من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟0%

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 265

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 265
المشاهدات: 70820
تحميل: 5486

توضيحات:

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 265 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70820 / تحميل: 5486
الحجم الحجم الحجم
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة(1) .

وقال الزبيدي: وشيعة الرجل - بالكسر - أتباعه وأنصاره، وكلّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة. وقال الأزهري: معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً وليس كلّهم متّفقين، وفي الحديث: القدريّة شيعة الدجَّال، أي: أولياؤه.

وأصل الشيعة الفرقة من الناس على حدة، وكلّ من عاون إنساناً وتحزَّب له فهو له شيعة، قال الكميت (رحمه الله):

ومالي إلاّ آلَ أحمدَ شيعةٌ

ومالي إلاّ مشعبَ الحق مشعبُ

ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد(2) .

ولا يخفى على الملتفت أنّ الشيعة بهذا المعنى اللغوي العامّ يصدق على مَن بايعوا(3) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، على أنّه الخليفة بعد عثمان بن عفّان - كما يتبيَّن لك ذلك - وإنْ لمْ يبايعوه على أنّه الخليفة بالنصّ من الله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهؤلاء كثيرون جداً، إذ جميع البقاع الإسلامّية - ما عدا الشام وأفراداً قليلين جداً من غيرها - بايعت أمير المؤمنينعليه‌السلام على أنّه خليفة رابع بعد عثمان، ولا يمكن أنْ نقول إنَّ الشيعة - الذين اعتقدوا أنّ أمير المؤمنين خليفة بعد رسول الله (صلّى الله عليه و آله) بالنصّ وهو أفضل مَن عليها بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كسلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وغيرهم، ومَن حذا حذوهم إلى يوم القيامة من الشيعة الاثني عشريّة - مثل هؤلاء الشيعة الذين تابعوا وبايعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام على أنّه خليفة رابع، فها هم أهل الكوفة بايعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام وتابعوه وصلَّوا خلفه، ومع ذلك لمَّا

____________________

(1) النهاية في غريب الحديث، ابن الاثير 2 / 519، الناشر مؤسسة إسماعيليان - قم المقدّسة -.

(2) تاج العروس، الزبيدي 5 / 405، الناشر دار الفكر - بيروت - 1414 هـ.

(3) بل حتّى مَن بايع يمكن أنْ لا يكون من الشيعة بالمعنى اللغوي؛ إذ ربما يبايع ولا يتبع ولا ينصر.

٢١

نهاهم عن صلاة التراويح بإمام نادوا: واعمراه! والشيعة لا يختلف اثنان في أنّهم لا يرون قول وسنّة عمر بن الخطاب فضلاً عن خلافته.

قال عبد الحميد المعتزلي: وقد رُوي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لمَّا اجتمعوا إليه بالكوفة، فسألوه أنْ ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان، زجرهم وعرَّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم، وقدَّموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسنعليه‌السلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرَّة، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: واعمراه!(1) .

وكذا كلّ مَن بايع الإمام الحسنعليه‌السلام والإمام الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة وأهل المدينة وبقيّة الأمصار؛ إذ بايعوا الإمام الحسنعليه‌السلام خليفة خامس، والإمام الحسينعليه‌السلام خليفة سادساً أو سابع، وأمَّا الشيعة بالمعنى الخاص فقليلون جد.

معنى الشيعة الخاصّ بلسان علماء أهل الخلاف يدفع الشبهة

ومعنى لفظ الشيعة عند علماء أهل الخلاف، هو: كلّ مَن اعتقد بإمامة عليٍّ وأهل بيتهعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصّ من الله، وأنّهمعليهم‌السلام أفضل الخلق بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال أبو الحسن الأشعري: وإنّما قِيل لهم الشيعة؛ لأنّهم شايعوا عليّاًعليه‌السلام ، ويقدِّمونه على سائر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

وقال الشهرستاني: الشيعة هم الذين شايعوا عليّاًعليه‌السلام على الخصوص، وقالوا بإمامته

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي 12 / 283.

(2) مقالات الإسلاميّين للأشعري 1 / 65.

٢٢

وخلافته نصّاً ووصية، إمَّا جليّاً وإمَّا خفيّاً، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده، وإنْ خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقيّة من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضيّة مصلحيّة تناط باختيار العامّة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضيّة أصوليّة، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامّة وإرساله، يجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولّي والتبرّي قولاً وفعلاً وعقداً، إلاّ في حال التقيّة(1) .

وقال النوبختي: إنّ أوَّل فرق الشيعة هم فرقة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام المسمَّون شيعة عليّعليه‌السلام في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته(2) .

وقال ابن حزم الأندلسي: ومَن وافق الشيعة في أنّ عليّاًعليه‌السلام أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحقُّهم بالإمامة وولده من بعده، فهو شيعي وإنْ خالفهم فيما عدا ذلك ممّا اختلف فيه المسلمون، فإنْ خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيّاً(3) .

وقال ابن منظور: وقد غلب هذا الاسم الشيعة على مَن يتوالى عليّاً وأهل بيتهعليهم‌السلام ، حتّى صار لهم اسماً خاصّاً، فإذا قِيل: فلان من الشيعة، عُرف أنّه منهم. وفي مذهب الشيعة، كذا، أي: عندهم. وأصل ذلك من المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة. قال الأزهري: والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوالونهم(4) .

____________________

(1) الملل والنحل، للشهرستاني 1 / 146، الناشر دار المعرفة - بيروت -.

(2) فرق الشيعة للنوبختي / 15.

(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2 / 113.

(4) لسان العرب، ابن منظور 8 / 189.

٢٣

وقال ابن الأثير: وقد غلب هذا الاسم (الشيعة) على كلِّ مَن يزعم أنّه يتولَّى عليّاً وأهل بيتهعليهم‌السلام ، حتّى صار لهم اسماً خاصّاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنّه منهم. وفي مذهب الشيعة، كذا، أي: عندهم. وتجمع الشيعة على: شيع. وأصلها من المشايعة، وهي: المتابعة والمطاوعة (س)(1) .

ومنه حديث صفوان: إنّي لأرى موضع الشهادة لو تشايعني نفسي. أي: تتابعني(2) .

وقال الزبيدي: وقد غلب هذا الاسم (الشيعة) على كلّ مَن يتولَّى عليّاً وأهل بيتهعليهم‌السلام حتّى صار اسماً لهم خاصّاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنّه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا، أي: عندهم. وأصل ذلك من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة.

وقِيل: عين الشيعة واو، من شوَّع قومه إذا جمعهم، وقد تقدَّمت الإشارة إليه قريباً.

وقال الأزهري: الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويوالونهم(3) .

فبعد وضوح أنّ للفظ الشيعة معنيين لغوياً عامّاً واصطلاحياً خاصّاً يتّضح أنّ مَن خرج على الإمام الحسينعليه‌السلام لا يصدق عليه أنّه من شيعته ومتَّبعيه وناصريه على كلا هذين المعنيين(4) ، بل يصدق عليه أنّه من شيعة مَن خرج لنصرته.

____________________

(1) هذا رمز يضعه ابن الأثير لمَا أخذه من كتاب أبي موسى الأصبهاني في شرح غريب القرآن والحديث.

(2) النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير 2 / 519.

(3) تاج العروس، الزبيدي 5 / 405.

(4) فهؤلاء ليسوا بشيعة جدِّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله فضلاً عن كونهم شيعتهعليه‌السلام . قال الموفّق الخوارزمي في مقتله 2 / 179، راثياً الإمام الحسينعليه‌السلام ومستنكراً على قتلته:

٢٤

ومتابعته وهم بنو اُميّة، فأغلب مَن خذل وخرج على الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام من شيعة بني اُميّة، وجميع مَن بايع الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام بايعهما على أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام خليفة خامس، والإمام الحسينعليه‌السلام خليفة سادس، إنْ لمْ يقرَّ بالبيعة لمعاوية وإلاّ فخليفة سابع، لا على أنّهما الوصيان الثاني والثالث من أوصياء النبيِّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

[... ] ففاز بالشهادة، وسلك إلى آخر مسلك السعادة، فالسلام على الحسينعليه‌السلام المقتول يوم الاثنين:

لقد ذبحوا الحسينَ بنَ البتولِ

وقالو: نحن أشياعُ الرسولِ

بقطرةِ شربةٍ بَخِلُوا عليه

وخاض كلابُهُمْ وَسْطَ السيولِ

قُصَارى همِّهم ريحٌ شمالٌ

وكاساتٌ من الراحِ الشَّمُولِ

وإن موفَّقاً إن لم يُقَاتِلْ

أمامَك يابنَ فاطمةَ البتولِ

فسوف يصوغُ فيك مُحَبَّراتٍ

تنقَّلُ في الحزونِ وفي السهولِ

٢٥

٢٦

دفع الشبهة بشواهد تاريخيّة

مضافاً لمَا تقدّم - من أنّ الذوق المستقيم والفهم السليم، واللغة وأقوال علماء أهل الخلاف، ترفض مثل هذه الخزعبلات والتهم التي يرمي بها أعداءُ مذهبِ أهلِ البيتِعليهم‌السلام شيعتَهم، بُغية التوصُّل إلى مآربهم الشيطانيّة - أنّ الشواهد التاريخيّة والعقلائيّة خير شاهد لنفي ما يَصْبُون لإثباته، فنذكر شيئاً منها تباع:

الأمر الأوّل: ما ذكروه في كتبهم إلى الإمام الحسينعليه‌السلام

روى الطبري والبلاذري، وابن الأثير وابن كثير واللفظ للأوّل، قال، قال أبو مخنف: فحدَّثني الحجاج بن عليّ، عن محمّد بن بشر الهمداني، قال: اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فذكرنا هلاك معاوية، فحمدنا الله عليه، فقال لنا سليمان بن صُرد: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً (ع) قد تقبَّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه، وإنْ خفتم الوهل والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه. قالوا: لا، بل نقاتل عدوَّه ونقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا إليه. فكتبوا إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم

لحسين بن عليّعليهما‌السلام من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة، ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أمَّا بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوَّك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة فابتزَّها أمرها،

٢٧

وغصبها فيأها، وتأمَّر عليها بغير رضىً منها، ثمّ قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود، إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلَّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقِّ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنْ شاء الله، والسلام ورحمة الله عليك.

قال: ثمّ سرَّحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني، وعبد الله بن وال، وأمرناهما بالنجاء(1) ، فخرج الرجلان مسرعين حتّى قدما على حسينٍعليه‌السلام لعشر مضين من شهر رمضان بمكّة(2) .

أقول: إنّ قولهم في هذا الكتاب: إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلَّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقِّ(3) أو الهدى، يدلّ بوضوح على أنّ القوم يريدون مبايعة الإمام الحسينعليه‌السلام على الإمامة الإداريّة والسياسيّة - إنْ صحَّ التعبير - كما بُويع غيره، لا الإمامة الإلهيّة في شؤون الدين والدنيا.

وبعبارة أخرى: أنّ القول المذكور يدلّ على أنّهم ليسوا ممّن يعتقدون بأنّه الخليفة من الله بالنَّص، كما هي عقيدة الشيعة بالمعنى الخاصّ؛ إذ الشيعة لهم أئمّة

____________________

(1) النجاء: السرعة في السير، كما في لسان العرب، ابن منظور 15 / 305.

(2) تاريخ الطبري 3 / 277، الناشر دار الكتب العلميّة - بيروت - 1407 هـ، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 369، الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 385، الناشر دار الكتب العلمية - بيروت - 1415 هـ، مع اختلاف يسير لا يضرُّ بالمعنى، البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 151 بإيجاز، الناشر مكتبة المعارف - بيروت -.

(3) وفي الإمامة والسياسة 2 / 7 تحقيق الشيري، 2 / 4 تحقيق الزيني: (... أنْ يجمعنا بك على الهدى). وفي جواب الإمام الحسينعليه‌السلام لهم كما في تاريخ الطبري 3 / 278: «... أنْ يجمعنا على الهدى والحقّ».

٢٨

معروفون منصوبون من الله بعد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمور الدين والدنيا إلى اليوم المعلوم، فلو كانوا من الشيعة بالمعنى الخاصّ لمَا قالوا: ليس علينا إمام، ولمَا قالوا: لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ؛ لأنّهم يعتقدون عصمته، فلا يصدر منهم هذا القول قطع، فإنّه لا يصحّ أنْ يقال في حقّ مَن ثبتت بالقطع عصمته كالنبيِّ والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومَن يقوم مقامه من أئمّة الهدى ومصابيح الدجىعليهم‌السلام .

نعم؛ يصحّ منهم هذا إذا كان أكثر الناس المبايعين آنذاك عقيدتهم في الإمامة على ذلك؛ فلا يستطيعون التصريح بخلافها لمَا فيه من نفي خلافة الأوّل والثاني والثالث، وهو ليس بالأمر البسيط، وهذا يثبت أيضاً أنّ الكثرة الكاثرة ممّن بايع الإمام الحسينعليه‌السلام هم من غير الشيعة بالمعنى الخاصّ.

وأيضاً ما رواه ابن كثير والطبري وابن الأثير، واللفظ للأول، قال: وكتب إليه شبث بن ربعي وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمّد بن عمر بن يحيى التميمي، أمّا بعد: فقد اخضرَّتْ الجنان وأينعت الثمار ولطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنَّدة، والسلام عليك.

فاجتمعت الرسل كلّها بكتبها عند الحسينعليه‌السلام ، وجعلوا يستحثُّونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضاً عن يزيد ابن معاوية، ويذكرون في كتبهم أنّهم فرحوا بموت معاوية وينالون منه، ويتكلَّمون في دولته وأنّهم لمَّا يبايعوا أحداً إلى الآن، وأنّهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدِّموك عليهم(1) .

فإنّ قوله: وجعلوا يستحثُّونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضاً عن يزيد بن

____________________

(1) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 151 - 152، تاريخ الطبري 3 / 278، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 385، ذكره مجملاً بقوله: ثمّ كتب إليه شبث بن ربعي و... و... بذلك.

٢٩

معاوية.

وقولهم: وأنّهم لمَّا يبايعوا أحداً إلى الآن.

وقولهم: وأنّهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدِّموك عليهم.

يدلّ بوضوح على أنّهم لا يعتقدون بإمامته بالنصّ، وأنّهم يريدون مجيئه إليهم وتقديمه عليهم لإدارة أمورهم، ومَن كان هكذا لمْ يكن من الشيعة بالمعنى الخاصّ، أي: الاثني عشريّة.

وأيضاً ما رواه اليعقوبي والطبري وابن كثير، واللفظ للأوّل، قال: وكتب أهل العراق إليه، ووجَّهوا بالرسل على أثر الرسل، فكان آخر كتاب ورد عليه منهم كتاب هانئ بن أبي هانئ، وسعيد بن عبد الله الخثعمي:

بسم الله الرحمن الرحيم

للحسين بن عليّعليه‌السلام من شيعته المؤمنين والمسلمين، أمَّا بعد: فحيَّ هلا، فإنّ الناس ينتظرونك، لا إمام لهم غيرك فالعجل ثمّ العجل، والسلام.

فوجَّه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكتب إليهم، وأعلمهم أنّه إثر كتابه، فلمَّا قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه، فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه، وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء(1) .

حيث إنّ قوله: فإنّ الناس ينتظرونك لا إمام لهم غيرك، فالعجل العجل.

وقوله: فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه، وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء.

ممّا يدلّ على أنّهم بايعوه على النصرة والمشايعة والمتابعة لا على الاعتقاد

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 241 - 242، الناشر دار صادر - بيروت - تاريخ الطبري 3 / 277، وفيه: ولا رأي لهم غيرك فالعجل... بدل: لا إمام لهم غيرك، البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 151 بإيجاز.

٣٠

بإمامته بالنصّ.

والخلاصة من نقل هذه الأقوال: أنّها تدلّ على أنّ مَن كتب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام من أجل البيعة إنّما كانوا يريدون البيعة السياسية فقط، وهي غير ما عليه عقيدة الشيعة بالمعنى الخاصّ.

فإنْ قلت: فما تقول في مَن كتب إليه من الشيعة الخلَّص كحبيب بن مظاهر وغيره رضوان الله عليهم، فإنّهم من خواص الشيعة وقد تكلَّموا بهذه الأقوال أيضاً؟

قلت: إنَّ هذا يندفع بملاحظة ما ذكرناه في أوَّل هذا الأمر من أنّ الشيعة الخاصّة لا يصحُّ منهم ذلك؛ لمَا عرفت من المعنى الخاصّ للشيعة، فيحمل على أنّه كلام بلسان الكثرة الكاثرة من أهل الكوفة، أو كلام باعتقاد أغلب أهل ذلك الزمان، بحيث لا يصحّ من الشيعة الخاصّة إظهار خلافه خوفاً وتقيّةً، لمَا فيه من نفي خلافة الأوّل والثاني والثالث.

ولهذا عبَّر عنهم بالناس في قوله: فإنّ الناس ينتظرونك لا إمام لهم غيرك فالعجل العجل.

الأمر الثاني: دهاء ابن زياد

إنّ عبيد الله بن زياد داهية من الدواهي المنسوبة إلى بني اُميّة، وهو يعمل جاهداً حتّى لا يصل أحد من الشيعة إلى إمامه الحسين بن عليّعليه‌السلام لينصره في كربلاء، وليس هو بالغبي حتّى يرسل إلى الإمام الحسينعليه‌السلام شيعته، وهو يعلم بأنّ وصولهم لهعليه‌السلام يقلب الموازين على بني اُميّة.

٣١

الأمر الثالث: اعتقال ابن زياد للشيعة وقتلهم ومنعهم من الوصول إلى الإمام

قد عمل ابن زياد جاهداً حتّى لا يصل أحد من الشيعة إلى نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام .

فبدأ باعتقال الشيعة وزجِّهم في السجون أو قتلهم، وخصوصاً مَن أراد نصرة مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، ولو كان يريد أنْ يرسل الشيعة مع جيشه لمَا زجَّ بهم في السجون أو قتلهم.

ثمّ إنَّه قد جعل المراصد في الكوفة لاعتقالهم، ومن اشتبه أنّه منهم فإنّه يختبر ويمحَّص حتّى يُعرف حاله، ويُفعل به ما يًفعل من تعذيب وقتل، وهذا دليل واضح على عدم إمكان تصوُّر أنَّ ابن زياد يرسل إلى الإمام الحسينعليه‌السلام شيعته.

فقد روى الطبري قال، قال أبو مخنف: فحدَّثني أبو جناب الكلبي: أنّ كثيراً ألفى رجلاً من كلب يُقال له: عبد الأعلى بن يزيد، قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان، فأخذه حتّى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره، فقال لابن زياد: إنّما أردتك. قال: وكنت وعدتني ذلك من نفسك، فأمر به فحبس.

وخرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل عليه سلاحه، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه، فبعث ابن عقيل إلى محمّد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي، فلمَّا رأى محمّد بن الأشعث كثرة مَن أتاه أخذ يتنحَّى ويتأخَّر.

وأرسل القعقاع بن شور الذهلي إلى محمّد بن الأشعث: قد حلتُ على ابن عقيل

٣٢

من العرار، فتأخَّر عن موقفه (1) .

وذكر الطبري أيضاً مقتل مَن اعتقلهم عبيد الله بن زياد من الشيعة، فقال: ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد لمَّا قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة دعا بعبد الأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان فأُتي به، فقال له: أخبرني بأمرك. فقال: أصلحك الله! خرجت لأنظر ما يصنع الناس، فأخذني كثير ابن شهاب.

فقال له: فعليك وعليك من الأيمان المغلَّظة إنْ كان أخرجك إلاّ ما زعمت. فأبى أنْ يحلف، فقال عبيد الله: انطلقوا بهذا إلى جبانة السبيع فاضربوا عنقه به.

قال: فانطلق به فضُربت عنقه.

قال: وأخرج عمارة بن صلخب الأزدي، وكان ممّن يريد أنْ يأتي مسلم بن عقيلعليه‌السلام بالنصرة لينصره، فأتي به أيضاً عبيد الله، فقال له: ممّن أنت؟ قال: من الأزد. قال: انطلقوا به إلى قومه، فضُربت عنقه فيهم(2) .

وأيضاً لقلَّة الشيعة وتفرُّقهم في البلدان، وكونهم معروفين كتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد: أنْ يجعلَ المراصد والمسالح كي لا يصلَ أحد من الشيعة إلى نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام .

فقد روى الطبري ومحدّث الشام، وابن الجوزي والخوارزمي وغيرهم كتاب يزيد لعبيد الله، حينما بعث له عبيد الله برأسي مسلم بن عقيلعليه‌السلام وهانئ بن عروة رحمه الله، واللفظ الأوّل قال، قال أبو مخنف: عن أبي جناب يحيى بن أبي حيّة الكلبي، قال:... فكتب إليه

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 287.

(2) تاريخ الطبري 3 / 292.

٣٣

يزيد، أمَّا بعد:

فإنّك لمْ تعدُ أنْ كنت كما أحبُّ، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت وكفيت، وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خير، وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن عليّعليهما‌السلام قد توجّه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس على الظنّ وخذ على التهمة، غير ألاّ تقتل إلاّ مَن قاتلك(1) ، واكتب إليَّ في كلّ ما يحدث من الخبر، والسلام عليك ورحمة الله(2) .

وفي مقتل الخوارزمي قال: وقد بلغني أنّ الحسين بن عليعليه‌السلام قد عزم على المصير إلى العراق، فضع المراصد والمناظر والمسالح، واحترس واحبس على الظنّ واقتل على التهمة، واكتب في ذلك إليَّ كلّ يوم بما يحدث من خبر(3) .

وقد امتثل ابن زياد ما أمره يزيد، فقد روى البلاذري، قال:

____________________

(1) مّن اطّلع على سيرة يزيد بن معاوية يعرف حال قوله: غير ألاّ تقتل...، بل قد روى الخوارزمي خلافه في مقتله 1 / 308، كما يأتي بعد الانتهاء من رواية الطبري مباشرة. وأيضاً ما فعله ابن زياد من قتله مَن لمْ يقاتله، كرسل الإمام الحسين (ع) وعبد الله بن عفيف وغيرهم موافقاً لوصية يزيد بن معاوية له على رواية الخوارزمي.

(2) تاريخ الطبري 3 / 293، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر 18 / 306، قال: قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن الغساني، عن عبد العزيز بن أحمد، أخبرنا هارون الميداني، أخبرنا أبو سليمان بن زبر، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني، أخبرنا محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّث عن هشام بن محمّد الكلبي قال، قال أبو مخنف: عن أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي قال: [... ]، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم لابن الجوزي 5 / 329، مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 1 / 309.

(3) مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 1 / 308.

٣٤

ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة إنْ يلحقَ بالحسينعليه‌السلام مغيثاً له، ورتَّب المسالح حوله، وجعل على حرس الكوفة والعسكر زحر بن قيس الجعفي، ورتّب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلاً مضمرةً مقدحةً، فكان خبر ما قبله يأتي في كلّ وقت(1) .

وروى البلاذري أيضاً، قال:

قالوا: ولمَّا بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة بعث الحصين بن تميم بن أسامة التميمي، ثمّ أخذ بني جشيش بن مالك بن حنظلة صاحب شرطه، حتّى نزل القادسيّة، ونظم الخيل بينها وبين خفان، وبينها وبين القطقطانة إلى العلع(2) .

أفبعد هذا يعقل من داهية مثل ابن زياد أنْ يخالف عقله وإمامه يزيد بن معاوية، ويرسل الشيعة إلى إمامهم الحسين بن عليّعليه‌السلام ؟!

الأمر الرابع: قلّة الشيعة في الكوفة آنذاك

لا يخفى أنّ الكوفة في هذا الزمان شيعية محضة، وعرفت بالتشيُّع في أزمنة مختلفة في التاريخ، ومن هذه الشهرة نفذ أصحاب الشبهة واتَّهموا الشيعة بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّ المترسِّخ في الأذهان أنّ لفظة أهل الكوفة تساوي لفظة شيعة، وغرض التهمة أنْ يخلِّصوا يزيد وأتباعه ومحبِّيه من وصمة العار التي

____________________

(1) أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 388.

(2) أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 377 - 378، وفي معجم البلدان 5 / 18 العلع: ماء في البادية. وقيل: منزل بين البصرة والكوفة يبعد عن البصرة عشرين ميل. وفيه 4 / 374، القطقطانة: موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف، به كان سجن النعمان بن المنذر. وقال أبو عبيد الله السكوني: القطقطانة بالطف، بينها وبين الرهيمة مغرباً نيف وعشرون ميل.

٣٥

تلاحقهم أبد الدهر، حتّى زاد بعضهم فنصَّ على عدم مشاركة أهل الشام واليمن ومصر في قتال الإمام الحسينعليه‌السلام ، - يكاد المريب أنْ يقول: خذوني - مع وجود ما يدلّ على خلاف قوله، كما سنذكره(1) .

ولكن هذا لا يخفى على ذوي العقول الواعية، إذ قليل من التأمُّل يكفي، ولكي يتّضح الأمر جيِّداً علينا أنْ نعرف مذهب أهل الكوفة في زمان شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فنقول:

إنّ الشيعة بالمعنى الخاصّ فرقة قليلة جداً في ذلك الزمان، ومع قلَّتهم كانت طائفة منهم تقطن الكوفة، فهم بالنسبة إلى أهل الكوفة عدد قليل جداً، ومَن راجع واطّلع على سكان الكوفة آنذاك وجد هذا المعنى ملموس.

ثمّ إنّ الكوفة بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وانتقال الإمام الحسنعليه‌السلام إلى المدينة، وتسلُّم معاوية للسلطة، كانت تحت إمرة بني اُميّة. وكان همُّ معاوية بن أبي سفيان حينما استتبَّ له الأمر التضييق على الشيعة وتفريقهم وإبعادهم عن الكوفة منذ سنة إحدى وأربعين، كما يدلّ على ذلك كتاب معاوية إلى المغيرة بن شعبة عندما ولاه الكوفة في تلك السنة.

فقد روى الطبري ذلك في تاريخه، قال:

قال هشام بن محمّد: عن أبي مخنف، عن المجالد بن سعيد، والصقعب بن زهير، وفضيل بن خديج، والحسين بن عقبة المرادي، قال: كلٌّ قد حدَّثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث حجر بن عدي الكندي (رحمه الله) وأصحابه: أنّ معاوية بن أبي سفيان لمَّا ولَّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 هـ دعاه، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمَّا بعد، فإنّ

____________________

(1) يأتي ذلك في الأمر العاشر تحت عنوان: اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسين$.

٣٦

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد قال المتلمس:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

وما علم الإنسان إلاّ ليعلما

وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعلُّم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي. ولست تاركاً إيصاءك بخصلة: لا تتحم عن شتم عليٍّ (ع) وذمِّه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب عليٍّ (ع) والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه، والإدناء لهم والاستماع منهم.

فقال المغيرة: قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك، فلمْ يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع، فستبلو فتحمد أو تذم، ثمّ قال: بل نحمد إنْ شاء الله(1) .

ثمّ جعل معاوية على الكوفة زياد ابن أبيه، فلمْ يترك من شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام أحداً إلاّ قتله أو عذَّبه أو شرَّده إلاّ قليلاً ممّن لمْ يُعرف بالتشيُّع.

فقد روى الطبري ما يبيِّن ذلك عند ذكره ما جرى بين هانئ بن عروة (رحمه الله) وعبيد الله بن زياد، قال:

فقال عبيد الله: يا هانئ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر؟ وكان من حجر ما قد علمت...(2) .

وقال عبد الحميد المعتزلي:

وروى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث، قال:... وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليّعليه‌السلام ،

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 218.

(2) تاريخ الطبري 3 / 282.

٣٧

فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمَّ إليه البصرة، فكان يتتَّبع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّعليه‌السلام ، فقتلهم تحت كلِّ حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل وطرّفهم، وشرَّدهم عن العراق، فلمْ يبقَ بها معروف منهم... إلخ(1) .

ويدلّ على ذلك أيضاً ما سنذكره لك، فيما يأتي تحت عنوان:حقائق تاريخيّة تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، من أنّ مَن خرج في ثورة التوَّابين وثورة المختار ليسوا ممّن يسكن الكوفة فعلاً، بل هم ممّن تجمَّعوا من أماكن متفرِّقة حتّى استعدُّوا، فخرجوا لقتال بني اُميّة وأنصارهم من أهل الكوفة والشام، وهذا يدلُّ أيضاً على قلَّة الشيعة في الكوفة.

الأمر الخامس: كثرة الاُمويّين وأتباعهم في الكوفة آنذاك

ويتّضح هذا بدلالات كثيرة نذكر منها ما يلي:

الدلالة الأولى:

أنّ موت معاوية بن أبي سفيان قريب جداً من نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام ، والكوفة كانت تحت إمرته وتدين بدينه، ففيها الكثير الكثير من الموالين لهم، ويكفي أنّ أغلب رؤساء قبائل الكوفة(2) الذين تأتمر القبيلة بأمرهم وتسير على دينهم إلاّ مَن شذَّ، كانوا معهم، ولا ريب أنّ تفرُّقهم عن الكوفة يحتاج إلى زمن

____________________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 11 / 44.

(2) ممّا يدلّ على ذلك اجتماعهم مع ابن زياد في قصر الإمارة بالكوفة حين جاء من البصرة، وأيضاً راجع الشهادة التي أقيمت على حجر بن عدي وأصحابه (رضوان الله عليهم)، كما في تاريخ الطبري 3 / 224 - 231.

٣٨

طويل، ولا يكون إلاّ بانهيار الدولة الاُمويّة.

الدلالة الثانية:

تعامل يزيد بن معاوية مع الكوفة في هذه الظروف التي كتب فيها الآلاف بالبيعة للإمام الحسينعليه‌السلام ، على أنّها تحت إمرته وسيطرته، فقد قال لابن زياد: كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة أنّ مسلم بن عقيل يجمع الجموع. ثمّ أمره بأنْ يذهب إلى الكوفة، ويبحث عن مسلم بن عقيل ويقتله(1) .

فهذا يدلّ على وجود الكثير من أنصار بني اُميّة في الكوفة، إذ لا تكون إمرة وسيطرة على مكان في ظروف استعدَّت فيها الآلاف لمخالفة ومقابلة بني اُميّة إلاّ

____________________

(1) ففي تاريخ الطبري 3 / 279، البداية والنهاية 8 / 152 مع اختلاف يسير، الأخبار الطوال للدينوري / 231 ذكره بإيجاز، مقتل الحسينعليه‌السلام ، الخوارزمي 1 / 287، تاريخ ابن خلدون 3 / 22، واللفظ للطبري قال:

قال هشام: قال عوانة: فلمَّا اجتمعت الكتب عند يزيد - ليس بين كتبهم إلاّ يومان - دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية، فقال: ما رأيك؟ فإنّ حسيناً (ع) قد توجه نحو الكوفة، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين (ع)، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيّءٌ، وأقرأه كتبهم، فما ترى؟ مَن أستعمل على الكوفة؟ - وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد - فقال سرجون: أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه؟ قال: نعم، فأخرج عهد عبيدالله على الكوفة. فقال: هذا رأي معاوية، ومات وقد أمر بهذا الكتاب. فأخذ برأيه وضمَّ المصرين إلى عبيد الله، وبعث إليه بعهده على الكوفة.

ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي - وكان عنده - فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة، وكتب إليه معه، أمَّا بعد:

فإنّه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة، يجمع الجموع لشقِّ عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه، والسلام.

فأقبل مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة، فأمر عبيد الله بالجهاز والتهيُّؤ والمسير إلى الكوفة من الغد.

٣٩

بوجود العتاد والعدَّة المعتدِّ به.

الدلالة الثالثة:

أنّه لا يُعقل من مثل ابن زياد (لعنه الله) أنْ يأتي من البصرة إلى الكوفة بعدد قليل من الرجال، في قبال الآلاف المؤلَّفة من أهل الكوفة(1) الذين كتبوا إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، إلاّ مع علمه بأنّ أهل الكوفة بأجمعهم موالون لبني اُميّة حتّى مَن كتب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام إلاّ القليل منهم!

الدلالة الرابعة:

خطبة ابن زياد في جامع الكوفة بمجرَّد وصوله إليه، إذ كيف تسنَّى له أنْ ينزل الجامع وينادي في الناس بالجماعة - قبل أنْ يفعل أيَّ شيء - ويحضر عنده ذلك الجمع الغفير، ويهدِّدهم بالقتل والحرمان وغيره مع وجود الآلاف التي بايعت الإمام الحسينعليه‌السلام ؟!(2) .

____________________

(1) قال ابن كثير في البداية والنهاية 8 / 153: ودخلها في سبعة عشر راكباً. وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 388 ذكر: أنّ ابن زياد دخل الكوفة بمفرده.

(2) ففي مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 1 / 289 - 290، قال: ولمَّا وصل عبيد الله بن زياد إلى باب قصر الإمارة، قال مخاطباً النعمان بن بشير: افتح الباب، لعنك الله! فسمعها جماعة، فقالوا: ابن مرجانة والله. ففتحوا الباب وتفرَّق الناس، ونُودي بالصلاة جامعة فاجتمع الناس، فخرج ابن زياد وقام خطيباً، فقال: إنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم، والشدَّة على مريبكم، وأنا متبع أمره، ومنفِّذ فيكم عهده، وأنا لمحبِّكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسيفي وسوطي على مَن ترك أمري...

وفي الأخبار الطوال للدينوري / 232 قال:

فنظر ابن زياد من تباشيرهم بالحسينعليه‌السلام إلى ما ساءه، وأقبل حتّى دخل المسجد الأعظم، ونُودي في الناس فاجتمعو، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أهل الكوفة، إنّ أمير المؤمنين قد ولاّني مصركم وقسم فيئكم فيكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدّة على عاصيكم ومريبكم، وأنا منتهٍ في ذلك إلى أمره، وأنا لمطيعكم كالوالد الشفيق، ولمخالفكم كالسمّ النقيع، فلا يبقين أحد منكم إلاّ على نفسه، ثمّ نزل فأتى القصر فنزله، وارتحل النعمان بن بشير نحو وطنه بالشام.

وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 388، وفي ط 4 / 24 قال: =

٤٠