من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟0%

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 265

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 265
المشاهدات: 70847
تحميل: 5486

توضيحات:

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 265 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70847 / تحميل: 5486
الحجم الحجم الحجم
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فهم مَن دفعوا وصدُّوا هذه العقيدة الفاسدة المبنيَّة على الجحود والإنكار والتضليل، فلا يتأتَّى إنكار القرابة إلاّ من غير الشيعة بناءاً على جحودهم.

وممّا يثبت إنكار ابن الأشعث، ما في مقتل الخوارزمي، قال:

وقال الإمام الحسينعليه‌السلام : «اللهمّ، إنَّا أهل بيت نبيّك وذرّيّته وقرابته، فاقصم مَن ظلمنا وغصبنا حقَّنا، إنّك سميع قريب».

فسمعها محمّد بن الأشعث، فقال: يا حسين، وأيُّ قرابة بينك وبين محمّد (ص)؟ فقال الحسينعليه‌السلام : «اللهمّ، إنّ محمّد بن الأشعث، يقول: إنّه ليس بيني وبين رسولك قرابة، اللهمّ، فأرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً). فما كان بأسرع من أنْ تنحَّى محمّد بن الأشعث، وخرج من العسكر فنزل عن فرسه، وإذا بعقرب سوداء خرجت من بعض الحجرة، فضربته ضربةً تركته متلوِّثاً في ثيابه ممّا به.

قال الحاكم الجشمي: إنّه مات ليومه، ولكن ذلك غير صحيح؛ فإنّه بقي إلى أيّام المختار فقتله، ولكنّه بقي ممّا به في بيته(1) .

____________________

البراء: عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

أنا النبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

وهو في حديث متّفق عليه... إلى أنْ يقول: وحديث أسامة بن زيد الأوّل قد ورد في معنى المقصود منه أحاديث: منها عن عمر بن الخطاب رفعه عند الطبراني بلفظ: «كلّ ولد اُم فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمةعليهم‌السلام ، فإنّي أنا أبوهم وعصبتهم». وعن ابن عبّاس عند الخطيب بنحوه، وعن جابر عند الطبراني في الكبير بنحوه أيضاً.

قال السخاوي في رسالته الموسومة بالإسعاف بالجواب على مسألة الأشراف - بعد أنْ ساق حديث جابر بلفظ: إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه، وإنّ الله جعل ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - ما لفظه: وقد كنت سألت عن هذا الحديث وبسطت الكلام عليه وبيَّنت أنّه صالح للحجّة وبالله التوفيق، اه.

أقول: وتوجد أخبار أخر بهذا المضمون، وما نقلناه فيه كفاية للرشيد.

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 1 / 352 - 353.

٦١

الدلالة الرابعة

ما قاله عمرو بن الحجّاج الزبيدي - وهو يبيِّن عقيدة الجيش في الإمام الحسينعليه‌السلام - من أنّه مارق من الدين:

روى الطبري وابن الأثير، وابن كثير والخوارزمي، واللفظ للأوّل، قال:

قال أبو مخنف: حدَّثني الحسين بن عقبة المرادي، قال الزبيدي: إنّه سمع عمرو بن الحجّاج حين دنا من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، يقول: يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل مَن مرق من الدين وخالف الإمام.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «يا عمرو بن الحجّاج، أعليَّ تحرِّض الناس؟ أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه؟ أمَا والله لتعلمُنَّ لو قد قُبضت أرواحكم، ومُتُّم على أعمالكم أيَّنا مرق من الدين، ومَن هو أولى بصلّي النار؟».

قال: ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسينعليه‌السلام في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة، فُصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أوّل أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه، وارتفعت الغبرة، فإذا هم به صريع، فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ، فإذا به رمق فقال (ع): «رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة!:( فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (1) ) »(2) .

أقول: فهل هؤلاء - الذين يعتقدون بلزوم طاعة الملعون يزيد بن معاوية، بل ولا يشكّون في أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام رجل مرق من الدين، وخالف إمامهم يزيد حتّى منعوه من الماء... وكلّ الجيش قد أقرَّ بما ذكره عمرو بن الحجّاج الزبيدي

____________________

(1) الأحزاب / 23.

(2) تاريخ الطبري 3 / 324 - 325، الكامل في التاريخ 3 / 424، البداية والنهاية 8 / 182، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 18 - 19.

٦٢

ولمْ ينكر عليه واحد - شيعة الإمام الحسينعليه‌السلام !

الدلالة الخامسة

قول الحصين بن تميم للإمام الحسينعليه‌السلام : إنّ صلاتهعليه‌السلام لا تُقبل، ولا معترض عليه، وهل هؤلاء من شيعتهعليه‌السلام ؟! إذ الشيعة هم مَن يعتقدون بإمامة الحسينعليه‌السلام بالنصّ، ويرون أنّ صلاة المصلين لا تقبل إلاّ بولايتهعليه‌السلام .

روى الطبري وابن كثير، وابن الأثير واللفظ للأوّل، قال:

وتعطَّف الناس عليهم فكثروهم، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسينعليه‌السلام قد قُتل، فإذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيَّن فيهم، وأولئك كثير لا يتبيَّن فيهم ما يُقتل منهم.

قال: فلمَّا رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي، قال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتل حتّى أُقتل دونك إنْ شاء الله، وأحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلَّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها.

قال: فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه، ثمّ قال: «ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين! نعم، هذا أوَّل وقتها». ثمّ قال (ع): «سلوهم أنْ يكفُّوا عنَّا حتّى نصلّي». فقال لهم الحصين بن تميم: إنّها لا تُقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: لا تُقبل! زعمت الصلاة من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تُقبل وتُقبل منك يا حمار!(1) .

وفي ينابيع المودّة قال:

ثمّ قال أبو ثمامة الصيداوي: يا سيدي، صلِّ بنا صلاة الظهر والعصر، فإنَّا نراها

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 326 - 327، الكامل في التاريخ 3 / 425 - 426، البداية والنهاية 8 / 183 بإيجاز، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 22 بإيجاز.

٦٣

آخر صلاة نصلّيها معك، فلعلّنا نلقى الله على أداء فريضته. فأذّن وأقام فقاموا في الصلاة، وهم يُرمون السهام إليهم، فقال: يا ويلكم! ألاَ تقفون عن الحرب حتّى نصلّي؟ فلمْ يجبه أحد إلاّ الحصين بن نمير، قال: يا حسين، إنّ صلاتك لا تُقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: إذا لمْ تُقبل صلاة ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل تُقبل صلاتك يابن الخمّارة البوَّالة على عقبيها!(1) .

الدلالة السادسة

قول اللعين عليّ بن قرظة للإمام الحسينعليه‌السلام - والعياذ بالله -: الكذّاب ابن الكذّاب، ولا معترض، وهل هؤلاء الأرذال شيعتهعليه‌السلام ؟! إذ ممّا لا يختلف فيه اثنان أنّ من صميم عقيدة الشيعة الاثني عشريّة الاعتقاد بعصمة النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، والإمام الحسنعليه‌السلام والإمام الحسينعليه‌السلام والأئمّة من ولدهعليهم‌السلام ، من أوَّل عمرهم الشريف المبارك إلى نهايته. وعقيدة غير الشيعة على خلاف ذلك تماماً، فهذا لا يتأتَّى إلاّ من غير الشيعة، ولو جحوداً وعناداً.

روى الطبري والبلاذري، وابن الأثير والخوارزمي، واللفظ للأوّل، قال:

قال أبو مخنف: عن ثابت بن هبيرة، فقُتل عمرو بن قرظة بن كعب، وكان مع الحسينعليه‌السلام ، وكان عليّ أخوه مع عمر بن سعد، فنادى عليّ بن قرظة: يا حسين (ع)، يا كذّاب ابن الكذّاب! أضللت أخي وغررته حتّى قتلته.

قال (ع): «إنّ الله لمْ يضلَّ أخاك، ولكنّه هدى أخاك وأضلك». قال: قتلني الله إنْ لمْ أقتلك، أو أموت دونك، فحمل عليه فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه

____________________

(1) ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزي 3 / 70 - 71.

٦٤

فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه، فدُووي بعد فبرأ(1) .

الدلالة السابعة

إنّ رجلاً من جيش يزيد بن معاوية، قال: أنتم الخبيثون، ولمْ ينكر عليه أحد منهم، أفهل هذه إلاّ عقيدة النواصب والمنافقين من بني اُميّة وأنصارهم؟

ويأتي ما يدلّ على ذلك في ترجمة يزيد بن معاوية؛ وأمّا شيعة الإمام الحسينعليه‌السلام فهم بالخصوص من بين المسلمين مَن يعتقدون باختصاص آية التطهير بأهل البيتعليهم‌السلام المتمثِّلين بالنبيّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام وفاطمة الزهراءعليها‌السلام والإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام من ذرّيّة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تدفع عنهم كلّ رجس.

وفي مقتل الخوارزمي، قال:

وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسَّس، ومعه جماعة من أصحابه، حتّى قارب معسكر الحسينعليه‌السلام ، فسمعه يتلو قوله تعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ ثمّ ا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (2) . فصاح رجل من أصحاب شمر: نحن - وربّ الكعبة - الطيّبون، وأنتم الخبيثون، وقد مُيّزنا منكم، فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته، ثمّ نادى: يا فاسق! يا فاجر! يا عدوَّ الله! يا ابن البوَّال على عقبيه! أمثلك يكون من الطيّبين والحسين (ع) ابن رسول الله (ص) من الخبيثين؟! والله، ما أنت إلاّ بهيمة، ولا تعقل

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 323 324، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 400، الكامل في التاريخ 3 / 423، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 26 ولمْ يذكر ما جرى مع أخيه.

(2) سورة آل عمران / 178، 179.

٦٥

ما تأتي وما تذر، فأبشر - يا عدوَّ الله - بالخزي يوم القيامة، والعذاب الأليم(1) .

الدلالة الثامنة

قول رجل من جيش يزيد بن معاوية للإمام الحسينعليه‌السلام : استعجلت بالنار، ولا يخفى عدم تعقُّل صدوره من الشيعة، وأنَّه لا وجه للقول بصدوره من الشيعة إلاّ السخافة والحماقة.

ففي مقتل الخوارزمي:

قال: وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد، يُقال له: مالك بن جريرة، على فرس له حتّى وقف على الحفيرة، وجعل ينادي بأعلى صوته: أبشر يا حسين (ع)، فقد تعجَّلت النار في الدنيا قبل الآخرة. فقال له الحسينعليه‌السلام : «كذبت يا عدوَّ الله أنا قادم على ربٍّ رحيمٍ وشفيعٍ مطاعٍ، وذاك جدِّي محمّد (صلّى الله عليه وآله»). ثمّ قال الحسينعليه‌السلام لأصحابه: «مَن هذا؟». فقِيل له: هذا مالك بن جريرة. فقال الحسينعليه‌السلام : «اللهمّ، جرَّه إلى النار، وأذقه حرَّها قبل مصيره إلى نار الآخرة». فلمْ يكن بأسرع من أنْ شبَّ به الفرس فألقاه على ظهره، فتعلقت رجله في الركاب، فركض به الفرس حتّى ألقاه في النار فاحترق.

فخرَّ الحسينعليه‌السلام ساجد، ثمّ رفع رأسه، وقال: «يا لها من دعوة ما كان أسرع إجابتها!». ثمّ رفع صوته، وقال (ع): «اللهمّ، إنَّا أهل بيت نبيّك وذرّيّته وقرابته، فاقصم من ظلمنا، وغصبنا حقَّنا، إنّك سميع قريب»(2) .

وروى الإسفرايني، قال:

فأقبل رجل من عسكر ابن سعد، فلمَّا نظر إلى النار صفَّق بيديه، ونادى: يا

____________________

(1) مقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي 1 / 355.

(2) مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي 1 / 352 - 353.

٦٦

حسين، استعجلتم بالنار في الدنيا قبل الآخرة. فقال الحسينعليه‌السلام : «اللهمّ، أذقه إيّاها في الدنيا قبل الآخرة». فنفر به جواده، وألقاه في النار فاحترق، فقال الحسينعليه‌السلام : «الله أكبر، من دعوة ما أسرع إجابته!».

ثمّ برز من عسكر ابن سعد رجل، وقال لأصحاب الحسينعليه‌السلام : أمَا ترون إلى مياه الفرات وهي تلوح كأنّها بطون الحيات؟ والله، لا تذوقون منها قطرة حتّى تذوقوا الموت عطشاً. فقال الحسينعليه‌السلام : «اللهمّ، اقتله عطشاناً في هذا اليوم». فصحبه العطش في ساعته حتّى سقط عن فرسه، فوطأته الخيل بحوافره، فمات وعجَّل الله بروحه إلى النار(1) .

وروى القندوزي، قال: فقال رجل ملعون: عجلّت - يا حسين (ع) - بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

فقال الحسينعليه‌السلام : «تعيِّرني بالنار وأبي قاسمها، وربي غفور رحيم». ثمّ قال لأصحابه (ع): «أتعرفون هذا الرجل؟». فقالوا: هو جبيرة الكلبي (لعنه الله)، فقال الحسينعليه‌السلام : «اللهمّ، أحرقه بالنار في الدنيا قبل نار الآخرة». فما استتمَّ كلامه حتّى تحرَّك به جواده فطرحه مكبّاً على رأسه في وسط النار فاحترق، فكبَّروا، ونادى منادٍ من السماء: «هُنيّت بالإجابة سريعاً يابن رسول الله».

قال عبد الله بن مسرور: لمَّا رأيت ذلك رجعت عن حرب الحسين(2) .

الدلالة التاسعة

نموذج عقيدة رجل من جيش يزيد بن معاوية، ونموذج عقيدة رجل من أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وتمثّل ذلك في مباهلة برير (قدّس سرّه) لأحدهم.

____________________

(1) نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام ، أبو إسحاق الإسفرايني / 34، وفي ط / 29 - 30.

(2) ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزي 3 / 70.

٦٧

وقبل ذكر خبر المباهلة نبيِّن أمراً وهو أنَّه لا يختلف اثنان في أنّ الشيعة لا يعتقدون بخلافة بني اُميّة عثمان فمَن دونه، بخلاف بني اُميّة وأنصارهم من النواصب، فهم مَن يعتقد بخلافة عثمان وغيره منهم، وينكر إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

روى الطبري والخوارزمي، واللفظ للأوّل، قال:

قال أبو مخنف: وحدَّثني يوسف بن يزيد، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس - وكان قد شهد مقتل الحسينعليه‌السلام - قال: وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة، وهو حليف لبني سليمة من عبد القيس، فقال: يا برير بن خضير، كيف ترى الله صنع بك؟ قال: صنع الله - والله - بي خيراً، وصنع الله بك شرّاً.

قال: كذبت، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، هل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان، وأنت تقول: إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضال مضلّ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب (ع)؟

فقال له برير: أشهد أنّ هذا رأيي وقولي. فقال له يزيد بن معقل: فإنّي أشهد أنّك من الضالين.

فقال له برير بن خضير: هل لك فلأُباهلك، ولندعُ الله أنْ يلعن الكاذب، وأنْ يقتل المبطل، ثمّ اخرج فلأُبارزك؟

قال: فخرج، فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أنْ يلعن الكاذب، وأنْ يقتل المحقُّ المبطل، ثمّ برز كلُّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بن معقل بريرَ بن خضير ضربةً خفيفةً لمْ تضرَّه شيئاً، وضربه بريرُ بن خضير ضربةً قدَّت المغفر وبلغت الدماغ، فخرَّ كأنّما هوى من حالق، وإنّ سيف ابن خضير لثابت في رأسه، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه.

وحمل عليه رضي ابن منقذ العبدي فاعتنق برير، فاعتركا ساعةً، ثمّ إنّ بريراً قعد على صدره، فقال

٦٨

رضي: أين أهل المصاع والدفاع؟

قال: فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه، فقلت: إنّ هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يُقرئنا القرآن في المسجد، فحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره، فلمَّا وجد مسَّ الرمح برك عليه فعضَّ بوجهه وقطع طرف أنفه، فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عنه، وقد غيَّب السنان في ظهره، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله.

قال عفيف: كأني أنظر إلى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه، ويقول: أنعمت عليَّ - يا أخا الأزد - نعمةً لن أنساها أبداً.

قال، فقلت: أنت رأيت هذا؟ قال: نعم، رأي عيني وسمع أذني...

قال أبو مخنف: حدَّثني عبد الرحمن بن جندب، قال: سمعته في إمارة مصعب بن الزبير، وهو يقول: يا ربِّ إنَّا قد وفينا، فلا تجعلنا يا ربِّ كمَن قد غدر. فقال له أبي: صدق، ولقد وَفَى وكرم، وكسبت لنفسك شرّاً. قال: كلاّ، إنّي لمْ أكسب لنفسي شرّاً، ولكنِّي كسبت لها خيراً(1) .

الأمر التاسع: عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسينعليه‌السلام من خلال أفعالهم

ولا يخفى أنّ هذا الجيش الظالم قد فعل ما لا يفعله المسلم بالكافر، فضلاً عن المسلم بالمسلم، كيف بابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته من هذه الدنيا وسيد شباب أهل الجنّة؟! فإنّهم حرموه من الماء حتّى قضى عطشاناً، وضربوه على رأسه وفي منحره حتّى ذبحوه من القفا، وسلبوا ثيابه بعد ذبحه، ورضُّوا جسده بحوافر الخيل حتّى ألصقوه بالأرض، وقطعوا رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه، واقتسموها

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 323، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 14 - 15 بإيجاز.

٦٩

افتخاراً، وسلبوا ما على نسائه وبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اللباس، حتّى لمْ يتركوا لهنّ ما يسترنَ به وجوههنّ وشعورهنّ، وساقوهنّ كما تُساق الأسارى وهنّ مكشفات الوجوه والشعور من بلد إلى بلد و... و...

والجيش بأجمعه راضٍ بهذا كلّه؛ إذ لمْ يبدِ أحد منهم الاعتراض والكراهة على كلّ ما فُعِل.

وبعد هذا، هل يتصوَّر مَن مثل هؤلاء الإيمان بالله وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

والدلائل على ذلك كثيرة:

الدلالة الأولى

منعهم الماء عن الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه، وهل مثل هذا الفعل يصدر إلاّ من بني اُميّة وأنصارهم، كما فعلوا ذلك بأمير المؤمنينعليه‌السلام في صفين؟

قال البلاذري:

وناداه المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين (ع)، ألاَ ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيَّات؟ والله لا تذوق أو تموت. فقالعليه‌السلام : «إنّي لأرجو أنْ يروينيه الله، ويحلأكم عنه».

ويُقال: إنّ عمرو بن الحجّاج، قال: يا حسين (ع)، إنّ هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب منه الحمير والخنازير، والله، لا تذوق منه جرعةً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم(1) .

وفي ينابيع المودّة، قال:

ثمّ قال الإمام الحسينعليه‌السلام لأعدائه: «يا أهل الكوفة، إنّ الدنيا قد تغيَّرت وتكدَّرت، وأدبر معروفها، وهي دار فناء وزوال تتصرَّف بأهلها من حال إلى

____________________

(1) أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 390.

٧٠

حال، فالمغرور من اغترَّ بها، وركن إليها، وطمع فيها.

معاشر الناس، أمَا قرأتم القرآن؟ أمَا عرفتم شرايع الإسلام؟ وثبتم على ابن نبيّكم، تقتلونه ظلماً وعدواناً. معاشر الناس، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس، وآل نبيّكم يموتون عطشاً؟!».

فقالوا: والله، لا تذوق الماء، بل تذوق الموت غصَّةً بعد غصَّة، وجرعةً بعد جرعة، فلمَّا سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه. وقالعليه‌السلام لهم: «إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان، ألاَ إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون»(1) .

الدلالة الثانية

ما فعلوه في مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام من ضرب رأسه ومنحره حتّى ذبحوه من القفا، و... و... فإنّ هذه الأفعال لا تصدر إلاّ من بني اُميّة وأنصارهم.

وهذا التاريخ يحدِّث أنّ مَن تعدَّى بأنواع الفتك على أهل البيتعليهم‌السلام من أولاد عليّ وفاطمةعليهما‌السلام هم من يعتقد أهل الخلاف بإمامتهم، كبني اُميّة وأنصارهم وبني العبّاس وأعوانهم، فانظر قليلاً إلى ما لاقاه أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم على مرِّ التاريخ من القتل والذبح، بل إلى يومنا هذا والشيعة يُقتلون ويُذبحون ويُعذَّبون بأنواع العذاب - كما هو حاصل في أيّامنا هذه في العراق مثلاً بعد سقوط النظام الصدامي - على أيدي النواصب من أنصار بني اُميّة لا غفر الله لهم أبداً.

فما فعله جيش يزيد بن معاوية في مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، لا يفعله حتّى كافر بمسلم فضلاً عن مسلم بمسلم، ونسبة مثل هذا إلى الشيعة من سخف العقول التي آلت على نفسها معاداة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم، فأرادت الفرار ممّا فعله أسيادهم وأئمّتهم من بني اُميّة بنسبته إلى غيرهم، ولكن يأبى الله إلاّ

____________________

(1) ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزي 3 / 68.

٧١

فضحهم حتّى لا يبقى لأحد حجَّة يوم الوعد الموعود.

قال الخوارزمي:

ثمّ نادى شمر: ما تنتظرون بالرجل؟ فقد أثخنته السهام! فأخذت به الرماح والسيوف، فضربه رجل، يُقال له: زرعة بن شريك التميمي ضربةً منكرةً، ورماه سنان بن أنس بسهم في نحره، وطعنه صالح بن وهب المري على خاصرته طعنةً منكرةً، فسقط الحسينعليه‌السلام عن فرسه إلى الأرض على خدِّه الأيمن، ثمّ استوى جالساً ونزع السهم من نحره، ثمّ دنا عمر بن سعد من الحسينعليه‌السلام ليراه(1) .

وروى الطبري وابن الجوزي، والخوارزمي والأصفهاني والنويري، واللفظ للأوّل قال:

قال أبو مخنف: حدَّثني الصقعب بن زهير، عن حميد بن مسلم قا:... ولقد مكث طويلاً من النهار، ولو شاء الناس أنْ يقتلوه لفعلوا، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض، ويحبُّ هؤلاء أنْ يكفيهم هؤلاء.

قال: فنادى شمر في الناس: ويحكم! ماذا تنظرون بالرجل؟ اقتلوه، ثكلتكم أمهاتكم!

قال: فحُمل عليه من كلِّ جانب، فضُربت كفُّه اليسرى ضربةً ضربها زرعة بن شريك التميمي، وضُرب على عاتقه، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو.

قال: وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي، فطعنه بالرمح فوقع، ثمّ قال لخولّي بن يزيد الأصبحي: احتزَّ رأسه. فأراد أنْ يفعل فضعف وأرعد، فقال له سنان بن أنس: فتَّ الله عضديك وأبان يديك! فنزل إليه، فذبحه

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 39 - 41.

٧٢

واحتزَّ رأسه، ثمّ دفع إلى خولّي بن يزيد، وقد ضُرب قبل ذلك بالسيوف(1) .

وروى الخوارزمي أيضاً، قال:

وروي: أنّه جاء إليه شمر بن ذي الجوشن، وسنان بن أنس، والحسينعليه‌السلام بآخر رمق يلوك بلسانه من العطش، فرفسه شمر برجله، وقال: يابن أبي تراب، ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي مَن أحبَّه؟ فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده.

ثمّ قال لسنان بن أنس: احتزَّ رأسه من قفاه. فقال: والله لا أفعل ذلك، فيكون جدُّه محمّد (ص) خصمي. فغضب شمر منه، وجلس على صدر الحسينعليه‌السلام وقبض على لحيته، وهمَّ بقتله، فضحك الحسينعليه‌السلام ، وقال له: «أتقتلني؟ أو لا تعلم مَن أنا؟». قال: أعرفك حقَّ المعرفة، اُمُّك فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأبوك عليّ المرتضى (ع)، وجدك محمّد المصطفى (ص)، وخصمك الله العلي الأعلى، وأقتلك ولا أبالي، وضربه بسيفه اثنتي عشرة ضربة، ثمّ حزَّ رأسه ثمّ تقدَّم الأسود بن حنظلة فأخذ سيفه، وأخذ جعوثة الحضرمي قميصه فلبسه، فصار أبرص وسقط شعره(2) .

وروى العلامة القندوزي، قال:

قال أبو مخنف: وبقي الحسينعليه‌السلام ثلاث ساعات من النهار ملطَّخاً بدمه رامقاً بطرفه إلى السماء، وينادي: «يا إلهي، صبراً على قضائك، ولا معبود سواك يا غياث المستغيثين!». فتبادر إليه أربعون فارساً يريدون حزَّ رأسه الشريف المكرَّم المبارك المقدَّس المنوَّر، ويقول عمر بن سعد: ويلكم! عجِّلوا بقتله. فدنا منه

____________________

(1) تاريخ الطبري 2 / 334 المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم، ابن الجوزي 5 / 340، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 39 - 41، مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصفهاني / 79، نهاية الإرب في فنون الأدب للنويري / 12570، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

(2) مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي 2 / 42.

٧٣

شبث بن ربعي، فرمقه الحسينعليه‌السلام بعينه، فرمى السيف من يده وولّى هارباً، ويقول: معاذ الله! أنْ ألقى الله بدمك يا حسين (ع). فأقبل إلى شبث سنان بن أنس النخعي، وكان كوسج اللحية قصيراً أبرصاً أشبه الخلق بالشمر اللعين، فقال له: لمَ ما قتلته ثكلتك اُمُّك؟! قال شبث: يا سنان! إنّه قد فتح عينيه في وجهي فشبَّهتهما بعيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ دنا منه سنان، ففتح عينيه في وجهه، فارتعدت يده وسقط السيف منها وولّى هارباً، فأقبل إلى سنان الشمر اللعين، وقال له: ثكلتك اُمُّك! ما لك رجعت عن قتله؟ فقال: يا شمر، إنّه فتح عينيه في وجهي فذكرت هيبة أبيه عليّ بن أبي طالب (ع) ففزعت، فلمْ أقدر على قتله.

فقال له الشمر الملعون: إنّك جبان في الحرب، فوالله، ما كان أحد غيري أحقّ منِّي بقتل الحسين (ع)!

ثمّ إنّه ركب على صدره الشريف، ووضع السيف في نحره، وهمَّ أنّ يذبحه، ففتح عينيه في وجهه، فقال له الحسين (ع) عنه وأرضاه: يا ويلك! مَن أنت فقد ارتقيت مرتقىً عظيماً؟ فقال له الشمر: الذي ركبك هو الشمر بن ذي الجوشن الضبابي.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «أتعرفني يا شمر؟». قال: نعم، أنت الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، وجدُّك رسول الله (ص)، واُمُّك فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأخوك الحسن (ع).

فقال (ع): «ويلك! فإذا علمت ذلك فلمْ تقتلني؟». قال: أريد بذلك الجائزة من يزيد. فقال له (ع): «يا ويلك! أيُّما أحبُّ إليك، الجائزة من يزيد أمْ شفاعة جدِّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟». فقال الشمر الملعون: دانقاً من جائزة يزيد أحبُّ إلى الشمر من شفاعة جدِّك.

فقال له الحسين - رضي الله عنه وبلَّغه الله إلى غاية بركاته ومنتهى رضوانه -:

٧٤

سألتك بالله أنْ تكشف لي بطنك، فكشف بطنه فإذا بطنه أبرص كبطن الكلاب، وشعره كشعر الخنازير.

فقال الحسينعليه‌السلام : «الله أكبر! لقد صدق جديصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله لأبي: يا عليّ! إنّ ولدك الحسينعليه‌السلام يُقتل بأرض يقال لها(1) كربلا، يقتله رجل أبرص أشبه بالكلاب والخنازير». فقال الشمر اللعين: تشبِّهني بالكلاب والخنازير، فوالله لأذبحنَّك من قفاك!

ثمّ إنّ الملعون قطع الرأس الشريف المبارك، وكلَّما قطع منه عضواً، يقول (ع): «يا جدَّاه! يا محمّداه! يا أبا القاسماه! ويا أبتاه يا عليّاه! يا اُمَّاه يا فاطماه! أُقتل مظلوماً، وأذبح عطشاناً، وأموت غريباً».

فلمَّا اجتزَّه وعلاه على القناة كبَّر وكبَّر العسكر ثلاث تكبيرات، وتزلزلت الأرض وأظلمت الدني، وأمطرت السماء دماً عبيطاً، ويُنادى في السماء: «قُتل والله، الحسين بن عليّ بن أبي طالب! قُتل والله، الإمام ابن الإمام! قُتل الأسد الباسل! وكهف الأرامل!». وكان يوم قتله يوم الجمعة عاشر المحرم الحرام سنة إحدى وستّين(2) .

الدلالة الثالثة

سلبهم نساء الإمام الحسينعليه‌السلام وأطفاله، وهل يتصوَّر من مسلم يُؤمن بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يفكِّر في سلب بناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضلاً عن سلبهنّ؟!

وبهذا تعرف أن هؤلاء الأرذال موتورون من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما فعله بأسيادهم الكفرة بسيف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فآمنوا ظاهراً وهم يبطنون

____________________

(1) وفي هذه النسخة: له، والصحيح ما أثبتناه.

(2) ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزي 3 / 82 - 84.

٧٥

النفاق والبغض للنبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى أُتيحت لهم الفرصة فأظهروا نفاقهم وحقدهم وبغضهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم، وهل هؤلاء إلاّ بنو اُميّة وأنصارهم؟

روى الخوارزمي، قال:

وأقبل الأعداء حتّى أحدقوا بالخيمة، ومعهم شمر بن ذي الجوشن، فقال: ادخلوا فاسلبوا بزَّتهنَّ، فدخل القوم (لعنهم الله) فأخذوا كلَّ ما كان بالخيمة، حتّى أفضوا إلى قرطٍ كان في أذن اُمِّ كلثوم أُخت الحسينعليه‌السلام فأخذوه، وخرموا أُذُنَها، حتّى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتّى تغلب عليه(1) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته:

وأُخذ ملحفة فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام واحد، وأخذ حليها آخر، وعرَّوا نساءه وبناته من ثيابهنّ(2) .

وروى الطبري، قال:

قال أبو مخنف، عن جعفر بن محمّد بن عليّ قال:... ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوه،

قال: ومال الناس على نساء الحسينعليه‌السلام وثقله ومتاعه، فإنْ كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه، فيُذهب به منها(3) .

الدلالة الرابعة

سلبهم الإمام الحسينعليه‌السلام ، وعوداً على بدء، هل يصدر هذا من شيعة الإمام

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي 2 / 43.

(2) تذكرة الخواص، ابن الجوزي / 228، طبعة منشورات الشريف الرضيّ.

(3) تاريخ الطبري 3 / 334.

٧٦

الحسينعليه‌السلام ؟! ولكن قاتل الله النواصب وأنصارهم وأعوانهم إلى يوم الدين.

روى الطبري، قال:

قال أبو مخنف، عن جعفر بن محمّد بن عليّ قال: وُجد بالحسينعليه‌السلام حين قُتل ثلاث وثلاثون طعنةً وأربع وثلاثون ضربةً. قال: وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسينعليه‌السلام إلاّ شدَّ عليه مخافة أنْ يغلب على رأسه، حتّى أخذ رأس الحسينعليه‌السلام فدفعه إلى خولّي.

قال: وسُلب الحسينعليه‌السلام ما كان عليه، فأخذ سراويله بحر بن كعب، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته - وكانت من خزٍّ -، وكان يسمَّى بعدُ: قيس قطيفة، وأخذ نعليه رجل من بني أود، يقال له: الأسود(1) ، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم، فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل.

قال: ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوه.

قال: ومال الناس على نساء الحسينعليه‌السلام وثقله ومتاعه، فإنْ كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه فيُذهب به منها(2) .

وفي مقتل الخوارزمي، قال:

وروي: أنّه وُجد في قميصه مئة وبضع عشرة، ما بين رميةٍ وطعنةٍ وضربةٍ.

وقال جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسينعليهم‌السلام : «وُجد فيه ثلاث وثلاثون طعنةً وأربع وثلاثون ضربةً، وأخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فصار زمناً مقعداً من رجليه، وأخذ عمامته جابر بن يزيد الأزدي، فاعتمَّ بها فصار مجذوماً، وأخذ مالك بن نسر الكندي درعه فصار معتوهاً، وارتفع في السماء في ذلك

____________________

(1) هو: الأسود بن خالد، كما في كتاب اللهوف في قتلى الطفوف.

(2) تاريخ الطبري 3 / 334.

٧٧

الوقت غبرة شديدة مظلمة فيها ريح حمراء، لا يرى فيها عين ولا أثر حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم، فلبثوا بذلك ساعةً، ثمّ انجلت عنهم»(1) .

وروى الخوارزمي أيضاً، قال:

وأخذ قيس بن الأشعث (لعنه الله) قطيفة الحسينعليه‌السلام ، كان يجلس عليها فسمِّي لذلك: قيس قطيفة. وأخذ نعليه رجل من الأزد، يُقال له: الأسود، ثمّ مال الناس على الورس والخيل والإبل فانتهبوها(2) .

وقال البلاذري:

وسُلب الحسينعليه‌السلام ما كان عليه، فأخذ قيس بن الأشعث بن قيس الكندي قطيفة له وكانت من خزٍّ، وأخذ نعليه رجل من بني أود يُقال له: الأسود، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم. ومال الناس على الورس والحلل والإبل فانتهبوه، وأخذ الرحيل بن زهير الجعفي وجرير بن مسعود الحضرمي، وأسيد ابن مالك الحضرمي أكثر تلك الحلل والورس. وأخذ أبو الجنوب الجعفي جملاً كان يستقى عليه الماء، وسمّاه: حسيناً!(3) .

وروى الوطواط، قال:

فحمل عليه من كلّ جانب، فضربه زرعة بن شريك بالسيف فقطع يساره، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه، ونزل إليه فاحتزَّ رأسه من قفاه وأخذه، وُوجد فيهعليه‌السلام ثلاث وثلاثون جرحاً وثلاثون طعنةً، والكلّ فيما أقبل من وجهه. وقِيل: مئة وعشرون جراحة ما بين طعنة برمح ورشقة بسهم ورمية بحجر وضربة بسيف، وكانت عليه جبَّة خزٍّ دكناء فصارت

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي 2 / 42.

(2) مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي 2 / 43.

(3) أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 409.

٧٨

كأنّها جلد قنفذ من السهام، ثمّ سلبه إسحاق بن جنوة قميصه فبرص، وسلبه يحيى بن كعب سراويله فعمي(1) .

وفي نور العين للإسفرايني، قال:

ثمّ بعد أنْ انكشف ما بهم تقسَّموا سلبه، فأخذ عمامته عمر بن يزيد، وأخذ رداءه يزيد بن سهل، وأخذ درعه وخاتمه سنان بن أنس النخعي، وأخذ ثوبه ونعله محمّد بن الأشعث الكندي، وأخذ سيفه مالك بن بشير، وأخذ سراويله يحيى بن كعب(2) .

الدلالة الخامسة

رضُّهم (لعنهم الله) جسد الإمام الحسينعليه‌السلام بحوافر الخيول حتّى ألصقوه بالأرض، وليس الباعث على هذا إلاّ الانتقام وأخذ الثار، ولا يوجد أحد له ثار عند أهل البيتعليهم‌السلام إلاّ بني اُميّة؛ لمَا فعله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بأسيادهم الكفرة، مثل: شيبة وعتبة والوليد وغيرهم من بني اُميّة. وليست هذه الأفعال وليدة الصدفة، بل هي موروثة عن أسلافهم، فهذه هند اُم معاوية بن أبي سفيان وما فعلته بسيد الشهداء عمِّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حمزة بن عبد المطلب عليهما السلام من التمثيل بجسده الطاهر بعد استشهاده.

روى الطبري والبلاذري، والمسعودي والشبراوي واللفظ للأوّل، قال:

قال، ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه: من ينتدب للحسين (ع) ويُوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة(3) ، منهم: إسحاق بن حيوة الحضرمي، وهو الذي سلب

____________________

(1) غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة للوطواط / 924، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

(2) نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام ، أبو إسحاق الإسفرايني / 51، وفي ط 43 - 44.

(3) وفي كتاب اللهوف في قتلى الطفوف، للسيد ابن طاووس الحسني (قدّس سرّة) / 80: قال أبو عمر الزاهد: فنظرنا إلى هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعاً أولاد زناء، وهؤلاء أخذهم المختار فشدَّ أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد، وأوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا.

(1) تاريخ الطبري 3 / 335، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 411، مروج الذهب، المسعودي 3 / 259، منشورات الشريف الرضيّ، الاتحاف في حبّ الأشراف للشبراوي / 53، ط أمير قم.

٧٩

قميص الحسين (ع) فبرص بعد، وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي، فأتوا فداسوا الحسين (ع) بخيولهم حتّى رضُّوا ظهره وصدره، فبلغني أنّ أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب وهو واقف في قتال، ففلق قلبه فمات(1) .

وقال ابن الجوزي: ثمّ قال عمرو(2) : مَن يُوطئ فرسه الحسين (ع)؟ فانتدب أقوام بخيولهم حتّى رضوا ظهره، وأمر بقتل عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، فوقعت عليه زينبعليها‌السلام ، وقالت: والله لا يُقتل حتّى أقتل. فرقَّ لها وكفَّ عنه(3) .

وفي البداية والنهاية، قال ابن كثير:

وقُتل من أهل الكوفة من أصحاب عمر بن سعد ثمانية و ثمانون رجلاً سوى الجرحى، فصلَّى عليهم عمر بن سعد ودفنهم. ويُقال: إنّ عمر بن سعد أمر عشرة فرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتّى ألصقوه بالأرض يوم المعركة(4) .

وفي مقتل الخوارزمي، قال:

____________________

(2) وفيه تصحيف، وهو: عمر بن سعد. ويتّضح ذلك بمراجعة المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم، ابن الجوزي 5 / 341.

(3) المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم، ابن الجوزي 5 / 341.

(4) البداية والنهاية 2 / 189، وفي ط / 206، استشهاد الحسينعليه‌السلام ، الفاضل المعاصر الدكتور محمّد جميل غازي / 105، وقد خرَّجه من كتاب الحافظ ابن كثير، ط مطبعة المدني المؤسّسة السعوديّة بمصر، إحقاق الحقّ 33 / 694.

٨٠