الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية 0%

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 377

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد شعاع فاخر
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 111523
تحميل: 12206

توضيحات:

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111523 / تحميل: 12206
الحجم الحجم الحجم
الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كيف يستبرها دونكم(1) .

وقال لأهل الشورى: لا تختلفوا فإنّ معاوية وعمراً بالشام(2) .

ومعنى الاختلاف في عرف الرجل هو إنتخاب علي للخلافة ولا يقول هذا عمر جزافاً ولا بنحو الأغراء لمعاوية وإن كان يوحي لمعاوية زخرف هذا المعنى ولكن لعلمه بطموحه وأنّه كان يتصنع للخلافة وعمر على قيد الحياة وتوضع له الأحاديث المتنبئة بصيرورتها إليه على لسان الكهان روي عن ذي قربات قال: لما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيل يا ذا قربات من بعده؟ قال: الأمين يعني أبابكر قيل فمن بعده؟ قال: قرن من حديد، يعني عمر قيل فمن بعده؟ قال يعني عثمان قيل فمن بعده؟ قال: الوضّاح الازهر المنصور يعني معاوية(3) .

لذلك قال الحسن: لقد تصنع معاوية للخلافة في ولاية عمر بن الخطاب ...(4) والواقع أنّه لم يتصنع هو بل صنعه عمر لها والحسن أما جاهل بحقيقة الحال أو كاتم للواقع.

وذو قربات هذا يهودي آخر وكاهن من كهان اليهود من فصيلة كعب الأحبار. وكان هذا الأخير ينوه باسمه ويزعم أنّه اعلم الناس فقد سأله معاوية قائلاً: دلني علي أعلم الناس قال: ما أعلمه إلاّ ذا قربات وهو باليمن فبعث إليه معاوية وهو بالغوطة فتلقّاه كعب فوضع رأسه له ووضع الآخر له رأسه فذكر قصة طويلة وفي ضمنها أنّه كان يهودياً ....(5)

وما من شك أن عمر إنما قربه لتصنعه هذا للخلافة وكان على علم يقين أنّ قوّة بني هاشم المعنوية لا يمكن أن يقف في وجهها إلاّ رجل من بني امية يحمل خصائص معاوية.

وكانت ثقته أولاً في يزيد أخيه ولكن الأجل اخترمه قبل أن تتم الحبكة

____________________

(1) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق، ج25 ص25 والاصابة، ج3 ص434.

(2) ابو حيان التوحيدي، ج7 ص65، البصائر والذخائر، ج7 ص65.

(3) مختصر تاريخ دمشق، ج25 ص25.

(4) مختصر تاريخ دمشق، ج25 ص24.

(5) ابن حجر، الإصابة، ج1 ص487.

١٢١

الخبيثة على يديه ولهذا أظهر عمر جزعاً شديداً على يزيد.

عن أبي إسماعيل محمد بن عبدالله البصري قال: جزع عمر على يزيد جزعاً شديداً(1) .

وليس من سبب يدعو أبا حفص إلى الجزع سوى ضياع الفرصة من يديه ولعل يزيد أكثر كفاءة من أخيه ووقع اختيار عمر بعد يزيد على أخيه معاوية فمن ثم اختصّه بالرعاية وأولاه عنايته الخاصة كما تقدم.

لماذا اختار عمر معاوية؟!

من المقطوع به عند المؤرخين واعتبروه ضرورة تاريخية أنّ التنافس والحسد والبغضاء في المجتمع القبلي أمر لا محيد عنه لم تسلم منه قبيله في عصر من العصور.

وقد تخف هذه الاُمور في قوم دون قوم وربما ثقلت واشتدت عند آخرين. فالمجتمع البدوي الذي يتقلب بين السكون والرحيل والذي يفرض عليه انتجاع الكلأ هنا وهناك أن لا يقيم في مكان واحد إلاّ بقدر ما تتم نجعته ثم يغادر الموضع إلى آخر وهكذا دواليك قد يكون بمنأىً عن المنافسة والحسد إلاّ ما تمليه ضرورة العيش عليه.

أمّا المجتمع المستقر في مكان واحد فوجود هذه الظواهر فيه أشد بروزاً وأعظم ظهوراً وكانت قريش بطوناً وافخاذاً تنتمي إلى مجتمع شبه متحضر وهو بعد مجتمع تجاري تولف التجارة أهم موارده الأقتصادية بل ليس له سواها هذا إذا اعتبرنا وفود الحجيج أيضاً من الموارد التجارية والحياة على هذه الشاكلة نضطر ابنائها إلى التعايش السلمي ولكنه تعايش مشوب بالحذر وسلم مطعم بالحسد وكان الحسد داء قريش الدوي وهو الذي حتم عليهم محاربة الإسلام ومناصبة نبيّه العداء كما حتم عليهم إبعاد أهل بيته عن منصبه يقول أميرالمؤمنينعليه‌السلام مشيراً إلى هذه الحقيقة: أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا

____________________

(1) ابن عبدالبر، الاستيعاب، ج3 ص471.

١٢٢

الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى أنّ الأيمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم(1). وفي نهج البلاغة الكثير من هذا.

كانت بوادر من عداء قريش لأهل البيت تظهر على السطح والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قيد الحياة فقد صح أنّ العباس عمّهعليه‌السلام شكا إليه ما يلقون من قريش من تعبيسهم في وجوههم.

وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضباً شديداً حتى أحمر وجهه وعرق مابين عينيه وقال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله(2) .

وكانوا يعارضون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرّاً وجهراً فيما يظهر من فضل أهل بيته فقد نقل الثعلبي والبغوي عن ابن حنبل: أنّه لما نزل قوله تعالى:( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال قوم في نفوسهم ما يريد إلاّ أن يحثنا على قرابته من بعده فأخبر جبريل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه اتّهموه فأنزل:( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى‏ عَلَى اللّهِ كَذِباً ) الآية فقال القوم يا رسول الله إنّك صادق فنزل وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ....(3)

وطالما بلغ النبي أذاهم له ولأهل بيته فاغضبه ذلك والجئه إلى ذمّهم ونهيهم عنه ولكنّ حسدهم له ولأهل بيته يحرق كلّ معنى جميل في نفوسهم بل صيّر جماعة منهم إلى النفاق فكانوا يضمرون لهم البغضاء ويظهرون الإيمان حتّى فضحهم الوحي فخفت شرّتهم ولكنّها لم تخمد والذي أجج النار في صدورهم أكثر هو اختيار النبي علياً أخاً ووصيّاً وخليفةً من بعده وكانوا يطمعون بانقراض الدعوة في وفاة صاحبها وعزائهم الوحيد أنّه لا نسل له وسمّاه العاص أبتر فنزل القرآن بتكذيبه ولعنه وسمّاه شانئاً أبتر.

واعتبروا علياً وأولاده التجديد المستمر لحياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلذلك صبّوا نقمتهم عليه وعلى أولاده وما قذفهم أم إبراهيم سرية النبي ونفيهم إبراهيم وإنكارهم

____________________

(1) الشيخ معنيه، في ظلال نهج البلاغة، ج2 ص320.

(2) ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص172.

(3) الصواعق المحرقة، ص170.

١٢٣

أن يكون الحسنان ولديه بل حرمان الزهراء من الإرث إلاّ جزء من هذا المخطط الخبيث.

وعاكسوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل خطوة خطاها لإثبات فضل أهل بيته وتثبيت حقهم بخاصة تلك الساعة المشومة من يوم الخميس الذي أجرى دموع ابن عباس كعقد اللؤلؤ على خديه وسماها رزية وقد مرّ تفصيلها آنفاً وحصل لقريش ما أرادت من تقمص الخلافة وأعانت أوّلها بكل ما قدرت عليه.

والمهمّ الآن ليس غصب الخلافة بل العزم الذي تواطأ عليه القرشيون بعدم عودتها إلى بيت النبي مرّة أخرى.

وكانت خطتهم التي درجوا عليها أن يضعها السابق في حضن اللاحق قبل أن يغادر إلى معاده أو بحبك خطة تؤدي إلى حرمان علي منها كما فعل عمر في الشورى. وفوق هذا وذاك فقد رأوا من الأوفق بهم والأجدر بضمان مطالبهم أن يختاروا بيتاً من قريش ويختاروا من هذا البيت واحداً يقف في وجه على وأولاده وتلقى إليه تعاليم خاصة في كيفية صرف علي عن حقه أو التشويش عليه وتضييع الفرصة عليه إن أفلت الحكم منهم إليه بنحو من الأنحاء.

ولم يكن بيت في قريش يحمل خصائص العداء المطلوب لبيت علي أكثر من بني امية ولم يكن في بني امية أكثر خبثاً وعداءاً لعلي من آل أبي سفيان وليس فيهم أخبث من معاوية. وهو الموتور المغلوب مضافاً إلى عدائه التقليدي لبني هاشم عامة.

وكان الإمامعليه‌السلام قد وتر معاوية بأخيه حنظلة وهو شقيقه وجده عتبة وشيبة عم امه والوليد خاله وكان شبحُ هؤلاء القتلى يساقيه حقده الصاعق على علي وأولاده وما كانت ذكراهم تفارقه أو تفارق امه وهي القائلة تندبهم وتذكر قاتلهم:

أبي وعمي وشقيقي بكري  بهم قصمت يا علي ظهري

من هنا اعتبر الد اعداء عليعليه‌السلام وأولاده تضاف هذه مجتمعة إلى ما تحويه ذاته من الغدر والدهاء والنفاق والخسة والجشع والفسق وغير ذلك.

ولم ينفذ نور الإسلام إلى ظلمات ذاته فبقي على ما هو عليه في الجاهلية لأنه لم يؤمن بالإسلام ديناً بل وسيلة ينال بها مئآربه ويحقق اغراضه وكيف يكون معاوية

١٢٤

مسلماً بعد عدائه السافر لعلي الذي جعله الله محكاً يميز به الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق وقد روى الحفاظ والأعلام عنه أنّه قال:

.. عهد عهده إلى رسول الله لا يحبني منافق ولا يبغضني مؤمن(1) .

وعلى من انتحل له الأعذار وحرر له الوجوه والتأويلات أن يرد على هذا الحديث بالقبول أو الرفض. وعلى كل حال فقد وقع اختيار عمر وهو ناطق قريش الرسمي وإن شئت مدره القوم على معاوية لشديد عدائه لعليعليه‌السلام .

يقول السيد بن عقيلرحمه‌الله : وليس على ظهر الكرة الارضية اعدى لعلي من معاوية وقد صرح كرم الله وجهه بذلك في مواطن مذكورة في محالها من كتب السير(2) .

ولئن صحت كلمة أحمد بن حنبل وهي صحيحة لا ريب في ذلك القائل لولده عبدالله بعد أن سأله: ما تقول في علي ومعاوية. فأطرق ثمّ قال: ايش أقول فيهما. اعلم أنّ علياً كان كثير الأعداء ففتّش له أعدائه عيباً فلم يجدوا فجائوا برجل قد حاربه وقاتله فأطروه كياداً منهم له(3) .

أقول إن صحت هذه الكلمة في حق غير عمر فهي في حق عمر أصح لأنّه رفع معاوية من الحضيض الاوهد إلى عز الخلافة والملك وصيّره من الرفش إلى العرش وخوّله تلك القوة التي قهر بها خصومه وسفك بها دماء أولياء الله ودرج على منهاح أبيه كما درج ولده على نهجه.

آل حرب قد اضرموا لبني المختار

حرباً يشيب منها الوليد

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعلي وللحسين يزيد

____________________

(1) لهذا الحديث سياقات عده منها السياق المذكور أعلاه وبنها: لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق وقد أخرجه جم غفير من الحفاظ: كمسلم في صحيحه وابن أبي شيبه في مسنده والترمذي في سننه والهيثمي في مجمع الزوائد والبغوي في شرح السنة والهندي في الكنز وهذا على سبيل المثال لا الحصر. والحمدلله رب العالمين.

(2) السيد محمد بن عقيل، النصائح الكافية، ص158.

(3) علي بن محمد الكناني، تنزيه الشريعة المرفوعة، ص8.

١٢٥

 الشجرة الملعونة

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا )

الأسراء: 60

اختلف علماء التفسير في الرؤيا التي اريها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي الشجرة الملعونة وكل ذهب إلى مذهب أمّا أهل البيتعليهم‌السلام فقد اجمعت كلمتهم التي نقلها عنهم شيعتهم أنّ الرؤيا هي ما رآه النبي من نزو بني امية على منبره ذات ليلة فاصبح مغموماً فعزّاه الله بما أنزل عليه من الذكر الحكيم واعلمه أنّ ذلك دنياً يلعقون منها ثم يذهبون إلى لعنة الله وأليم عذابه وأمّا الشجرة الملعونة فهم بنو امية ولم يختلف منهم أحد.

والذين اختلفوا هم مفسروا أهل السنة والجماعة ونحن نسبر القولين وننقد المذهبين.

الرؤيا والشجرة الملعونة عند الشيعة

روي عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام : أنّ ذلك رؤيا رآها في منامه أنّ قروداً تصعد منبره وتنزل فسائه ذلك وروى مثل ذلك سهل بن سعد الساعدي عن أبيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رآى ذلك ومثله عن سعد بن بشار فأنزل الله عليه جبرئيل وأخبره ما يكون من تغلب أمر بني امية على مقامه وصعودهم على منبره(1) .

____________________

(1) شيخ الطائفة، التبيان، ج6 ص494.

١٢٦

 وروى سهل بن سعيد هذا عن أبيه:

أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى ذلك وقال: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستجمع بعد ذلك ضاحكاً حتى مات وقالوا على هذا التأويل إنّ الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو امية اخبره الله سبحانه بتغلبهم على مقامه وقتلهم ذريته روي عن المنهال بن عمرو قال:

.. دخلت على علي بن الحسينعليه‌السلام فقلت له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله فقال: اصبحنا والله بمنزلة بني اسرائيل من آل فرعون يذبحون ابناءهم ويستحيون نساءهم واصبح خير البرية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلعن على المنابر واصبح من يحبنا منقوصاً حقه بحبه ايانا(1) .

عن القاسم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً حاسراً حزيناً فقيل له مالك يا رسول الله؟ فقال: اني رأيت صبيان بني امية يرقون على منبري هذا فقلت يا رب معي؟ فقال لا ولكن بعدك.

والرواية التالية اشمل مضموناً لأنها تحصى عددهم وتحصره بأثني عشر رجلاً.

عن يونس بن عبدالرحمن الأشل قال:

.. سئلته عن قول الله( وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ ) الآيات فقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام فرأى أنّ بني امية يصعدون المنابر فكلما صعد منهم رجل رأى رسول الله الذلة والمسكنة!! فاستيقظ جزوعاً!! من ذلك وكان الذين رآهم اثني عشر رجلاً من بني امية فأتاه جبرئيل بهذه الآية ثمّ قال جبرئيل إنّ بني امية لا يملكون شيئاً إلاّ ملك أهل البيت ضعيفه وفي هذه الرواية التالية يراهم قروداً وعددهم اربعة عشر.

.. عن أبي عبدالله الصادق أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى ذات ليلة وهو بالمدينة كان قروداً اربعة عشر قد علوا منبره واحداً بعد واحد فلما اصبح قصّ رؤياه على اصحابه فسئلوه عن ذلك فقال: يصعدون منبري هذا بعدي جماعة من قريش ليسوا لذلك اهلاً قال الصادقعليه‌السلام : هم بنو امية.

____________________

(1) الطبرسي، مجمع البيان، ج3 ص424.

١٢٧

وهذه الروايات تدلّ على أنّ من سبقهم اسعد حظاً منهم حيث لم يره النبي في المنام إلاّ أن الرواية التالية تلحقهم ببني امية في مصير واحد.

عن عبدالرحيم القصير، عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله: (وما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلاّ فتنة للناس) قال: اري رجالاً من بني تيم وعدي على المنابر يردون الناس عن الصراط القهقرى قلت والشجرة الملعونة في القرآن قال: هم بنو امية يقول الله: (ونخوفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً..).

ومقتضى هذه الرواية أنّ الرؤيا فيهم خاصة كما أن الشجرة الملعونة في بني امية.

العياشي عن حريز عن مسمع عن أبي جعفرعليه‌السلام : (وما جعلنا الرؤيا التي قد اريناك إلاّ فتنة لهم ليعمهوا فيها) والشجرة الملعونة في القرآن يعني بني امية(1) .

يقول شيخنا الجليل مغنيهرحمه‌الله : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى بني امية ينزون على منبره نزو القردة فسانه ذلك. واغتم به ولم ير ضاحكاً. وذهب إلى هذا التفسير جماعة من الصحابة منهم سعيد بن المسيب وابن عباس كما في تفسير الرازي وسهل بن سعد كما في تفسير البحر المحيط وفي صحيح البخاري ج9 كتاب الفتن، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (هلاك امتي على يد اغيلمه من قريش) وهذه الرواية تدعم تفسير الرؤيا ببني امية. وعليه يكون المراد بقوله تعالى: (والشجرة الملعونة في القرآن) هم بنوامية بالذات ....(2)

أقول ويدعمه أيضاً حديث رسول الله: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً ودين الله دغلاً وعباد الله خولاً. أخرجه الهيثمي عن أبي سعيد بلفظ فلان قال ورواه احمد والبزار إلاّ أنّه قال إذا بلغ بنو أبي العاصي.

وماأخرجه أيضاً عن عبيدة بن الجراح، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر امتي قائماً بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني امية يقال له يزيد ...(3)

____________________

(1) راجع لهذا كله، تفسير البحراني، البرهان، ج2 ص424.

(2) الشيخ محمد جواد مغنيه، الكاشف، ج5 ص60.

(3) الهيثمي، مجمع الزوائد، ج5 ص241.

١٢٨

والرواية في جامع الشمل وليس فيها ذكر يزيد بن معاوية وقال مؤلفه: رواه أبو يعلى عن أبي ذر فقلنا نحن الأباضية: هو عثمان وقال غيرنا: إنّه يزيد بن معاوية لعنه الله(1) .

ويدعمه ما جاء في المطالب العالية: لا يزال هذا الأمر قائماً بالقسط حتى يثلمه رجل من بني امية(2) .

كما أنّ الاحداث التي صاحبت حكم عثمان وادت الى مصرعه وما جر قتله على الامة من الويلات والدواهي قرينة قوية جداً على إرادة عثمان بن عفان وكانت عائشة تقول وهي تخرج نعلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كوة في المسجد: هذه نعل رسول الله لم تبل وابلى عثمان سنته وهذا هو معنى الثلم الوارد في الحديث الشريف.

الرأي الآخر ...

حاول شيعة بني امية صرف الحديث عن معناه الحقيقي ففسروا الرؤيا على أنّها رؤيا العين وهي ما رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اُسري به من مكة إلى بيت المقدس ورووا ذلك عن عكرمة عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبي مالك ومسروق وقتادة وابن جريح وهذه رواية الحسن البصري قال: اسري به عشاءاً إلى بيت المقدس فصلّى فيه وأراه الله ما أراه من الآيات ثم اصبح بمكة فأخبرهم أنّه اسري به إلى بيت المقدس فقالوا له: يا محمد ما شأنك امسيت فيه ثمّ أصبحت فينا تخبرنا أنك اتيت بيت المقدس فعجبوا من ذلك حتى ارتد بعضهم عن الإسلام.

وتروى عن ابن عباس عن الرؤيا رواية أخرى في دخول مكّة عن ابن عباس قال: وما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلاّ فتنة للناس قال: يقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرى أنّه دخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة فعجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السير إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون فقالت اناس: قد ردّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كان حدثنا أنّه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم.

____________________

(1) محمد بن الخفيش المغربي، جامع الشمل، ج1 ص536.

(2) ابن حجر العسقلاني، المطالب العالية، ج4 ص332.

١٢٩

وأما تفسيرها برؤيا المنام فعن سهل به سعد قال: رأى رسول الله بني فلان ينزون على منبره تزو القردة فسائه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات قال: وأنزل الله عزوجل في ذلك وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس الآية. ومال الطبري مع القول الأول فقال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى به رؤيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رأى من الآيات والعبر في طريقه إلى بيت المقدس وفي بيت المقدس ليلة اسرى به وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أنّ هذه الآية إنّما نزلت في ذلك(1) .

والإجماع الذي ادّعاه الطبري غير حاصل فإنّ سعيد بن المسيب وابن عباس وسهل ابن سعد فسّروا الرؤية والشجرة الملعونة ببني امية.

كما أنّ الإمام الحسن قال ذلك بعد صلحه مع معاوية في خطبته. قال القرطبي: وقرأ الحسن بن علي في خطبته في شأن بيعته لمعاوية (وإنّ أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين)(2) .

يشير الإمامعليه‌السلام إلى ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه رأى بني امية في منامه يلون الناس فخرج الحكم من عنده فأخبر بني امية بذلك فقالوا له: ارجع فسله متى يكون ذلك.

فأنزل الله تعالى: وإن أدري اقريب ام بعيد ما توعدون وإن ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين يقول لبنيهعليه‌السلام قل لهم ذلك(3) .

وليس الإجماع الذي حمل الطبري على الجنوح عن هذا المذهب وإنما هو الخوف من شمول الآية لفروع كثيرة مقدسة عند القوم ولذا سارع ابن عطية فقال: وفي هذا التأويل نظر ولا يدخل في هذه الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبدالعزيز ولا معاوية(4) .

ولو اننا تركنا مناقشته في عثمان وابن عبدالعزيز فكيف لا يدخل فيها معاوية

____________________

(1) الطبري، جامع البيان، ج15 ص77 وص78.

(2) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج10 ص283.

(3) الجامع لأحكام القرآن، ج11 ص51 وص350.

(4) نفسه، ج10 ص283.

١٣٠

وهو اظهر مصاديق هذه الشجرة واخبث فروعها.

والشوكاني اشار إلى رؤيا المنام عرضاً وضعّف الرواية بصيغة التمريض وبعدم ذكر السند واختصار المتن اختصاراً مخلاً ثم قوله اخيراً وفيه ضعف وللإطلاع ننقل عبارته.

وقيل إنّ هذه الرؤيا المذكورة في هذه الآية هي أنّه رأى بني مروان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فقيل إنما هي الدنيا اعطوها فسري عنه وفيه ضعف(1) ومما يدعو إلى التعجب قوله:

فإنّه لا فتنة للناس في هذه الرؤيا إلاّ أن يراد بالناس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ويراد بالفتنة ماحصل من المساءة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يحمل على أنّه قد كان أخبر الناس بها فافتتنوا ....(2)

وأقول له وهل ابتلى الإسلام بفتنة أعظم من فتنة بني امية أمس واليوم؟!!

وأقول: اليوم! لأنّه تتحكم في حاضر المسلمين نفس العلاقات التي كانت سائدة قبلُ في حكم معاوية وعبدالملك بن مروان وهشام ولده بفارق واحد وهو أن الأخلاف ليست لهم سيطرة الأسلاف ولا قوتهم.

فلا أجد اليوم كبير فرق بين عبدالعزيز الباز الهالك وبلال بن أبي بردة وغيره من انياب الحكم الأموي وينفي الشوكاني الفتنة في رؤيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو أنّه تخلّى عن رواسب اللاّشعور لعلم أنّ الله تعالى لما أرى نبيّه بني امية كالقردة على منبره أخبره أنّ حكمهم على امته ما هو إلاّ الفتنة التي وردت في الآية التالية( أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) فهي فتنة تاني بعد الإيمان واختبار بعد الإسلام ليميز الله الخبيث من الطيب والصادق من المنافق.

ولقد أجاب الإمام الحسينعليه‌السلام معاوية على كتابه إليه بكتاب واصفاً ولايته عليها فيه باعظم فتنة تصيب الإسلام والمسلمين. قالعليه‌السلام :

وقلت فيما قلت: لا تردن هذه الاُمة في فتنة وإني لا أعلم لها فتنة اعظم من

____________________

(1) الشوكاني، فتح القدير، ج3 ص238.

(2) فتح القدير، ج3 ص238.

١٣١

امارتك عليها وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك فإن أفعل فإنّه قربة إلى ربي وإن لم أفعله فاستغفر الله لذنبي ....(1)

وقال الرازي في مفاتيح الغيب القول الثالث قال سعيد بن المسيّب:

رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني امية ينزون على منبره نزو القردة فسائه ذلك، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء والأشكال المذكور(2) عائد فيه لأنّ هذه الآية مكية وما كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منبر، ويمكن أن يجاب عنه بأنّه لا يبعد أن يرى بمكة أن له بالمدينة منبراً يتداوله بنو امية(3) .

ويمكن أن يرد بهذا على الطبري الذي ادّعا اجماع الحجة في التفسير على مختاره.

لأنّ سعيد بن المسيب حجة عندهم لا يرد قوله وهو كما يقولون افقه الناس يقول ميمون بن مهران:

قدمت المدينة فسألت عن افقه أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب.

وسئل الزهري ومكحول عن افقه من أدركتما؟ فقالا: سعيد بن المسيب سليمان بن موسى: كان سعيد بن المسيب افقه التابعين.

وإذا أردت أن تعرف السرفي حصول بن المسيب على هذه الثقة وهذه المكانة العلمية فستجدها في قول مالك بن أنس.

ولد سعيد بن المسيّب في امارة عمر بن الخطاب وكان بن عمر يرسل إليه في أحاديث عمر لأنّ سعيداً كان قد نصب نفسه لقول عمر فلم يَجُزْهُ(4) . إذن هذا هو السبب الأول.

وأمّا الشجرة الملعونة قال ابن عباس رضي الله عنهما بنو امية يعني الحكم بن أبي العاص قال ورأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أنّ ولد مروان يتداولون منبره فقص

____________________

(1) جمهرة رسائل العرب، ج2 ص66.

(2) أي أنّ هذه السورة مكية وهاتان الواقعتان مدنيّتان.

(3) تفسير الرازي، ج20 ص236.

(4) تاريخ ابي زرعة الدمشقي، ص182 وص183.

١٣٢

رؤياه على أبي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما فلما تفرقوا سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم يخبر برؤيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاشتد ذلك عليه واتهم عمر في افشاء سره ثمّ ظهر أن الحكم يتسمع اليهم فنفاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ....(1)

وإنّما خصصوا الرؤيا في الحكم بن أبي العاص فلكي يدرئوا خطر شمولها لعثمان ومعاوية بل هي في بني امية جميعاً وأما كونها سرّاً وإتهام عمر بافشائه فإنّ ذلك مردود بأن معاني القرآن لا يمكن أن تبقى سراً مكتوماً في القلوب إذ لابدّ من ظهوره في يوم من الأيام ثمّ ما وجه مراعاة اللعين الحكم ومداراته في هذا القول وهو تفسير آية من كتاب الله أمر الله نبيّه ببيانه على الحتم والوجوب وقد واجه النبي الحكم بأكثر من هذا كلعنه ومن في صلبه علناً على رؤوس الأشهاد وأمام كافة المسلمين، وأمّا إتّهام عمر فليس من المستبعد أن يكون إتهمه على موالاته بني امية وتواطئه مع الحكم في مسئلة أخرى ولم ينف الحكم لهذا السبب بل لسبب آخر ذكره الرواة وقالوا: اطّلع على رسول الله وهو في احدى خلواته في بعض حجره، فخرج النبي وبيده مشقص يريد أن يفقأ عينه فوجده قد هرب فقال من عذيري من هذا اللعين ثمّ نقاه عن المدينة بعد أن لعنه ومن في صلبه.

وقد مرّ عليك آنفاً أنّ الحكم كان عند النبي وسمعه يحدّث عن ملك بني امية وكل هذا يدلّ على أنّ إتّهام عمر مسئلة أخرى اجنبية عما نحن فيه.

وابن كثير تابع الطبري على قوله ونقل روايته عن الرؤيا والشجرة الملعونة وقال: وقيل المراد بالشجرة الملعونة بنو امية وهو غريب ضعيف(2) .

ويدلك على أن الشجرة اللعونة ليست هي شجرة الزقوم لعنُها لأن الله سبحانه لا يلعن خلقاً مسيّراً بأمره فاعلاً لما يراد منه بل يلعن المختار إذا عصى وترك فعل ما يراد منه.

ولذلك تراهم احتاروا في تأويل (الملعونة) فذهبوا إلى أقوال عدة لم يصب أي واحد منها وجه الحق وباعثهم على ذلك طلب التنزيه لبني امية لأنّ من هذه

____________________

(1) مفاتيح الغيب، ج20 ص237.

(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3 ص52.

١٣٣

الشجرة فروعاً مقدسة عندهم يؤذيهم أنّ تطالهم اللعنة كذي النورين وخال المؤمنين معاوية وجدهم أبي سفيان وجدتهم هند وهكذا.

والمهم عند هؤلاء صيانة الأيمه وإن كان الحق خلافهم وإن ضحوا بالقرآن لا بتأويله وحده وأحسن قول عثرت عليه هو قول الألوسي في روح المعاني يقول:

وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني امية ينزون على منبره نزو القردة فسائه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات عليه الصلاة والسلام وأنزل الله تعالى هذه الآية( وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا ) الخ.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني امية على المنابر فسائه ذلك فأوحى الله تعالى إليه إنما هي دنيا اعطوها فقرّت عينه وذلك قوله تعالى:( وَمَا جَعَلْنَا ) الخ.

وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت بني امية على منابر الارض وسيملكونها فتجدونهم ارباب سوء واهتم عليه الصلاة والسلام لذلك فأنزل الله سبحانه( وَمَا جَعَلْنَا ) الآية وأخرج عن ابن عمر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة وأنزل الله تعالى في ذلك:( وَمَا جَعَلْنَا ) الخ والشجرة الملعونة الحكم وولده وفي عبارة بعض المفسرين هي بنو امية(1) .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لابيك وجدك: أنكم الشجرة الملعونة في القرآن فعلى هذا معنى احاطته تعالى بالناس احاطة اقداره بهم، إلى أن يقول: ومعنى جعل ذلك فتنة للناس جعله بلاءاً لهم ومختبراً وبذلك فسّره ابن المسيب وكان هذا بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا وعدلوا عن سنن الحق وما عدلوا وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفائهم ممن كان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً أو ممن كان من أعوانهم كيف ما كان.

____________________

(1) الألوسي، روح المعاني، ج15 ص107.

١٣٤

ويحتمل أن يكون المراد ما جعلنا خلافتهم وما جعلناهم أنفسهم إلاّ فتنة وفيه من المبالغة في ذمهم ما فيه وجعل ضمير نخوفهم على هذا لما كان له أولاً أو للشجرة باعتبار أن المراد بها بنو امية ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة والفروج المحصنة وأخذ الأموال من غير حلها ومنع الحقوق عن أهلها وتبديل الأحكام والحكم بغير ما أنزل الله تعالى على نبيّه عليه الصلاة والسلام إلى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد تنسى ما دامت الليالي والأيام وجاء لعنهم في القرآن، أما على الخصوص كما زعمته الشيعة أو على العموم كما نقول فقد قال سبحانه وتعالى:( إِنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) وقال عزوجل:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَى‏ أَبْصَارَهُمْ ) إلى آيات أخر ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولاً اولياً.

لكن لا يخفى أنّ هذا لا يسوّغ عند أكثر أهل السنة لعن واحد منهم بخصوصه فقد صرّحوا أنّه لا يجوز لعن كافر بخصوصه ما لم يتحقق موته على الكفر كفرعون ونمرود فكيف من ليس كافراً وادّعى السراج البلقيني:

جواز لعن العاصي المعيّن ونورد دعواه بحديث الصحيحين إذا ما دعى الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصيح ...(1)

هذا هو كلام العالم الواعي الذي لا يهمه شيء سوى الظفر بالحقيقة من أي وجه كان لا ما يقوله الشوكاني كما مرّ عليك تواً فإنّه نفى أن تكون فتنة في ملك بني امية أو تكون الآية قد دلّت عليه بوجه من الوجوه ويمكن أن يقع هذا جواباً له ونسئل الله أن يعامل الألوسي بما يستحقّ من لطفه الخفي.

وأخرج بن مردويه عن الحسين به علي رضي الله عنهما: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبح وهو مهموم فقيل مالك يا رسول الله؟ فقال: إني أُريت في المنام بني امية يتعاورون منبري هذا فقيل يا رسول الله لا تهتم فإنّها دنيا تنالهم فأنزل الله وما جعلنا

____________________

(1) الألوسي، روح المعاني، ج15 ص107 وص108.

١٣٥

الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس.

وقال السيوطي: والشجرة الملعونة يعني الحكم وولده(1) .

قال ابن حيان: وقيل بنو امية حتى أن من المفسرين من لا يعبر عنهم إلاّ بالشجرة الملعونة لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة واخذ الأموال من غير حلها وتغيير قواعد الدين وتبديل الأحكام ولعنها في القرآن ألا لعنة الله على الظالمين إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة(2) .

وأمّا ما استشكلوا على تفسير الرؤيا بالمنام بأنّ رؤيا المنام لا فتنة فيها وما كان أحد لينكرها فقد ردّ عليهم ابن حبان بقوله:

وليس كما قال ابن عطيه فإنّ رؤيا الأنبياء حق ويخبر النبي بوقوع ذلك لا محالة فيصير اخباره بذلك فتنة لمن يريد الله به ذلك(3) .

والواقع أنّ كثيراً من الأقوال التي تفسر الآية بغير بني امية ذات سبب واحد وهو صيانة عثمان ومعاوية من الدخول في معناها لأنهما فرعان من الشجرة الملعونة. أما عثمان فلسنا الآن بصدد الكلام عنه.

وأما معاوية فهو اخبث فرع من فروع هذه الشجرة وتحضرني الآن حقيقة مرة من حقائق تنكره للدين وعدائه لسيد المرسلين وهي محاولة هدم منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : زاعماً أنه يريد نقله إلى الشام عقاباً لأهل المدينة على خذلانهم عثمان فلا ينبغي أن يبقى المنبر عندهم هذه حجته وهدفه هو هدم المنبر حقداً على صاحبه وعلى تلك الرؤيا التي مسخه الله فيها وأهل بيته قروداً ينزون عليه.

معاوية وعدوانه على منبر رسول الله

أراد معاوية هدم منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتضييع معالم الروضة التي قال عنهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة(4) .

____________________

(1) السيوطي، الدر المنثور، ج4 ص191.

(2) ابن حبان، البحر المحيط، ج6 ص55 وص56.

(3) ابن حبان، البحر المحيط، ج6 ص55 وص56.

(4) زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، ج2 ص243.

١٣٦

متذرعاً بحجة صبيانيه تافهة زاعماً أنّ أهل المدينة لا يستحقون وجوده بين ظهرانيهم لخذلانهم عثمان بن عفان والله يعلم أنّ هدفه الاكبر هدم المنبر ومحو آثاره ومعالمه ظاتاً يدافع من خبث سريرته أنّ زوال الآثار تدعوا إلى زوال صاحبها ولكن الله خذله حين أضله.

ذكر الطبري في تاريخه قال: قال محمد بن عمر: وفي هذه السنة أمر معاوية بمنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحمل إلى الشام فحُرّك فكسفت الشمس حتى رئيت النجوم بادية يومئذ فاعظم الناس ذلك فقال: لم أرد حمله إنما خفت أن يكون أرض فنظرت إليه ثمّ كساه يومئذ وعن سعيد بن دينار قال: قال معاوية: إني رأيت أنّ منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعصاه لا يتركان بالمدينة وهم قتلة أميرالمؤمنين عثمان وأعدائه فلما قدم طلب العصى وهي عند سعد القرض فجاءه أبو هريرة وجابر بن عبدالله فقالا: يا أميرالمؤمنين نذكّرك الله عزوجل أن تفعل هذا فإن هذا لا يصلح تخرج منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من موضع وضعه وتخرج عصاه إلى الشام فانقل المسجد فأقصر وزاد فيه ست درجات.

وهذه الزيادة تؤكد خبثه فما كان المنبر بحاجة إليها ولكن الغرض منها تغيير هيئته التي خلفه عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

وزاد ابن الأثير في روايته مقطعاً آخر ينبيك عن حقد القرود على المنبر وصاحبه فقال بعد نقله رواية الكامل: فلما ولى عبدالملك بن مروان هم بالمنبر فقال له قبيصه بن ذؤيب:.. اذكرك الله أن تفعل أنّ معاوية حركه فكسفت الشمس وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من حلف على منبري فليتبوء مقعده من النار) وهو مقطع الحقوق عندهم بالمدينة فتركه عبدالملك فلما كان الوليد ابنه وحج هم بذلك فارسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبدالعزيز فقال: كلّم صاحبك لا يتعرض للمنبر ولا لله والسخط له فكلمه عمر فتركه.

ولما حج سليمان بن عبدالملك أخبره عمر بما كان من الوليد فقال سليمان ما

____________________

(1) محمد بن جرير، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5 ص238 وص239 وانظر المسعودي، مروج الذهب، ج3 ص25.

١٣٧

كنت أحب أن يذكر عن اميرالمؤمنين عبدالملك هذا ولا عن الوليد ما لنا ولهذا أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله هذا ما لا يصلح(1) .

ويقول المسعودي في روايته فجزع من ذلك واعظمه ورده إلى موضعه وهذا يدلّ على أنّ المنبر اقتلع من مكانه فأحدث ردّ فعل شديد بين الناس ضرب قلب الطاغية بالخوف فردّه إلى مكانه وزاد فيه(2) وتصرّف ابن كثير في النص لصالح معاوية فحذف المؤاخذات عليه وصار يوحي بأن معاوية خضع لرأي الصحابيين أبي هريرة وجابر اللذين طلبا منه الكف عن ذلك قال: فترك ذلك معاوية ولكن زاد في المنبر ست درجات واعتذر الى الناس(3) .

ولم يهدأ حقد القرد الدفين على المنبر وصاحبه حتى صنع منبراً قدم به معه من الشام فوضعه عند باب البيت الحرام يريد أن يضاهي به منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال اليعقوبي: فكان أول من وضع المنبر في المسجد الحرام..(4) لقد كان معاوية باقعة أصيب بها الإسلام ولا زالت آثاره وسننه في الدين والشريعة تحيا في حاضر الإسلام وتمزّق صفوفه وقد كان الخليفة اتخذه درعاً واقية تقي سلطان قريش من بني هاشم ومن علي خاصة وكان على علم بحقيقة معاوية وخطره على مجموع الدين وجميع المسلمين لأنّه كالنار تحرق الأخضر واليابس والضار والنافع فقواه على عمد واصطنعه على علم منه بما يجري على يديه.

ولاية معاوية على الشام

لم يكن اختيار الشام لمعاوية اتفاقاً وصدفة بل هي خطة محبوكة وخطوة مدروسة أن يكون في هذا الجزء من البلاد ذي النظام المستقر والرخاء الدائم والحدود المصونة ثم هو بعد يتاخم حدود الروم وهي استراتيجيّة منظوره لعمر ذي

____________________

(1) ابن الأثير، الكامل، ج3 ص230 وص229.

(2) المسعودي، مروج الذهب، ج3 ص26.

(3) ابن كثير، البداية والنهاية، ج8 ص46 وراجع ابن الجوزي المنتظم، ج5 ص28 و227.

(4) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2 ص222.

١٣٨

الأهداف العميقة فما كان عمر وهو يضع هذا التصميم العظيم ليغفل بلاد الروم التي تشكل لمعاوية عمقاً استراتيجياً إذا شالت كفته في حربه مع على.

ولقد حدثنا التاريخ عن علاقة طيبه لمعاوية مع الروم طيلة حربه مع علي في صفين ولا تزال هذه الصفحة مغلقة لم يحاول المؤرخون كشفها إمّا لاعتقادهم عدم جدواها اليوم للحياة المعاصرة وأمّا لاقتضاء حُسْنِ الاعتقاد بمعاوية تركها طيّ الكتمان وكان معاوية يفزع إلى أخيه القيصر إذا حال بينه وبين إجراء خططه حائل.

كما فعل حين استعار السم النافع لقتل الإمام الحسنعليه‌السلام من ملك الروم.

اجل اختار عمر لمعاوية الشام وهو كما وصفه العقاد مملكة مستقلة(1) . ويصفها ابن حجر الهيثمي بأنّها: ولاية واسعة مستمرة(2) .

واختار له عمر هذه الولاية وجمعها له بعد أن عزل منها الصحابي الأمين عمير بن سعد وكان يسميه عمر (نسيج وحده) فما الذي حمله على عزله ولم تبدر منه بادرة تسئ إلى حكمه أو إلى رعيته. مع علمه بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هوا رضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين(3) . وهو احد رواته وأخرجه الحاكم عن ابن عباس وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ونسبه العقيلي إلى عمر بن الخطاب بعد أن اعله بحسين بن قيس واخرجه الطبراني في معجمه عن ابن عباس بسياق آخر.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تولّى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنه رسوله فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد مرفوعاً بلفظ الطبراني(4) . فما الذي أنكر عمر من سياسة عمير بن سعد حتى يعز له ويزرع بن هند مكانه؟

____________________

(1) العقاد، معاوية بن ابي سفيان، ص215.

(2) ابن حجر تطهير الجنان، ص16.

(3) راجع محمد بن يوسف بن عيسى اطفيش المغربي، جامع الشمل، ج2 ص134.

(4) راجع الزيلعي، نصب الراية، ج4 ص62.

١٣٩

عمير بن سعد ...

لابد من احاطة أو المامة بحياة هذا الرجل الذي انتزعه عمر وأقام معاوية مقامه. كان يسمّى نسيج وحده يقال إنّ عمر لأعجابه به سماه بذلك قال ابن سيرين كان عمر من عجبه بعمير بن سعد يسميه نسيج وحده وبعثه مرة على جيش. وكان عمير صحابياً صحب النبي ولم يشهد شيئاً من المشاهد. واستعمله عمر على حمص وكان زاهداً(1) .

وكان عمير بن سعد يقول وهو امير على المنبر على حمص: ألا إنّ الإسلام حانط منيع وباب وثيق فحائط الإسلام العدل وبابه الحق فإذا نقض الحائط وحطم الباب استفتح الإسلام فلا يزال الإسلام منيعاً، ما اشتدّ السلطان وليس شدّة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضرباً بالسوط ولكن قضاءاً بالحق واخذاً بالعدل(2) .

ولا استبعد أن تكون هذه الكلمات صكّت مسامع عمر فآذته وحملته على انتزاعه كذلك لا استبعد أن يكون عمير عرّض بأبي بكر وعمر بالسيف والسوط. فإن سيف الأوّل لا تجهل آثاره في المسلمين فيما يسمّى بحرب الرده كما أن سوط الثاني وهي الدره معروفة للجميع يقول بعض اليهود الشعراء المعاصرين لعمر:

يصول ابو حفص علينا بدرة

رويدك إن المرء يطفو ويرسب

كأنك لم تتبع حمولة ما قط

لتشبع أن الزاد شيء محبب

فلو كان موسى صادقاً ما ظهرتم

علينا ولكن دولة ثم تذهب

ونحن سبقناكم إلى المين فاعلموا

لنا رتبة البادي الذي هو اكذب

مشيتم على آثارنا في طريقنا

وبغيّكم في ان تسودوا وتُرهبوا(3)

وهذا تعريض ثقيل جداً على خليفة يحمل بين جانحيه نفساً لا تتخلى عن احقادها بحال من الأحوال.

يقال: أنّ سبب العداوة بين عمر وخالد بن الوليد أنّهما اصطرعا وهما غلامان

____________________

(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج2 ص103 وص104 وص105.

(2) ابن سعد، الطبقات، ج4 ص375.

(3) المهدي والمهدوية، ص9.

١٤٠