نظرة في إحياء مراسم عاشوراء

نظرة في إحياء مراسم عاشوراء0%

نظرة في إحياء مراسم عاشوراء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 52

  • البداية
  • السابق
  • 52 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9001 / تحميل: 4932
الحجم الحجم الحجم
نظرة في إحياء مراسم عاشوراء

نظرة في إحياء مراسم عاشوراء

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نظرة في إحياء مراسم عاشوراء

تأليف: الشيخ مصباح اليزدي

سلسلة الكتب المؤلفة في أهل البيتعليهم‌السلام (118)

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

مقدمة: ثورة السماء

الأرض... هي الأرض، لم تزل منذ خُلقت مسرحاً لتصارع قيم السماء مع قيود الأرض المادية؛ فقيم السماء تريد بالإنسان الانشداد إلى الأعلى، والسير إلى الكمال المطلق، وتأبى قوانين الأرض إلاّ أن تُخلده إلى القاع وتجره إليها.

آدم، وهابيل، ونوح، وإبراهيم، وموسى وعيسى، ويحيى و...، ثم قابيل، ونمرود، وفرعون، وقارون، وهامان، وأبو جهل، و...

ويشتد الصراع، فكلما أخلد البشر إلى الأرض واتبعوا أهواءهم جهلاً بعث الله إليهم من يستنقذهم منها، ويكسّر القيود عنهم، ويرفعهم إلى السماء.

ثم كان ابن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنه الحسين السبط الذي ادّخرته السماء ليقوم بالإنسان، ويزيح عنه كل ما يشده إلى الأرض. إنه الإنسان الكامل، يقود الصراع كما قاده من كان قبله؛ فكان صراعه خلاصة صراع الأنبياءعليهم‌السلام مع طواغيت

٥

زمانهم، فتجسدت فيه كل ظلامات من كان قبله؛ عطش، جوع، ألم، جراحات، قتل أولاد، قتل إخوة، قتل أصحاب، سبي نساء، انتهاك حرمات...

إنها ظلامة الإنسان الكامل حينما قام بوجه الظلم؛ فحق لكلِّ إنسان أن يبكي الحسينعليه‌السلام .

تقول الكاتبة الإنجليزية فرياستارك: إنّ مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتّى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها من دون أن ينتابني البكاء(1) .

لقد حيّرت - يا حسين - ألباب ذوي الألباب حتّى عشقك البعيد والقريب؛ فهذا غاندي - الزعيم الهندي الكبير - يقول: أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلست أعرف كثيراً عن الهندوسية... ولقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني

____________________

(1) راجع كتابها: صور بغدادية / 145 - 150.

٦

كنت أطمع أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين....

وخاطب شعبه الهندي قائلاً: على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين.

وقال أيضاً: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر(1) .

وها هو المستشرق الأمريكي غوستاف غرونيبام يؤكد بأنّ أهمية ثورة الحسينعليه‌السلام امتدت إلى الكون كله، فيقول في ذلك: إنّ وقعة كربلاء ذات أهمية كونية؛ فلقد أثّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين - الرجل النبيل الشجاع - في المسلمين تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى...(2) .

بل لقد عشقك غير المسلم مع المسلم على حدٍّ سواء؛ لأنك أيقظت ضمير الإنسان فراح يبحث عن ذاته فيك كما الفراشة تبحث عن الضوء لتحترق فيه.

____________________

(1) راجع كتابه: قصص تجاربي مع الحقيقة.

(2) راجع كتابه: حضارة الإسلام.

٧

انطوان بارا، مفكر مسيحي، يقول في ذلك: لو كان الحسين منّا لنشرنا له في كلِّ أرضٍ راية، ولدعونا الناس إلى المسيحيّة باسم الحسين.

كتابنا هذا الذي بين يديك - عزيزي القارئ - بحث علمي موجز عن سبب إقامة شعائر عاشوراء، قائم على أساس متبنيات علم النفس، وهو عبارة عن محاضرات ألقاها الشيخ مصباح اليزدي نُقلت بتصرّف.

فهو على إيجازه كعدة الراحل، خفيفة الوزن غالية الثمن، نرجو أن يروق لك، سائلين المولى (عزّ وجلّ) القبول والصفح، إنه نعم مسؤول، وبه المستعان.

بقلم: الشيخ محمّد الكروي

٨

نظرة في إحياء مراسم عاشوراء

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.

سنبدأ بحثنا مفترضين أنّ شابّاً قد نال حديثاً نضجه الفكري، وهو يحاول أن يفهم جميع المسائل والظواهر الاجتماعيّة التي تحدث من حوله، ويحاول الإحاطة بعللها حتّى يتمتّع بتقييم واضح للمسائل والظواهر التي تحيط به.

وقد لاحظ ذلك الشاب - ومع بدء شهر محرم الحرام - تشكيل مجالس العزاء، ويرى الناس يرتدون الملابس السوداء ويرفعون الأعلام السود، ويشاهد قيام هيئات للعزاء واللطم، وينظر اليهم وعيونهم تسكب الدموع الغزيرة... إنها ظواهر لا تنتشر في الأيام العادية ولا

١١

تُلاحظ في سائر المجتمعات.

إذاً من الطبيعي عندئذ أن يُطرح أمامة هذا السؤال، وهو: لأيّ هدف تُقام مثل هذه المراسم؟ لماذا لا بدّ أن يرتدي الإنسان الملابس السود؟ لماذا يلطم الناس على رؤوسهم وصدورهم إلى وقت متأخر من الليل؟ لأيّ شيء تجري كل هذه الدموع؟

ويمكننا تقسيم الأسئلة التي تُطرح في هذا المضمار إلى أربعة أسئلة، وسوف نحاول - بعون الله - الإجابة على كلِّ سؤال منها بشكل منفصل حتّى نوفّر الأرضية لرقي معرفة شبابنا الأعزاء بالنسبة لمراسم عاشوراء، وحتّى نسلط الأضواء بصورة أكبر على ثقافة عاشوراء.

السؤال الأول: لماذا لا بدّ من تخليد واقعة عاشوراء؟

لماذا لا بدّ من إحياء حادثة قد مر عليها ما يناهز 1360 عاماً؟

١٢

ولماذا لا بدّ من إقامة مراسم الإحياء لهذه الذكرى؟ إنها حادثة تاريخيّة قد تقادم عليها الزمن، وسواء أكانت مُرّة أم حلوة فإنها قد انتهت؛ فلماذا بعد مرور ما يقرب من أربعة عشر قرناً نلجأ إلى إحياء ذكرى هذه الحادثة ونقيم مراسم لذلك؟

إنّ الجواب على هذا السؤال ليس عسيراً جداً؛ لأنّه من الممكن أن نبيّن لأيّ شاب أنّ الحوادث الماضية في كل مجتمع يمكن أن تكون لها آثار ضخمة في مصير ذلك المجتمع ومستقبله، وإحياء تلك الحوادث هو في الواقع لون من إعادة النظر والصياغة الجديدة لتلك الحادثة حتّى يتيسر للناس أن ينتفعوا منها؛ فإذا كانت الحادثة نافعة عند حدوثها، وكانت منشأ لآثار طيّبة وبركات كثيرة فإنّ إعادة النظر إليها وإعادة صياغتها يمكن أن تكون منشأ لكثير من المنافع.

وعلاوة على ذلك فقد اعتادت المجتمعات البشرية

١٣

على أن تقوم بإحياء حوادث الماضي بشكل من الأشكال، وأن تجلّها وتضفي عليها ألواناً من الاحترام والتقدير؛ سواء أكانت تلك الحوادث متعلقة بأشخاص كان لهم دور مؤثر في رقي مجتمعاتهم كالعلماء والمكتشفين، أم كانت متعلقة بأشخاص تميّزوا بدور حسّاس في تحرير اُممهم من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة وأصبحوا أبطالاً وطنيين.

إنّ جميع العقلاء في العالم يحيون ذكريات مثل هذه الشخصيات البارزة، ويتم هذا الأمر حسب واحدة من أقدس الرغبات الفطرية التي أودعها الله سبحانه في أعماق جميع الناس، ويعبّر عنها بـ (حس الاعتراف بحق الآخر، أو الاعتراف بالجميل للآخر).

فهناك رغبة فطرية موجوده في أعماق جميع الناس وهي تدفعهم للاعتراف بحقِّ مَن أسدى إليهم خدمة، وعليهم أن يتذكّروها ويحترموا ذكراها، وبذلك ستكون الأفعال العظيمة لتلك

١٤

الشخصيات قد تجددت.

ولما كنّا نعتقد أنّ وقعة عاشوراء كانت حادثة عظيمة في تاريخ الإسلام، وكان لها دور مصيري في سعادة المسلمين وتبيين سبيل الهداية للناس؛ لهذا أصبحت تلك الواقعة ذات قيمة عظيمة عندنا، ويغدوا إحياؤها وتذكّرها وإعادة صياغتها أمراً لا يمكن التفريط به؛ لأنّ بركات ذلك سوف تشمل مجتمعنا المعاصر.

السؤال الثاني: لماذا لا نكتفي بالبحث والنقاش في إحياء عاشوراء؟

السؤال الثاني الذي يمكن أن نستخلصه من تحليل السؤال الأول هو: إنّ إحياء ذكرى عاشوراء ليس منحصراً في البكاء واللطم على الصدور، ورفع الأعلام السود، وإقامة مجالس العزاء إلى منتصف الليل، الأمر

١٥

الذي يؤدي إلى تعطيل الأعمال في النهار، ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ هذه الاُمور تستتبع أضراراً اقتصاديّة، بينما يمكننا إحياء هذه الذكرى بشكل تترتب عليه أضرار اقتصاديّة واجتماعيّة أقل؟

إنّ هذا السؤال نطرحه على أساس هذا الفرض، وهو: إنّ الوضع الروحي لكثير من الناس ينجسم أكثر مع الاُمور الماديّة والاقتصاديّة، واهتمام الناس منصب على هذه الاُمور أكثر من غيرها، وحينئذ يقيّم هؤلاء الحوادث على أساس ما لها من منافع أو أضرار ماديّة واقتصاديّة.

ونحن نفترض أنّ هذا التساؤل قد اختلج في نفس شاب لم تكتمل بعد تربيته الدينية، فقد يخطر على باله أنّ هذه المجالس تستتبع أضراراً اقتصاديّة بسبب قلة الانتاج؛ نتيجة ضياع الوقت؛ إذ إنّ سهر الناس في إقامة العزاء إلى منتصف الليل يفقدهم القدرة على العمل في اليوم التالي؛

١٦

وعلى هذا فإنّ المجتمع سيعيش ولمدة شهرين في حالة ارتخاء لكي يتم إحياء هذه الحادثة، بينما توجد هناك سبل اُخرى لإحياء واقعة عاشوراء، مثل إقامة جلسات البحث وتنظيم الندوات وما شابه ذلك، ومن خلال متابعة البحث والنقاش يتم إحياء هذه الحادثة للناس.

وبكلام مختصر فإنه يقال: سلّمنا بأنّ إحياء ذكرى عاشوراء وما جرى على الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام يرجع بالنفع لنا، وله آثار ممتازة في مجتمعنا؛ فإنه يطرح سؤال ثانٍ وهو: لماذا لا بدّ أن يتم هذا الإحياء بهذه الصورة ونحن نلاحظ في كل أرجاء العالم أنّ الشعوب التي تريد إحياء ذكرى عظمائها فإنها تعقد الندوات ومجالس البحث والنقاش؛ فلماذا نصرّ نحن على إحياء ذكرى عاشوراء بهذه الصورة؟

إنّ الجواب على هذا السؤال سيكون أكثر تعقيداً من

١٧

الجواب على السؤال الأول.

ويتلخص الجواب على هذا السؤال بأنّ البحث حول شخصية سيد الشهداءعليه‌السلام ، وتنظيم الندوات والمحاضرات، وكتابة المقالات، وأمثال هذه الأعمال الثقافية والعلميّة هي اُمور نافعة وضرورية، وتجري في مجتمعنا ببركة إقامة العزاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؛ إذ يتم من خلال إقامة العزاء البحث والتحقيق حول هذه الاُمور ويستفيد الناس معارفاً قيمه في هذا المجال.

إنّ هذه النشاطات ضرورية في مجالها، ولكن هل هي كافية لكي ننتفع بشكل كامل من حادثة عاشوراء، أم هناك أمور أخرى ضرورية أيضاً مثل إقامة العزاء في مجاله الخاص؟

إنّ الجواب على هذا السؤال يتوقف على القيام بتحليل نفسي للإنسان لمعرفة العوامل المؤثرة في سلوكه الواعي،

١٨

وهل إنّ المؤثر في سلوك الإنسان هو عامل المعرفة فحسب، أم هناك عوامل أخرى تؤثر في بلورة هذا السلوك؟

عندما نتأمل في سلوكنا ندرك أنّ هناك - على أقل تقدير - طائفتين من العوامل تنهض بالدور الرئيس في هذا المضمار:

الطائفة الأولى: عوامل المعرفة، ويكون تأثيرها من بعد أن يفهم الإنسان شيئاً ويتقبله. ومن البديهي أن يستدل على الموضوع المطلوب بما يتناسب معه من الأدلة؛ فإن كان الموضوع عقلياً - كما في الفلسفة - استدل عليه بأدلة عقليّة، وإن كان الموضوع تجريبياً - كما في الكيمياء والفيزياء - استدل عليه بأدلة تجريبية، و... إلخ.

ومن الواضح جداً أنّ للمعرفة تأثيراً كبيراً في سلوكنا،

١٩

ولكنها ليست هي العامل الوحيد، بل هناك عوامل اُخرى لعل تأثيرها في سلوكنا أكبر من عامل المعرفة.

وتسمى هذه العوامل بـ (الدوافع أو الأحاسيس أو العواطف أو الميول أو الرغبات)، إنّها مجموعة من العوامل الباطنية النفسيّة المؤثّرة في سلوكنا.

كلما قمت بتحليل سلوكك - سواء أكان السلوك المتعلق بالحياة الفردية أم الحياة العائليّة أم الحياة الاجتماعيّة أم الحياة السياسيّة - فستلاحظ أن الأمر الأساس الذي دفعك للقيام بذلك السلوك هو هذه البواعث والعوامل المحركة.

ويوجد في هذا المجال تشبيه لطيف؛ حيث يشبّه السلوك الإنساني بالسيارة التي تسير في ظلمة الليل، فهي تحتاج إلى عاملين لتتحرك: أحدهما الطاقة الميكانيكية للسيارة حتّى تتيسر لها الحركة بواسطتها، والعامل الآخر هو أنه لا بدّ للسيارة أيضاً من مصباح يُضاء به الطريق حتّى

٢٠