نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء0%

نفحات عاشوراء مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 224

نفحات عاشوراء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 224
المشاهدات: 44424
تحميل: 8156

توضيحات:

نفحات عاشوراء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44424 / تحميل: 8156
الحجم الحجم الحجم
نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء

مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقاتل قتالاً شديداً حتّى قتل أكثر منهم أربعين فارساً وراجلاً، وبعدما عَقر فرسه بقي يُقاتل راجلاً، فحملت عليه الرجّالة وتكاثروا عليه حتّى قتلوه، فاحتمله أصحابُ الحسين ووضعوه بين يديه، فجعل الحسينعليه‌السلام يمسح وجهه ويقول: «أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة»(1) .

هـوى اُوجاه اُووگف يـمّه المشكّر

وشـافه اعلى الثره مرمي امعفّر

مسح وجهه وگله أنـت صدگ حر

ورد الـمركزه والـدمع منـثور

لكن لو سألتني عن بُعد قبر الحرّ عن سائر الشهداء لأجبتك: إنّ السبب في ذلك أنّ الحرّ لم يُقطع رأسه مع أصحاب الحسينعليه‌السلام ، بل حملته عشيرته عندما أمر ابن سعد بفصل الرؤوس عن الأجساد.

قامت بنو رياحٍ وقالت: والله، لا يُقطع رأسُ زعيمنا وأيدينا على قوائم سيوفنا.

فقال ابن سعد: احملوا جسد شيخكم. فحملته عشيرته ودفنوه في هذا المكان.

هذا وزينب واقفة وهي تنظر إلى الحرّ وقد حملته عشيرته، والحسينعليه‌السلام مُلقىً على وجه الأرض، وكأنّي بها تنادي: وا حسيناه! وا غريباه(2) !

____________________

(1) ثمرات الأعواد 1 / 184 - 188.

(2) مجمع المصائب 1 / 125 - 127.

١٠١

الـعشيره شـالته ابحر الظهيره

الـكل مـنهم عليه شالته الغيره

بـس ظـلّوا الماعدهم عشيره

ضحايه بالشمس من غير تغسيل

والله الـعشيره اشـلون تـنفع

مـنها الـيطيح اعـليه تـفزع

أوحـالاً عـلى الروس ايتشيّع

وانـه اخـوتي ويـن المشعشع

كـلّ مـنهم اعلى الثرى موزع

جـسمه وچِتـل حتّى الرضع

وبلا دفـن خـلوهم أجـمع

(أبو ذيّة):

يـحادي لا تسج بالظعن بيداي

دلـيلي الفگد أبو السجّاد بيداي

ريّض خل اغسل احسين بيداي

وادفـنه لا يـظل جسمه رميه

* * *

ليس الغريبُ غريبَ الأهل والوطن

بـل الغريبُ غريب الغسلِ والكفنِ

* * *

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

١٠٢

المجلس السابع

القناعة

١٠٣

١٠٤

المجلس السابع

القناعة

راحـلٌ أنـتَ والليالي نزولُ

ومـضرٌ بـكَ البقاءُ الطويلُ

لا شـجاعٌ يـبقی فيعتنقُ الـ

ـبيضَ ولا آمـلٌ ولا مأمولُ

غـايةُ الناسِ في الزمانِ فناءٌ

وكـذا غايةُ الغصونِ الذبولُ

إنّـما الـمرءُ للمنيةِ مَخبو

ءٌ ولـلطعنِ تُـستَحَمُّ الـخيولُ

عـادةٌ لـلزمانِ في كلّ يوم

تُـنتأى جـيرةٌ وتُبكی طُلولُ

كـلّ بـاكٍ يـبكی عليهِ وإن

طـالَ بقاءٌ والثاكلُ المثكولُ

أيُّ يـومٍ أدمی الـمدامعَ فيه

حـادثٌ أريـعٌ وخطبٌ جليلُ

يومُ عاشور الذي لا أعان الـ

ـصحبُ فيهِ ولا أجارَ القبيلُ

يابنَ بنتِ النبّي ضيّعتِ العهـ

ـدَ رجـالٌ والـحافظونَ قـليلُ

مـا أطاعوا الـنبّي فـيكَ وقد

مـالت بأرماحها إليك الذحولُ

أتـراني ألـذّ مـاءً ولـمّا

يُـرْوَ من مهجةِ الإمامِ الغليلُ

أتـراني أُعيرُ وجهي صوناً

وعلی وجههِ تجولُ الخُيولُ(1)

* * *

____________________

(1) القصيدة للشريف الرضيرحمه‌الله ، قال عنه في أدب الطفّ 2 / 216 - 218: الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمّد بن الطاهر ذي المنقبتين أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفرعليه‌السلام .

ولد سنة 359 هـ ببغداد، وتوفي سنة 406 هـ في السادس من المحرّم، ودُفن بداره في بغداد، ثمّ نُقل إلى مشهد الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

نظم الشعر في عهد الطفولة ولم يزد عمره على عشر سنين، فأجاد وحلّق وحاز قصب السبق بغير منازع.

قال عنه صاحب عمدة الطالب: كانت له هيبة وجلالة، وفيه ورع وعفّة، وتقشّف ومُراعاة للأهل والعشيرة. ولي نقابة الطالبيّين مراراً، وكانت له إمارة الحج والمظالم. كان يتولّى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب، ثُمّ تولّى ذلك بعد أبيه مستقلاً، وحجَّ بالناس مرّات.

أمّا مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره، وقد قيل: إنّ الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى، والمرتضى أشعر العلماء لولا الرضي. وهذه مؤلّفاته تعطينا صورة جلية عن براعته، فهذا (حقائق التأويل في متشابه التنزيل) كما يقول ابن جني: صنّف الرضي كتاباً في معاني القرآن الكريم يتعذّر وجود مثله، و(كتاب المجازات النبوية)، و(تلخيص البيان عن مجازات القرآن) وغيرها. وهو الذي جمع كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأسماه نهج البلاغة....

١٠٥

مـن سحگت عليه الخيل

طـلعت زيـنب تـنادي

اويـلي عـليك يابن اُمّي

ويـاروح الـنبي الهادي

بعد هاي المصيبة اشلون

تـبـرد جـمرة افـادي

عمت عيني يخويه حسين

عـسه ولا شاهدت عيني

* * *

١٠٦

عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «مَنْ قنع من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل»(1) .

القناعة: هي الاكتفاء بقدر الحاجة والضرورة من المال وغيره من أمور الدنيا، وهي صفة فاضلة، وهي من أعظم الوسائل للوصول إلی السعادة الأبدية. والقنوع مرتاح البال، متفرّغٌ لأمر الدين للسلوك إلی طريق الآخرة(2) .

فضل القناعة

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنَّه قال: «خمسٌ منْ لم تكن فيه لم يتهنأ بالعيش: الصحة، والأمن، والغنی، والقناعة، والأنيس الموافق»(3) .

قيل لبعض الحكماء: رأيت شيئاً أفضل من الذهب؟

قال: نعم، القناعة.

وإلى هذا ينظر قول بعض الحكماء: استغناؤك عن الشيء خيرٌ من استغنائِك به.

كان ديوجانس الكلبي من أساطين الحكماء اليونان، وكان متقشّفاً زاهداً لا يقني شيئاً ولا يأوي إلی منزل. دعاه الإسكندر إلی مجلسه، فقال للرسول: قل له: إنَّ الذي منعك من المسير إلينا هو الذي منعنا من المسير إليك؛ منعك اسغناؤك

____________________

(1) الكافي 2 / 138ح3.

(2) الأخلاق والآداب الإسلاميّة / 379.

(3) مشكاة الأنوار / 260 - 261.

١٠٧

عنَّا بسُلطانك، ومنعني استغنائي عنك بقناعتي(1) .

هذه هي القناعة، وضدّها الطمع، وقد عرفنا القناعة وفضلها، فلنعرف الآن الطمع ومساوئَه والممدوح منه.

أمّا الطمع: فهو تمنّي ما في أيدي الناس، وأن يعطوه ما عندهم، وهو من الرذائل المهلكة، وهو اشتهاء الشيء والرغبة فيه والحرص عليه(2) .

إلاّ أنّه يُمدح الطمع في بعض الموارد، وهي:

1 - الطمع بعفو ورحمة الله عزَّ وجلَّ.

2 - الطمع بنعيم الآخرة وسعادتها.

وأمّا مطلق الطمع فهو مذموم أشدَّ الذمّ، ويصل في بعض الأحيان إلی قتل الإنسان.

رُوي أنَّ المسيحعليه‌السلام خرج يوماً إلی البرّية ومعه ثلاثة من أصحابه، فلمّا توسّعوا في البرّية رأوا لبنة من ذهب مطروحة في الطريق، فقال عيسیعليه‌السلام : هذا الذي أَهلك من البرّية مَنْ كان قبلكم، إيّاكم ومحّبة هذا. فمضوا عنها، فما مضی ساعة حتّی قال واحد منهم: يا روح الله، ائذن لي في الرجوع إلی البلد فإنّي أَجدُ الأَلم. فأذن له، فأتی إلی اللبنة ليأخذها فجلس عندها.

فقال الثاني: يا روحَ الله، ائذن لي في الرجوع. فأذن له، وكذلك الثالث، فاجتمعوا عند تلك اللبنة ليأخذوها، فقالوا: نحنُ جياع، فليمضِ واحد منّا إلی البلد ليشتري لنا طعاماً

____________________

(1) سفينة البحار 7 / 375.

(2) الأخلاق والآداب الإسلاميّة / 377.

١٠٨

حتّی ندخل البلد، فمضی واحد فأتی إلی السوق واشتری طعاماً، فقال في نفسه: إنّي أجعل فوقه سُمّاً فيأكلان فيموتان، فتبقی تلك اللبنة لي وحدي. فوضع في الطعام سُمّاً.

وأمّا الآخران فتعاقدا علی أن يقتلاه ويأخذا اللبنة، فلمّا جاء بالطعام بادرا إليه وقتلاه، وجلسا يأكلان الطعام، فما أكلا قليلاً حتّی ماتا، فصاروا كلّهم أمواتاً حول تلك اللبنة، فلمّا رجع عيسیعليه‌السلام مرّ علی تلك اللبنة، فرأی أصحابه أمواتاً، فعلم أن تلك اللبنة هي التي قتلتهم، فدعی الله فأحياهم لأجله، فقال لهم: أمّا قُلتُ لكم: إنَّ هذا هو الذي أهلك مَنْ كان قبلكم! فتركوا اللبنة ومضوا(1) .

من نتائج القناعة

1 - العزّ

عن الإمام عليعليه‌السلام : «ثمرة القناعة العزّ»(2) .

2 - الاكتفاء والرضا بما عنده.

3 - صلاح النفس

عن الإمام عليعليه‌السلام : «أعون شيءٍ علی صلاح النفس القناعة»(3) .

4 - القناعة راحة: عن الإمام الحسينعليه‌السلام : «القُنوع راحة الأبدان»(4) .

____________________

(1) زهر الربيع / 406.

(2) عيون الحكم والمواعظ / 208.

(3) المصدر نفسه / 112.

(4) بحار الأنوار 75 / 28، باب وصايا الحسينعليه‌السلام .

١٠٩

5 - حساب يسير يوم القيامة.

من قصص القناعة

عن أبي بصير قال: سمعتُ أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: «أرسل عثمان إلی أبي ذرّ (رضي الله عنه) موليين له ومعهما مئتا دينار، فقال لهما: انطلقا إلی أبي ذرّ فقولا له: إنَّ عثمان يُقرئك السّلام، ويقول لك هذه مئتا دينار فاستعن بها علی ما نابك.

فقال أبو ذرّ: هل أعطی أحداً من المسلمين مثل ما أعطاني؟

قالا: لا.

قال: إنّما أنا رجلٌ من المُسلمين يسعني ما يسع المُسلمين.

قالا له: إنّه يقول: هذا من صُلب مالي، وبالله الذي لا إله إلّا هو ما خالطها حرام، ولا بعث بها إليك إلاّ من حلال.

فقال: لا حاجة لي فيها وقد أصبحتُ يومي هذا وأنا من أغنی الناس.

فقالا له: عافاك الله وأصلحك! ما نری في بيتك قليلاً ولا كثيراً ممّا يتمتع به.

فقال: بلی، تحت هذا الأكاف الذي ترون رغيفا شعير ٍ قد أتی عليهما أيّام، فما أصنع بهذه الدنانير؟ لا والله حتّی يعلم الله أنّي لا أقدر علی قليلٍ ولا كثيرٍ وقد أصبحتُ غنيّاً بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام وعترته الهاديين المهديين، الراضين المرضيين، الذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون. وكذلك سمعتُ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: فإنَّه لقبيحٌ بالشيخ أن يكون كذّاباً.

فردّاها عليه واعلماه أنّي لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده حتّی ألقی الله ربّي فيكون هو الحاكم فيما بيني وبينه»(1) .

وروي أيضاً أنّهما قالا لأبي ذر: إن أنت أخذتها أعتقنا عثمان.

فقال أبو ذرّ لهما: أعتقكما عثمان واسترقّني.

فهكذا تعلّم وتربّى أبو ذرّ الغفاري من النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بأن لا يكون عبداً مسترقّاً وإن كلّفه ذلك أن يموت وحيداً

____________________

(1) بحار الأنوار 22 / 398، ح5.

١١٠

وغريباً، وكذا تربی وعاش أبو الفضلعليه‌السلام بأن لا يكون مسترقّاً؛ فقد تعلّم الصرخة الحسينية: هيهات منّا الذلّة! ولذا تری أنّهعليه‌السلام لمّا جاء إليه الشمر (لعنه الله) ومعه كتاب من ابن زياد فيه الأمان للعباس وإخوته، بحيث لو رضي به العباس وإخوته لحصل الشمر علی جائزة من عبيد الله بن زياد (لعنه الله).

فصاح الشمر: أين العباس وإخوته؟

وكان العباس وقتئذٍ جالساً بين يدي الحسينعليه‌السلام ، فأطرق برأسه حياءً من الحسين، فصاح الشمر ثانياً وثالثاً، فالتفت الحسينعليه‌السلام إلی أخيه أبي الفضل العباسعليه‌السلام قائلاً: «أجبه يا أخي ولو كان فاسقاً».

ركب أبو الفضلعليه‌السلام جواده وأتی نحو الشمر، قال: ما تريد يابن ذي الجوشن؟

فقال: يا أبا الفضل، هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه بأنّك أنت الأمير علی هذا الجيش، وأنت وإخوتك آمنون فلا تعرّض نفسك للقتل.

فقال له العباسعليه‌السلام : لعنك الله ولعن آمانك! أتُؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟ ويلك! أفبلموت تخوّفني وأنا المميت خواض المنايا؟ أأَترك مَنْ خلقني الله لأجله وأدخل في طاعة اللعين وأولاد اللعناء؟!(1)

نعم، كيف يترك إمام زمانه وسيّده ومولاه؟

ولذا نری سيد الشهداءعليه‌السلام قد وفی بذلك عندما وقع أخوه أبو الفضلعليه‌السلام ونادی: أخي يا حسين! أدرك أخاك.

____________________

(1) انظر الإرشاد 2 / 89، تاريخ الطبري 4 / 315، بحار الأنوار 44 / 391.

١١١

أقبل أبو عبد اللهعليه‌السلام نحو مصرعه، كشف الأعداء عن جسد أبي الفضل العباسعليه‌السلام .

يقول حميد بن مسلم: لمّا وصل بالقرب من العباس طأطأ رأسه إلی التراب وحمل شيئاً وقبّله، نظرنا وإذا هي يمين العبّاس، بعد ذلك طأطأ رأسه مرّة ثانية وحمل شيئاً آخر وقبّله وإذا هي شمال العباسعليه‌السلام ، بعد ذلك أخذ شيئاً آخر وقبّله، نظرنا وإذا بها عمامة العباس ملطخة بالدماء...

وصل إليه أخذ رأسه وضعه في حجره، أرجعه أبو الفضل وعفرّه بالتراب، أرجعه الحسين مرّةً ثانية إلی حجره، أرجعه العباس إلی التراب، وهكذا ثالثاً؛ فالتفت إليه الحسينعليه‌السلام قائلاً: «الوداع الأخير يابن والدي».

فقال العباس: أخي أبا عبد الله، يابن الزهراء، الآن أنت تأخذ برأسي تضعه في حجرك، ولكن روحي فداك أبا عبد الله! مِن بعدي مَنْ الذي يأخذ برأسك؟ مَنْ الذي يمسح الدم والتُراب عن وجهك؟

يـخويه مَـنْ يغمضلك اعيونك

يـا هـو اليگف يـحسين دونك

عله افراگي اشوف انخطف لونك

وتـضل بـعدي يبو سكنه محيّر

يـا عـباس لـمّنْ صدّت العين

مـنّـي لـعد ايـديك الاثـنين

ودمـهن يـسيل اوشـفت چفين

فـوگ الـثری نـاديت صوتين

واحـد نـواعي اوواحـد ونين

يـعباس صـارت طيحتك وين

١١٢

يعباس آنه اعضيدك احسين

مگدر علی أفراگك يلحنين

وسـفه يـفرگ بينّه البين

(أبو ذيّة):

چنـت عوني ونه بالكون عونك

گضيت اللي عليك اوفزت عونك

لچن يا هو من اصيح يصيح عونك

يـخويه حـسين بـس آمر عليَّ

* * *

ما خلتُ بعدَك أن تُشلَّ سواعدي

وتكفَّ باصرتي وظهريَ يُقصمُ

* * *

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

١١٣

١١٤

المجلس الثامن

صلة الرحم

١١٥

١١٦

المجلس الثامن

صلة الرحم

الـبـدارَ الـبـدارَ آلَ نزار

قـد فُـنيتم ما بين بيضِ الشِّفارِ

سـوّموا الـخيلَ واطلقوها عِراباً

واتـركوها تـشقّ بـيد الـقفارِ

وابـعـثوها صـوابـحاً فـأُميَّ

وسـمت أنـفَ مجدِكم بالصغارِ

لا تلـد هـاشـميةٌ عـلـوياً

إن تـركـتم أُمـيَّةٌ بـقـرارِ

أنـزارٌ نـضُّوا برودَ التهاني

فحسينٌ عـلی الـبسيطة عاري

لا تـمدُّوا لـكم عن الشمس ظِلاً

إنَّ فـي الـشمسِ مهجةَ المختارِ

لا تـذوقوا المعينَ واقضوا ظمايا

بـعد ظـامٍ‌ قـضی بحدِّ الغِرارِ

حقَّ أن لا تُـكفّنوا هـاشمياً

بـعد مـا كفّنَ الـحُسينَ الـذاري

لا تـشـقّوا لآلِ فـهرٍ قـبوراً

فـابن طـه مُـلقیً بـلا إقـبارِ

طأطيِءُ وا الرُّؤوسَ إنَّ رأسَ حُسينٍ

رفـعوهُ فـوق القنا الخطّارِ(1)

فعندما رأت العقيلة زينبعليها‌السلام رؤوس إخوتها وأولادها وأولاد عمومتها علی القنا تذكّرت عزّها، وتوجّهت نحو كافلها أبي الفضل العباس.

____________________

(1) القصيدة للشيخ عبد الحسين شكررحمه‌الله ، قال عنه السيّد جواد شبّررحمه‌الله في أدب الطفّ: الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ أحمد بن شكر النجفي ابن الشيخ أحمد بن الحسن بن محمّد بن شكر الجباوي النجفي. توفي بطهران سنة 1285، وكان والده الشيخ أحمد من العلماء المصنفين.

رثى أهل البيتعليهم‌السلام بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين؛ منها روضة مرتبة على الحروف، وشعره يرويه رجال المنبر الحسيني في المحافل الحسينية. وقد تصدّى الخطيب الشهير الشيخ محمّد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيتعليهم‌السلام من القصائد والمقاطيع من مديح ورثاء فنشره في كراسة تناهز المئة صفحة.

وآل شكر أسرة قديمة من الاُسر العربية الشهيرة بالنجف، عُرفت باسم (شكر) أحد أجدادها الأقدمين، وأصلهم من عرب الحجاز. (أدب الطفّ 7 / 187 - 188).

١١٧

(بحراني):

صـاحت دخـيلك يالمگطّع بالشريعه

جـاها النده ردّي تری إچفوفي گطيعه

لـلـخيم ردّي لـلـيتاما يـالـوديعه

تـدرين بيه امگطّعه إيميني واليسار

امـطبّر ومن جوفي انزفت كلّ الدموم

روحي العلي الأكبر يزينب بلچن يگوم

أيـسّت مـنه أوبـاليتامی ردّت تحوم

إتـنخي أومن كثر النواخي گلبها طار

* * *

صاحت صوت ياعباس وينك

گوم اوجرّد الماضي بيمينك

وخـلها تصد واتشوف عينك

آيا حـمـانا الـفاگدينك

* * *

١١٨

قال تعالی:( اتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (1) .

لقد دعا الإسلام إلی الألفة والمحبّة بين جميع الناس، وأوصاهم أن يتعارفوا ويتآلفوا، وأكد علی ذلك وشدّد عليه في حقّ القرابة، المعبّر عنها بالرحم.

هذه الرحم قد أوصی الله بصلتها، ونهی عن قطيعتها، وحذّر الأرحام من التدابر والتقاطع.

وليس معنی ذلك أن تصبح القرابة صنماً يتحكّم بعواطف الناس وعقائدها، وتتحوّل الأرحام إلی آلهة تجرف في طريقها كلّ عدلٍ‌ وحقٍّ، ويتحوّل علی أساسها الباطل إلی حقٍّ والحقّ إلی باطلٍ، بل معناها أن يكون بين الأرحام تواصلٌ وتعاطف وتوادّ في الله ومن أجلِ الله، فتتحوّل هذه الصلة إلی طُهرٍ ونزاهة يجتمع فيها الأرحام علی طاعةِ الله وتقواه، ولا يفصمها ولا يزلزها حادث عابر أو قضية تافهة؛ ومن هُنا كان للأرحام حقوق أشدّ وأقوی من حقوق سائر المسلمين يحسن بنا أن نمرّ عليها ونتدبّرها(2) .

من بعد هذه المقدمة نرجع إلی الآية.

ابتدأت الآية المباركة الأمر بالتقوی، فقالت:( واتقوا الله ) ؛ وذلك لأهمية التقوی ودورها في بناء قاعدة المجتمع الصالح، سبّبت في أن تذكر مجدّداً في نهاية الآية الحاضرة، وأن يدعو سُبحانه الناس إلی التزام التقوی،

____________________

(1) سورة النساء / 1.

(2) الأخلاق والآداب الإسلاميّة / 847.

١١٩

غاية الأمر أنّه تعالی أضاف إليها جملة اُخری إذ قال:( َاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ ) ، بمعنی اتقوا الله الذي هو عندكم عظيم، وتذكرون اسمه عندما تطلبون حقوقكم وحوائجكم فيما بينكم.

إنَّ ذكر هذا الموضوع هنا يدلّ أوّلاً علی الأهمية الفائقة التي يُعطيها القُرآن الكريم لمسألة الرحم، وتشجيعه القربی إلی درجة أنّه يذكر اسم الأرحام بعد ذكر اسم الله سُبحانه، وهو إشارة - ثانياً - إلی الأمر الذي ذُكر في مطلع الآية، وهو أنّكم جميعاً من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدة، وهذا يعني - في الحقيقة - أنَّ جميع أبناء آدم أقرباء وأرحام، وهذا الارتباط والترابط يستوجبُ أن يتحابّ الجميع ويتوادّوا دون تفريقٍ أو تمييزٍ بين عنصرٍ وآخر، وقبيلة واُخری، تماماً كما يتحابّ أفراد القبيلة الواحدة(1) .

مَنْ هم الأرحام؟

الأرحام: مفهومٌ يُعيّنه العرف، والقدر المتيقن منه الآباء والأبناء، والإخوة والأعمام والأخوال، وأولادهم المُباشرون. وهؤلاء أمرنا الله بصلتهم وفرض علينا التعاون معهم، وكانت الوصية بالأرحام من الله لكي نحفظهم ونرعاهم.

رُوي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «أوّل ناطقٍ من الجوارح يوم القيامة الرحم، تقول: يا رب، مَنْ وصلني في الدُنيا فصل اليوم ما بينك وبينه، ومَنْ قطعني في الدنيا

____________________

(1) تفسير الأمثل 3 / 81 - 82.

١٢٠