تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد6%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103929 / تحميل: 10581
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النقص الحادث في المبيع ، فكذلك عدم المشروط. ولأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ ، ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة ، فاختلفا(١) .

ونمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط ، وقد سبق. ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ، ونحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب : لو كان المحال عليه معسراً ولم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار وعلم سبق الفقر ، احتُمل ثبوت الخيار ؛ للاستصحاب‌. وعدمُه ؛ لزوال المقتضي.

مسألة ٦٠٢ : إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط ، انتقل المال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحيل‌ ، سواء أبرأه المحتال أو لا - وهو قول عامّة الفقهاء(٢) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ ، وإنّما يتحقّق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمّةٍ إلى أُخرى ، وليس هنا إلّا ذمّة المحيل والمحال عليه ، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلى الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار ، لم يعد الحقّ إليه ؛ لعدم المقتضي.

وقال شيخنارحمه‌الله في النهاية : ومَنْ كان له على غيره مالٌ فأحال به على غيره ، وكان الـمُحال عليه مليّاً به في الحال وقَبِل الحوالة وأبرأه منه ، لم يكن له الرجوعُ عليه ، ضمن ذلك المـُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة ، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المـُحال عليه ولم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك ، كان له مطالبة الـمُحيل ، ولم تبرأ ذمّته بالحوالة ، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال ، بطلت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦٢.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

٤٤١

الحوالة ، وكان له الرجوعُ على المديون بحقّه عليه ، ومتى لم يُبرئ الـمُحال له بالمال الـمُحيل في حال ما يُحيله ، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(١) .

وكان الحسن البصري أيضاً لا يرى الحوالة مبرئةً إلّا أن يُبرئه(٢) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقرعليهما‌السلام : في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له على رجلٍ [ آخَر ] ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، قال : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يُبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله »(٣) .

وهذه الرواية لا بأس بها ؛ لصحّة السند ، لكنّ المشهور عند الأصحاب والعامّة البراءة بمجرّد الحوالة ، فلابدَّ من حمل الرواية على شي‌ء ، وليس ببعيدٍ من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه ، أو نقول : إذا لم يُبرئه ، فله أن يرجع على الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني : في الرضا بالحوالة.

مسألة ٦٠٣ : يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحقّ - إجماعاً‌ ، فلو أُكره على أن يحيل فأحال بالإكراه ، لم تصحّ الحوالة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء ، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء ، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً ، فلا يلزمه‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ - ٢١٢ / ٤٩٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤٢

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له على المحال عليه ، إلّا في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل ، وهي ما إذا جوّزنا الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ : أحلت بالدَّيْن الذي لك على فلان على نفسي ، فقَبِل ، صحّت الحوالة ، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل ، بل رضا المحتال والمحال عليه خاصّةً.

مسألة ٦٠٤ : يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل ، فلا يلزمه نقله إلى ذمّةٍ أُخرى ، إلّا برضاه ، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر على أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً ، وكما إذا ثبت حقّه في عينٍ ، لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه. وقال داوُد وأحمد : لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٢) والأمر للوجوب(٣) .

ونحن نمنع الوجوب ، بل المراد به الإرشاد.

مسألة ٦٠٥ : يشترط عندنا رضا المحال عليه‌ ، فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة ، وبه قال أبو حنيفة والزهري والمزني(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٢٥ ، ضمن ح ٩٦٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

٤٤٣

وقال أبو العبّاس ابن القاص : نصّ الشافعي في الإملاء على أنّها تفتقر إلى رضا المحال عليه - وإليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة ، فأشبه المحتال والمحيل. ولأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولةً وصعوبةً. ولأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب إلى أن يظهر المعارض.

وأصحّ القولين عند الشافعي : أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة على مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلم يفتقر إلى رضا مَنْ عليه الحقّ ، كما لو كان وكيلاً في قبضه ، بخلاف المحتال ، فإنّه ينتقل حقّه ، وتبرأ ذمّته منه. ولأنّ المحال عليه محلّ الحقّ والتصرّف ، فلا يعتبر رضاه ، كما لو باع عبداً ، لا يعتبر رضاه(١) .

وبنوا الوجهين على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل ، فلا يشترط ؛ لأنّه حقٌّ للمحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا بالثاني ، يشترط ؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(٢) .

وإن كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم تصحّ عند الشافعي إلّا برضا المحال عليه ؛ لأنّا لو صحّحناه ، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. وإن رضي ، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور(٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، التلقين ٢ : ٤٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٩ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٤

وسيأتي(١) .

فقد ظهر من هذا الإجماعُ على اعتبار رضا المحيل إلّا في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر ، وأنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه.

النظر الثالث : في الدَّيْن.

مسألة ٦٠٦ : إذا أحال زيد عمراً على بكر بألف ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(٢) مشغولةً بالألف لعمرو ، أو لا‌ ، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بري‌ء الذمّة منها أو مشغولها ، فالأقسام أربعة :

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ وبكرٍ مشغولتين ، ولا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا ، وهو أن تكون ذمّتهما بريئةً ، فإذا أحال زيد - وهو بري‌ء الذمّة - عمراً - ولا دَيْن له عليه - على بكر ، وهو بري الذمّة ، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة ؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ ، وهنا لم يوجد ، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ ، وإنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة ؛ لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض ، وأن يطالبه من المحال عليه ، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بري‌ءَ الذمّة والمحالُ عليه مشغولَها ، ( فيحيل‌

____________________

(١) في ص ٤٤٥ ، القسم « د » من الأقسام المذكورة في المسألة ٦٠٦.

(٢) في « ج » : « ذمّته » بدل « ذمّة زيد ».

٤٤٥

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ )(١) بقبضه ، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً ؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ وانتقاله ، ولا حقّ [ هاهنا ](٢) ينتقل ويتحوّل ، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء ؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن ، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه ، وتحوّل ذلك إلى الوكيل كتحوّله إلى المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة والمحالُ عليه برئَ الذمّة.

وفي صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٣) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها ، صار كأنّه قضى دَيْن غيره بذمّته ؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض ، وإذا قبض حقّاً من غيره ، صحّ وسقط عن غيره ، كذا هنا ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تصحّ ؛ لأنّه ليس له على المحال عليه شي‌ء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. وإن قلنا : إنّها استيفاء حقٍّ ، صحّت(٤) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه وأقرضه من المحال عليه(٥) .

قال الجويني : الصحيح عندي تخريج الخلاف على الخلاف في أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ ». وكذا في « ر » بإسقاط « له » من « لا دَيْن له عليه ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٧٣ و ٧٤ ، وبدائع الصنائع ٦ : ١٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صحّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٦

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل؟ بل هذه(١) الصورة غير(٢) تلك الصورة ؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل ، فإذا قَبِل الحوالة ، فقد التزم على أن يُبرئ المحيل(٣) .

وهذا ذهابٌ منه إلى براءة المحيل وجَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ على قياس الحوالات.

والثاني - وبه قال أكثرهم - : أنّه لا يبرأ ، وقبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(٤) .

ثمّ فرّعوا فقالوا : إن قلنا : لا تصحّ هذه الحوالة ، فلا شي‌ء على المحال عليه ، فإن تطوّع وأدّاه ، كان كما لو قضى دَيْنَ الغير. وإن قلنا : تصحّ ، فهو كما لو ضمنه ، فيرجع على المحيل إن أدّى بإذنه(٥) .

وكذا إن أدّى بغير إذنه عندنا وعلى أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٦) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

وللمحال عليه الرجوع على المحيل هنا قبل الأداء - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) - لأنّ المحيل يبرأ ، فينتقل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هنا » بدل « هذه ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر « عين » بدل « غير ». وفي « ر » : « على غير ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٧

والثاني : ليس له ذلك بناءً على أنّ المحيل لا يبرأ ، كما أنّ الضامن لا يرجع على المضمون عنه قبل الأداء(١) .

وإذا طالبه المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال؟ الأقوى عندي : ذلك.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(٢) .

ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشي‌ء.

ولو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه ، فالأقوى : الرجوع ؛ لأنّه قد غرم عنه ، وإنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

وللشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلى أنّ الغُرْم لم يستقر عليه ، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. وفي الثاني إلى أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(٣) .

وهُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

ولو ضمن عنه ضامنٌ ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

ولو أحال المحتال على غيره ، نُظر إن أحاله على مَنْ عليه دَينٌ ، رجع على محيله بنفس الحوالة ؛ لحصول الأداء بها. وإن أحال على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة ٦٠٧ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٨

- وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ على رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً على المشتري. ولأنّه صائرٌ إلى اللزوم ، والخيار عارضٌ فيه ، فيعطى حكم اللازم.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

وهو مصادرة على المطلوب.

قال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة ، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. وإن قلنا : استيفاء ، فتجوز(٣) .

قالوا : فإن قلنا بالمنع ، ففي انقطاع الخيار وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينقطع ؛ لحكمنا ببطلانه ، وتنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

والثاني : نعم ؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(٤) .

وإن قلنا بالجواز ، لم يبطل الخيار عند بعضهم(٥) .

وقال آخَرون : يبطل ؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم ، ولو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها ، وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم(٦) .

والأقوى : بقاء الخيار.

مسألة ٦٠٨ : إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، الوسيط ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٤٩

بفسخ صاحب الخيار ، بطل الثمن ، وبطلت الحوالة المترتّبة عليه ، فلو أحال البائع على المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لأنّها فرع البيع ، والبيع قد بطل.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله ، وإنّما تجدّد له البطلان ، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

ولو أحال المشتري البائعَ على غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لترتّبها على البيع ، والبيع قد بطل.

ويُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

وعلى قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ على ثالثٍ ، يبطل خيارهما جميعاً ؛ لتراضيهما. ولو أحال البائع رجلاً على المشتري ، لم يبطل خيار المشتري ، إلاّ أن يقبل ويرضى بالحوالة(١) .

مسألة ٦٠٩ : لو أحال زيد على عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلى بكر‌ ، ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلى بكر ، فادّعى زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه ، وأنكر عمرو ذلك وأنّه احتال ولا شي‌ء لزيد عليه ، كان القولُ قولَ عمرو ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ويُحتمل أن يقال : إن قلنا بصحّة الحوالة على مَنْ لا مال عليه ، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. وإن قلنا : إنّها لا تصحّ ، كان القولُ قولَ المحيل ؛ لاعترافهما بالحوالة ، وادّعاء المحال عليه بطلانها ، والأصل الصحّة.

مسألة ٦١٠ : لو أحال السيّد على مكاتَبه بمال النجوم‌ ، فإن كان بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٥٠

حلوله ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. وإن كان قبل الحلول ، فكذلك على الأقوى.

ويجي‌ء على قول الشيخرحمه‌الله المنع(١) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(٢) - على المكاتَب ؛ إذ له أن يُعجّز نفسه ، فله أن يمتنع من أدائه.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره على مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما : الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت على المكاتَب ، فأشبه سائر الديون.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ النجوم غير لازمة على المكاتَب ، وله إسقاطها متى شاء ، فلا يمكن إلزامه الدفع إلى المحتال(٣) .

وعلى ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب ، بطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة ؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

ولو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة ، صحّت الحوالة به قطعاً ؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه مبنيّ على أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه ، هل يسقط ذلك الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الحوالة ، وإلّا صحّت(٤) .

والمعتمد ما قلناه ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقول أكثر العامّة(٥) .

ولو أحال المكاتَبُ السيّدَ على إنسانٍ بمال الكتابة ، صحّت الحوالة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢١.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المسألة ١٧ ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٥) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

٤٥١

عندنا وعند أكثر الشافعيّة وأكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(١) ، وتبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة ، ويتحرّر ، ويكون ذلك بمنزلة الأداء ، سواء أدّى المحال عليه أو مات مفلساً ؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ ، والكتابة لازمة من جهة السيّد ، فمتى أدّى المحال عليه وجب على السيّد القبول أو الإبراء.

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(٢) .

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين :

أحدها : جواز إحالة المكاتَب بالنجوم ، وإحالة السيّد على النجوم ، وهو قول ابن سريج.

والثاني : منعهما جميعاً.

والثالث : أظهرها عندهم ، وهو : جواز إحالة المكاتَب بها ، ومنع إحالة السيّد عليها(٣) .

ولو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه ، سقط عن المكاتَب الباقي ، ولم تبطل الحوالة.

مسألة ٦١١ : مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل ، صحّت الحوالة به إجماعاً.

وإن لم يشرع في العمل ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّا نجوّز الحوالة على بري‌ء الذمّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠.

٤٥٢

وقياس الشافعيّة أنّه يجي‌ء في الحوالة به وعليه الخلافُ المذكور في الرهن به وفي ضمانه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : تجوز الحوالة به وعليه بعد العمل ، لا قبله(٢) .

ولو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ على إنسانٍ بالزكاة ، جاز ، سواء قلنا : إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة ، فجازت الحوالة.

وعندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها ، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة ومن الاعتياض عنها(٣) ، فهنا قالوا : إن قلنا : إنّ الحوالة استيفاء ، صحّت الحوالة هنا. وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تجز ؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(٤) .

ولو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة على مَنْ وجبت عليه ، لم تصح ؛ لأنّها لم تتعيّن له إلّا بالدفع إليه.

ولو قَبِل مَنْ وجبت عليه ، صحّ ، ولزمه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦١٢ : تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ‌ ؛ لأنّها إمّا اعتياض ، فلا تصحّ على المجهول ، كما لا يصحّ بيعه ، وإمّا استيفاء ، وإنّما يمكن استيفاء المعلوم ، أمّا المجهول فلا. ولاشتماله على الغرر.

فلو قال : أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ ، فقَبِل ، لم تصح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، و ٦ : ١٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٦٥ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٣

ويحتمل الصحّة ، ويكون على المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة ، كما قلناه في الضمان.

ولا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب ، فلو كان أحدهما ثمناً والآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ وما أشبهه ، جازت الحوالة ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦١٣ : تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة‌ ، سواء كان مثليّاً ، كالذهب والفضّة والحبوب والأدهان ، أو من ذوات القِيَم ، كالثياب والحيوان وغيرهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة ، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلى مستحقّه من غير تفاوتٍ ، وهذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له ؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(٢) ، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(٣) .

والأوّل أصحّ. والوصول إلى الحقّ قد يكون بالمثل ، وقد يكون بالقيمة ، وكما يجوز إبراء المديون منه بالأداء ، كذا المحال عليه.

ولو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه ، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه : الجواز ؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة ، وتلك العين لا تثبت في الذمّة ، فلا تقع الحوالة بها ولا بمثلها ؛ لعدمه ، بل بالقيمة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لا يتحرّر » بالراءين المهملتين.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٤

ولو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً ، وله على آخَر مثلها ، فأحاله بها ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ والقيمة وسائر الصفات ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

والثاني : لا تجوز ؛ لأنّ صفاتها مجهولة(٢) .

وهو ممنوع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أحال بإبل الدية وعليها وفرّعنا على جواز الحوالة في المتقوّمات ، فوجهان أو قولان مبنيّان على جواز المصالحة والاعتياض عنها.

والأصحّ عندهم : المنع ؛ للجهل بصفاتها(٣) .

ولو كان الحيوان صداقاً ودخل بها ، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(٤) .

ومَنَعه بعضهم ؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(٥) .

النظر الرابع : في تساوي الجنسين.

مسألة ٦١٤ : من مشاهير الفقهاء(٦) وجوب تساوي الدَّيْنين‌ - أعني الدَّيْن الذي للمحتال على المحيل ، والذي للمحيل على المحال عليه - جنساً ووصفاً ، فلو كان له دنانير على شخصٍ فأحال عليه بدراهم ، لم تصحّ ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً ، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، ولاحظ : حلية العلماء ٥ : ٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٤ و ٥) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢.

(٦) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦ ، المغني ٥ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٥٥

استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلى الدنانير.

وإن جعلناها معاوضةً ، فلأنّها وإن كانت معاوضةً فليست هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة ، وإنّما هي معاوضة إرفاقٍ ومسامحة للحاجة ، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة ؛ لئلّا يتسلّط على المحال عليه ، كما في القرض.

ولأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه ، ولا يمكن إجباره مع الاختلاف.

ولأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل ، ولهذا جازت دَيْناً بدَيْن ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف ، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

ومع هذا فقد قال المشترطون للتساوي : إنّه تصحّ الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، والأحرى جواز الإحالة على مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم : « إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً ، لم تصحّ الحوالة » أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ، لكنّها إذا جرت فهي حوالة على مَنْ لا دَيْن له عليه ، وحكمه ما تقدّم(١) .

مسألة ٦١٥ : لو كان عليه إبل من الدية وله على آخَر مثلها قرضاً ، فأحاله صاحب القرض على المقترض بإبل الدية‌ ، فإن قلنا : يردّ في القرض مثلها ، صحّت الحوالة ؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ على صفته من المحال عليه. ولأنّ الخيرة في التسليم إلى مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد رضي بتسليم ما لَه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٦

في ذمّة المقترض ، وهو مثل الحقّ ، فكانت الحوالة صحيحةً.

وإن قلنا : إنّه يردّ في القرض القيمة ، لم تصحّ الحوالة ؛ لاختلاف الجنس.

وكذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر واللآلئ وغيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

ولو احتال المقرض بإبل الدية ، لم تصح ؛ لأنّا إن قلنا : تجب القيمة في القرض ، فقد اختلف الجنس. وإن قلنا : يجب المثل ، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته ، والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة ٦١٦ : يجب تساوي الدَّيْنين في القدر‌ ، فلا يحال بخمسة على عشرة ، ولا بعشرة على خمسة ؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق ، ولإيصال كلّ حقٍّ إلى مستحقّه ، ولم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شي‌ء.

والمراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير وبالعكس ، وإلّا فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها ، أو كان له خمسة فأحال بها وبخمسةٍ أُخرى ، فإنّه تصحّ.

وللشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل على الكثير : أنّها جائزة ، وكأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج : الحوالة بيع إلّا أنّه غير مبنيّ على المكايسة والمغابنة وطلب الربح والفضل ، بل جُعل رفقاً ، كالقرض ، وإن كان نوعَ معاوضةٍ ، فلا تجوز إلّا مع اتّفاق الجنس جنساً وقدراً وصفةً ، وقد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفى : وإن حلّ عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٧

طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه ، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لـمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به ؛ لأنّه بيع ، وهذا نصٌّ منه(١) .

وقيل : ليست بيعاً(٢) - وهو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ندب إليها ، فقال : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٣) . ولأنّها لا تصحّ بلفظ البيع ، ولا تجوز الزيادة فيها ولا النقصان ، ولما جازت في النقود إلّا مع التقابض في المجلس ، إلّا أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالـمُسْلَم فيه ، وهذا تشمير(٤) لقول مَنْ قال : إنّه بيع.

لا يقال : لو كان بيعاً ، لكان على المحيل تسليمه إلى المحال عليه ؛ لأنّه عوض من جهته ، كما إذا باع شيئاً في يد غيره ، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول : أجاب مَنْ قال : « إنّه بيع » : بأنّه لـمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل ؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما ، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة ، وقد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة على أنّه لا يستحقّ بها إلّا مثل ما كان يستحقّه ، بخلاف البيع ؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

وفائدة الاختلاف : ثبوت خيار المجلس إن قلنا : إنّها بيع.

والحقّ ما تقدّم ، والاعتذار باطل ؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦ ، وراجع : الأُم ٣ : ٧٣.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٧٩ / ٢٤٤٥.

(٤) التشمير : التقليص والإرسال. لسان العرب ٤ : ٤٢٨ « شمر ».

٤٥٨

مسألة ٦١٧ : الأقرب : أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول والتأجيل‌ ، فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه ، فإذا أحال به على الحالّ فقد عجّل.

وكذا يجوز أن يحيل بالحالّ على المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً ، جاز ، وإلاّ لم يجز ، ووجب على المحتال الصبر ، كما لو احتال مؤجّلاً.

وللشافعيّة قولان :

أصحّهما عندهم : أنّه يشترط التساوي في الحلول والتأجيل ؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

والثاني : أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز العكس ؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ ، وتأجيل الحالّ لا يلزم(١) .

ونحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً ، بل إذا تبرّع به ، لم يلزم ، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم ، فإنّه يلزم ، والحوالة عقد لازم ، والمحيل إنّما أحال بالمؤجَّل ، والمحال عليه إنّما قَبِل على ذلك ، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين ، فإن تساويا في الأجل ، صحّت الحوالة قطعاً.

وإن اختلفا ، صحّت عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان بناءً على الوجهين في الحالّ والمؤجَّل ، فإن منعناه هناك ، منعناه هنا. وإن جوّزناه هناك ، جاز هنا على حدّ ما جاز هناك على معنى أنّه يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٩

العكس ؛ لأنّه تأجيل الحالّ(١) .

ب - لو كان أحدهما صحيحاً والآخَر مكسَّراً‌ ، قالت الشافعيّة : لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأوّل ، وعلى الثاني يحال بالمكسَّر على الصحيح ، ويكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة ، ولا يحال بالصحيح على المكسَّر ، إلَّا إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة ، ويرضى بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج على هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ على الأجود في كلّ جنسٍ ، وبالعكس‌(٢) .

والأقرب عندي : جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّى المحال عليه الأجود إلى المحتال ، وجب القبول‌. وكذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه ، خلافاً للشافعيّة ، فإنّهم أوجبوه(٣) ، حيث يجبر المستحقّ على القبول(٤) .

وهذا يتفرّع على الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع ، يُجبر المستحقّ على قبوله ، ولا يكون ذلك معاوضةً؟(٥) .

ه- لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ ، صحّ عندنا‌ - خلافاً لأحمد(٦) - لعموم قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « جوّزوه » بدل « أوجبوه ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٢.

(٦) المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

تزيد سنوات الرقدة - لو حاسبناها على السنين القمرية - بتسعة سنين بالضبط، بالأيّام والساعات والدقائق والثواني.

فقد لزم أن يقول القرآن: إنّ سنوات الرقدة تزيد تسعاً على التقويم الذي عندكم، وهذا سرٌّ ربّما خفي لحدّ الآن... معجزة باقية.

( قُلْ أَنزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ ) (١) .

تقديم السمع على البصر:

من الدقائق في تعبير القرآن الكريم أنّك تجده يذكر السمع مُقدماً على البصر في أكثر من خمسة وعشرين موضعاً (٢) ، وهي مسألة يعرف سرّها الآن علماء التشريح (الفسيولوجيا) ويُدركون أنّ جهاز السمع أرقى وأعقد وأدق وأرهف من جهاز الأبصار، ويمتاز عليه بإدراك المجرّدات كالموسيقي، وإدراك التداخل مثل حلول عدّة نغمات داخل بعضها بعضاً، مع القدرة على تمييز كلّ نغمة على انفرادها، كما تميّز الأُمّ صوت بكاء وَلدها من بين زحام هائل من أصوات متداخلة، يتم هذا في لحظة من الزمن... أمّا العين فهي تتوه في زحام التفاصيل ولا تعثر على ضالّتها.

____________________

= يوماً و٦ ساعات و٩ دقائق و٩ ثوانٍ بالضبط، إلاّ شيئاً قليلاً (٥٩٥/. الثانية) تنقص كلّ سنة.

فتزيد السنة الشمسية على السنة القمرية بمقدار ١١ يوماً وهي مضروبة في (٣٠٠) تساوي (٣٣٠٠) يوماً وتساوي (٩سنوات وثلاثة أشهر ونصفاً: ١٠٥). بالتقسيم على عدد أيّام السنة القمرية، حساباً بالتقريب، حيث عدم انضباط السنة القمرية تماماً. فصحّ تعبير القرآن بزيادة تسعة أعوام تعبيراً بالدقّة.

راجع: التفهيم لأبي ريحان البيروني: ص٢٣٥، ودهخدا: ص١٦٣ حرف س.

(١) الفرقان: ٦.

(٢) البقرة: ٧ و٢٠، النساء: ٥٨ و١٤٠، الأنعام: ٤٦. يونس: ٣١، هود: ٢٠، النحل: ٧٨ و١٠٨. الإسراء: ١ و٣٦، طه: ٤٦، الحجّ: ٦١ و٧٥، المؤمنون: ٢٤، لقمان: ٢٨، السجدة: ٩، غافر: ٢٠ و٥٦، فصّلت: ٢٠ و٢٢، الشورى: ١١، الأحقاف: ٢٦، المجادلة: ١. الملك: ٢٣، الإنسان: ٢.

٥٤١

يتوه الوَلد عن عين أُمّه في الزحام ولا يتوه عن سمعها، والعلم يمدّنا بألف دليل على تفوّق معجزة السمع على معجزة البصر.. ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتّى‏ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ ) (١) .

وقد مرّ بعض الكلام عن ذلك في الجزء الخامس (٢) ضمن دقائق ونكات رائعة من القرآن الكريم.

( يَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ) (٣) :

ما أرقّه من تعبير عن حالة المرأة أيّام طمثها، لا شقاءً كشقاء أحكام اليهود بشأنها، ولا جفاءً كجفاء جاهلية العرب بحقّها.. إنّه تعبير ينم عن واقعية هي حالة مَرَضية تعتري المرأة في محيضها، فيجب مراعاة حالها والمداراة مع ضعفها الجسمي، وهي لا تطيق ما تطيقه في حالتها العادية.

وقد كان اليهود يُشدّدون في مسائل الحيض، كما جاء في الفصل الخامس عشر من التوراة: إنّ كلّ مَن مسّ الحائض في أيّام طمثها يكون نجساً إلى المساء، وكلّ مَن مسّ فراشها يغسل ثيابه بماء ويستحمّ ويكون نجساً إلى المساء، وكلّ مَن مسّ متاعاً تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويكون نجساً إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه، يكون نجساً سبعة أيّام، وكلّ فراش يضطجع عليه يكون نجساً (٤) .

وكانت العرب في الجاهلية لا يساكنون الحُيَّض، ولا يؤاكلونهنّ، كما كانت تفعل اليهود والمجوس أيضاً.

لكن القرآن دفع عنها الرجس وجعلها في إطارها الخاصّ من الرِفق بحالها والعطف عليها والحنان، لا هجرها ونبذها ومتاركتها أو إحراجها بالخروج عن

____________________

(١) فصّلت: ٥٣.

(٢) الجزء الخامس من ص ٥٤ - ٥٥.

(٣) البقرة: ٢٢٢.

(٤) سِفر اللاويين: إصحاح ١٥ عدد ١٩ - ٢٤.

٥٤٢

مساكنها، كما كانت العادة عند المجوس.

قال تعالى: ( هو أذىً ) أي حالة مرض يعتريها لا أكثر ولا أقلّ، والأذى المرض الخفيف المؤونة، فهي حاله مؤذية دون إيذاء المرض والضرّ الشديد كما في قوله تعالى: ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذَىً مِن مَطَرٍ أَوْ كُنتُم مَرْضَى ) (١) ، وقوله تعالى: ( فَمَن كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ ) (٢) ، وقوله تعالى: ( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً ) (٣) .

وقد ورد في شريعة الإسلام جواز مراودتها دون الجماع فقط، قال (صلّى الله عليه وآله): (اصنعوا كلّ شيء إلاّ الجماع) ، وفي حديث آخر: (لك ما فوق الإزار) .

فالحكم الإسلامي بشأنها هو اعتزالها في المحيض فحسب، أي اعتزال موضع حيضها.

وفي ذلك أيضاً لطف بيان وأناقة كلام: بيّنَ أوّلاً سبب الحكم ثمّ رتّب الحُكم عليه، ليكون المكلّف على بصيرة من أمره، أن ليست أحكام الشرعية تحميلاً أو مجرّد تعبّدٍ محض، بل لكلّ أمر سبب ولكلّ حكم وتكليف مصلحة، تعود إلى صالح المكلّفين في نهاية الأمر.

والخلاصة: الواجب هو ترك غَشيان النساء مدّة الحيض؛ لأنّه سبب للأذى والضرر أحياناً، وقد أثبت الطبّ الحديث مفاسد غشيانهنّ في تلك الحالة، وأنّ الوقاع في زمن الحيض ربّما يؤدى إلى الأضرار التالية - حسبما أورده المراغي في تفسيره -:

آلام أعضاء التناسل في المرأة، وربّما أحدث التهابات في الرحم في المبيضين أو في الحوض، تضرّ صحتها ضرراً بليغاً، وربّما أدّى ذلك إلى تلف المبيضين وأحدث العقم، وربّما دخل موادّ الحيض في عضو التناسل عند الرجل،

____________________

(١) النساء: ١٠٢.

(٢) البقرة: ١٩٦.

(٣) آل عمران: ١١١.

٥٤٣

وذلك يُحدث التهاباً صديدياً يشبه السيلان، وربّما امتدّ ذلك إلى الخصيتين فآذاهما، ونشأ من ذلك عقم الرجل، وقد يُصاب الرجل بالزهري إذا كانت جراثيمه في دم المرأة، وغير ذلك (١) .

* * *

____________________

(١) راجع تفسير المراغي: ج١ ص١٥٧.

٥٤٤

٥٤٥

٣ - الإعجاز التشريعي

معارفُ سامية وشرائعُ راقية

٥٤٦

الباب الثالث

في الإعجاز التشريعي

( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (١)

معارفُ سامية وشرائعُ راقية:

كانت للإنسان - ولا تزال - مسائل عن هذه الحياة، كان يحاول الإجابة عليها: من أين أتى؟ ولِمَ أتى؟ والى أين؟ وكانت محاولاته بهذا الشأن قد شكّلت مجموعة مسائل الفلسفة الباحثة عن سرّ الوجود، ولكن هل حصل على أجوبة كافية؟ أم كانت ناقصة غير مستوفاة لحدّ الآن؟ لولا إجابة القرآن عليها إجابة وافية وشافية كانت علاجاً حاسماً لِما كان يجيش في الصدور، ( يَا أيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (٢) .

كان ما وصل إليه الإنسان من معارف حول سرّ الوجود ناقصاً وغير مقنع إلى حدّ بعيد، ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) (٣) فكان مستطلعاً ومتعطّشاً إلى حلّ

____________________

(١) النحل: ٨٩.

(٢) يونس: ٥٧.

(٣) الإسراء: ٨٥.

٥٤٧

مشاكله والإجابة على مسائله بشكل كامل ومستوفٍ جميع الجوانب ممّا يرتبط بالمبدأ والمعاد والغاية التي خُلق من أجلها العباد.

نعم، كان القرآن الكريم هو الذي تعرّض لحلّ معضلة الحياة وفصّل الكلام عن بدء الخليقة والغاية عن الوجود وكشف عن سرّ الحياة، تفصيلاً مستوفىً بما لم يدع مجالاً لمسارب الشكّ في مسائل الحياة في المبدأ والمعاد، وأجاب عن مسائل ممّا لم يكد يعرفه الإنسان ( وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (١) .

الأمر الذي جعل من القرآن آية باهرة ومعجزة قاهرة، دلّت على أنّه ليس كلام البشر، وإنّما هو وحي أنزله الله تعالى هدىً ورحمةً للعالمين.

* * *

كما وأتحف للبشرية جمعاء برامج لنظم الحياة وليعيش في سلامة وتؤدة وهناء، ممّا لم يسبقه - كما لم يلحقه - شريعة وضعها الإنسان.

كانت الأنظمة التي وضعها الإنسان لنظم حياته غير كافلة لسعادته، فإنّها وإن كانت راقية من جانب لكنّها سافلة وسحيقة من جوانب أُخر، كانت مناشئ الخسّة والدناءة عليها بادية.

الإنسان مهما ارتقى في مدارج الكمال فإنّه لا يمكنه الانطلاق من قيود نزعاته الهابطة التي تربطه بخسائس الأرض أكثر ممّا ترتقيه إلى آفاق السماء، الإنسان لا يستطيع التخلّص من براثن الحيوانية والبهيمية التي تتحكّم في نفسه إذا لم تكن مهذّبة تهذيباً يتناسب ومعالي الإنسانية الرفيعة.

ومِن ثَمّ فإنّ سِماته الخسيسة سوف تبدو على ما يضعه من قانون أو يعرضه من شرائع وأنظمه لتنظيم الحياة... وكلّ إناء بالذي فيه ينضح، إنّ ما يأتي به

____________________

(١) العلق: ٣ - ٥.

٥٤٨

الإنسان من علمٍ ومعرفةٍ إنّما هي ترشّحات نفسه وصفاته الباطنة في شخصه، إنّ فكرة الإنسان وليدة مشاعره عن هذه الحياة إنّه يفكّر حسبما يعيش، كما يعيش حسبما يفكّر؛ لأنّ الإنسان وليد جامعته ونتيجة بيئته، والبيئة هي التي تكوّن شخصية الأفراد الناشئة منها، فكيف يحاول الترقية ببيئته وهو حصيلها!!

إنّ القيم الساطية على البيئات هي التي توجّه مسيرة الإنسان في مشاعره وفي أفكاره، فلابدّ أن يكون ما يضعه من قانون وشريعة هي مسيّرة من خارج ذاته الإنسانية الرفيعة التي خلقه الله تعالى عليها حسب فطرته الأوّلية.

إنّ نزعات القومية والوطنية واللونية واللسانية - فضلاً عن القبائلية والبلدية - كانت قيوداً لا يستطيع الإنسان الانفلات منها ما دام رهن ميوله واتّجاهاته البشرية السافلة.

* * *

نعم، كانت الشرائع السماوية هي المتحررّة عن كلّ هذه القيود؛ ومِن ثَمّ جاءت صافية ونقية ونزيهة عن كلّ دنس وخسيسة بشرية ممّا افتقدته الإنسانية منذ قرون، حيث جاء القرآن الكريم بشرائعه طاهرة زكية.

كان الإنسان في عهد نزول القرآن يعيش في ظلمات الغيّ والجهالة، وفي لفيف من أنظمة كانت صبغتها الظلم والعتوّ على صنوف الإنسانية الكريمة، وكانت القوانين الحاكمة على البشرية حينذاك ضامنة للمُستعلينَ في الأرض مصالحهم دون المستضعفين - وهم أكثر هذه البسيطة المظلومون - قد هُضم حقّهم وسُحقت كرامتهم ورُبطوا ربط المواشي والأغنام.

* * *

في هذا الجوّ المظلم والبيئة الحالكة جاء القرآن الكريم بمشاعل وهّاجة بمصابيح وضّاءة، تنقشع عن البشرية سحب الظلام وتنكشف على الإنسانية كرامة

٥٤٩

ذاته الأصيلة، فقد جاء بأنظمة وقوانين ترفع بالإنسان إلى كرامته العليا وتُسعده في الحياة سعادة شاملة وكافلة لجميع البشرية العائشة على الأرض، على حدّ سواء، لا ميز لقبيلة على أُخرى، ولا لأهل بلد على آخرين، ولا للغة دون أُخرى، كلّهم بنو آدم، وآدم من تراب. ( يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (١) .

* * *

ومن جانب آخر، كانت الأنظمة التي وضعها الإنسان ذاته إنّما تنظّم جانبين من جوانب الإنسان في الحياة: جانب الفرد في ذاته، وجانبه مع بني نوعه، أي كيف يعيش في ضمان من مصالحه في الحياة ممّا يعود إلى نفسه، وفي المقدار الذي يربطه بمجتمعه.

في حين أنّ للإنسان جوانب أُخر في هذه الحياة، جانب مشاعره وأحاسيسه عن نشأة الوجود، وعن حبّه وعاطفته التي قد تفوق جانب رعاية مصلحة وقتية محدودة النطاق، وكذلك حسّه المرهف عن تلك القوّة القاهرة التي تُسيّر عالم الوجود، وهو ربّ العالمين، الإنسان في فطرة ذاته يشعر بوجود هكذا قدرة خارقة، ويحاول معرفتها ومعرفة مقدار علاقته بها، ووظيفته التي يجب عليه تأديتها تجاه تلك العظمة الباهرة.

إنّ أنظمة الإنسان الوضعية لتعجز على إمكان شمولها لهذه الجوانب من حياة الإنسان نعم، كانت الشرائع الإلهية - والتي جاء بها القرآن الكريم - هي الكافلة لجميع جوانب الحياة، والتي تضمن سعادة الإنسان في النشأتين.

____________________

(١) الحجرات: ١٣.

٥٥٠

والخلاصة: إنّ للإنسان علاقات في هذه الحياة، تشمل علاقته بنفسه، وعلاقته مع بني نوعه، وعلاقته مع ربّه وخالقه ومَن إليه مصيره في نهاية المطاف..

والأنظمة الوضعية إنّما تكفل ضمان العلاقتين الأُولتين بشكل ناقص، وإنّما يضمن العلاقات أجمع وبشكل كامل الشرائع الإلهية، ولا سيّما شريعة الإسلام التي جاء بها القرآن. ( لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (١) .

هكذا جاء القرآن بشرائع راقية - فاق بها شرائع وضعتها البشرية - شاملة كاملة وكافلة الإنسانية في الدارين.. فكانت معجزة خارقة، ودليلاً واضحاً على صدق رسالة الله في الأرض.

* * *

فالآية المعجزة في القرآن الكريم، إنّه أتى بمعارف تسمو معارف البشرية، وجاء بشرائع تتعالى عن خسائس الشرائع الوضعية؛ وبذلك كانت معارف القرآن وشرائعه ممتازة عن سائر الشرائع والأديان بحيث لا تشابه بين شريعة الإسلام وما كان عليه الإنسان المتحضّر في ذلك العهد.

إذاً، فكيف يزعم بعض أصحاب العقول الضعيفة: أنّ القرآن - بل الإسلام - أخذ شرائعه من شرائع وضعية كان قد وضعها الرومان، أو أخذ معارفه من معارف فرضية كان قد فرضها اليونان، أو غيرهما من أُمّم بائدة قد أكل الزمان عليها وشرب؟! حاش القرآن أن ينتهج منهجاً كان معوجّاً في أساس غير قويم.

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

____________________

(١) آل عمران: ١٦٤.

(٢) الروم: ٣٠.

٥٥١

المَثَل الأعلى في الإسلام:

عنوان عنونَ به سيد مير علي الهندي مقاله بهذا الشأن، فلنترك القلم بيده (١) :

قال: والمبادئ الأساسية التي أُنشئ النظام الإسلامي على أساسها هي:

١ - الآيات بالوحدانية، ولا مادّية الخالق وقدرته ورحمته وحبّه الشامل.

٢ - المحبّة والإخاء بين الجنس البشري.

٣ - قهر الشهوة وكسر صولتها والضبط من جموحها.

٤ - تدفّق الشكر المتواصل من القلب، لواهب النِعم والآلاء.

٥ - مسؤولية الإنسان ومحاسبته على ما قدّمت يداه في الدنيا والآخرة.

والحقّ أنّ المفاهيم الرفيعة النبيلة - التي ورد ذكرها في القرآن الكريم - فيما يتعلّق بقدرة الخالق ولطفه وإنعامه لخلقه تفوق أيّة مفاهيم أُخرى من نوعها وردت في أيّة لغة أُخرى.

فوحدانية الله ولا ماديته وجلاله ورحمته تشكّل الموضوع الثابت الذي لا ينتهي لأفصح عبارة في آيات تستثير الروح وتهيّج الوجدان، ويظلّ فيها تدفّق الحياة والروح زاخراً لا ينقطع جريانه، وليس في ذلك أيّ أثر للتحكّم أو الجمود ضمن قواعد محدّدة.

فالدعوة موجّهة إلى الضمير الداخلي للإنسان وحده، وهو الذي تناشده دعوة محمّد (صلّى الله عليه وآله).

ولإدراك واقع الحال علينا أن نقلب بعض صفحات التاريخ. فلنلتفت إلى الماضي التفاتة قصيرة لنرى المبادئ الدينية التي كانت قائمة آنذاك، أي عندما جاء نبيّ الإسلام مبشّراً برسالته.

ولنبدأ بفكرة الربوبية:

كانت هذه تختلف بين العرب الأقوياء، وفقاً لثقافة الفرد أو القبيلة، فهي ترتقي

____________________

(١) من كتابه روح الإسلام: ص١٥٧ - ١٨٥ مع شيء من التغيير والتعديل.

٥٥٢

عند بعضهم إلى درجة الإلوهية أو تأليه الطبيعة، بينما هي عند بعضهم الآخر تنحدر إلى مجرّد عبادة الأوثان وتقديس قطعة من العجين أو عصاً أو حجر.

كان بعضهم يؤمن بالحياة الأُخرى، أمّا البعض الآخر فليست لديهم أيّة فكرة عنها من أيّ نوع كان.

وكذلك فإنّ العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون غاباتهم الصغيرة وأشجار الوحي فيها - حسب زعمهم - وكان لهم كاهناتهم مثل خنيقي سوريا.

هكذا كان عالم الأعراب سابحاً في دوّامة من المبادئ التي لا يكاد يصدّقها العقل حول مثالية الإله سيّد الجميع.

* * *

أمّا اليهود - الذين حافظوا بعض الشيء على فكرة التوحيد - فإنّهم أنفسهم قد شوّهوا مقداراً من تلك الفكرة ومسخوها مسخاً (١) .

كان اليهود قد وفدوا إلى شبه جزيرة العرب على عدّة فترات، ولا شكّ أنّ الصفات المميّزة - التي قادت الإسرائيليين مراراً إلى الميل ثمّ التردّي في عبادة الأوثان في دمارهم الأصلية، قد ازدادت عند هجرتهم إلى الجزيرة بتأثّرهم بوثنية إخوانهم العرب، وكان ذلك طبيعياً، وقد كان لدى فكرة ربّ إبراهيم أن يضحّوا إليها مفهوماً مادّياً للخالق، وكانت عبادة الناموس منحرفة إلى درجة الوثنية بين آخر مجموعة يهودية وفدت إلى الجزيرة، وكانوا يحترمون الكَتَبة والأحبار ويقدّرونهم إلى حدّ تقديسهم (٢) . وكان هؤلاء الأحبار ينظرون إلى أنفسهم على اعتبار أنّهم صفوة الشعب وأنّهم صلة الوصل بالله وأكثر الناس قربى من الله.

____________________

(١) ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى‏ يُؤْفَكُونَ ) . (التوبة: ٣٠).

(٢) ( اتّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) . (التوبة: ٣١).

٥٥٣

وبالإضافة إلى ذلك، فأنّ الجماهير اليهودية لم تترك عبادة الترافيم، وهي عبارة عن آلهة كانوا يحتفظون بها في بيوتهم، قد صنعوها على شكل بني البشر، وكانوا يستشيرون هذه الآلهة في كلّ المناسبات، على اعتبار أنّها آلهتهم الخاصّة التي تتلقى الوحي من الله، ولابدّ أن تكون هذه العبادة قد تعزّزت وارتفع شأنها عن طريق الاتّصال مع الوثنيين العرب.

ونحن نرى أنّ الفلسفة الكلدوزرادشتية قد تركت أثرها الذي لا يُمحى على التقاليد اليهودية من جهة، ومن جهة أُخرى فقد كان أعظم مفكّريهم - حين يحاولون إدخال الاعتقاد بالعلّة الأُولى إلى آراء وتصانيف فلاسفة اليونان والرومان - يشرّبون مدراس الفكر الاسكندرانية بمبادئ وأفكار لا يمكن أن تتّفق مع مذهبهم التوحيديّ الأصل.

وبالإضافة إلى هؤلاء كان هنالك الهندوس مع الحشد الضخم من آلهتهم والإهاتهم، والزرادشتيون مع توأم آلهتهم اللذين يتخاصمان دوماً في سبيل الغلبة والسيادة.

ولن يغيب عن بالنا اليونان والرومان والمصريون، مع هياكلهم التي تتراكم فيها الآلهة بأخلاقها التي لا ترقى إلى مستوى أخلاق عَبَدتها المنحلّين.

* * *

هكذا كان حال العالم المتحضّر في إبّان نشر دعوة المسيح (عليه السلام).

وكان السيّد المسيح بالرغم من كلّ بشاراته وتعاليمه واتّجاهات فكرته فإنّه لم يدّعِ أنّه (متمّم لله) أو أنّه (جوهر الله وذاته) إطلاقاً، ومن المؤسف حقّاً أنّه حتى المسيحية الحديثة قد ظلّت عاجزة عن انتزاع نفسها وتحريرها من الأساطير القديمة التي تركتها لها العصور الغابرة ذلك؛ لأنّ أتباع المسيحية كانوا يتخلّصون جيلاً بعد جيل من كلّ ما هو بشري، في تاريخ المسيح حتّى ضاعت شخصيّته في خضّم الأساطير.

٥٥٤

وها هو (العهد الجديد) ذاته - بما تفرّع عنه خلال قرن كامل - يترك المسيح تلك الشخصية الجليلة غامضة يلفّها ضباب الشكّ والأسطورة أكثر ممّا ينيرها اليقين والتحقيق، وهكذا مع كلّ يوم يمرّ، كانت فكرة (ذاتٍ وُلدت في قلب الأزلية) تكتسب قوّة تظل تتزايد، حتّى تحوّلت إلى عقيدة في صلب الدين.

وقد كانت تعاليم المسيح حريَّةً بأن ترقى إلى مفهوم عن الله أشدّ نقاءً وأعظم مجداً، غير أنّ قروناً ستة قد مضت على عيسى (عليه السلام) ظلّت تلفه طوالها هذه الخزعبلات التي تتعارض مع رسالته، فكان أن أَضفَت عليه صفة الإلوهية، وهكذا فإنّ العبد قد احتلّ مكان مولاه في تقديس البشر.

ولمّا كانت جمهرة العامّة عاجزة عن أن تستوعب - أو حتّى تدرك - المزيج العجيب للفلسفات الفيثاغورية الجديدة والأفلاطونية واليهودية الهيلينية، وكذلك تعاليم المسيح، فقد عَبَدته كما لو كان إلهاً أصيلاً، أو انقلبوا إلى عبادة الآثار وآلهة منحوتة تمثل أُمّه البتول.

وحيث كان المدى قد طال على هذه الخزعبلات فإنّ المسيحيين قد ابتعدوا كثيراً عن بساطة تعاليم المسيح (عليه السلام). حتى لقد أصبحت عبادة الصور والقدّيسين والآثار جزءً لا يتجزأ من ديانة يسوع، وكذلك فإنّنا نرى أنّ الشرور التي شجبها عيسى (عليه السلام) نفسه والطقوس التي أنكرها قد أخذت تدخل في صلب دينه، واحدة تلو أُخرى.

* * *

وبعد، فإنّنا نرى ضدّ كلّ هذه السخافات التي كانت سائدة طول عصور والتي ظلّت مستحكمة البنيان ذلك العهد، كان هدف نبيّ الإسلام في حياته موجّهاً ومركّزاً على أُسس قويمة يدعمها العقل والفطرة السلمية، فهو إذ يخاطب الناس يخاطبهم بحقّ، وهو متأثّر باتصال وثيق مع الله، الله الذي خَلق الكون جملةً وتفصيلاً، ولم يحد محمدٌ (صلّى الله عليه وآله) عن طريق العقل الرشيد. ورغم قيام عبدة الأوثان

٥٥٥

من أبناء القبائل العربية من جهة، وأتباع المسيحية واليهودية الممسوختين من جهة أُخرى، بمحاولة إغرائه، فقد ظلّ يخاطبهم حتّى جعلهم يخجلون من فظاعة معتقداتهم.

وهكذا، فإنّ نبيّ الإسلام - الذي كان يُسمّى بحقّ (سيّد القائلين) و(سيّد المرسلين) والداعي إلى وحدانية الله - قد صمد، كما يحدّثنا التاريخ، في صراع نبيل واجهته به أول الأمر، ثمّ فرضته عليه بعد ذلك محاولات الإنسان الرجعية الرامية إلى إشراك مخلوقات أُخرى مع خالق الكون غير أنّ الدعوة قد غَلبت الجميع، وظهر الدين كلّه على الشرك كله، فقد ( جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) (١) .

وليس أوضح ولا أجزم من الآيات التالية التي وردت في القرآن الكريم في تفسير وحدانية الله إنّه يقول:

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الرّحْمنُ الرّحِيمُ * إِنّ فِي خَلْقِ السّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ وَالنّهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنَ النّاسِ مَن يَتّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبّاً للّهِ‏ِ وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنّ الْقُوّةَ للّهِ‏ِ جَمِيعاً وَأَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) (٢) .

فأيّ عطف عميق تعرضه هذه الكلمات على أولئك الذين في الجهالة يعمهون! ثمّ هذه الآيات، حيث قال تعالى في كتابه الكريم:

( هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السّحَابَ الثّقَالَ * وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ

____________________

(١) التوبة: ٤٨.

(٢) البقرة: ١٦٣ - ١٦٥.

٥٥٦

فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَي‏ءٍ إِلاّ كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ * وَللّهِ‏ِ يَسْجُدُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلاَلُهُم بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * قُلْ مَن رّبّ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتّخَذْتُم مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِم نَفْعاً ولاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى‏ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُمَاتُ وَالنّورُ أَمْ جَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ ) (١) .

وقوله جلّ شأنه:

( خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقّ تَعَالَى‏ عَمّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ * وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ‏ءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى‏ بَلَدٍ لّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاّ بِشِقّ الأَنفُسِ إِنّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً لَكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ * وَسَخّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذّكّرُونَ * وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقى‏ فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلاَمَاتٍ وِبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاّ يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ * وَإِن تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ اللّهَ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ * وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا

____________________

(١) الرعد: ١٢ - ١٦.

٥٥٧

تُسِرّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ ) (١) .

و: ( اللّهُ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ ) (٢) .

وكذلك: ( إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ والأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللّيْلَ النّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومَ مُسَخّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (٣) .

وكذلك (سورة الإخلاص):

( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (٤) .

وسورة الفاتحة:

( بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * اَلْحَمْدُ للّهِ‏ِ رَبّ الْعالَمِينَ * الرّحْمنِ الرّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلّينَ ) (٥) .

( قُل لِمَن مَا فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُل للّهِ‏ِ كَتَبَ عَلَى‏ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ لَيَجْمَعَنّكُمْ إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٦) .

( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُم بِاللّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنّهَارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى‏

____________________

(١) النحل: ٣ - ٢١.

(٢) البقرة: ٢٥٥.

(٣) الأعراف: ٥٤.

(٤) الإخلاص: ١ - ٤.

(٥) الفاتحة: ١ - ٧.

(٦) الأنعام: ١٢.

٥٥٨

أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) .

وفي مجال بيان توحيد الله سبحانه والاستدلال عليه من خلال مخلوقاته وآثار الإبداع في خلقه، وهي الطريقة الفطرية للإقناع والإتباع، يقول تعالى:

( إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَى‏ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى‏ تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ النّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنْشَأَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مِن أَعْنَابٍ وَالزّيْتُونَ وَالرّمَانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى‏ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنّ فِي ذلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ الْجِنّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏ عَمّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ أَنّى‏ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * ذلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) (٢) .

( قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ‏ِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (٣) .

( أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطّيْرُ صَافّاتٍ كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللّهِ‏ِ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) (٤) .

____________________

(١) الأنعام: ٥٩ و٦٠.

(٢) الأنعام: ٩٥ - ١٠٤.

(٣) الأنعام: ١٦٢.

(٤) النور: ٤١ و٤٢.

٥٥٩

( اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ * يُدَبّرُ الأَمْرَ مِنَ السّماءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ * ذلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ * الّذِي أَحْسَنَ كُلّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ ) (١) .

( قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (٢) .

( قُلْ هُوَ الّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (٣) .

( وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النّهَارَ نُشُوراً ) (٤) .

( غَافِرِ الذّنْبِ وَقَابِلِ التّوْبِ... ذِي الطّوْلِ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) (٥) .

( لا شَرِيكَ لَهُ وِبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (٦) .

( أَمّنْ خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلهٌ مّعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكّرُونَ ) (٧) .

____________________

(١) السجدة: ٤ - ٩.

(٢) الأعراف: ١٥٨.

(٣) الملك: ٢٣ و٢٤.

(٤) الفرقان: ٤٧.

(٥) غافر: ٣.

(٦) الأنعام: ١٦٣.

(٧) النمل: ٦٠ و٦٢.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579