أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية0%

أصول الخطابة الحسينية مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 140

أصول الخطابة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ضياء الساري
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 140
المشاهدات: 75055
تحميل: 8777

توضيحات:

أصول الخطابة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75055 / تحميل: 8777
الحجم الحجم الحجم
أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المبتدئ هو عدم إتقانه وإحكامه للجوانب الفنيّة في الخطابة، فينشأ عنده شعور بالمخاوف من عدم أدائه بالنحو الصحيح حال ارتقائه المنبر، وهذا أمر طبيعي في بداية الممارسة، فلا يكون داعياً لتعظيمه حتّى لا يصير عقدة في النفس يصعب علاجها فيما بعد.

فعلى الخطيب المبتدئ أن يوطّد نفسه على الصبر، ويعمل حتّى تزول منه الأخطاء، وتثبت عنده القدرة على الأداء الصحيح.

6 - على الخطيب المبتدئ أن يراعي مراحل الممارسة العمليّة للخطابة ويتدرّج فيها، فلا يتجاوز مرحلة إلاّ بعد إتقانها وإحكامها بنحو تام؛ فإنّ عدم مراعاة ذلك لا يثمر إلاّ الفشل، ويكون سبباً لتعظيم المخاوف عند البعض.

وإذا أردنا تميّز مراحل الخطابة فهي على النحو التالي:

أ - مرحلة أداء (القريض) بالنحو المتعارف عليه عند أهل الفن وذوق الناس.

ب - مرحلة الجمع بين (القريض)، وقليل من ذكر (مصائب سيّد الشهداء).

ج - مرحلة أداء خطبة كاملة من (قريض - موضوع - وخاتمة).

ولا بدّ أن نلفت الانتباه إلى الاُمور التالية:

أ - على الخطيب المبتدئ أن يتبنّى في البدء المحاضرات القصيرة؛ فهي أيسر له من حيث الإعداد والأداء، ويستمر على هذا النحو إلى أن تكتمل عنده ملكة الخطابة.

٨١

ب - أن يتتلمذ عند أهل الخبرة من أستاذ في الخطابة، أو خطيب متكامل، وأمام حضور محدود من المستمعين؛ فإنّه أخفّ وطأة على النفس.

ج - يجب على الخطيب المبتدئ أن يمارس فعاليته في الخطابة في بدء الممارسة في محافل أعدّت للتدريب، وأمام مجموعة من المستمعين الذين لديهم خبرة في فنّ الخطابة؛ لغرض الانتفاع بتوجيهاتهم، ولا يخرج من دائرة التدريب إلى الممارسة الفعلية في التبليغ إلاّ بعد إذن أستاذ الخطابة أو أهل الخبرة.

7 - وقد تعود أسباب الخوف والاضطراب إلى عوامل وراثية وتربوية نشأ الفرد عليها حتّى كبر، فمرحلة الطفولة تلعب دوراً كبيراً في صياغة شخصيّة الفرد من حيث يشعر أو لا يشعر، فعلاقة الطفل بوالديه وإخوته لها أثر بالغ في تكوين اتّجاهاته وانفعالاته النفسيّة، وكذلك المجتمع الذي عاش فيه، وما عند المجتمع من تقاليد وأعراف وقوانين وأحداث تؤثّر في تربية الفرد.

وخلاصة الكلام هنا: مَنْ شبَّ على الهرب من المشاكل والصعوبات، استقبل عهد الرجولة خائفاً خانعاً منطوياً(1) .

فعلى الفرد الذي يعاني من أزمة الخوف أن يراجع اتّجاهاته النفسيّة، ويعيد بناء شخصيّته بما يتلاءم مع متطلبات الشخصيّة السويّة.

ما تقدّم كان توسلاً بالأسباب الطبيعيّة يلجأ إليها الخطيب لإصلاح

____________________

(1) علم النفس / 150.

٨٢

شأنه، وإنّماء قابلياته ورفع عيوبه، ولا ينبغي له أن يعتمد عليها من غير أن يرجع إلى مسبب الأسباب؛ فإنّ الاعتماد عليها فقط يعدّ من أوثق عرى الشيطان.

فعلى الخطيب أن يتوكّل على الله (تعالى) في جميع أموره، ويتضرّع إليه بصدق النيّة، وإخلاص العمل، طالباً منه تعالى التوفيق والتسديد، وإنزال السكينة على القلب، وإلهام العلم، وبلوغ المطالب السامية المقدّسة المطلوبة لوجهه تعالى وحده لا شريك له.

٨٣

تأثير العادات على الخطيب

غالباً ما تنعكس على الخطيب المبتدئ ما اعتاد عليه من السلوك في أفعاله وأقواله وهو في حال أداء خطبة منبريّة، فالذي اعتاد على سرعة الكلام في سلوكه العادي يبدو منه ذلك وهو على المنبر، ومَنْ كان يغلب عليه الهدوء يظهر أيضاً منه ذلك، وهكذا في الإشارات والحركات.

فعلى الخطيب هنا أن يلاحظ أنّ قواعد فنّ الخطابة تقتضي أن ينتزع من سلوكه ما تطبّع عليه من عادات تخالف هذا الفنّ، ونحن نعلم أنّ العادات إذا انطبعت في شخصيّة الفرد تلبّست بها وملكته، وظهرت في سلوكه شاء أم أبى. فترك العادة القبيحة ليس في متناول الفرد إلاّ إذا جدّ واجتهد في الخلاص منها.

وهناك طرق يمكن للخطيب الذي عنده عادات تخالف فنّ الخطابة التوسّل بها لاستبدالها بطبائع هذا الفنّ، منها:

1 - تحويل العادة اللاإراديّة إلى عادة إراديّة:

إنّ العادات تصدر من الفرد من غير احتياج إلى توجيه شعوره ووعيه الكامل؛ لأنّها تنساب منه لشدّة التصاقها بشخصيّته. فعلى الفرد هنا أن يقوم بنحو متعمد على ممارسة العادة السيّئة، وتوجيه الشعور إليها بالتحكّم في الاستجابة لها، وذلك بتغيّر نوع الاستجابة(1) .

2 - استبدال استجابة قديمة باستجابة جديدة:

أ - أفضل طريقة للتخلّص من العادات السيّئة هو استبدالها بعادة

____________________

(1) بتصرف من كتاب علم النفس ومشكلات الفرد.

٨٤

اُخرى جيدة.

ب - ممارسة العادة الجديدة بكلّ حماس.

ج - عدم السماح للعادة السيّئة بالعودة، وذلك من خلال الإكثار من ممارسة العادة الجديدة، وتكرارها بصفة دائمة؛ لغرض تعزيزها بصفة منتظمة ودائمة؛ فالعادات التي لا تعزز تنطفئ(1) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

٨٥

أسباب الشرود الذهني عند السامع

مهمّة الخطيب أن يجذب ويحافظ على انتباه مستمعيه - الذي هو توجيه شعورهم وتركيزه - نحوه؛ استعداداً للتفاعل معه. وليس ذلك أمراً سهلاً؛ فإنّ الخطيب ليس كالمعلّم، فالمعلّم بوسعه أن يقول لتلميذه عند شرود ذهنه (انتبه) أو غير ذلك، ولا يستطيع ذلك الخطيب؛ لاختلاف الحال بين الخطابة والتدريس.

فيحتاج الخطيب التعرّف على العوامل التي تبعث على الشرود الذهني عند السامع، وهي ما توجب الملل والسأم في نفسه والانصراف.

وهناك جملة من العوامل هي:

أ - عدم السير على اُصول وقواعد فنّ الخطابة باعث على انصراف السامعين عن الخطيب، ومن ذلك كون الصوت على وتيرة واحدة، أو السرعة الزائدة وغير ذلك.

فعلى الخطيب أن يتقن ويحكم هذه الاُصول؛ لينال اهتمام الحاضرين وتفاعلهم معه.

واعلم أنّ مع إتقان هذه الاُصول يبقى التفاوت بين الخطباء؛ لاختلاف قدراتهم وقابلياتهم في كيفية توظيف تلك القواعد على المصاديق، والنماذج التي فيها التأثير على السامعين.

ب - ينبغي للخطيب الذي يريد إبقاء انتباه سامعيه أن لا يستطرد في موضوعه كثيراً؛ فإنّ الاستطراد غالباً ما يكون مدعاة إلى حيود الانتباه عن الموضوع الأصلي.

مثال ذلك: الإتيان بشواهد كثيرة متعاقبة على محور واحد، كما لو كان الحديث عن الصبر مثلاً وأتى بقصتين متتاليتين، وأعقبهما بأحاديث شريفة، أو الإتيان بتقسيمات أمر

٨٦

فتكثر تشعّباته، أو مع كثرة هذه التشعّبات يدخل في إبطال بعض وتأييد البعض الآخر؛ فإنّ ذلك ممّا يوجب ضياع المراد من ذهن السامع، فيذهب عنه انتباهه وتشوّقه.

ج - بسبب الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام عمل محبّوهم على إبقاء جذوة ذكرهم خالدة على مرّ العصور؛ ولأجل ذلك ضحّوا بالغالي والعزيز من الأرواح والأموال.

وممّا بقي خالداً بهذا الولاء العظيم مجالس ذكر مصاب سيّد الشهداءعليه‌السلام ، حتّى صارت تلك المجالس أماكن شريفة للذكر يقصدها المؤمنون قاصدين القرب من الباري (عزّ وجلّ)، فعلى الخطيب أن يستوعب ذلك جيّداً فيعمل على تقويته وتثبيته.

ففي جانب من هذه المهمّة الملقاة على عاتق الخطيب أن يعرف أحوال الحاضرين الروحية والبدنية؛ ففي أيّام محرّم التي تحتلّ أهميّة خاصة في قلوب وعناية محبّي أبي عبد اللهعليه‌السلام تكثر المجالس، فيحضر العامل والفلاح والكاسب، كما يحضرها الشيخ الكبير والشاب، ويحضرها صحيح البدن وسقيمه، فجميع هؤلاء على الرغم ما فيهم من عناء عملهم اليومي، وما فيهم من وضع صحي، يأتون إلى المجالس؛ لغرض الحفاظ على خلود ذكر سيّد الشهداءعليه‌السلام ، ولغرض الانتفاع بما يقوله الخطيب في أمر دينهم ودنياهم.

فعلى الخطيب هنا أن يلاحظ ذلك فلا يطيل في مجلسه إلى الحد الذي يوجب نفورهم عن المجالس؛ فإنّ الإطالة قد تعمل على

٨٧

إخماد تلك الروح الحسينيّة، وهو خلاف مهمّة الخطيب ووظيفته.

فمراعاة الوقت مع أحوال الحاضرين وتلائمه وتناسبه معهم يجلب انتباههم، ويكسب إقبالهم على الخطيب، ويثبت النفوس على الولاء، ويشجعهم على الحضور والمواصلة، وخلاف ذلك التجربة والواقع شاهدان على فشله، فقد يُسهب الخطيب في كلامه إلى الحد الذي ينفر منه الحاضرون.

وخلاصة ذلك: إنّ من العوامل المهمّة في جلب انتباه السامعين هو عدم الإطالة عن الحدّ المسموح به من رغبتهم، والمطابقة بين المدّة الزمنية للمجلس مع أحوال الحاضرين الروحيّة والبدنيّة.

د - من العوامل الباعثة على انتباه السامع هو ما يحمله من تهيؤ ذهني للخطابة، ويراد من ذلك بأنّ السامع يتمركز في بؤرة شعوره إحساس بأنّ الخطيب سيتناول في خطبته موضوعاً يشبع نفسه بالرضا والقبول، فكلّ سامع يطلب في أعماقه أن يرضيه الخطيب بالحديث عن شيء يثير انتباهه واهتمامه وتفاعله.

فإذا فعل الخطيب ذلك فقد حاز على انتباه سامعيه، وإلاّ فقد خسرهم وصار على طرف مخالف لتوجيههم وانتباههم.

فعلى الخطيب أن يختار الموضوعات التي تتضمّن احتمالاً قويّاً في جلب انتباه السامعين، كما أن يكون دقيقاً في اختيار تفاصيل الموضوع.

٨٨

ومن الجدير بالذكر أنّ الموضوعات المعقّدة، والموضوعات الساذجة والمتكرّرة لا تثير انتباه السامعين، بل هي من أقوى الأسباب الباعثة على انصرافهم وإعراضهم.

أخيراً نودّ أن نذكّر بأنّ بعض أبحاث علم النفس أشارت إلى أن الاستماع الطبيعي لكلّ سامع (10) دقائق، وبعدها يحتاج المتكلّم إلى تزويد المخاطبين بالمثيرات التي تحافظ على انتباه السامع وتوجهه.

٨٩

٩٠

الباب السادس

صفات الخطيب

1 - آداب الخطيب

2 - صفات الخطيب الكامل

3 - الصفات المتفاوتة

4 - توجيهات عامة

٩١

صفات الخطيب

بعد أن اكتملت مراحل الخطابة، ومضى عليها الخطيب المبتدئ، فإنّ هناك جملة من الاُمور المكمّلة له ينبغي الاتّصاف بها:

آداب الخطيب

وهي الآداب التي يظهر بها الخطيب عند الخطبة:

أ - سداد الرأي

وهو يكون بدراسته للموضوع الذي يخطب فيه دراسة تامّة؛ فإنّ الرأي المحكم لا يكون إلاّ بدراسة عميقة، وإحاطة تامّة، واطّلاع واسع، وعلم غزير، وفكر قويم.

وليس معنى ذلك إنّه لا يخطب إلاّ إذا كان محضّراً مهيّأ للكلام، بل المراد أن لا يتكلّم إلاّ في موضوع سبقت له دراسته والإحاطة به؛ حتّى يكون كلاماً مسدّداً؛ سواء كان يلقي الخطبة بعد تهيئة، أم يلقي الكلام ارتجالاً من غير سابقة تحضير، وإن كان المرتجل لا يحسن ارتجاله في كلّ الأحوال.

فعلى الخطيب ألاّ يخوض في حديث ليس له به علم؛ حتّى لا يشطّ فيبدي رأياً فطيراً، والرأي الفطير مبتسر لا ينال الحقّ من كلّ نواحيه، وقد يكون مع الحقّ على طريق نقيض.

واعلم أنّ سداد الرأي دعامة الخطيب الأولى؛ لكي يثق الجمهور بفكره ويتّجه إلى رأيه(1) .

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها - محمد أبو زهرة / 48.

٩٢

ب - صدق اللهجة

وهو أن يظهر الخطيب مخلصاً فيما يدعو إليه، حريصاً على الحقيقة فيما يعمل؛ فإنّه إن ظهر كذلك وثق الناس به وصدّقوه فيما يدعو إليه، وأحسّوا بأنّه شريف تجب إجابته لشرفه وشرف ما يدعو إليه.

ومن أجل أن يكون الإخلاص بادياً يجب أن يكون من حاله ما يطابق مقاله، فلا يتجافى عمله عن قوله، بل يكون أكثر الناس أخذاً بقوله.

ومن علامات صدق اللهجة ألاّ يسرف في مدح ولا ذمّ، ولا في وعد ولا وعيد؛ فإنّ الإسراف مظنّة الكذب، والاعتدال مظنّة الصدق. وأن يكون نزيه اللسان مستقيم العمل؛ فلا يكون فاحشاً في تعبيره، ولا متّجهاً إلى الألفاظ الماجنة في خطبته(1) .

ج - التودّد مع السامعين

أن يكون الخطيب متواضعاً لهم، وأن يكون ممّن يألِفون ويُؤلَفون، فلا يكون جافياً خشناً قاسياً، وإن لم يكن هناك ما يقتضي مدحهم فلا يذكرهم بسوء، وأن يبيّن لهم أنّه يسعى في مصلحتهم، وأنّه يؤثرهم على نفسه، وأن لا يكون له غرض شخصي؛ فإنّ الغرض الشخصي يدخل الريبة إلى قوله فيتجافى السامعون عنه(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 51.

(2) المصدر نفسه / 52.

٩٣

صفات الخطيب الكامل

بعد بيان ما يجب أن يدرع به الخطيب عند ملاقاة السامعين، وما يجب أن يلاقيهم به، وجب أن نذكر صفات الخطيب الكامل أو القريب منه التي رسخت في نفسه الخطابة حتّى صارت ملكة فيه أو كالملكات، والتي بمجموعها يمتاز الخطباء عن غيرهم من المتكلّمين، والتي هي القدرة على كلّ ما يوضع في عنق الخطيب من تكاليف البيان، وهذه هي:

أ - قوّة الملاحظة

يدرك بها أحوال السامعين عند إلقاء خطبته، أهم مقبلون عليه فيسترسل في قوله ويستمر في نهجه، أم هم معرضون عنه فيتّجه إلى ناحية اُخرى يراها أقرب إلى قلوبهم، وأدنى إلى مواطن التأثير فيهم؟

يجب أن تكون نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة، يقرأ من الوجوه خطرات القلوب، ومن اللمحات ما تكنّ نفوسهم نحو قوله؛ ليجدّد من نشاطهم، ويذهب بفتورهم، ولتصل روحه بأرواحهم، ونفسه بنفوسهم(1) .

ب - حضور البديهية

وهي تسعفه بالعلاج المطلوب إن وجد من القوم إعراضاً، والدواء الشافي إن وجد منهم اعتراضاً. وقد يلقي الخطيب خطبته، فيعقّب

____________________

(1) المصدر نفسه / 56.

٩٤

بعض السامعين معترضاً، أو طالباً الإجابة عن مسألة، أو أيّ حدث مفاجئ؛ فإذا لم تقدّم البديهة الحاضرة كلاماً قيّماً يسدّ به الخلّة ويدفع به الزلّة، ضاعت الخطبة وأثرها(1) .

ج - طلاقة اللسان

اللسان أداة الخطيب الأولى، فلا بد أن تكون الأداة سليمة كاملة؛ ليتسنّى له استعمالها على أكمل وجه وأتمّه(2) .

ومن طلاقة اللسان، أن تكون عنده قوّة البيان من غير تلعثم في أقواله، أو تردّد في عباراته.

د - رباطة الجأش

تحدّثنا عن ذلك بالتفصيل.

هـ - القدرة على مراعاة مقتضى الحال

مراعاة مقتضى الحال لبّ الخطابة وروحها، فلكلّ مقام مقال، ولكلّ جماعة من الناس لسان تخاطب به، فلكلّ مقام نوع من الأساليب.

ففي مقام التحميس والتهديد مثلاً نختار الأساليب الفخمة والعبارات الضخمة، وفي بعض مقامات التأبين وإظهار الألم والأسى نختار العبارات السهلة الرقيقة المؤثرة.

ولكلّ قوم خطاب؛ فالعامّة نختار لهم العبارات الساذجة حتّى لا تعلو على أفهامهم، ولا تسمو على مداركهم،

____________________

(1) المصدر نفسه / 56.

(2) المصدر نفسه / 57.

٩٥

والعلماء يخاطبون بعبارات منتقاة دقيقة محكمة. ولكلّ خطيب عبارات تستحسن منه؛ فمن الخطباء مَنْ لا يجمل منهم الهزل، ولا يليق بهم إلاّ الجدّ، فلا يصح أن يكون في كلامهم إلاّ ما هو مقبول منهم(1) .

الصفات المتفاوتة

هذه جملة من الصفات التي يتفاوت الخطباء في الاتّصاف بها، وهي تختلف عن الصفات السابقة، فتلك ممّا يجب الاتّصاف بها، أمّا هذه فهي من المكمّلات للخطيب، وهي اُمور:

أ - قوّة العاطفة

لا يؤثّر إلاّ المتأثر، ولا يثير الحماسة في قلوب السامعين إلاّ مَنْ امتلأ حماسةً فيما يدعو إليه، واعتقاداً بصدقه؛ لأنّ ما يخرج من القلب يدخل القلوب من غير استئذان، وكما أنّ الماء الذي علا سطحه ينساب في المجرى المنخفض، كذلك ذو العاطفة العالية، والحماسة الشديدة هو الذي ينحدر من فيه الشعور ألفاظاً، والعواطف عبارات وأساليب تلهب الحسّ، وتوقظ الضمير، وتثير الحميّة، وتحفّز الهمّة.

لا بدّ أن تكون حماسة الخطيب أقوى من حماسة سامعيه؛ ليفيض عليهم، ويروي غلّتهم، وإلاّ أحسّوا بفتور نفسه فضاع أثر قوله(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 149.

(2) المصدر نفسه / 58.

٩٦

ب - النفوذ وقوة الشخصية

هذه هبة يهبها الله تعالى للخطباء المخلصين، فترى كلّ مَنْ يلقاه يحسّ بقوّة روحه وعظم نفسه، فتستمد كلماته من قوّة إخلاصه. صوته يهز النفس هزّات روحيّة، تجعلها تلقف عباراته فتنطبع فيها مكبرة(1) .

ج - حسن الهيئة

أن يظهر الخطيب أمام السامعين بمظهر مألوف من حيث الملابس والهيئة؛ فإن لم يرتدِ ما يزيده هيبة في القلوب فلا يظهر إليهم بما يحطّ منزلته عندهم، خاصة إذا واجههم في أوّل لقائه؛ فإنّ ذلك له أثر عظيم في نفوس الناس.

د - سعة الاطّلاع

يجب أن يكون الخطيب ملمّاً بكلّ ما له صلة بالجماعة التي يخاطبها؛ ليعرف نواحي التأثير، والمواطن التي يطرق حسّها من ناحيتها.

فالخطيب الديني يجب أن يكون ملمّاً بالاجتماع والاقتصاد، والسياسة والشرائع؛ ليستطيع أن يصل إلى قلوب السامعين، ويربط صلاحهم الدنيوي في كلّ نواحيه بصلاح دينهم وقلوبهم.

فالخطيب يجب أن

____________________

(1) المصدر نفسه / 59.

٩٧

يكون ملمّاً بكلّ ما له صلة بالجماعات، وطرق التأثير فيها، والابتعاد عمّا ينفّرها؛ لكيلا يجعل قلوبها عنه متجافية(1) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 60.

٩٨

المنهج الخاص للخطيب

من الصعوبات التي يعاني منها الخطيب المبتدئ الذي تسلّط عمليّاً على قواعد الخطابة عدم استقراره على منهج واضح وخاص له؛ ممّا يبدو عليه الاضطراب والتخبّط في خطبه، وقد يحدو بالبعض لأجل التخلّص من هذه المعاناة باللجوء إلى تقليد الآخرين منهجاً، وقد يصل بهم التقليد إلى أقصى درجاته، وذلك بالظهور بصورة البديل عن المقلَّد حتّى في نبراته وحركاته.

ولاشكّ إنّ هذا الاُسلوب ممّا يزري بالخطيب، ويحطّ من منزلته، كما إنّه علامة تدلّ على عدم قدرته على اتّخاذ منهج خاص له؛ فإنّ من مكمّلات الخطيب أن ينتقي منهجاً خاصّاً يتميّز به عن غيره؛ لأجل استقطاب قدراته، ومنعها من التشتت.

إضافة إلى إتاحة فرصة عظيمة له، وذلك بفتح ميدان واسع لإظهار إبداعاته وطموحاته في التجديد.

أمّا المقصود من المنهج هو:

أولاً: أن يتميّز الخطيب بأسلوبه الخطابي الخاصّ، ويتميّز بطريقة إلقاء خاصّة.

ثانياً: أن يكون له اتّجاه خاصّ في انتقاء المواضيع، فهناك فروع عديدة ومتنوّعة يمكن أن تكون مواضيعَ للخطابة، فقد ينحى البعض منحى الوعظ والإرشاد الأخلاقي، أو يقوم بعرض المفاهيم المختلفة بطريقة علميّة أو تاريخيّة، أو عرفانيّة أو غير ذلك، وقد توجد إمكانيّة للبعض على جمع كلّ ذلك في خطبة واحدة.

٩٩

ولا شك أنّ اختيار المنهج الخاصّ لا يأتي اعتباطاً، وإنّما تتحكّم به عوامل عديدة، أهمّها قابلية الخطيب وقدراته العلميّة والفنيّة، فهذه هي التي تدفعه إلى سلوك هذا المنهج، ولا يستطيع سلوك غيره.

١٠٠