حول نهضة الحسين (عليه السلام)
0%
مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 37
مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
تصنيف: الصفحات: 37
المشاهدات: 6728
تحميل: 4815
توضيحات:
مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 37
مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
حولنهضةالحسينعليهالسلام
السيّد محمّد الرضا الحسيني الجلالي
مقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمّد وآله الطاهرين.
إنّ في تاريخ الإسلام الأبلج قضايا غربت بعد أن نبعت، وأحدثت في النفوس آثاراً متوقّعة منها، وما دار عليها زمن قصير إلاّ وذهبت أدراج الأمور المعطّلة لا يجري لها ذكر.
وهناك قضايا غمرت أفكار المفكّرين قبل أن تحدث، فيبحثون فيما هو السبب أن تحدث، والنتائج المترتّبة على وقوعها، والقائم بها، وبعد وقوعها تسري في أعمق طالبي الحقائق باستطلاع صميم الوقائع، واستقصاء القرائن من قريب وبعيد. وهذه الثلّة من القضايا هي المرتكزة في قرارة النفوس، والمرتسمة في مرايا الأفكار؛ لا يمحوها كرّ الأزمان، وانقلاب الأعمار.
وفي مقدّمة هذه الثلّة قضيّة تاريخية عظيمة استعملت من إمكانيات المفكّرين والمصلحين أكثر ممّا حصلت عليه أيّة قضيّة أُخرى، وهي نهضة أبي الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين بن عليعليهماالسلام ؛ فإنّها بعظمة الناهض بها، وهول وقوعها، وعمق أسرارها انطوت على عظمة محيّرة للعقول، شذّ تفسيرها عن قول العقل، وليس بإمكانه تفسيرها إلاّ بـ (السرّ الإلهي الخالد).
ولذلك لا يمرّ بها عابر على سطح التأريخ الإسلامي إلاّ وتدور في خلده أسئلة تدلّ على شعوره بعظمة الأمر، فيروح سائلاً: لماذا خرج الحسينعليهالسلام إلى العراق من مقرّه؟ وما هي نتائج
نهضته المقدّسة؟ ولماذا لم يصالح يزيد؟ ولماذا أخرج أهل بيته؟ إلى غيرها من الأُمور، وكذلك جوبهت (لجنة الثقافة الدينيّة) الموقّرة من أحد قرّائها بهذه الأسئلة، واختارتني اللجنة لأُمثّلها في الجواب ; فكان - ممّا بذلت من الجهد - للجواب هذا الكتاب.
وبعد، فهذا عرض وجيز في هذه المواضيع تلقّيته من أُمّهات المصادر التأريخيّة عسى أن أكون محلّلاً بعض هذه الأبحاث، ومؤدّياً لبعض ما يجب عليّ تجاه هذه الثورة المقدّسة.
ووطيد الأمل أن يجوز رضا المتأمّلين فيه، وأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم إنّه قريب مجيب.
كربلاء المقدّسة 3/12/1385
محمّد الرضا الحسيني الجلالي
تمهيد
إنّ ثورة سيّد الشهداءعليهالسلام من الحركات الإصلاحية التي حازت السبق في ميادين الخلود والذكر، وفاقت كلّها للحقّ غناءً وخصباً؛ فعلينا إذا أردنا الإحاطة بها، ومعرفة فلسفتها أن نعرف:
أوّلاً: البيئة التي قامت فيها الثورة.
ثانياً: السلطة المسيطرة في ذلك الأوان.
أمّا بيئة الثورة، فبإمكاننا أن نلخّصها تحت كلمة وسيعة المحيط، عميقة الغور [وهي] (الخمود) بجميع معانيه:
1 - الخمود الديني: حيث لم يبقَ للإسلام إلاّ اسمه، وللقرآن إلاّ رسمه، ومعالم الدين منطمسة، وأعلامه منكّسة، لا حرمة لمظاهر، ولا ذكر عن مآثره.
2 - الخمود العلمي: حيث لم يقم فيه المسلمون بعمل يذكر في التأريخ، والتأخّر مسيطر عليهم في كلّ أُمورهم ; فلا فتح، ولا ظفر، ولا ثقافة، ولا ثروة إلاّ الخسائر المتعاقبة من كلّ الجهات.
3 - الخمود الفكري: حيث لم ينشأ فيها مفكّر بصير، أو مخترع يفتخر به، إلاّ قتل الأحرار من المفكّرين، وإخلاء الأرض منهم.
4 - خمود القوّة في الأُمّة: حيث لم يوجد فيها مَنْ يحفّزهم إلى جمع الشمل ونبذ البغضاء، أو مَنْ يفكّر في تحريرهم من ذلك الهوان، أو مَنْ يقدم إلى تحسين الحالة الاجتماعية السوأى حينذاك؛ فالخوف مطبق على حركاتهم وسكناتهم، لا يتمكّنون الفرار منه، إلى غير هذه ممّا يدخل في مفهوم (الخمود الوسيع).
وأمّا السلطة الحاكمة، فكانت سلطة الحكم الأُموي، وسيطرة الأُمويين الذين ما
كان جهدهم إلاّ إخماد (صوت الإسلام)، وإحياء (كلمة الجاهلية).
وحقيقة هذا الحكم وتأريخه يتّصل بتأريخ عليعليهالسلام ومعاوية، والنبيصلىاللهعليهوآله وأبي سفيان، فكانت قلوبهم البعيدة عن الحقّ ملأى بالأحقاد البدرية والحنينية وغيرهما؛ يتربّصون الدوائر لإظهار ما بباطنهم من داء، وما بجوانبهم من رواسب الجاهلية، حتّى إذا تربّعوا على أريكة الحكم فكان من معاوية ما كان؛ من منعه الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام عن نشر حقائق الإسلام، وصدّه عن إرشاد الأُمّة إلى ما فيه خيرها وصلاحها، ومن بثّ الغوغاء في الأُمّة بتتابع شنّ الغارات، وتوالي إيقاد الحروب، ومن إطلاق سراح المجرمين الجامحين عن حكم الإسلام يعيثون في الأرض فساداً، ومن قتل الأبرياء من الصلحاء مهاجرين وأنصاراً، إلى غيرها من المفاسد التي ابتدعها في الإسلام، وأعظمها تولية ابنه الفاجر (يزيد) على دست الحكم الإسلامي.
وما تولّى يزيد الحكم (وهو الذي يريد هتك كلّ حرمات الدين) إلاّ وتجسّد فيه عداء أبي سفيان جدّه ومعاوية أبيه للحقّ مجتمعاً إلى عدائه، وكان الحقّ متجسّداً في الحسين السبطعليهالسلام ، متمثّلاً في دعوة جدّه رسول اللهصلىاللهعليهوآله الواضحة على جبهته، وإيمان أبيه علي بن أبي طالبعليهالسلام المزيد على قوّته، فكان هناك صدام عنيف.
وماذا ترى حصل من هذا الاصطدام؟ نعم، حصلت من ذلك ثورة أبي عبد الله الحسينعليهالسلام ، وهذا بيّن لمَنْ تنقّب المواضع المارّة.
أمّا لماذا خرج الحسينعليهالسلام من مدينة جدّه؟
الفصل الأوّل
أسباب خروج الإمام من المدينة إلى العراق
وقف الإمام - آنذاك - موقفاً عصيباً من أدقّ المواقف وأحرجها؛ فإمّا أن يبايع يزيد الكفر وبذلك يُقضى عليه وعلى دين الله، وإمّا أن لا يبايع وهذا هو المتوقّع منه؛ فإمّا أن يكره على البيعة، وإمّا أن يُقتل دون أن يبايع، وبقتله تقتل قريش كلّها، وبقتلها تكون مقتلة عظيمة.
إذاً، فماذا يفعل؟ ماذا يلزم عليه؟ إنّه لا يبايع، ولكنّه يهاجر من المدينة إلى مكّة، ويهاجر من مكّة إلى العراق ليأمن بغي يزيد وأُمرائه وأحزابه، فارّاً مختفياً مترقّباً.
فيمكن بالنظر إلى الأمرين المارّين أن نحصر أهمّ أسباب خروجه من الحجاز إلى العراق في ما يلي:
الأوّل: الإصلاح
وهو أهمّ أسباب خروجهعليهالسلام ، وبه صرّح في أوّل وثيقة لثورته - وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة - قائلاً: «وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً(1) ، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّيصلىاللهعليهوآله ؛ أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب».
يُريدعليهالسلام إصلاح الأُمّة، وبإصلاحها يصلح الحكم، فهمّته العلياعليهالسلام هي إرشاد الأُمّة إلى السعادة، والأمان والثروة.
يُريد هداية الأُمّة إلى محاسن الإسلام، ويردّهم عن الظلام الأُموي. يُصلحها باسترجاع الإسلام، ورفع أعلامه؛ لأنّها كادت أن
____________________
(1) الأشر والبطر: المتكبّر عن قبول الحقّ.
تنكس بتلك الأيدي الآثمة.
يريد بذلك السير على كتاب الله، لا على خطط الوثنيّة، وعلى سنّة نبيّه، لا على سنن الجاهلية، وإحياء السنّة التي أماتها الأُمويون، وإماتة البدعة التي أحيوها كما عبّر عن ذلك في كتابه إلى أهل البصرة: «وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه؛ فإنّ السنّة قد أُميتت، والبدعة قد أُحييت...» إلخ.
الثاني: الفرار من يزيد
لِما كان فيه من العداء البغيض، والحقد المتراكب على فؤاده للحسينعليهالسلام ؛ لإبائه البيعة له، وقد تربّص للإمام الدوائر، وتعقّبه في مواقع كثيرة:
منها: حين كتب إلى واليه على المدينة (الوليد بن عتبة) يأمره بأخذ البيعة من الحسين، وقال في آخر كتابه: (أمّا بعد، فخذ الحسين وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمَنْ أبى عليك فاضرب عنقه... إلخ)(1) .
ومنها: حين أرسل عمرو بن سعيد في عسكر عظيم إلى الحجاز وولاّه أمر الموسم، وأمره على الحاج كلّهم، وأمره أن يناجز الحسين إن هو ناجزه، وأن يقتله إن تمكّن عليه، وإلاّ فيقتله غيلة.
ومنها: حين دسّ في تلك السنة مع الحاج ثلاثين رجلاً من شياطين بني أُميّة وأمرهم بقتل الحسينعليهالسلام على أيّ حال اتّفق، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، فلمّا علم الحسينعليهالسلام بذلك جعل حجّته عمرة مفردة وخرج.
وهكذا في غير موقف وموطن كان يأمر بقتله،
____________________
(1) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 180.
والحسين يفرّ منه مترقّباً إلى أن انحصر في وادي الطفّ فأعلن الثورة.
الثالث: إتمام الحجّة على أهل الكوفة
ومن أسباب خروجه إلى العراق ودواعيه المهمّة إجابة دعوة الكوفة إيّاه ; فإنّهم أرسلوا إليه أن (أقدم على جند لك مجنّدة)، حتّى اجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب، اشترك في الكتاب الخمسة والعشرة يستنجدون به من الذلّ والهوان، ويعدونه النصر، فكان من الواجب عليهعليهالسلام الذهاب إليهم ; لإتمام الحجّة عليهم، سيّما بعد أن أرسل إليه نائبه ورسوله مسلم بن عقيل بإقبال الناس عليه، وتوافرهم على البيعة له، وأنّهم بلغوا ثلاثين ألفاً.
وأمّا عدم رجوعه بعد علمه بغدر أهل الكوفة ; فلأنّ أهل بيته أبوا الرجوع، فقد قالعليهالسلام لهم حينئذ: «ما ترون، فقد قُتل مسلم؟». فقالوا: والله لا نرجع حتّى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق، فما كان من العدل أن يتركهم وهم الذين واسوه إلى ذلك الموقف، فقال: «لا خير في العيش بعد هؤلاء».
هذا مع أنّهعليهالسلام لم يجد ملجأً يلجأ إليه، فما كان عليه إلاّ أن يتابع السير ليلقى مقرّه.
الرابع: حفظ حرمة الحرمين
كانعليهالسلام حريصاً على الخروج من الحجاز بأسرع وقت ممكن أشدّ الحرص ; لئلاّ يقع بينه وبين حزب يزيد في الحرم قتال فتُهتك حرمته، وأمّا يزيد فهو الذي أمر بقتل الحسين ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، ومع هذا فهل يرى للحرم حرمة؟!
الخامس: نشر دعوته
لما كان لخروجهعليهالسلام في ذلك الوقت من تأييد حركته ودعوته حتّى صار لإبائه على يزيد البيعة، وخروجه من الحجاز حديث كلّ اثنين يجتمعان، فأوجدعليهالسلام بمسيره في ذلك الوقت ثورة فكريّة سبّبت إفشاء دعوته بسرعة البرق، وكان لخروجه في غير أوانه دويّ يرنّ صداه في الداخل والخارج، والناس يتساءلون عن نبأه العظيم، وعن أنّهعليهالسلام هل حجّ وخرج؟ ولماذا خرج؟ وإلى أين؟ ومتى؟
هذا، والحسينعليهالسلام يسير بموكبه الفخم وحوله أهله كهالة حول القمر، وكان موكبهعليهالسلام داعية من دعاته ; فإنّ الخارج يومئذ من أرض الحجّ والناس متوجّهون إلى الحجّ لا بدّ أن يستلفت إلى نفسه الأنظار وإن كان راكباً واحداً، فكيف بركب وموكب؟ إنّه لأمر مريب وغريب يستوقف الناظر ويستجوب العابر(1) .
لهذا خرج الحسينعليهالسلام من الحجاز إلى العراق ليثور هناك، ويفيض العوائد الثمينة علينا من وراء ثورته، فكان خروجه السبب الأوّل لثورته؛ حيث إنّ يزيد لمّا أُخبر بخروجهعليهالسلام غلب على عقله أنّه يتأهّب للخروج عليه في العراق مهد الشيعة ; فأمر واليه على الكوفة (عبيد الله بن زياد) أن يُقابل الحسين بالقتال، فخرج جيش الوالي إليه، والتقوا في وادي الطفّ (أرض البسالة والشهادة).
____________________
(1) نهضة الحسين - للشهرستاني / 57.
الفصل الثاني
نتائج تلك النهضة
عوائد حركة الحسين ليست كالعوائد الشخصيّة، أو المرهونة بوقت تموت بوفاة أو فوات، بل هي آثار خالدة تعود إلى المجتمع كلّه خلود الدهر، ومناهج للبشر مدى الأجيال؛ لإعلاء الحقّ وإزهاق الباطل، فهي صرخة كانت للحقّ، وكان نتاجها الحقّ، وفوائدها كثيرة يمكن حصر، أهمّها فيما يلي:
الأوّل: صدّر الحكم الأُموي الغاشم عن السير على خططه الهدّامة التي محورها (محق الإسلام)، وموادّها (ما ملأت صحف التأريخ)؛فمنها: معاداة (معاوية) أمير المؤمنينعليهالسلام ، ومعارضته إيّاه في جميع الحالات، الأمر الذي أنتج استهانة الناس بالسيادة الإسلامية (الخلافة)، وأصبحت الأُمّة من جرّاء ذلك لا تعني بعظمائها، ولم يأخذوا أفعالهم مناهج في سيرهم، ولم يتّبعوا آثارهم وأقوالهم، ولم ينتهوا بمناهيهم، حتّى إنّهم جعلوا القرآن وراء ظهورهم، وعرض بذلك عليهم الذلّ والهوان إلى أن انتبهوا (بصرخة الحقّ).
ومنها: قتلهم ونفيهم أصحاب الحقّ والفضيلة، والإيمان والجهاد ; من كلّ صحابي جليل، أو مجاهد قدير، أو آمر بالمعروف، أو ناهٍ عن المنكر؛ كتبعيد عثمان أبا ذرّ الصحابي الأكبر، الصدّيق الأمين إلى الربذة، وكسحقه وقتله ابن مسعود الصحابي الكبير ذا المناقب الجمّة، وقتل معاوية عمّار الصابر في سبيل الله، وقتله حِجر
ابن عدي الصالح التقي، ورفاقه الأبرار أصحاب أمير المؤمنينعليهالسلام ، وقتله محمّد بن أبي بكر وأشياعه المتّقين إلى غيرهم من أصحاب أمير المؤمنين، أصحاب الحقّ والفضيلة والجرأة، فعلوا كلّ ذلك ليصفو لهم الجوّ حتّى إذا أخلوا الأُمّة منهم تسلّطوا عليها ملوكاً إلى أن أخرج الله مَنْ ادّخره لإنقاذ دينه (الحسين بن علي) فنهض تلك النهضة التي بدّدت كيانهم.
ومنها: تأميرهم كلّ فاجر فاسق، وكافر منافق على الأُمّة المؤمنة يعيثون في الأرض فساداً، ويكثرون في الأرض العتوّ، كتأمير معاوية على الشام، والوليد على الكوفة، وكاستخلاف معاوية ابنه يزيد، وكتأمير يزيد عبيد الله بن زياد... إلى غيرهم ممّن يبرأ منهم الحقّ من مجرمي التأريخ.
ومنها: عداؤهم لأهل البيت (النبوي)، وسعيهم في تحطيم شوكتهم، والجدّ في إبادتهم، وإهانتهم بشتّى الأسباب من قتل وسبّ، وغصب وتشريد، وهتك حرمة، إلى غيرها من الإرهابات التي تحطّ من شأنهم وقوّتهم.
فكانت ثورة أبي عبد الله بتراً لحكمهم، وصدّاً لهم، وردعاً لعدائهم، وبثورتهعليهالسلام تنبّهت الأُمّة إلى التأخّر الذي أوقعه الحكم الأُموي في مجتمعهم ; فتمسّكوا بأهل البيت، واتّبعوا الحقّ.
الثاني: كشف الحجب عن أعمال تلك السياسة السوداء، وإبانة المقاصد الخبيثة التي أكنّوها في أعماقهم لإصابة الإسلام والمسلمين؛ فأحرقعليهالسلام تلك الأغشية الخلاّبة الخدّاعة التي نصبوها ستراً لقبائحهم ومنكراتهم بلهب ثورة شعّ نوره حتّى أوضح الحقائق للعالم.
تلك ثورة أبي عبد الله الحسينعليهالسلام كانت
بدواً وختاماً فضيحة لبني أُميّة.
أمّا ابتداءً، فإخراج سيّد شباب أهل الجنّة من مقرّه إلى العراق، وحصر الطريق عليه، وصدّه عن الرجوع، أو دخوله أحد بلدان المسلمين يكون كأحدهم.
ثمّ بعد الحصر (في أرض الشهادة) أعمال العنف والظلم الشديدين عليه وعلى أهل بيته وأطفاله، مع منع الماء عنهم ثلاثاً بلياليها في ذلك الموقف، حيث الحرّ والغربة في القفر، وهكذا في مقاتلة النفر النزر بأشنع محاربة وأفضع قساوة.
وأمّا ختاماً، فحرق مأوى حرائر الرسولصلىاللهعليهوآله الثواكل وذريّته حيث لا مقرّ ولا مأوى، وسبيهم من (الطفّ) بأبشع صورة إلى (الكوفة)، ثمّ إلى (الشام)، وإهانتهم في الطرق والمجالس كأنّهم سبايا الترك أو الديلم... إلى غير ذلك من المظالم والفجور. فهذا كلّه أثّر في أنفس الأُمّة، وأنتج المقصود من إبادتهم واجتثاث أُصولهم.
الثالث: بثّ روح الحركة والشعور بالمسؤولية في أنفس المصلحين من المؤمنين، وتنبيه الغافلين عن التأخّر إلى التقدّم والسعادة.
وكذلك حفّزت المنكرين على يزيد فحشاءه الشنيع وبذيه الذريع، إلى الإصلاح، وزادتهم قوّة وعزماً؛ فما مضت برهة من الزمن على ثورته إلاّ والمصلحون يثبون للإصلاح في وجه الأُمويين، والمنكرون يعلنون الإباء ضدّ حكمهم، فاقتفى بالحسينعليهالسلام أهل المدينة في واقعة (الحرّة)، وعبد الله بن الزبير، والمختار بن عبيدة الثقفي، وابن الأشتر النخعي، والتوّابون، وزيد بن علي الشهيد، والحسين بن علي شهيد فخّ... إلى غيرهم من المصلحين في ثوراتهم
التي استحوت النضال ضدّ الباطل من ثورة أبي عبد الله الحسينعليهالسلام .
الرابع: إحياء العزم والقوّة اللذين ماتا - تلك الفترة - في المسلمين؛ ذلك العزم الذي استولوا به على نصف المعمورة، وتلك القوّة التي زلزلوا بها عرش الروم؛ فإنّهعليهالسلام أعاد بثورته ذلك الخُلق السامي إليهم فأخذوا يجاهدون في سبيل الله، وينبذون الباطل وأولياءه، ويتّبعون الحقّ ودعاته.
وأخيراً: فثورته ينبوع خير أفاضه علينا لنعيش في نعمائه سعداء، ومنار قدس مضيء لنسير عليه في الحياة برغد.
وهي جهاد روحي متواصل ضدّ الظلم، تبقى آثارها مع الحياة؛ ليجعلها كلّ من يريد الإصلاح نصب عينيه شعاراً ينهج على سبيله.
الفصل الثالث
الصلح مع يزيد
كان يزيد يحقد على الحسينعليهالسلام أُموراً كثيرة غير ما كان فيه من تضاغن وحقد لآبائه على الإسلام والمسلمين، ونحن نذكر أهمّها موقعية في التاريخ، وأحزمها حقداً على يزيد:
فمنها: صدّه عن نيل أوطاره وإظهار فحشائه، والإنكار عليه في كلّ المجالات، وكان هذا ممّا يغيضه كثيراً ; لأنّه كان يرى الحسين - وهو (لع) ابن الخليفة - رجلاً من الأُمّة وهو سلطانها، ولكن كلّما أراد أن يحمل على الإمام حملة الذئب، منعه أبوه الداهية عن ذلك.
ومن الموارد التاريخيّة التي تُنبئ عن عظمة الحسينعليهالسلام وحقيقته وفضيلته، وعن رذالة معاوية وابنه، قصّة أُرينب بنت إسحاق القرشي؛ وذلك إنّ يزيد كان يتحرّى أخبار الفتيات الحسان، فسمع يوماً بحسن أُرينب وكمال جمالها، فرغب فيها، وكان يتحيّن الفرصة لإخبار أبيه برغبته.
وبينا ذلك تزوّجها ابن عمّها (عبد الله بن سلام) فاشتدّ ذلك على يزيد، وأخبر أباه بأمره وما اعتراه من الغمّ، فأمره بكتمان أمره، وأرسل إلى عبد الله بن سلام أن يأتي إلى الشام، فلمّا استقرّ به المقام أرسل إليه أبا هريرة يخبره بأنّ معاوية يرغب في مصاهرته، فرحّب عبد الله بذلك كثيراً، وأخبر أبو هريرة معاوية بذلك، فقال له معاوية: سرّ يا أبا هريرة إلى ابنتي، وأخبرها برغبتي؛ فإنّ الإقدام على ما فيه رضاها أحوط (وكان قد تكلّم معها بم تجيب).
فلمّا أتاها أبو هريرة وأخبرها برغبة أبيها أجابت إلى ما رأوا لها، ولكنّها قالت:
إنّي أخشى وجود زوجته أُرينب فيدركني ما يدرك المرأة من الضرّة.
فخرج أبو هريرة إلى عبد الله بالخبر، واستقرّ الرأي على طلاق أُرينب فطلّقها عبد الله، وبعد ما توثّق معاوية من الطلاق أرسل أبا هريرة إلى أُرينب ليخبرها بأمر زوجها، ويزوّجها من يزيد.
فذهب أبو هريرة إلى الكوفة، ومرّ فيها على الحسين بن علي (سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فاحتفل به الإمام واستخبره مجيئه، فأعلمه الخبر، فناشده - الحسينعليهالسلام - الله أن يذكره عندها، فأجاب أبو هريرة، وصار إليها وأخبرها بخبر زوجها، فبكت وجزعت، وبعد أن هدأت أعلمها بأنّ معاوية يستنكحها من ابنه يزيد، والحسين بن عليعليهالسلام يريدها لنفسه، فرغبت في الحسينعليهالسلام سبط الرسول وتزوّجها.
وإلى هنا انقطع أمل معاوية، وانظر إلى عظمة حسين المجد والخلود فيما فعل: ولمّا عاد عبد الله بن سلام المخدوع إلى الكوفة طلب من الحسين أن تردّ عليه أُرينب وديعته التي أودعها عندها، وصدّقته أُرينب على ذلك ; فأمره الحسين أن يستلم وديعته بنفسه كما أودعها بنفسه، ولمّا تراءى عبد الله وأُرينب جعلا يبكيان بكاء تحسّر وحزن.
وهناك نطق الحسين المجد والعزّ بقوله: «ارجعا إلى ما كنتما عليه؛ فإنّي أشهد أنّها طالقة، وأنّي لم ألمسها، وما أدخلتها في بيتي وتحت نكاحي إلاّ محافظة لها من يزيد ومن كيد أبيه».
هذا الحسينعليهالسلام .
وأمّا معاوية فانتشر نبأه في الشام بأنّه دعا (عبد الله) إلى الشام، ومكره على ابنته ليطلّق أُرينب فيزوّجها من ابنه، وذلك هدّ لركن معاوية عند شيعته.
فما ترى مبلغ الحقد الذي يحمله معاوية
وابنه يزيد في الحسين(1) ؟
ومنها: إباؤهعليهالسلام عن بيعة يزيد، وإنكاره تحكيمه على معاوية، وقد صرّح بذلك في كلّ مجال ومكان في خطبه ورسائله ومجالسه. وحسبك الكتاب الذي أرسله الإمام إلى معاوية في استخلافه يزيد؛ فانّهعليهالسلام صرّح فيه ممّا احتواه لحمه وشحمه، وما عملته يداه واستوت عليه فطرته(2) .
ومعاوية لدهائه لم يرَ من صلاحه معارضة الحسين وتحريك عواطفه. وأمّا يزيد الكفر فلم يرَ للحسين إلاّ القتل والحرق والإفناء ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، والحسينعليهالسلام يعلم ذلك كما صرّح به في أقواله، مثل قوله: «لو كنت في حجر(3) هامة من هوام الأرض لاستخرجوني ويقتلوني».
وقوله لابن عبّاس حين أشار إليهعليهالسلام بالصلح: «هيهات هيهات يابن عبّاس! إنّ القوم لن يدعوني، وإنّهم يطلبونني أينما كنت حتّى أُبايعهم كرهاً، أو يقتلونني».
وقوله للفرزدق لمّا قال له: ما أعجلك عن الحجّ؟
- «لو لم أعجل لأُخذت».
وقوله لشيخ بني عكرمة: «والله، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي».
فهل بعد هذا كلّه كان له أن يصالح يزيد المتجاهر بالكفر؟!
فتلخّص أهمّ أسباب عدم مبايعته يزيد في أُمور:
الأوّل: علمه بأنّ يزيد يريد التشفّي منه بقتله لأحقاده عليه ; سواء بايعه أم لم يبايعه، صالحه أم لا؛ سواء من إخبار جدّه،
____________________
(1) انظر قصّة أُرينب مفصّلة في الإمامة والسياسة وغيرها من التواريخ والسير.
(2) تجد نصّ الكتاب في الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 180.
(3) هكذا ورد، والصحيح (جحر). انظر مقتل الحسين لأبي مخنف / 67، تاريخ الطبري 4 / 289، الكامل في التاريخ 4 / 38.(موقع معهد الإمامين الحسنين)
وأبيه وأخيه أو من الظواهر التي كانت تدلّ عليه؛ من تعقيبه بالجيوش أينما ذهب، وأمر الولاة بقتله ومحاربته، إلى غير ذلك.
الثاني: عدم اطمينانهعليهالسلام بيزيد وأتباعه، وكيف يوثق مَنْ شيمتهم الغدر، وسجيّتهم الخيانة؟!
أما صالح معاوية الإمام الحسنعليهالسلام بشروط لم يفِ بواحدة منها؟ ألم يعطوا مسلم بن عقيل الأمان فغدروا به؟
الثالث: علمهعليهالسلام بأنّه إن بايع ذهب مجد الدين وعزّه ; فإنّ بيعته بمعنى إمضائه أعمال يزيد وبني أُميّة المخالفة لصميم الدين والشريعة، ولذهبت معارف المبدأ والعقيدة هباءً من دون أثر.
صلح الحسنعليهالسلام
وأمّا صلح الإمام الحسينعليهالسلام مع معاوية فقد كان مقتضى بيئته؛ لأنّه كان في بيئة غير ما كان الحسينعليهالسلام فيها، وقد أحسّ من أصحابه الغدر والخيانة ووقع بالعيان منهم ذلك ; فإنّهم راسلوا معاوية بكونهم معه، وأنّهم يرسلون الحسن إليه مكبّلاً إن أراد، بخلاف الإمام الثالث؛ فإنّهعليهالسلام غلبه ظنّ الفوز بالكوفة، وبعد علمه بالغدر حُصر عليه الطريق، وصُدّ عن الرجوع فلم يرَ إلاّ النضال.
وأمّا الإمام الحسنعليهالسلام فلم يرَ حينئذ إلاّ الصلح والنجاة بأهله وأولاده من القتل بعد أن شرط تلك الشروط، ومع هذا فلا يُقاس معاوية - الداهية الذي كان بمكره يحافظ على ظواهر الشريعة - بيزيد المتجاهر بفسقه المعلن كفره.
وأخيراً: هل كان يصالح يزيد الحسين إلاّ بالبيعة أو القتل؟
الفصل الرابع
لماذا أخرج أهل بيتهعليهمالسلام ؟
ما انقطعت دعوة الحسينعليهالسلام بقتله، ولكن ما برح جهاده مستمرّاً بعد قتله من كربلاء أرض الشهادة إلى الكوفة، ثمّ إلى الشام عاصمة أُميّة، ثمّ منها إلى المدينة.
فسار جهاد الحسين مع الأُسارى أينما ساروا؛ يدعو كلّ حي إلى الجهاد عن العقيدة، فما مرّ ركب الأُسارى على بلد إلاّ وأهلها يلبّون دعوة الحسينعليهالسلام ، إلى أن انقلب الشام على يزيد وحكمه ودكدك عرشه.
وكذلك كان ركب الأسر مهيّجاً للخواطر الغافلة ضدّ الظلم المطبق، فلم تمت مقاصد الحسينعليهالسلام بموت شخصه؛ فالحسينعليهالسلام أخرج أهل بيته لتكون ثورته متّصلة الحلقات إلى تحقيق مقاصده السامية؛ فكان ركب أهل بيت الحسين يسير أسيراً وينادي: نحن عيال الحسين الشهيد بأرض الطفّ، سبط رسول اللهصلىاللهعليهوآله الذي قتله يزيد ظلماً وعدواناً؛ فالقلوب تثور على يزيد، والأفكار تهيج ضدّه وتتلوها الأبدان.
وفي أخذ الحسينعليهالسلام أهل بيته إلى أرض الثورة والشهادة (كربلاء) تأييد عظيم لدعوته، ورسالة مرفوعة إلى كلّ الأنحاء؛ فكم موقف وقفت فيها عيالات الحسينعليهالسلام محاربات باللسان، ناشرات مبدأ الحسينعليهالسلام في هذا الأسر.
فمنها: بسالة الحوراء زينب بنت الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام حين رأت الناس يبكون في سكك الكوفة، فأومأت إلى الناس أن اسكتوا فسكتت الأجراس، وهدأت الأنفاس، فانطلقت قائلة:
الحمد لله، والصلاة على محمّد وآله الطيبين الأخيار. أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل(1) والغدر! أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة(2) ، ولا هدأت الرنّة؛ إنّما مثلكم كمثل التي نقضت(3) غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف(4) النطف(5) ، والعجب والكذب والشنف(6) ، وملق الإماء(7) وغمز الأعداء(8) ، أو كمرعى على دمنة(9) ، أو كفضّة على ملحودة(10) ، ألا
____________________
(1) الختل: الخداع في غفلة.
(2) لا رقأت: دعاء بمعنى لا سكنت، ولا انقطعت.
(3) اقتباس من قوله تعالى في سورة النحل 16 / 90( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ... ) الآية، إيماءً إلى أنّ أهل الكوفة خالفوا نصّ الكتاب في نقضهم العهود المنهي عنها في الآية السابقة على هذه الآية:( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) .
ومعنى كلامها (سلام الله عليها): أنتم يا أهل الكوفة كالمرأة التي نقضت غزلها وأفسدتها بالحلّ من بعد إعمال القوّة والإبرام في نسجه، فجعلت غزلها أنكاثاً (وهو جمع نكث - بكسر الأوّل - وهو المنقوض بعد الفتل) أي خيوطاً.
والمعنى: نقضت غزلها نقض أنكاث (بمعنى المصدر)، كما تتّخذون حلفكم على عهودكم خيانة ومكراً.
وهكذا جعلت العقيلة القرآن شعاراً لها في جميع خطاباتها الجبّارة؛ لتعلن إلى الملأ أنّ الثائرين مع القرآن والثورة للقرآن.
(4) الصلف: مصدر بمعنى التمدّح بما ليس له.
(5) النطف: مصدر بمعنى القذف بالفجور، وبمعنى الشرّ والفساد.
(6) الشنف: المبغض بغير الحقّ.
(7) ملق الإماء: ودّها ومحبّتها من دون النساء.
(8) غمز الأعداء: الطعن فيهم باللسان والكلام عليهم فقط.
(9) الدمنة: المزبلة. تريدعليهاالسلام أنّه ليس فيكم إلاّ كالمرعى في حسن الظاهر على المزبلة في قبح الباطن.
(10) وفي رواية (أو كقصّة) - بالقاف المفتوحة - وهي (الجصّ)، والملحودة: القبر، والمقصود إنّه ليس منكم أحد في حسن ظاهره وقبح باطنه إلاّ كالفضّة، أو الجصّ الأبيض الموضوع على القبر النتن.
( لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (1) .
أتبكون وتنتحبون؟!( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ) (2) ؛ فلقد ذهبتم بعارها وشنارها(3) ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، ومدرأ(4) حجّتكم، ومنار محجّتكم(5) ، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، وسيّد شباب أهل الجنّة؟!( أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) .
فتعساً لكم ونكساً، وبعداً لكم وسحقاً ; فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبئتم بغضب من الله ورسوله، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم، وأيّ كريمة
____________________
(1) اقتباس من قوله تعالى في سورة المائدة 5/80:( تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) . إشارة إلى أنّ الفعل الذي صدر منهم بئس العمل، وإنّ أوليائهم الذين يتولّونهم هم الكافرون.
(2) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة 9/82 في المخلّفين عن الجهاد:( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) . إيماءً إلى أنّ القاعدين عن الجهاد بين يدي أبي عبد الله الحسين سبط الرسولصلىاللهعليهوآله ، كالمخلّفين عن الجهاد مع رسول اللهصلىاللهعليهوآله .
(3) الشنار: أقبح العيب، أي تحمّلتم عار الأُمّة، ولن تغسلوها عن أنفسكم بعد الفعلة التي فعلتموها أبداً.
(4) المدرأ: ما يدفع به.
(5) المحجّة: الطريق.