نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء0%

نفحات عاشوراء مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 224

نفحات عاشوراء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 224
المشاهدات: 44441
تحميل: 8156

توضيحات:

نفحات عاشوراء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44441 / تحميل: 8156
الحجم الحجم الحجم
نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء

مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المجلس الرابع

الرضا بقضاء الله

٦١

٦٢

المجلس الرابع

الرضا بقضاء الله

يـا مَنْ يلومُ على البكاءِ عيوني

دعـها تُخفِّف لوعتي وشجوني

مَـن مُـبلغٌ أُمَّ الـبنين رسـالةً

مِـنْ والـهٍ بـشجونه مرهونِ

لا تـسألُ الـرُكبانَ عن أبنائها

فـي لـوعةٍ لـفراقهم وحـنينِ

أوَ مـا درت بفعالهم يومَ الوغى

فـي كـربلاءَ وهُـم أعزُّ بنينِ

فلتأتِ أرضَ الطفِّ تنظرُ ولْدَها

ثـاوينَ بـين مـقطَّعٍ وطـعينِ

ومُـوسَّدين على الصعيدِ فديتُهمْ

صـرعى بـلا غُسلٍ ولا تكفينِ

وقضوا ضحايا كالحسينِ زعيمهمْ

مـا بـلَّلوا أحـشاءَهم بمعينِ(1)

____________________

(1) القصيدة للشيخ حسن قفطان، قال عنه السيد جواد شبّر في أدب الطفّ: الشيخ حسن بن علي بن عبد الحسين بن نجم السعدي الرباحي (نسبة إلى آل رباح؛ فخذ من بني سعد العرب المعروفين بالعراق، قال السيد مهدي القزويني في (أنساب القبائل العراقية): بنو سعد بطن من العرب، منهم في الدجيل، ومنهم في كربلاء)، الدجيلي الأصل، اللملومي المحتد، النجفي المولد والمسكن والمدفن، الشهير بقفطان.

ولد في النجف الأشرف سنة 1199، وتوفي بالنجف سنة 1279 عن عمر يناهز الثمانين كما في الطليعة، ودُفن في الصحن الشريف العلوي عند الإيوان الكبير المتصل بمسجد عمران.

كان فاضلاً ناسكاً تقيّاً، محبّاً للأئمّة الطاهرين، وأكثر شعره فيهم. درس الفقه على الشيخ علي ابن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر حتّى نبغ فيه، وعُدّ من الأعلام الأفاضل، واختصّ أخيراً بصاحب الجواهر، وكان يُعدّ من أجلّ تلامذته وأفاضلهم، اتخذ الوراقة مهنة له، وورث ذلك عنه أبناؤه وأحفاده، إلاّ أنّه كان يمتاز عنهم بإتقان الفقه واللغة والبراعة فيهما.

وهذا ما حدا باُستاذه أن يحيل إليه وإلى ولده الشيخ إبراهيم تصحيح الجواهر ومراقبته حتّى قيل: إنّه لولاهما لما خرجت الجواهر؛ لأنّ خطّ المؤلّف كان رديّاً، وقد كتب النسخة الأولى عن خطّ المؤلّف، ثمّ صارا يحترفان بكتابتها وبيعها على العلماء وطلاب العلم، وأكثر النسخ المخطوطة بخطهما، وهذا دليل على أنّ المترجم كان يعرف ما يكتب، وكان جيّد الخطّ والضبط.

ويظهر من ترجمة سيدنا الصدر له أنّه كان جامعاً مشاركاً في العلوم بأكثر من ذلك؛ فقد قال في (التكملة): كان في مقدّمي فقهاء الطائفة، مشاركاً في العلوم، فقيهاً اُصولياً، حكيماً إلهياً، وكذلك له التقدّم والبروز في الأدب وسبك القريض، وله شعر من الطبقة العليا. توفي سنة 1275 كما في التكملة، أو 77 كما في (الطليعة)، وقال: ودُفن في الصحن العلوي الشريف عند الإيوان الكبير المتصل بمسجد عمران.

وترك آثاراً هامة، منها: (أمثال القاموس)، و (الأضداد)، و (طبّ القاموس)، ورسالة في الأفعال اللازمة المتعدية في الواحد.

وخلف من الذكور الشيخ إبراهيم، والشيخ أحمد، والشيخ حسين، والشيخ محمّد، والشيخ علي، والشيخ مهدي. وفي (الكرام البررة) أنّ الشيخ حسين توفي في حياة أبيه حدود سنة 1255. (أدب الطفّ 7 / 105 - 107).

٦٣

(بحراني):

بالله اسـتعدى لـلبواچي يـم البنين

ردّوا يـتامى وانذبح عباس واحسين

اُمّ الـبنين أتـذبّحوا كلّهم على الگاع

وحسين ظل امجرّد ومكسور الاضلاع

ومـخدّرة حـيدر علي فرّت بلا اقناع

ويّـه الحرم والنار تسعر بالصواوين

اُمّ البنين الأربـعة انـذبحوا ضمايا

وظـلّوا ثـلث تـيّام بـالغبره عرايا

ليتچ نظرتي على النهر صاحب الرايه

مفضوخ راسه امگطّعه اشماله واليمين

وكأنّي بها صاحت:

(قطيفي):

يا ليت عندي من الولد سبعين مولود

بـالمرجله كـلها مثل عبّاس وتزود

تـنذبح وابن المصطفى لدياره يعود

سـالم ولا تـنظام زينب والخواتين

٦٤

عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «يقول الله (عزّ وجلّ): مَنْ لم يرضَ بقضائي، ولم يشكر لنعمائي، ولم يصبر على بلائي، فليتخذ ربّاً سوائي»(1) .

الرضا بقضاء الله تبارك وتعالى معناه أنّ الإنسان يترك الاعتراض والسخط على قضاء الله وقدره. والرضا بقضاء الله وقدره متعلّق بالحبّ، فإذا حصلت المحبّة بين الإنسان وربّه حصل الرضا بالقضاء النازل من المولى (عزّ وجلّ)؛ لأنّ الحبيب لا يتوقّع من حبيبه إلاّ الخير، بل يحمل جميعَ أفعالِه وما يَصنع به على أحسنها وأتمّها وأقومها.

والرضا بقضاء الله هو أحد أركان الإيمان على ما ورد في بعض الروايات، منها ما روي عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل طائفة من أصحابه، فقال: «ما أنتم؟».

فقالوا: مؤمنون.

فقال: «ما علامة إيمانِكم؟».

فقالوا: نصبر عند البلاء، ونشكر عند الرخاء، ونرضى بمواقع القضاء.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مؤمنون وربِّ الكعبة»(2) .

ونُقلَ أنّ أحد الصالحين كان له ولدٌ مريضٌ، فرآه صاحبه في حالة من

____________________

(1) بحار الأنوار 5 / 95 ح18.

(2) مُسكّن الفؤاد / 79.

٦٥

الحزن والارتباك، والخوف على طفله، وشاهده يدخل ويخرج من باب بيته ويدعو الله (عزّ وجلّ) أن يشفيه، وبعد ساعات مضت رآه وقد خرج من منزله وهو مرتاح، فظنَّ أنّ الطفلَ شُوفي... فقال له: الحمدُ لله على شفاء الولد.

فقال له الرجل الصالح: لقد مات الطفل.

فتعجّب الرجل وقال له: رأيتك أثناء مرضه وأنت حزين خائف مرتبك عليه، والآن وقد مات أراك مرتاحاً!

فقال له الرجل الصالح: كان علينا أن ندعو الله (عزّ وجلّ) أثناء مرضه، وأن نأتي بالطبيب والدواء، ولكنّ الطفل قد مات، وقد رضينا بقضاء الله وقدره(1) .

ثمّ إنّه لا شك أنّ هناك اُموراً تساعد الإنسان على الرضا بقضاء الله وقدره، وأوّل هذه الأمور هو المعرفة والعلم؛ فالإنسان الذي يعلم أنّ الله عادل وحكيم، ولا يقدّر لعبده إلاّ ما هو خير له، لا يسخط على أمر الله (عزّ وجلّ)؛ فالطفل حينما يهرب من الطبيب لا يعلم أنّ هذا الطبيب سوف يعالجه؛ وذلك لمصلحته، وكذلك الجاهل بقدرة الله وعظمته وحكمته يغضب ويسخط إذا ما أصابه قضاء الله.

فعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله (عزّ وجلّ»)(2) .

ومِن ثَمَّ أنّ هناك اُموراً حتمية ليس لها طريق آخر؛ فالموت مثلاً قضاء محتّم، ولا مدخل فيه للإرادة الإنسانيّة، فينبغي

____________________

(1) الأخلاق الآداب الإسلاميّة / 471 - 473.

(2) الكافي 2 / 60، باب الرضا بالقضاء ح2.

٦٦

للإنسان أن يسلّم للإرادة الإلهية، وفوق التسليم أن يرضى بقضاء الله وقدره ولا يغضب لذلك.

نعم، بعض الاُمور تحتاج إلى السعي؛ مثل ذهاب الإنسان المريض إلى الطبيب، وطلب الرزق، وغير ذلك، أمّا نفس الموت فماذا يصنع له الإنسان وقد قال تعالى:( فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) (1) ؟

إذاً، المعرفة والعلم هما الأمران اللذان يُساعدان الإنسان على الوصول إلى الدرجات العالية لأن يرضى بقضاء الله وقدره؛ ولذا ترى النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما توفي ابنه إبراهيمعليه‌السلام حزن وبكى، وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يُرضي ربّنا»(2) .

وكيف لا، وقد قال تعالى عنه:( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (3) ؟

فمن هنا ينبغي لنا - نحن المسلمين - الاقتداء بالنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا رضي الإنسان بقضاء الله وقدره، وصبر على ما ابتلاه به المولى (عزّ وجلّ) سوف يشعر حينئذٍ بالثمرات التي يلمسها بيده، ويحسّها بقلبه، ويحصل على تلك النتائج الباهرة بصورة ملموسة وظاهرة.

وأوّل هذه النتائج وأهمها هو الراحة؛ فقد ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه

____________________

(1) سورة الأعراف / 34.

(2) مُسكّن الفؤاد / 93.

(3) سورة القلم / 4.

٦٧

قال: «مَنْ رضي بما قُسم له استراح بدنه»(1) .

ومنها ذهاب الحُزن، فلم يحزن على ما فاته، ويكون قريباً من الله تبارك وتعالى. إلى غير ذلك من النتائج العالية الباهرة التي يلمسها الإنسان في الحياة الدنيا، وأمّا ما أعدّه الله تبارك وتعالى له في الآخرة فهو الجنّة بإذنه (عزّ وجلّ).

ومن عجيب قصص الرضا بقضاء الله وقدره ما رواه ذو النون المصري، حيث قال: دخلت المقبرة فرأيت امرأة شابة جالسة وبين يديها قبور أربعة، وهي تنشد هذه الآبيات:

صـبرتُ وكانَ الصبرُ خيرَ مطيّةٍ

وهـل جـزعٌ يجدي تراه فأجزعُ

صـبرتُ على ما لو تحمّلَ بعضَه

جـبالٌ برضوى أصبحت تتصدعُ

فـسالت دمـوعُ العَينِ ثمّ رددتها

إلى ناظري والعينُ في القلبِ تدمعُ

فقلت: ما الذي نزل بك، وما شأنك؟

قالت: أعجب شأنٍ أصبحت ولي بنون ثلاثة، ولي زوج عطوف، وأمسيت وقد فارقتهم جميعاً، أفنتهم أيدي الزمان.

قلت: وكيف ذلك؟!

قالت: إنّ بعلي قام إلى شاةٍ لنا في البيت فذبحها، وكان لي ابنان صغيران

____________________

(1) الخصال / 632.

٦٨

جعلا ينظران إلى ما فعل أبوهما، فلمّا خرج أبوهما قال أحدهما للآخر: هَلُمَّ يا أخي حتّى أذبحَك كما ذبحَ أبوك الشاة.

فقال: نعم.

فقام إليه وأخذ السكين وذبحه، وأنا كنت مشغولة ببعض الاُمور، فلمّا أتيت إذا به يخور في دمه ويتمرّغ فيه، فصحت به ويلك ما صنعت بأخيك؟! ذبحته! اُفٍّ لك!

فارتعد واضطرب، وخاف وهرب إلى الصحراء، فدخل أبوهما ووقف على الأمر، ثمّ خرج إلى الصحراء يطلب ابنه، وإذا هو بذئبٍ قد وثب على الغُلام ومزّقه وتناول لحمه، وبقي بعض أعضائه، فحمله أبوه ليدفنه، فبينما هو يسير أصابه عطشٌ شديد، وقد اشتدّ حُزنه على ولديه، فسقط ومات، فبينما أنا باكيه حزينة على ولدي المذبوح إذ اُخبرت واُنبئت بموت زوجي وولدي الآخر، فخرجت لاستبين الخبر وإذا هو كما قالوا، ولمّا رجعت إلى الدار إذا بولد آخر لي، وهو طفل صغير، قد أقبل إلى القدر وهو على النار، فوقع في القدر ونضج ومات، وهذه قبورهم، وأنا أصبر على ذلك؛ لأنّي أعلم أنّ الصبر أحجى وأجمل.

ذكّرني حال هذه المرأة الصالحة الصابرة حال اُمّ البنين، كانت تأتي إلى البقيع وتعمل صور أربعة قبور، وبين يديها يتيمي قمر بني هاشم العباس بن عليعليه‌السلام ، وهما عبد الله والفضل، وتندب بنيها أشجى ندبة وترثيهم(1) .

ولذا لمّا رجعت عائلة الحسينعليه‌السلام إلى المدينة قالت زينبعليها‌السلام : لا اُريد

____________________

(1) شجرة طوبى / 406.

٦٩

أحداً يدخل علينا إلاّ مَنْ فقدت لها عزيزاً في كربلاء.

فقالت لها: قولي لسيدتك: إنّي شريكتها في هذا العزاء، واُريد أن أدخل عليها واُساعدها؛ فإنّي مثلها في المصاب.

فلمّا أخبرت الجارية زينب، قالت: سليها مَنْ هي التي تكون مثلي في المصاب؟ ثمّ قالت: إن صدق ظنّي فإنّها اُمّ البنين. فرجعت الجارية وقالت لها: سيدتي تقول: مَنْ أنتِ التي مثلها في المصاب؟

قالت: أنا الثاكلة.

قالت: أوضحي لي مَنْ تكونين؟

قالت: أوَما عرفتيني؟! أنا اُمّ البنين.

قالت الجارية: لقد صدقت سيدتي في ظنّها، وإنّك والله كما تقولين اُمّ المصيبة العظمى والفاجعة الكبرى:

صـاحت صوت آيا فگد الاطياب

والله أشـو موحشه يـا دور الأحباب

اهناك اوسمعن الصرخه على الباب

أنـا أم عـباس اجـيتچ لا تفترين

ثمّ فتحت لها الباب، فلمّا دخلت استقبلتها زينب واعتنقتها، وقالت: عظّم الله لك الأجر في أولادك الأربعة.

٧٠

فأجابتها اُمّ البنين: وأنتِ عظّم الله لك الأجر في الحسينعليه‌السلام (1) .

بچت زيـنب اُونـادت تلگنها

بالله اُويـاي گومـن سـاعدنها

هـاي اُمّ البنين الـراح منها

صناديد أربعـة اُو بالحرب نفلين

بچت زينب اُوصاحت آيحزني

اُولـفتها اُمّ البنين ابضلع محني

تـصيح ابصوت آيحسين يبني

هـاي امصيبتك بچّت الدارين

اشلون اُمّ البنين اصياح صاحت

إهنا يحسين يبني روحي راحت

تـلگنها الـحرم عجّت اُوناحت

زيـنب بالعزه كسرت الصوبين

(أبو ذيّة):

على الأولاد زيدي النوح يمهم

ابفرد ساعة الدهر بالطبك يمهم

أحب اگصد وجاور كون يمهم

أجـاورهم لـما اتجيني المنيّه

____________________

(1) مجمع المصائب 2 / 196 - 197.

٧١

(تخميس):

يـا مـيّتاً تـرك الألبابَ حائرةً

تـناوشتْه سـهامُ الـبغي راميةً

وأعظمُ الخطبِ في الإسلامِ داهيةً

عـارٍ تـجولُ عليهِ الخيلُ عاديةً

حاكت لهُ الريحُ ظافي مئزرٍ وردا

* * *

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

٧٢

المجلس الخامس

العبادة

٧٣

٧٤

المجلس الخامس

العبادة

خـانَ الـزمـانُ بـنا فـشتتنا كما

خانت بنـو صخرٍ ببيعةِ (مُسلمِ)

لـم أنـسهُ بـينَ الـعدى وجبينُه

كـالبدرِ فـي ليلِ العَجاجِ المظلمِ

أفـديهِ مـن بطلٍ مهيبٍ إن سطا

لـفَّ الـجموع مـؤخّراً بـمقدمِ

شـهمٌ دعـته إلـى البسالة هاشمٌ

والـشبلُ لـلأسدِ المجرّبِ ينتمي

حتّى إذا مـا أثـخنوهُ بـالظُّبا

ضرباً وفي وسطِ الحفيرةِ قد رُمي

جاؤوا إلى ابنِ زيادٍ فيهِ فمذ رأى

لـلقصرِ قـد وافـهُ غـير مُسلّمِ

قالَ اصعدوا للقصرِ وارموا جسمه

ومـن الـوريدينِ اخضبوهُ بالدمِ

صـعدوا بـهِ للقصرِ وهو مكبّلٌ

تـجري دمـاهُ من الجوارحِ والفمِ

قـتـلوهُ ظـامٍ لـم يـبلَّ فـؤادُه

أفـديهِ مـن ظـامِ الحشا متضرّمِ

دفعوهُ من أعلى الطمارِ إلى الثرى

فـتكسّرت منهُ حنايا الأعظمِ(1)

* * *

____________________

(1) القصيدة للسيد مهدي الأعرجيرحمه‌الله ، قال عنه السيّد جواد شبّررحمه‌الله في أدب الفّ: السيد مهدي الأعرجي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد علي الحسيني الأعرجي البغدادي.

ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة 1322 هـ ق، درس فنّ الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلّي، زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة، وأوّل قصيدة نظمها هي قصيدة في رثاء الإمام الحسن السبطعليه‌السلام :

قضى الزكيُّ فنوحوا يا محبّيه

وابكوا عليه فذي الأملاك تبكيه

درس العربية والعروض على العلاّمة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهنديرحمه‌الله ، توفي السيد مهدي سنة 1359 هـ ق غريقاً بشط الفرات في الحلّة يوم الخامس من شهر رجب. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب.

وللسيد الأعرجي ظرافة وخفّة روح بالرغم من الجهمة التي لا تفارق محيّاه، فلا تكاد تفوته النادرة والنكتة. وأمّا ولاؤه لأهل البيتعليهم‌السلام وتفانيه في حبّهم فهو من ألمع ميزاته، ولا زلت أتمثّله في المآتم الحسينية يجهش بالبكاء، وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني. (أدب الطفّ 9 / 193 - 198).

٧٥

يـمسلم ويـن ذاك الـيوم عبّاس

يـجيك بـشيمته ومـفرّع الرأس

اُويشوفك يوم صابك نذل الارجاس

وهـويت من الگصر فوك الوطيّه

* * *

يـمسلم ويـن ذاك الـيوم عـمّك

يـجيك ايـعاينك غـارج ابدمك

وحـيد ومـحّد مـن الناس يمّك

غـريب ابـهل الـبلد ما لك تچيه

* * *

٧٦

قال تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) .

إنّ الغاية من خلق السماوات والأرضين، وجميع المخلوقات هي العبادة والخضوع للخالق العظيم بنيّة خالصة عن طريق معرفته (عزّ وجلّ).

ومن أهم الأسئلة التي تختلج في صدر كلّ إنسان هو: لِمَ خلقنا؟! وما الهدفُ من خلق الناس والمجيء إلى هذه الدنيا؟! وهذه الآية تُجيب على هذا السؤال المهم بتعبير موجز ذات معنى غزير.

لا شك أنّ كلّ فردٍ عاقلٍ وحكيمٍ حين يقوم بعمل فإنّما يهدف من وراء عمله إلى هدف معين، وحيث إنّ الله أعلم من جميع مخلوقاته، وأعرفهم بالحكمة، بل لا ينبغي قياسه بأيّ أحدٍ، فينقدح هذا السؤال، وهو: لِمَ خلق الله الإنسان؟

هل كان يشعر بنقصٍ - أعوذ بالله - فارتفع بخلق الإنسان؟

هل كان محتاجاً - نستجير به تعالى - إلى شيء فارتفع الاحتياج بخلقنا؟

وعليه فلا بدّ لله تبارك وتعالى من هدف؛ لأنّه سيد العقلاء، ولا يخلق شيئاً عن عبث، فلا بدّ من هدف لله تبارك وتعالى وراء خلقه للإنسان. وبحكم كونه تبارك وتعالى هو الكمال المطلق، وليس هناك من شيء يزيده أو ينقصه في كماله، لزم أن يكون الهدف عائداً للإنسان نفسه، وهو

____________________

(1) سورة الذاريات / 56.

٧٧

أساس كماله.

فما هو الهدف إذاً؟

الهدف هو ما صرّحت به الآية المباركة، وهو العبودية؛ عبودية الإنسان الناقص للكامل المطلق، عبادة المحدود لللامحدود.

إلاّ أنّنا لو تأمّلنا في بعض الآيات القرآنية الاُخرى لرأينا غير هذا الهدف، بل هدفاً آخر؛ ففي بعضها نجد أنّ القرآن يصرّح بأنّ الهدف من الخلق هو الامتحان للإنسان كما جاء في قوله تعالى:( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (1) .

وجاء في آية اُخرى أنّ الهدف من خلق الله تبارك وتعالى لنا هو حتّى نعلم بقدرة الله تبارك وتعالى وعلمه (عزّ وجلّ)، كما في قوله تعالى:( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ) (2) .

وآية ثالثة تشير إلى أنّ الهدف من الخلق هو الرحمة - رحمة الله - قال تبارك وتعالى:( وَلَو شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) (3) .

____________________

(1) سورة الملك / 6.

(2) سورة الطلاق / 12.

(3) سورة هود / 118 - 119.

٧٨

وأمّا الآية التي هي محلّ البحث فهي - كما ذكرنا - صريحة بأنّ الهدف من خلق الله تبارك وتعالى للإنسان هو العبادة.

فما هو السبب حينئذٍ؟ فبينما نحن نرى هذه الآية تحصر علّة وسبب الخلق في العبادة، نجد الآيات الأخرى تذكر أموراً أخرى هي السبب في الخلق، خاصة في الآية الثالثة فهي صريحة جدّاً في تعيين سبب الخلق، حيث قال:( وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) .

والسبيل إلى ذلك: هو أنّه لو تأمّلنا قليلاً في مفهوم هذه الآيات وما شابهها نرى أنّه لا تضادّ ولا اختلاف بين هذه الآيات، ففي الحقيقة بعضها هدف مُقدّمي، وبعضها هدف متوسط، وبعضها هدف نهائي، وبعضها نتيجة.

فالهدف الأصل هو « العبودية »، وهو ما اُشير إليه في هذه الآية التي هي محلّ البحث، أمّا العلم والامتحان وأمثالهما فهي أهداف ضمن مسير العبودية لله، ورحمة الله الواسعة نتيجة العبودية لله تبارك وتعالى.

وهكذا نعرف، ويظهر لنا بكلّ وضوح أنّنا خُلقنا لعبادة الله تبارك وتعالى، لكنّ المهمّ أن نعرف ما هي حقيقة هذه العبادة؟! فهل المراد منها أداء المراسم، أو المناسك اليومية وأمثالها من صوم وصلاة إلى غير ذلك، أو هي حقيقة وراء هذه الاُمور وإن كانت العبادة الرسمية كلّها أيضاً واجدة للأهمية؟

وللإجابة على هذا السؤال ينبغي معرفة معنى كلمة « العبد » و« العبودية » وتحليلها؛

٧٩

فالعبد لغةً: هو الإنسان المتعلّق بمولاه وصاحبه من قرنه إلى قدمه، وإرادته تابعة لإرادته، وما يطلب ويبتغيه تبع لطلب سيده وابتغائه، فلا يملك في قباله شيئاً، وليس له أن يقصّر في طاعته(1) .

وهذا مفهوم عام يشمل حتّى العبيد مع مواليهم العرفييّن؛ ولذا يُذكر أنّ عبداً شاهد مولاه مهموماً، فقال هذا العبد - وكان مؤدّباً وعاقلاً - لمولاه: لماذا أنت مهموم؟

قال المولى: إنّي مديون، والتفكير في الديون سلبني الراحة.

فقال الغلام: حسناً، خذني إلى سوق الرقيق وأعرضني للبيع وبثمني سدّد ديونك.

قال: إنّ لدي قروضاً كثيرة وثمنك لا يكفي لعشر قروضي.

قال الغُلام: بنفس المقدار الذي أنت مقروض به سعّرني.

قال المولى: إنّهم لا يشترونك بهذا السعر.

قال الغلام: قل للزبائن: إنّ هذا الغلام لديه صفة حسنة جدّاً، وارتفاعُ سعره ناجم عن حيازته تلك الصفة؛ إنّ تلك الصفة هي أنّه يعرف جيّداً اُسلوب العبودية.

جاء المولى بالغلام - ولم يفهم مقصود الغلام جيّداً - إلى سوق بيع الرقيق، وسعّره بسعرٍ عادل عشرة أضعاف سعره الطبيعي؛ مثلاً إذا كان السعر المتعارف لهذا الغلام عشرة آلاف دينار كان يقول: إنّي أبيع هذا الغلام بمئة ألف دينار.

كلّ مَنْ كان يسمع ذلك يضحك، إلى أن سأل إنسان عاقل سبب ارتفاع

____________________

(1) تفسير الأمثل 17 / 132 - 134.

٨٠