تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد10%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103925 / تحميل: 10581
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فلطّتْ بأَيديها ثمارَ نحورِها

كأيدي الأُسارى أَثقلتها الجوامعُ (١)

فهذا تشبيه مصيب جدّاً، إلاّ أنّهم عابوه بما بيّنت، وإنّما أشار إلى قول النابغة:

ويَخْطِطنَ بالعيدانِ في كلّ منزلٍ

ويَخبَأنَ رمّانَ الثُّديّ النواهِدِ (٢)

ومثله قول أبي محجن الثقفي في وصف قَيْنَة:

وترفعُ الصوتَ أحياناً وتُخفِضُه

كما يَطنّ ذُبابُ الروضة الغَرِدُ (٣)

فأيّ قَيْنَة تُحبّ أن تُشبّه بالذُباب؟ وقد سرق بيت عنترة وقَلَبه فأفسده (٤) .

* * *

قال ابن رشيق في باب الاعتذار: وأجلّ ما وقع في الاعتذار من مشهورات العرب قصائد النابغة الثلاث، يقول في إحداهنّ:

نُبّئتُ أنّ أبا قابوسٍ أَوعَدَني

ولا قرارَ على زأرٍ مِن الأسدِ (٥)

ويقول في الثانية:

فلا تتركنّي بالوعيدِ كأنّني

إلى الناسِ مطليٌّ به القارُ أَجربُ (٦)

ويقول في الثالثة - وهي أجودهنّ وأبرعهنّ -:

فإنّكَ كالليلِ الذي هو مُدركي

وإن خلتُ أنّ المُنتأى عنكَ واسعُ (٧)

قال: ومِن ثَمّ تعلّق بهذا المعنى جماعة من الشعراء منهم سلم الخاسر يعتذر إلى المهدي:

وأنتَ كالدهرِ مبثوثاً حبائِلُهُ

والدهرُ لا ملجأٌ منه ولا هَرَبُ

قال ابن طاهر:

لأنّك لي مثلُ المكانِ المحيطِ بي

مِن الأرضِ أنّى استَنهضَتني المذاهبُ

____________________

(١) لطّ الشيء: ستره. وثمار النحور كناية عن الثديين.

(٢) نهد الثدي: كعب وانتبر وأشرف. والثّديّ جمع الثدي.

(٣) غرّد الطائر: رفع صوته.

(٤) العمدة: ج ١ ص ٣٠٢.

(٥) زأر الأسد: صات من صدره.

(٦) القار: القير.

(٧) المنتأى: المبتعد.

١٨١

قال ابن رشيق: والى هذه الناحية أشار أبو الطيّب بقوله:

ولكنّك الدنيا إليّ حبيبةً

فما عنك لي إلاّ إليكَ ذهابُ

قال: إلاّ أنّه حرّف الكلم عن مواضعه.

قال: واختار العلماء لهذا الشأن قول عليّ بن جبلة:

وما لا مرئٍ حاوَلتَه عنك مَهربُ

ولو رَفعَتهُ في السماءِ المَطالعُ

بلى هاربٌ لا يَهتدي لمكانِه

ظلامٌ ولا ضوءٌ مِن الصبحِ ساطعُ

قال: لأنّه قد أجاد، مع معارضته النابغة، وزاد عليه ذكر الصبح، قال: وأظنّه اقتدى بقول الأصمعي في بيت النابغة: ليس الليل أولى بهذا المثل من النهار... (١) .

قال: وأفضل من هذا كلّه قول الله تعالى:

( يَا مَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوْا مِن أَقْطَارِ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوْا لاَ تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ ) (٢) .

وقال مَن اعتذر للنابغة: إنّما قدّم الليل في كلامه؛ لأنّه أهول، ولأنّه أوّل، ولأنّ أكثر أعمالهم إنّما كانت فيه، لشدّة حرّ بلدهم، فصار ذلك عندهم متعارفاً (٣) .

وعقد ابن رشيق باباً في أغاليط الشعراء والرواة، ذَكر فيه مآخذ علماء الأدب على كثير من أشعار القدماء والمحدّثين، فكان من ذلك ما أخذوه على قول زهير يصف ضفادع (شربات):

يَخرُجنَ من شَرَباتٍ ماؤُها طَحِلٌ

على الجذوعِ يَخفنَ الغَمر والغَرقا (٤)

إذ لا تخاف الضفدعة من الغرق مهما كان غمر الماء! فقد غلط في هذا التوصيف.

____________________

(١) العمدة: ج ٢ ص ١٧٦ - ١٧٩.

(٢) الرحمن: ٣٣.

(٣) العمدة: ج ٢ ص ٢٥١.

(٤) شَرَبات: موضع قرب مكّة. طَحِل الماء: فسد. والجذع: ساق النخلة. الغمر: الماء الكثير، وغمره الماء غمراً: علاه وغطّاه.

١٨٢

واعتذر عنه بأنّه لم يرد خوف الغرق على الحقيقة، ولكنّها عادة مَن هرب من الحيوان من الماء، فكأنّه مبالغة في التشبيه، كما قال تعالى:

( وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) (١) .

وقال: ( وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) (٢) .

والقول فيهما محمول على (كاد)، هكذا ذكر الحُذّاق من المفسّرين، مع أنّا نجد الأماكن البعيدة القعر من البحار لا تقربها دابّة؛ خوفاً على نفسها من الهَلكة، فكأنّه أراد المبالغة في كثرة ماء هذه الشربات (٣) .

قلت: فعلى هذا كان كلامه وصفاً للماء لا للضفادع، وعلى أيّ حال، فإنّ استهداف هكذا أهداف حقيرة وهابطة كانت حصيلة تضايق آفاق الحياة العربية حينذاك، وأين ذلك من سعة آفاق مطالب القرآن ومقاصده العليّة في أوصافه وتشبيهاته وتمثيلاته؟! وهل تَناسب بين قول زهير في هذا البيت والآيتين الكريمتين؟!! وإنّما يتفاخم الكلام ويتصاغر بضخم موضوعه وصغره، وعلوّ مقصوده وسفله، الأمر الذي نجده فرقاً بيّناً بين مقصود الآيتينِ ومقصود زهير في البيت، بل بين القرآن كلّه وأشعار العرب الجاهلي كلّها!

قال الأصمعي: وأخطأ زهير في قوله - في ذمّ الحرب والقتال -:

فتُنتِج لكم غِلمانَ أَشأَم كلُّهُم

كأحمرِ عادٍ ثمّ تُرضِع فتَفطِمِ (٤)

حيث شبّه الغلمان المشائيم بعاقر ناقة صالح، الموصوف بالأحمر، واسمه قدار، لكن نَسَبه إلى عاد، وهو خطأ، وإنّما هو ثمود.

واعتذر عنه بأنّ ثمود هي عاد الثانية، كما جاء في قوله تعالى:

____________________

(١) إبراهيم: ٤٦.

(٢) الأحزاب: ١٠.

(٣) العمدة: ج ٢ ص ٢٥١.

(٤) أشأم: مبالغة المشؤوم. وأراد بأحمرِ عاد: أحمر ثمود، وهو عاقر الناقة، واسمه قدار بن سالف يقول: فتولّد لكم أبناء في أثناء تلك الحروب كلّ واحد منهم يضاهي في الشؤم عاقر الناقة.

١٨٣

( وَأَنّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى ‏ ) (١) .

فهل قال تعالى هذا إلاّ وثمّ عادٌ أخرى؟ وهي هلكت بالنمل، من وُلد قحطان.

لكن أنصار الأصمعي لا يقرّون هذا الجواب؛ إذ لا يصادق عليه العارفون بالأنساب والتاريخ ووصف (الأُولى) في الآية معناه السابقة التي كانت قبل ثمود، وليس يدلّ على أنّ هناك عادينِ، والوصف إنّما أتى به للإيضاح لا للاحتراز (٢) .

وضمّنَ ابن رشيق باب أغاليط الشعراء باباً ذكر فيه منازل القمر، وعلّل ذلك بأنّه رأى العرب - وهم أولع الناس بهذه المنازل وأنوائها - قد غلطوا فيها، فقال أحدهم: من الأنجم العزل والرامحة... وقال امرؤ القيس:

إذا ما الثُريّا في السماء تعرّضتْ

تَعرُّضَ أَثناءِ الوِشاحِ المُفصَّلِ (٣)

فأتى بتعرّض الجوزاء، وهكذا كلّ من عُني بالنجوم من المحدّثين واستوفى جميع المنازل مخطئ لا شكّ في خلافه؛ لأنّه إنّما يصف نجوم ليلة سهرها، والنجوم كلّها لا تظهر في ليلة واحدة (٤) .

قال الزوزني: يقول: أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الثريّا في الأُفق الشرقي... ومنهم من زعم أنّه أراد الجوزاء فغلط وقال الثريّا؛ لأنّ التعرّض للجوزاء دون الثريّا، وهذا قول محمّد بن سلام الجمحي (٥) .

لكن إشكال ابن رشيق متوجّه إلى أولئك الشعراء الذين ذكروا مواقع النجوم دلائل على أوقات لقائهم للغواني أو سَهرهم الليالي على طول الزمان وفي كلّ ليلة باستمرار، الأمر الذي يُخالف مطالع النجوم الفصليّة غير المستديمة.

وإذا كان العرب - المعنيّون بمطالع النجوم ومغاربها - قد أخطأوا في تمثّلاتهم

____________________

(١) النجم: ٥٠.

(٢) هامش العمدة: ج ٢ ص ٤٢٦.

(٣) التعرّض: الاستقبال وإبداء العرش. والمفصّل: الذي فُصل بين خرزه بالذهب أو غيره. يقول: تجاوزت إليها في وقت إبداء الثريّا عرضها في السماء كإبداء الوشاح - وهي الجواهر للزينة - الذي فُصل بين جواهره وخرزه بالذهب أو غيره عرضة.

(٤) العمدة: ج ٢ ص ٢٥٢.

(٥) شرح المعلّقات للزوزني: ص ١٨.

١٨٤

الشعرية هكذا أخطاء فادحة، فما ظنّك بسائر الشعراء وغيرهم من المحدّثين؟! الأمر الذي تحاشى عنه القرآن الكريم، في حين كثرة تعرّضه لمواقع النجوم، وهذا أيضاً شاهد صدق من آلاف الشواهد على امتياز القرآن عن سائر الكلام وارتفاعه عن نمط كلام العرب الأوائل والأواخر جميعاً.

وذكر ابن الأثير للاعتراض ضروباً ثلاثة:

أحدها: أن تكون فيه فائدة، والغالب هو توكيد الكلام وترصينه، وقد ورد في القرآن كثيراً، وذلك في كلّ مورد يتعلّق بنوع من خصوصيّته المبالغة في المعنى المقصود، من ذلك قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ * وَإِنّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) (١) وذلك اعتراض بين القسم وجوابه، وفي نفس هذا الاعتراض اعتراض آخر بين الموصوف وصفته وهو قوله (لو تعلمون)، فذانك اعتراضان كما ترى.

ومثله قوله تعالى: ( وَيَجْعَلُونَ للّهِ‏ِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مّا يَشْتَهُونَ ) (٢) .

وهكذا غيرهما من آيات كثيرة في القرآن، كلّها من القسم المفيد فائدة التوكيد.

والضرب الثاني: ما لا فائدة فيه، كما لا مفسدة فيه أيضاً، من ذلك قول النابغة:

يقول رجالٌ يَجهلونَ خَليقتي

لعلّ زياداً لا أباً لك غافلُ (٣)

فقوله (لا أباً لك) ممّا لا فائدة فيه ولا حُسن ولا قبح.

وهكذا قول زهير:

سَئِمتُ تكاليفَ الحياةِ ومَن يَعش

ثمانينَ حَولاً لا أباً لك يَسأَمُ

لكن وردت هذه اللفظة في قول أبي همام حسنة:

عتابك عنّي - لا أباً لك - واقصدي

فإنّه لمّا كره عتابها اعترض بين الأمر والمعطوف عليه بهذه اللفظة على طريق

____________________

(١) الواقعة: ٧٥ - ٧٧.

(٢) النحل: ٥٧.

(٣) الخَليقة: السجيّة.

١٨٥

الذمّ.

الضرب الثالث: الاعتراض المُفسد، وهو المذموم المُخلّ بفهم المقصود فيُعقّده تعقيداً، وأمثلة ذلك في باب تقديم ما حقّه التأخير وتأخير ما حقّه التقديم كثيرة، وقد أولع بها الشعراء المتكلّفون، فمِن ذلك قول بعضهم:

فَقد والشكُ بَيّنَ لي عناءٌ

بِوَشكِ فِراقِهم صُرَدٌ يصيحُ (١)

قال ابن الأثير: فإنّ هذا البيت من رديء الاعتراض ما أذكره لك، وهو الفصل بين قد والفعل الذي هو (بيّن لي) وذلك قبيح لقوّة اتّصال (قد) بالفعل المدخول عليه، بحيث يُعدّ جزءً متّصلاً به.

وأيضاً فُصل بين المبتدأ الذي هو (الشكّ) وبين الخبر الذي هو (عناء) بقولة (بيّن لي)، وفُصل بين الفعل الذي هو (بيّنَ) وبين فاعله الذي هو (صُرَد) بخبر المبتدأ الذي هو (عناء)، فجاء معنى البيت كما تراه مشوّها ومشوّشاً، كأنّه صورة مشوّهة قد نُقلت أعضاؤها بعضها إلى مكان بعض (٢) .

وجَعل أيضاً يمثّل بأبيات شعرية من العرب القديم، لعلّنا نأتي عليها وعلى أمثالها في سائر أبواب البلاغة والبديع في قسم الدلائل على إعجاز القرآن، وهو القسم الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى.

ولعلّني في هذا العرض العريض قد أسهبت وخرجت عن حدّ الاعتدال المتناسب مع وضع الكتاب، غير أنّ تحمّسات قومية، وأخرى سفاسف كلامية ربّما كانت تُحاول رفع منزلة كلام العرب الأوائل بما يضاهي سبك القرآن ونظمه البديع، فكان هذا وذاك من أخطر الأساليب لوَهن موضع إعجاز هذا الكلام الإلهي وخرقه للمعتاد! والعياذ بالله.

هذا ما دعاني إلى التكثير من شواهد الباب، وإلاّ فلا داعي للتعرّض لأشعار لا محتوى لها ولا وزن في عالم الكلام والاعتبار! والله الهادي.

____________________

(١) أصل تركيب الكلام: فقد بَيّنَ لي صُرَدٌ يصيحُ بوَشكِ فراقِهم، والشكُّ عناء.

(٢) المَثل السائر لابن الأثير: ج ٣ ص ٤٠ - ٤٨ و: ج ٢ ص ٢٢٧.

١٨٦

دلائل الإعجاز

البياني والعلمي والتشريعي

أبعادٌ ثلاثةٌ هي خطوط اتجاه البحث الأساسية

وتتشعّب منها فروع متصاعدة لا نهاية لها

١٨٧

١٨٨

دلائل الإعجاز

قدّمنا لك حديثاً مُسهباً عن آراء ونظرات حول قضيّة الإعجاز القرآني، ومحاولات وجهود مبذولة بشأنه طول التاريخ. وهكذا الحديث عن أجواء أدبية رفيعة كانت أحاطت بعهد نزول القرآن، ذلك العهد الحافل بجحافل من خطباء مصاقع وفطاحل من شعراء مفلّقين، كانوا على ذروة من فصاحة البيان وطلاقة اللسان، فباهاهم وتحدّاهم: لو يأتوا بحديث مثله، أي يُماثله ويُجاريه في شرف الكلام وفي فضيلة البيان، لكنهم - بأجمعهم - عجزوا عن مقابلته، وأمسكوا عن معارضته، وتراجعوا صاغرين.

وبعد، فقد حان أوان الخوض في خضمّ دلائل إعجازه، والوقوف على أسرار بلاغته، تَطلّعاً إلى المُستطاع من فهم دقائقه ومزاياه، والكشف عن نُكته وخباياه... المُستَخلَص ذلك في ثلاثة أبواب - هي خطوط اتجاه البحث - كلّ باب يشتمل على فصول هي حقول من الرياض النَضِرة:

الباب الأوّل في الإعجاز البياني: بديع نظمه وعجيب رصفه وغريب أسلوبه.

الباب الثاني في الإعجاز العلمي: إشاراتٌ عابرة وإلماعات خاطفة عن غياهب

١٨٩

الوجود.

الباب الثالث في الإعجاز التشريعي: معارف سامية وشرايع راقية عبر الخلود.

تلك جهودنا المتواصلة في سبيل الوصول إلى وجوه إعجاز هذا الكلام الإلهيّ الخالد، الذي لم يزل موضع إعجاب الخافقَينِ. ولكن هل بلغنا الغاية أم نحن في البداية؟! هذا مبلغ وسعنا، والغاية بعيدة الآفاق.

* * *

١٩٠

١ - الإعجاز البياني

(بديع نظمه وعجيب رصفه)

١ - دقيق تعبيره ورقيق تحبيره.

٢ - طرافة سبكه وغرابة أُسلوبه.

٣ - عذوبة ألفاظه وسلاسة عباراته.

٤ - تناسق نظمه وتناسب نغمه.

٥ - تجسيد معانيه في أجراس حروفه.

٦ - تلاؤم فرائده وتآلف خرائده.

٧ - حسن تشبيهه وجمال تصويره.

٨ - جودة استعارته وروعة تخييله.

٩ - لطيف كنايته وظريف تعريضه.

١٠ - طرائف وظرائف.

١٩١

الباب الأوّل

في الإعجاز البياني

بديع نظمه وعجيب رصفه:

قال الشيخ عبد القاهر الجرجاني: إذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثراً، ثُمّ يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ فيقول، حلو رشيق، وحسن أنيق، وعذب سائغ، وخَلُوب رائع، فاعلم أنّه ليس يُنبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف، وإلى ظاهر الوضع اللغوي، بل إلى أمر يقع من المرء في فؤاده، وفضل يقتدحه العقل من زناده (١) .

تعريف بديع عن أُسّ البلاغة الفاخرة، وتحديدٌ دقيق عن سرّ الفصاحة الباهرة، ليس يقصر جمال الكلام في حسن منظره حتى ينضاف إليه كمال مخبره:

إنّ الكلامَ لفي الفسادِ وإنّما

جُعل الكلامُ على الفؤادِ دليلا

وهكذا تجلّى القرآن في سناء جلاله وبهاء جماله، رائعاً في بديع نظمه، وفخماً في رفيع أُسلوبه، فذّاً فريداً لا يدانيه أيُّ كلام، ولا يضاهيه أيّ بيان، قد فاحت من

____________________

(١) أسرار البلاغة: ص٣.

١٩٢

طيّاته نفحات القدس، وفاضت من تواقيع نغماته نسمات الأُنس... ( رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (١) .

( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَن نّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنّكَ لَتَهْدِي إِلَى‏ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ ) (٢) .

وتلك زهوره الباسقات، جاءت في حقول عشرة مكتملات، نقدّم لك إجمالها قبل بيان التفصيل:

(أولاً) دقيق تعبيره ورقيق تحبيره:

(واضعاً كلّ لفظٍ موضعه الأخصّ الأشكل به، بحيث إذا أُبدل بغيره جاء منه فساد معنى الكلام أو سقوط رونقه).

(لو انتزعت منه لفظةٌ ثم أُدير لسان العرب على لفظة في أن يوجد أحسن منها لم توجد).

(فلم يجدوا في الجميع كلمةً ينبو بها مكانها، ولفظةً يُنكر شأنها... بل وجدوا اتّساقاً بَهَر العقول، وأعجز الجمهور).

(قدامى علماء البيان)

(ثانياً) طرافة سبكه وغرابة أُسلوبه:

سبكٌ جديد وأُسلوب فريد، لا هو شعر كشعرهم ولا هو نثر كنثرهم، ولا فيه تكلّف أهل السجع والكهانة، على أنّه جَمَع بين مزايا أنواع الكلام الرفيع، فيه أناقة الشعر وطلاقة النثر وجزالة السجع الرصين، ممّا لم يوجد له نظير ولم يخلفه أبداً بديل، ولا استطاع أحد أن يماريه أو يجاريه، لا في أُسلوبه ولا في نظمه البديع.

____________________

(١) الواقعة: ٨٩.

(٢) الشورى: ٥٢.

١٩٣

حلوٌ رشيق وخلوبٌ رحيق (إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه، مُغدِق أسفله، إنه يعلو وما يُعلى...) كلام قاله عظيم العرب وفريدها الوليد.

(ثالثاً) عذوبة لفظه وسلاسة عباراته:

يسيح سيحاً كجري الماء في مصبّه، ويفيح فيحاً كنسيم الصِبا من مهبّه، عَذِباً سائغاً رويّاً، تبتهج له الأرواح وتنشرح له الصدور، في رونق جذّاب وروعة خلاّبة.

(رابعاً) تناسق نظمه وتناسب نغمه:

(قد جمع بين مزايا الشعر وخصائص النثر...).

(ويجد الإنسان لذّةُ، بل وتعتريه نشوةٌ إذا ما طرق سمعه جواهر حروف القرآن...).

(لرأيناه أبلغ ما تبلغ إليه اللغات كلها، في هزّ الشعور واستثارة الوجد النفسي...).

(أُدباء معاصرون)

(خامساً) تجسيد معانيه في أجراس حروفه:

تتواءم أجراس حروفه مع صدى معانيه، ويتلاءم لحن بيانه مع صميم مراميه، مِن وعد أو وعيد، ترغيب أو ترهيب، كلّ تعبير يجري مجراه من شدة أو لين، ويتطلّب مقتضاه من تفخيم أو تهويل، كلّ يتناسب وجرس لفظه ولحن أدائه، الأمر الذي يزيده جلالاً وفخامةً وأُبّهةً وكبرياءً....

(سادساً) تلاؤم فرائده وتآلف خرائده:

كأنّه عقدُ جُمان، تناسقت فرائده، وتناسبت لآليه، سياقاً منتظماً متلائماً، متلاحم الألفاظ والمعاني، متواصل الأهداف والمباني.

١٩٤

قال سيّد قطب: (من ألوان التناسق الفنّي، هو ذلك التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات والتناسب من غرض إلى غرض...).

(سابعاً) حسن تشبيهه وجمالُ تصويره:

اعترف أهل البيان بأنّ تشبيهات القرآن أمتن التشبيهات الواقعة في فصيح الكلام، وأجمعهنّ لمحاسن البديع، وأوفاهنّ بدقائق التصوير ورقائق التعبير ورحائق التحبير.

(ثامناً) جودة استعارته وروعةُ تخييله:

عمد القرآن - في إفادة معانيه، والإشادة بمبانيه - إلى أنواع الاستعارة والكناية والمجاز، في نطاق واسع، أبدع فيها وأجاد إجادةَ البصير المُبدع، وأفاد إفادةَ الخبير المضطلع، في إحاطة بالغة لم يعهد لها نظير، ولم يخلفه أبداً بديل.

(تاسعاً) لطيف كنايته وظريف تعريضه:

جاءت كناياته - حسبما تقدّم - أوفى الكنايات وأدقّهنّ وأرقّهنّ، ولم تفته لطافةٌ في كناية ولا ظرافةٌ في تعريض.

(عاشراً) طرائفٌ وظرائف:

محاسن جمّة غفيرة، ومزايا كثرة وفيرة، تجمّعت في القرآن الكريم، لا نظير لها في سائر الكلام ولا مثيل.

وبعد... فإليك تفصيل البيان:

١٩٥

١ - دقيق تعبيره ورقيق تحبيره

يمتاز القرآن على سائر الكلام بدقّته الفائقة في تعابيره، واضعاً كل شيء موضعه اللائق به، مراعياً كل مناسبة - لفظيةً كانت أم معنويةً - في أناقة تامّة - لم تفته نكتة إلاّ سجّلها، ولم تفلت منه مزيّة إلاّ قيّدها، في رصف بديع ونضد جميل، جامعاً بين عذوبة اللفظ وفخامة المعنى، متلائماً أجراس كلماته مع نوعية المراد، متماسك الأجزاء، متلاحم الأشلاء، كأنما أُفرغت إفراغة واحدة، وسُبكت في قالب فذّ رصين، بحيث لو انتزعت لفظة من موضعها أو غُيّرت إلى غير محلّها أو أُبدلت بغيرها لأخلّ بمقصود الكلام واضطرب النظم واختلّ المرام، ولقد كان ذلك مِن أهمّ دلائل صيانته من التحريف، فضلاً عن كونه سند الإعجاز.

أضف إليه جانب (لحن الأداء) هو تناسب جرس اللفظ مع نوعية المفاد، من وعد أو وعيد، ترغيب أو ترهيب، أمر أو زجر، عظة أو حكمة، فرض أو نفل، مثوبة أو عقاب، مكرمة أو عتاب... إلى غيرها من أنواع الكلام، كل نوع يستدعي لحناً في الخطاب يخالفه نوع آخر، الأمر الذي راعته التعابير القرآنية بشكل بديع وأُسلوب غريب، وكان سرّاً غامضاً من أسرار إعجازه، ودليلاً واضحاً على كونه صنيع مَن لا يعزب عن علمه شيء، وقد أحاط بكلّ شيء علماً.

١٩٦

وهذا شيء اعترفت به جهابذة الفن، وأذعنت له علماء البيان وأُمراء الكلام، فضلاً عن شهادة أفذاذ العرب الأقحاح.

فلنستمع الآن إلى كلماتهم المشرقة:

قال الشيخ عبد القاهر: أعجزتم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادي آيه ومقاطعها، ومجاري ألفاظها ومواقعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظة وتنبيه وإعلام، وتذكير وترغيب وترهيب، ومع كل حجة وبرهان، وصفة وتبيان، وبهرهم أنهم تأمّلوه سورة سورة، وعشراً عشراً وآية آية، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها، ولفظة يُنكر شأنها أو يُرى أنّ غيرها أصلح هناك أو أشبه، أو أحرى أو أخلق، بل وجدوا اتساقاً بهر العقول، وأعجز الجمهور، ونظاماً والتئاماً، وإتقاناً وإحكاماً، لم يدع في نفس بليغ منهم - ولو حكّ بيافوخه السماء (١) موضع طمع، حتى خرست الألسن عن أن تدّعي وتقول، وخلدت القُروم (٢) فلم تملك أن تصول (٣) .

زيادة المباني تستدعي زيادة المعاني:

قاعدة كلّية مطّردة تدعمها حكمة الوضع، على ما سلف في كلام أبي هلال العسكري، إذ ليست الأوضاع سوى دلائل وإشارات إلى المعاني والمرادات، ولولا اختصاص كل لفظة - في مادّتها وهيأتها - بمعنى من المعاني، فلا تتعدّاه إلى غيره كما لا يدلّ عليه غيرها، لانتفت فائدة الوضع، وعاد محذور الإبهام والترديد - كما في الاشتراك - أو نقض حكمته - كما في المترادفات - بعد الاستغناء عن الوضع الثاني بالوضع الأوّل، وهو عبث ولغو.

____________________

(١) اليافوخ: عظم مقدم الرأس، والمثال كناية عن الشموخ بالرأس تكبّراً.

(٢) القَرم: العظيم الشأن، يقال: خلد بالمكان أي أقام به، وخلد بالأرض: لصق بها، كناية عن المسكنة والخمول.

(٣) دلائل الإعجاز: ص٢٨.

١٩٧

وعليه فكل تصريف في الكلمة أو تغيير في حركتها فإنما هو للدلالة على معنى جديد لم يكن فيما قبل، فمثل (ضرّ) و(أضرّ) لابدّ أن يختلف معناهما، كما هو كذلك، فالأوّل للدلالة على إيقاع الضرر به سواء قصده أم لم يقصده، والثاني إيقاعه عن عمد وقصد، يقال: ضرّه، وهو بمعنى ضد نَفعه، وأضرّه: جلب عليه الضرر، كمَن حاول تمهيد أسباب مؤاتية للإضرار به، كما في (ضرّ) و(ضارّ) أيضاً من الفرق، فالأوّل إضراره بالفعل، والثاني محاولة إضراره سواء تمكّن من الإيقاع به أم لم يتمكّن، كما في (خَدَع) و(خادَع) في قوله تعالى: ( يُخادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ ) (١) ، أي يحاولون خداعه تعالى والمؤمنين لكنّهم فاشلون في هذه المحاولة، سوى أنّهم يخدعون بالفعل أنفسهم وينخدعون بتصوّرهم أنّهم خدعوا الله ورسوله.

فقوله (صلّى الله عليه وآله): (لا ضررَ ولا ضِرار في الإسلام) في حديث سمرة بن جندب (٢) ، المراد به: أنّ الإسلام لا يدع مجالاً لأحد في أن يضرّ غيره أو أن يُحاول الإضرار به، كما في شأن سمرة حاول الإضرار بالأنصاري، حيث امتنع أن يستأذن عيه في الدخول أو بيع عذقه أو مبادلتها بما ضمنه له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأبى إلاّ الدخول بلا إذن؛ ومِن ثَمّ أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بقلع عذقه ورميه في وجهه، وقال له: (أنت رجل مضارّ!) أي الذي يُحاول ويَعمد إلى الإضرار بغيره.

وقال الزمخشري: وفي الرحمن مبالغة ما ليس في الرحيم، ثم استشهد بقولهم: (إنّ الزيادة في البناء لزيادة المعاني). ونُقل عن الزجّاج قوله في الغضبان: هو الممتلئ غضباً، قال: وممّا طنّ على أُذُني من ملح العرب أنّهم يُسمّون مركباً من مراكبهم بالشُقدُف، وهو مركب خفيف ليس في ثقل مَحامل العراق، فقلت - في طريق الطائف لرجل منهم -: ما اسم هذا المحمل؟ - أردت المَحمل العراقي -

____________________

(١) البقرة: ٩.

(٢) سفينة البحار: ج١ ص ٦٥٤ مادة (سمر).

١٩٨

فقال: أليس ذاك اسمه الشُقدُف؟ قلت: بلى. فقال: هذا الشقنداف... فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمّى (١) .

الاشتراك والترادف في اللغة:

الاشتراك: وضع اللفظ بإزاء معنيين أو أكثر لا جامع بينهما، وهو الاشتراك اللفظي، في مقابل الاشتراك المعنوي، وهو وضع اللفظ بإزاء معنى واحد جامع بين صنوف من المتبائنات والمتغائرات كلفظ الحيوان الموضوع لصاحب الحياة النامية ذات الحركة الإرادية، الشامل لمثل الإنسان وغيره من أنواع الحيوان، وهذا من المشترك المعنوي الخارج من موضوع بحثنا الآن؛ لأنّه من اللفظ الواحد الموضوع لمعنى واحد، فلا اشتراك حقيقة، وإنّما هو في الإطلاقات وكثرة المصاديق المتنوّعة.

أمّا المشترك اللفظي فهو اللفظ الموضوع لمعانٍ مختلفة في أوضاع متعدّدة، كلفظ العين الموضوعة للنقد المسكوك باعتبار نضّ المال وأصله وحقيقته، وللناظرة، وللنابعة، وللجاسوس، وللربيئة....

وهذا على خلاف حكمة قانون الوضع، حسبما تقدم مِن أنّه للدلالة على المعنى المراد وتمييزه عمّا عداه تمييزاً مطلقاً، كما في الرموز والإشارات ذوات العهد الخارجي؛ إذ لولا الاختصاص والتمييز المطلق لم تعد لها فائدة، ولعاد محذور الإبهام والإجمال في دلالة الكلام، أمّا الاعتماد على القرينة فهو من الدلالة العقلية، ولا تمسّ جانب الوضع في شيء.

ولعلّ الاشتراك إنما جاء في اللغات من جرّاء، تعدّد الواضعين وتباعد ما بينهم من آفاق واختلاف أسباب الحاجة إلى الوضع حسب تطوّر العادات والأعراف المتداولة عند كل قوم، فلمّا تقاربت الأعراف وتوحّدت اللغات، ولا سيّما بعد

____________________

(١) الكشّاف: ج ١ ص ٦.

١٩٩

ظهور الإسلام وسلطان لغة القرآن، وجَدوا أنفسهم تجاه أمر واقع - وهي الأوضاع المتفاوتة الوجبة لاشتراك بعض الألفاظ - أمراً لا محيص عنه.

أمّا الترادف فهو توارد لفظين أو أكثر على معنى واحد، عكس الاشتراك، كلفظ الإنسان والبشر، والبعير والإبل، والشاة والغنم، والضرغام والضيغم والغضنفر والليث والأسد، والصمصام والصارم والسيف والحسام والمهنّد والمشرفي... إلى غير ذلك وهو كثير في اللغة.

وهو أيضاً على خلاف حكمة قانون الوضع، لو أُخذ بإطلاقه وعلى ظاهره الأَوّلي: لأنّ الإشارة تكفيها الواحدة، فتقع الأُخرى والتالية عبثاً ولغواً، كما تقدم بيانه... وقد عالج القوم هذا الجانب في عناية ودقّة، فوجدوا أن لا ترادف في واقع الأمر، وإنما هي حالات وصفات تعتور الشيء فتختلف أسماؤه ونعوته، وهكذا وجدوا أكثر المشتركات أنّها باعتبار أحوال وأوصاف ملحوظة في المُسمّى وهي الموضوع له بالذات وليس ذات الشيء نفسه، فهو بالاشتراك المعنوي أشبه من كونه مشتركاً لفظيّاً. هكذا عالج القوام أمر وقوع الاشتراك والترادف في اللغة على خلاف الأصل.

وإليك بعض التبيين من هذا الجانب الخطير:

لا اشتراك مع رعاية الجامع:

أكثر ما يُظنّ كونه من المشترك اللفظي (من تعدّد الوضع) لا تعدّد في وضعه، وإنّما هو وضع واحد، وكان سائر موارد استعماله بالعناية والمجاز وإن كان قد غلب استعماله حتى صار حقيقةً ثانيةً بغلبة الاستعمال، وهو من الوضع التعيّني لا التعييني حسب المصطلح، نظير العَلَم بالغلبة على ما هو معروف.

وهكذا أوضاع تعيّنية (حاصلة بغلبة الاستعمال) شايع في اللغة من غير أن يستلزم المحذور المذكور؛ لأنه من قبيل التوسّع في الوضع الأَول بتقديره وضعاً

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( احكام الحج )

الحج من أهم الفرائض في الشريعة الاسلامية ، قال الله تعالى( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) وفي المروي عن الامام الصادقعليه‌السلام أنه قال : ( من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تُجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ).

( مسألة 523 ) : يجب الحج على البالغ العاقل المستطيع ، وتتحقق الاستطاعة بتوفر الاُمور التالية :

1 ـ سلامة البدن ، بمعنى ان يكون متمكناً من مباشرة الحج بنفسه ، فالمريض أو الهرم ـ اي كبير السن ـ الذي لا يتمكن من أداء الحج إلى آخر عمره ، أو كانت مباشرته لأداء الحج موجبةً لوقوعه في حرج شديد لا يتحمل عادة لا يجب عليه الحج بنفسه.

2 ـ تخلية السرب : ويقصد بها ان يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً ، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى اماكن أداء المناسك ، وكذلك لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض والا لم يجب الحج.

وإذا كان طريق الحج مغلقاً أو غير مأمون الا لمن يدفع مبلغاً من المال فان كان بذله مُجحِفاً بحال الشخص لم يجب عليه ذلك والا وجب وان كان المبلغ معتداً به.

٢٢١

3 ـ النفقة ، ويقصد بها كل ما يحتاج اليه في سفر الحج من تكاليف الذهاب والاياب ـ أو الذهاب فقط لمن لا يريد الرجوع إلى بلده ـ وأجور المسكن وما يصرف خلال ذلك من المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

4 ـ الرجوع إلى الكفاية ، وهو ان يتمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته بحيث لا يحتاج إلى التكفف ولا يقع في الشدة والحرج بسبب الخروج إلى الحج وصرف ما عنده من المال في سبيله.

5 ـ السعة في الوقت ، بان يكون له متسع من الوقت للسفر إلى الأماكن المقدسة واداء مناسك الحج فلو حصل له المال الكافي لأداء الحج في وقت متأخر لا يتسع لتهيئة متطلبات السفر إلى الحج ـ من تحصيل الجواز والتأشيرة ونحو ذلك ـ أو كان يمكن ذلك ولكن بحرج ومشقة شديدة لا تتحمل عادة ففي هذه الحالة لا يجب عليه الحج في هذا العام ، وعليه أن يحتفظ بماله لأداء الحج في عام لاحق إذا كان محرزاً تمكنه من ذلك من دون عوائق اخرى وكان التصرف فيه يخرجه عن الاستطاعة بحيث لا يتيسر له التدارك ، واما مع عدم احراز التمكن من الذهاب لاحقاً أو تيسر تدارك المال فلا بأس بصرفه وعدم التحفظ عليه.

( مسألة 524 ) : إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج ولكنه كان مديناً بدين مستوعب لما عنده من المال أو كالمستوعب بان لم يكن وافياً لنفقاته لو اقتطع منه مقدار الدين ـ لم يجب عليه الحج ، الا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً كخمسين سنة مثلاً.

( مسألة 525 ) : إذا وجب عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرها من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها ولم يجز له تأخيرها لأجل السفر إلى

٢٢٢

الحج ، ولو كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطوف من المال الذي تعلق به الخمس أو نحوه من الحقوق لم يصحا على الأحوط لزوماً ، ولو كان ثمن هدية من ذلك المال لم يجزئه إلاّ إذا كان الشراء بثمن في الذمة والوفاء من ذلك المال.

( مسألة 526 ) : تجب الاستنابة في الحج اي ارسال شخص للحج عن غيره في حالات ثلاث :

أ ـ إذا كان الشخص قادراً على تأمين نفقة الحج ولكنه كان في حال لا يمكنه معها فعل الحج لمرض ونحوه.

ب ـ إذا كان متمكناً من ادائه بنفسه فتسامح ولم يحج حتى ضعف عن الحج وعجز عنه بحيث لا يأمل التمكن منه لاحقاً.

ج ـ إذا كان متمكناً من أداء الحج ولم يحج حتى مات فيجب ان يستأجر من تركته من يحج عنه.

( مسألة 527 ) : الحج على ثلاثة أنواع : حج التمتع ، وحج الافراد ، وحج القران ، والأول هو وظيفة كل من كان محل سكناه يبعد عن مكة المكرمة اكثر من ثمانية وثمانين كيلومترا ، والآخران وظيفة من كان من اهل مكة أو من كانت المسافة بين محل سكناه ومكة اقل من المقدار المذكور كالمقيمين في جدة.

( مسألة 528 ) : يتألف حج التمتع من عبادتين الأولى ( العمرة ) والثانية ( الحج ) وتجب في عمرة التمتع خمسة أمور حسب الترتيب الآتي :

1 ـ الإحرام بالتلبية.

٢٢٣

2 ـ الطواف حول الكعبة المعظمة سبع مرات.

3 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

4 ـ السعي بين الصفا والمروة سبع مرات.

5 ـ التقصير بقص شيء من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب.

ويجب في حج التمتع ثلاثة عشر أمراً :

1 ـ الاحرام بالتلبية.

2 ـ الوقوف في عرفات يوم التاسع من ذي الحجة من زوال الشمس إلى غروبها.

3 ـ الوقوف في المزدلفة مقداراً من ليلة العيد إلى طلوع الشمس.

4 ـ رمي جمرة العقبة يوم العيد سبع حصيات.

5 ـ الذبح والنحر في يوم العيد أو فيما بعده إلى آخر أيام التشريق في منى.

6 ـ حلق شعر الرأس او التقصير في منى.

7 ـ الطواف بالبيت طواف الحج.

8 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

9 ـ الطواف بالبيت طواف النساء.

11 ـ صلاة طواف النساء.

12 ـ المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

٢٢٤

( مسألة 529 ) : يتألف حج الافراد من الامور الثلاثة عشر المذكور لحج التمتع باستثناء ( الذبح والنحر ) فانه ليس من اعماله ، كما يشترك حج القرآن مع حج الافراد في جميع الأعمال باستثناء أن المكلف يصحب معه الهدي وقت احرامه لحج القران ، وبذلك يجب الهدي عليه ، والاحرام له كما يصح ان يكون بالتلبية يصح ان يكون بالإشعار والتقليد.

ثم ان من تكون وظيفته حج الافراد أو حج القران يجب عليه أداء العمرة المفردة ايضاً إذا تمكن منها بل إذا تمكن منها ولم يتمكن من الحج وجب عليه اداؤها ، وإذا تمكن منهما معاً في وقت واحد فالأحوط لزوماً تقديم الحج على العمرة المفردة.

وتشترك عمرة المفردة مع عمرة التمتع في الامور الخمسة المذكورة ويضاف اليها : الطواف بالبيت طواف النساء وصلاة هذا الطواف خلف مقام إبراهيم ويتخير الرجل فيها بين التقصير والحلق ولا يتعين عليه التقصير كما في عمرة التمتع.

( مسألة 530 ) : كل واحد من افعال العمرة والحج ـ باقسامهما المذكورة ـ عمل عبادي لا بد من ادائه تخضعاً لله تعالى ، ولها الكثير من الخصوصيات والاحكام مما تكفلت لبيانها رسالة ( مناسك الحج ) فعلى من يروم ادائها ان يتعلم احكامها بصورة وافية لئلا يخالف وظيفته فينقص أو يبطل حجّه أو عمرته.

٢٢٥

٢٢٦

( أحكام زكاة المال )

الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدّس بها ، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في غير واحد من الآيات الكريمة ، وهي احدى الخمس التي بني عليها الإسلام ، وقد ورد أن الصلاة لا تقبل من مانعها ، وإنَّ من منع قيراطاً من الزكاة فليمت ان شاء يهودياً أو نصرانياً ، وهي على قسمين : زكاة الأموال ، وزكاة الأبدان ( زكاة الفطرة ) وسيأتي بيان القسم الثاني بعد ذلك.

( مسألة 531 ) : تجب الزكاة في اربعة اشياء :

(1) في الأنعام : الغنم بقسميها المعز والضأن ، والإبل ، والبقر ومنه الجاموس.

(2) في النقدين : الذهب والفضة.

(3) في الغلاّت : الحنطة والشعير ، والتمر والزبيب.

(4) في مال التجارة على ـ الأحوط وجوباً ـ.

ويعتبر في وجوبها في الجميع أمران :

( الأوّل ) : الملكية الشخصية ، فلا تجب في الأوقاف العامة ، ولا في المال الذي أوصى بان يصرف في التعازي أو المساجد ، أو المدارس ونحوها.

( الثاني ) : ان لا يكون محبوساً عن مالكه شرعاً ، فلا تجب الزكاة في الوقف الخاص ، والمرهون وما تعلق به حق الغرماء ، وأما المنذور التصدق به فتجب فيه الزكاة ولكن يلزم اداؤها من مال آخر لكي لا ينافي الوفاء بالنذر.

٢٢٧

( زكاة الحيوان )

( مسألة 532 ) : يشترط في وجوب الزكاة في الأنعام أمور : فلا تجب بفقدان شيء منها :

(1) استقرار الملكية في مجموع الحول ، فلو خرجت عن ملك مالكها اثناء الحول لم تجب فيها الزكاة ، والمراد بالحول هنا مضي احد عشر شهراً والدخول في الشهر الثاني عشر ـ وان كان الحول الثاني يبدأ من بعد انتهائه ـ وابتداء السنة فيها من حين تملّكها وفي نتاجها من حين ولادتها.

(2) تمكّن المالك ، أو وليّه من التصرف فيها في تمام الحول ، فلو غصبت أو ضلت ، أو سرقت فترة يعتد بها عرفاً لم تجب الزكاة فيها.

(3) السوم ، فلو كانت معلوفة ـ ولو في بعض السنة ـ لم تجب فيها الزكاة ، نعم لا يقدح في صدق السوم علفها قليلاً ، والعبرة فيه بالصدق العرفي ، وتحسب مدة رضاع النتاج من الحول وان لم تكن امهاتها سائمة.

(4) بلوغها حد النصاب ، وسيأتي بيانه.

( مسألة 533 ) : صدق السائمة على ما رعت من الأرض المستأجرة ، او المشتراة للرعي محل اشكال ، فثبوت الزكاة فيها مبني على ـ الاحتياط اللزومي ـ.

( مسألة 534 ) : لا يشترط في وجوب الزكاة في البقر والإبل زائداً على كونها سائمة ان لا تكون عوامل على ـ الأحوط لزوماً ـ فلو استعملت في

٢٢٨

السقي ، أو الحرث ، أو الحمل ، أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط باخراج زكاتها ، وإذا كان استعمالها من القلة بحد يصدق عليها انها فارغة ـ وليست بعوامل ـ وجبت فيها الزكاة بلا اشكال.

( مسألة 535 ) : في الغنم خمسة نصب :

(1) اربعون ، وفيها شاة.

(2) مائة واحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

(3) مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) ثلاثمائة وواحدة ، وفيها اربع شياه.

(5) اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة ، وما بين النصابين في حكم النصاب السابق ـ والأحوط لزوماً ـ في الشاة المخرجة زكاة ان تكون داخلة في السنة الثالثة ان كانت معزاً ، وان تكون داخلة في السنة الثانية ان كانت ضأناً.

( مسألة 536 ) : في الإبل اثنا عشر نصاباً :

(1) خمس ، وفيها شاة.

(2) عشرة ، وفيها شاتان.

(3) خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) عشرون ، وفيها اربع شياه.

(5) خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

(6) ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

(7) ست وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

٢٢٩

(8) ست واربعون ، وفيها حقة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

(9) احدى وستون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

(10) ست وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

(11) احدى وتسعون وفيها حقتان.

(12) مائة واحدى وعشرون فصاعداً ، وفيها حقة لكل خمسين ، وبنت لبون لكل اربعين ، بمعنى انه يتعين عدها بالأربعين اذا كان عادَّاً لها بحيث اذا حسبت به لم تكن زيادة ولا نقيصة ، كما اذا كانت مائة وستين رأساً ، ويتعين عدها بالخمسين اذا كان عاداً لها ـ بالمعنى المتقدم ـ كما اذا كانت مائة وخمسين رأساً ، وان كان كل من الأربعين والخمسين عاداً كما اذا كانت مأتي رأس تخير المالك في العدّ بأيّ منهما ، وان كانا معاً عادين لها وجب العد بهما كذلك كما اذا كانت مأتين وستين رأساً فيحسب خمسينين واربع اربعينات.

( مسألة 537 ) : في البقر نصابان :

(1) ثلاثون ، وزكاتها ما دخل منها في السنة الثانية ـ والأحوط لزوماً ـ ان يكون ذكراً.

(2) اربعون ، وزكاتها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفي ما زاد على اربعين يعد بثلاثين أو أربعين على التفصيل المتقدم ، وما بين النصابين في البقر والإبل في حكم النصاب السابق كما تقدم في الغنم.

( مسألة 538 ) : اذا تولى المالك اخراج زكاة ماله لم يجز له اخراج المريض زكاة اذا كان جميع النصاب في الانعام صحاحاً ، كما لا يجوز له

٢٣٠

اخراج المعيب اذا كان النصاب باجمعه سليماً ، وكذلك لا يجوز له اخراج الهرم اذا كان كان الجميع شباباً ، بل الأمر كذلك مع الاختلاف على ـ الأحوط لزوماً ـ نعم إذا كان جميع افراد النصاب مريضاً ، أو معيباً أو هرماً جاز له الإخراج منها.

( مسألة 539 ) : اذا ملك من الأنعام بمقدار النصاب ثم ملك مقداراً آخر بنتاج او شراء او غير ذلك ، ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون ملكه الجديد بعد تمام الحول لما ملّكه أولاً ، ففي هذه الصورة يبتدئ الحول للمجموع ، مثلاً إذا كان عنده من الابل خمس وعشرون ، وبعد انتهاء الحول ملك واحدة فحينئذٍ يبتدئ الحول لست وعشرين.

( الثانية ) : ان يكون ملكه الجديد اثناء الحول ، وكان هو بنفسه بمقدار النصاب ، ففي هذه الصورة لا ينضم الجديد إلى الملك الأوّل ، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده ـ وان كان الملك الجديد مكملاً للنصاب اللاحق على الأحوط لزوماً ـ ، فإذا كان عنده خمس من الابل فملك خمساً اخرى بعد مضي ستة اشهر ، لزم عليه اخراج شاة عند تمام السنة الأولى ، واخراج شاة اخرى عند تمام السنة من حين تملكه الخمس الاُخرى ، واذا كان عنده عشرون من الابل وملك ستة في اثناء حولها فالأحوط لزوماً ان يعتبر للعشرين حولاً وللستة حولاً آخر ويدفع على رأس كل حول فريضته.

( الثالثة ) : ان يكون ملكه الجديد مكملا للنصاب اللاحق ولا يعتبر نصاباً مستقلاً ، ففي هذه الصورة يجب اخراج الزكاة للنصاب الأوّل عند انتهاء سنته ، وبعده يضم الجديد الى السابق ، ويعتبر لهما حولا واحداً ، فاذا ملك ثلاثين من البقر ، وفي اثناء الحول ملك احد عشر رأساً من البقر

٢٣١

وجب عليه ـ بعد انتهاء الحول ـ اخراج الزكاة للثلاثين ويبتدئ الحول للاربعين.

( الرابعة ) : ان لا يكون ملكه الجديد نصاباً مستقلاً ولا مكملاً للنصاب اللاحق ، ففي هذه الصورة لا يجب عليه شيء لملكه الجديد ، وان كان هو بنفسه نصاباً لو فرض انه لم يكن مالكاً للنصاب السابق ، فاذا ملك اربعين رأساً من الغنم ثم ملك اثناء الحول اربعين غيرها لم يجب شيء في ملكه ثانياً ما لم يصل إلى النصاب الثاني.

( مسألة 540 ) : إذا كان مالكاً للنصاب لا أزيد ـ كاربعين شاة مثلاً ـ فحال عليه ، احوال فان اخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، وان اخرجها منه أو لم يخرجها اصلاً لم تجب الا زكاة سنة واحدة ، ولو كان عنده ازيد من النصاب ـ كأن كان عنده خمسون شاة ـ وحال عليه احوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى ان ينقص عن النصاب.

( مسألة 541 ) : لا يجب اخراج الزكاة من شخص الأنعام التي تعلقت الزكاة بها ، فلو ملك من الغنم اربعين جاز له ان يعطي شاة من غيرها زكاة.

٢٣٢

( زكاة النقدين )

يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة أمور :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا تجب الزكاة في النقدين من اموال الصبي والمجنون.

( الثاني ) : بلوغ النصاب ، ولكل منهما نصابان ، ولا زكاة فيما لم يبلغ النصاب الأوّل منهما ، وما بين النصابين بحكم النصاب السابق ، فنصابا الذهب : خمسة عشر مثقالاً صيرفياً ، ثم ثلاثة فثلاثة ، ونصابا الفضة : مائة وخمسة مثاقيل ، ثم واحد وعشرون ، فواحد وعشرون مثقالاً وهكذا ، والمقدار الواجب اخراجه في كل منهما ربع العشر ( 2.5%).

( الثالث ) : ان يكونا من المسكوكات النقدية التي يتداول التعامل بها سواء في ذلك السكة الاسلامية وغيرها ، فلا تجب الزكاة في سبائك الذهب والفضة ، والحلي المتخذة منهما ، وفي غير ذلك مما لا يكون مسكوكاً او يكون من المسكوكات القديمة الخارجة عن رواج المعاملة.

وبذلك يعلم انه لا موضوع لزكاة الذهب والفضة في العصر الحاضر الذي لا يتداول فيه التعامل بالعملات النقدية الذهبية والفضية.

( الرابع ) : مضي الحول ، بان يبقى في ملك مالكه واجداً للشروط تمام الحول ، فلو خرج عن ملكه اثناء الحول ، أو نقص عن النصاب ، او الغيت سكته ـ ولو بجعله سبيكة ـ لم تجب الزكاة فيه ، نعم لو ابدل الذهب

٢٣٣

المسكوك بمثله ، أو بالفضة المسكوكة ، أو ابدل الفضة المسكوكة بمثلها ، أو بالذهب المسكوك كلاً أو بعضاً بقصد الفرار من الزكاة وبقي واجداً لسائر الشرائط الى تمام الحول فلا يترك الاحتياط باخراج زكاته حينئذٍ ، ويتم الحول بمضي احد عشر شهراً ، ودخول الشهر الثاني عشر.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول ، فلا تجب الزكاة في المغصوب والمسروق ، والمال الضائع فترة يعتد بها عرفاً.

٢٣٤

( زكاة الغلات الأربع )

يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات الأربع أمران :

( الأوّل : بلوغ النصاب ) ولها نصاب واحد وهو ثلاثمائة صاع ، وهذا يقارب ـ فيما قيل ـ ثمانمائة وسبعة واربعين كيلو غراماً(1) ، ولا تجب الزكاة في ما لم يبلغ النصاب ، فاذا بلغه وجبت فيه وفي ما يزيد عليه ، وان كان الزائد قليلاً.

( الثاني : الملكية حال تعلق الزكاة بها ) فلا زكاة فيها اذا تملكها الانسان بعد تعلق الزكاة بها.

( مسألة 542 ) : تتعلق الزكاة بالغلات حينما يصدق عليها اسم الحنطة

__________________

(1) ان نصاب الغلات قد حدد في النصوص الشرعية بالمكاييل التي كانت متداولة في العصور السابقة ولا تعرف مقاديرها اليوم بحسب المكاييل السائدة في هذا العصر ، كما لا يمكن تطبيق الكيل على الوزن بضابط عام يطرد في جميع انواع الغلات لانها تختلف خفة وثقلاً بحسب طبيعتها ولعوامل اُخرى ، فالشعير اخف وزناً من الحنطة بكثير كما ان ما يستوعبه المكيال من التمر غير المكبوس أقل وزناً مما يستوعبه من الحنطة لاختلاف افرادهما في الحجم والشكل مما تجعل الخلل والفُرَج الواقعة بين أفراد التمر ازيد منها بين افراد الحنطة ، بل ان نفس افراد النوع الواحد تختلف في الوزن بحسب اختلافها في الصنف وفي نسبة ما تحملها من الرطوبة ، ولذلك لا سبيل إلى تحديد النصاب بوزن موحد لجميع الانواع والاصناف ، ولكن الذي يسهل الأمر ان المكلف اذا لم يحرز بلوغ ما ملكه من الغلة حد النصاب لا يجب عليه اخراج الزكاة منه ومع كونه بالمقدار المذكور في المتن يقطع ببلوغه النصاب على جميع التقادير والمحتملات.

٢٣٥

أو الشعير ، أو التمر أو العنب ، إلاّ أن المناط في اعتبار النصاب بلوغها حده بعد يبسها ، حين تصفية الحنطة والشعير من التبن ، واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فاذا كانت الغلة حينما يصدق عليها احد هذه العناوين بحد النصاب ، ولكنها لا تبلغه حينذاك لجفافها لم تجب الزكاة فيها.

( مسألة 543 ) : لا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بُسراً ( خلالاً ) أو رطباً وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمراً ، وأمّا ما يؤكل ويصرف من ثمر الكرم عنباً فيجب إخراج زكاته لو كان بحيث لو بقي وصار زبيباً لبلغ حد النصاب.

( مسألة 544 ) : لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلاّ مرة واحدة ، فاذا ادى زكاتها لم تجب في السنة الثانية ، ولا يشترط فيها الحول المعتبر في النقدين والأنعام.

( مسألة 545 ) : يختلف مقدار الزكاة في الغلات باختلاف الصور الآتية :

( الأولى ) : ان يكون سقيها بالمطر ، أو بماء النهر ، أو بمصّ عروقها الماء من الأرض ونحو ذلك مما لا يحتاج السقي فيه إلى العلاج ، ففي هذه الصورة يجب اخراج عشرها ( 10% ) زكاة.

( الثانية ) : ان يكون سقيها بالدلو والرشا ، والدوالي والمضخات ونحو ذلك ، ففي هذه الصورة يجب اخراج نصف العشر ( 5% ).

( الثالثة ) : ان يكون سقيها بالمطر أو نحوه تارة ، وبالدلو أو نحوه تارة اُخرى ، ولكن كان الغالب احدهما بحد يصدق عرفاً انه سقي به ، ولا يعتد بالآخر ، ففي هذه الصورة يجري عليه حكم الغالب.

٢٣٦

( الرابعة ) : ان يكون سقيها بالأمرين على نحو الاشتراك ، بان لا يزيد احدهما على الآخر ، أو كانت الزيادة على نحو لا يسقط بها الآخر عن الاعتبار ، ففي هذه الصورة يجب اخراج ثلاثة ارباع العشر ( 7.5% ).

( مسألة 546 ) : المدار في التفصيل المتقدم في الثمرة عليها لا على شجرتها ، فاذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء مثلا فلما بلغ اوان اثمارها صار يمص ماء النزيز بعروقه وجب فيه العشر 10%.

( مسألة 547 ) : إذا زرع الأرض حنطة ـ مثلاً ـ وسقاها بالمضخات أو نحوها ، فتسرّب الماء إلى ارض مجاورة فزرعها شعيراً فمصّ الماء بعروقه ولم يحتج الى سقي آخر فمقدار الزكاة في الزرع الأوّل 5% وفي الزرع الثاني 10% على ـ الأحوط لزوماً ـ ومثل ذلك ما إذا زرع الأرض وسقاها بعلاج ثم حصده وزرع مكانه شعيراً مثلا فمصّ الماء المتخلف في الأرض ولم يحتج الى سقي جديد فان ـ الأحوط لزوماً ـ ثبوت الزكاة فيه بنسبة 10%.

( مسألة 548 ) : لا يعتبر في بلوغ الغلات حدّ النصاب استثناء ما صرفه المالك في المؤن قبل تعلق الزكاة وبعده ، فلو كان الحاصل يبلغ حد النصاب ولكنه إذا وضعت المؤن لم يبلغه وجبت الزكاة فيه ، بل الأحوط لزوماً إخراج الزكاة من مجموع الحاصل من دون وضع المؤن ، نعم ما تأخذه الحكومة من اعيان الغلات لا تجب زكاته على المالك.

( مسألة 549 ) : اذا تعلقت الزكاة بالغلات لا يتعين على المالك تحمل مؤونتها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء ، فان له المخرج عن ذلك بان يسلمها الى مستحقها ، أو الحاكم الشرعي وهي على الساق ، أو على الشجر ثم يشترك معه في المؤن.

( مسألة 550 ) : لا يعتبر في وجوب الزكاة أن تكون الغلة في مكان

٢٣٧

واحد ، فلو كان له نخيل أو زرع في بلد لم يبلغ حاصله حد النصاب ، وكان له مثل ذلك في بلد آخر ، وبلغ مجموع الحاصلين في سنة حد النصاب وجبت الزكاة فيه.

( مسألة 551 ) : إذا ملك شيئاً من الغلات وتعلقت به الزكاة ثم مات وجب على الورثة إخراجها ، وإذا مات قبل تعلقها به انتقل المال باجمعه الى الورثة ، فمن بلغ نصيبه حد النصاب ـ حين تعلق الزكاة به ـ وجبت عليه ، ومن لم يبلغ نصيبه حده لم تجب عليه.

( مسألة 552 ) : من ملك نوعين من غلة واحدة كالحنطة الجيدة والرديئة ، جاز له اخراج الزكاة منهما مراعياً للنسبة ، ولا يجوز اخراج تمامها من القسم الرديء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 553 ) : إذا اشترك اثنان أو أكثر في غلة ـ كما في المزارعة وغيرها ـ لم يكف في وجوب الزكاة بلوغ مجموع الحاصل حد النصاب ، بل يختص الوجوب بمن بلغ نصيبه حده.

٢٣٨

( زكاة مال التجارة )

وهو المال الذي يتملكه الشخص بعقد المعاوضة قاصداً به الاكتساب والاسترباح ، فيجب ـ على الأحوط ـ أداء زكاته ، وهي ربع العشر ( 2.5% ) مع استجماع الشرائط التالية :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل.

( الثاني ) : بلوغ المال حد النصاب وهو نصاب احد النقدين المتقدم في ص (233).

( الثالث ) : مُضيِّ الحول عليه بعينه من حين قصد الاسترباح.

( الرابع ) : بقاء قصد الاسترباح طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية ، أو الصرف في المؤونة مثلاً في الأثناء لم تجب فيه الزكاة.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول.

( السادس ) : ان يطلب برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول ، فلو طلب بنقيصة اثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

٢٣٩

( من أحكام الزكاة )

يجب قصد القربة في أداء الزكاة حين تسليمها الى المستحق ، أو الحاكم الشرعي ، أو العامل المنصوب من قبله ، أو الوكيل في ايصالها الى المستحق ـ والأحوط استحباباً ـ استمرار النية حتى يوصلها الوكيل ، وان ادى قاصداً به الزكاة من دون قصد القربة فالأظهر تعيّنه واجزاؤه وإن أثم ، والأولى تسليم الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليصرفها في مصارفها.

( مسألة 554 ) : لا يجب اخراج الزكاة من عين ما تعلقت به فيجوز اعطاء قيمتها من النقود ، دون غيرها على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 555 ) : من كان له على الفقير دين جاز له ان يحتسبه زكاة ، سواء في ذلك موت المديون وحياته ، نعم يعتبر في المديون الميت ان لا تفي تركته باداء دينه ، أو يمتنع الورثة عن ادائه ، او يتعذر استيفاؤه لسبب آخر.

( مسألة 556 ) : يجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلامه بالحال.

( مسألة 557 ) : إذا أدى الزكاة الى من يعتقد كونه مصرفاً لها ثم انكشف خلافه استردها إذا كانت عينها باقية ، وكان له استرداد بدلها إذا تلفت العين وقد علم الآخذ ان ما اخذه زكاة ، وأما إذا لم يكن الآخذ عالماً بذلك فلا ضمان عليه ، ويجب على المالك حينئذٍ وعند عدم امكان الاسترداد في الصورة الأولى اخراج بدلها ، نعم اذا كان أداؤه بعد الفحص

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579