السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186203 / تحميل: 8245
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

-«لا يا رسول الله» .

-«إنّه معمّر القبور، ومخرّب الدور، ومفرّق الجماعات» .

وجمدت بضعة الرسول، وأخرسها الخطب، ولم تملك نفسها أن رفعت صوتها ودموعها تتبلور على وجهها الشريف قائلةً:«وا أبتاه لخاتم الأنبياء! وا مصيبتاه لممات خير الأتقياء، ولانقطاع سيّد الأصفياء! وا حسرتاه لانقطاع الوحي من السماء! فقد حُرمت اليوم كلامك» .

وتصدّع قلب النبي (صلّى الله عليه وآله) على بضعته، وأشفق عليها، فقال لها مسلّياً:«لا تبكي؛ فإنّك أوّل أهلي لحوقاً بي» (١) .

وسكنت روعتها لمّا أخبرها أنّها لا تبقى بعده إلاّ قليلاً.. وأذن النبي (صلّى الله عليه وآله) لملك الموت، فلمّا مثلَ أمامه، قال له: يا رسول الله، إنّ الله أرسلني إليك، وأمرني أن اُطيعك في كلّ ما أمرتني؛ إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن أمرتني أتركها تركتها.

فبُهر النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال له:«أتفعل يا ملك الموت ذلك؟!» .

- بذلك اُمرت أن اُطيعك في كلّ ما أمرتني.

وهبط جبرئيل على النبي (صلّى الله عليه وآله)، فقال له: يا أحمد، إنّ الله قد اشتاق إليك(٢) .

واختار النبي (صلّى الله عليه وآله) جوار ربّه والرحيل عن هذه الدنيا، فأذن لملك الموت بقبض روحه العظيمة، وفي هذه اللحظات ألقى الحسنان بأنفسهما على جدّهما وهما يذرفان الدموع، والنبي (صلّى الله عليه وآله) يوسعهما تقبيلاً، وأراد الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن ينحّيهما عنه، فأبى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقال له:

____________________

(١) درّة الناصحين / ٦٦.

(٢) طبقات ابن سعد ٢ / ٤٨.

٨١

«دعهما يتمتّعان منّي وأتمتّع منهما؛ فسيصيبهما بعدي أثرة» .

والتفت النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى عوّاده فأوصاهم بعترته قائلاً:«قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي، إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (١) .

والتفت النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى باب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فقال له:«ضع رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله؛ فإذا فاضت نفسي فتناولها وامسح بها وجهك، ثم وجّهني إلى القبلة وتولّ أمري، وصلّ عليّ أوّل الناس، ولا تفارقني حتّى تواريني في رِمسي، واستعن بالله عزّ وجلّ» (٢) .

وأخذ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) رأس النبي (صلّى الله عليه وآله) فوضعه في حجره، ومدّ يده اليمنى تحت حنكه، وشرع ملك الموت بقبض روحه الطاهرة، والرسول يعاني آلام الموت وقسوته حتّى فاضت روحه العظيمة، فمسح بها الإمام وجهه(٣) .

لقد ارتفع ذلك اللطف الإلهي الذي أضاء العقول وحرّر الأفكار، وأقام مشاعل النور في جميع بقاع الأرض. لقد سمت روح النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى بارئها، وهي أقدس روح سمت إلى السماء منذ خلق الله هذه الأرض. لقد أشرقت الآخرة لقدومه، وأظلمت الدنيا لفقده، وما أصيبت الإنسانيّة بكارثة أقسى وأعظم من فقد الرسول العظيم.

____________________

(١) مقتل الحسين - الخوارزمي ١ / ١١٤.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ٢٢٠.

(٣) المناقب ١ / ٢٩، وتضافرت الأخبار بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) توفّي ورأسه الشريف في حجر الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، جاء ذلك في كنز العمّال ٢ / ٥٥، طبقات ابن سعد، وغيرهما.

٨٢

تجهيزه (صلوات الله عليه وعلى آله)

وانبرى الإمام أمير الؤمنين (عليه السّلام) وهو خائر القوى، منهدّ الركن إلى تجهيز جثمان سيد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) فغسّل الجسد الطاهر، وهو يقول بذوب روحه:«بأبي أنت واُمّي! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوّة والأنباء وأخبار السماء، خصصت حتّى صرت مسلّياً عمّن سواك، وعممت حتّى صار الناس فيك سواء. ولولا أنّك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك ماء الشؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكد مخالفاً» (١) .

وكان العباس واُسامة يناولانه الماء من وراء الستر(٢) .

وكان بدن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تفوح منه روائح الطيب، والإمام (عليه السّلام) يقول:«بأبي أنت واُمّي يا رسول الله! طبت حيّاً وميّتاً» (٣) . وبعد الفراغ من غسله أدرجه الإمام في أكفانه ووضعه على السرير. وأوّل مَنْ صلّى على الجثمان العظيم هو الله تعالى من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمراً زمراً(٤) .

وبعد ذلك صلّى عليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ثمّ أقبل المسلمون للصلاة عليه، فقال لهم الإمام:«لا يقوم عليه إمام منكم، هو إمامكم حيّاً وميّتاً» . فكانوا يدخلون رسلاً رسلاً فيصلون عليه صفاً واحداً، ليس لهم إمام، وأمير المؤمنين واقف إلى جانب الجثمان، وهو يقول:«السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته. اللّهمّ إنّا نشهد أنه قد بلّغ ما

____________________

(١) نهج البلاغة - محمّد عبده ٢ / ٢٥٥.

(٢) وفاء الوفاء ١ / ٢٢٧، البداية والنهاية ٥ / ٦٣.

(٣) حلية الأولياء ٤ / ٧٧.

(٤) المصدر السابق.

٨٣

اُنزل إليه، ونصح لاُمّته، وجاهد في سبيل الله حتّى أعزّ الله دينه، وتمّت كلمته... اللّهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما اُنزل إليه، وثبّتنا بعده، واجمع بيننا وبينه...» .

وكانت الجماهير تقول: آمين(١) . وقد نخب الحزن قلوبهم فقد مات مَنْ دعاهم إلى الحقّ، وحرّرهم من خرافات الجاهليّة وأوثانها، وأقام لهم دولة تدعو إلى إنصاف المظلوم، وردع الظلم، وإشاعة الرفاهية والرخاء والأمن بين الناس.

مواراة الجثمان المقدّس

وبعد أن فرغ المسلمون من الصلاة على الجثمان العظيم وودّعوه الوداع الأخير، قام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فوارى الجسد الطاهر في مثواه الأخير، ووقف على حافة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه، ويقول:«إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنّه قبلك وبعدك لجلل» (٢) .

لقد مادت أركان العدل، وانطوت ألوية الحقّ؛ فقد غاب عن هذه الحياة سيّد الكائنات الذي غيّر مجرى التأريخ، وأقام صروح الوعي والفكر في دنيا العرب والإسلام.

فجيعة الزهراء (عليها السّلام)

وكان أكثر أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) جزعاً وأشدّهم مصاباً بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحبيبته فاطمة الزهراء (عليها السّلام)؛ فقد أشرفت على الموت وهي تبكي أمرّ البكاء وأقساه، وتقول:«وا أبتاه! وا رسول الله! وا نبيّ الرحمتاه! الآن لا يأتي الوحي، الآن ينقطع

____________________

(١) كنز العمّال ٤ / ٥٤.

(٢) نهج البلاغة - محمّد عبده ٣ / ٢٢٤.

٨٤

عنّا جبرئيل. اللّهمّ ألحق روحي بروحه، واشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة» (١) .

وقالت بذوب روحها:«وا أبتاه! إلى جبرئيل أنعاه، وا أبتاه! جنّة الفردوس مأواه، وا أبتاه، وا أبتاه! أجاب رباً دعاه» .

وأحاطت بالاُسرة النبويّة موجات من الأسى والحزن على هذا المصاب العظيم كما أحاطت بها تيّارات من الفزع والخوف؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد وتر الأقربين والأبعدين، فخافوا من انقضاض العرب عليهم، يقول الإمام الصادق (عليه السّلام):«لمّا مات النبي (صلّى الله عليه وآله) بات أهل بيته كأن لا سماء تظلّهم، ولا أرض تقلّهم؛ لأنّه وتر الأقرب والأبعد» .

لقد عانت حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله) زينب (عليها السّلام) وهي في سنّها المبكّر هذه المصيبة الكبرى وما تنطوي عليها من أبعاد، وما ستعانيه هي وأهلها من فوادح الرزايا بعد وفاة جدّها، كما فقدت بموته العطف والحنان الذي كان يغدقه عليها، وكان عمرها الشريف خمس سنين.

وقد غزت قلبها هذه المحنة الشاقة؛ فقد رأت جدّها يوارى في مثواه الأخير، ورأت أباها بادي الهمّ والحزن على فراق ابن عمّه، وشاهدت اُمّها الرؤوم وهي ولهى قد ذابت من الأسى، وهي تندب أباها بأشجى ما تكون الندبة، ومنذ ذلك اليوم لازمها الأسى والحزن حتّى لحقت بالرفيق الأعلى.

____________________

(١) تاريخ الخميس ٢ / ١٩٢.

٨٥

٨٦

في عهد الخلفاء

لا يستطيع أيّ كاتب مهما كان بارعاً في تصوير دقائق النفوس، وكشف أسرار المجتمع وأحداث التأريخ أن يصوّر بدقّة عمق الكوارث والأوبئة التي داهمت الاُمّة الإسلاميّة بعد وفاة نبيّها العظيم، كما صوّرها القرآن الكريم، قال تعالى:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ... ) (١) .

إنّه تصوير هائل للأزمات المفجعة والنكبات السود التي مُني بها العالم الإسلامي، إنّه انقلاب على الأعقاب، وانسلاخ عن العقيدة الإسلاميّة، وتدمير لشريعة الله، فأيّ زلزال مدمّر كهذا الزلزال الذي عصف بالاُمّة الإسلاميّة وأخلد لها الفتن والكوارث على امتداد التأريخ.

وكان من أقسى ما فُجعت به الاُمّة إبعاد العترة الطاهرة عن المسرح السياسي وتحويل القيادة إلى غيرها، الأمر الذي نجم عنه فوز الاُمويِّين وغيرهم بالحكم، وإمعانهم بوحشية قاسية في ظلم العلويِّين ومطاردتهم، ومجزرة كربلاء كانت من النتائج المباشرة لصرف الخلافة عن أهل البيت (عليهم السّلام).

وعلى أيّ حال، فإنّا نعرض - بإيجاز - لبعض تلك الأحداث، والتي منها حكومة الخلفاء الذين عاصرتهم حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ فإنّ بها ترتبط ارتباطاً موضوعياً بالكشف عن حياتها وما عانته من كوارث وأهوال، وفيما يلي ذلك:

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٤٤.

٨٧

مؤتمر السقيفة

أمّا مؤتمر السقيفة فهو مصدر الفتنة الكبرى التي مُني بها المسلمون والتي كان من جرّائها الأحداث المروّعة التي رُزئ بها أهل البيت (عليهم السّلام). يقول الإمام محمّد حسين آل كاشف الغطاء:

تاللهِ ما كربلا لولا (سقيفتُهمْ) = ومثل هذا الفرعِ ذاك الأصل أنتجه

ويقول بولس سلامة:

وتوالت تحتَ السقيفةِ أحدا = ثٌ أثارت كوامناً وميولا

نزعات تفرّقت كغصونِ ال = -عوسج الخفيّ شائكاً مدخولا

لقد أسرع الأنصار إلى عقد مؤتمرهم في (سقيفة بني ساعدة) لترشيح أحدهم لمنصب الخلافة، وإقامة حكومة تضمن مصالحهم وترعى شؤونهم. لقد عقدوا مؤتمرهم في وقت كان جثمان الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لم يوارَ في مثواه الأخير، وأكبر الظنّ إنّما قاموا بهذه السرعة الخاطفة بذلك؛ لأنّهم خافوا من استيلاء المهاجرين على الحكم، فقدر رأوا تحرّكهم السياسي في صرف الخلافة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وكراهيتهم له.

وعلى أيّ حال، فقد خطب سعد بن عبادة زعيم الخزرج في الأنصار، وكان منطق خطابه الإشادة بنضال الأنصار وجهادهم في نصرة الإسلام وقهر القوى المعادية لهم، فهم الذين حملوا النبي (صلّى الله عليه وآله) ونصروه في أيام محنته، فإذاً هم أولى بمركز النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأحقّ بمنصبه من غيرهم.

كما حفل خطابه بالتنديد بالاُسر القرشية التي ناهضت النبي (صلّى الله عليه وآله)، وناجزته الحرب حتّى اضطر للهجرة إلى يثرب، فهم خصومه وأعداؤه، ولا حقّ لهم بأيّ حالٍ في التدخّل بشؤون الدولة ومصيرها.

وقام زعيم آخر من الأنصار هو الحبّاب بن المنذر، فحذّر الأنصار من القرشيّين،

٨٨

وأهاب بهم أن يجعلوا لهم نصيباً في الحكم، قائلاً: لكنّنا نخاف أن يليها بعدكم مَنْ قتلنا أبناءهم وآباءهم وإخوانهم.

وتحقّق تنبؤ الحبّاب؛ فإنّه لم يكن ينتهي حكم الخلفاء حتّى آل الأمر إلى الاُمويِّين، فأمعنوا في إذلال الأنصار، وإشاعة البؤس والفقر فيهم، وقد انتقم منهم معاوية كأشرّ وأقسى ما يكون الانتقام.

ولمّا وليَ الأمر من بعده يزيد جهد في الوقيعة بهم، فأباح أموالهم ودماءهم وأعراضهم لجيوشه في واقعة (الحرّة) التي اُنتهكت فيها جميع ما حرّمه الله.

وعلى أيّ حال، فقد تجاهل سعد وغيره من الأنصار الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي هو من النبيّ بمنزلة هارون من موسى، وأبو سبطيه، وباب مدينة علمه، وسيّد عترته.

ولا نرى أيّ مبرر لسعد في إغضائه وتجاهله حقّ الإمام (عليه السّلام)، فقد فتح باب الشرّ على الاُمّة، وأخلد لها المصاعب والفتن على امتداد التأريخ.

مباغتة الأنصار

وحينما كان الأنصار في سقيفتهم يدبّرون أمرهم ويتداولون الرأي في شؤون الخلافة، إذ خرج من مؤتمرهم عويم بن ساعدة الأوسي ومعن بن عدي حليف الأنصار، وكانا من أولياء أبي بكر، ومن أعضاء حزبه، وكانا يحقدان على سعد، فانطلقا مسرعَين إلى أبي بكر فأخبراه بالأمر.

ففزع أبو بكر وأسرع ومعه عمر وأبو عبيدة الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة وآخرون من المهاجرين(١) ، فكبسوا الأنصار في ندوتهم، فذُهل الأنصار وأُسقط ما بأيديهم؛ لأنّهم أحاطوا ندوتهم بسريّة وكتمان، وتغيّر لون سعد، فقد انهارت جميع مخطّطاته، وفشلت جميع تدابيره.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٦٢.

٨٩

خطاب أبي بكر

واستغلّ أبو بكر الموقف، وأراد صاحبه عمر أن يفتح الحديث مع الأنصار، فنهره أبو بكر؛ لعلمه بشدّته وهي لا تساعد في مثل هذا الموقف الملبّد الذي يجب أن تستعمل فيه الأساليب السياسيّة والكلمات الناعمة لكسب الموقف.

فبادر أبو بكر فخاطب الأنصار بكلمات معسولة وبسمات فيّاضة بالبشر، قائلاً: نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، وأحسنهم وجوهاً، وأمسّهم برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين، نصرتم الإسلام وواسيتم فجزاكم الله خيراً، فنحن الاُمراء وأنتم الوزراء.

لا تدين العرب إلاّ لهذا الحيّ من قريش، فلا تنفسوا على إخوتكم المهاجرين ما فضّلهم الله به، فقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، يعني عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة بن الجراح(١) .

ولم يعرض هذا الخطاب إلى وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) التي هي أعظم كارثة مُني بها المسلمون، فكان الواجب أن يُعزّي المسلمين بوفاة منقذهم ونبيّهم، كما أنّ الواجب يقضي بتأخير المؤتمر إلى بعد مواراة النبي (صلّى الله عليه وآله) حتّى يجتمع جميع المسلمين وينتخبوا عن إرادتهم وحرّيتهم مَنْ شاؤوا.

وشيء آخر في هذا الخطاب أنّه لم يمعن إلاّ بطلب الإمرة والسلطان؛ فقد طلب من الأنصار أن يتنازلوا عن الخلافة إلى المهاجرين، وأنّهم سينالون عوض ذلك الوزارة، إلاّ أنّه لمّا تمّ الأمر لأبي بكر أقصاهم ولم يمنحهم أيّ منصبٍ من مناصب الدولة.

وممّا يؤخذ على هذا الخطاب أنّه تجاهل بصورة كاملة أهل البيت (عليهم السّلام) الذين هم

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٦٢.

٩٠

وديعة النبي في اُمّته، والثقل الأكبر فيها، فلم يُشر إليهم أبو بكر بقليل ولا بكثير.

بيعة أبي بكر

وانبرى حزب أبي بكر إلى تأييده، فكان من أعظم المناصرين له عمر بن الخطاب، وسارع إلى بيعته مع بقية أعضاء حزبه خوفاً من تطوّر الأحداث، واشتدّ عمر في إرغام الناس على بيعة أبي بكر، وقد لعبت درّته شوطاً في الميدان، وقد سمع الأنصار يقولون: قتلتم سعداً! فجعل يقول بعنف: اقتلوه! قتله الله؛ فإنّه صاحب فتنة(١) .

وبعدما تمّت البيعة لأبي بكر بهذه السرعة الخاطفة أقبل به حزبه يزفّونه زفاف العروس إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يشترك أبو بكر ولا أيّ فرد من حزبه في تشييع جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومواراته؛ فقد انشلغوا بالمُلك والسلطان وتدبير اُمورهم.

لقد أُهمل في بيعة أبي بكر رأي العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم، فلم يُعنَ بها، ولم يُؤخذ رأيها، ومنذ ذلك اليوم واجهت جميع ألوان الرزايا والنكبات، وما كارثة كربلاء وغيرها من مآسي العترة الطاهرة إلاّ وهي متفرّعة من يوم السقيفة حسبما نصّت عليه الوثائق التاريخية والدراسات العلميّة.

امتناع الإمام (عليه السّلام) عن البيعة

والتاع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من بيعة أبي بكر، واعتبرها تعدّياً صارخاً عليه، فقد كان محلّه من الخلافة محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه

____________________

(١) العقد الفريد ٣ / ٦٢.

٩١

الطير على حدّ تعبيره، وقد تخلّف عن بيعة أبي بكر وأعلن معارضته لها، وقد شاع ذلك بين المسلمين. ومَنْ يقرأ نهج البلاغة يجد فيه لواحات من تذمّره وأساه على ضياع حقّه.

إرغامه على البيعة

وأجمع أبو بكر وسائر أعضاء حزبه على إرغام الإمام على البيعة لأبي بكر وحمله بالقوّة عليها، فأرسلوا إليه شرطتهم فكبسوا داره وأخرجوه منها بالقسر والقوّة، وجاءوا به إلى أبي بكر، فصاحوا به: بايع أبا بكر...

فأجابهم الإمام بمنطقه الفيّاض وحجّته الحاسمة، قائلاً:«أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا اُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً!

ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد (صلّى الله عليه وآله) منكم، فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار؛ نحن أولى برسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيّاً وميّتاً، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون» .

وأعلن الإمام بهذا الخطاب الرائع أنّه أولى بمركز النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأحقّ بخلافته من غيره، فهو أقرب الناس وألصق بالرسول (صلّى الله عليه وآله) من المهاجرين الذين فازوا بالحكم لقربهم من النبي، فهو ابن عمّه وأبو سبطيه، ولا يملك أحد من القرب إلى النبي غيره.

وثار ابن الخطاب بعد أن أعوزته الحجّة والبرهان، فاندفع بعنفٍ قائلاً: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع.

٩٢

فزجره الإمام (عليه السّلام) قائلاً:«احلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره، يردده عليك غداً» .

وكشف الإمام الوجه في اندفاع ابن الخطاب وتهالكه على نصرة أبي بكر؛ فإنّه يأمل أن ترجع إليه الخلافة والملك بعد أبي بكر.

وثار الإمام (عليه السّلام) وهتف قائلاً:«والله يا عمر، لا أقبل قولك ولا أبايعه» .

وخاف أبو بكر من تطوّر الأحداث، وخشي أن ترجع إلى المسلمين حوازب أحلامهم فيقصوه عن منصبه، فخاطب الإمام بناعم القول: إن لم تبايع فلا اُكرهك.

وانبرى أبو عبيدة بن الجراح وهو من أبرز حزب أبي بكر، فخاطب الإمام قائلاً: يابن عمّ، إنّك حدث السن، وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتم بالاُمور، ولا أرى إلاّ أبا بكر أقوى على هذا الأمر منك، وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر؛ فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق؛ في فضلك ودينك، وعلمك وفهمك، وسابقتك ونسبك وصهرك.

وليس في هذا القول إلاّ الخداع والتضليل؛ فإنّ التقدّم في السن ليس له أيّ ترجيح في منصب الخلافة التي تتطلّب الطاقات الخلاّقة بما تحتاج إليه الاُمّة في الميادين السياسيّة والاقتصادية والقضائية، ولا يملك أحد المسلمين ذلك غير الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

وأثارت مخادعة أبي عبيدة كوامن الألم في نفس الإمام، فانبرى يخاطب المهاجرين قائلاً:

٩٣

«الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه؛ فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به؛ لأنّا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم.

ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، الدافع عنهم الاُمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية؟ والله إنّه لفينا، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بُعداً» (١) .

وحفلت هذه الكلمات بالصفات الرفيعة الماثلة في أهل بيت النبوّة من الفقه بدين الله، والعلم بسنن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والإحاطة بما تحتاج إليه الاُمّة في مجالاتها الاقتصادية والسياسيّة ولا تتوفّر بعض هذه الصفات في غيرهم، ولو أنّ القوم استجابوا لنداء الإمام لجنّبوا العالم الإسلامي الكثير من المشكلات والأزمات ولكنّهم انسابوا وراء أطماعهم وشهواتهم وتهالكهم على الإمرة والسلطان.

وعلى أيّ حال، فقد رجع الإمام (عليه السّلام) إلى داره لم يبايع أبا بكر، وقد أحاطت به موجات من الأسى على ضياع حقّه وحرمان الاُمّة من قيادته، وقد التاعت سيّدة النساء زينب وغزاها الحزن على ما حلّ بأبيها من الآلام والكوارث؛ فقد رأته جالساً في بيته يساور الهموم والأحزان، وحوله اُمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السّلام) وهي تبكي أباها، وتندبه بأشجى ما تكون الندبة، وقد شاركت زوجها في مصابه على ضياع حقّه، ونهب مركزه ومقامه.

إجراءات صارمة

وقضت سياسة أبي بكر أن يقابل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بجميع الإجراءات الصارمة؛

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ١١ - ١٢.

٩٤

لأنّه الممثّل الوحيد للقوى المعارضة لحكومته. ومن بين تلك الوسائل التي سلكها أبو بكر:

١ - إسقاط الخمس

أمّا الخمس فهو حقّ مفروض لآل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نصّ عليه القرآن الكريم، قال تعالى:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) ، وأجمع الرواة أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يختصّ بسهم من الخمس ويخصّ أرحامه بسهم آخر منه، وكانت هذه سيرته إلى أن اختاره الله إلى جواره.

ولمّا ولي أبو بكر أسقط سهم النبي، وسهم ذي القربى، ومنع بني هاشم من الخمس(٢) ؛ وبذلك فقد قضى على أهم مورد اقتصادي لهم. وقد أرسلت سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) إلى أبي بكر تسأله أن يدفع إليها ما بقي من خمس (خيبر)، فأبى أن يدفع إليها شيئاً(٣) ؛ وبذلك فقد ترك شبح الفقر على آل النبي، وحجب عنهم ما فرضه الله لهم.

٢ - الاستيلاء على تركة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)

واستولى أبو بكر على جميع ما تركه الرسول (صلّى الله عليه وآله) من بلغة العيش وحازه إلى بيت المال، وبذلك فقد فرض حصاراً اقتصادياً على آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) حتّى لا يتمكّنون من القيام بأيّ حركة ضدّه.

٣ - تأميم فدك

وأمّم أبو بكر (فدكاً) وصادرها من أهل البيت، ومنعهم من أخذ وارداتها،

____________________

(١) سورة الأنفال / ٤١.

(٢) الكشّاف ٢ / ١٥٨ - ١٥٩ (في تفسير آية الخمس).

(٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ٢٦٠.

٩٥

وقد ضيّق عليهم بذلك غاية التضييق، ومنع عنهم جميع وسائل العيش.

الزهراء (عليها السّلام) مع أبي بكر

والتاعت بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أبي بكر؛ فقد سدّ عليها جميع نوافذ الحياة الاقتصادية، فخرجت (سلام الله عليها) غضبى، فلاثت خمارها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى دخلت على أبي بكر وهو في جامع أبيها، وكان في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة.

فوقفت مفخرة الإسلام فأنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتجّ المجلس، فأمهلتهم حتّى إذا سكن نشيجهم وهدأت فورتهم افتتحت خطابها الخالد بحمد الله والثناء عليه، وانحدرت في خطابها كالسيل، فلم يُسمع أخطب ولا أبلغ منها، وحسبها أنّها بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي أفاض عليها بمكرمات نفسه، وغذّاها بحكمه وآدابه.

وتحدّثت في خطابها عن معارف الإسلام، وفلسفة تشريعاته، وعلل أحكامه، وعرضت إلى الحالة الراهنة التي كانت عليها اُمم العالم وشعوب الأرض قبل أن يشرق عليها نور الإسلام؛ فقد غرقت الاُمم بالجهل والانحطاط خصوصاً (الجزيرة العربية)؛ فقد كانت في أقصى مكان من الذلّ والهوان، وكانت الأكثرية الساحقة تقتاد القِدّ، وتشرب الطَرق، وترسف في قيود الفقر والبؤس إلى أن أنقذها الله بنبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فرفعها إلى واحات الحضارة وجعلها سادة الاُمم والشعوب، فما أعظم عائدته على العرب والمسلمين!

وعرضت سيّدة نساء العالمين في خطبتها إلى فضل ابن عمّها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وعظيم جهاده في نصرة الإسلام، وذبّه عن حياض الدين، في حين أنّ المهاجرين من قريش بالخصوص كانوا في رفاهية من العيش وادعين آمنين، لم

٩٦

يكن لهم أيّ ضلع في نصرة القضية الإسلاميّة والدفاع عنها، فلم يُؤثر عن أعلامهم أنّهم قتلوا مشركاً، أو برزوا ببسالة وصمود إلى مقارعة الأقران في الحروب، وإنّما كانوا ينكصون عند النزال، ويفرّون من القتال - على حدّ تعبيرها - وكانوا يتربّصون الدوائر بأهل بيت النبوّة، ويتوقعون بهم نزول الأحداث.

وأعربت مفخرة الإسلام في خطابها عن أسفها البالغ على ما مُني به المسلمون من الزيغ والانحراف، والاستجابة لدواعي الهوى والغرور، وذلك بإقصائهم لأهل البيت (عليهم السّلام) عن مركز القيادة العامة، وتنبّأت عمّا سيحلّ بهم من الكوارث والخطوب التي تدع فيئهم حصيداً، وجمعهم بديداً من جرّاء إبعادهم لأهل بيت النبوّة عن مقامهم الذي نصبهم فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ثمّ عرضت إلى حرمانها من إرث أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت:«وأنتم تزعمون أن لا إرث لي من أبي! ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) . وَيهاً أيّها المسلمون! أاُغلب على تراث أبي؟!».

ثمّ وجهت خطابها إلى أبي بكر:«يابن أبي قُحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) ؟ وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريّا، إذ يقول: ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ) ،وقال: ( وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) ،وقال: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ) ،

٩٧

وقال: ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .

وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم تقولون: إنّ أهل ملّتَين لا يتوارثان، أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟» .

وبعدما أدلت بهذه الحجج الدامغة المدعمة بآيات من القرآن الكريم التي فنّدت فيها مزاعم أبي بكر من أنّ الأنبياء لا يورثون، التفتت إليه، فوجّهت إليه هذه الكلمات اللاذعة قائلةً:«فدونكها مرحولةً مزمومةً تكون معك في قبرك، وتلقاك يوم حشرك، فنِعمَ الحَكَم الله، ونِعمَ الزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، و ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ،( مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) » .

ثمّ اتّجهت نحو فتيان المسلمين تستنهض هممهم، وتوقظ عزائمهم للمطالبة بحقّها والثورة على الحكم القائم، قائلة:«يا معشر النقيبة، وأعضاد الملّة، وحضنة الإسلام، ما هذه الغَميزة في حقّي والسِنَة عن ظُلامتي؟ أما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المرء يُحفظ في وُلده؟ لَسرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالةً!

أتقولون: مات محمّد؟ لعمري، خطب جليل استوسع وهيُه، واستنهر فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال، واُضيع الحريم،

٩٨

وأُزيلت الحرمة، فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في أفنيتكم، ممساكم ومصبحكم، هتافاً هتافاً: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) » .

وأخذت سيّدة النساء تحفّز الأنصار، وتذكّرهم بجهادهم المشرق في نصرة الإسلام وحماية مبادئه وأهدافه وكفاحهم لأعدائه القرشيّين، طالبة منهم الثورة ضدّ الحكم القائم وإرجاع الحقّ إلى عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلة:«إيهاً بني قيلة (١) ! أأُهضَم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع، ومنتدى ومجمع، تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخُبرة، وأنتم ذوو العُدّة والعدد، والأداة والقوّة، وعندكم السلاح والجُنّة (٢) ، تُوافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تُغيثون، وأنتم موصوفون بالكِفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنُخبة التي انتُخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت؟!

قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكدّ والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البُهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حَلَب الأيّام، وخضعت نُعرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى جرتم (٣) بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان؟!

____________________

(١) بنو قيلة: هم الأوس والخزرج من الأنصار.

(٢) الجنّة (بالضم): ما يستتر به من السّلاح.

(٣) جرتم: أي ملتم.

٩٩

بؤساً لقوم ( نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِين ) » .

ولمّا رأت وهن الأنصار وتخاذلهم عن إجابة الحقّ، وجّهت لهم أعنف القول، وأشدّ العتب والتقريع، قائلة لهم:«ألا وقد قلتُ ما قلتُ، هذا على معرفة منّي بالجذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس، وبثّة الصدر، ونفثة الغيظ، وتقدمة الحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخفّ، باقية العار، موسومة بغضب الله، وشنار الأبد، موصولة بـ ( نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) ،عين الله ما تفعلون، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .

وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فـ ( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) )) (١) .

وهذا أروع خطاب ثوري عرفه التأريخ الإسلامي؛ فقد وضعت فيه مفخرة الإسلام النقاط على الحروف، ووضعت المسلمين أمام الأمر الواقع، وكشفت لهم عمّا سيواجهونه من الويلات والكوارث والأزمات من جراء تخاذلهم عن نصرة الإسلام أمام هذه المحنة الحازبة.

وقد وجلت القلوب وخشعت الأبصار، وأوشكت الثورة أن تحدث على أبي بكر ويُقصى عن منصبه إلاّ أنّه سيطر على الموقف بلباقة مذهلة فقد قابل بضعة الرسول بكلّ حفاوة وتكريم، وتصاغر أمامها، وأظهر لها أنّه لم يتقلّد منصب الحكم، ولم يتّخذ معها الإجراءات القاسية

____________________

(١) أعلام النساء ٣ / ٢٠٨، بلاغات النساء / ١٢ - ١٩.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

رواياته صحاحهم ، فكيف تعتبر أخبارهم ، وتلحظ بعين الصحّة والثقة بها؟!

٢٩٠ ـ ( خ م د ت ق ) محمّد بن طلحة بن مصرّف اليامي الكوفي(١) :

قال ابن معين : ثلاثة يتّقى حديثهم : محمّد بن طلحة ، وفليح بن سليمان ، وأيّوب بن عتبة ؛ سمعت هذا من أبي كامل مظفّر بن مدرك.

وقال مظفّر : قال محمّد بن طلحة : أدركت أبي كالحلم ؛ وقد روى عن أبيه أحاديث صالحة!

يب : قال عفّان : كان يروي عن أبيه ، وأبوه قديم الموت ، وكان الناس كأنّهم يكذّبونه ، ولكن من يجترئ أن يقول له : أنت تكذب ؛ كانمن فضله وكان.

٢٩١ ـ ( د س ق ) محمّد بن عبد الله بن علاثة ، أبو اليسر الحرّاني القاضي(٢) :

قال الأزدي : حديثه يدلّ على كذبه.

وقال الدارقطني : متروك.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ١٩٤ رقم ٧٧٢١ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٣ رقم ٦٢٢٣.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٢٠٢ رقم ٧٧٥٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٥٤ رقم ٦٢٨٤.

٢٤١

وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات.

يب : قال الحاكم : يروي الموضوعات ؛ ذاهب الحديث.

٢٩٢ ـ ( د ق ) محمّد بن عبد الرحمن بن البيلماني(١) :

قال ابن حبّان : حدّث عن أبيه بنسخة شبيها بمائتي حديث كلّها موضوعة.

يب : قال ابن معين : ليس بشيء.

وقال الحاكم : روى عن أبيه [ عن ابن عمر ] المعضلات.

٢٩٣ ـ ( ع ) محمّد بن عبيد بن أبي أميّة الطنافسي ، أخو يعلى(٢) :

يب : قال أحمد : كان يظهر السنّة ، وكان يخطئ ولا يرجع عن خطئه(٣) .

وقال العجلي : كان عثمانيا.

وقال [ ابن سعد ] : كان صاحب سنّة!

أقول :

يستفاد من المقام وغيره أنّ صاحب السنّة هو العثمانيّ ، أي الناصب

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٢٢٤ رقم ٧٨٣٣ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٧٦ رقم ٦٣١٢.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠٨ رقم ٦٣٦٢.

(٣) وورد مؤدّى الجملة الثانية في ترجمته من ميزان الاعتدال ٦ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ رقم ٧٩٢٣.

٢٤٢

العداوة لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

فهل من السنّة بغض أخي النبيّ ونفسه؟!

وهل من شرع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الثناء على مبغضي عليّ ، حتّى يمدحوا العثمانيّ بأنّه صاحب سنّة؟!

هذا ممّا تحير به العقول!!

٢٩٤ ـ ( ت ق )(١) محمّد بن عون الخراساني (٢) :

قال ( س ) : متروك(٣) .

وقال ابن معين : ليس بشيء(٤) .

يب : قال ( د ) : ليس بشيء.

وقال الدولابي والأزدي : متروك [ الحديث ].

٢٩٥ ـ ( ت د ق ) محمّد بن فضاء الأزدي ، أبو بحر البصري(٥) :

قال ابن معين : ليس بشيء.

__________________

(١) كذا في الأصل ؛ ولعلّه سهو ، وفي المصدرين وتهذيب الكمال ١٧ / ١٢٨ رقم ٦١١٧ : ( ق ) ؛ وقال المزّي في ترجمته : « روى له ابن ماجة حديثا واحدا ».

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٢٨٦ رقم ٨٠٣٧ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦١ رقم ٦٤٥٦.

(٣) في تهذيب التهذيب : متروك الحديث.

(٤) لم يرد قول ابن معين هذا في ميزان الاعتدال ، وإنّما ورد في تهذيب التهذيب فقط.

(٥) ميزان الاعتدال ٦ / ٢٩٥ رقم ٨٠٦٠ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٣٧٦ رقم ٦٤٧٦.

٢٤٣

وقال ( خ ) : كان سليمان بن حرب يقول : كان يبيع الشراب.

يب : قال ( س ) : ليس بثقة.

٢٩٦ ـ ( ت ق ) محمّد بن الفضل بن عطيّة(١) :

قال أحمد : حديثه حديث أهل الكذب.

وقال ابن معين : لا يكتب حديثه.

يب : قال الفلّاس ومسلم و ( س ) وابن خراش والدارقطني :

متروك(٢) .

وقال صالح جزرة : يضع الحديث.

وقال ابن معين والفلّاس(٣) و ( س ) وابن خراش وابن أبي شيبة(٤) وإسحاق بن سليمان ويحيى بن الضريس والجوزجاني : كان كذّابا.

٢٩٧ ـ ( ت ) محمّد بن القاسم الأسدي(٥) :

كذّبه أحمد والدارقطني.

يب : قال ( د ) : غير ثقة ولا مأمون ، أحاديثه موضوعة.

وقال الأزدي : متروك.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٢٩٦ رقم ٨٠٦٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٣٧٧ رقم ٦٤٧٨.

(٢) هذا قول الدارقطني ، أمّا الأربعة الآخرون فقد قالوا : متروك الحديث.

(٣) وكذا جاء عنهما في ميزان الاعتدال أيضا.

(٤) وكذا جاء عنه في ميزان الاعتدال أيضا.

(٥) ميزان الاعتدال ٦ / ٣٠١ رقم ٨٠٧٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٢ رقم ٦٤٨٢.

٢٤٤

٢٩٨ ـ ( د ت س ) محمّد بن كثير الصنعاني المصّيصي(١) :

ضعّفه أحمد جدّا.

وقال : حدّث بمناكير ليس لها أصل.

وقال يونس بن حبيب : قلت لابن المديني : إنّه حدّث عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر وعمر ، فقال : « هذان سيّدا كهول أهل الجنّة »(٢) الحديث

فقال عليّ : كنت أشتهي أن أرى هذا الشيخ ، فالآن لا أحبّ أن أراه!

يب : قال أحمد : لم يكن عندي ثقة ؛ قيل له : كيف سمعت من

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٣١١ رقم ٨١٠٦ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٣٩١ رقم ٦٥٠٣.

والمصّيصي ـ بكسر الميم ، وقيل بفتحها ، وصادين مهملتين الأولى مشدّدة مكسورة ، بينهما الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ـ : هي نسبة إلى بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام ، بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس.

انظر : الأنساب ـ للسمعاني ـ ٥ / ٣١٥ ، معجم البلدان ٥ / ١٦٩ رقم ١١٣١٥.

(٢) وهذا ثابت الوضع واضح البطلان ؛ وقد صنّف السيّد عليّ الحسيني الميلاني رسالة خاصّة في إثبات وضع هذا الحديث وبطلانه ، سندا ودلالة ، نشرت أوّلا في مجلّة « تراثنا » العدد ٢٧ ، السنة السابعة ، ١٤١٢ ه‍ ، ضمن مقال « أحاديث مقلوبة في مناقب الصحابة » ، ص ٣٦ ـ ١٠٤ ، فكانت هي الحديث الثالث منه ، وشغلت الصفحات ٥٠ ـ ٥٨.

ثمّ نشرها المؤلّف ثانية ، سنة ١٤١٣ ه‍ ، ضمن كتابه « الإمامة في أهمّ الكتب الكلامية » ، ص ٤٤٩ ـ ٤٥٨.

ثمّ نشرها ثالثة ، سنة ١٤١٨ ه‍ ، ضمن كتابه « الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب السنّة » ، فكانت هي الرسالة السابعة من بينها ، وشغلت الصفحات ١٩ ـ ٢٧ ؛ فراجع.

٢٤٥

معمر؟ قال : سمعت منه باليمن ، بعث بها إلى إنسان من اليمن.

٢٩٩ ـ ( ق ) محمّد بن محصن العكّاشي(١) :

قال الدارقطني : متروك ، يضع.

يب : قال ابن معين وأبو حاتم : كذّاب.

وقال ابن حبّان : يضع الحديث.

٣٠٠ ـ ( ع ) محمّد بن مسلم بن تدرس ، أبو الزبير المكّي(٢) :

قال سويد بن عبد العزيز : قال لي شعبة : تأخذ عنه وهو لا يحسن أن يصلّي؟!

وقال ورقاء : قلت لشعبة : ما لك تركت حديث أبي الزبير؟! قال :

[ رأيته ] يزن ويسترجح بالميزان.

يب : قال نعيم بن حمّاد : سمعت هشيما يقول : سمعت من أبي الزبير ، فأخذ شعبة كتابي فمزّقه(٣) .

ن : قال يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعي ، واحتجّ عليه

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٣١٩ رقم ٨١٢٦ وانظر : ج ٦ / ٦٣ رقم ٧٢٠٨ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٠٥ رقم ٦٥١٩.

والعكّاشي ـ بضمّ أوّله وتشديد ثانيه وشين معجمة ـ : نسبة إلى جدّه عكّاشة ابن محصن ؛ انظر : الأنساب ـ للسمعاني ـ ٤ / ٢٢٠.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٣٣٢ رقم ٨١٧٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤١٥ رقم ٦٥٤٣.

(٣) هذا القول ليس من مختصّات تهذيب التهذيب ، فقد ورد في ترجمته من ميزان الاعتدال أيضا ، فلاحظ.

٢٤٦

[ رجل ] بحديث [ عن ] أبي الزبير ، فغضب ، وقال : أبو الزبير يحتاج إلى دعامة!(١) .

وكان ابن حزم يردّ من حديثه ما يقول فيه : « عن جابر » ونحوه ؛ لأنّه عندهم ممّن يدلّس.

٣٠١ ـ ( د ت ق ) محمّد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي(٢) :

ن : مجهول.

يب : قال أبو حاتم والدارقطني : مجهول.

وقال أحمد : لا يعرف.

٣٠٢ ـ ( م ت ق ) محمّد بن يزيد بن محمّد بن كثير ، أبو هشام الرفاعي ، قاضي بغداد(٣) :

قال ( خ ) : رأيتهم مجمعين على ضعفه.

وقال ابن نمير : يسرق الحديث.

وقال أيضا : أضعفنا طلبا ، وأكثرنا غرائب.

يب : قال الحسين بن إدريس : سألت عثمان بن أبي شيبة عنه فقال :

يسرق حديث غيره فيرويه!

قلت : أعلى وجه التدليس أو الكذب؟

__________________

(١) وقد جاء قول الشافعي هذا في ترجمته من تهذيب التهذيب أيضا.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٣٦٩ رقم ٨٣٢٨ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٩٢ رقم ٦٦٥٦.

(٣) ميزان الاعتدال ٦ / ٣٧٠ رقم ٨٣٣٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٩٤ رقم ٦٦٦٠.

٢٤٧

قال : كيف يكون تدليسا وهو يقول : « حدّثنا »؟!

٣٠٣ ـ ( ت ق ) محمّد بن يعلى السلمي ، أبو عليّ ، الملقّب ب‍ : زنبور(١) :

قال ( خ ) : ذاهب الحديث.

وقال أبو حاتم : متروك(٢) .

وقال ( س ) : ليس بثقة.

يب : قال العجلي : ترك الناس حديثه.

٣٠٤ ـ ( م د س ) مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشجّ ، أبو المسور(٣) :

يب : قال ابن معين : وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه.

وقال الساجي : يدلّس.

ن : قال ابن معين : ليس [ حديثه ] بشيء.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٣٧٣ رقم ٨٣٤٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٥٠٠ رقم ٦٦٧٠.

(٢) في تهذيب التهذيب : متروك الحديث.

(٣) ميزان الاعتدال ٦ / ٣٨٦ رقم ٨٣٩٠ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٨٥ رقم ٦٧٩٤.

والشجّة : الجرح في الوجه والرأس خاصّة ، ولا يكون في غيرهما من الجسم ، ورجل أشجّ : إذا كان في جبينه أثر الشجّة.

انظر : الصحاح ١ / ٣٢٣ ، لسان العرب ٧ / ٣٢ ، تاج العروس ٣ / ٤١٠ ، مادّة « شجج ».

٢٤٨

وقال أحمد : لم يسمع من أبيه [ شيئا ](١) .

٣٠٥ ـ ( ق ) مروان بن سالم الغفاري الشامي الجزري ، مولى بني أميّة(٢) :

قال أحمد : ليس بثقة(٣) .

وقال الدارقطني : متروك [ الحديث ](٤) .

وقال أبو عروبة الحرّاني : يضع الحديث.

يب : قال ( س ) : متروك [ الحديث ](٥) .

وقال الساجي : كذّاب ، يضع الحديث.

وقال أبو حاتم : لا يكتب حديثه.

٣٠٦ ـ ( خ ق ) مطّرح بن يزيد الأسدي ، أبو المهلّب(٦) :

ن : مجمع على ضعفه.

__________________

(١) أضفناه من تهذيب التهذيب ، إذ إنّ قول أحمد هذا ليس من مختصّات ميزان الاعتدال ؛ فلاحظ.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٣٩٧ رقم ٨٤٣١ ، تهذيب التهذيب ٨ / ١١٢ رقم ٦٨٤٠.

(٣) لم يرد قول أحمد هذا في ميزان الاعتدال.

(٤) لم يرد قول الدارقطني هذا في ميزان الاعتدال ، وما بين المعقوفتين من تهذيب التهذيب.

(٥) وقد ورد قول النسائي هذا في ميزان الاعتدال أيضا.

(٦) ميزان الاعتدال ٦ / ٤٤١ رقم ٨٥٨٦ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٢٠٢ رقم ٦٩٧٥.

٢٤٩

وقال يحيى : ليس بثقة.

يب : قال يحيى والنسائي(١) : ليس بشيء.

٣٠٧ ـ ( د ت ق ) مظاهر بن أسلم(٢) :

قال ابن معين : ليس بشيء.

يب : قال أبو عاصم النبيل : ليس بالبصرة حديث أنكر من حديثه.

وقال ( د ) : مجهول.

أقول :

فكيف روى عنه ( د ) وهو لا يروي إلّا عن ثقة ، كما ذكره في يب بترجمة داود بن أميّة؟!(٣) .

٣٠٨ ـ ( م ٤ ) معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي ، قاضي الأندلس(٤) :

قال ابن معين : كان ابن مهدي إذا حدّث بحديثه زبره يحيى بن

__________________

(١) كان في الأصل : « أبو زرعة » وهو سهو ، وما أثبتناه من المصدر وتهذيب الكمال ١٨ / ١٤٠ رقم ٦٥٩١.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٤٥١ رقم ٨٦٠٨ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٢١٦ رقم ٦٩٩٦.

(٣) تهذيب التهذيب ٣ / ٣ رقم ١٨٣٩.

(٤) ميزان الاعتدال ٦ / ٤٥٦ رقم ٨٦٣٠ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٢٤٤ رقم ٧٠٤٠.

٢٥٠

سعيد.

يب : قال أبو إسحاق الفزاري : ما كان بأهل أن يروى عنه.

وقال موسى بن سلمة : تركته ولم أكتب عنه.

٣٠٩ ـ ( ت ق ) معاوية بن يحيى ، أبو روح الصدفي الدمشقي(١) :

قال ابن معين : ليس بشيء.

زاد في يب : هالك.

وفييب أيضا : قال الجوزجاني : ذاهب الحديث.

وقال ( س ) : ليس بشيء.

وقال أحمد : تركناه.

وقال ابن حبّان : كان يشتري الكتب ويحدّث بها ، ثمّ تغيّر حفظه ، فكان يحدّث بالوهم(٢) .

٣١٠ ـ ( ع ) معلّى بن منصور ، أبو يعلى(٣) :

ن : حكى ابن أبي حاتم عن أبيه : قيل لأحمد : كيف لم تكتب عنه؟!

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٤٦٠ رقم ٨٦٤١ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٢٥٣ رقم ٧٠٥٠.

(٢) وقد جاء قول ابن حبّان في ميزان الاعتدال بهذا اللفظ : « كان يسرق الكتب ويحدّث بها ، ثمّ تغيّر حفظه » ؛ فلاحظ.

(٣) ميزان الاعتدال ٦ / ٤٧٦ رقم ٨٦٨٢ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٢٧٧ رقم ٧٠٨٤.

٢٥١

قال : يكذب(١) .

يب : نقل عبد الحقّ عن أحمد أنّه رماه بالكذب.

وقال ابن سعد : من أصحاب الحديث من لا يروي عنه.

٣١١ ـ ( ق ) معلّى بن هلال الطحّان(٢) :

قال ابن معين : هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث.

وقال أحمد : أحاديثه موضوعة.

وقال ابن المبارك لوكيع : عندنا شيخ يضع كما يضع المعلّى.

وذكر في يب جماعة تزيد على عشرة وصفوه بالكذب.

٣١٢ ـ ( ع ) المغيرة بن مقسم ، أبو هشام ، الفقيه الكوفي(٣) :

قال ابن فضيل : يدلّس.

يب : قال أحمد : حديثه مدخول ، عامّة ما روى عن إبراهيم إنّما سمعه من حمّاد ، ومن يزيد بن الوليد ، والحارث العكلي ، وعبيدة ، وغيرهم.

وقال العجلي : كان عثمانيا.

__________________

(١) وورد مؤدّاه في ترجمته من تهذيب التهذيب أيضا.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٤٧٨ رقم ٨٦٨٥ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٢٧٩ رقم ٧٠٨٥.

(٣) ميزان الاعتدال ٦ / ٤٩٦ رقم ٨٧٢٩ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٠٩ رقم ٧١٢٨.

٢٥٢

وقال إسماعيل القاضي : ليس بالقويّ فيمن لقي ، لأنّه يدلّس ، فكيف إذا أرسل؟!

وقال ابن حبّان : كان مدلّسا.

٣١٣ ـ ( م ٤ ) مقاتل بن حيّان النبطي ، أبو بسطام ، البلخي الخزّاز(١) :

كان أحمد لا يعبأ به.

ونقل الأزدي عن وكيع أنّه كذّبه.

٣١٤ ـ ( م ٤ ) مكحول الدمشقي الشامي(٢) :

ن : صاحب تدليس.

وقال ابن سعد : ضعّفه جماعة.

يب : قال ابن سعد : كان يقول بالقدر ، وكان ضعيفا في حديثه

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٣ رقم ٨٧٤٥ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣١٩ رقم ٧١٤٥.

وهكذا ضبط اللقب في الأصل بمعجمة وزاءين منقوطتين ، وهو موافق لما في تقريب التهذيب ٢ / ٦٠١ رقم ٧١٤٥.

أمّا في ميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب والأنساب ـ للسمعاني ـ ٢ / ٣٣٥ مادّة « الخرّاز » ، وتهذيب الكمال ١٨ / ٣٣٧ رقم ٦٧٥٤ ، وتذكرة الحفّاظ ١ / ١٧٤ رقم ١٦٨ ، وسير أعلام النبلاء ٦ / ٣٤٠ رقم ١٤٤ ، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه ١ / ٣٣٠ ، فقد ضبط هكذا : « الخرّاز » بخاء معجمة وراء مهملة وزاي معجمة ؛ فلاحظ.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٩ رقم ٨٧٥٦ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣٢ رقم ٧١٥٤.

٢٥٣

ورأيه.

٣١٥ ـ ( ت ق ) موسى بن عبيدة الربذي(١) :

قال أحمد : لا يكتب حديثه.

وقال ابن معين : ليس بشيء.

وقال يحيى بن سعيد : كنّا نتّقيه(٢) .

يب : قال أحمد مرّة : لا يشتغل به.

وأخرى : لا تحلّ الرواية عنه عندي.

٣١٦ ـ ( ت ق ) موسى بن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي(٣) :

قال ابن معين : ليس بشيء ، ولا يكتب حديثه.

وقال الدارقطني : متروك.

يب : قال ( د ) : لا يكتب حديثه.

٣١٧ ـ ( خ د ت ق ) موسى بن مسعود ، أبو حذيفة ، النهدي البصري(٤) :

قال الفلّاس : لا يحدّث عنه من يبصر(٥) الحديث.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٥١ رقم ٨٩٠٢ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤١١ رقم ٧٢٧١.

(٢) في المصدرين : « كنّا نتّقي حديثه ».

(٣) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٥٧ رقم ٨٩٢١ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤٢٣ رقم ٧٢٨٨.

(٤) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٦٢ رقم ٨٩٣٠ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤٢٤ رقم ٧٢٩٢.

(٥) كان في الأصل : « ينصر » ؛ وما أثبتناه من المصدرين.

٢٥٤

يب : قال بندار : كتبت عنه كثيرا ثمّ تركته.

وقال أحمد : شبه لا شيء.

٣١٨ ـ ( ت ق ) ميمون بن موسى المرئي(١) :

قال أحمد : يدلّس.

يب : قال الفلّاس : يدلّس.

وقال ابن حبّان : يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به.

* * *

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٧٧ رقم ٨٩٧٥ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤٤٩ رقم ٧٣٣٢.

٢٥٥
٢٥٦

حرف النون

٣١٩ ـ ( ٤ ) نجيح بن عبد الرحمن السندي ، أبو معشر(١) :

كان يحيى بن سعيد يضحك إذا ذكره.

يب : قال ابن المديني : كان ضعيفا ضعيفا.

وقال ابن معين : ليس بشيء.

وقال نصر بن طريف : أكذب من في السماء و [ من في ] الأرض.

وقال أبو نعيم : روى الموضوعات ، لا شيء.

٣٢٠ ـ ( ق ) نصر بن حمّاد الورّاق(٢) :

قال ابن معين : كذّاب.

وقال مسلم : ذاهب الحديث.

وقال صالح جزرة : لا يكتب حديثه.

يب : قال أبو حاتم والأزدي : متروك [ الحديث ].

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١٢ رقم ٩٠٢٤ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤٨٢ رقم ٧٣٨٠.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٠ رقم ٩٠٣٦ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤٨٩ رقم ٧٣٨٩.

٢٥٧

٣٢١ ـ ( م ٤ ) النعمان بن راشد الجزري ، أبو إسحاق ، مولى بني أميّة(١) :

يب : قال ابن معين : ليس بشيء.

وضعّفه يحيى القطّان جدّا.

٣٢٢ ـ ( خ د ت ق ) نعيم بن حمّاد الخزاعي ، أبو عبد الله(٢) :

قال ( د ) : كان عنده نحو عشرين حديثا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا أصل لها.

يب : قال الدولابي : قال ( س ) : ضعيف(٣) .

وقال غيره : [ كان ] يضع الحديث في تقوية السنّة.

وقال الأزدي : قالوا : يضع الحديث في تقوية السنّة(٤) .

وقال ابن معين : ليس [ في الحديث ] بشيء.

٣٢٣ ـ ( م س ت ق ) نعيم بن أبي هند الأشجعي الكوفي(٥) :

قال أبو حاتم : قيل للثوري : لم لم تسمع منه؟! قال : كان يتناول عليّاعليه‌السلام .

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٥١٨ رقم ٧٤٣٤.

(٢) ميزان الاعتدال ٨ / ٤١ رقم ٩١٠٩ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٥٢٦ رقم ٧٤٤٦.

(٣) وقد جاء قول النسائي هذا في ترجمته من ميزان الاعتدال أيضا.

(٤) وقد جاء قول الأزدي هذا في ترجمته من ميزان الاعتدال أيضا.

(٥) ميزان الاعتدال ٧ / ٤٥ رقم ٩١١٩ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٥٣٦ رقم ٧٤٥٨.

٢٥٨

ن : هو لون غريب ، كوفيّ ناصبيّ!

٣٢٤ ـ ( ت ق ) نفيع بن الحارث ، أبو داود الأعمى ، القاصّ الكوفي(١) :

قال ( س ) والدارقطني : متروك(٢) .

يب : قال ابن معين : ليس بشيء(٣) ، يضع.

وقال ( س ) مرّة : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه.

وقال الحاكم : روى أحاديث موضوعة.

وقال الدولابي : متروك.

٣٢٥ ـ ( د ت ق ) النهّاس بن قهم القيسي ، أبو الخطّاب البصري(٤) :

تركه يحيى القطّان.

يب : قال ابن معين مرّة : ليس بشيء.

وقال ابن عديّ : لا يساوي شيئا.

* * *

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٤٦ رقم ٩١٢٢ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٥٣٨ رقم ٧٤٦١.

(٢) هذا قول النسائي في « ميزان الاعتدال » والدارقطني في « تهذيب التهذيب » ؛ أمّا قول النسائي في « تهذيب التهذيب » والدارقطني في « ميزان الاعتدال » فهو : متروك الحديث.

(٣) وجاء عنه مثله في ميزان الاعتدال أيضا.

(٤) ميزان الاعتدال ٧ / ٤٩ رقم ٩١٣١ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٥٤٨ رقم ٧٤٧٧.

٢٥٩
٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343