لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)0%

لقد شيعني الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 411

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: إدريس الحسيني
تصنيف: الصفحات: 411
المشاهدات: 55137
تحميل: 6002

توضيحات:

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55137 / تحميل: 6002
الحجم الحجم الحجم
لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شيعني الحسينعليه‌السلام

تأليف:

أدريس الحسيني

١

٢

لقد شيعني الحسينعليه‌السلام

تأليف:

أدريس الحسيني

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

مُقدّمة النّاشر

رحلة الزمن التي بدأت منذ الخلق الأوّل لأبينا آدمعليه‌السلام ، مرّت بالعديد من الانعطافات التاريخيّة التي كان لها الأثر الأكبر في صياغة الإنسان الراشد، حتّى توصله بالنّهاية إلى دخول جنان الله عزّ وجل.

وكان أبطال هذه الرّحلة المضنية هُم الأنبياء والأولياءعليهم‌السلام ، والصالحون والشّهداء وحسُنَ اُولئك رفيقاً، الذين حملوا لواء الهداية والتحرير، هداية الإنسان إلى خالقه، ومن لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض أو السّماء، وتحرير الإنسان من الصنم بشكليه المادّي والاصطناعي، وتحريره من الثقافة الجامدة التي تربط عقل الإنسان بأغلال المجتمع، وضغوط الذّات وقوّة السّلطان، وبريق المال والثروة، حتّى يصاغ بعد ذلك بصياغة الإيمان، وينطبع بطابع العبودية التي يقول عنها عزّ وجل:( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) (1) .

إذاً من هُنا بدأت الرحلة، وإلى هنا انتهت، ولكن السؤال: كيف نقرأ المضامين الشّاملة لهذه الرحلة؟

إنّ قراءتنا لهذه المضامين الحقيقية خلال هذه الرحلة الطويلة، بالطبع قراءتنا لتاريخ البشريّة الماضي الذي يشكّل دعائم لهذه المضامين، لا بدّ أنْ تكون قراءة باحث يبحث عن الحقيقة، هدفه الأسمى رؤية باصرة ونظرة ثاقبة لما جرى خلال

____________________

(1) سورة البقرة / 138.

٧

هذه الرحلة، يفهم بها الماضي وينظر إلى الحاضر بمنظارها ويبني المستقبل على ضوئها.

ولهذا الأمر دعا القرآن ونادى العقل بضرورة قراءة التاريخ؛ لأنّ الدراسة الواعية للتاريخ تكشف السّياق الزمني الذي يسير على ضوئه الحاضر (الغائب) عن الأبصار، وعلى أساسها أيضاً تتشكّل المحددات الاُولى لصياغة المستقبل.

من هنا كان لزاما على المُنصفين أنْ يفهموا التاريخ بملاحظة هذه المعاني؛ لأنّ قراءته من دون هذه المعاني تعني أنْ تكون هذه الدراسة مطيّة للأهواء المذمومة، ومطبعة للأفكار المسمومة، وسوقاً يتشابه على المشتري فيه الصالح والفاسد؛ وحينها تقع الكارثة، حيث ينقطع الإنسان عن تاريخه، والمنقطع عن التاريخ كمَن لا أصل له، ولا يخفى أنّ الأصل يمدّه بالتجربة ويُصحح له المسيرة ويوحي إليه بصحّة المعتقد.

ولا تسأل عزيزي القارئ: ماذا يحصل بعدئذ لهذا الإنسان؟ إنّ دواعي المصلحة تعمي عينيه، فيقرأ التاريخ قراءة مغلوطة، يخطئ الصحيح ويصحح الخطأ، ويسود على طبق ذلك آلاف الأوراق ليثبت مدّعاه، لا سيّما وأنّ المال يدعمه، وصقل الأوراق يجمله، وحسن الأغلفة يبرزه، فيغتّر بذلك كلّ مَن يقرأ تاريخه اعتباطاً بلا تحليل وبلا مقارنة، حتّى يقع بشعور أو لا شعور في الجمع بين أحداث متناقضة تاريخياً لا يجتمع أحدها بالآخر على الإطلاق.

وهذا ما حاول كاتب هذه الدراسة الوصول إليه، واحسبه وُفّق كثيراً إلى

٨

ذلك؛ حيث إنّه درس التاريخ دراسة تحليلية موضوعية منصفة، أعمد فيها العقل وآمن بالنقل، وفهم مطلوب الواقع المعاصر، فأيقن أنّ المنهج الأفضل هو منهج أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وأخيراً لا بدّ أنْ نشير إلى أنّ الكاتب الذي ينتمي في النّسب إلى سلالة أهل البيت (_عليهم السّلام)، عاش واقعاً فيه عوامل البُعد عن الدين؛ حيث رأى سيطرة الأجنبي الواضحة في كلّ شيء، حتّى في لباس المسلمين ولسانهم... الخ، لكنّه مع ذلك بقوّة عزمه ونفاذ بصيرته انتمى إلى مؤسسة دينية ومعهد علمي كان له أثر واضح على صعيد وطننا الإسلامي الكبير، فتربّى في كنفها، أخذ من العقيدة ما يبصره ويغنيه، ومن الفهم الديني المتجدد ما يجعله ينظر إلى ما يجري بروح عصريّة لا تتجاوز الثوابت، ومن الثقافة الشّرعيّة والدينيّة ما يجعله ينطلق في رحاب الواقع.

إنّ هذا كلّه جعل هذا الكتاب الذي بين يديك، رحلة سافر عبرها كاتبها من التاريخ والواقع إلى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو الذي يدعونا إلى أنْ تجد مثل هذه الكتابات آذاناً صاغية وقلوباً واعية تبحث عن الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة.

٩

١٠

الإهداء:

أهدي كتابي هذا إلى والدتي العزيزة الوحيدة في هذا العالم الجهنّمي، القادرة على سكب الحنان عليّ، في عالم لن يدع لي الحقّ فيه قلباً عطوفاً.

وإلى كلّ ضمير يتّسع بعقل وحنان لصرخة حائر في دروب الحقائق المضنية، يبحث عن حبل نور يتعلّق به...

إنّها زفرة باحث عن الحقيقة في زمن الحضارة، إنّها الرحلة والمنعطف في ذلك الرحاب الوسيع، رحاب التصوّر والمعتقد.

١١

١٢

المُقدّمة:

مَن المخاطِب، ومَن المخاطَب؟

أودّ أنْ أشير في بادئ ذي بدء إلى حقيقة، اُريد ألاّ تغيب عن القارئ وهو يذهب لقراءة هذا الكتاب، هي: إنّني لست مذهبيّاً في المسلك، وإنّ قناعاتي مهما كانت فإنّها لا تجازف بي بعيداً. أنا مسلم وانطلق من صميم الحبّ للدين، وليس من صميم الحقد والتآمر. إنّني لم ولن أشأ أنْ أجعله برميل بارود لتفجير المعرفة التاريخيّة من جديد، كما لا اُريد به تعميق الفجوة المذهبيّة بين المذاهب، ولكن ما أردته فقط الدفاع عن الحقيقة المرّة والضائعة بسبب التراخي في كشف الحقّ والمزايدة عليه.

إنّني لم أطلب الانتقام من سنوات التجهيل الذي مارسه في حقّنا علماؤنا من العامّة، إنّني أودّ فقط أنْ أمدّ يد المساعدة لمن أراد أنْ يتحرّر من سلطة الفكر الجاهز من الأسر الموروث، اُريد أنْ أسجّل تجربتي حتّى لا يبقى بعدي مغفّل. ليكن ما يكون ولكنْ لا يبقى مغفّل.

إنّني أسمى نفساً من أنْ أنتقم من أشخاص معيّنين، ولكنني لا أجد حرجاً في التعرّض لأفكارهم.

١٣

في تجربتي هذه، ليس هامّاً أنْ اُعرّف النّاس بشخصيتي، فقيمة الموضوع الذي يتبنّاه هذا الكتاب أهمّ بكثير.

هذه تجربتي في خطّ العقيدة وأنا مسؤول عنها؛ لذلك أتوخّى لها أنْ تكون حرّة طليقة بلا قيود. فيها أفكار قد تؤذي البعض واُخرى تستهوي آخرين، ولكن هدفي ليس هؤلاء ولا اُولئك، ولكنّها (الحقيقة).

أكتب تجربتي هذه؛ لأسجّل حلقة من الانتصار الشّيعي في دائرة الفكر والاعتقاد. كما لا اُريد لهذه التجربة أنْ تكون نسخة لما سطّره السّابقون، لا اُريد الحبك على نفس المنوال الذي لا يتعدّى مجال السّجال المحدود في زوايا ضيّقة من الخلافات، أي معارك: تقول وأقول، أو على نمط الزمخشريات: إنْ قُلتَ قُلتُ؛ اُريدها أنْ تكون إشارات واسعة لقضايا متشعّبة في التاريخ والعقيدة.

لا اُريد أنْ أحجب القارئ عن هذه الحقيقة التي لا تقلّ أهمية عن القضية المصيرية للاُمّة، فيما يتّصل بكيانها الحضاري ككل. أنا لست غبيّاً حتّى اُكفّر أحداً من كان، وإنْ كان السنّي الوهابي يُكفّر(1) من جرّاء الاُفق المعرفي الضيّق والإفلاس العقائدي الكبير.

سأحاول أنْ أكون متحرّراً ليس تحرّر (موضة)، وإنّما تحرر ساكن في نفسي وروحي ضد زمان. منطلقي هو التحرّر من كلّ سلطة في نقد الأفكار؛ لأنّ أجيالاً من القمع لم تنتج إلاّ أفكاراً بائسة واتجاهات رثّة.

شعاري: امنحني حرّية، أمنحك فكراً راقياً. إذاً لنتحرر ونحرّر الكلمة.

سأقول للتاريخ، بأنّني أهتمّ بالقضية الدينيّة التاريخيّة بتفتّح عقلي، هو ذات التفتّح الذي قادني إلى ينابيع العقيدة نفسها والالتزام بتكاليفها حسب المستطاع. سأقول للتاريخ - حتّى لا اُتّهم بالتقليد والرّجعيّة -: إنّني كنتُ متحرّراً من كلّ وضع عقيدي في بيئتي، ولم تكن لدي أزمة في الحرّية، إنّني لم أرث شيئاً من ذلك على الإطلاق.

____________________

(1) أقصد تكفير الوهابيّة للشيعة وبعض المُسلمين.

١٤

ولا أنكر من أنّ أبي قد ربّاني على حكايات الإفرنج، ومنه تعرّفت على الثورة الفرنسية ولويس 14 ونابليون، قبل أنْ أعرف عن هجرت مُحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة، وكلّ ما ربحت من هذا الوسيط هو الحرّية، أي، دعه يمر، دعه يعمل. لذلك ما كانوا ليراقبوني وأنا أمرّ في أنفاق المعتقد. ولكن ماذا؟

أنا على كلّ حال أحمد الله تعالى، إنّني لم أنشأ في أسرة تضرب أبناءها إطلاقاً؛ لأنّ المغاربة لا يعرفون كيف يضربون أبناءهم، هم اليوم أبعد النّاس عن العقيدة الصحيحة. هذه الحرّية العقديّة في بيتي، ساعدتني على أنْ أدخل في معترك الاختيارات الفكريّة دون مسبقات.

اُريد أنْ أؤكد مرّة ثانية على أنّ شخصيّتي لا تحتاج إلى ترجمة دقيقة؛ لأنّها لا تنسجم مع مقاصد الكتاب، ولكن كلّ ما يمكن قوله بهذا الصدد هو: إنّني إنسان مسلم مهتمّ بالقضيّة الدينيّة، وباحث في الفكر الإنساني عموماً والفكر الإسلامي على وجه الخصوص. وهذا هو الطموح الذي ظلّ يراودني منذ الصبا، وتجاوزت كلّ العقبات من أجل تحقيقه.

اُصولي إسماعيليّة، تنحدر من إسماعيل بن جعفر الصادقعليه‌السلام ، لدينا قرابة مع الأدارسة، فهم أبناء عمّنا؛ لأنّهم حسنيّون بينما نحن حُسينيّون. حظيت بولادة ميمونة بمدينة (مولاي إدريس)، وهي مدينة صغيرة تقع قرب (وليلي) - مدينة رومانية قديمة -، واسم المدينة على (إدريس)، وهو بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، حيث جاءها لاجئاً بعد انفلاته من قبضة العباسيين على أثر معركة فخ، ولم يكن المغاربة ليزهدوا في واحد يحمل شرف بيت النّبوة، إذ سرعان ما تنازلوا له عن الحكم فصار حاكماً للمغرب، وله الآن فيها ضريح مثل ما لابنه ضريح في مدينة (فاس)، تشدّ إليه الرحال وينظم حوله (البربر) خلال كلّ سنة موسماً ملأه الأهازيج والأفراح.

ومنذ ذلك العهد لم يكن المغرب يحمل نصباً لتراث آل البيتعليهم‌السلام .

١٥

إنّ الشّمة العلوية إن وجدت فيه مع الدولة الإدريسية ومع نفوذ الفاطميين وحتّى الموحدين.

نعم، كان المذهب المالكي هو المذهب الرّسمي للبلاد منذ فترة غير قصيرة ولا يزال، غير أنّ المذهب المالكي لم يتناقض رغم ذلك مع تقاليد المغاربة في ولائهم للبيت النّبوي، ولم تدخل الوهابيّة المغرب إلاّ في عهود متأخّرة جدّاً. هذا كلّ ما يمكن قوله؛ حيث لا يظنّ البعض أنّني مجهول مدسوس.

إنّني على يقين من أنّ رفاقي من أهل السّنّة والجماعة اُولئك الذين قضينا معهم فترة إيمانية مخلصون، ولكنّي مدرك أنّ (اللوثة) الوهابيّة تمكّنت من بعضهم؛ لما انتهى بها الحال إلى تهديدنا من خلال نشر التهم والإشاعات الهدّامة.

وكأنّهم لا يزالون في عقليّة الظلام الاُموي، حيث الاعتقاد بمذهب آل البيتعليهم‌السلام سيتحوّل إلى جريمة يعاقب عليها القانون، وكنت دائماً أودّ لو أنبههم، بأنّ القانون لم يوجد في المجتمع المدني والدولة الحديثة، ليعيق حركة الفكر وحرّية الاعتقاد، وإنّني لا أظنّ أنّني في مجتمع يوجهه (شريح) القاضي الذي أفتى بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، ولا في مجتمع معاوية بن أبي سفيان الذي قال عن أصحاب آل البيتعليهم‌السلام : اقتلوهم بالضّنة والشّبهة، وأنا أعرف إنّهم متجاهلون، وإن كانوا في أغلب الأحوال مغفّلين، ولكن هذا سوف لا يمنعني من أنْ أقول كلمتي.

أنْ أكون من شيعة الإمام عليّعليه‌السلام وأختار لنفسي طريق النّبوّة في مسلك آل البيتعليهم‌السلام ليس عيباً، إنّما العيب كلّ العيب في ألاّ أكون كذلك بعد أنْ حصل لي العلم بوجوب هذا.

ففي اللحظات التي ظهرت لي الأحداث على حقيقتها، قامت فوراً حرب بين عقلي ونفسي، فالنّفس عزّ عليها اقتلاع ضرس العقيدة السّابقة، والعقل عزّ عليه أنْ يتغاضى عن الحقائق الواضحة القطعيّة، فإمّا أنْ أتّبع طريقاً موروثاً بعقلية الفولكلور، أو أنْ أسلك سبيل القناعة ونور العقل.

كان هذا أخطر قرار اتخذت في حياتي؛ لكي انتقل بعدها إلى رحاب

١٦

التحديات الفكريّة والاجتماعيّة. وهذا الكتاب سيكون شمعة مهداة لكلّ من أراد اختراق الأنفاق المظلمة.

لقد تجنّبت إغراقه بالمفاهيم التقنية المعقّدة؛ توخّياً للتبسيط؛ لأنّ هدفي هو اُولئك المغفّلين الذين يعانون ما عانيته يوماً من بؤس الجواب. لقد تجنّبت قدر الإمكان كلّ هذا؛ حتّى لا أكون نخبوياً في هذا المقام؛ لأنّني توصلت إلى قناعتي هذه بطريق غير نخبوي، ولدي من النّخبة فرصة خاصّة في المستقبل إنشاء الباري.

والكتاب سيكون جولة سريعة في تجربة تلامس كلّ محطّات الاُمّة الرئيسة، والغاية منه يمكن حصرها في جملة من النّقاط:

1 - إنّ المسؤوليّة تقتضي نصرة الحقّ مهما كلّف الثمن، وإنّ السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس.

2 - لا بدّ من مبادرة شجاعة لكسر حاجب الانغلاق؛ لأنّ هذا الأخير غير مرغوب فيه دينيّاً، وإنّ الإسلام جاء ليفتح لنا آفاق السّماوات والأرض لا ليركسنا في زاوية الانغلاق.

3 - لكي لا يتوهّم إخواننا من العامّة إنّهم هُم وحدهم الموجودون، ومن أجل معرفة الآخر معرفة تنسخ ما علق به من شبهات دعائية، ومن ثمّ الاعتراف به كواقع له جذوره الرّاسخة في عمق التاريخ الإسلامي.

4 - إنّنا ونحن ننشد الوحدة، يجب أنْ نكشف الغطاء عن بعضنا البعض؛ حتّى نتكافأ في معرفة بعضنا البعض، وحتى نتكافأ في السّلب والإيجاب، وهذا يمنحنا دفعاً عمليّاً للتوحّد سياسيّاً وحضاريّاً، وهو المانع الوحيد ضد التآكل المذهبي.

وأخيراً وليس آخراً، لأنّني عرفت كيف كنت وأيّ مسير اخترت، وأدركت مدى قيمة الحقيقة في حسبان الباحثين عنها، وأدركت مدى الجهد الذي بذلته لخلع جبّة التقليد عنّي، واختراق جدار سميك سميك من الضلالات

١٧

والأعراف والتقاليد و...

ولكي أذوق طعم تجربتي، يجب أنْ أقدّم هذه المعونة الإنسانية لمن أراد أنْ يذّكر.

من أجل الحقّ. الحقّ وحده.

وما توفيقي إلاّ بالله.

إدريس الحسيني

١٨

لماذا الرجوع إلى التاريخ؟

ليس ثمّة شيء في ديننا إلاّ وله علاقة بالتاريخ، وما نملكه اليوم من عقائد وأحكام وثقافات إسلامية، كلّها جاءتنا عن طريق الرواية، فحريّ بنا أنْ يكون التاريخ عندنا هو أحّد المصادر العلميّة المهمّة. بعضهم بلغ من الحكمة شأواً بعيداً، فيقول: لا داعي للبحث عن هذه القضايا القديمة في التاريخ؛ لأنّها باعثة على الفتنة.

لقد تحوّل البحث عن الحقيقة فتنة في قاموس هذا الصنف من النّاس، وكأنّهم يرون البقاء على التمزّق الباطني حيث تتشوّش الحقيقة وتغيب، أفضل من الإفصاح عن الحقّ الذي من أجله اُنزل الوحي، وتحرّكت قافلة الرّسل والأنبياء، وكأنّ مهمّة الدين هو أنْ يأتي بالغموض، وكأنّ الله عزّ وجل أراد أنْ يبلبل الحقائق ويقمعها بحكمة: لا تبحث في التاريخ. مثلما بلبل لغة الإنسان في اُسطورة بابل.

إنّني أدركت منذ البداية أيضاً أنّ الحقيقة أغلى وأنفس من الرجال دون استثناء، وأنّه لا بدّ لي أنْ اُوطّن نفسي واُهيّئها للطوارئ في معترك التنقيب عن الحقائق الضائعة والفضائح الغابرة. كنت واضعاً نصب عيني احتمال الفراق مع مجموعة شخصيات كانوا يجرون منّي مجرى الدم، وكنت واعياً منذ البداية ومدركاً لأهداف الرّسالة

١٩

الإسلاميّة، التي جاءت لتعلّم النّاس قيم السّماء لا قيم الأرض.

فماذا تكون قيمة أبي هريرة مثلاً في ميزان الدين، حتّى نعطّل البحث - بسبب التقديس - عن الحقيقة التاريخيّة، وفي سبيل التغطية على فضائحها، نلجأ لتزوير الحقائق كلّها؟ وهل أبو هريرة أصل من اُصول العقيدة، حتّى يحرم عليّ محاسبته تأريخياً والاعتراف بأفعاله القباح؟ أوليس من الإفك أنْ نسكت من فضائحه فتختلط بحقائق الدين، ليكون الإسلام ضحية كلّ تلك المفاسد؟!

إنّ أبا هريرة مثلاً، ليس شخصية قديمة نستغني عن كشف حقيقتها؛ لأنّه حاضر فينا وهو (كمبيوتر) معاوية الخاص بالرّواية، مع أنّه آخر من أسلم ولم يعش مع الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله طويلاً. فمن هو هذا الذي وضع نفسه أو وضعوه هم، راوية لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمن الإمام عليّعليه‌السلام ؟

وإنّ اُمّة تميل إلى أبي هريرة وتقوّي مروياته وتترك الإمام عليّعليه‌السلام وتضعّف أحاديثه، هي في حقّ التاريخ وحقّ الإنسانية، أقبح اُمّة يمكن الانتساب إليها، أليس هذا هو واقعنا؟ إنّنا لم نعد نجد الإمام عليّعليه‌السلام إلاّ في الكتابات المسيحيّة(1) والاستشراقيّة، وقلّ أنْ تجد من الاُمّة مَن أنصف هذا العملاق المجهول، وعندنا كتب النّسائي - وهو أحد شيوخ الحديث المشهورين لدى السّنّة - كتاباً أسماه: خصائص الإمام عليّ. تلقّى بذلك عقاباً شديداًَ واُخضع للسياط، واتهمه بعد ذلك ابن تيمية بالتشيّع، وصنّفه هو وابن عبد البر في الذين تشيّعوا بالحديث.

إنّ التعامل مع التاريخ هو تعامل مع مشروع ماضوي منتظم في نظريّة قائمة، والنّظريّة هذه ومع امتداد الزمن اكتسبت أنياباً حادّة، تمارس بها تهويلاً على الباحث، وبهذه الأنياب بقي التاريخ لغزاً إلى أنْ كسب قدسيته المُطلقة.

____________________

(1) أقصد ما كتبه نصري سلهب في خطى علي / 40، وجورج جورداق / الإمام علي صوت العدالة الإنسانية.

٢٠