تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 579
المشاهدات: 99728
تحميل: 9926


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99728 / تحميل: 9926
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تزيد سنوات الرقدة - لو حاسبناها على السنين القمرية - بتسعة سنين بالضبط، بالأيّام والساعات والدقائق والثواني.

فقد لزم أن يقول القرآن: إنّ سنوات الرقدة تزيد تسعاً على التقويم الذي عندكم، وهذا سرٌّ ربّما خفي لحدّ الآن... معجزة باقية.

( قُلْ أَنزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ ) (1) .

تقديم السمع على البصر:

من الدقائق في تعبير القرآن الكريم أنّك تجده يذكر السمع مُقدماً على البصر في أكثر من خمسة وعشرين موضعاً (2) ، وهي مسألة يعرف سرّها الآن علماء التشريح (الفسيولوجيا) ويُدركون أنّ جهاز السمع أرقى وأعقد وأدق وأرهف من جهاز الأبصار، ويمتاز عليه بإدراك المجرّدات كالموسيقي، وإدراك التداخل مثل حلول عدّة نغمات داخل بعضها بعضاً، مع القدرة على تمييز كلّ نغمة على انفرادها، كما تميّز الأُمّ صوت بكاء وَلدها من بين زحام هائل من أصوات متداخلة، يتم هذا في لحظة من الزمن... أمّا العين فهي تتوه في زحام التفاصيل ولا تعثر على ضالّتها.

____________________

= يوماً و6 ساعات و9 دقائق و9 ثوانٍ بالضبط، إلاّ شيئاً قليلاً (595/. الثانية) تنقص كلّ سنة.

فتزيد السنة الشمسية على السنة القمرية بمقدار 11 يوماً وهي مضروبة في (300) تساوي (3300) يوماً وتساوي (9سنوات وثلاثة أشهر ونصفاً: 105). بالتقسيم على عدد أيّام السنة القمرية، حساباً بالتقريب، حيث عدم انضباط السنة القمرية تماماً. فصحّ تعبير القرآن بزيادة تسعة أعوام تعبيراً بالدقّة.

راجع: التفهيم لأبي ريحان البيروني: ص235، ودهخدا: ص163 حرف س.

(1) الفرقان: 6.

(2) البقرة: 7 و20، النساء: 58 و140، الأنعام: 46. يونس: 31، هود: 20، النحل: 78 و108. الإسراء: 1 و36، طه: 46، الحجّ: 61 و75، المؤمنون: 24، لقمان: 28، السجدة: 9، غافر: 20 و56، فصّلت: 20 و22، الشورى: 11، الأحقاف: 26، المجادلة: 1. الملك: 23، الإنسان: 2.

٥٤١

يتوه الوَلد عن عين أُمّه في الزحام ولا يتوه عن سمعها، والعلم يمدّنا بألف دليل على تفوّق معجزة السمع على معجزة البصر.. ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتّى‏ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ ) (1) .

وقد مرّ بعض الكلام عن ذلك في الجزء الخامس (2) ضمن دقائق ونكات رائعة من القرآن الكريم.

( يَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ) (3) :

ما أرقّه من تعبير عن حالة المرأة أيّام طمثها، لا شقاءً كشقاء أحكام اليهود بشأنها، ولا جفاءً كجفاء جاهلية العرب بحقّها.. إنّه تعبير ينم عن واقعية هي حالة مَرَضية تعتري المرأة في محيضها، فيجب مراعاة حالها والمداراة مع ضعفها الجسمي، وهي لا تطيق ما تطيقه في حالتها العادية.

وقد كان اليهود يُشدّدون في مسائل الحيض، كما جاء في الفصل الخامس عشر من التوراة: إنّ كلّ مَن مسّ الحائض في أيّام طمثها يكون نجساً إلى المساء، وكلّ مَن مسّ فراشها يغسل ثيابه بماء ويستحمّ ويكون نجساً إلى المساء، وكلّ مَن مسّ متاعاً تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويكون نجساً إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه، يكون نجساً سبعة أيّام، وكلّ فراش يضطجع عليه يكون نجساً (4) .

وكانت العرب في الجاهلية لا يساكنون الحُيَّض، ولا يؤاكلونهنّ، كما كانت تفعل اليهود والمجوس أيضاً.

لكن القرآن دفع عنها الرجس وجعلها في إطارها الخاصّ من الرِفق بحالها والعطف عليها والحنان، لا هجرها ونبذها ومتاركتها أو إحراجها بالخروج عن

____________________

(1) فصّلت: 53.

(2) الجزء الخامس من ص 54 - 55.

(3) البقرة: 222.

(4) سِفر اللاويين: إصحاح 15 عدد 19 - 24.

٥٤٢

مساكنها، كما كانت العادة عند المجوس.

قال تعالى: ( هو أذىً ) أي حالة مرض يعتريها لا أكثر ولا أقلّ، والأذى المرض الخفيف المؤونة، فهي حاله مؤذية دون إيذاء المرض والضرّ الشديد كما في قوله تعالى: ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذَىً مِن مَطَرٍ أَوْ كُنتُم مَرْضَى ) (1) ، وقوله تعالى: ( فَمَن كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ ) (2) ، وقوله تعالى: ( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً ) (3) .

وقد ورد في شريعة الإسلام جواز مراودتها دون الجماع فقط، قال (صلّى الله عليه وآله): (اصنعوا كلّ شيء إلاّ الجماع) ، وفي حديث آخر: (لك ما فوق الإزار) .

فالحكم الإسلامي بشأنها هو اعتزالها في المحيض فحسب، أي اعتزال موضع حيضها.

وفي ذلك أيضاً لطف بيان وأناقة كلام: بيّنَ أوّلاً سبب الحكم ثمّ رتّب الحُكم عليه، ليكون المكلّف على بصيرة من أمره، أن ليست أحكام الشرعية تحميلاً أو مجرّد تعبّدٍ محض، بل لكلّ أمر سبب ولكلّ حكم وتكليف مصلحة، تعود إلى صالح المكلّفين في نهاية الأمر.

والخلاصة: الواجب هو ترك غَشيان النساء مدّة الحيض؛ لأنّه سبب للأذى والضرر أحياناً، وقد أثبت الطبّ الحديث مفاسد غشيانهنّ في تلك الحالة، وأنّ الوقاع في زمن الحيض ربّما يؤدى إلى الأضرار التالية - حسبما أورده المراغي في تفسيره -:

آلام أعضاء التناسل في المرأة، وربّما أحدث التهابات في الرحم في المبيضين أو في الحوض، تضرّ صحتها ضرراً بليغاً، وربّما أدّى ذلك إلى تلف المبيضين وأحدث العقم، وربّما دخل موادّ الحيض في عضو التناسل عند الرجل،

____________________

(1) النساء: 102.

(2) البقرة: 196.

(3) آل عمران: 111.

٥٤٣

وذلك يُحدث التهاباً صديدياً يشبه السيلان، وربّما امتدّ ذلك إلى الخصيتين فآذاهما، ونشأ من ذلك عقم الرجل، وقد يُصاب الرجل بالزهري إذا كانت جراثيمه في دم المرأة، وغير ذلك (1) .

* * *

____________________

(1) راجع تفسير المراغي: ج1 ص157.

٥٤٤

٥٤٥

3 - الإعجاز التشريعي

معارفُ سامية وشرائعُ راقية

٥٤٦

الباب الثالث

في الإعجاز التشريعي

( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (1)

معارفُ سامية وشرائعُ راقية:

كانت للإنسان - ولا تزال - مسائل عن هذه الحياة، كان يحاول الإجابة عليها: من أين أتى؟ ولِمَ أتى؟ والى أين؟ وكانت محاولاته بهذا الشأن قد شكّلت مجموعة مسائل الفلسفة الباحثة عن سرّ الوجود، ولكن هل حصل على أجوبة كافية؟ أم كانت ناقصة غير مستوفاة لحدّ الآن؟ لولا إجابة القرآن عليها إجابة وافية وشافية كانت علاجاً حاسماً لِما كان يجيش في الصدور، ( يَا أيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (2) .

كان ما وصل إليه الإنسان من معارف حول سرّ الوجود ناقصاً وغير مقنع إلى حدّ بعيد، ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) (3) فكان مستطلعاً ومتعطّشاً إلى حلّ

____________________

(1) النحل: 89.

(2) يونس: 57.

(3) الإسراء: 85.

٥٤٧

مشاكله والإجابة على مسائله بشكل كامل ومستوفٍ جميع الجوانب ممّا يرتبط بالمبدأ والمعاد والغاية التي خُلق من أجلها العباد.

نعم، كان القرآن الكريم هو الذي تعرّض لحلّ معضلة الحياة وفصّل الكلام عن بدء الخليقة والغاية عن الوجود وكشف عن سرّ الحياة، تفصيلاً مستوفىً بما لم يدع مجالاً لمسارب الشكّ في مسائل الحياة في المبدأ والمعاد، وأجاب عن مسائل ممّا لم يكد يعرفه الإنسان ( وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (1) .

الأمر الذي جعل من القرآن آية باهرة ومعجزة قاهرة، دلّت على أنّه ليس كلام البشر، وإنّما هو وحي أنزله الله تعالى هدىً ورحمةً للعالمين.

* * *

كما وأتحف للبشرية جمعاء برامج لنظم الحياة وليعيش في سلامة وتؤدة وهناء، ممّا لم يسبقه - كما لم يلحقه - شريعة وضعها الإنسان.

كانت الأنظمة التي وضعها الإنسان لنظم حياته غير كافلة لسعادته، فإنّها وإن كانت راقية من جانب لكنّها سافلة وسحيقة من جوانب أُخر، كانت مناشئ الخسّة والدناءة عليها بادية.

الإنسان مهما ارتقى في مدارج الكمال فإنّه لا يمكنه الانطلاق من قيود نزعاته الهابطة التي تربطه بخسائس الأرض أكثر ممّا ترتقيه إلى آفاق السماء، الإنسان لا يستطيع التخلّص من براثن الحيوانية والبهيمية التي تتحكّم في نفسه إذا لم تكن مهذّبة تهذيباً يتناسب ومعالي الإنسانية الرفيعة.

ومِن ثَمّ فإنّ سِماته الخسيسة سوف تبدو على ما يضعه من قانون أو يعرضه من شرائع وأنظمه لتنظيم الحياة... وكلّ إناء بالذي فيه ينضح، إنّ ما يأتي به

____________________

(1) العلق: 3 - 5.

٥٤٨

الإنسان من علمٍ ومعرفةٍ إنّما هي ترشّحات نفسه وصفاته الباطنة في شخصه، إنّ فكرة الإنسان وليدة مشاعره عن هذه الحياة إنّه يفكّر حسبما يعيش، كما يعيش حسبما يفكّر؛ لأنّ الإنسان وليد جامعته ونتيجة بيئته، والبيئة هي التي تكوّن شخصية الأفراد الناشئة منها، فكيف يحاول الترقية ببيئته وهو حصيلها!!

إنّ القيم الساطية على البيئات هي التي توجّه مسيرة الإنسان في مشاعره وفي أفكاره، فلابدّ أن يكون ما يضعه من قانون وشريعة هي مسيّرة من خارج ذاته الإنسانية الرفيعة التي خلقه الله تعالى عليها حسب فطرته الأوّلية.

إنّ نزعات القومية والوطنية واللونية واللسانية - فضلاً عن القبائلية والبلدية - كانت قيوداً لا يستطيع الإنسان الانفلات منها ما دام رهن ميوله واتّجاهاته البشرية السافلة.

* * *

نعم، كانت الشرائع السماوية هي المتحررّة عن كلّ هذه القيود؛ ومِن ثَمّ جاءت صافية ونقية ونزيهة عن كلّ دنس وخسيسة بشرية ممّا افتقدته الإنسانية منذ قرون، حيث جاء القرآن الكريم بشرائعه طاهرة زكية.

كان الإنسان في عهد نزول القرآن يعيش في ظلمات الغيّ والجهالة، وفي لفيف من أنظمة كانت صبغتها الظلم والعتوّ على صنوف الإنسانية الكريمة، وكانت القوانين الحاكمة على البشرية حينذاك ضامنة للمُستعلينَ في الأرض مصالحهم دون المستضعفين - وهم أكثر هذه البسيطة المظلومون - قد هُضم حقّهم وسُحقت كرامتهم ورُبطوا ربط المواشي والأغنام.

* * *

في هذا الجوّ المظلم والبيئة الحالكة جاء القرآن الكريم بمشاعل وهّاجة بمصابيح وضّاءة، تنقشع عن البشرية سحب الظلام وتنكشف على الإنسانية كرامة

٥٤٩

ذاته الأصيلة، فقد جاء بأنظمة وقوانين ترفع بالإنسان إلى كرامته العليا وتُسعده في الحياة سعادة شاملة وكافلة لجميع البشرية العائشة على الأرض، على حدّ سواء، لا ميز لقبيلة على أُخرى، ولا لأهل بلد على آخرين، ولا للغة دون أُخرى، كلّهم بنو آدم، وآدم من تراب. ( يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (1) .

* * *

ومن جانب آخر، كانت الأنظمة التي وضعها الإنسان ذاته إنّما تنظّم جانبين من جوانب الإنسان في الحياة: جانب الفرد في ذاته، وجانبه مع بني نوعه، أي كيف يعيش في ضمان من مصالحه في الحياة ممّا يعود إلى نفسه، وفي المقدار الذي يربطه بمجتمعه.

في حين أنّ للإنسان جوانب أُخر في هذه الحياة، جانب مشاعره وأحاسيسه عن نشأة الوجود، وعن حبّه وعاطفته التي قد تفوق جانب رعاية مصلحة وقتية محدودة النطاق، وكذلك حسّه المرهف عن تلك القوّة القاهرة التي تُسيّر عالم الوجود، وهو ربّ العالمين، الإنسان في فطرة ذاته يشعر بوجود هكذا قدرة خارقة، ويحاول معرفتها ومعرفة مقدار علاقته بها، ووظيفته التي يجب عليه تأديتها تجاه تلك العظمة الباهرة.

إنّ أنظمة الإنسان الوضعية لتعجز على إمكان شمولها لهذه الجوانب من حياة الإنسان نعم، كانت الشرائع الإلهية - والتي جاء بها القرآن الكريم - هي الكافلة لجميع جوانب الحياة، والتي تضمن سعادة الإنسان في النشأتين.

____________________

(1) الحجرات: 13.

٥٥٠

والخلاصة: إنّ للإنسان علاقات في هذه الحياة، تشمل علاقته بنفسه، وعلاقته مع بني نوعه، وعلاقته مع ربّه وخالقه ومَن إليه مصيره في نهاية المطاف..

والأنظمة الوضعية إنّما تكفل ضمان العلاقتين الأُولتين بشكل ناقص، وإنّما يضمن العلاقات أجمع وبشكل كامل الشرائع الإلهية، ولا سيّما شريعة الإسلام التي جاء بها القرآن. ( لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (1) .

هكذا جاء القرآن بشرائع راقية - فاق بها شرائع وضعتها البشرية - شاملة كاملة وكافلة الإنسانية في الدارين.. فكانت معجزة خارقة، ودليلاً واضحاً على صدق رسالة الله في الأرض.

* * *

فالآية المعجزة في القرآن الكريم، إنّه أتى بمعارف تسمو معارف البشرية، وجاء بشرائع تتعالى عن خسائس الشرائع الوضعية؛ وبذلك كانت معارف القرآن وشرائعه ممتازة عن سائر الشرائع والأديان بحيث لا تشابه بين شريعة الإسلام وما كان عليه الإنسان المتحضّر في ذلك العهد.

إذاً، فكيف يزعم بعض أصحاب العقول الضعيفة: أنّ القرآن - بل الإسلام - أخذ شرائعه من شرائع وضعية كان قد وضعها الرومان، أو أخذ معارفه من معارف فرضية كان قد فرضها اليونان، أو غيرهما من أُمّم بائدة قد أكل الزمان عليها وشرب؟! حاش القرآن أن ينتهج منهجاً كان معوجّاً في أساس غير قويم.

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (2) .

____________________

(1) آل عمران: 164.

(2) الروم: 30.

٥٥١

المَثَل الأعلى في الإسلام:

عنوان عنونَ به سيد مير علي الهندي مقاله بهذا الشأن، فلنترك القلم بيده (1) :

قال: والمبادئ الأساسية التي أُنشئ النظام الإسلامي على أساسها هي:

1 - الآيات بالوحدانية، ولا مادّية الخالق وقدرته ورحمته وحبّه الشامل.

2 - المحبّة والإخاء بين الجنس البشري.

3 - قهر الشهوة وكسر صولتها والضبط من جموحها.

4 - تدفّق الشكر المتواصل من القلب، لواهب النِعم والآلاء.

5 - مسؤولية الإنسان ومحاسبته على ما قدّمت يداه في الدنيا والآخرة.

والحقّ أنّ المفاهيم الرفيعة النبيلة - التي ورد ذكرها في القرآن الكريم - فيما يتعلّق بقدرة الخالق ولطفه وإنعامه لخلقه تفوق أيّة مفاهيم أُخرى من نوعها وردت في أيّة لغة أُخرى.

فوحدانية الله ولا ماديته وجلاله ورحمته تشكّل الموضوع الثابت الذي لا ينتهي لأفصح عبارة في آيات تستثير الروح وتهيّج الوجدان، ويظلّ فيها تدفّق الحياة والروح زاخراً لا ينقطع جريانه، وليس في ذلك أيّ أثر للتحكّم أو الجمود ضمن قواعد محدّدة.

فالدعوة موجّهة إلى الضمير الداخلي للإنسان وحده، وهو الذي تناشده دعوة محمّد (صلّى الله عليه وآله).

ولإدراك واقع الحال علينا أن نقلب بعض صفحات التاريخ. فلنلتفت إلى الماضي التفاتة قصيرة لنرى المبادئ الدينية التي كانت قائمة آنذاك، أي عندما جاء نبيّ الإسلام مبشّراً برسالته.

ولنبدأ بفكرة الربوبية:

كانت هذه تختلف بين العرب الأقوياء، وفقاً لثقافة الفرد أو القبيلة، فهي ترتقي

____________________

(1) من كتابه روح الإسلام: ص157 - 185 مع شيء من التغيير والتعديل.

٥٥٢

عند بعضهم إلى درجة الإلوهية أو تأليه الطبيعة، بينما هي عند بعضهم الآخر تنحدر إلى مجرّد عبادة الأوثان وتقديس قطعة من العجين أو عصاً أو حجر.

كان بعضهم يؤمن بالحياة الأُخرى، أمّا البعض الآخر فليست لديهم أيّة فكرة عنها من أيّ نوع كان.

وكذلك فإنّ العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون غاباتهم الصغيرة وأشجار الوحي فيها - حسب زعمهم - وكان لهم كاهناتهم مثل خنيقي سوريا.

هكذا كان عالم الأعراب سابحاً في دوّامة من المبادئ التي لا يكاد يصدّقها العقل حول مثالية الإله سيّد الجميع.

* * *

أمّا اليهود - الذين حافظوا بعض الشيء على فكرة التوحيد - فإنّهم أنفسهم قد شوّهوا مقداراً من تلك الفكرة ومسخوها مسخاً (1) .

كان اليهود قد وفدوا إلى شبه جزيرة العرب على عدّة فترات، ولا شكّ أنّ الصفات المميّزة - التي قادت الإسرائيليين مراراً إلى الميل ثمّ التردّي في عبادة الأوثان في دمارهم الأصلية، قد ازدادت عند هجرتهم إلى الجزيرة بتأثّرهم بوثنية إخوانهم العرب، وكان ذلك طبيعياً، وقد كان لدى فكرة ربّ إبراهيم أن يضحّوا إليها مفهوماً مادّياً للخالق، وكانت عبادة الناموس منحرفة إلى درجة الوثنية بين آخر مجموعة يهودية وفدت إلى الجزيرة، وكانوا يحترمون الكَتَبة والأحبار ويقدّرونهم إلى حدّ تقديسهم (2) . وكان هؤلاء الأحبار ينظرون إلى أنفسهم على اعتبار أنّهم صفوة الشعب وأنّهم صلة الوصل بالله وأكثر الناس قربى من الله.

____________________

(1) ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى‏ يُؤْفَكُونَ ) . (التوبة: 30).

(2) ( اتّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) . (التوبة: 31).

٥٥٣

وبالإضافة إلى ذلك، فأنّ الجماهير اليهودية لم تترك عبادة الترافيم، وهي عبارة عن آلهة كانوا يحتفظون بها في بيوتهم، قد صنعوها على شكل بني البشر، وكانوا يستشيرون هذه الآلهة في كلّ المناسبات، على اعتبار أنّها آلهتهم الخاصّة التي تتلقى الوحي من الله، ولابدّ أن تكون هذه العبادة قد تعزّزت وارتفع شأنها عن طريق الاتّصال مع الوثنيين العرب.

ونحن نرى أنّ الفلسفة الكلدوزرادشتية قد تركت أثرها الذي لا يُمحى على التقاليد اليهودية من جهة، ومن جهة أُخرى فقد كان أعظم مفكّريهم - حين يحاولون إدخال الاعتقاد بالعلّة الأُولى إلى آراء وتصانيف فلاسفة اليونان والرومان - يشرّبون مدراس الفكر الاسكندرانية بمبادئ وأفكار لا يمكن أن تتّفق مع مذهبهم التوحيديّ الأصل.

وبالإضافة إلى هؤلاء كان هنالك الهندوس مع الحشد الضخم من آلهتهم والإهاتهم، والزرادشتيون مع توأم آلهتهم اللذين يتخاصمان دوماً في سبيل الغلبة والسيادة.

ولن يغيب عن بالنا اليونان والرومان والمصريون، مع هياكلهم التي تتراكم فيها الآلهة بأخلاقها التي لا ترقى إلى مستوى أخلاق عَبَدتها المنحلّين.

* * *

هكذا كان حال العالم المتحضّر في إبّان نشر دعوة المسيح (عليه السلام).

وكان السيّد المسيح بالرغم من كلّ بشاراته وتعاليمه واتّجاهات فكرته فإنّه لم يدّعِ أنّه (متمّم لله) أو أنّه (جوهر الله وذاته) إطلاقاً، ومن المؤسف حقّاً أنّه حتى المسيحية الحديثة قد ظلّت عاجزة عن انتزاع نفسها وتحريرها من الأساطير القديمة التي تركتها لها العصور الغابرة ذلك؛ لأنّ أتباع المسيحية كانوا يتخلّصون جيلاً بعد جيل من كلّ ما هو بشري، في تاريخ المسيح حتّى ضاعت شخصيّته في خضّم الأساطير.

٥٥٤

وها هو (العهد الجديد) ذاته - بما تفرّع عنه خلال قرن كامل - يترك المسيح تلك الشخصية الجليلة غامضة يلفّها ضباب الشكّ والأسطورة أكثر ممّا ينيرها اليقين والتحقيق، وهكذا مع كلّ يوم يمرّ، كانت فكرة (ذاتٍ وُلدت في قلب الأزلية) تكتسب قوّة تظل تتزايد، حتّى تحوّلت إلى عقيدة في صلب الدين.

وقد كانت تعاليم المسيح حريَّةً بأن ترقى إلى مفهوم عن الله أشدّ نقاءً وأعظم مجداً، غير أنّ قروناً ستة قد مضت على عيسى (عليه السلام) ظلّت تلفه طوالها هذه الخزعبلات التي تتعارض مع رسالته، فكان أن أَضفَت عليه صفة الإلوهية، وهكذا فإنّ العبد قد احتلّ مكان مولاه في تقديس البشر.

ولمّا كانت جمهرة العامّة عاجزة عن أن تستوعب - أو حتّى تدرك - المزيج العجيب للفلسفات الفيثاغورية الجديدة والأفلاطونية واليهودية الهيلينية، وكذلك تعاليم المسيح، فقد عَبَدته كما لو كان إلهاً أصيلاً، أو انقلبوا إلى عبادة الآثار وآلهة منحوتة تمثل أُمّه البتول.

وحيث كان المدى قد طال على هذه الخزعبلات فإنّ المسيحيين قد ابتعدوا كثيراً عن بساطة تعاليم المسيح (عليه السلام). حتى لقد أصبحت عبادة الصور والقدّيسين والآثار جزءً لا يتجزأ من ديانة يسوع، وكذلك فإنّنا نرى أنّ الشرور التي شجبها عيسى (عليه السلام) نفسه والطقوس التي أنكرها قد أخذت تدخل في صلب دينه، واحدة تلو أُخرى.

* * *

وبعد، فإنّنا نرى ضدّ كلّ هذه السخافات التي كانت سائدة طول عصور والتي ظلّت مستحكمة البنيان ذلك العهد، كان هدف نبيّ الإسلام في حياته موجّهاً ومركّزاً على أُسس قويمة يدعمها العقل والفطرة السلمية، فهو إذ يخاطب الناس يخاطبهم بحقّ، وهو متأثّر باتصال وثيق مع الله، الله الذي خَلق الكون جملةً وتفصيلاً، ولم يحد محمدٌ (صلّى الله عليه وآله) عن طريق العقل الرشيد. ورغم قيام عبدة الأوثان

٥٥٥

من أبناء القبائل العربية من جهة، وأتباع المسيحية واليهودية الممسوختين من جهة أُخرى، بمحاولة إغرائه، فقد ظلّ يخاطبهم حتّى جعلهم يخجلون من فظاعة معتقداتهم.

وهكذا، فإنّ نبيّ الإسلام - الذي كان يُسمّى بحقّ (سيّد القائلين) و(سيّد المرسلين) والداعي إلى وحدانية الله - قد صمد، كما يحدّثنا التاريخ، في صراع نبيل واجهته به أول الأمر، ثمّ فرضته عليه بعد ذلك محاولات الإنسان الرجعية الرامية إلى إشراك مخلوقات أُخرى مع خالق الكون غير أنّ الدعوة قد غَلبت الجميع، وظهر الدين كلّه على الشرك كله، فقد ( جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) (1) .

وليس أوضح ولا أجزم من الآيات التالية التي وردت في القرآن الكريم في تفسير وحدانية الله إنّه يقول:

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الرّحْمنُ الرّحِيمُ * إِنّ فِي خَلْقِ السّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ وَالنّهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنَ النّاسِ مَن يَتّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبّاً للّهِ‏ِ وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنّ الْقُوّةَ للّهِ‏ِ جَمِيعاً وَأَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) (2) .

فأيّ عطف عميق تعرضه هذه الكلمات على أولئك الذين في الجهالة يعمهون! ثمّ هذه الآيات، حيث قال تعالى في كتابه الكريم:

( هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السّحَابَ الثّقَالَ * وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ

____________________

(1) التوبة: 48.

(2) البقرة: 163 - 165.

٥٥٦

فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَي‏ءٍ إِلاّ كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ * وَللّهِ‏ِ يَسْجُدُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلاَلُهُم بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * قُلْ مَن رّبّ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتّخَذْتُم مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِم نَفْعاً ولاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى‏ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُمَاتُ وَالنّورُ أَمْ جَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ ) (1) .

وقوله جلّ شأنه:

( خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقّ تَعَالَى‏ عَمّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ * وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ‏ءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى‏ بَلَدٍ لّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاّ بِشِقّ الأَنفُسِ إِنّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً لَكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ * وَسَخّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذّكّرُونَ * وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقى‏ فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلاَمَاتٍ وِبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاّ يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ * وَإِن تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ اللّهَ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ * وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا

____________________

(1) الرعد: 12 - 16.

٥٥٧

تُسِرّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ ) (1) .

و: ( اللّهُ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ ) (2) .

وكذلك: ( إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ والأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللّيْلَ النّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومَ مُسَخّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (3) .

وكذلك (سورة الإخلاص):

( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (4) .

وسورة الفاتحة:

( بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * اَلْحَمْدُ للّهِ‏ِ رَبّ الْعالَمِينَ * الرّحْمنِ الرّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلّينَ ) (5) .

( قُل لِمَن مَا فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُل للّهِ‏ِ كَتَبَ عَلَى‏ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ لَيَجْمَعَنّكُمْ إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (6) .

( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُم بِاللّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنّهَارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى‏

____________________

(1) النحل: 3 - 21.

(2) البقرة: 255.

(3) الأعراف: 54.

(4) الإخلاص: 1 - 4.

(5) الفاتحة: 1 - 7.

(6) الأنعام: 12.

٥٥٨

أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1) .

وفي مجال بيان توحيد الله سبحانه والاستدلال عليه من خلال مخلوقاته وآثار الإبداع في خلقه، وهي الطريقة الفطرية للإقناع والإتباع، يقول تعالى:

( إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَى‏ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى‏ تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ النّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنْشَأَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مِن أَعْنَابٍ وَالزّيْتُونَ وَالرّمَانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى‏ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنّ فِي ذلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ الْجِنّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏ عَمّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ أَنّى‏ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * ذلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) (2) .

( قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ‏ِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (3) .

( أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطّيْرُ صَافّاتٍ كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللّهِ‏ِ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) (4) .

____________________

(1) الأنعام: 59 و60.

(2) الأنعام: 95 - 104.

(3) الأنعام: 162.

(4) النور: 41 و42.

٥٥٩

( اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ * يُدَبّرُ الأَمْرَ مِنَ السّماءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ * ذلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ * الّذِي أَحْسَنَ كُلّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ ) (1) .

( قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (2) .

( قُلْ هُوَ الّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (3) .

( وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النّهَارَ نُشُوراً ) (4) .

( غَافِرِ الذّنْبِ وَقَابِلِ التّوْبِ... ذِي الطّوْلِ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) (5) .

( لا شَرِيكَ لَهُ وِبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (6) .

( أَمّنْ خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلهٌ مّعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكّرُونَ ) (7) .

____________________

(1) السجدة: 4 - 9.

(2) الأعراف: 158.

(3) الملك: 23 و24.

(4) الفرقان: 47.

(5) غافر: 3.

(6) الأنعام: 163.

(7) النمل: 60 و62.

٥٦٠