تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد10%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103977 / تحميل: 10584
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

فواتح السور:

افتُتحت خمس سور من القرآن بقوله تعالى: ( الحمد لله... ) :

١ - سورة الفاتحة ( الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ... ) .

٢ - سورة الأنعام ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ... ) .

٣ - سورة الكهف ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ... ) .

٤ - سورة سبأ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ... ) .

٥ - سورة فاطر ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ... ) .

كان الحمد والثناء لله - جلّ جلاله - في سورة الفاتحة عامّاً وعلى جميع نعمه وآلائه تعالى وأنّه ربّ العالمين وأنّه الرحمن الرحيم وأنّه مالك يوم الدين، فكان على جماع صفاته تعالى ونعوته في الآخرة والأُولى.

أمّا الحمد - في باقي السور - فكان على جانب من جوانب عظمته تعالى وعلى شطر خطير من نعمه وآلائه، وان كان الجميع خطيراً.

ففي سورة الأنعام على خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور.

وفي سورة الكهف على إنزال الكتاب.

وفي سورة سبأ على ملكه السماوات والأرض.

وفي سورة فاطر على فَطرهما وخلقهما.

قال الجويني: لأنّ الفاتحة أُمّ الكتاب ومطلعه، فناسب الإتيان بأبلغ الصفات وأعمّ النعوت وأشمل الثناء (١) .

نعم، كانت البدأة بحمده تعالى وكذا بتسبيحه جلّ ثناؤه هي إثارة لعواطف

____________________

(١) أنوار الربيع: ج١ ص٥٥.

٣٠١

الإنسان نحو مطلع الخير، وتوجيه له إلى مبدأ الفيوض، الذي منه الوجود ومنه الحياة ومنه البركات، وهذا هو الجلال والعظمة والبهاء، تكلّل به الكلام في بدء طلوعه، وتجلّل به البيان من مشرق بزوغه، فما أحسنه في مفتتح المقال، وأجمله في وصف الكمال.

* * *

والسور المسبّحات سبع أو تزيد إلى تسع لو جعلنا التبارك تسبيحاً كما هو الراجح:

١ - سورة الإسراء ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ... ) .

٢ - سورة الفرقان ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ... ) .

٣ - سورة الحديد ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ... ) .

٤ - سورة الحشر ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ... ) .

٥ - سورة الصف ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ... ) .

٦ - سورة الجمعة ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ... ) .

٧ - سورة التغابن ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ... ) .

٨ - سورة الملك ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ... ) .

٩ - سورة الأعلى ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى... ) .

* * *

والمفتتحة بالحروف المقطّعات تسع وعشرون سورة، ويجدر بالذكر أنّ في غالبيّتها كان تعقيب هذه الحروف بذِكر الكتاب وإكبار شأنه وبيان عظيم قدره، وهي ثلاث وعشرون سورة:

١ - البقرة ( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ... ) .

٢ - الأعراف ( المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ... ) .

٣ - يونس ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ... ) .

٣٠٢

٤ - هود ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ... ) .

٥ - يوسف ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ... ) .

٦ - الرعد ( المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ... ) .

٧ - إبراهيم ( الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ... ) .

٨ - الحجر ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ... ) .

٩ - الشعراء ( طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ... ) .

١٠ - النمل ( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ... ) .

١١ - القصص ( طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ... ) .

١٢ - لقمان ( الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ... ) .

١٣ - السجدة ( الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ... ) .

١٤ - يس ( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ... ) .

١٥ - ص ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ... ) .

١٦ - غافر ( حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ... ) .

١٧ - فصّلت ( حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ... ) .

١٨ - الشورى ( حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ... ) .

١٩ - الزخرف ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ... ) .

٢٠ - الدخان ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ... ) .

٢١ - الجاثية ( حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ... ) .

٢٢ - الأحقاف ( حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ... ) .

٢٣ - ق ( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ... ) .

والستة الباقية تعقّبت بذلك جلائل آياته تعالى وعظيم قدرته وإحاطته:

٢٤ - آل عمران ( الم * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ... ) .

٢٥ - مريم ( كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا... ) .

٣٠٣

٢٦ - طه ( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى... ) .

٢٧ - العنكبوت ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ... ) .

٢٨ - الروم ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ... ) .

٢٩ - القلم ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ... ) .

* * *

والبدأة بالخطاب المشافه إكبار بشأن المخاطبين وإجلال لهم، ويبعث على إصغائهم له والاستماع إلى كلامه، احتراماً متقابلاً، اقتضاءً لأدب المحاورة في الكلام، وكان الخطاب بهذا العموم ممّا يُنبئ عن نبأ عظيم يريد المتكلّم إلقاء على مسامع الحاضرين في عناية ورعاية بالغتين، ومِن ثَمّ يسترعي انتباههم:

إمّا بتوجيه الخطاب إلى عامّة المكلّفين (الناس كافة) على تعاقب الدهور، ففي مفتتح سورتين:

١ - سورة النساء ( يَا أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ... ) .

٢ - سورة الحج ( يَا أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ... ) .

* * *

أو خطاباً مع الذين آمنوا (كافة من آمن في الأرض) أو سيولد مؤمناً على مدى الأحقاب، وهنّ ثلاث سور:

١ - سورة المائدة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ... ) .

٢ - سورة الحجرات ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... ) .

٣ - سورة الممتحنة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ... ) .

* * *

أو خطاباً مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) خاصّة، إمّا بسِمته أو بصفته، وهنّ خمس سور - لو

٣٠٤

اعتُبرنا من حروف (طه) و(يس) أيضاً حروف مقطّعات كما هو الأرجح -:

١ - الأحزاب ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ... ) .

٢ - الطلاق ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ... ) .

٣ - التحريم ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ... ) .

٤ - المزّمّل ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ... ) .

٥ - المدّثّر ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ... ) .

أو هو خطاب بغير حرف نداء، إمّا مبدوّة بـ (قل) وهنّ خمس سور:

١ - سورة الجنّ ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ... ) .

٢ - سورة الكافرون ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ... ) .

٣ - سورة الإخلاص ( قلْ هو اللّهُ أَحد... ) .

٤ - سورة الفلق ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ... ) .

٥ - سورة الناس ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ... ) .

أو بغيره من سائر أنحاء الخطاب، في أربع عشرة سورة:

١ - الأنفال ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ... ) .

٢ - الفتح ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً... ) .

٣ - المجادلة ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ... ) .

٤ - المنافقون ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ... ) .

٥ - الحاقّة ( الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ... ) .

٦ - الطارق ( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ... ) .

٧ - الغاشية ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ... ) .

٨ - الانشراح ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ... ) .

٩ - العلق ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... ) .

١٠ - القارعة ( الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ... ) .

٣٠٥

١١ - الفيل ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ... ) .

١٢ - الماعون ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ... ) .

١٣ - الكوثر ( إنّا أعطيناكَ الكوثرَ... ) .

١٤ - النصر ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ... ) .

* * *

والسور الباقيات إمّا مفتتحة بالقَسَم الخطير تفخيماً بشأن الكلام، أو بالتهديد المرير تهويلاً بشدّة الموقف وصلابته.

وكان سور (يس) و(الزخرف) و(الدخّان) و(ق) و(القلم) مبتدئات بالقَسَم، وتَقدّمن، وكذا سورة الطارق، على ما عرفت، والباقي ست عشرة سورة:

١ - الصافّات ( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا... ) .

٢ - الذاريات ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً... ) .

٣ - الطور ( وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ... ) .

٤ - النجم ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى... ) .

٥ - القيامة ( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ... ) .

٦ - المرسلات ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً... ) .

٧ - النازعات ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً... ) .

٨ - البروج ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ... ) .

٩ - الفجر ( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ... ) .

١٠ - البلد ( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ... ) .

١١ - الشمس ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا... ) .

١٢ - الليل ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى... ) .

١٣ - الضحى ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى... ) .

١٤ - التين ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ... ) .

٣٠٦

١٥ - العاديات ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً... ) .

١٦ - العصر ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ... ) .

* * *

والمبدوّة بالتهديد المهول تسع عشرة سورة:

١ - سورة براءة ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... ) .

٢ - سورة النحل ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ... ) .

٣ - سورة الأنبياء ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ... ) .

٤ - سورة محمّد ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ... ) .

٥ - سورة القمر ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ... ) .

٦ - سورة الواقعة ( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ... ) .

٧ - سورة المعارج ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ... ) .

٨ - سورة الدهر ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ... ) .

٩ - سورة النبأ ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ... ) .

١٠ - سورة عبس ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى... ) .

١١ - سورة التكوير ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ... ) .

١٢ - سورة الانفطار ( إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ... ) .

١٣ - سورة المطفّفين ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ... ) .

١٤ - سورة الانشقاق ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ... ) .

١٥ - سورة البيّنة ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا... مُنْفَكِّينَ... ) .

١٦ - سورة الزلزال ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا... ) .

١٧ - سورة التكاثر ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ... ) .

١٨ - سورة الهمزة ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ... ) .

١٩ - سورة تبّت ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ... ) .

٣٠٧

والبقية الباقية سبع سور افتُتحت بسوى ما تقدّم، لكنّها على نفس النمط، إمّا إكبار بشأن الإيمان، أو إشادة بموضع القرآن، أو تفخيم بمواقف الأنبياء العظام، أو تقريع لمَن عاند ولجّ في رفض دعوة الإسلام، وهُنّ:

١ - سورة المؤمنون ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ... ) .

٢ - سورة النور ( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا... ) .

٣ - سورة الزمر ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ... ) .

٤ - سورة الرحمن ( الرّحمنُ * علّمَ القرآنَ... ) .

٥ - سورة نوح ( إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ... ) .

٦ - سورة القدر ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ... ) .

٧ - سورة قريش ( لاِيلاَفِ قُرَيشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هذَا الْبَيْتِ ) .

( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) :

نقل الزركشي عن أبي شامة شهاب الدين المقدسي (توفي سنة ٦٦٥ هـ) في مفتتحات السور أنّها على عشرة أنواع:

١ - الافتتاح بالثناء عليه تعالى ، إمّا تمجيداً أو تنزيهاً، في أربع عشرة سورة، سبعاً تمجيد، هي: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر، والفرقان، والملك.

وسبعاً تنزيه، وهي: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والأعلى، والجمعة، والتغابّن.

٢ - الحروف المقطّعات في تسع وعشرين سورة ، على ما سبق تفصيله.

٣ - حرف النداء، إمّا خطاباً للناس، أو المؤمنين، أو النبي خاصّة ، والمجموع عشر سور، وقد سبقت.

٣٠٨

٤ - القَسَم، في خمس عشرة سورة إن لم نعدّ ( لا أُقسِمُ ) يميناً، وإلاّ فهي سبع عشرة، وقد سبق ذلك.

٥ - الدعاء في ثلاث سور : المطفّفين، والهمزة، وتبّت.

٦ - الأمر في ستّ سور : الجن، والعلق، والكافرون، والتوحيد والمعوّذتان.

٧ - الاستفهام في ستّ سور : الدهر، والنبأ، والغاشية، والانشراح، والفيل، والدِّين.

٨ - الشرط في سبع سور : الواقعة، والمنافقون، والتكوير، والانفطار، والانشقاق، والزلزال، والنصر.

٩ - التعليل في (قريش) .

١٠ - الخبر المحض في ثلاث وعشرين سورة، وهي السور الباقية (١) .

حسن الختام

في خواتيم السور

قال ابن أبي الإصبع: يجب على المتكلم أن يختم كلامه بأحسن خاتمة، فإنّها آخر ما يبقى في الأسماع، ولأنّها ربّما حفظت من دون سائر الكلام في غالب الأحوال، فيجب أن يجتهد في رشاقتها ونضجها وحلاوتها وجزالتها (٢) .

وقال غيره: ينبغي أن يكون آخر الكلام الذي يقف عليه الخطيب أو المترسّل أو الشاعر مستعذباً حسناً، وأحسنه ما أذن بانتهاء الكلام، حتى لا يبقى للنفس تشوّفٌ إلى ما وراءه.

قال ابن معصوم: وهذا رابع المواضع التي نصّ أئمة البلاغة على التأنّق فيه؛ لأنّه آخر ما يقرع السمع ويرتسم في النفس، وربّما حفظ لقرب العهدية، فإن كان

____________________

(١) البرهان: ج١ ص١٦٤ - ١٨١، الإتقان: ج٣ ص٣١٦ - ٣١٩، معترك الأقران: ج١ ص٧٩ - ٨٢.

(٢) بديع القرآن: ص٣٤٣.

٣٠٩

مختاراً حسناً تلقّاه السمع واستلذّه، ولربّما جَبر ما وقع فيما سبق من التقصير، كالطعام الشهيّ يُتناول بعد الأطعمة التَفِهة. فإن كان بخلاف ذلك كان على العكس، حتى ربّما أنسى المحاسن قبله (١) .

وقد اتّفقت كلمة أعلام البيان على أنّ خواتيم السور كلّها كفواتحها في غاية الجودة ونهاية الكمال، إذ اختُتمت على أحسن وجوه البلاغة وأفضل أنحاء البراعة، ما بين أدعية خالصة، وتحميد وتهليل وتسبيح، أو إيجاز لِما اقتضته السورة من تفصيل، ممّا يناسبه الاختتام، والإيذان للسامع بختم المقال وتوفّيه المرام، فلا يبقى مع تشوّف إلى إدامةٍ وتكميلٍ أو إتمام (٢) .

* * *

قال ابن معصوم: خواتيم السور كفواتحها واردة على أحسن وجوه البلاغة وأكملها ممّا يناسب الاختتام، كتلخيص جملة المطلوب ثمّ تفصيلها بأوجز بيان في خاتمة سورة الفاتحة؛ إذ المطلوب الأعلى من هداية الأنام هو الإيمان بالله واتّباع طريقة مصونة عن الزيغ والانحراف، ممّا يوجب سخطه تعالى والتيه في وادي الضلال، فهذا قد لخّص أولاً في قوله: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ثمّ فصل: ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) ، يعني أنّهم جمعوا بين النعم المطلقة، وهي: نعمة الإيمان، ونعمة السلامة عن غضب الرحمن، ونعمة التجنّب عن أسباب الضلال، التي هي المعاصي وتجاوز الحدود.

وهكذا ختُمت سورة البقرة بالدعاء والاستغفار والابتهال إلى الله في طلب النصر والتوفيق، وهو من أجمل الخواتيم وأفضلها.

قال: وتأمّل سائر خواتيم السور تجدها كذلك في غاية الجودة ونهاية اللطافة، هذه خاتمة سورة إبراهيم (عليه السلام) هي من أوضح ما أذن بالختام، وهو قوله

____________________

(١) أنوار الربيع: ج٦ ص٣٢٤.

(٢) راجع معترك الأقران: ج١ ص٧٥.

٣١٠

تعالى: ( هذا بَلاَغٌ لِلنّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذّكّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ ) .

وهكذا خاتمة الحجر بقوله تعالى: ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) فإنّها في غاية البراعة.

ومثلها خاتمة الزمر بقوله سبحانه: ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .

وأمّا خاتمة الصافّات فإنّها العلم في براعة الختام، حتى صارت يختم بها كل كلام - دار بين أرباب الفضيلة وأصحاب البيان - وهو قوله تعالى: ( سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ‏ِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (١) .

* * *

ولابن أبي الإصبع عرض لطيف عن براعة خواتيم السور، يذكرها سورة سورة حتى نهاية الكتاب العزيز، ويُشير إلى ما في كل خاتمة من جودة تعبير وحسن أداء إشارات إجمالية عابرة؛ إذ لا يسعه المجال للتفصيل والإيفاء؛ ومِن ثَمّ قد يبدو عليه أثر التكلّف أو التعسّف لولا جانب الاختصار، أمّا التعمّق فيقضي بالتحسين والإكبار، فإنّه (رحمه الله) أفاد وأشاد، وفتح باباً كان لم يستطرقه أحدٌ قبله، وأتى بما فوق المراد وأجاد.

قال - مبتدئاً -: وجميع خواتيم السور الفرقانية في غاية الحسن ونهاية الكمال؛ لأنّها بين أدعية ووصايا، وتحميد وتهليل، ومواعظ ومواعد، إلى غير ذلك من الخواتيم التي لا يبقى للنفوس بعدها تشوّف إلى ما يقال.

ثمّ ذَكر الخواتيم على الترتيب، وأخيراً قال: هذه خواتيم السور الفرقانية على الإجمال، ولو ذهبت إلى ذكر تفاصيل ما انطوت عليه من المحاسن والفنون، وما يُبرهن عن تمكينها ورشاقة مقاطعها، وانتهاء البلاغة إلى كل مقطع منها، لاحتجت

____________________

(١) أنوار الربيع: ج٦ ص٣٢٥ بتصرّف وتلخيص.

٣١١

في ذلك إلى تدوين كتابه بذاته (١) .

قلت: والمُراجع اللبيب يجد صدق مقاله إذا أمعن التدبّر في دلائله، وفي كلام الشريف صدر الدين ابن معصوم المدني - آنفاً - مقتبسات من تلك الإشارات.

تناسب السور

الثابت من ضرورة الربط والتناسب المعنوي هو ما بين آيات نزلن معاً، أو القائم على أكتاف السورة، وهي الوحدة الموضوعية الجامعة بين أهدافها ومقاصدها، كما أسلفنا.

أمّا التناسب بين السور بعضها مع بعض - حسب ترتيبها الراهن في المصحف الشريف - فلا ضرورة تدعو إليه، وإن تكلّفه أُناس؛ إذ هذا النظم السوري القائم شيء صنعه أصحاب الجمع بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وليس مستنداً إلى وحي السماء، حسبما قدّمنا.

فمِن التكلّف الباهت محاولة اختلاق التناسب بين خواتيم السور ومفتتحات السور التالية لها؛ لأنّه التزام بما لا يلزم، فضلاً عن كونه تعسّفاً في الرأي والاختيار.

وأول مَن استنكر زعم التناسب بين السور - فيما نعلم - هو سلطان العلماء الشيخ عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام (توفي سنة ٦٦٠) قال: المناسبة علم حسن، ولكن يُشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متّحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر، قال: ومَن ربط ذلك فهو متكلّف بما لا يقدر عليه إلاّ بربط ركيك يُصان عنه حسن الحديث فضلاً عن أحسنه، فإنّ القرآن نزل في نيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض؛ إذ لا يحسن

____________________

(١) بديع القرآن: ص٣٤٦ - ٣٥٣.

٣١٢

أن يرتبط تصرّف الإله في خلقه وأحكامه بعضها ببعض، مع اختلاف العلل والأسباب، كتصرّف الملوك والحكّام والمفتين وتصرّف الإنسان نفسه بأُمور متوافقة ومتخالفة ومتضادّة، وليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرّفات مع بعض، مع اختلافها في نفسها واختلاف أوقاتها.

وعاكسه الشيخ وليّ الله محمّد بن أحمد الملويّ المنفلوطي، قائلاً: وقد وَهِم مَن قال لا يطلب للآي الكريمة مناسبة؛ لأنّها على حسب الوقائع المتفرّقة، وفصل الخطاب أنّها على حسب الوقائع تنزيلاً، وعلى حسب الحكمة ترتيباً، فالمصحف كالصحف الكريمة على وِفق ما في الكتاب المكنون، مرتّبة سوره كلها وآياته بالتوقيف (١) .

قال الإمام بدر الدين الزركشي: وهذا الذي ذكره الشيخ وليّ الله مبنيّ على أنّ ترتيب السور توقيفي، ثمّ رَجّح ذلك وأخذ في بيان التناسب فيما بين عديد من السور، قال: وإذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها. ثمّ هو يخفى تارةً ويظهر أُخرى، كافتتاح سورة الأنعام بالحمد، فإنّه مناسب لختام سورة المائدة من فصل القضاء كما قال تعالى: ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٢) .

وكافتتاح سورة فاطر بالحمد أيضاً، فإنّه مناسب لختام ما قبلها ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِن قَبْلُ ) (٣) ، كما قال تعالى: ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للّهِ‏ِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (٤) .

وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح، فإنّه مناسب لختام سورة الواقعة من الأمر به.

____________________

(١) البرهان: ج١ ص٣٧، والإتقان: ج٣ ص٣٢٣ (ط٢)، ونظم الدرر للبقاعي: ج١ ص٨.

(٢) الزمر: ٧٥.

(٣) سبأ: ٥٤.

(٤) الأنعام: ٤٥.

٣١٣

وكافتتاح سورة البقرة بقوله: ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) (١) إشارة إلى قوله: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (٢) في سورة الحمد، كأنّهم لمّا سألوا الهداية، قيل لهم: ذلك هو الكتاب.

وتأمّل ارتباط سورة ( لإيلافِ قُريش ) بسورة الفيل، حتى قال الأخفش: اتّصالها بها من باب قوله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ) (٣) .

ومن لطائف سورة الكوثر أنّها كالمقابلة للتي قبلها (سورة الماعون)؛ لأنّ السابقة قد وصف الله فيها المنافقَ بأُمور أربعة: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة، فذكر هنا في مقابلة البخل: (الكوثر) ، وفي مقابلة ترك الصلاة (فصلّ) ، وفي مقابلة الرياء (لربّك) وفي مقابلة منع الماعون (وانحر) ، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة.

وكذلك مناسبة فاتحة سورة الإسراء بالتسبيح، وسورة الكهف قبلها بالتحميد؛ لأنّ التسبيح حيث جاء مقدّم على التحميد، يقال: سبحان الله والحمد لله (٤) .

هذا كلامه المتكلّف فيه تكلّفاً ظاهراً، ومع ذلك فهو من خير ما قيل في هذا الشأن، أمّا مَن تأخّر عنه كجلال الدين السيوطي وزميله برهان الدين البقاعي وأضرابهما فقد زادوا تمحّلاً في تكلّف وأتوا بغرائب الكلام.

هذا جلال الدين السيوطي (٨٤٩ - ٩١١) مع سعة باعه وكثرة اطّلاعه نراه قد هبط في في هذا الاختيار إلى حدّ بعيد، يختار أولاً فيما زعم ما قاله البيهقي: إنّ ترتيب كل السور توقيفي وقع بأمر من الرسول (صلّى الله عليه وآله) سوى سورتي الأنفال والتوبة، فإنّ ترتيبهما - حسبما زعم - من صنع عثمان بن عفان، قال: وقد استقرّ التوقيف في العرضة الأخيرة - التي عرض القرآن فيها على رسول الله - على القراءات العثمانية!

____________________

(١) البقرة: ٢.

(٢) الفاتحة: ٦.

(٣) القصص: ٨.

(٤) البرهان: ج١ ص٣٨ - ٣٩.

٣١٤

ثمّ يعتمد ما ذكره بعضهم: أنّ لترتيب وضع السور في المصحف أسراراً دقيقة وأسباباً حكيمة تطّلع على أنّه توقيفي صادر من حكيم:

الأوّل: بحسب الحروف المقطّعة في أوائلها، كما في توالي السور الحواميم السبع: (حم المؤمن، حم السجدة، حم الشورى، حم الزخرف، حم الدخان، حم الجاثية، حم الأحقاف) . وتوالي المبدوّات بـ (الر) وهي ستّ سور: (الر يونس، الر هود، الر يوسف، الر الرعد، الر إبراهيم، الر الحجر) .

الثاني: لموافقة آخر السورة لأَوّل ما بعدها، كآخر الحمد في المعنى مع أَوّل البقرة.

الثالث: الوزن في اللفظة، كآخر سورة (تبّت) وهي قافية الدال (مسد) مع أَوّل سورة التوحيد ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) قافية الدال أيضاً.

الرابع: لمشابهة جملة السورة لجملة الأُخرى، كالضحى والانشراح.

قلت: ولعلّ أذهاننا كلّت عن فَهم هذه الأسرار التي نقلها عن بعضهم وأعجبته.

وعلى أيّة حال فإنّه يعترض على نفسه باختلاف ما بين مصاحف الأصحاب، كمصحف ابن مسعود مع مصحف أُبي بن كعب، ولو كان توقيفاً لَما وقع بينهما اختلاف، كما لم يقع اختلاف في ترتيب الآيات ضمن السور.

ثمّ يبتهج بما مَنَّ الله عليه بالإلهام بجواب نفيس، وهو: أنّ القرآن وقع فيه نسخ كثير حتّى لسور كاملة، فلا عجب أن يكون الترتيب العثماني هو الذي استقرّ في العرضة الأخيرة، ولم يبلغ ذلك كبار الصحابة وحُفّاظ القرآن أمثال عبد الله بن مسعود وأُبي بن كعب!! (يا له مِن زَعمٍ فاسد ورأي كاسد).

وأخيراً يأخذ في شرح التناسب القائم بين السور في ترتيبها الحاضر، سورة سورة من الفاتحة حتى نهاية القرآن - وأكثره تكلّف وتمحّل وسفاسف فارغة - فممّا قاله بهذا الشأن: إنّ سورة الحمد تضمّنت الإقرار بالربوبية، وسورة البقرة

٣١٥

تضمنت قواعد الدين، وآل عمران مُكمّلة لمقصودها، فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل، وآل عمران بمنزل الجواب عن الشبهات، وأمّا سورة النساء فتضمنت أحكام الأسباب (الروابط) التي بين الناس، وأمّا سورة المائدة فسورة العقود.

ونقل عن الخُوَيِّ (١) : أنّ أوائل سورة البقرة مناسبة لأواخر سورة الحمد.

قال: فقد ظهر لي بحمد الله وجوهاً من هذه المناسبات، منها: أنّ القاعدة التي استقرّ بها القرآن أنّ كل سورة لاحقة هي تفصيل لإجمال ما وقع في السورة قبلها، وشرح له وإطناب لإيجازه، وقد استقر معي ذلك في غالب السور طويلها وقصيرها!

وهكذا يستمرّ في معمعاته مكرّراً قوله: ظهر لي ظهر لي، إلى حدّ الإسراف المملّ الخارج عن النهج السويّ، والله العاصم (٢) .

* * *

وهذا معاصره المتقدّم عليه، برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي (توفي سنة ٨٨٥ هـ) وضع تفسيره المُطنب على نفس الأساس؛ لبيان ما بين الآيات كلها والسور من التناسب والربط المزعوم، وأسماه (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) وأسهب فيه وأتى في تكلّفاته بما يفوق الإسراف!

مثلاً يزعم في همزة الاستعاذة أنّها إشارة إلى ابتداء الخلق، والميم في آخرها من الرجيم إشارة إلى المعاد، أمّا البسملة فكلها إشارة إلى المعاد لابتدائها بحرف شفوي (باء) وختمها بالميم من الرحيم، قال: ولمّا افتتح التعوّذ بالهمزة - إشارة إلى ابتداء الخلق - وختم بالميم - إيماء إلى المعاد - جُعلت البسملة كلها للمعاد؛ لابتدائها بحرف شفوي (٣) .

____________________

(١) بضم الخاء وفتح الواو وتشديد الياء المكسورة نسبةً إلى (خوي) من أعمال آذربيجان، هو محمّد بن أحمد أبو عبد الله شهاب الدين قاضي دمشق (توفي سنة ٦٩٣).

(٢) راجع كتابه (تناسق الدرر في تناسب السور) طبع باسم (أسرار ترتيب القرآن).

(٣) نظم الدرر: ج١ ص٢٢.

٣١٦

هكذا وبهذا الأُسلوب!! يَفتتح كلامه في بيان وجه التناسب بين الآيات والسور.

ومِن مزاعمه أيضاً قوله بالتناسب الدوري بين السور، بمعنى أنّ آخر سورة من القرآن أيضاً تتناسب مع الفاتحة، لو وَصل القارئ ختم القرآن بالشروع فيه، وهكذا تتناسب السور في ترتيبها بلا وقفة ولا انتهاء، فكأنّها حلقة مُفرغة يدور فيها القارئ في تلاوته، لا بدء ولا ختم، قال: وبه يتّضح أنّه لا وقف تامّ في كتاب الله، ولا على آخر القرآن - بالفاتحة التي هي أوّله، كاتّصالها (أي سورة الناس) بما قبلها، بل أشدّ.

وذكر في وجه الأشدّية: أنّه كما يتناسب التعوّذ مع الشروع في القراءة كذلك تتناسب المعوذتان مع الفاتحة، قال: ومِن هنا تعرف مناسبة المعوّذتين بالفاتحة (١) .

هكذا وبهذه العقلية الهزيلة يسترسل في توهّماته بشأن تناسب السور والآيات سورة سورة، وآية آية حتى نهاية القرآن.

* * *

تلك أُمّة قد خلت لها ما تخرّصت بالغيب، ولكن مالنا واتّباع طريقتهم العمياء تقليدياً ومن غير تحقيق وإمعان! هذا الإمام الطبرسي أبو علي الفضل ابن الحسن (توفي سنة ٥٤٨ هـ) صاحب التفسير القيّم (مجمع البيان) نراه يتبع خُطوات أشياخ أمثال البقاعي، فيذكر مناسبات السور سورة سورة، ويرتكب في ذلك تكلّفات بعيدة لا مبرّر لها ولا ضرورة تدعو إليه.

مثلاً يذكر في تناسب سورة الأعراف مع الأنعام: لمّا خُتمت سورة الأنعام بالرحمة ( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) افتُتحت هذه السورة (الأعراف) بإنزال الكتاب ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ... ) لأنّ فيه معالم الدين وهي رحمة للعالمين.

____________________

(١) نظم الدرر: ص١٥.

٣١٧

وقال في سورة الرعد: لمّا خُتمت سورة يوسف بذكر قصص الأنبياء ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ... ) افتتحت هذه السورة (الرعد) بأنّها جميعاً آيات الكتاب ( المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ... ) !

وفي سورة الحجر: لمّا خُتمت سورة إبراهيم بأنّ هذا بلاغ للناس افتُتحت هذه السورة (الحجر) بذكر القرآن ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) !

هكذا وبهذا الأُسلوب يُحاول ربط خواتيم السور بفواتح السور بعدها.

والشيء الغريب الذي يبدو من كلامه زعم كون الترتيب الحاضر هو ترتيب النزول؛ لأنّه يقول: لمّا خَتم الله سورة كذا بكذا، افتتح السورة بعدها بكذا!

الأمر الذي يخالف إجماع الأُمّة على أنّه ترتيب يخالف ترتيب النزول قطعاً، وقد تعرّض هو أيضاً لترتيب النزول وفق المشهور، فلماذا غفل عنه عند اختلاق التناسبات؟!

* * *

ولم نجد مَن رافقه في مسلكه هذا في تناسب السور من علماء ومحقّقين سوى بعض مَن راقته الأفكار السلفية إذا ما حُلّيت بثوب قشيب، فقد زعم الأُستاذ (شريعتي) أنّ الترتيب الحاضر في المصحف الشريف بين سوره هو شيء صنعه تعالى (١) . وزعم أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) هو الذي كان يُعيّن موضع السورة قبل وبعد أيّة سورة، وعدّ من أدلته على ذلك هو ذلك التناسب والترابط الذي بين خاتمة كل سورة وفاتحة تاليتها، الأمر الذي يشتمل على أسرار ورموز لا يمكن الإحاطة بها سوى علاّم الغيوب.

قال: وقد صنّف كل من برهان الدين البقاعي، وجلال الدين السيوطي، كتاباً بهذا الشأن، كَشَفا عن كثير من أسرار هذا التناسب السوري، ولا يزال تقدّم الزمان يكشف عن حكم وأسرار جديدة ممّا يدلّ على أنّ البشرية

____________________

(١) تفسير (نوين): ص٤٢٧.

٣١٨

كانت قاصرة عن إمكان القيام بهذه المهمّة الخطيرة، المشتملة على أسرار وحكم تُنبئك عن صنع عليم حكيم، وهو وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم (١) .

وبالفعل نراه اكتشف أسراراً جديدة أودعها في تفسيره الحديث (نوين) (٢) من ذلك قوله - بشأن سورة الناس -: ليس في القرآن سورة هي أمس بموضعها الخاصّ من هذه السورة بالذات، صورة ومعنى. أمّا الصورة فلسلاستها على اللسان ولا سيّما على الناشئين. وأمّا المعنى؛ فلأنّه كما ينبغي الاستعاذة بالله من شرّ الشيطان عند تلاوة القرآن والأخذ بآدابه الكريمة - طلباً للتوفيق في التعلّم - كذلك ينبغي الاستعاذة بالله من وساوسه بعد الفراغ من القراءة؛ لأجل التوفيق على العمل به (٣) .

قلت: ولماذا لم توضع المعوّذتان في فاتحة الكتاب؟ أو لا أقل من وضع إحداهما في البدء والأُخرى في الختم! وهل ورد في الشريعة استحباب الاستعاذة بعد الفراغ من قراءة القرآن؟ فيا ترى كيف ابتدعه الأُستاذ شريعتي؟! وتخرّصات هذا القبيل كثيرة في كلامه زعمهنّ اكتشافات!

____________________

(١) تفسير (نوين): ص١٩ - ٢٠.

(٢) (نوين): كلمة فارسية ترجمتها (الجديد).

(٣) تفسير (نوين): ص٤٢٧.

٣١٩

٧ - حُسن تشبيهه وجمال تصويره

التشبيه تصوير فنّي يرسم المعنى في الخيال متجسّداً في قالب المثال، خالعاً عليه ثوب الجمال، ويزداد بهاءً كلّما كان أوفى بتحقيق الغرض المقصود من الكلام، وما أن دقّ ولطف في التعبير والإيفاء إلاّ ازداد حسناً وكمالاً، وهكذا ذهب القرآن في تشبيهاته مذهب الإيفاء وحسن الأداء، الأمر الذي زلّت فيه أقدام كبار الأُدباء كلّما حاولوا الإكثار منه عاثوا وتعسّرت عليهم الإجادة وحسن الإفادة، عكس القرآن، فقد أكثر منه، واحكم صلبه، وخاض عبابه واستخرج لبابه، فأفاد وأجاد، وأبدع وأعجب، وأحار ذوي الألباب.

قال ابن الأثير: التشبيه يجمع صفات ثلاثاً: المبالغة، والبيان، والإيجاز، أمّا المقصود من قولنا (زيد أسد) أن يتبيّن حال زيد في اتّصافه بشهامة النفس، وقوة البطش، وجرأة الإقدام، وغير ذلك ممّا يجري مجراه، إلاّ أنّا لم نجد شيئاً ندلّ به عليه سوى أن جعلناه شبيهاً بالأسد حيث كانت هذه الصفات مختصّة به، فصار ما قصدناه من هذا القول أكشف وأبين مِن أن نقول: زيد شهم، شجاع، قويّ البطش، جريء الجنان، وأشباه ذلك؛ لِما قد عُرف وعُهد من اجتماع هذه الصفات في

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579