نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء0%

نفحات عاشوراء مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 224

نفحات عاشوراء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 224
المشاهدات: 42471
تحميل: 7262

توضيحات:

نفحات عاشوراء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42471 / تحميل: 7262
الحجم الحجم الحجم
نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء

مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هو إلاّ أن استغلها دبره حتّى صاح: النار النار! الطشت! فجئناه بالطشت، فأخرج فيها ما ترى، فانصرف الندماء، فصار المجلس مأتماً. فأقبل عليّ شابور وقال: انظر هل لك فيه حيلة؟

فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده وطحاله، وريته وفؤاده خرجت منه في الطشت، فقلت: ما لأحد في هذا صنع إلاّ أن يكون لعيسى بن مريم الذي يحيي الموتى.

فقال شابور: صدقت، ولكن كن هاهنا في الدار حتّى تتبيّن ما يكون أمره. فبتّ عندهم وهو بتلك الحالة، ما رفع رأسه حتّى هلك في وقت السحر.

قال الراوي: كان يوحنّا يزور قبر الحسينعليه‌السلام وهو على دينه، ثمّ أسلم بعد هذا وحسن إسلامه(1) .

ومن كراماتهعليه‌السلام ومعجزاته الباهرة إجابة الدعاء عند قبره، حتّى إنّ المعصوم نفسه يرسل أصحابه ليدعو عند قبرهعليه‌السلام .

قال أبو هاشم الجعفري صاحب الإمام الهاديعليه‌السلام : دخلت على أبي الحسن الهادي وهو محموم عليل، فقال: «يا أبا هاشم، ابعث رجلاً من موالينا إلى الحائر يدعو الله لي».

فخرجت من عنده، فاستقبلني علي بن بلال فأعلمته ما قال الإمامعليه‌السلام ، وسألته أن يكون هو الرجل الذي يخرج، فقال: السمع والطاعة، ولكنّني أقول: إنّه أفضل من الحائر إذا كان بمنزلة مَنْ في الحائر، ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له في الحائر.

فأعلمته ما قال: فقال لي: قل له: «كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من البيت والحجر، وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر. وإنّ لله

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 399 «مع اختلاف يسير».

٤١

تبارك وتعالى بقاعاً يحبّ أن يُدعى فيها، فيجيب لمَنْ دعاه، والحائر منها»(1) .

ونفس زيارة الحسينعليه‌السلام معجزة بحدّ ذاتها، وخاصة زيارة عاشوراء؛ فإنّ لها أثراً عجيباً في حلّ المشكلات ودفع البلاءات.

يروى أنّه أُصيبت مدينة سامراء بالطاعون، فكان يتساقط عشرات الناس في كلّ يوم، يحدّث الشيخ عبد الكريم الحائري: إنّي كنت عند اُستاذي محمّد فشاركي، فقدم الميرزا محمّد تقي الشيرازي وقال: إذا حكمت بحكم تلتزمون به؟

فأجابوا: نعم.

فقال: أحكم أن يقرأ الشيعة من اليوم وحتّى عشرة أيام زيارة عاشوراء، ويهدون ثوابها إلى نرجس والدة الإمام الحجّةعليهم‌السلام . فقام الشيعة بتنفيذ الحكم، وبدؤوا بزيارة عاشوراء، فارتفع الوباء ولم يسقط شيعي واحد بعد ذلك.

فزيارته لا تعدّ من العمر، بل أكثر من ذلك زيارته تهب العمر، ولا يستطيع أيّ إنسان أن يحصي معاجزه (صلواته الله عليه)؛ ومن أجل ذلك بقي مأتم سيد الشهداء، وشاء الله أن يبقى مجلسهعليه‌السلام خالداً وينتشر يوماً بعد يوم بشكلٍ أوسع رغم منع المانعين وحقد الحاقدين؛ لأنّ الحسينعليه‌السلام نور الله، ونور الله لا يطفأ؛ ولأنّ الحسينعليه‌السلام كلمة الله، وكلمة الله هي العليا؛ ولأنّ الحسينعليه‌السلام يد الله، ويدُ الله فوق أيديهم؛ ولأنّ الحسينعليه‌السلام ذكر الله، وذكر الله باقٍ،( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (2) .

وهذا ما أكّدته

____________________

(1) بحار الأنوار 98 / 114 - 115، ح34.

(2) سورة الحجر / 9.

٤٢

العقيلة زينبعليها‌السلام في مجلس يزيد (لعنه الله)، حيث قالت: « كِد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك؛ فوالله لا تُميت وحينا، ولا تمحو ذكرنا »(1) .

هذه المآتم التي كانت وما زالت لم ولن تنطفئ منذ أن انعقد أوّل مجلس على سيد الشهداءعليه‌السلام إلى يومنا هذا، وكان أوّل مأتم أُقيم على الحسينعليه‌السلام بعد شهادته الشريفة كان لجموع الأنبياء والأولياءعليهم‌السلام ، بحضور النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام كما ذكر ذلك الجمّال (لعنه الله) الذي جاء لسلب أبي عبد اللهعليه‌السلام ، يقول:

بينا أنا كذلك وإذا سحابتان نزلتا على مصرع أبي عبد اللهعليه‌السلام ؛ السحابة الأولى مجموعة رجال يقدمهم شخص أزهري قمري، أشبه الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسحابة الثانية مجموعة نساء تقدمهنَّ امرأة عليها ثياب سواد، تقوم وتقع، وهي تنادي: «أي وا ولداه وا حسيناه! بُني حسين، قتلوك! ومن شرب الماء منعوك! وما عرفوا مَنْ اُمّك ومَنْ أبوك!».

أقبلت إلى مصرع ولدها الحسينعليه‌السلام ، عزّ عليها أن تراه مقطّع الأعضاء، الدماء تسيل من نحره الشريف، وقعت عليه تضمّه، تشمّه، تُقبّله، قالت: «أبه يا رسول الله، دعني اُخضّب وجهي بدم ولدي». فقال لها: «بُنية، أخضبي ونحن نخضب».

فالسيدة الزهراءعليها‌السلام أقامت المأتم على عزيزها الحسينعليه‌السلام ، ولكن مَنْ الذي قرأ التعزية في ذلك المجلس؟

____________________

(1) اللهوف في قتلى الطفوف / 218، بحار الأنوار 45 / 135.

٤٣

أقول: التي قرأت التعزية ابنتها العقيلة زينبعليها‌السلام .

يقول بعض العلماء: لمّا خرجت زينبعليها‌السلام من الخيمة يوم عاشوراء تمثّل لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفاً على مصرع أبي عبد الله، قابضاً على كريمته المباركة، ودموعه تتحادر على لحيته؛ ولذا وجّهت الخطاب مباشرة إلى جدّها: يا جدّاه يا رسول الله، صلّى عليك ملائكة السماء، هذا حسينك بالعراء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، مرفوع الرأس على القنا، وبناتك سبايا، وإلى الله المشتكى، ثمّ إليك يا رسول الله(1) .

يـهلنا احـسينكم رضّوا اضلوعه

وضـاگ الموت روعه بعد روعه

يـجدّي گوم شوف احسين مذبوح

عله الشاطي وعله التربان مطروح

يـجدّي ما بگتله امن الطعن روح

يـجدّي گلـب خويه احسين فطّر

يـجدّي مـات مـحّد وگف دونه

ولا نـغّـار غـمـضله اعـيونه

يـعالج بـالشمس مـنخطف لونه

ولا واحـد ابـحلكه مـاي گطـر

____________________

(1) الطريق إلى منبر الحسينعليه‌السلام / 116 - 121.

٤٤

يـجدّي مـات مـحّد مـدد إيديه

ولا واحـد يـجدّي عـدل رجليه

يـعالج بـالشمس محّد وصل ليه

يـحطله اظـلال يا جدّي مِن الحر

***

يـجدّي الـرمح بـفّاده تـثنّه

يـجدّي بـالوجه للسيف رنّه

يجدّي الخيل صدره رضرضنه

ويـجدّي بـالترب شيبه تعفّر

ثمّ وجّهت التعزية إلى أبيها أمير المؤمنينعليه‌السلام :

يـبويه تـعالوا لـبنكم غـسلوه

والچفن ويـاكـم دجـيـبوه

وجـيبوا كـطن لـلجرح نشفوه

وعـله اجـتافكم لـحسين شيلوه

***

يبويه گوم شوف اعزيزك إحسين

عـله التربان محزوز الوريدين

وعـباس النفل مگطوع اليدين

وباگي اقمارنه فوگ الوطيّه

٤٥

يـبويه گوم شوف اشلون ولياي

كـلها امذبّحه وما ضاكت الماي

يـبويه لـو تشوف اشماتة اعداي

وتـشوف ابـناتك مسلّبه بهلبر

***

يـبويه شـلسبب ما جيت للساع

تشوف اعزيزكم عاري عله الگاع

أريـدك تـجي لـحسين فـزاع

ونشوف اغبار ميمونك امن ايثور

* * *

يا ليتَ في الأحياءِ شخصك حاضرٌ

وحـسينُ مطروحٌ بعرصة كربلا

* * *

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

٤٦

المجلس الثالث

الحسد

٤٧

٤٨

المجلس الثالث

الحسد

ولّـى الـشبابُ وأيـامُ الصبا دُرست

وشـعلةُ الـشيبِ مـنها مـفرقي التهبا

والـدهرُ شـنَّ عـليَّ الـيومَ غـارتَه

كـأنّـما ترة عـنـدي لـهُ طـلبا

ولا ملاذَ ولا مـلـجأ ألوذُ بـهِ

مـن الـزمانِ إذا طـرفُ الزمانِ كبا

سـوى إمـامِ الهُدى المهدي مُعتصمي

وجـنـةٍ أتّـقي عـنّي بـها الـنوبا

مَـنْ يـملأ الأرضَ عدلاً بعد ما مُلئت

جوراً ويـوردنـا تـيّارَهُ الـعذبا

مـتى نـراه وقـد صـفّت بـهِ زمرٌ

من آلِ هـاشمٍ والأمـلاكُ والـنقبا

يـا ثائراً غـضَّ جـفنَيهِ على مضضٍ

هـلاّ أتـاك بـأخبارِ الـطفوفِ نـبا

غـداة حـلّ أبـو الـسجادِ سـاحتَها

واُسدُ هـاشم لـلهيجا قـد انـتدبا

يـأبـى الـدنـيةَ سـبطُ الـمصطفى فلذا

عن ذلّةِ العيشِ في عزِّ الوغى رِغبا

وبـعـد مـا لـفَّ أولاهـم بـآخرِهم

وسـاقـهم فـسـقاهم أكـؤساً عـطبا

أصـابـه حَـجرٌ قـد شـجّ جـبهته

وشـيبه مـن مُـحيّاه قـد اختضبا(1)

____________________

(1) القصيدة للسيد مهدي السيد هادي القزوينيرحمه‌الله ، قال عنه في (أدب الطفّ 9 / 311 - 312): السيد مهدي ابن السيد هادي ابن الميرزا صالح ابن العلاّمة الكبير السيد مهدي الحسيني القزويني الحلّي، علم من الأعلام، وفذّ من أفذاذ الأسرة القزوينية، ويُطلق عليه لقب الصغير؛ تمييزاً له عن جدّه الأعلى.

ولد في بلدة طويريج (الهندية) عام 1307 هـ، ونشأ فيها منشأ العزّ والفخار... وبعد ذلك أخذ يتملّى من دروس إخوته الأعلام؛ فحضر عند أخويه الباقر والجواد واستفاد منهما كثيراً، وهاجر إلى بلد جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام فأتمّ علومه اللسانية والبيانية، كما حضر على السيد كاظم اليزدي في الفقه والاُصول، كما حضر عند الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهما من الأساطين، ثمّ هاجر إلى مسقط رأسه ليسدّ الثغرة، ويرشد الضالّ، ويهدي المجتمع،

وكان على جانب من دماثة الخُلق والتواضع، رحب الصدر، يودّ جليسه أن يطيل معه الجلوس، وأن لا ينتهي المجلس مهما امتدت ساعاته الطوال؛ حيث كان لطيف المعشر، خصب المعلومات.

هذا وكانت وفاة المترجم له عشية الأربعاء 13 ربيع الأوّل من سنة 1366 هـ، وقد شُيّع إلى مرقده الأخير في مقبرة الأسرة بالنجف الأشرف، ولم يعقب من الذكور ذرّية.

٤٩

(نصاري):

هوت فوگه اُوگلبها عليه طاير

هذا حسين اخوي اشلون صاير

بـيت الچان مگصـد للعشاير

طـاح الواسطة اوللگاع هوّد

(موشح):

اعله الترب طايح وهو نايم جريح

اُوظـلّت اجروحه يويلي دم تسيح

وهو ابهذا الحال لن زينب تصيح

گوم يـابن الفحل واحمي العايله

هـجمت اعلينه تره اخيول العده

أو صارت اخيامك يخويه امفرهده

هـذا بـينه الصار واعليه السده

وابـنك الـسجّاد يـا خويه انوله

(أبو ذيّة):

روحـي ما زهت ساعة وصاحت

الـمثلي مـنسبت حرّه وصاحت

عله التل اوچبت زينب وصاحت

انـهبوا يـحسين خدر الفاطميه

* * *

٥٠

قال تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) (1) .

الحسد: هو تمنّي زوال النعمة عن الآخرين؛ سواء وصلت تلك النعمة إلى الحسود أم لم تصل إليه؛ وعلى هذا الأساس تنصبّ جهود الحسود على فناء ما لدى الآخرين وزواله عنهم، أو تمنّي ذلك.

والحسد مذموم، ويدعو الإنسان إلى الحقد والبغض والكره، وهو من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تُداوى أمراض القلب إلاّ بالعلم والعمل؛ وذلك بأن تعلم حقيقة الحسد وضرره على الإنسان في دار الدنيا والآخرة، وأنّ المحسود لا ضرر عليه، بل يستفيد من ذلك بأن يحصل على الثواب.

ويجب أن يعرف الحاسد أنّ ما عنده وعند غيره هو من قضاء الله وقدره، وأنّ الحسد لا يورّث إلاّ التألّم والعذاب، والهم والغم بلا مقابل وبلا فائدة.

ومن هنا قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد؛ نفس دائم، وقلبٌ هائم، وحزنٌ لازم»(2) .

وقال الشاعر:

اصبر على حَسدِ الحَسو

دِ فإنَّ صـبرَكَ قـاتلُه

كـالنارِ تـأكلُ نـفسها

إنْ لـم تـجدْ مـا تأكلُه

____________________

(1) سورة النساء / 54.

(2) بحار الأنوار 70 / 256.

٥١

والواقع هو هذا؛ إذ إنّك تجد الحاسد دائماً متألّماً، يتتبّع أحوال الناس، مراقباً لهم، وقد قيل: « مَنْ راقب الناس مات همّاً »(1) . فتجده دائماً مهموماً مغموماً، هائم القلب، ملازماً للحزن كما عبّر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وهذه الخصلة الخبيثة أورثت الحزن الدائم لكثير من الناس؛ فهذا هو القرآن الكريم يُصرّح بأنّ أوّل جريمة قتل أُرتكبت في الأرض كان منشؤها الحسد. قال تعالى:( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (2) .

ومناشئ هذه الخصلة الذميمة - من الناحية المعنوية - الضعف في الشخصية، وعقدة الحقارة والجهل، وقصر النظر، وقلّة الإيمان؛ لأنّ الحاسد - في الحقيقة - يرى نفسه أعجز وأقل من أن يبلغ ما بلغه المحسود.

هذا مضافاً إلى أنّه بعمله هذا يعترض على حكمة الله سبحانه وتعالى، واهب جميع النعِم وجميع المواهب، وعلى إعطائه سبحانه وتعالى إلى مَنْ تفضّل بها عليه من الناس؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «الحسد أصله من عمى القلب، والجحود لفضل الله تعالى، وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، وهلك مهلكاً لا ينجو منه أبداً»(3) .

وقد حصر بعضهم - كالعلاّمة المجلسيرحمه‌الله - أسباب الحسد في سبعة اُمور:

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 20 / 240.

(2) سورة المائدة / 27.

(3) بحار الأنوار 70 / 255، وانظر تفسير الأمثل 3 / 275.

٥٢

الأوّل: العداوة.

الثاني: التعزز، أن يكون من حيث يعلم أنّه يستكبر بالنعمة عليه، وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزّة نفسه.

الثالث: الكبر، أن يكون في طبعه أن يتكبّر على الحسود، ويمنع ذلك عليه بنعمته، وهو المراد بالتكبّر.

الرابع: التعجّب، أن تكون النعمة والمنصب كبيراً فيعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة، كما أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا:( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ) (1) ، وأمثال ذلك كثير، فتعجّبوا من أن يفوزوا برتبة الرسالة والوحي والقرب مع أنّهم بشّر مثلهم فحسدوهم، وهو المراد بالتعجّب.

الخامس: الخوف، أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة، بأن يتوصّل بها إلى مزاحمته في أغراضه.

السادس: حبّ الرئاسة، أن يكون يحبّ الرئاسة التي تبتني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها.

السابع: خبث الطينة، أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحّها بالخير لعباد الله(2) .

هذه هي أهم مناشئ وأسباب حصول الحسد وصدوره.

____________________

(1) سورة يس / 15.

(2) الأربعون حديثاً / 108 - 109 ضمن الحديث الخامس، وانظر بحار الأنوار 70 / 240.

٥٣

فلو صدرت هذه الخصلة الخبيثة - لا سمح الله - فسوف تترتّب النتائج السلبية عليها، وهناك عدّة نتائج وخيمة تترتّب على الحسد؛ سواء أكانت راجعة إلى نفس الحاسد من حقد وغير ذلك، أم راجعة إلى المحسود نفسه، أم للمجتمع الذي تقع فيه هذه الجريمة الوقحة والخصلة المذمومة عند الله عزّ وجلّ وعند الناس.

ومن أهم هذه النتائج: إنّ الحسود يصرف كلّ أو جلّ طاقاته البدنية والفكرية - التي يجب أن تُصرف في ترشيد الأهداف الاجتماعية - في طريق الهدم والتحطيم لما هو قائم؛ ولهذا فهو يبدّد طاقاته الشخصية والطاقات الاجتماعية معاً.

ومن النتائج الخطيرة أيضاً: هي أن الحسد هو الدافع لكثير من الجرائم في هذا العالم، فلو أنّنا درسنا العلل الأصلية وراء جرائم القتل والسرقة والعدوان وما شابه ذلك لرأينا - بوضوح - أنّ أكثر هذه العلل تنشأ من الحسد، ولعلّه لأجل هذا شُبّه الحسد بشرارة من النار يمكنها أن تهدّد كيان الحاسد، أو المجتمع الذي يعيش في وسطه بالخطر وتعرضه للضرر.

يقول أحد العلماء: إنّ الحسد من أخطر الصفات، ويجب أن يُعتبر من أعدى أعداء السعادة، فيجب أن يجتهد الإنسان لدفعه والتخلّص منه.

والملفت للنظر هو أنّ المجتمعات أصبحت اليوم أكثرها مملوءة بالأمراض والآلام الجسدية من عصبية وغيرها، ومردّ الأكثر من هذه الأمراض إلى خبث

٥٤

السريرة والحقد والحسد.

ومن هنا ورد عن طبيب النفوس أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: «صحة الجسد من قلّة الحسد»، و «العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد»(1) . بل وردت روايات تصرّح بأنّ الحسد يضرّ بالحاسد قبل أن يَضُرَّ بالمحسود بل ويؤدّي إلى القتل والموت تدريجاً، وربما يؤدّي إلى الموت دفعه، كما حكي ذلك في التاريخ أنّ رجلاً من أهل النعمة ببغداد في أيام موسى الهادي حسد بعض جيرانه، وسعى عليه بكلّ ما يمكنه ممّا قدر عليه، فاشترى غلاماً صغيراً فربّاه، فلمّا شبّ واشتدّ أمره بأن يقتله على سطح جاره المحسود؛ ليؤخذ جاره به ويُقتل.

حُكي أنّه عمد إلى سكين فشحذها ودفعها إليه، وأشهد على نفسه أنّه دبّره(2) ، ودفع إليه من صلب ماله ثلاثة آلاف درهم، وقال: إذا فعلت ذلك فخذ في أي بلاد الله شئت.

فعزم الغلام على طاعة المولى بعد التمنّع والالتواء، وقوله له: الله الله في نفسك يا مولاي وأنت تتلفها للأمر الذي لا يُدرى أيكون أم لا يكون؛ فإن كان لم ترَ مِنه ما أمّلت وأنت ميّت.

فلمّا كان في آخر ليلة من عمره قام في وجه السحر وأيقظ الغلام، فقام مذعوراً، وأعطاه المُدية(3) ، فجاء حتّى تسوّر حائط جاره برفق، فاضطجع على سطحه، فاستقبل القبلة ببدنه وقال للغلام: ها

____________________

(1) نهج البلاغة 4 / 50 و 55، وعنه بحار الأنوار 70 / 256 ح28، تفسير الأمثل 3 / 274.

(2) دبّره: بأن قال للعبد: أنت حُر دبر - أي بعد - حياتي.

(3) المدية: السكين الكبير.

٥٥

وعجّل، فترك السكين على حلقه وفرى أوداجه، ورجع إلى مضجعه وتركه يتشحّط في دمِه، فلمّا أصبحَ أهله خفي عليهم خبره، فلمّا كان في آخر النهار أصابوه على سطح جاره مقتولاً، فأُخذ جاره فحبس، فلمّا ظهر الحال أمر الهادي بإطلاقه(1) .

ومن النتائج المهمّة أيضاً - بالإضافة إلى ما تقدّم من الحزن والهمّ والضرر للنفس وغير ذلك - هو ذهاب حسنات الحاسد إلى المحسود، وغضب الله عليه. فعن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «إيّاكم والحسد؛ فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»(2) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب»(3) . بل إنّ الحسد هو أصل الكفر كما ورد ذلك عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً؛ فإنّ الكفر أصله الحسد»(4) .

ولو تأمّلنا في معنى الآية التي افتتحنا بها المجلس لرأينا أنّ الآية موجّهة خطابها إلى اليهود بحسب السياق في الآيات التي قبلها؛ حيث إنّ الكلام في الآيات التي قبلها موجّه إلى اليهود من حيث اتصال الكلام لا من حيث حجية السياق دائماً.

____________________

(1) بحار الأنوار 70 / 260 عنه سفينة البحار 2 / 178.

(2) الدّر المنثور 2 / 173.

(3) الكافي 2 / 306 باب الحسد ح1.

(4) تحف العقول / 135.

٥٦

فالآيات التي قبل هذه الآية موجّهة خطابها إلى النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ... أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ... ) . حتّى أنّ بعض المفسّرين فسّر (أم) هنا بـ (بل)، بمعنى: بل اليهود يحسدون الناس على ما آتاهم الله. ومن هنا لا بدّ من معرفة هؤلاء الناس، فمَنْ هم الناس المحسودون؟

قلنا: إنّ الآية موجّهة خطابها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن ينظر إلى اليهود بأنّهم لماذا يتعجّبون من إعطائنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبني هاشم ذلك المنصب الجليل، وذلك المقام الرفيع، وقد أعطاكم الله سبحانه وتعالى، وأعطى إلى إبراهيمعليه‌السلام الكتاب السماوي والعلم والحكمة والملك العريض، مثل « ملك موسى وسليمان داود »، ولكنّكم - مع الأسف - أسأتُم خلافتهم ففقدتم تلكم النعم المادية والمعنوية القيّمة بسبب فسوقكم وشروركم:( فقد آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) .

والمراد من الناس في قوله:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ) - كما أسلفنا - هم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ؛ لإطلاق لفظة الناس على جماعة من الناس، وأمّا إطلاقها على شخص واحد - وهو النبي خاصة - فلا يصح ما لم تكن هناك قرينة على إرادة الواحد فقط.

هذا مضافاً إلى أنّ كلمة إبراهيم قرينة اُخرى على أنّ المراد من « الناس » هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ؛ لأنّه يستفاد من قرينة المقابلة أنّنا إذا أعطينا لبني هاشم مثل هذا المقام ومثل هذه المكانة فلا داعي للعجب؛ فقد

٥٧

أعطينا آل إبراهيم أيضاً تلك المقامات المعنوية والمادية بسبب أهليتهم وقابليتهم(1) .

أضف إلى ذلك كلّه ما ورد في الروايات في تفسير هذه الآية من طرق الخاصة والعامة(2) أنّ المقصود من الناس هم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام .

والمقصود بالملك العظيم الذي أعطاه الله تبارك وتعالى لآل إبراهيم هو الطاعة لهم ولآل المصطفىعليهم‌السلام ، بقرينة المقابلة. وفي بعض الروايات(3) في قوله تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ ) ، قال: «نحن الناس والله»(4) .

ولكن، هلمَّ معي وانظر ماذا صنعوا بهم، يا ليتهم اكتفوا بالحسد بالقلب واللسان، ولكن أبى القوم إلاّ أن يجزروهم على رمضاء كربلاء، ومن بعد ذلك سبوا العيال والأطفال حتّى وصل بهم الأمر إلى سلب النساء.

قالت فاطمة بنت الإمام الحسينعليه‌السلام : كُنت واقفة بباب الخيمة وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني اُميّة؛ أيقتلوننا أو يأسروننا! فإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه، وهنَّ يلذنَ بعضهنَّ ببعض،

____________________

(1) تفسير الأمثل 3 / 272 - 273، وانظر الميزان أيضاً 4 / 376.

(2) نسبه في الأمثل إلى الدرّ المنثور وروح المعاني فلاحظ.

(3) تفسير البرهان 2 / 240 - 246.

(4) المصدر نفسه.

٥٨

وقد أخذ ما عليهنَّ من أخمرة وأسورة، وهنَّ يصحنَ: وا جدّاه! وا بتاه! وا عليّاه! وا قلّة ناصراه! وا حسيناه! أما من مجير يجيرنا؟! أما من ذائد يذود عنّا(1) ؟!

اشـصـاير بـهـلنه اُولا لـفونه

أو بـيـن الأعادي ضـيّعونه

نـنـخه اُولاهم يـسـمعونه

اُو يدرون بـينه راح اُخـونه

***

يـسـلبها الـعـدو اُويشتم ولـيها

اُوجـاير بـالضرب ويـلي عليها

تـهبّط راسـها اُوتـشگف بـديها

اُودمعها ايسيل على الوجنات محمر

(نعي مجاريد):

أنـه شـايطه ونده ابصوتي

يسمعوني أو يغضون اخوتي

يا ريـت گبـل احسين موتي

ولا أشوف العده تنهب ابيوتي

مجمع المصائب

____________________

(1) 1 / 270 - 271.

٥٩

(أبو ذيّة):

لا تـرفـع الـشيعة بـعد هـامات

أو بنات أهل الوحي امن الخيم هامات

هـا حـيٍّ تـصيح احـسين ها مات

لـون بـيه روح مـحّد وصـل ليَّه

***

أخي كيف أمشي في البوادي مضامةً

وأنـت بـأسياف الأعادي موزَّعُ

***

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

٦٠