ) ، فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبل الله.

أيّها الناس ، ألا فهمتم ، الله الله في أهل بيتي ، مصابيح الهدى ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ومستقرّ الملائكة ، منهم وصيّي وأميني ووارثي ، ومن هو منِّي بمنزلة هارون من موسى ، علي ( عليه السلام ) ، ألا هل بلّغت؟

والله يا معاشر الأنصار ، [ لتقرُّن لله ولرسوله بما عهد إليكم ، أو ليُضرَبن بعدي بالذلّ.

يا معشر الأنصار ](٢) ألا اسمعوا ومن حضر ، ألا إنّ باب فاطمة بابي ،

____________

١ ـ بين القوسين ساقط في بعض النسخ.

٢ ـ بين القوسين ساقط من بعض النسخ.

٧٠

وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله ».

قال عيسى بن المستفاد : فبكى أبو الحسن ( عليه السلام ) طويلا ، وقطع عنه بقيّة الحديث ، وأكثر البكاء ، وقال : « هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، وحجاب الله حجاب فاطمة ، يا أُمّه يا أُمّه ، صلوات الله عليها »(١) .

عيسى بن المستفاد :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : عيسى بن المستفاد أبو موسى البجلي الضرير ، روى عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، ولم يكن بذاك(٢) .

وذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست ، وسكت عنه(٣) ، ومثله ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم(٤) .

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : ذكر له رواياته عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده ، وهو في نفسه ضعيف(٥) .

ونقل في الخلاصة كلام النجاشي وابن الغضائري ، أورده في القسم الثاني المخصّص للضعاف أو من يردّ قوله أو يتوقّف فيه(٦) ، ولكن ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) أورده في القسمين ، ورمز له في أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ، ونقل في الأوّل عن رجال الشيخ والفهرست والنجاشي أنّه لم يكن بذاك ، مع أنّه غير مذكور في رجال الشيخ(٧) ، وفي الثاني أعاد ما ذكره أوّلا ، ولكنّه

____________

١ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٤٣ ، الطرفة العاشرة.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٨٦ [ ٥٩٤ ].

٥ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، وانظر : مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٦ ـ خلاصة الأقوال : ٣٧٨ [ ١٥٢٠ ] ، القسم الثاني.

٧ ـ رجال ابن داود : ١٤٩ [ ١١٧٦ ].

٧١

نسبه إلى النجاشي فقط(١) .

ثمَّ ترجم في جامع الرواة : ( عيسى الضرير ) و ( عيسى الضعيف ) يرويان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، واستظهر أنّهما واحد لاتّحاد الطريق(٢) ، ووافقه التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس(٣) ، والسيّد الخوئي ( ت ١٤١٣ هـ ) في المعجم(٤) ، وأمّا المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) فأستظهر اتّحادهما مع عيسى بن المستفاد أيضاً(٥) ، مع أنّ صاحب القاموس استبعد ذلك(٦) .

أقول : إنّ ( عيسى الضرير ) أو ( عيسى الضعيف ) لم يرد ذكره في رجال الطوسي ولا البرقي في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بل لم يرد ذكره أصلا ، لا في هذين الكتابين ولا في بقيّة كتب الرجال ، وإنّما جاء في سند الروايات عن الإمام الصادق ( عليه السلام ).

نعم ، ذكر الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في رجاله في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) عيسى بن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، كوفي(٧) ، ولم يذكر

____________

١ ـ رجال ابن داود : ٢٦٥ [ ٣٨٤ ].

وانظر : نقد الرجال ٣ : ٣٩٦ [ ٤٠٦٢ ] ، إيضاح الاشتباه : ٢٣٤ [ ٤٥٣ ] ، هداية المحدّثين : ١٢٦ ، منتهى المقال ٥ : ١٦٩ [ ٢٢٥٦ ] ، حاوي الأقوال ٤ : ١٥٠ ، عدّة الرجال ١ : ٢٤٦ ، جامع الرواة ١ : ٦٥٤ ، تنقيح المقال ٢ : ٣٦٣ ، مع بعض الاشتباه نبّه عليه التستري في قاموس الرجال ٨ : ٣٣١ [ ٥٨٢٤ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ] ، الوجيزة : ٢٧٦ [ ١٣٨٧ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦ ، بهجة الآمال ٥ : ٦٤٥.

٢ ـ جامع الرواة ١ : ٦٥١.

٣ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٢ ] و [ ٥٨٠٣ ].

٤ ـ معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٩ [ ٩٢٥٣ ] و [ ٩٢٥٤ ].

٥ ـ تنقيح المقال ٢ : ٣٦١.

٦ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٧ ـ رجال الطوسي : ٢٥٨ [ ٣٦٦٥ ].

٧٢

عيسى بن المستفاد في أصحاب أيّ إمام من الأئمّة ( عليهم السلام ) ، مع أنّه ذكره في الفهرست(١) .

فإذا أخذنا بعين الاعتبار اتّحاد الاسم واللقب ، وأنّ المستفاد يمكن أن يكون لقب لعبد الرحمن ، أمكن القول باتّحادهما ، بل باتّحاد الجميع الضرير أو الضعيف وابن المستفاد وابن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، فإنّ الضعيف ـ كما هو الأصحّ على ما أشار إليه التستري ( ت ١٤١٥ هـ )(٢) ويحتمل العكس ـ قد روى عن الصادق ( عليه السلام ) في الكافي والفقيه والتهذيب(٣) ، مع أنّ الشيخ لم يذكره في رجاله.

وقد يكون من القرينة على ذلك ما رواه الرضي ( ت ٤٠٦ هـ ) في الخصائص بسند ، هو : حدّثني هارون بن موسى ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي ، قال : حدَّثني عيسى الضرير ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، عن أبيه قال : ، وهي الطرفة الخامسة عشر من طرف السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ )(٤) ، كما وأورد رواية أُخرى بنفس السند ، ولكنّه ذكر الاسم هكذا : أبو موسى عيسى الضرير البجلي ، وهو في الطرفة السادسة عشر من الطرف(٥) .

فاكتفائه في الأوّل بـ ( عيسى الضرير ) ، وأضاف إليه في الثاني ( أبو موسى ) و ( البجلي ) يقرّبنا إلى المراد كما هو واضح ; لأنّ المراد بعيسى الضرير في السند هو ابن المستفاد ، بقرينة ذكر روايته في ضمن الطرف

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٢ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٣ ـ الكافي ٧ : ٢٩٥ ح ١ و ٢٧٦ ح ٤ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٦٩ ح ١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ ح ٣٢ ، كتاب الديّات ، باب : القضايا في الديّات والقصاص.

٤ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٥٧ ، الطرفة الخامسة عشر.

٥ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٦١ ، الطرفة السادسة عشر.

٧٣

التي أكثرها عن ابن المستفاد عن الكاظم ( عليه السلام ).

ويبقى ما انفرد به النجاشي من أنّه من أصحاب أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، فالظاهر أن لا رواية له عن الجواد ( عليه السلام ) ، فهل يمكن حمل ( الثاني ) على الاشتباه وأنّه أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، كما عن ابن داود؟ الله أعلم!

كتاب الوصيّة :

لم يصلنا من كتاب عيسى بن المستفاد إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، ولكنّه لم يصرّح بأنّه من كتاب الوصيّة لعيسى ، وإن استظهر الكلّ أنّه منه ; لأنّهم لم يذكروا لابن المستفاد كتاباً غيره ، ولأنّ ما نقله ابن طاووس ينطبق تماماً على اسم الكتاب ، ألا وهو ( الوصيّة ).

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : له كتاب الوصيّة ، رواه شيوخنا ، عن أبي القاسم جعفر ابن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن هلال بن الفضل بن محمّد بن أحمد بن سليمان الصابوني ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو يوسف الوُحاظي والأزهر بن بسطام بن رستم والحسن بن يعقوب ، قالوا : حدَّثنا عيسى بن المستفاد ، وهذا الطريق طريق مصريّ فيه اضطراب ، وقد أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران ، قال : حدَّثنا يحيى بن محمّد القصباني ، عن عبيد الله بن الفضل(١) .

وقال الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : له كتاب ، رواه عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عنه(٢) ، وهو ضعيف بعبيد الله بن عبد الله الدهقان(٣) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٣ ـ انظر : خاتمة المستدرك ٩ : ٢٤٦ [ ٥٣٢ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ].

٧٤

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده(١) .

ولكن المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) قال ـ بعد أن أخرج عدّة روايات من الطرف ـ : انتهى ما أخرجناه من كتاب الطرف ممّا أخرجه من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد ، وكتاب خصائص الأئمّة للسيّد الرضي ( رضي الله عنه ) ، وأكثرها مرويّ في كتاب الصراط المستقيم للشيخ زين الدين البياضي ( ت ٨٧٧ هـ ) ، وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال ، ولي إليه أسانيد جمّة ، وبعد اعتبار الكليني ( رحمه الله ) الكتاب واعتماد السيّدين عليه لا عبرة بتضعيف بعضهم ، مع أنّ ألفاظ الروايات ومضامينها شاهدة على صحّتها(٢) .

ولا يخلو كلامه ( قدس سره ) من المناقشة.

وذكر الكتاب العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة أيضاً ، واستظهر وجود نسخة منه عند السيّد ابن طاووس من خلال كثرة نقله عنه في الطرف(٣) .

____________

١ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٢ ـ البحار ٢٢ : ٤٩٥.

٣ ـ الذريعة ٢٥ : ١٠٣ [ ٥٦٥ ] ، و ١٥ : ١٦١ [ ١٠٥٣ ].

٧٥
٧٦

حديث الثقلين عند الإماميّة ( الاثني عشريّة )

القرن الثالث الهجري

٧٧
٧٨

(٤) صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) بسند الطبرسي

للإمام علي بن موسى بن جعفر الرضا ( عليه السلام ) ( ت ٢٠٣ هـ )

الحديث :

حدّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قال :

وبإسناده ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما »(١) .

الراوون عنها :

وعنها الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )(٢) .

____________

١ ـ صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ٥٩ ح ٨٣. وعنها في إثبات الهداة ١ : ١١٢ ح ٦٢٢ ، فصل (٣١) ، والبحار ٢٣ : ١٤٥ ح ١٠١.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ٢ : ٣٤ ح ٤٠ ، الباب (٣١) : في ما جاء عن الرضا ( عليه السلام ) من أخبار مجموعة ، وفيه : « كأنّي قد دعيت » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٧٩

والقاسم بن محمّد بن علي ( ت ١٠٢٩ هـ ) في الاعتصام بحبل الله المتين(١) .

صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) :

ذكرها الشيخ الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في الكتب المعتمدة لديه وقال : رواية أبي علي الطبرسي(٢) ، وذكر طريقه إليها(٣) .

وذكرها المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في مصادره وقال : المسندة إلى شيخنا أبي علي الطبرسي ( رحمه الله ) بإسناده إلى الرضا ( عليه السلام )(٤) ، وقال في توثيقها : وكتاب الرضا ( عليه السلام ) من الكتب المشهورة بين الخاصّة والعامّة ، وروى السيّد الجليل علي بن طاووس منها بسنده إلى الشيخ الطبرسي ( رحمه الله ) ، ووجدت أسانيد في النسخ القديمة منه إلى الشيخ المذكور ومنه إلى الإمام ( عليه السلام ) ، وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا : لو قرئ هذا الإسناد على أُذن مجنون لأفاق ، وأشار النجاشي في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، وترجمة والده راوي هذه الرسالة إليها ، ومدحها ، وذكر سنده إليها ، وبالجملة هي من الأُصول المشهورة ويصحّ التعويل عليها(٥) .

____________

١ ـ الاعتصام ١ : ١٣٣ ، فصل : فيما ورد من احاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنّه ترك في المسلمين كتاب الله تعالى وسنّته وعترته أهل بيته .

وفيه : وفي صحيفة علي بن موسى الرضى عن آبائه ، أباً فأباً ، إسناداً متّصلا عن علي عليه وعليهم السلام ، قال : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كأنّي قد دعيت واُجبت » ، وفيه : « كتاب الله عزّ وجلّ حبل . » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ [ ٣٥ ] الفائدة الرابعة.

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٨٦ ، الطريق الثاني والأربعون.

٤ ـ البحار ١ : ١١.

٥ ـ البحار ١ : ٣٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

مصرع أبي الفضل (عليه السّلام)

وكان أبو الفضل العباس (عليه السّلام) من أحبّ الناس وأخلصهم للإمام الحسين (عليه السّلام)، فقد ربّاه وغذّاه بمكارم أخلاقه ومحاسن صفاته، وعلّمه أحكام الدين حتّى صار من أفاضل العلماء. وكان ملازماً لأخيه في حلّه وترحاله، وواساه في أقسى المحن والخطوب، وكانت أُخوّته لأبي عبد الله مضرب المثل عند جميع الناس.

وكانت أسارير النور بادية على وجهه الكريم حتّى لُقّب بقمر بني هاشم، وكان من الأبطال البارزين في الإسلام، فكان إذا ركب الفرس المطهّم تخطّان رجلاه في الأرض، وقد أسند إليه الإمام الحسين (عليه السّلام) يوم الطفّ قيادة جيشه ودفع إليه رايته.

وكان أبو الفضل هو المتعهّد لرعاية الصدّيقة سيدة النساء زينب (عليها السّلام)، وقد احتلّ قلبها فكانت تكنّ له أعمق الودّ والولاء. ولمّا رأى قمر بني هاشم وحدة أخيه وقتل أصحابه وأهل بيته الذين قدّموا أرواحهم قرابين للإسلام انبرى يطلب الرخصة من أخيه ليلاقي مصيره المشرق، فقال له الإمام (عليه السّلام) بصوت خافت:«أنت صاحب لوائي» .

لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والمنعة ما دام أبو الفضل حيّاً، وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً: لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، واُريد أن آخذ ثأري منهم.

وطلب منه الإمام (عليه السّلام) أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش، فانعطف فخر بني هاشم نحو اُولئك الأنذال فجعل يعظهم ويطلب منهم أن يرفعوا الحصار عن الماء؛ فقد أشرفت عائلة آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الموت.

فأجابه الرجس الأثيم شمر بن ذي الجوشن قائلاً:

٢٦١

يابن أبي تراب، لو كان وجه الأرض كلّه ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلاّ أن تدخلوا في بيعة يزيد.

وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وإجماعهم على حرمان أهل البيت (عليهم السّلام) من الماء، وسمع الأبيّ الشهم صراخ الأطفال وهم ينادون: العطش، العطش! الماء، الماء!

وذاب قلب أبي الفضل حينما رأى الأطفال قد ذبلت شفاههم وأشرفوا على الهلاك، فسرى الألم العاصف في محيّاه، واندفع ببسالة لإغاثتهم، فركب جواده وأخذ معه القربة، فاقتحم الفرات غير حافل بالقوى المكثفة التي تقدّر بأربعة آلاف جندي مسلّح قد احتلّوا حوض الفرات، فانهزموا من بين يديه؛ فقد ذكّرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطّم أوثان القرشيّين.

وانتهى إلى الماء وكان قلبه الشريف قد تفتّت من العطش، فاغترف من الماء ليشرب منه إلاّ أنّه تذكّر عطش أخيه ومَنْ معه من النساء والأطفال، فرمى الماء من يده، فامتنع أن يروي غليله من الماء.

وقد سجّل بذلك شرفاً للعلويّين تردّده الأجيال مقروناً بالإكبار والتعظيم لهذه الأُخوّة النادرة التي لم يحدّث التأريخ بمثلها. لقد رمى أبو الفضل الماء من يده وهو يقول:

يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني = وبعدهُ لا كنتِ أن تكوني

هذا الحسينُ واردُ المنونِ = وتشربينَ باردَ المعينِ

تالله ما هذا فعالُ ديني

إنّ الإنسانيّة بكلّ إجلال وإكبار لتحيّي هذه الروح العظيمة التي تألّقت في دنيا الإسلام وهي تلقي على الأجيال أسمى أمثلة للكرامة الإنسانيّة. أي إيثار أنبل من هذا الإيثار؟ أيّ اُخوّة أسمى من هذه الاُخوّة؟

٢٦٢

واتّجه فخر هاشم بعد أن ملأ القربة نحو المخيّم والتحم مع الأرجاس؛ فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى أهل البيت (عليهم السّلام)، وقد أشاع فيهم بطل الإسلام القتل وهو يرتجز:

لا أرهب الموتَ إذا الموتُ زقا = حتى أوارى في المصاليتِ لقى

نفسي لسبطِ المصطفى الطهرِ وقى = إنّي أنا العباس أغدوا بالسقا

ولا أخاف الشرَّ يوم الملتقى

لقد أعلن قمر الهاشميّين عن بطولاته النادرة، فهو لا يرهب الموت، ويسخر من الحياة دفاعاً عن الحقّ، ودفاعاً عن إمام المسلمين وريحانة الرسول (صلّى الله عليه وآله).

وانهزمت جيوش الاُمويِّين أمامه، ولكن الوضر الجبان زيد بن الرقّاد الجهني كمن له من وراء نخلة، ولم يستقبله بوجهه، فضربه على يده فقطعها، فلم يحفل بها أبو الفضل وراح يرتجز:

واللهِ إن قطعتمُ يميني = إنّي اُحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادقِ اليقينِ = نجلِ النبيّ الطاهرِ الأمينِ

ودلّل بهذا الرجز عن الأهداف العظيمة التي ناضل من أجلها وهي الدفاع عن الدين، والدفاع عن إمام المسلمين وريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يبعد قمر بني هاشم وفخر عدنان حتّى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس المجرمين، وهو الحكيم بن الطفيل الطائي، فضربه على يساره فبراها، وحمل الشهم النبيل القربة بأسنانه، وجعل يركض بالماء إلى عطاشى آل النبي غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وآلام الجروح وشدّة الظمأ.

وهذا منتهى ما وصلت إليه الإنسانيّة في جميع أدوارها من الرحمة والحنان والوفاء، وبينما هو يركض إذ أصاب القربة سهم غادر فاُريق ماؤها، ووقف البطل حزيناً؛ فقد كان إراقة الماء أشدّ عليه من ضرب السيوف وطعن الرماح.

٢٦٣

وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على هامة رأسه ففلق هامته فهوى إلى الأرض، وهو يؤدي تحيّته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً: عليك منّي السّلام أبا عبد الله.

وحمل الأثير كلماته إلى أخيه فمزّقت أحشاءه، وانطلق وهو خائر القوى، منهدّ الركن حتّى انتهى إلى أخيه وهو يعاني آلام الاحتضار، فألقى بنفسه عليه وجعل يوسعه تقبيلاً قائلاً:«الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي» .

وجعل أبو الأحرار يطيل النظر في أخيه وهو شاحب اللون وتمثّلت أمامه مُثل أبي الفضل التي لا ندّ لها في جميع مراحل التأريخ؛ فليس هناك اُخوّة تضارع اُخوّة أبي الفضل لأخيه أبي الأحرار؛ فقد أبدى من الوفاء والولاء لأخيه ما يفوق حدّ الوصف. وقام الثاكل الحزين عن أخيه بعد ما فارقته الحياة وهو لا يتمكّن أن يقلّ قدميه من الأسى والحزن، وقد بان عليه الانكسار، واتّجه صوب المخيّم وهو يكفكف دموعه، فاستقبلته سكينة بلهفة قائلة: أين عمي؟

فأجابها بنبرات مشفوعة بالبكاء والعبرات بشهادته، وذعرت حفيدة الرسول سيدة النساء زينب (عليها السّلام)، فوضعت يدها على قلبها الذي مزّقته كوارث كربلاء، وصاحت: وا أخاه! وا عباساه! وا ضيعتنا بعدك!

وشارك الإمام (عليه السّلام) شقيقته في النياحة على أخيه، ورفع صوته:«وا ضيعتنا بعدك يا أبا الفضل!» . لقد شعر الإمام وشقيقته بالضياع والغربة بعد أن فقد أبا الفضل، وكانت هذه الكارثة من أفجع الكوارث التي رُزئت بها حفيدة الرسول.

٢٦٤

فسلام عليك يا أبا الفضل يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيّاً.

مصرع الرضيع (عليه السّلام)

ومن الفجائع التي مُنيت بها سيدة النساء مصرع الرضيع؛ فقد اُغمي عليه من شدّة الظمأ، فجاءت به اُمّه إلى السيّدة زينب مستجيرة بها، وعرضته على أخيها فأخذه وجعل يوسعه تقبيلاً، وقد غارت عيناه وذبلت شفتاه من شدّة العطش، فحمله الإمام (عليه السّلام) إلى الجيش الاُموي لعلّهم يسقونه جرعة من الماء، فلم ترقَّ قلوب اُولئك الممسوخين، وانبرى إليه الرجس الخبيث حرملة بن كاهل، فسدّد له سهماً وجعل يفتخر أمام أصحابه قائلاً: خذ هذا فاسقه.

واخترق السهم - يالله - رقبة الطفل، فلمّا أحسَّ بحرارة السهم أخرج يديه من القماط، وجعل يُرفرف على صدر أبيه كالطير المذبوح، وانحنى رافعاً رأسه إلى السماء فمات على ذراع أبيه.

أيّ صبر كان صبر أبي عبد الله! كيف استطاع أن يتحمّل هذه الرزايا والكوارث التي تميد من هولها الجبال؟!

والتفت الإمام إلى شقيقته فناولها ولده المذبوح(١) ، ورفع الإمام (عليه السّلام) يديه وكانتا مملوءتين من دم طفله، فرمى به إلى السماء وقال:«هوّن ما نزل بي إنّه بعين الله» . ولم تسقط من ذلك الدم الطاهر قطرة واحدة إلى الأرض كما روى ذلك الإمام الباقر (عليه السّلام).

الفاجعة الكبرى

ووقف أبو الأحرار في الميدان وقد أحاطت به جيوش الاُمويِّين، وهو ثابت الجنان،

____________________

(١) اللهوف / ٥٠.

٢٦٥

لم يوهن عزيمته مصارع أصحابه وأهل بيته، وكان كالطود الشامخ، وقد روى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) صمود أبيه قال:«كان كلّما يشتدّ الأمر يشرق لونه، وتطمئن جوارحه» .

فقال بعضهم: انظروا كيف لا يُبالي بالموت! وقال عبد الله بن عمّار: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولده وأصحابه أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً منه! ووالله ما رأيت قبله ولا بعده مثله(١) .

وحمل أبيّ الضيم على أرجاس البشرية فجعل يُقاتلهم أعنف قتال وأشدّه، وحمل على الميمنة وهو يرتجز:

القتل أولى من ركوبِ العارِ = والعارُ أولى من دخولِ النارِ

وحمل على الميسرة وهو يرتجز:

أنا الحسين بن علي = آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي = أمضي على دين النبي

أجل أنت الحسين (عليه السّلام)، وأنت ملأت فم الدنيا شرفاً ومجداً، فلم تُشاهد اُمم العالم وشعوب الأرض مثلك يا مفخرة الإسلام؛ فقد صمدت أمام الأهوال والكوارث التي لا يطيق حملها أيّ مصلح على وجه الأرض، وقد مضيت على دين جدّك الرسول مُجدداً له، ولولاك لما أبقى الاُمويّون والقرشيون أيّ ظلّ لدين الله.

وداعه لعقائل الوحي

ومضى الحسين (عليه السّلام) يودّع عقائل النبوّة، وسيّدات نساء الدنيا، ويأمرهنَّ بالخلود إلى الصبر، ونظر إلى شقيقته زينب وهي غارقة بالدموع فعزّاها وأمرها بالصبر، وأن

____________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٨٨.

٢٦٦

تقوم برعاية أطفاله، ولمّا أراد الخروج أحطنَ به السيدات ليتزوّدن منه، وهنّ يذرفن أحرّ الدموع، والتفت الإمام زين العابدين (عليه السّلام) إلى عمّته زينب، فقال لها:«عليَّ بالعصا والسيف» .

- ما تصنع بهما؟

-«أمّا العصا فأتوكّأ عليها، وأمّا السيف فأذبّ به عن ابن رسول الله» . وكانت الأمراض قد ألّمت به، فنهاه الإمام الحسين (عليه السّلام) وأمسكته عمّته زينب.

وأمر الإمام (عليه السّلام) حرم الرسالة بلبس الاُزر، والاستعداد للبلاء، والتسليم لقضاء الله، وقال لهن:«استعدوا للبلاء، واعلموا أنّ الله تعالى حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شرّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب، ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكّوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم» .

إنّه هذا الإيمان، وهذا الصبر أجدر بالخلود من هذا الكوكب الذي نعيش عليه. إنّ هذه الرزايا تتصدّع من هولها الجبال، وتميد بحلم أيّ مصلح كان، وقد تجرّعها أبيّ الضيم من أجل رفع كلمة التوحيد التي جهدت الاُسر القرشيّة على إطفاء نورها.

مناجاته مع الله

واتّجه الإمام العظيم في تلك اللحظات الحاسمة من حياته إلى الله تعالى، فأخذ يناجيه ويتضرّع إليه، ويشكو إليه ما ألمّ به من الخطوب قائلاً:«صبراً على قضائك يا رب، لا إله سواك، يا غياث المستغيثين ما لي ربّ سواك، ولا معبود غيرك، صبراً على حكمك. يا غياث مَنْ لا غياث له، يا دائماً

٢٦٧

لا نفاد له، يا محيي الموتى، يا قائماً على كلّ نفس، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين» (١) .

أرأيتم هذا الإيمان الذي تفاعل مع شعور الإمام وعواطفه؟ فقد صبر على قضائه، وفوّض إليه جميع ما نزل به من الخطوب. يقول الدكتور الشيح أحمد الوائلي:

يا أبا الطفّ و ازدهى بالضحايا = من أديمِ الطفوفِ روضٌ خميلُ

نخبةٌ من صحابةٍ و شقيقٌ = و رضيعٌ مطوّقٌ وشبولُ

والشبابُ الفتيان جفّ ففاضت = طلعةٌ حلوةٌ ووجهٌ جميلُ

و توغلتَ تستبينَ الضحايا = وزواكي الدماءِ منها تسيلُ

و مشت في شفاهكَ الغرِّ نجوى = نمَّ عنها التحميدُ والتهليلُ

لكَ عتبي يا ربّ إن كانَ يرضيـ = ـك فهذا إلى رضاكَ قليلُ

الهجوم عليه

وهجمت على سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) العصابة المجرمة التي تحمل رجس الأرض وخبث اللئام، فحملوا عليه من كلّ جانب ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح.

ويقول بعض المؤرخين: إنّه لم يُضرب أحد في الإسلام كما ضُرب الحسين؛ فقد وجد به مئة وعشرون جراحة، ما بين ضربة سيف، وطعنة رمح، ورمية سهم(٢) .

ومكث أبو الأحرار مدّة من الزمن على وجه الأرض وقد فتكت الجراحات بجسمه، وقد هابه الجميع ونكصوا من الإجهاز عليه.

يقول السيّد حيدر:

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٢٨٨.

(٢) الحدائق الوردية ١ / ١٢٦.

٢٦٨

فما أجلت الحربُ عن مثله = صريعاً يُجبِّن شجعانَها

خروج العقيلة (عليها السّلام)

وخرجت حفيدة الرسول من خبائها وهي تندب أخاها بأشجى ما تكون الندبة، وتقول بذوب روحها: ليت السماء وقعت على الأرض! وصاحت بالخبيث الدنس عمر بن سعد قائلة: يا عمر، أرضيت أن يُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فأشاح الخبيث بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته المشؤومة(١) .

ولم تعد العقيلة الطاهرة تقوى على النظر إلى أخيها وهو بتلك الحالة، فانصرفت إلى خبائها لترعى المذاعير من النساء والأطفال.

الإجهاز على الإمام (عليه السّلام)

أحاط أعداء الله بالإمام من كلّ جانب وهم يوسعونه ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح ورمياً بالحجارة، فصاح بهم:«أعلى قتلي تجتمعون؟! أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله. وأيم الله، إنّي لأرجو أن يُكرمني الله بهوانكم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون» .

والتفت الخبيث عمر بن سعد إلى شبث بن ربعي فقال: انزل فجئني برأسه. فامتنع وقال: أنا بايعته ثمّ غدرت به، ثمّ أنزل فأحتز رأسه! لا والله لا أفعل ذلك. فأنكر ابن سعد كلامه وقال:

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٢٩٠.

٢٦٩

إذاً أكتب إلى ابن زياد. ولم يعتن شبث بذلك، وقال: اكتب له(١) .

وبادر المجرم الخبيث شمر بن ذي الجوشن، وكان من أعدى المجرمين على الإمام (عليه السّلام)، فاحتز رأسه الشريف كما في بعض الروايات(٢) .

لقد استشهد الإمام العظيم من أجل أن يرفع كلمة الله في الأرض ويطيح بدولة الظلم والبغي التي أقامتها الأحقاد القرشيّة على الإسلام. لقد قدّم الإمام (عليه السّلام) روحه ثمناً للقرآن، وثمناً لكلّ ما تسمو به الإنسانيّة من شرف وعزّ وإباء.

لقد رفع الإمام (عليه السّلام) راية الإسلام عالية خفّاقة وهي ملطّخة بدمه ودم الشهداء من أهل بيته وأصحابه الممجّدين، وهي تضيء في رحاب الكون وتفتح الآفاق الكريمة لشعوب العالم واُمم الأرض.

العقيلة (عليها السّلام) أمام الجثمان المقدّس

وانبرت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى جثمان أخيها، وقد رأت - ويا لهول ما رأت - رأت الجثمان المقدّس وقد مزّقته سيوف البغاة ورماحهم، وقد مُثِّل به كأفظع وأقسى ما يكون التمثيل، لقد كان منظراً تلجم منه الألسن، وتجمد منه الدماء، وتهلع منه القلوب.

لقد وقفت العقيلة أمامه بجلال وحشمة وقد أحاط بها الأعداء، فرمقت السماء بطرفها وقالت هذه الكلمات التي ارتسمت مع الفلك ثمّ دارت فيه، وهي تشعّ بروح الإيمان والإخلاص إلى الله تعالى قائلة: اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٢٩١.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٦، وغيره.

٢٧٠

لقد رضيت بما عانته حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من أهوال هذه الكارثة التي تذوب من هولها الجبال؛ لأنّها في ذات الله تعالى الذي هامت في الإنابة إليه.

لقد تجلّت معاني الوراثة النبويّة في سيدة النساء زينب (عليها السّلام)، وبرزت في شخصيتها معالم شخصية جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ووصيّة أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

حرق الخيام

وأوعزت القيادة العامة إلى الجند بحرق خيام آل النبي (صلّى الله عليه وآله)، فحملوا أقبسة من النار وهم ينادون: احرقوا بيوت الظالمين(١) .

لقد كان بيت الإمام (عليه السّلام) - حسب ما يزعمون - بيت الظلم، وبيت ابن مرجانة وسيده يزيد حفيد أبي سفيان بيت العدل! فيالله أمام هذا الظلم الذي لم يقع نظيره في تأريخ الاُمم والشعوب!

وتنصّ بعض المصادر إلى أنّ عمر بن سعد أمر بحرق الخيام بما فيها من النساء والأطفال، وقد حاول الشمر ذلك، إلاّ أنّ شبث بن ربعي عذله ومنعه عن ذلك.

وعلى أيّ حال، فحينما التهبت النار في خيم آل النبي فررن بنات الرسالة وعقائل الوحي من خباء إلى خباء، أمّا اليتامى فقد علا صراخهم وتعلّق بعضهم بأذيال عمّته الحوراء لتحميه من النار، وهام بعضهم على وجهه لا يلوي على شيء.

لقد كان ذلك المنظر من أفجع وأقسى ما مرّ على آل النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولم يغب عن

____________________

(١) التاريخ المظفري / ٢٢٨.

٢٧١

ذهن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) طيلة المدّة التي عاشها بعد أبيه، وكان يذكره مشفوعاً بالأسى والحزن، وهو يقول:«والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلاّ وخنقتني العبرة، وتذكّرت فرارهنَّ يوم الطفّ من خيمة إلى خيمة، ومن خباء إلى خباء، ومنادي القوم ينادي: احرقوا بيوت الظالمين» .

سلب حرائر الوحي

وعمد أراذل أهل الكوفة، وعبيد ابن مرجانة إلى سلب حرائر النبوّة وعقائل الوحي؛ فسلبوا ما عليهنَّ من حلي وحلل، وعمد بعض الأنذال إلى السيدة اُمّ كلثوم فسلب قرطيها، وأسرع وغد خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكي، فقالت له السيدة: ما لك تبكي؟

- كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ولمّا رأت ذلك أنكرت عليه، وطلبت منه أن لا يسلبها، فأجابها: أخاف أن يأخذه غيري(١) .

وعمد الأرجاس إلى نهب جميع ما في الخيام من ثقل ومتاع، كما عمدوا إلى ضرب بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بكعوب رماحهم وهنَّ يلذن بعضهنَّ ببعض من الرعب، وقد سقطت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين مغشياً عليها من شدّة الضرب، فلمّا أفاقت رأت عمّتها السيدة اُمّ كلثوم تبكي عند رأسها(٢) .

إنّ مأساة بنات الوحي وعقائل الرسالة تذوب من هولها الجبال.

____________________

(١) مسير أعلام النبلاء ٣ / ٢٠٤.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٣٠٢.

٢٧٢

إنقاذ العقيلة لزين العابدين (عليه السّلام)

وهجم الفجرة الجفاة على الإمام زين العابدين (عليه السّلام)، وكان مريضاً قد أنهكته العلّة، فأراد الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن قتله، فنهره حميد بن مسلم وقال له: سبحان الله! أتقتل الصبيان؟ إنّما هو مريض.

فلم يعنَ به الخبيث، ورام قتل الإمام (عليه السّلام) إلاّ أنّ العقيلة سارعت نحوه فتعلّقت به، وقالت: لا يُقتل حتّى اُقتل دونه(١) .

فكفّ اللئيم عنه، ولولا السيدة زينب لمُحيت ذرّية أخيها الحسين (عليه السّلام).

ليلة الحادي عشر

وأقسى ليلة مرّت على حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) هي ليلة الحادي عشر من المحرّم؛ فقد أحاطت بها جميع رزايا الدنيا ومصائب الأيام؛ فقد تسلّحت بالصبر وقامت برعاية أيتام أخيها؛ فقد سارعت تلتقط الأطفال الذين هاموا على وجوههم من الخوف، وتجمّع العيال في تلك البيداء الموحشة وهي تسلّيهم وتصبّرهم على تحمل تلك الرزايا، وأمامها الأشلاء الطاهرة قد تناثرت في البيداء، واُحرقت أخبيتها، وقد أحاط بها أرجاس البشرية ووحوش الأرض.

العقيلة تؤدّي صلاة الشكر

وقامت العقيلة في تلك الليلة القاسية فأدّت صلاة الشكر لله تعالى على ما حلّ بها وبأهلها من الكوارث والخطوب، طالبة من الله أن يتقبّل ما مُنيت به من الرزايا، وأن

____________________

(١) تاريخ القرماني / ١٠٨.

٢٧٣

يثيبها على ذلك، ويتقبّل ما جرى عليها وعلى أخيها من المصائب(١) . كما أدّت وردها من صلاة الليل، وقد استولى عليها الضعف فأدّت الصلاة من جلوس(٢) .

العقيلة (عليها السّلام) تندب أخاها

ونظرت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى جثمان أخيها وهو مقطّع الأعضاء قد فُصل عنه الرأس الشريف، فلم تملك نفسها، وصاحت بصوت يُذيب القلوب: يا محمّداه! هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذرّيتك مقتّلة(٣) .

ووجم القوم مبهوتين، وفاضت دموعهم، وبكى العدو والصديق(٤) ؛ فقد استبان عظم الجريمة التي اقترفوها، وودّوا أنّ الأرض قد خاست بهم.

العقيلة (عليها السّلام) تخفّف لوعة زين العابدين (عليه السّلام)

وجزع الإمام زين العابدين (عليه السّلام) كأشدّ ما يكون الجزع حينما رأى جثمان أبيه وجثت أهل بيته وأصحابه منبوذة بالعراء، لم ينبرِ أحد إلى مواراتها، وبصرت به العقيلة وهو يجود بنفسه، فقالت له: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وإخوتي؟ فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المُقطّعة والجسوم

____________________

(١) زينب الكبرى / ٦٢.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٣٠٩.

(٣) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٠، البداية والنهاية ٨ / ١٩٣.

(٤) جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب / ١٤٠.

٢٧٤

المضرّجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يُمحى رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد أثره إلى علوّاً(١) .

وأزالت سيّدة النساء ما ألمّ بابن أخيها من الحزن العميق؛ فقد أحاطته علماً بما سمعته من جدّها وأبيها من قيام جماعة من المؤمنين بمواراة الجثث الطاهرة، وسينصب لها علم لا يُمحى أثره حتّى يرث الله الأرض ومَنْ عليها. وقد جدّ الأقزام من ملوك الاُمويِّين وإخوانهم العباسيّين على محو تلك المراقد العظيمة فلم تزدد إلاّ علوّاً، وبقيت شامخة على الدهر كأعزّ مرقد على وجه الأرض.

لقد مضت ذكرى أبي الأحرار تملأ الدنيا إشراقاً وفخراً كأسمى ذكرى تعتزّ بها الإنسانيّة في جميع أدوارها.

____________________

(١) كامل الزيارات / ٢٢١.

٢٧٥

٢٧٦

سبايا آل البيت (عليهم السّلام) في الكوفة

وحُملت عقائل النبوّة وحرائر الوحي سبايا إلى الكوفة ومعهنَّ الأيتام، وقد ربطوا بالحبال، وحملوا على جمال بغير وطاء، وقد عزفت أبواق الجيش وخفقت راياتهم، وكان منظراً رهيباً تهلع منه القلوب.

وقد وصفه مسلم الجصّاص يقول: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أُجصص الأبواب، وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جميع الكوفة، فقلت لأحد خدام القصر: ما لي أرى الكوفة تضجّ؟

- الساعة يأتون برأس خارجي خرج على يزيد.

- مَنْ هذا الخارجي؟

- الحسين بن عليّ.

وكان هذا النبأ كالصاعقة على رأسه؛ فقد أخذ يلطم على وجهه حتّى خشي على عينيه أن تذهبا، وغسل يديه من الجص وخرج من القصر.

يقول: فبينما أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبل أربعون جملاً تحمل النساء والأطفال، وإذا بعلي بن الحسين على بعير بغير غطاء، وأوداجه تشخب دماً، وهو يبكي ويقول:

يا اُمةَ السوءِ لا سقياً لربعكمُ = يا اُمةً لم تراعِ جدّنا فينا

لو أنّنا ورسول اللهِ يجمعنا = يوم القيامة ما كنتم تقولونا

٢٧٧

تسيّرونا على الأقتابِ عاريةً = كأنّنا لم نشيّد فيكمُ دينا(١)

وتحدّث حذيم بن شريك الأسدي عن ذلك المنظر المؤلم، [حيث] يقول: قدمت إلى الكوفة سنة (٦١هـ) عند مجيء علي بن الحسين من كربلاء إلى الكوفة، ومعه النسوة وقد أحاطت بهم الجنود، وقد خرج الناس ينظرون إليهم، وكانوا على جمال بغير غطاء، فجعلت نساء أهل الكوفة يبكين ويندبن، ورأيت عليّ بن الحسين قد أنهكته العلّة وفي عنقه الجامعة، ويده مغلولة إلى عنقه، وهو يقول بصوت ضعيف:«إنّ هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا، فمَنْ قتلنا؟!» .

وانبرت إحدى السيدات، فسألت إحدى العلويات وقالت لها: من أيّ الأسارى أنتن؟ فأجابتها العلوية: نحن اُسارى أهل البيت.

وكان هذا النبأ كالصاعقة عليها، فصرخت وصرخت اللاتي كنّ معها، ودوّى صراخهن في أرجاء الكوفة، وبادرت المرأة إلى بيتها فجمعت ما فيه من اُزر ومقانع فجعلت تناولها إلى العلويات ليتسترنَ بها عن أعين الناس، كما بادرت سيدة اُخرى فجاءت بطعام وتمر، وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع، ونادت السيدة اُمّ كلثوم من خلف الركب: إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت(٢) .

ولمّا سمعت الصبية التي تربّت بآداب أهل البيت مقالة عمّتهم رمى كلّ واحد ما في يده أو ما في فمه من الطعام، وراح يقول لمَنْ معه: إنّ عمّتي تقول: الصدقة حرام علينا أهل البيت.

____________________

(١) مقتل الحسين (عليه السّلام) - عبد الله نور الله، (مخطوط).

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٣٣٥.

٢٧٨

خطاب العقيلة زينب (عليها السّلام)

وحينما رأت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) زينب الجموع الزاخرة التي ملأت الشوارع والأزقة، وقد أحاطت بها، اندفعت إلى الخطابة لبلورة الرأي العام، وإظهار المصيبة الكبرى التي داهمت العالم الإسلامي بقتل ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتحميل الكوفيّين مسؤولية هذه الجريمة النكراء؛ فهم الذين نقضوا ما عاهدوا الله عليه من نصرة الإمام الحسين (عليه السّلام) والذبّ عنه، ولكنّهم خسروا ذلك، وقتلوه ثمّ راحوا ينوحون ويبكون كأنّهم لم يقترفوا هذا الإثم العظيم.

وهذا نصّ خطابها: الحمد لله، والصلاة على جدّي محمّد وآله الطيّبين الأخيار. أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل(١) والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم. ألا وهل فيكم إلاّ الصلف والنطف، والصدر الشيف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضّة على ملحودة، ألا ساء ما قدّمتم لأنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون!

أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً؛ فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار

____________________

(١) في نسخة: (الغدر).

٢٧٩

حجّتكم، ومدرة سنّتكم؟! ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً! فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم، وأيّ كريمة له أبرزتم، وأيّ دم له سفكتم، وأيّ حرمة له انتهكتم؟! لقد جئتم بها صلعاء عنقاء، سوداء فقماء - وفي بعضها: خرقاء شوهاء - كطلاع الأرض وملء السماء. أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنصرون؟ فلا يستخفنّكم المهل؛ فإنّه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد(١) .

لقد قرعتهم عقيلة الرسول بخطابها البليغ، وعرّفتهم زيف إسلامهم، وكذب دموعهم، وأنّهم من أحطّ المجرمين؛ فقد اقترفوا أفضع جريمة وقعت في الأرض؛ فقد قتلوا المنقذ والمحرّر الذي أراد لهم الخير، وفروا بقتله كبد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وانتهكوا حرمته، وسبوا عياله، فأيّ جريمة أبشع من هذه الجريمة؟!

اضطراب الرأي العام

واضطرب أهل الكوفة من خطاب سليلة النبوّة، ووصف حذيم الأسدي مدى الأثر البالغ الذي أحدثته العقيلة في خطابها، يقول:

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٣٣٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343