السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186549 / تحميل: 8253
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

العزّة والكرامة

من أبرز الصفات النفسيّة الماثلة في شخصية سيدة النساء زينب (عليها السّلام) هي العزّة والكرامة؛ فقد كانت من سيّدات نساء الدنيا في هذه الظاهرة الفذّة، فقد حُملت بعد مقتل أخيها من كربلاء إلى الكوفة سبيّة، ومعها بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد نُهب جميع ما عليهنّ من حُلي وما عندهنّ من أمتعة، وقد أضرّ الجوع بأطفال أهل البيت وعقائلهم، فترفّعت العقيلة أن تطلب من اُولئك الممسوخين - من شرطة ابن مرجانة - شيئاً من الطعام لهم.

ولمّا انتهى موكب السبايا إلى الكوفة، وعلمنَ النساء أنّ السبايا من أهل بيت النبوّة، سارعنَ إلى تقديم الطعام إلى الأطفال الذين ذوت أجسامهم من الجوع، فانبرت السيّدة زينب مخاطبة نساء أهل الكوفة قائلة: الصدقة محرّمة علينا أهل البيت.

ولمّا سمع أطفال أهل البيت (عليهم السّلام) من عمّتهم ذلك ألقوا ما في أيديهم وأفواههم من الطعام، وأخذ بعضهم يقول لبعض: إنّ عمّتنا تقول: الصدقة حرام علينا أهل البيت.

أيّ تربية فذّة تربّى عليها أطفال أهل البيت (عليهم السّلام)! إنّها تربية الأنبياء والصدّيقين التي تسمو بالإنسان فترفعه إلى مستوى رفيع يكون من أفضل خلق الله.

ولمّا سُيّرت سبايا أهل البيت (عليهم السّلام) من الكوفة إلى الشام لم تطلب السيدة زينب طيلة الطريق أيّ شيء من الإسعافات إلى الأطفال والنساء مع شدّة الحاجة إليها؛ فقد أنفت أن تطلب أيّ مساعدة من اُولئك الجفاة الأنذال الذين رافقوا الموكب.

لقد ورثت عقيلة بني هاشم من جدّها وأبيها العزّة والكرامة، والشرف والإباء، فلم تخضع لأيّ أحدٍ مهما قست الأيام وتلبّدت الظروف، إنّها لم تخضع إلاّ إلى الله تعالى.

الشجاعة

ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التأريخ أشجع ولا أربط جأشاً ولا أقوى جناناً من

٦١

الاُسرة النبويّة الكريمة؛ فالإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) عميد العترة الطاهرة كان من أشجع خلق الله، وهو القائل:«لو تضافرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها» .

وقد خاض أعنف المعارك وأشدّها قسوة، فجندل الأبطال وألحق بجيوش الشرك أفدح الخسائر، وقد قام الإسلام عبل الذراع مفتول الساعد بجهاده وجهوده، فهو معجزة الإسلام الكبرى، وكان ولده أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السّلام) مضرب المثل في بسالته وشجاعته؛ فقد حيّر الألباب وأذهل العقول بشجاعته وصلابته وقوّة بأسه.

فقد وقف يوم العاشر من المحرّم موقفاً لم يقفه أيّ أحدٍ من أبطال العالم؛ فإنّه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي تعصف بالحلم والصبر، فكان يزداد انطلاقاً وبشراً كلّما ازداد الموقف بلاءً ومحنةً. فإنّه بعدما صُرعَ أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره - وكان عدده فيما يقول الرواة ثلاثين ألفاً - فحمل عليهم وحده، وقد طارت أفئدتهم من الخوف والرعب، فانهزموا أمامه كالمعزى إذا شدّ عليها الذئب - على حدّ تعبير بعض الرواة - وبقي صامداً كالجبل يتلقى الطعنات والسهام من كلّ جانب، لم يوهن له ركن ولم تضعف له عزيمة.

يقول العلوي السيّد حيدر:

فتلقّى الجموعَ فرداً = ولكن كلُّ عضو في الروعِ منهُ جموعُ

رمحهُ من بنانهِ و كأنّ من = عزمهِ حدُّ سيفهِ مطبوعُ

زوّج السيفَ بالنفوسِ و لكن = مهرُها الموت والخضابُ النجيعُ

ولمّا سقط (سلام الله عليه) على الأرض جريحاً قد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش الاُموي من الإجهاز عليه؛ خوفاً ورعباً منه. يقول السيد حيدر:

عفيراً متى عاينتهُ الكماة = يختطف الرعبُ ألوانَها

فما أجلت الحربُ عن مثلهِ = صريعاً يجبّنُ شجعانَها

٦٢

وتمثّلت هذه البطولة العلوية بجميع صورها وألوانها عند حفيدة الرسول وعقيلة بني هاشم السيدة زينب (سلام الله عليها)؛ فإنّها لمّا مثلت أمام الإرهابي المجرم سليل الأدعياء ابن مرجانة احتقرته واستهانت به، فاندفع الأثيم يظهر الشماتة بلسانه الألكن قائلاً: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وكذّب اُحدوثتكم.

فانبرت حفيدة الرسول بشجاعة وصلابة قائلة: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه، وطهّرنا من الرجس تطهيراً، إنّما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر، وهو غيرنا يابن مرجانة...(١) .

لقد قالت هذا القول الصارم الذي هو أمض من السلاح، وهي والمخدّرات من آل محمّد في قيد الأسر، وقد رفعت فوق رؤوسهنَّ رؤوس حماتهنَّ، وشهرت عليهنَّ سيوف الملحدين. لقد أنزلت العقيلة - بهذه الكلمات - الطاغية من عرشه إلى قبره، وعرّفته أمام خدمه وعبيده أنّه المفتضح والمنهزم، وأنّ أخاها هو المنتصر.

ولم يجد ابن مرجانة كلاماً يقوله سوى التشفّي بقتل عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قائلاً: كيف رأيت صنع الله بأخيك(٢) ؟

وانطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة وصمود، فأجابت بكلمات الظفر والنصر لها ولأخيها قائلة: ما رأيت إلاّ جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتُحاجّ وتُخاصم، فانظر لمَنْ الفلج يومئذ، ثكلتك أُمّك يابن مرجانة!

أرأيتم هذا التبكيت الموجع؟ أرأيتم هذه الشجاعة العلوية؟ فقد سجّلت

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٣.

(٢) زينب الكبرى / ٦١.

٦٣

حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بموقفها وكلماتها فخراً للإسلام وعزّاً للمسلمين، ومجداً خالداً للاُسرة النبويّة.

أمّا موقفها في بلاط يزيد، وموقفها مع الشامي وخطابها الثوري الخالد فقد هزّ العرش الاُموي، وكشف الواقع الجاهلي ليزيد ومن مكّنه من رقاب المسلمين، وسنعرض لخطابها وسائر مواقفها المشرّفة في البحوث الآتية.

الزهد في الدنيا

ومن عناصر سيّدة النساء زينب (عليها السّلام) الزهد في الدنيا؛ فقد بذلت جميع زينتها ومباهجها مقتدية بأبيها الذي طلّق الدنيا ثلاثاً لا رجعة له فيها، ومقتدية باُمّها سيّدة نساء العالمين، زهراء الرسول.

فقد كانت - فيما رواه المؤرّخون - لا تملك في دارها سوى حصير من سعف النخل، وجلد شاة، وكانت تلبس الكساء من صوف الإبل، وتطحن بيدها الشعير، إلى غير ذلك من صنوف الزهد والإعراض عن الدنيا. وقد تأثّرت عقيلة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بهذه الروح الكريمة فزهدت في جميع مظاهر الدنيا، وكان من زهدها أنّها ما ادّخرت شيئاً من يومها لغدها حسب ما رواه عنها الإمام زين العابدين (عليه السّلام)(١) .

وقد طلقت الدنيا وزهدت فيها وذلك بمصاحبتها لأخيها أبي الأحرار؛ فقد علمت أنّه سيستشهد في كربلاء، أخبرها بذلك أبوها، فصحبته وتركت زوجها الذي كان يرفل بيته بالنعيم ومتع الحياة، رفضت ذلك كلّه وآثرت القيام مع أخيها لنصرة الإسلام والذبّ عن مبادئه وقيمه، وهي على علم بما تشاهده من مصرع أخيها، وما يجري عليها بالذّات من الأسر والذلّ.

لقد قدّمت على ذلك خدمة لدين الله تعالى.

____________________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٣١٩، وقريب منه رواه الحاكم في مستدركه ٣ / ١٤٩، وابن الأثير في اُسد الغابة ٥ / ٥٢٣، والخطيب في تأريخ بغداد ٧ / ٣٦، وغيرهم.

٦٤

أحداث مروّعة(*)

وقطعت عقيلة بني هاشم شوطاً من حياة الصبا في كنف جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وفي ذرى عطفه، وهي ناعمة البال قريرة العين، يتلقّاها بمزيدٍ من الحفاوة والتكريم، وترى أبويها وقد غمرتهما المودّة والاُلفة والتعاون، فكانت حياتهما أسمى مثل للحياة الزوجية في الإسلام.

وقد نشأت في ذلك البيت الذي سادت فيه تلاوة كتاب الله العزيز، وآداب الإسلام وأحكامه وتعاليمه؛ فكان مركزاً للتقوى ومعهداً لمعارف الإسلام. كما شاهدت الانتصارات الرائعة التي أحرزها الإسلام في الميادين العسكرية، واندحار القبائل القرشية التي ناهضت الإسلام وناجزته بجميع ما تملك من قوّة؛ فقد اندحرت وأذلّها الله؛ فقد فتحت مكة وطُهّر بيتها الحرام من الأصنام والأوثان التي كانت تُعبد من دون الله تعالى.

ولعلّ من أهمّ ما شاهدته العقيلة في أدوار طفولتها هو احتفاء جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) بأبيها واُمّها وأخويها؛ فقد كانوا موضع اهتمامه وعنايته.وقد أثرت عنه كوكبة من الروايات أجمع المسلمون على صحتها، وهذه بعضها:

١ - روى زيد بن أرقم: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام):«أنا حربٌ لمَنْ حاربتم، وسلم لمَنْ سالمتم» (١) .

____________________

(*) يبدو أنّ هذا العنوان قد وقع هنا سهواً من قِبل المؤلِّف أو الناسخ؛ إذ لا توجد بينه وبين الموضوع الذي تصدّره أيّةُ علاقة؛ اللهمَّ إلاّ إذا قلنا بشموليّته للعنوان وموضوعه الذي يأتي في أواخر الصفحة (٦٧) وإن كان هذا بعيداً عنه.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

(١) مسند أحمد ١ / ٧٧، صحيح الترمذي ٢ / ٣٠١، تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٣٠، وجاء فيه أنّ نصر بن عليّ حدّث بهذا الحديث، فأمر المتوكّل بضربه ألف سوط، فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول له: إنّه من أهل السنّة. فلم يزل يترجّاه حتّى تركه.

٦٥

٢ - روى أحمد بن حنبل بسنده: أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أخذ بيد الحسن والحسين، وقال:«مَنْ أحبّني وأحبّ هذين وأباهما واُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة» (١) .

٣ - روى أبو بكر قال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خيّم خيمة، وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال:«معاشر المسلمين، أنا سلم لمَنْ سالم أهل الخيمة، وحرب لمَنْ حاربهم، ووليّ لمَنْ والاهم، لا يحبّهم إلاّ سعيد الجدّ، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجدّ، ردئ الولادة» (٢) .

٤ - روى ابن عباس أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال:«النجوم أمانٌ لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» (٣) .

٥ - روى زيد بن أرقم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال:«إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (٤) .

٦ - روى أبو سعيد الخدري، قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول:«إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح؛ مَن ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق. وإنّما مثل أهل بيتي

____________________

(١) الرياض النضرة ٢ / ٢٥٢.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ١٤٩، كنز العمال ٦ / ١١٦، الصواعق المحرقة / ١١١. نصّ الحديث:((النجوم أمان لأهل الأرض، وأهل بيتي أمان لاُمّتي)) .

(٣) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٨، اُسد الغابة ٢ / ١٢، وما يقرب من هذا الحديث روي في كنز العمّال ١ / ٤٨، مجمع الهيثمي ٩ / ١٦٣.

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨، مستدرك الحاكم ٢ / ٤٣، تأريخ بغداد ٢ / ١٩، ذخائر العقبى / ٢٠.

٦٦

فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل؛ مَن دخله غفر له» (١) .

٧ - روى أبو برزة، قال: صلّيت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبعة أشهر، فإذا خرج من بيته، أتى باب فاطمة (عليها السّلام)، فقال:«السلام عليكم، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) » (٢) .

رأت العقيلة هذا الاحتفاء البالغ من جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) لأبيها واُمّها وأخويها، ووعت الغاية من صنوف هذا التكريم والتعظيم، وأنّه ليس مجرّد عاطفة وولاء لهذه الاُسرة الكريمة، وإنّما هو للإشادة بما تتمتّع به من الصفات الفاضلة، والقابليات الفذّة التي ترشّحهم لقيادة الاُمّة، وتطويرها فكرياً واجتماعياً.

وأنّه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تحتلّ اُمّته مركزاً كريماً تحت الشمس، وتكون رائدة لاُمم العالم وشعوب الأرض إلاّ بقيادة السادة من عترته الذين وعوا الإسلام، والتزموا بحرفية الرسول (صلّى الله عليه وآله).

خطوب مروّعة

ولم تدم الحالة الهانئة للاُسرة النبويّة، فقد دهمتهم كارثة مروّعة؛ فقد بدت على الرسول (صلّى الله عليه وآله) طلائع الرحيل عن هذه الدنيا تلوح أمامه، فكان القرآن الكريم قد نزل عليه مرتين، فاستشعر بدنوّ الأجل المحتوم منه(٣) ، وأخبر بضعته الزهراء (عليها السّلام)، فقال لها:

____________________

(١) ذخائر العقبى / ٢٤، روى أنس بن مالك: أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يمرّ ببيت فاطمة ستّة أشهر إذا خرج إلى الفجر، ويقول:((الصلاة يا أهل البيت)) ، ويتلو الآية الكريمة. جاء ذلك في مجمع الزوائد ٩ / ١٦٩، أنساب الأشراف ١ / ١٥٧، القسم الأوّل.

(٢) الخصائص الكبرى ٢ / ٣٦٨.

(٣) تأريخ ابن كثير ٥ / ٢٢٣.

٦٧

«إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة، وأنّه عارضني بهذا العام مرّتين، وما أرى ذلك إلاّ اقتراب أجلي» (١) .

وتقطّع قلب زهراء الرسول ألماً وحزناً، وشاعت الكآبة والحزن عند أهل البيت وذوت عقيلة بني هاشم من هذا النبأ المريع، وطافت بها وهي في فجر الصبا تيارات من الأسى.

ونزلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) سورة النصر، فكان يسكت بين التكبير والقراءة، ويقول:«سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه» .

وذهل المسلمون، وفزعوا إليه يسألونه عن هذه الحالة الراهنة، فأجابهم:«إنّ نفسي قد نُعيت إليّ» (٢) .

وكادت نفوس المسلمين أن تزهق من هذا النبأ المريع؛ فقد وقع عليهم كالصاعقة، فلا يدرون ماذا سيجري عليهم لو خلت الدنيا من منقذهم ومعلّمهم وقائدهم.

رؤيا العقيلة

ورأت العقيلة في منامها رؤياً أفزعتها وأذهلتها، فأسرعت إلى جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) تقصّها عليه، ولمّا مثلت عنده أجلسها في حجره، وجعله يوسعها تقبيلاً، فقالت له: يا جدّاه، رأيت رؤياً البارحة.

-«قصّيها عليّ» .

- رأيت ريحاً عاصفاً اسودّت الدنيا منها وأظلمت، ففزعتُ إلى شجرة عظيمة فتعلّقت بها من شدّة العاصفة، فقلعتها الرياح وألقتها على الأرض، فتعلّقت بغصنٍ

____________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ١ / ١٦٧.

(٢) زينب الكبرى / ١٩.

٦٨

قويّ من تلك الشجرة فقطعتها الرياح، فتعلّقت بفرع آخر فكسرته الرياح أيضاً، وسارعت فتعلّقت بأحد فرعين من فروعها فكسرته العاصفة أيضاً، ثمّ استيقظت من نومي.

فأجهش النبي (صلّى الله عليه وآله) بالبكاء، وفسّر لها رؤياها قائلاً:«أمّا الشجرة فجدّك، وأمّا الفرع الأوّل فاُمّك، والثاني أبوك عليّ، والفرعان الآخران هما أخواك الحسنان، تسودّ الدنيا لفقدهم، وتلبسين لباس الحداد في رزيتهم» (١) .

وساد الحزن والأسى في البيت النبوي، وصدقت رؤيا العقيلة، فلم تمض أيام حتّى رُزئت بجدّها واُمّها، وتتابعت عليها بعد ذلك الرزايا، فقد استشهد أبوها وأخواها، ولبست عليهم لباس الحزن والحداد.

حجة الوداع

ولمّا علم النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّ لقاءه بربّه قريب، رأى أن يحجّ إلى بيت الله الحرام ليلتقي بالمسلمين ويضع لهم الخطوط السليمة لنجاتهم، ويقيم فيهم القادة والمراجع الذين يقيمون فيهم الحقّ والعدل.

وحجّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لهذا الغرض، وهي حجّته الأخيرة الشهيرة بـ (حجّة الوداع)، وقد أشاع بين حجّاج بيت الله أنّ التقاءه بهم في هذا العام هو آخر التقاء بهم، وأنّه سيسافر إلى الفردوس الأعلى، وجعل يطوف بين الجماهير ويعرّفهم سبل النجاة، ويرشدهم إلى ولاة اُمورهم من بعده قائلاً:«أيّها الناس، إنّي تركت فيكم الثقلين؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» (٢) .

____________________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩١ - ٩٢.

٦٩

ثمّ وقف النبي (صلّى الله عليه وآله) عند بئر زمزم، وخطب خطاباً رائعاً وحافلاً بما تحتاج إليه الاُمّة في مجالاتها الاجتماعية والسياسيّة، وقال فيما يخصّ القيادة الروحية والزمنية للاُمّة:«إنّي خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلّغت» .

فانبرت الجماهير بصوتٍ واحدٍ قائلين: اللهمّ نعم(١) .

لقد عيّن الرسول (صلّى الله عليه وآله) القيادة العامّة لاُمّته، وجعلها مختصة بأهل بيته؛ فهم ورثة علومه، وخزنة حكمته الذين يعنون بالإصلاح الاجتماعي، ويؤثرن مصلحة الاُمّة على كلّ شيء.

مؤتمر غدير خم

وقفل النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد أداء مراسيم الحج إلى يثرب، وحينما انتهى موكبه إلى (غدير خم) نزل عليه الوحي برسالةٍ من السماء أن ينصب الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) خليفةً من بعده، ومرجعاً عاماً للاُمّة. لقد نزل عليه الوحي بهذه الآية:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٢) .

ففي هذه الآية إنذار خطير إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ إذ إنّه إن لم يقم بهذه المهمة فما بلّغ رسالة ربّه، وضاعت جميع جهوده وأتعابه في سبيل هذا الدين. فانبرى (صلّى الله عليه وآله) فحطّ أعباء المسير، ووضع رحله في رمضاء الهجير، وأمر قوافل الحجّ أن تفعل مثل ذلك، وكان الوقت قاسياً في حرارته، فكان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه

____________________

(١) الغدير ٢ / ٣٤.

(٢) سورة المائدة / ٦٧. نصّ على نزول هذه الآية في يوم الغدير الواحدي في أسباب النزول، والرازي في تفسيره، وغيرهما.

٧٠

ليتّقي به حرارة الأرض، وقام النبي (صلّى الله عليه وآله) فصلّى بالناس، وبعد أداء فريضة الصلاة أمر بأن يوضع له منبر من حدائج الإبل، فصُنع له ذلك فاعتلى عليه، واتّجهت الجماهير بعواطفها وقلوبها نحو النبي (صلّى الله عليه وآله)، فخطب خطاباً مهمّاً أعلن فيه ما لاقه من عناء شاق في سبيل هدايتهم، وتحرير إرادتهم، وإنقاذهم من خرافات الجاهليّة وعاداتها.

ثم ذكر طائفة من أحكام الإسلام وتعاليمه، وألزمهم بتطبيقها على واقع حياتهم، ثمّ التفت إليهم فقال:«انظروا كيف تخلفوني في الثقلين» .

فناداه منادٍ من القوم: ما الثقلان يا رسول الله؟

فأجابه:«الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر: عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا» .

ثمّ أخذ بيد وصيّه وباب مدينة علمه وناصر دعوته الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليفرض ولايته على جميع المسلمين، فرفعها حتّى بان بياض إبطيهما، ونظر إليهما القوم، ورفع النبي (صلّى الله عليه وآله) صوته قائلاً:«أيّها الناس، مَنْ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» . فانبرت قوافل الحجّاج رافعة عقيرتها: الله ورسوله أعلم.

ووضع النبي (صلّى الله عليه وآله) القاعدة الأصلية التي تصون المسلمين من الانحراف قائلاً:«إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه» .

٧١

وكرّر هذا القول ثلاث مرّات أو أربع، ثمّ قال:«اللّهمّ وال مَنْ والاه، وعاد مَنْ عاداه، وأحبّ مَنْ أحبّه، وأبغض مَنْ أبغضه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار. ألا فليبلغ الشاهد الغائب» .

لقد أدّى النبي (صلّى الله عليه وآله) رسالة ربّه؛ فنصب الإمام أمير المؤمنين خليفةً من بعده، وقلّده منصب الإمامة والمرجعية العامة، وأقبل المسلمون يهرعون صوب الإمام وهم يبايعونه بالخلافة، ويهنئونه بإمرة المسلمين وقيادتهم، وأمر النبيّ اُمّهات المؤمنين أن يهنئنَ الإمام بهذا المنصب العظيم ففعلنَ، وأقبل عمر بن الخطاب نحو الإمام فصافحه وهنّأه، وقال له: هنيئاً يابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة(١) .

وفي ذلك اليوم الخالد نزلت الآية الكريمة:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً ) (٢) .

قد تمّت نعمة الله الكبرى على المسلمين بولاية بطل الإسلام ورائد العدالة الاجتماعية في الأرض الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وقد خطا النبي (صلّى الله عليه وآله) الخطوة الأخيرة في أداء رسالته، فصان اُمّته من الزيغ والانحراف؛ فنصب لها القائد والموجّه، ولم يتركها فوضى - كما يزعمون - تتلاعب بها الفتن والأهواء، وتتقاذفها أمواج من الضلال.

إنّ وثيقة الغدير من أروع الأدلّة وأوثقها على اختصاص الخلافة والإمامة بباب مدينة علم النبي الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وهي جزء من رسالة الإسلام وبند من أهم بنوده؛ لأنّها تبنّت القضايا المصيرية للعالم الإسلامي على امتداد التأريخ.

____________________

(١) مسند أحمد ٤ / ٢٨١.

(٢) سورة المائدة / ٣. نصّ على نزول هذه الآية في يوم الغدير الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٨ / ٢٩، السيوطي في الدر المنثور، وغيرهما من أعلام أهل السنّة.

٧٢

لقد وعت سيّدة النساء زينب (عليها السّلام) وهي في فجر الصبا هذه البيعة لأبيها، وأنّ جدّها قد قلّده بهذا المنصب الخطير لسلامة الاُمّة وتطورها، والبلوغ بها إلى أعلى المستويات من التقدّم، والقيادة العامة لشعوب العالم واُمم الأرض، ولكنّ القوم قد سلبوا أباها هذا المنصب، وجعلوه في معزل عن الحياة الاجتماعية والسياسيّة، وقد أخلدوا بذلك للاُمّة المحن والخطوب، وتجرّعت حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله) بالذّات أهوالاً من المصائب والكوارث كانت ناجمة - من دون شك - عن هذه المؤامرة التي حيكت ضدّ أبيها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

مرض النبي (صلّى الله عليه وآله)

ولمّا قفل النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد حجة الوداع راجعاً إلى يثرب بدأت صحّته تنهار يوماً بعد يوم، فقد ألمّ به المرض، وأصابته حمّى مبرحة حتّى كأنّ به لهباً منها، وكانت عليه قطيفة فإذا وضع أزواجه وعوّاده عليها أيديهم شعروا بحرّها(١) .

وقد وضعوا إلى جواره إناءً فيه ماء بارد، فكان يضع يده فيه ويمسح به وجهه الشريف، وكان (صلّى الله عليه وآله) يقول:«ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلته بـ (خيبر)، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم» (٢) ؛ فقد قدّمت له امرأة يهودية في خيبر ذلك الطعام الذي سمّته فأثّر فيه.

ولمّا اُشيع مرض النبي (صلّى الله عليه وآله) هرع المسلمون إلى عيادته، وقد خيّم عليهم الأسى والذهول، فنعى (صلّى الله عليه وآله) إليهم نفسه، وأوصاهم بما يسعدون ويفلحون به قائلاً:«أيّها الناس، يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقدّمت إليكم القول

____________________

(١) البداية والنهاية ٥ / ٢٢٦.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ٢٠٢.

٧٣

معذرة إليكم، ألا إنّي مخلّفٌ فيكم كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي» .

ثمّ أخذ بيد وصيّه وخليفته الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فقال لهم:«هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض» (١) .

لقد قرّر النبي (صلّى الله عليه وآله) أهم القضايا المصيرية لاُمّته، فعيّن لها القائد العظيم الذي يحقّق لها جميع أهدافها وما تصبو إليه في حياتها.

سرية اُسامة

ورأى النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو في المرحلة الأخيرة من حياته التيارات الحزبية التي صمّمت على إقصاء عترته عن قيادة الاُمّة، فرأى أنّ خير وسيلة يتدارك بها الموقف أن يزجّ بجميع أصحابه في بعثة عسكرية، حتّى إذا وافاه الأجل المحتوم تكون عاصمته خالية من العناصر المضادّة لوليّ عهده؛ فأسند قيادة البعثة إلى اُسامة بن زيد، وهو شاب في مقتبل العمر، وكان من بين الجنود أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة الجراح وبشير بن سعد(٢) .

وقال النبي (صلّى الله عليه وآله) لاُسامة:«سِر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل؛ فقد ولّيتك هذا الجيش، فاغزُ صباحاً على أهل أبنى (٣) ، وحرّق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن أظفرك الله عليهم فاقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدّم العيون والطلائع معك» .

ومُني الجيش بالتمرّد وعدم الطاعة، فلم يلتحق أعلام الصحابة بوحداتهم

____________________

(١) الصواعق المحرقة / ١٢٤.

(٢) كنز العمّال ٥ / ٣١٢، طبقات ابن سعد ٤ / ٤٦، تأريخ الخميس ٢ / ٤٦.

(٣) ابنى: ناحية بالبلقاء من أرض سوريا، بين عسقلان والرملة، تقع بالقرب من مؤتة، وهي التي استشهد فيها زيد بن حارثة وجعفر الطيّار.

٧٤

العسكرية، ولمّا علم النبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك تألّم، فخرج مع ما به من المرض، فحثّ الجند على المسير، وعقد بنفسه اللواء لاُسامة، وقال له:«اغزُ بسم الله، وفي سبيل الله، وقاتل مَنْ كفر بالله» .

فخرج اُسامة بلوائه معقوداً ودفعه إلى بريده، وعسكر بـ (الجرف)، وتثاقل جمع من الصحابة عن الالتحاق بالمعسكر، وأظهروا الطعن والاستخفاف باُسامة القائد العام للجيش.

يقول له عمر: مات رسول الله وأنت عليَّ أمير؟!

وانتهت كلماته إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقد أخذت منه الحمّى مأخذاً عظيماً، فخرج وهو معصّب الرأس قد برح به المرض، فصعد المنبر والتأثّر بادٍ عليه، فقال:«أيّها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اُسامة، ولئن طعنتم في تأميري اُسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله. وأيم الله، إنّه كان خليقاً بالإمارة، وإنّ ابنه من بعده لخليقٌ بها» .

ثمّ نزل عن المنبر ودخل بيته والتأثّر بادٍ عليه(١) ، وجعل يوصي أصحابه بالالتحاق بالجيش قائلاً:«جهّزوا جيش اُسامة، نفّذوا جيش اُسامة، لعن الله مَنْ تخلّف عن جيش اُسامة» .

ولم ترهف عزائم القوم هذه الأوامر المشدّدة؛ فقد تثاقلوا عن الالتحاق بالجيش، واعتذروا للرسول بشتّى المعاذير، وهو (صلّى الله عليه وآله) لم يمنحهم العذر، وإنّما أظهر لهم السخط وعدم الرضا؛ فقد استبانت له بصورة جلية نيّاتهم وتآمرهم، كما عرفوا قصده بهذا الاهتمام البالغ من إخراجهم من يثرب.

____________________

(١) السيرة الحلبية ٣ / ٣٤.

٧٥

رزية يوم الخميس

وأحاط النبي (صلّى الله عليه وآله) علماً بالتحرّكات السياسيّة من بعض أصحابه، وأنّهم عازمون ومصرّون على صرف الخلافة عن أهل بيته، وإفساد ما أعلنه غير مرّة من أنّ عترته الأزكياء هم ولاة أمر المسلمين من بعده، فرأى (صلّى الله عليه وآله) أن يحكم الأمر ويحمي اُمّته من الفتن والزيغ، فقال لمَنْ حضر في مجلسه:«ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» (١) .

حقّاً إنّها فرصة من أثمن الفرص وأندرها في تأريخ الإسلام، إنّه التزام واضح وصريح من سيّد الكائنات أنّ اُمّته لا تُصاب بنكسة وانحراف بعد هذا الكتاب.

ما أعظم هذه النعمة على المسلمين، إنّه ضمان من سيد الأنبياء أن لا تضلّ اُمّته في مسيرتها وتهتدي إلى سواء السبيل في جميع مراحل تأريخها، واستبان لبعض القوم ماذا يكتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إنّه سينصّ على خلافة عليّ من بعده، ويعزّز بيعة يوم الغدير، وتضيع بذلك أطماعهم ومصالحهم، فردّ عليه أحدهم قائلاً بعنف: حسبنا كتاب الله.

ولو كان هذا القائل يحتمل أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) يوصي بحماية الثغور، أو بالمحافظة على الشؤون الدينية ما ردّ عليه بهذه الجرأة، ولكنّه علم قصده أنّه سيوصي بأهل بيته وينصّ على خلافة عليّ من بعده.

وكثر الخلاف بين القوم؛ فطائفة حاولت تنفيذ ما أمر به النبي (صلّى الله عليه وآله)، وطائفة اُخرى أصرّت على معارضتها والحيلولة بين ما أراده النبي (صلّى الله عليه وآله). وانطلقت بعض السيّدات فأنكرن على القوم هذا الموقف المتّسم بالجرأة على النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو في الساعات الأخيرة من حياته، فقلن لهم: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!

فثار عمر وصاح فيهنّ؛ خوفاً أن يفلت الأمر منه ومن حزبه، فقال للسيدات:

____________________

(١) الرواية أخرجها البخاري ومسلم، والطبراني في الأوسط، وغيرهم.

٧٦

إنكنّ صويحبات يوسف؛ إذا مرض عصرتنَّ أعينكنَّ، وإذا صح ركبتنَّ عنقه.

فنظر إليه النبي (صلّى الله عليه وآله) بغضبٍ وغيظٍ، وقال له:«دعوهنّ فإنّهنّ خير منكم» .

وبدا صراع رهيب بين القوم، وكادت أن تفوز الجهة التي أرادت تنفيذ أمر النبي (صلّى الله عليه وآله)، فانبرى أحدهم فأفشل ما أراده النبي (صلّى الله عليه وآله)، وحال بينه وبين ما أراد من إسعاد اُمّته، فقال - ويا لهول ما قال -: إنّ النبيّ ليهجر(١) .

ألم يسمع هذا القائل كلام الله تعالى الذي يُتلى في آناء الليل وأطراف النهار وهو يعلن تكامل النبي في جميع مراحل حياته؛ فقد زكّاه وعصمه من الهجر وغيره من ألوان الزيغ والانحراف، وإنّه أسمى شخصية في تكامله وسموّ ذاته، قال تعالى:( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٢) ، وقال تعالى:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) (٣) .

إنّ القوم لم يخامرهم أدنى شك في عصمة النبي وتكامل ذاته، ولكن حبّ الدنيا والتهالك على السلطة دفهم للجرأة على النبي (صلّى الله عليه وآله)، ومقابلتهم له بمرّ القول والطعن بشخصيته.

وكان ابن عباس إذا ذكر هذا الحادث الرهيب يبكي حتّى تسيل دموعه على خديه كأنّها نظام اللؤلؤ، وهو يصعد آهاته ويقول: يوم الخميس! وما يوم الخميس! قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«ائتوني بالكتف

____________________

(١) نصّ على هذه الحادثة المؤلمة جميع الرواة والمؤرّخين في الإسلام، ذكرها: البخاري في صحيحه عدّة مرّات، إلاّ أنّه كتم اسم قائلها، وفي نهاية غريب الحديث، وشرح النهج ٣ / ١١٤ (صُرّح باسم القائل).

(٢) سورة النجم / ٢ - ٥.

(٣) سورة التكوير / ١٩ - ٢٢.

٧٧

والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» . فقالوا: إنّ رسول الله يهجر(١) .

حقّاً إنّها رزية الإسلام الكبرى؛ فقد حيل بين المسلمين وسعادتهم ونجاتهم من الزيغ والضلال.

لقد وعت السيّدة زينب هذا الحادث الخطير، ووقفت على أهداف القوم من إبعاد أبيها عن المركز الذي نصبه جدّها فيه، فقد جرّ هذا الحادث وغيره ممّا صدر من القوى المعارضة لأهل البيت الكوارث والخطوب لهم، وما كارثة كربلاء إلاّ من نتائج هذه الأحداث.

لوعة الزهراء (سلام الله عليها)

ونخب الحزن قلب بضعة الرسول، وبرح بها الألم القاسي، وذهبت نفسها شعاعاً حينما علمت أنّ أباها مفارق لهذه الحياة؛ فقد جلست إلى جانبه وهي مذهولة كأنّها تعاني آلام الاحتضار، وسمعته يقول:«واكرباه!» .

فأسرعت وهي تجهش بالبكاء قائلة:«وا كربي لكربك يا أبتي!» .

وأشفق الرسول (صلّى الله عليه وآله) على بضعته، فقال لها مسلّياً:«لا كرب على أبيك بعد اليوم» (٢) .

وهامت زهراء الرسول في تيّارات مروعة من الأسى والحزن، فقد أيقنت أنّ أباها سيفارقها، وأراد النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يسلّيها ويخفّف لوعة مصابها، فأسرّ إليها بحديثٍ، فلم تملك نفسها أن غامت عيناها بالدموع، ثم أسرّ إليها ثانياً، فقابلته

____________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣٥٥، وغيره.

(٢) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ١١٢.

٧٨

ببسمات فيّاضة بالبشر والسرور، فعجبت عائشة من ذلك، وراحت تقول: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن.

وأسرعت عائشة فسألت زهراء الرسول عما أسرّ إليها أبوها، فأشاحت بوجهها الكريم عنها، وأبت أن تخبرها، ولكنّها أخبرت بعض السيّدات بذلك، فقالت:«أخبرني أنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة، وأنّه عارضني في هذا العام به مرّتين، ولا أراه إلاّ قد حضر أجلي» .

وكان هذا هو السبب في لوعتها وبكائها، أمّا سبب سرورها وابتهاجها، فقالت:«أخبرني أنّكِ أوّل أهل بيتي لحوقاً بي، ونِعمَ السلف أنا لك، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الاُمّة؟» (١) .

ونظر إليها النبي (صلّى الله عليه وآله) وهي خائرة القوى، منهدّة الركن، فأخذ يخفّف عنها لوعة المصاب قائلاً:«يا بُنيّة، لا تبكي، وإذا متّ فقولي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون؛ فإنّ فيها من كلّ ميّت معوضة» .

وأجهشت بضعة الرسول بالبكاء قائلةً:«ومنك يا رسول الله؟» .

«نعم، ومنّي» (٢) .

واشتدّ المرض برسول الله (صلّى الله عليه وآله) والزهراء إلى جانبه، وهي تبكي وتقول لأبيها:«يا أبت، أنت كما قال القائل فيك:

____________________

(١) المصدر السابق / ١١٣.

(٢) أنساب الأشراف ١ / ١٣٣، القسم الأوّل.

٧٩

وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه = ثمال اليتامى عصمة للأراملِ))

فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«هذا قول عمّك أبي طالب» . وتلا قوله تعالى:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) .

وتقطّع قلب زهراء الرسول ألماً وحزناً على أبيها، فانكبّت عليه ومعها الحسنان، فألصقت صدرها بصدره وهي غارقة في البكاء، فأجهش النبي (صلّى الله عليه وآله) بالبكاء، وهو يقول:«اللّهمّ أهل بيتي، وأنا مستودعهم كلّ مؤمن» .

وجعل يردّد ذلك ثلاث مرّات حسبما يرويه أنس بن مالك(٢) .

أمّا حفيدة الرسول زينب فقد شاركت اُمّها في لوعتها وأحزانها، وقد ذابت نفسها حزناً وموجدة على اُمّها التي هامت في تيّارات مذهلة من الأسى والشجون على أبيها الذي هو عندها أعزّ من الحياة.

إلى الفردوس الأعلى

وبعدما أدّى النبي العظيم رسالة ربّه إلى المسلمين، وأقام صروح الإسلام، وعيّن القائد العام لاُمّته الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فقد اختاره الله تعالى إلى جواره لينعم في الفردوس الأعلى، فقد هبط عليه ملك الموت، فاستأذن بالدخول عليه، فخرجت إليه زهراء الرسول فأخبرته أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مشغول بنفسه عنه، فانصرف ثمّ عاد بعد قليل يطلب الإذن، فأفاق النبي (صلّى الله عليه وآله) من إغمائه، والتفت إلى بضعته فقال لها:«يا بُنية، أتعرفينه؟» .

____________________

(١) أنساب الأشراف ١ / ١٣٣، القسم الأوّل.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ٢١٦.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

والعلامة(١) .

وقال الشيخ في النهاية: يزاحم الزوج من اسلم منهم(٢) وليس بمعتمد.

ولو قلنا بالرد على الزوجة مطلقا كانت كالزوج لا يقاسمها من اسلم بعد الموت، لعدم تصور القسمة.

وتحقيق البحث هنا ان نقول: لا شك ان مسمى الزوج النصف والزوجة الربع مع عدم الولد، ومعه نصف التقديرين.

ولو لم يكن وارث سوى الزوج أو الزوجة، فهل يرد الفاضل على احدهما ام لا؟ فهنا قسمان: (الاول) الزوج: والمشهور الذي عليه الجمهور من الاصحاب رد النصف الباقي عليه دون الامام، حتى ادعى الثلاثة عليه الاجماع(٣) (٤) (٥) .

ورواه الشيخ (في الصحيح) عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فدعا بالجامعة فنظر فيها فاذا امرأة ماتت وتركت زوجها، لا وارث لها غيره، المال كله له(٦) .

____________________

(١)التحرير: ج ٢ كتاب المواريث (المقصد الرابع في موانع الارث) ص ١٧١ س ٢٦ قال: ولو كان الوارث زوجا او زوجة إلى قوله: ويحتمل المشاركة مع الزوجة دون الزوج الخ.

(٢)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٤ س ١٤ قال: فان أسلموا رد عليهم ما يفضل من سهم الزوج.

(٣)الانتصار (المسائل المشتركة في الارث) ص ٣٠٠ س ١٦ قال: ومما انفردت به الامامية ان الزوج يرث المال كله إلى قوله: والحجة لنا في ذلك اجماع الطائفة عليه.

(٤)المبسوط: ج ٤ (فصل في ذكر سهام المواريث) ص ٧٤ س ١١ قال: ان الزوج وحده يرد عليه الباقي، لاجماع الفرقة عليه.

(٥)عدة رسائل (ط ايران مكتبة المفيد) رسالة الاعلام فيما اتفقت عليه الامامية من الاحكام (ميراث الازواج) ص ٣٣٦ س ٨ قال: واتفقت الامامية في المرأة اذا توفيت إلى قوله: ان المال كله للزوج، النصف بالتسمية، والنصف الآخر مردود عليه بالسنة.

(٦)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٤ الحديث ١٣.

٣٠١

وفي الصحيح عن أبي بصير أيضا قال: قرأ علي أبوعبداللهعليه‌السلام فرائض عليعليه‌السلام فاذا فيها: الزوج يحوز الارث اذا لم يكن غيره(١) وغيرهما من الاحاديث في معناهما(٢) .

وقال الشيخ في الايجاز: فذووا الاسباب الزوج والزوجة، فاذا انفردوا كان لهم نصيبهم المسمى، ان كان زوجا النصف، والربع ان كانت زوجة، والباقي لبيت المال.

وقال أصحابنا: ان الزوج وحده يرد عليه الباقي باجماع الفرقة(٣) وهو ظاهر سلار(٤) .

(الثاني) الزوجة: وفيها ثلاثة أقوال:

(أ) الرد عليها مطلقا، اي مع ظهور الامام وسيرته، وهو ظاهر المفيد في آخر باب ميراث الاخوة من المقنعة، حيث قال: اذا لم يوحد مع الازواج قريب ولا نسيب رد باقي التركة على الازواج(٥) .

(ب) عدم الرد مطلقا، وهو اختيار القاضي(٦) وابن ادريس(٧) والصدوقين

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٤ الحديث ١٢.

(٢)لاحظ المصدر، الحديث ١٤ و ١٥.

(٣)الرسائل العشر (ط مؤسسة النشر الاسلامي - قم - ايران) (الايجاز في الفرائض والمواريث) ص ٢٧٠ فصل في ذكر ذوي السهام عند الانفراد وعند الاجتماع ص ٢٤.

قال: فذووا الاسباب هم الزوج او الزوجة، إلى قوله: وقال اصحابنا، ان الزوج وحده يرد عليه الباقي باجماع الفرقة.

(٤)المراسم: ذكر ميراث الازواج ص ٢٢٢ س ٥ قال: وفي اصحابنا من قال: اذا ماتت امرأة ولم تخلف غير زوجها فالمال كله له بالنسبة والرد.

(٥)المقنعة: باب ميراث الاخوة والاخوات ص ١٠٥ س ١٤ قال: واذا لم يوجد مع الازواج قريب إلى قوله: رد باقي التركة على الازواج.

(٦)المهذب: ج ٢ باب ميراث الازواج والزوجات ص ١٤١ س ٨ قال: فان مات رجل وخلف زوجته إلى قوله: كان لها الربع والباقي للامام.

(٧)السرائر: (فصل واما ترتيب الوارث) ص ٣٩٧ س ٢٥ قال: فاما مع الزوجة فانه يستحق (اي الامام) ما بقي بعد سهمها وفرضها بغير خلاف.

٣٠٢

في الرسالة(١) والمقنع(٢) .

(ج) التفصيل: وهو الرد مع غيبة الامام وعدمه مع ظهوره، وهو قول الصدوق في كتابه(٣) واستقربه الشيخ في النهاية(٤) واختاره العلامة في التحرير(٥) ويحيى بن سعيد(٦) .

احتج الاولون: برواية أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: رجل مات وترك امرأته قال: المال لها، قال: قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها قال: المال له(٧) .

وحملها الشيخ على كونها قريبة منه(٨) فيأخذ الباقي بالقرابة.

____________________

(١)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض واحكامه ص ١٨٥ س ٦ قال بعد نقل قول الصدوق: وكذلك قال ابوه في رسالته اليه.

(٢)المقنع: باب المواريث ص ١٧٠ س ١٦ قال: واذا ترك الرجل امرأة فللمرأة الربع إلى قوله: جعل ما بقي لامام المسلمين، وان تركت المرأة زوجها فللزوج النصف إلى قوله: فالنصف يرد إلى الزوج.

(٣)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(١٣٣) باب ميراث الزوج والزوجة ص ١٩٢ قال بعد نقل الحديث الاول: قال مصنف هذا الكتاب: هذا في حال ظهور الامامعليه‌السلام فاما في حال غيبته إلى قوله: فالمال لها.

(٤)النهاية: باب ميراث الازواج ص ٦٤٢ س ١٧ قال بعد نقل التفصيل: وهذا وجه قريب من الصواب.

(٥)التحرير: ج ٢ (في ميراث الازواج) ص ١٦٨ س ١٠ قال: اما لو كانت زوجة إلى قوله: يرد عليها حال غيبة الامام وهو الاقوى عندي.

(٦)الجامع للشرائع: كتاب الميراث ص ٥٠٢ س ٢ قال: وان لم يخلف غيرها إلى قوله: واذ لم يتمكن من سلطان العدل رد عليها.

(٧)و(٨) التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٥ الحديث ١٦ ثم قال بعد نقل الخبر: هذا الخبر يحتمل شيئين إلى قوله: والآخر، وهو الاولى عندي، وهو انه اذا كات المرأة قريبة ولا قريب له اقرب منها، فتاخذ الربع بسبب الزوجية والباقي من جهة القرابة.

٣٠٣

(الثانية) روى مالك بن اعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن اخت مسلمان، واولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة، فان اسلم الصغار دفع المال إلى الامام، فان بلغوا على الاسلام دفعه الامام اليهم، فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

واحتج ابن ادريس: بموثقة جميل بن دراج عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لا يكون الرد على زوج ولا زوجة(١) . وهي معارضة بكثير من الصحاح.

وبرواية أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره، قال: اذا لم يكن غيره فله المال، والمرأة لها الربع، وما بقي فللامام(٢) وترك الاستفصال دليل العموم.

قال ابن ادريس: ولان اموال بني آدم ومستحقاتهم لا تحل بغيبتهم، لان التصرف في مال الغير بغير اذنه قبيح سمعا وعقلا(٣) .

احتجت الفرقة الثالثة: بان ما قالوه هو وجه الجمع بين الاخبار.

قال طاب ثراه: روى مالك بن اعين إلى آخره.

أقول: ما حكاه في الكتاب مختار الشيخين في النهاية(٤) والمقنعة(٥) وهو اختيار

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٦ الحديث ٢١.

(٢)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٤ الحديث ١٥.

(٣)السرائر: (فصل واما ترتيب الوارث) ص ٣٩٧ س ٣١ قال: لان أموال بني آدم الخ.

(٤)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٥ س ٧ قال: واذا خلف الكافر اولادا صغارا إلى آخره.

(٥)المقنعة: باب توارث اهل الملل المختلفة ص ١٠٧ س ١٣ قال: واذا ترك الذمي اولادا أصاغر واخوة لابيه واخوة لامه مسلمين الخ.

٣٠٤

القاضي(١) وابن زهرة عمم الحكم فقال: اذا كان للكافر اولاد صغار وقرابة مسلم انفق عليهم من التركة حتى يسلموا، فان اسلموا فالميراث لهم، وان لم يسلموا كان لقرابته المسلم(٢) وبه قال التقي(٣) وقال ابن ادريس: لا شئ للاولاد لكونهم بحكم آبائهم، ولا يرث الكافر المسلم، ولا مسلم هنا الا ابن الاخ وابن الاخت، فيختصون بملك التركة، ولولا ذلك لما جاز لهم قسمة التركة، ولا يجب عليهم الانفاق(٤) وهو مذهب المصنف(٥) والعلامة(٦) .

احتج الشيخ بما رواه (في الصحيح) عن مالك بن اعين عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن نصراني مات وله ابن اخ مسلم وابن اخت مسلم، وللنصراني اولاد وزوجة نصارى قال: فقال: ارى ان يعطى ابن اخيه المسلم ثلثى ما ترك ويعطى ابن اخته ثلث ما ترك ان لم يكن له ولد صغار، فان كان له ولد صغار، كان على

____________________

(١)المهذب: ج ٢ باب توارث اهل ملتين ص ١٥٩ س ٤ قال: اذا مات كافر وترك اولادا واخوة واخوات الخ.

(٢)الغنية (في الجوامع الفقهية) ص ٦٠٨ س ٩ قال: واذا كان للكافر اولاد صغار وقرابة مسلم انفق عليهم من التركة حتى يبلغوا، فان اسلموا فالميراث لهم الخ.

(٣)الكافي: (الباب الخامس) ص ٣٧٥ س ٦ قال: وان كان للكافر اولاد اصاغر وقرابة مسلم انفق عليهم من التركة حتى يبلغوا فان اسلمو فلهم الميراث الخ.

(٤)السرائر: كتاب المواريث (فصل قد بينا فيما مضى ان الكافر لا يرث المسلم) ص ٤٠٤ س ١٦ قال بعد قول النهاية: والذي يقتضيه اصل مذهبنا: ان الميراث بين الاخوة من الاب والاخوة من الام إلى قوله: فعلى هذا التحرير: اذا بلغوا الاولاد واختاروا الاسلام لا يجب على الاخوة رد شئ من الميراث اليهم.

(٥)الشرائع: المقدمة الثانية في موانع الارث (اما الكفر) قال: ولو مات كافر وله ورثة كفار ووارث مسلم كان ميراثه للمسلم دون الكافر وان قرب.

(٦)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٩ س ٣ قال بعد نقل قول ابن ادريس في السرائر: والوجه ماقاله ابن ادريس.

٣٠٥

الوارثين ان ينفقا على الصغار مما ورثا من ابيهم حتى يدركوا، قيل له: كيف ينفقان؟ قال: فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فاذا ادركوا قطعا النفقة عنهم قيل له: فان اسلم الاولاد وهم صغار قال: فقال: يدفع ماترك ابوهم إلى الامام حتى يدركوا، فان بقوا على الاسلام دفع الامام ميراثهم اليهم، وان لم يتموا على الاسلام اذا ادركوا دفع الامام ميراثة إلى ابن اخيه وابن اخته المسلمين، يدفع إلى ابن اخيه ثلثى ما ترك، والى ابن اخته ثلث ما ترك(١) وحملها العلامة على الاستحباب(٢) . فالحاصل ان في المسألة ثلاثة أقوال:

(الاول) عدم استحقاق الصغار واستقرار الملك لغيرهم من الطبقات، لاجرائهم مجرى المعدوم، وهو اختيار ابن ادريس.

(الثاني) التربص لاسلام الاولاد بعد بلوغهم مع كل وارث، وهو قول الشريف ابن زهرة والتقي.

(الثالث) التربص لبلوغ الاولاد مع ابن الاخ وابن الاخت خاصة، اقتصارا على مورد النص، وهو قول الشيخين والصدوق والقاضي.

(تحقيق)

الرواية من الصحاح وبمضونها عمل كثير من الاصحاب. واختلفوا في تنزيلها على أربعة انحاء:

(أ) البناء على ان المانع من الارث هو الكفر، وهو مفقود في الاولاد الصغار حقيقة.

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٣٨) باب ميراث اهل الملل المختلفة والاعتقادات المتباينة ص ٣٦٨ الحديث ١٤.

(٢)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٩ س ٣ فانه بعد اختياره ما اختاره ابن ادريس في السرائر قال: وحمل هذه الرواية على الاستحباب دون الوجوب.

٣٠٦

ورد بمنع حصر المانع في الكفر، بل عدم الاسلام أيضا مانع، وهو موجود في حق الاطفال.

أما أولا: فلانهم بحكم آبائهم.

وأما ثانيا: فلعدم اعتبار اسلام الصغير، لرفع القلم عنه. وبتقدير انحصار المانع في الكفر نقول: الكفر هنا صادق، اذ حكم الطفل حكم ابويه.

(ب) تنزيلها على ان اسلام الصغير معد للاسلام الحقيقي، فان حقيقة الكفر والاسلام لما انتفت عن الصغير، وكان من شأن الكافر استحقاقه باسلامه قبل القسمة، وجهل الصغير اسلامه حيث يمكنه، فاذا كانت الحالة حالة الصغر كان اسلامه حينئذ قائما مقام اسلام الكبير، اذ المقدور للصغير هو ذلك، وليس القيام في استحقاق الارث في الحال، بل المراعاة والمنع من القسمة إلى البلوغ، لينكشف الامر، ويضعف بان الاسلام المجازي، اعني اسلام الطفل لا يعاض الاسلام الحقيقي، اعني اسلام الكبير، وهو هنا موجود وسابق فيستقر الارث به.

(ج) التنزيل على ان المال لم يقسم حتى بلغوا، سواء سبق منهم الاسلام حال الطفولية، أولا.

وقوله في الرواية (يعطي ابن اخيه وابن اخته) لا يدل على حصول القسمة، بل هو اخبار عن قدر المستحق والنفقة من المال، وذلك لا يستلزم القسمة. وهذا تنزيل حسن، لكن يبقى الاشكال في شئ آخر، وهو قوله: (فان اسلموا وهم صغار دفع ما ترك ابوهم إلى الامام حتى يدركوا) والاصل بقاء استحقاق الوارث المسلم حتى يحصل المزاحم، ولا يصلح الاسلام المجازي معارضا للاسلام الحقيقي، خصوصا مع سبق الحقيقي، لاصالة البقاء وقوة الاستصحاب واستغناء الباقي عن المؤثر واحتياج الحادث اليه، اللهم الا ان يقول: اسلامه حال الطفولية معد لاستحقاقة، فيحجر الحاكم على التركة رعاية لمصلحته، لوجود ما يصلح ان بكون

٣٠٧

(الثالثة) اذا كان احد ابوي الصغير مسلما، الخق به، فلو بلغ اجبر على الاسلام، ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آرائهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة) المرتد عن فطرة يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة، وتقسم امواله، ومن ليس عن فطرة يستتاب، فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة، وعدة الوفاة لا معها. والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب اوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة. سببا لاستحقاقه.

(د) التنزيل على الاستحباب.

قال طاب ثراه: المرتد عن فطرة يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة، وتقسم امواله إلى آخره.

أقول: المرتد اما عن فطرة، ويعني به من علق به بعد اسلام احد ابويه.

او عن ملة، ونعني به من كان اسلامه بعد كفر، وان كان بالتبعية، كما لو اسلم احد ابويه وهو حمل.

فهنا قسمان:

(الاول) المرتد عن ملة، وفيه مسائل:

(أ) لا يجب قتل هذا المرتد، بل يجب استتابته، ومعنى الاستتابة المعاقبة بالحبس والضرب حتى يتوب، فان آيس من توبته قتل، فلابد حينئذ من مدة التربص من قدر مضبوط يعرفه الحداد كيلا يتجاوزه، والمكلف بحيث يعرف عدم الفسحة له والصبر عليه بعدها.

فقيل ذلك منوط بنظر الحاكم، فيستتيبه مدة يرجوا رجوعه فيها،

٣٠٨

وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط(١) واختاره فخر المحققين(٢) وقيل: ثلاثة ايام،(٣) واستحوطه الشيخ في المبسوط(٤) واستحسنه المصنف في الشرائع(٥) لما فيه من التأني لازالة عذره.

ومستنده مارواه الشيخ عن مسمع بن عبدالملك عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : المرتد تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثة ايام، فان تاب، والا قتل يوم الرابع(٦) .

(ب) لا تزول املاك هذا المرتد، بل تكون باقية على ملكه، فيلزمه جريان الحول للزكاة ووجوب الفطرة والحج

(ج) يحجر الحاكم على أمواله لئلا يتصرف فيها بالاتلاف، ارفاقا به، لتكون محفوظة عليه ينتفع بها اذا تاب.

(د) هذا الحجر غير مانع من وجوب الزكاة عليه، وان منع من التصرف في امواله، لتمكنه من ازالته فهو كالسفيه.

(ه‍) تزول ولايته عن اطفاله وامواله، فلا يملك تزويج الصغير ولا الرقيق مطلقا.

____________________

(١)المبسوط: ج ٧ كتاب المرتد ص ٢٨٣ س ١ قال: وقال آخرون: يستتاب القدر الذي يمكنه فيه الرجوع وهو الاقوى.

(٢)الايضاح: ج ٤ (في احكام المرتد) ص ٥٥٠ س ١٧ قال: والاقوى عندي أنه يستتاب القدر الذي يمكنه منه ان يرجع فيه إلى الاسلام.

(٣)و(٤) الخلاف: كتاب المرتد مسألة ٦ قال: يستتاب ثلاثا.

وفي المبسوط: ج ٧ كتاب المرتد ص ٢٨٢ س ٢٣ قال: قال قوم: يستتاب ثلاثا إلى قوله: والاول (اي الثلاث) احوط لانه ربما دخلت عليه شبهة فيتأملها وينبه عليها.

(٥)الشرائع (الباب الاول في المرتد) قال: وكم يستتاب؟ قيل: ثلاثة ايام إلى قوله: والاول مروي، وهو حسن لما فيه من التأنى لازالة عذره.

(٦)الكافي: ج ٧ باب حد المرتد ص ٢٥٨ الحديث ١٧.

٣٠٩

(و) يصح تملكه للاموال المستجدة بالاكتساب كالاحتطاب والاتهاب والارث من الحربي.

(ز) تعتد زوجته عدة الطلاق، فان خرجت ولما يتب، بانت منه، ولو قتل في اثناء مدة الانتظار أو مات استأنفت عدة الوفاة. وكذا لو قتل بعد مدة التربص مادامت في العدة، لكونها بمنزلة الرجعية ولقبول توبته بعد المدة.

(ح) يجرى عليه نفقة زوجته وان منع من وطئها، لحصول المنع منه وتمكنه من ازالته.

(ط) لو آلى منها او ظاهر صح، ويحتسب زمان الردة من المدة.

(ى) لو طلق هل يصح ام لا؟ يحتمل العدم لانها جارية إلى بينونة. ويحتمل الصحة لبقاء العصمة، وحينئذ يستأنف العدة.

(يا) يمنع من ابتداء العقد على المسلمة، لانه كافر. وعلى الكافرة لتحرمه بالاسلام.

(يب) لو مات ورثه المسلم خاصة، ومع عدمه الامام، لا الكافر وان قرب.

(يج) نماء امواله له لبقائها على ملكه.

(يد) لو التحق بدار الحرب اعتدت زوجته عدة الطلاق، وبانت بانقضائها، وهل تقسم امواله بين وراثه؟ قال في النهاية: نعم(١) ومنع ابن ادريس(٢) وهو قوله

____________________

(١)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٦ س ١٥ قال: ومن كان كافرا فاسلم ثم ارتد إلى قوله: فان لحق بدار الحرب ولم يقدر عليه اعتدت منه امرأته عدة المطلقة ثم يقسم ميراثه بين اهله.

(٢)السرائر: كتاب المواريث (فصل قد بينا فيما مضى الخ) ص ٤٠٥ س ٥ قال: وهذا المرتد الذي قد ارتد لا عن فطرة الاسلام لا يقسم امواله بين ورثته إلى ان يموت او يقتل وان لحق بدار الحرب الخ.

٣١٠

في المبسوط(١) والخلاف(٢) واختاره العلامة(٣) .

(الثاني) المرتد عن فطرة الاسلام وفيه مسائل:

(أ) يجب قتل هذا في الحال ولا تقبل توبته.

(ب) المتولي لقتله الامام او نائبه، ولو قتله غيرهما اثم وكان هدرا.

(ج) تعتد زوجته عدة الوفاة، سواء قتل أو بقي، من حين ارتداده، ثم تحل للازواج.

(د) تخرج امواله عن ملكه، فيقضى منها الديون، ويحل مؤجلها كالموت، ويقسم بين وراثه.

(ه‍) لما خرجت عنه الاموال المملوكة له بالفعل ونزل منزلة الميت في اباحة زوجته، خرج عن اهلية التملك، فلو مات له قريب لم يرثه ونزل معدوما. وكذا لو احتطب او احتش، او حاز مباحا كان ذلك باقيا على اصل الاباحة، فلو اخذه منه انسان ملكه. ولو اثبت يده على ما ليس اصله الاباحة كما لو عامل، كانت المعاملة فاسدة وما في يده باق على ملك دافعه. ولو اخذه عوضا عن عمل عمله بنفسه كان باقيا على ملك دافعه، اذ لا يجب عليه اجرة عما استعمله. وكذا لو كان عوضا عما اصله مباح كالصيد. ولو اخذه منه آخذ رده على المالك لا على المرتد، وقال بعض: يملكه ويكون لوارثه.

____________________

(١)المبسوط: ج ٧ كتاب المرتد ص ٢٨٣ س ٨ قال: وان كان (اي الارتداد) عن اسلام كان قبله كافرا إلى قوله: والاصل بقاء الملك.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب المرتد مسألة ١٠ قال: المرتد الذي يستتاب اذا لحق بدار الحرب لم يجر ذلك مجرى موته، ولا يتصرف في ماله الخ.

(٣)القواعد: ج ٢ (الفصل الثاني في احكام المرتد) ص ٢٧٦ س ١٢ قال: وان التحق بدار الحرب حفظت (اي امواله) وبيع ما يكون الغبطة في بيعه كالحيوان فان مات او قتل انتقل إلى ورثته المسلمين الخ.

٣١١

(و) لو كان لهذا المرتد مدبر لم ينعتق بمجرد ارتداده، لانه لم يمت وان كان بمنزلة الميت، لاصالة بقاء الملك وعدم حصول شرط التدبير عرفا. وهل ينعتق لو قتل بعد ذلك؟ التحقيق ان نقول: من حين ارتداده حكم بخروج ملكه عنه وانتقاله إلى وارثه. واذا خرج المدبر عن ملك مدبره، هل يبطل التدبير، او يكون باقيا والنقل انما هو للمنافع خاصة؟ كمذهب الشيخ، وقد مر في باب البيع والرهن والصداق، فعلى الاول: لا عتق، وعلى الثاني ينعتق، وقد حققناه في باب التدبير.

(ز) لو لم يقتل حل لزوجته التزويج بعد العدة، وحلت امواله لوارثه وان كان باقيا.

(ح) لو ظاهر او آلى في العدة لم يصح لكونها بائنة.

(ط) لا نفقة لها في العدة وان كانت حاملا وقلنا النفقة للحمل.

(ى) ينقطع الحول عن امواله الزكوية لخروجها عن ملكه.

(يا) لو تاب لم يقبل بالنسبة إلى اسقاط الحد، وملك المال، وبقاء النكاح، وابتداء النكاح مطلقا، وتقبل بالنسبة إلى الطهارة، وصحة العبادات، واسقاط عقوبة الآخرة، واستحقاق الثواب، ولا ينافي ذلك وجوب قتله كما لو تاب المحصن بعد قيام البينة.

(يب) يحل لوارثه او زوجته الاستيلاء على قدر النصيب من الارث وقضاء العدة والتزويج بعدها وان لم يثبت ذلك عند الحاكم ان كان سبب الارتداد أمرا قطعيا، وان كان اجتهاديا وقف ذلك على حكم الحاكم.

(يج) لو كان عاجزا هل يجب نفقته على قريبه؟ يحتمل ذلك لوجود السبب وهو القرابة، ولا يشترط في مستحق الانفاق الاسلام، ويحتمل عدمه لوجوب قتله والانفاق يوجب بقائه، فلا يجتمعان والاول أقوى تجنبا للتعذيب خصوصا مع التوبة.

٣١٢

(يد) لو ارتد عن غير مدخول بها، هل يجب عليها عدة الوفاة من حين الارتداد أو لا عدة عليها، يحتمل قويا الاول للعموم، ولان حكمه حكم الميت. ويحتمل الثاني ضعيفا لانه نكاح انفسخ بغير الموت قبل الدخول.

(يه) هل يدخل في ملكه ما يكتسبه بالاحتطاب وشبهه؟ يحتمل ذلك لانالكفر لاينافي ابتداء تملك المباحات. فتملك في آن ثم يبنقل إلى الورثة في الآن الثاني. ويحتمل قويا العدم، لان الردة تنافي الملك المستدام وهو اقوى من الحادث. فلئن يمنع الحادث اولى وهو اختيار العلامة(١) وفخر المحققين(٢) .

(تتمة)

المرأة لا تقتل بالردة وان كانت عن فطرة، بل تحبس وتضرب اوقات الصلاة دائما حتى تتوب، فتخلى سبيلها حينئذ، ولا يحكم بزوال اموالها عنها بالردة، بل يحجر عليها. وبالجملة حكمها حكم المرتد عن ملة. وذهب بعضهم إلى أنها تحبس دائما مع التوبة: وهو وهم.

وقد صرح الشيخ بما قلناه في كتاب الاستبصار، وقال بعد ما روى حديث علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن مسلم ارتد قال: يقتل ولا يستتاب، قلت: فنصراني اسلم ثم ارتد عن الاسلام، قال: يستتاب، فان رجع، والا قتل(٣) .

__________________________________

(١)القواعد: ج ٢ (الفصل الثاني في احكام المرتد) ص ٢٧٦ س ١٩ قال: واما المرتد عن فطرة فالاقرب عدم دخول ذلك كله (اي ما يتجدد له من الاموال بالاحتطاب والاتهاب) في ملكه.

(٢)الايضاح: ج ٤ (المطلب الثالث في امواله وتصرفاته) ص ٥٥٤ س ١٨ قال: الاقرب عند المصنف وعندي: لا.

(٣)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ٢٥٤ الحديث ٨.

٣١٣

فاما المرأة فاذا ارتدت فانها لا تقتل على كل حال، بل تخلد في السجن ان لم ترجع إلى الاسلام(١) .

وقد تضمن ذلك رواية الحسن بن محبوب عن غير واحد من اصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام في المرتد يستتاب، فان تاب والا قتل، والمرأة اذا ارتدت استتيبت فان تابت ورجعت والا خلدت السجن وضيق عليها في حبسها(٢) .

ومثلها رواية عباد بن صهيب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: المرتد يستتاب، فان تاب والا قتل، والمرأة تستتاب فان تابت والا حبست في السجن وأضر بها(٣) .

فرع

لو ارتدت ذات البعل تربص زوجها العدة، فان تابت فالنكاح باق، ان اصرت بانت، ويحل له العقد على الخامسة، وعلى اختها. ولو كان ذلك قبل الدخول بانت في الحال وسقط مهرها.

تذنيب

المسلمون يتوارثون وان اختلفوا في الآراء والمذاهب، فالتوارث يجري على الشهادتين وكذلك القصاص والديات، وفي النكاح قولان: واما استحقاق الثواب

____________________

(١)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ص ٢٥٤ ذيل حديث ٩.

(٢)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ص ٢٥٣ الحديث ٤.

(٣)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ص ٢٥٥ الحديث ١٢.

٣١٤

(السادسة) لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم. ولو لم يكن وارث الا كافر كان ميراثه للامام على الاظهر. فعلى الايمان، وهو اختيار الشيخ في النهاية(١) وابن حمزة(٣) وابن ادريس(٤) .

وقال المفيد: يرث المؤمنون اهل البدع: من المعتزلة والمرجئة والخوارج والحشوية دون العكس(٥) وبه قال التقي، وعبارته: من كان كافرا يهودية او نصرانية او تشبيه او جحود نبوة او امامة لا يرث المؤمن(٦) .

قال طاب ثراه: ولو لم يكن وارث الا كافر كان ميراث المرتد للامام على الاظهر.

أقول: هذا هو المشهور بين الاصحاب لتحرمه بالاسلام، فلا يرثه الكافر لقولهعليه‌السلام : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه(٧) . نحن نرثهم ولا يرثونا(٨) .

____________________

(١)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٦ س ٢ قال: والمسلمون يتوارث بعضهم من بعض وان اختلفوا في الآراء إلى قوله: دون فعل الايمان الذي يستحق به الثواب.

(٢)المهذب: ج ٢ باب توارث اهل ملتين ص ١٦٠ س ١١ قال: والمسلمون يرث بعضهم بعضا وان اختلفوا في الآراء إلى قوله: دون الايمان الخ.

(٣)الوسيلة: فصل في بيان توارث أهل ملتين ص ٣٩٤ س ١٠ قال: والاسلام على اختلاف المذاهب والآراء ملة واحدة.

(٤)السرائر: كتاب المواريث (فصل قد بينا فيما مضى الخ) ص ٤٠٤ س ٢٧ قال: والمسلمون يرث بعضهم بعضا وان اختلفوا في الآراء والمذاهب إلى قوله: دون فعل الايمان الذي يستحق به الثواب وبتركه العقاب.

(٥)المقنعة: باب مواريث اهل الملل المختلفة ص ١٠٧ س ١٧ قال: ويرث المؤمنون اهل البدع إلى قوله: ولا يرث هذه الفرق احدا من اهل الايمان.

(٦)الكافي: (الباب الخامس) ص ٣٧٤ س ٢٢ قال: او كافر له ولد كافر إلى قوله: ميراثه لابن خاله المسلم دون ولده الكافر.

(٧)عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٢٦ الحديث ١١٨ ولاحظ ما علق عليه فانه ينفعك ورواه في الفقيه: ج ٤(١٧١) باب ميراث اهل الملل ص ٢٤٣ الحديث ٣.

(٨)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(١٧١) باب ميراث اهل الملل ص ٢٤٣ قطعة من حديث ٥.

٣١٥

واما القتل: فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما، ولا يمنع لو كان خطأ.

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب. ولو اجتمع القاتل وغيره، فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره، ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وقال الشيخ في الاستبصار: ميراثه لولده الكفار، لما رواه ابراهيم بن عبدالحميد عن رجل قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : نصراني اسلم ورجع إلى النصرانية ثم مات قال: ميراثه لولده النصراني ومسلم تنصر ثم مات قال: ميراثه لولده المسلمين(١) .

وحملها في النهاية على التقية(٢) وافتى بها الصدوق في المقنع(٣) .

وهي مرسلة، وعلى خلاف الاصل، وحملها على التقية حسن.

قال طاب ثراه: وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

أقول: القتل إما عمد أو خطأ أو شبهة، فالاقسام ثلاثة:

(الاول) العمد: ولا يرث من الدية ولا من التركة اجماعا، مقابلة له بنقيض مطلوبه، وعقوبة على فعله، واحتياطا في عصمة الدم كيلا يقتل اهل المواريث بعضهم بعضا طمعا في الميراث.

(الثاني) الخطاء: وفيه ثلاثة أقوال:

(أ) منعه مطلقا وهو قول الحسن(٤) .

____________________

(١)الاستبصار: ج ٤(١١٠) باب انه يرث المسلم الكافر ولا يرثه الكافر ص ١٩٣ الحديث ١٩.

(٢)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٧ س ١ قال: وقد روي انه يكون ميراثه لورثته الكفار، وذلك محمول على ضرب من التقية لانه مذهب العامة.

(٣)المقنع: باب المواريث ص ١٧٩ س ١٠ قال: والنصراني اذا اسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات فميراثه لولده النصراني.

(٤)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩١ س ١٠ قال: فابن عقيل منع من ارثه مطلقا.

٣١٦

(ب) التوريث مطلقا وهو قول المفيد(١) وتلميذه(٢) .

(ج) المنع من الدية دون باقي التركة، وهو قول الشيخ(٣) وأبي علي(٤) والقاضي(٥) والتقي(٦) وابن حمزة(٧) وابن زهرة(٨) وابن إدريس(٩) واختاره العلامة(١٠) واستحسنه المنصف واختار التوريث مطلقا(١١) .

احتج الحسن: بان في منعه احتياطا في عصمة الدماء. وبانه يؤخذ منه الدية فكيف يرث.

وبما رواه فضيل بن يسار عن الصادقعليه‌السلام قال: لا يقتل الرجل بولده، ويقتل الولد بوالده اذا قتل والده، ولا يرث الرجل الرجل اذا قتله وان كان

____________________

(١)المقنعة: باب ميراث القاتل ص ١٠٧ س ٢٨ قال: ويرثه اذا قتله خطأ.

(٢)المراسم: كتاب المواريث ص ٢١٨ س ١٧ قال: ولا يمنع الارث الا العمد خاصة.

(٣)النهاية: باب ميراث القاتل ومن يستحق الدية ص ٦٧٢ س ١٨ فبعد نقل الحديث والحمل على عدم الارث من الدية قال: وعلى هذا اعمل لانه احوط.

(٤)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩١ س ١٠ قال: والشيخ وابن الجنيد إلى قوله: منعوه من الدية.

(٥)المهذب: ج ٢ باب ميراث القاتل ص ١٦٢ س ١٤ قال: واما القاتل خطأ إلى قوله: ولا يرث من ديته.

(٦)الكافي: الباب الخامس ص ٣٧٥ س ١١ قال: ويرثة ان كان القتل خفا ما خرج عن الدية..

(٧)الوسيلة: (فصل في بيان حكم ميراث القاتل) ص ٣٩٦ س ٥ قال: والثالث: يرثه من التركة دون الدية.

(٨)الغنية (في الجوامع الفقهية) ص ٦٠٨ س ١٤ قال: ويرثه خطأ ماعدا الدية.

(٩)السرائر: كتاب المواريث ص ٤٠٥ س ٢٩ قال: ويرثه اذا كان قتله خطأ ما عدى الدية.

(١٠)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩١ س ١٢ قال: والمعتمد ما قاله الشيخ في الخطأ.

(١١)الشرائع: كتاب الفرائض (اما القتل) قال: ولو كان القتل خطأ ورث على الاشهر.

وخرج المفيدرحمه‌الله وجها آخر: هو المنع من الدية، وهو حسن، والاول أشبه.

٣١٧

خطاء(١) .

وبصحيحة هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ميراث للقاتل(٢) وهو عام.

احتج المفيد بان المنع لمكان العقوبة، وقاتل الخطاء غير مذنب.

وبصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن رجل قتل امه أيرثها؟ قال: ان كان خطاء ورثها، وان كان عمدا لم يرثها(٣) .

احتج الشيخ: بالجمع بين الروايات، فحمل ماورد منها بالمنع على الدية، وبالارث على بقية التركة(٤) لمناسة الاصل فلا يمنعه من التركة، لعموم آية.

الارث(٥) ولكونه غير مذنب، ولا يعطيه من الدية حقنا للدم واحتياطا في عصمته، (الثالث) شبيه العمد، وفيه قولان: فابن الجنيد الحقه بالعمد في المنع من الجميع(٦) واختاره العلامة في القواعد(٧)

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٧٩ الحديث ١٢.

(٢)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٧٨) الحديث ٥.

(٣)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٧٩ الحديث ١١.

(٤)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٨٠ س ٥ قال في مقام الجامع: ومع ذلك يحتمل ان يكون الوجه فيه ما كان يقوله شيخنا ابوعبدالله محمد بن محمد بن النعمان من انه لا يرث الرجل الرجل اذا قتله خطاء من ديته ويرثه مما عدى الدية.

(٥)النساء: ١٢ قال تعالى: (ولكم نصف ماترك ازواجكم إلى آخره).

(٦)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩٠ س ١٦ قال: وقال ابن الجنيد: القاتل عمد لا يرث إلى قوله: وكذا شبيه العمد الخ.

(٧)القواعد: ج ٢ (المطلب الثاني القتل) ص ١٦٣ س ١٩ قال: وهل يلحق شبيه العمد بالعمد او بالخطاء؟ الاقرب الاول.

٣١٨

وفخر المحققين في ايضاحه(١) وسلار الحقه بالخطاء(٢) وكذا ابن حمزة(٣) .

لكن افترقا، فسلار يورثه مطلقا وابن حمزة بما عدى الدية كمذهب الشيخ، وقد ذكرناه، فيما تقدم.

قال العلامة في المختلف: واما شبيه العمد فالاولى الحاقة بالخطاء ولان المقتضي للمنع في العمد، وهو المؤاخذة له بنقيض مقصوده منتف هنا كالخطاء(٤) .

وقول المصنف: " وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب "(٥) وقال في الشرائع: وخرج المفيد وجها آخر: وهو المنع من الدية، فنسب التفصيل إلى المفيد، ونحن حكينا عنه التوريث مطلقا، فما ذكره المصنف عنه اشارة إلى حمله للرواية المانعة من توريثه، على الدية(٦) .

قال الشيخ في النهاية: القاتل ضربان: قاتل عمد، ولا يرث المقتول لا من التركة، ولا من الدية، وقاتل خطاء ويرث المقتول على كل حال ولدا كان او والدا، زوجا او زوجة من نفس التركة ومن الدية.

وقد رويت رواية: بان القاتل لا يرث وان كان خطاء، وهذه رواية شاذة لا عمل عليها، لان اكثر الروايات على

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ (في موانع الارث) ص ١٨٢ س ١٣ قال: والاصح عندي وعند والدي وجدي قول ابن الجنيد.

(٢)المراسم: كتاب المواريث ص ٢١٨ س ١٧ قال: ولا يمنع الارث الا العمد خاصة.

(٣)الوسيلة: (فصل في بيان حكم ميراث القاتل): ص ٣٩٦ س ٥ قال: والثالث (اي شبيها بالخطأ) يرثه من التركة دون الدية، وقيل: يرث الدية أيضا وقيل: لم يرث من التركة أيضا.

(٤)المختلف: ج ٢ (في ميراث القاتل) ص ١٩١ س ١٦ قال: واما شبيه العمد، فالاولى الحاقه بالخطأ الخ.

(٥)لاحظ عبارة النافع.

(٦)الشرائع (في موانع الارث) واما القتل قال: ولو كان القتل خطاء ورث على الاشهر، وخرج المفيدرحمه‌الله وجها آخر الخ.

٣١٩

وهنا مسائل:

(الاولى) الدية كاموال الميت تقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه، وان قتل عمدا اذا اخذت الدية، وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه، لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين. ما قدمناه، وكان شيخنارحمه‌الله حمل هذه الرواية على انه اذا كان القاتل خطاء فانه لا يرث من الدية ويرث من التركة للجمع بن الاخيار، وعلى هذا اعمل لانه احوط(١) .

فنسب المصنف التفصيل إلى المفيد، لانه السابق إلى هذا الجمع.

وأما فتواه فظاهرها التوريث مطلقا، حيث قال: وقاتل العمد لا يرث نسيبه، ويرثه اذا قتله خطاء، وانما منع قاتل العمد من الميراث عقوبة على جرمه، وعظم ذنبه، وقال: الخطاء غير مذنب لانه لم يتعمد لله خلافا، ولا أوقع بقتله معصية(٢) ، واطلق.

قال طاب ثراه: الدية كاموال الميت تقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه، وان قتل عمدا اذا اخذت الدية، وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين(٣) .

أقول: الدية كاموال الميت، يخرج منها مؤنة تجهيزه، ثم ديونه، ثم وصاياه،

____________________

(١)النهاية: باب ميراث القاتل ومن يستحق الدية ص ٦٧١ س ١٨ قال: القاتل على ضربين إلى قوله: وعلى هذا اعمل لانه احوط.

(٢)المقنعة: (باب ميراث القاتل) ص ١٠٧ س ٢٨ قال: وقاتل العمد لا يرث المقتول اذا كان نسيبه إلى قوله ولا اوقع بقتله معصية.

(٣)في النسخ المخطوطة التي بايدينا (حتى يضمن الدية) والصواب ما اثبتناه كما في المطبوع من المختصر النافع.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343