الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية 0%

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 377

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد شعاع فاخر
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 111558
تحميل: 12206

توضيحات:

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111558 / تحميل: 12206
الحجم الحجم الحجم
الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والله ما معاوية بادهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولو لا كراهة الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن لكل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة(1) .

ويقول عن المكر والغدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما روى عنه قيس بن سعد فقال: لولا اني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر هذه الأمة(2) .

أول غدر دشّن به ملكه هو غدره بالإمام الحسن بعد أن أعطاه شروط الصلح التي ذكر بعضها الدينوري في الأخبار الطوال: وهي أن لا يأخذ من أهل العراق بأحنه وأن يؤمن الأسود والأحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم ويجعل له خراج الأهواز مسلماً كل عام ويحمل إلى أخيه الحسين بن علي في كل عام الفي ألف ويفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني امية.

فكتب عبدالله بن عامر بذلك إلى معاوية فكتب معاوية جميع ذلك بخطه وختمه بخاتمه وبذل عليه العهود المركبة والإيمان المغلظة واشهد على ذلك جميع رؤساء الشام ووجه به إلى عبدالله بن عامر فأوصله إلى الحسنرضي‌الله‌عنه فرضي به وكتب إلى قيس بن سعد بالصلح ....(3)

والسيد ابن عقيلرحمه‌الله نقل شروط الصلح باوسع مما ذكره الدينوري وقال: أخذها من فتح الباري شرح صحيح البخاري ومن تاريخ أبي جعفر الطبري ومن الكامل لإبن الأثير وغيرها لتعلم ما الجأ الإمام الحسنعليه‌السلام إلى ذلك الصلح وما نكث معاوية من عهوده إلى أن يقول:

وعلم الحسن أنّه لن تغلب احدى الفئتين حتى يذهب أكثر الاُخرى فكتب إلى معاوية يخبره أنّه يصيّر الأمر إليه على شروط يشترطها فرضي معاوية بعد مراجعة في بعضها ثم تصالحا على أن تسلّم إلى معاوية ولاية المسلمين على أن يعمل فيها

____________________

(1) ابن عقيل، النصائح الكافية لمن يتولىّ معاوية، ص205.

(2) البداية والنهاية، ج8 ص105.

(3) الأخبار الطوال، ص218.

١٨١

بكتاب وسنّة نبيّه وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين(1) .

وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم وأولادهم ونسائهم حيث كانوا لا يطلب أحد منهم بشيء كان في أيام علي وأن لا يبتغي للحسن ابن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في افق من الآفاق على معاوية بذلك عهد الله وميثاقه وكفى به شهيداً وزاد ابن الأثير أنّه يعطيه ما في بيت المال الكوفة وخراج دارا بجرد من فارس ليرضى بذلك من لا يرضيه إلاّ المال وأن لا يشتم علياًعليه‌السلام فأجابه إلى ذلك كله إلاّ شتم علي فإنّه التزم أن لا يشتمه والحسن يسمع وإلاّ أنّه قال أمّا عشرة أنفس فلا أومنهم فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول:

إني قد آليت أني متى ظفرت بقيس ابن سعد أن اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن أني لا ابايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غيره بتبعة قلّت أو كثرت فبعث إليه معاوية برق أبيض وقال اكتب ما شئت وأنا التزمه ثمّ اعطاه معاوية عهداً بذلك واصطلحا ثمّ قال السيد ابن عقيلرحمه‌الله :

وتحقق بذلك الصلح قوله عليه وآله الصلاة والسلام مما أخرجه الحاكم: ما اختلفت أُمة بعد نبيها إلاّ ظهر باطلها على حقها( قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ مَدًّا ) ثم لم يف معاوية بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله ونقض الميثاق بأنه لا يعهد إلى أحد من بعده فعهد بالخلافة لابنه السكير الخمير ولم يترك شتم علي حتى والحسن والحسين حاضران وسلط عليهما عامله مروان بالمدينة يجرعهما ما يجرّعهما من الاذى وحتى قتل الحسن بالسم كما مر ذكره ولم يف له بخراج دارا بجرد فإنّ أهل البصرة منعوه عنه وقالوا: فيئنا لا نعطيه أحداً وكان منعهم بأمر معاوية أيضاً قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اثناء حديث أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن

____________________

(1) أقول: وهل أوصل معاوية إلى سدّة الحكم الاسيرة الخلفاء ولكن الإمام يعني سيرة أبيه ولذا وصفهم بالمهديين.

١٨٢

عباسرضي‌الله‌عنه ألا إنّه لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ومن نكث ذمة الله طلبه ومن نكث ذمتي خاصمته ومن خاصمته فلجث عليه ومن نكث ذمتي لم ينل شفاعتي ولم يرد عليّ الحوض.

خطب معاوية أهل الكوفة: يا أهل الكوفة اتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون ألا إنّ كل مال أو دم اصبت في هذه الفتنة مطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين ....(1)

يقول ابن قتيبة وكان سليمان ابن صرد قد عاتب الإمام الحسن على رضاه بالصلح واشار إلى غدر معاوية بقوله:

وزعم على رؤوس الناس ما قد سمعت، إني كنت شرطت لقوم شروطاً ووعدتهم عدات ومنيّتهم اماني ارادة اطفاء نار الحرب ومداراة لهذه الفتنة إذ جمع الله لنا كلمتنا والفتنا فإن كل ما هنالك تحت قدمي هاتين ووالله ما عنى بذلك إلاّ نقض ما بينك وبينه ....(2)

غدره بمروان ...

كتب معاوية إلى مروان بن الحكم وكان عامله على المدينة يعلمه باختيار يزيد ومبايعته اياه بولاية العهد ويأمره بمبايعته واخذ البيعة له على من قبله فلما قرأ مروان ذلك خرج مغضباً في أهل بيته وأخواله من بني كنانة حتى أتى دمشق فنزلها ودخل على معاوية يمشي بين السماطين حتى إذا كان منه بقدر ما يسمعه صوته سلّم وتكلم بكلام كثير يوبخ به معاوية منه:

أقم الأمور يا ابن ابي سفيان واعدل عن تأميرك الصبيان واعلم أنّ لك من قومك نظراء وإن لك على مناواتهم وزراء فقال له معاوية: أنت نظير أميرالمؤمنين وعدته في كل شديدة وعضده والثاني بعد ولي عهده وجعله وليّ عهد يزيد وردّ

____________________

(1) انظر، النصائح الكافية، ص193 وص194.

(2) الإمامة والسياسة، ج1 ص141 ويقول الطبري في حوادث السنة احدى وأربعين: فلم ينفذ للحسنعليه‌السلام من الشروط شيئاً، الطبري، ج5 ص163.

١٨٣

إلى المدينة ثم أنّه عزله عنها وولاها الوليد بن عتبة بن ابي سفيان ولم يف لمروان ما جعله له من ولاية عهد يزيد بن معاوية(1) .

غدره بعاشق ..

ربما وجد معاوية من يعتذر عنه بأن السياسة من مقوّماتها خلو علاقاتها من وجود القيم والمثل العليا فلا غرابة في غدر السياسي إذا وجد من الاصلح بتوجيه الاُمور وتقويم الرعية أن يغدر ولكن ما معنى الغدر على المستوى الأخلاقي المجرّد فهذا معاوية لتأصل صفة الغدر فيه يغدر حتى على المستوى الأخلاقي.

ذكر ابن كثير قصة غريبة وقال: ذكرها ابن الجوزي في كتابه المنتظم بسنده وهو أنّ شاباً من بني عذرة جرت له قصة مع ابن ام الحكم وملخصها:

أنّ معاوية بينما هو يوماً على السماط إذا شاب من بني عذرة قد تمثل بين يديه فانشده شعراً مضمونه التشوّق إلى زوجته سعاد فاستدناه معاوية واستحكاه عن أمره فقال:

يا أميرالمؤمنين إني كنت مزوجاً بابنة عم لي وكان لي ابل وغنم وانفقت ذلك عليها فلما قل ما بيدي رغب عني ابوها وشكاني الى عاملك بالكوفة ابن ام الحكم وبلغه جمالها فحبسني في الحديد وحملني على أن اطلقها فلما انقضت عدتها اعطاها عاملك عشرة آلاف درهم فزوجه اباها وقد اتيتك يا اميرالمؤمنين وأنت غياث المحزون الملهوف المكروب وسند المسلوب فهل من فرج! ثم بكى وانشأ يقول:

في القلب مني نار

والنار فيها شرار

والحسم مني نحيل

واللون فيه اصفرار

والعين تبكي بشجو

فدمعها مدرار

والحب ذا عبر فيـ

ـه الطبيب يحار

حملت فيه عظيماً

فما عليه اصطبار

فليس ليلي بليل

ولا نهاري نهار

____________________

(1) مروج الذهب، ج3 ص28.

١٨٤

قال: فرق له معاوية وكتب إلى ابن ام الحكم يؤنبه على ذلك ويعيبه عليه ويأمره بطلاقها قولاً واحداً فلما جاءه كتاب معاوية تنفّس الصعداء وقال: وددت أنّ أميرالمؤمنين خلّى بيني وبينها سنة ثم عرضني على السيف وجعل يؤامر نفسه على طلاقها فلا يقدر على ذلك ولا تجيبه نفسه وجعل البريد الذي ورد عليه بالكتاب يستحثه فطلقها وأخرجها عنه وسيّرها مع الوفد إلى معاوية فلما وقفت بين يديه رأى منظراً جميلاً فلما استنطقها فإذا افصح الناس واحلاهم كلاماً واكملهم جمالاً ودلالا فقال لابن عمها يا اعرابي هل من سلو عنها بافضل الرغبة؟ قال: نعم إذا فرّقت بين رأسي وجسدي ثم أنشأ يقول:

لا تجعلني والأمثال تضرب بي

كالمستغيث من الرمضاء بالنار

اردد سعاد على حيران مكتنب

يمسي ويصبح في هم وتذكار

قد شفّه قلق ما مثله قلق

واسعر القلب منه ايّ اسعار

والله والله لا أنسى محبتها

حتى اغيب في رمسي واحجار

كيف السلو وقد هام الفؤاد بها

واصبح القلب منها غير صبار

فقال معاوية: فأنا نخيّرها بيني وبينك وبين ابن ام الحكم فانشأت تقول:

هذا وإن اصبح في اطار

وكان في نقص من اليسار

احب عندي من ابي وجاري

وصاحب الدرهم والدينار

اخشى إذا غدرت حر النار

قال: فضحك معاوية وأمر له بعشرة آلاف درهم ومركب ووطاء ولما انقضت عدتها زوجه لها وسلمها إليه..(1)

أمّا معاوية فلا يخشى كهذه البدوية إذا غدر حرّ النار لأنه طبع على الغدر. ولئن وجد من يعتذر عنه في غدراته السياسية فما عذره هنا ..

____________________

(1) ابن كثير، البداية والنهاية، ج8 ص86.

١٨٥

السمة الثالثة اغتيال الأشراف ومن يخشاهم على ملكه من الناس!!

كان وجود الإمام الحسن على قيد الحياة ثقيلاً على معاوية لا لأنه يخشى أحداً من أجل الإمام الحسن أو لأنه اقتطع على نفسه شروطاً ويطلب الخلاص منها بوفاته فالرجل ليست له ذمة تحمله على الوفاء ولا هو ذو خلق ليستفضع الغدر والنكث.

ولكن شاءت ارادة الله أن يسعد الحسن بالشهادة على يد شر خلقه ويشقي ابن آكلة الأكباد بأكل كبد الحسنعليه‌السلام كما شقيت أمه بأكل كبد الحمزةعليه‌السلام .

فأوعز إلى ابنة الأشعث جعيدة زوجة الإمام الحسن أن تدسّ إليه السم واغراها بالوعود الجذّابة ولم يف لها بشيء إلاّ المال ولو لم يرسله إليها قبل أن ترتكب جريمتها لما وفى به أيضاً ...

وغدر معاوية لعنه الله بالإمام الحسنعليه‌السلام من الشهرة بحيث لم ينكره أكثر القوم ولاءاً له فهذا الذهبي ينقل في سير أعلام النبلاء الرواية التالية فيقول:

عن عمير بن اسحاق، قال: دخلنا على الحسن بن علي نعوده فقال لصاحبي: يا فلان سلني ثم قام من عندنا فدخل كنيفاً ثمّ خرج فقال: إني والله قد لفظت طائفة من كبدي قلبتها بعود وأني قد سقيت السم مراراً فلم اسق مثل هذا فلما كان الغد آتيته وهو يسوق فجاء الحسين فقال: اي أخي! انبئني من سقاك؟ قال: لم لتقتله؟ قال: نعم قال: ما أنا محدثك شيئاً إن يكن صاحبي الذي أظن فالله اشد نقمة وإلاّ فوالله لا بقتل بي برييء.

ونقل رواية ثانية عن الواقدي عن عبدالله بن حسن قال: كان الحسن كثير النكاح وقل من حظبت عنده وقل من تزوجها إلاّ احبته وصبت به فيقال: إنه كان سقي ثم افلت ثم سقي فأفلت ثم كانت الآخرة وحضرته الوفاة فقال الطبيب هذا رجل قد قطع السم امعائه وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً.

وروى عن أبي عوانة عن منير عن ام موسى: أنّ جعدة بنت الاشعث بن قيس

١٨٦

سقت الحسن السم فاشتكى فكان توضع تحته طشت وترفع أخرى نحواً من أربعين يوماً(1) .

وابن كثير نقل ما رواه الذهبي ولكنه اعقبها بقوله وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الاشعث أن سمّي الحسن وأنا اتزوجك بعده ففعلت فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: أنا والله لم نرضك للحسن افنرضاك لانفسنا؟!

يقول ابن كثير: وعندي أن هذا ليس بصحيح وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى(2) .

ولم يثبت عدم صحته بدليل منفصل عن الذات لنعرف صلته بالحق من أين؟!

والدليل الوحيد هو ياء المتكلم حيث يقول: (عندي) وعنديته هي الأموية التي رسبت في اعماقه وأعماق سلفه من قبل وخلفه من بعد..

وحسن ظن هؤلاء بمعاوية ويزيد حاك عن نزارة الدين في نفوسهم وأنهم بمنزلة اليهود الذين يظهرون الإيمان بموسى ولكنهم يخالفونه في الصغير والكبير ويعفون باعمالهم وأقوالهم على الدين والشريعة.

ولو كان الذهبي أو ابن كثير أو ابن حجر الهيثمي في زمن معاوية لما سبقهم بسر بن ارطاة ولا زياد ولا الضحاك ابن قيس أو معاوية بن خديج على دنيا معاوية ولفتكوا بالامة اشد من فتك هؤلاء بها وسم معاوية الحسن ذكره جل المؤرخين. قال البلاذري: وقد قيل إنّ معاوية دس إلى جعدة بنت الاشعث بن قيس امرأة الحسن وارغبها حتى سمته وكانت شانئة له..

وقال الهيثم بن عدي: دس معاوية إلى ابنة سهيل بن عمرو امرأة الحسن مأة ألف دينار على أن تسقيه شربة بعث بها إليها ففعلت..(3)

____________________

(1) انظر ترجمة الإمام الحسن في سير أعلام النبلاء، ج3 ص274 وص275.

(2) البداية والنهاية، ج8 ص44 وقال ابن الأثير: سمته زوجته جعدة وسكت عن الباقي، الكامل ج3 ص228.

(3) البلاذري انساب الاشراف، ج3 ص295.

١٨٧

إغتيال الأشتررضي‌الله‌عنه عنه بالسم

كان مالك بن الحارث النخعي الأشتر كما وصفه اميرالمؤمنين في كتابه إلى أهل مصر حين استعمله عليهم:

وإني قد بعثت اليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيام الخوف ولا ينكل عن الأعداء حذر الدوائر من أشد عبيدالله بأساً وأكرمهم حسباً أضر على الفجار من حريق النار وأبعد الناس من دنس أو عار وهو مالك بن الحارث الأشتر لا نابي الضريبة ولا كليل الحد حليم في الحذر رزين في الحرب ذو رأي أصيل وصبر جميل فاسمعوا له وأطيعوا أمره ...

وقال ابن ابي الحديد في وصفه:

كان شديد البأس جواداً رئيساً حليماً فصيحاً شاعراً وكان يجمع بين اللين والعنف فيسطو في موضع السطوه ويرفق في موضع الرفق وقال أيضاً:

كان حارساً شجاعاً رئيساً من اكابر الشيعة وعظمائها شديد التحقيق بولاء أميرالمؤمنينعليه‌السلام ونصره ثم ذكر بعض ما يتعلق به ثم قال: وقد روى المحدثون حديثاً يدل على فضيلة عظيمة للأشتر وهي شهادة فاطمة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه مؤتمن وهو قوله لنفر من أصحابه فيهم أبوذر ليموتن أحدكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين وكان الذي أشار إليه النبي أبوذررضي‌الله‌عنه وكان ممن شهد موته حجر بن عدي والأشتر(1) وهو القائل يتهدد معاوية:

بقيت وفري وانحرفت عن العلى

ولقيت اضيافي بوجه عبوس

ان لم اشنّ على ابن هند غارة

لم تخل يوماً من نهاب نفوس

خيلاً كامثال السعالى شزباً

تغدو ببيض في الكريهة شوس

حمي الحديد عليهم فكأنه

ومضان برق أو شعاع شموس

وقال ابن ابي الحديد: لله أم قامت عن الأشتر لو أن انساناً يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم اشجع منه إلاّ استاذه علي بن ابي طالبعليه‌السلام لما

____________________

(1) الشيخ عباس القمي، الكنى والألقاب، ج2ص34، ط مطبعة العرفان صيدا 1358.

١٨٨

خشيت عليه الاثم ولله در القائل وقد سئل عن الاشتر:

ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام وهزم موته أهل العراق وبحق ما قال أميرالمؤمنين فيه كان الاشتر لي كما كنت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

خبر شهادتهرحمه‌الله

إنّ الأشتر مرّ بأبله متوجهاً إلى مصر فصحبه نافع مولى عثمان فخدمه والطفه حتى اعجبه واطمأن إليه فلما نزل القلزم حاضر له شربة من عسل بسم فسقاها له فمات(1) .

ونقل الطبري خبر شهادته بسياق آخر لما تهيأ الاشتر للخروج إلى مصر وأتت معاوية عيونه واخبره بولاية الاشتر فعظم ذلك عليه وقد كان طمع في مصر فعلم أنّ الأشتر إن قدمها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر فبعث معاوية إلى الجايستار - رجل من أهل الخراج - فقال له: إن الاشتر قد ولى مصر فإن أنت كفيتنيه لم أخذ منك خراجاً ما بقيت فاحتل له بما قدرت عليه فخرج الجايستار حتى أتى القلزم وأقام به وخرج الأشتر من العراق إلى مصر فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار فقال هذا منزل وهذا طعام وعلف وأنا رجل من أهل الخراج فنزل به الأشتر فأتاه الدهقان بعلف وطعام حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سماً فسقاه اياه فلما شربها مات.

وأقبل معاوية يقول لأهل الشام إنّ علياً وجه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكموه قال: فكانوا كل يوم يدعون الله على الأشتر وأقبل الذي سقاه إلى معاوية فأخبره بمهلك الأشتر فقام في الناس خطيباً فحمد الله واثنى عليه وقال: أما بعد فإنّه كانت لعلي بن ابي طالب يدان يمينان قطعت أحداهما يوم صفين - يعني عمار بن ياسر - وقطعت الأخرى اليوم(2) . إنّ معاوية طالب ملك وطالب دنيا كل همه أن يبلغ غايته ولو بمحق دينه بل جعل معاوية دينه في خدمة دنياه وكيف يلام مثل هذا؟!

____________________

(1) القمي، الكنى والألقاب، ج2 ص26.

(2) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5 ص95 وص96.

١٨٩

لكن اللوم على شيعته الذي يعتنقون الإسلام فيما يزعمون بما تجنوا على هذا الرجل العظيم والصحابي الجليل فنفوا عنه الصحبة ووافقوا عليه الأموية وعبّروا فيما كتبوا عن قول الأموية فيه فضل سعيهم وخاب فألهم وطاش سهمهم إن شاء الله تعالى.

اغتيال عبدالرحمن بن خالد بن الوليد

وعبدالرحمن هذا أول من بايع معاوية بعد شهادة الإمام اميرالمؤمنينعليه‌السلام يقول ابن قتيبة:

فلما قتل علي تداعى أهل الشام إلى بيعة معاوية وقال له: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد نحن المؤمنون وأنت أميرنا فبايعوه وهو بايلياء لخمس ليال خلون من شوال سنة أربعين(1) .

وكان في صفين يحمل راية أهل الشام العظمى وكان يحمل بها فلا يلقاه شيء إلاّ هدّه وكان من فرسان العرب(2) .

يقول ابن كثير: وكان من الشجعان المعروفين والابطال المشهورين كأبيه وكان قد عظم ببلاد الشام لذلك حتّى خاف منه معاوية ومات وهو مسموم رحمه الله وأكرم مثواه ....

وقد ذكر ابن جرير وغيره أن رجلاً يقال له: ابن أثال وكان رئيس الذمة بارض حمص سقاه شربة فيها سم فمات وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في ذلك ولا يصح.

وقد ذكروا أنّ خالد بن عبدالرحمن بن خالد قدم المدينة فقال له عروة بن الزبير ما فعل ابن أثال؟ فسكت ثمّ رجع إلى حمص فثار على ابن أثال فقتله فقال: قد كفيتك اياه ولكن ما فعل ابن جرموز؟ فسكت عروة(3) ! وابن كثير من ارخص

____________________

(1) الإمامة والسياسة، ج1 ص139.

(2) الدينوري، الأخبار الطوّال، ص1850، الإمامة والسياسة، ج1 ص93.

(3) ابن كثير، البداية والنهاية، ج8 ص32، وراجع ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5 ص227.

١٩٠

المؤرخين ذمة واسكتهم عن حق وأقولهم بباطل غراماً بابن آكلة الأكباد ...

والرجل يرسل القول على عواهنه راض بتمريغ عقله بوحل التقول بالباطل يقول عن سم معاوية لابن خالد لا يصح ولا يكلف نفسه أن يأتي بعذر ولو من اغدار أبي العبر القائل: أما قبل: فإنّا وجدنا في حكمة أهل الشام أنّه لا يأكل انسان الفاكهة إلا شرىً أو صدقة أو هدية أو سرقه ومن كان في البيت لم ير الناس ولم يروه إلاّ أن يدخلوا إليه أو يخرج اليهم وما أقل ما تجد في مائة يهودي واحداً مسلماً.

ويروى عن أبي الزنبور بأنّ أول من يدخل الجنة من البهائم الطنبور قال: وكيف ذاك يرحمك الله؟ قال لأنه في دار الدنيا يعصر حلقه ويعرك اذناه ويضرب بطنه فيقال له يوم القيامة: خذو برجله ألقوه في الجنة فإنّه متعوب.

وقيل له: لم صارت دجلة أكبر من الفرات؟ قال: لأنّ القلم يكون في الدواة(1) .

وأقول: هل يريد ابن كثير والذهبي واضرابهما اضحاكنا بما يكتبون عن معاوية وحزبه أو يخادعون أنفسهم ويلبسون عليها على عمد لست أدري.

ويقول اليعقوبي عن قتل عبدالرحمن: واستعمل معاوية ابن اثال النصراني على خراج حمص ولم يستعمل أحد من الخلفاء قبله فاعترضه خالد بن عبدالرحمن بن خالد بالسيف فقتله ... وكان ابن اثال قتل عبدالرحمن بن خالد بن الوليد دس إليه شربة سم(2) .

وفي قتل عبد الرحمن بن خالد والأخذ بثأره يقول ابن حمدون:

مرّ خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بعروة بن الزبير وكان بينهما تباعد فقال له يا خالد اتدع ابن اثال وقد تفصّى اوصال عمك بالشام وأنت بمكة مسبل أزارك تجره وتخطر فيه متخابلاً وكان عبدالرحمن بن خالد عند معاوية بالشام فخافه معاوية على الأمر فدس إليه ابن اثال الطبيب فسقاه شربة فمات منها فحمي خالد بن المهاجر ودعى مولى له يدعى نافعاً فاعلمه الخبر وقال له: لابد من قتل ابن اثال

____________________

(1) الأبي، نثر الدر، ج7 ص294.

(2) اليعقوبي، ص223 ح2.

١٩١

وكان نافع جلداً شهماً فخرجا حتى قدما دمشق وكان ابن اثال يمسي عند معاوية فجلس له في مسجد دمشق إلى اسطوانة وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج فقال خالد لنافع: إياك أن تعرض له أنت ولكن احفظ ظهري واكفني من ورائي فإن رابك شيء من خلفي يريدني فشأنك فلما حاذاه وثب إليه خالد فقتله وثار إليه من كان معه فصاح بهم نافع فانفرجوا ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه فلما غشاهما الليل حملا عليهم فتفرّقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقاً ضيقاً ففاتا القوم فبلغ معاوية الخبر فقال: هذا خالد بن المهاجر اقلبوا الزقاق عليه فأتي به فقال: لا جزاك الله من زائر خيراً قتلت طبيبي قال: فتلت المأمور وبقي الآمر فقال: أمَ والله لو كان تشهد مرّة واحدة لقتلتك به وحبسه وضرب نافعاً مئة سوط وألزم بني مخزوم اثني عشر ألف درهم. أدخل بيت المال منها ستة آلاف وأخذ هو ستة آلاف فلم يزل ذلك يجري دية المعاهد حتى جاء عمر بن عبدالعزيز فابطل الذي يأخذه السلطان لنفسه واثبت الذي يدخل بيت المال(1)

اغتيال معاوية ..

ولقد حاول قوم القضاء على معاوية بنفس المبدء الذي يقضى به على خصومه ولكن الله أراد استدراجه فلم يُقض عليه بعد أن تمكن مغتالوه من ضربه عن الزهري عن أنس قال: تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية وعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمه واقبلوا بعد بيعة معاوية بالخلافة حتى قدموا ايلياء فصلّوا من السحر في المسجد فلما خرج معاوية لصلاة الفجر كبّر فلما سجد انبطح أحدهم على ظهر الحرسي الساجد بينه وبين معاوية حتى طعن معاوية في مأكمته فانصرف معاوية وقال: أتموا صلاتكم وامسك الرجل فقال الطبيب: إن لم يكن الخنجر مسموماً فلا بأس عليك فاعد الطبيب عقاقيره ثم لحس الخنجر فلم يجده مسموماً فكبّر وكبّر من عنده وقيل ليس بأميرالمؤمنين بأس قلت - الذهبي -: هذه المرة غير المرة التي جرح فيها وقتما قتل عليرضي‌الله‌عنه فإن تلك فلق اليته وسقي ادوية خلصته من

____________________

(1) ابن حمدون، التذكرة الحمدونية، ج2 ص454.

١٩٢

السم لكن قطع نسله(1) .

اغتيال سعد بن ابي وقّاص

كان سعد بن ابي وقاص مغموزاً في نسبه ليس له في الإسلام سابقة تذكر اللهم إلاّ ما كان يتحدث به عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه جمع له أبويه في احدى معارك الإسلام وقال له: ارم فداك أبي وامي وطالما تباهى بذلك امام الناس.

وجعله عمر أحد الستة الذين سماهم عمر للخلافة وهم رجال الشورى ومن يومئذ تنامت اطماعه في نيل الخلافة ولم يكن لذلك أهلاً وهو يعلم من نفسه ذلك فلم يشارك في الأحداث التي صنعها الطامعون ومن رآه ظن ذلك فقهاً منه وسمّى الأحداث التي صاحبت خلافة الإمامعليه‌السلام فتنة واعتزلها بل لم يبايع الإمام وولاّه ظهره فتركه الإمامعليه‌السلام لعلمه بتفاهة شأنه ونزارة قدره وقلة خطره وبقي معتزلاً الدنيا في تلك الأيام حتى انتهت حرب صفّين واجتمعوا على التحكيم أراد ابنه عمر بن سعد لعنه الله أن يحركه لأطماعه الأشعبية وحمله على الحضور في دومة الجندن آملاً أن يكون لأبيه وجه مقبول عند القوم. وخسرت صفقة الداعي والمدعو والحمدلله هناك أيضاً.

وفي ملك معاويه جرت مشادة عنيفة بينه وبين معاوية ذكرها المسعودي في مروج الذهب وهي كما يلي: لما حج معاوية طاف في البيت ومعه سعد فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فاجلسه معه على سريره ووقع معاوية في علي وشرع في سبه فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك، ثمّ شرعت في سب علي والله لأن يكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لأن أكون صهراً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لي من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس والله، لأن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي ما قال: يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ليس بفرار، يفتح الله على يديه) أحب إليّ من أن يكون لي

____________________

(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3 ص143.

١٩٣

ماطلعت عليه الشمس والله لأن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس وأيم الله، لا دخلت لك داراً ما بقيت ثم نهض ...

قال المسعودي: ووجدت في وجه آخر من الروايات وذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة وغيره، أن سعداً لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له: اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ما كنت عندي قط الأم منك الآن فهلاّ نصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فأني لو سمعت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل الذي سمعت فيه، لكنت خادماً لعلي ما عشت، فقال سعد: والله اني لأحق بموضعك منك فقال معاوية: يأبى عليك ذلك بنو عذرة وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذره(1) .

وادعاء سعد الأولوية بالحكم حمل معاوية على قتله قال ابوالفرج:

مات الحسنعليه‌السلام بالسم شهيداً مسموماً دس معاوية اليه وإلى سعد بن ابي وقاص حين أراد أن يعهد إلى يزيد ابنه بالأمر سماً فماتا في أيام متقاربة(2) .

وهكذا تجد سلاح معاوية الصامت مسلطاً على الشخصيات البارزة في الأمة ولم يسلم من كيده أحد وما كان ليحول بين معاوية وبين لعبة الاغتيال شيء لا في الدين ولا في الدنيا وعلى هذا المنوال درج حتى هلك فكان الناس في مصيبة من فتك هذا السلاح الموجّه بالأطواق والأكياس وقناطير الذهب المقنطرة عليهم.

السمة الرابعة لعن الأبرار والبرائة منهم وحمل الناس بالقهر على ذلك:

ولما استثب له الأمر واطاعته الدنيا وخضعت له البلاد واطاعه العباد وجه اهتمامه إلى الرصيد المعنوي الهائل لعلي وأهل بيته في نفوس الناس وكان على علم يقين بأنّ الفضاء على الإسلام بمحوه من عرصة الوجود لا يتم لأحد ولكن بالإمكان

____________________

(1) المسعودي، مروج الذهب، ج3 ص14.

(2) النصائح الكافية، ص86.

١٩٤

مسخه وتشويه صورته وتبديل أهم معالمه.

وذلك بالفضاء على قواعده الأولى وهم أهل البيت وسيد أهل البيت عليّعليه‌السلام ثم خلط الصحيح منه بالموضوع والصادق بالكاذب والجوهر بالبهرج وهذه خطة فاعلة اعانه على وضعها ابليس وساعده ابالسة الجن والإنس عليها ثمّ سار على هذا النهج الاعوج حتى أدال الله منه وقضى عليه وعلى خططه وهو وان ورثه من جاء بعده واتبع خطاه وسار على طريقه إلاّ أن ذلك كله لا يتعدى الفقاعة من فقاعات الحياة فما هي إلاّ أيام قلائل حتى حل به ما أراده لأهل البيت فصار لعيناً مبغضاً إلى الناس تتقرب الأمة بلعنه وبغضه إلى الله إلاّ من شذ ممن لا دين له ولا إيمان بالإسلام إنما إيمانه برجال بعينهم وجد تعديلهم لا يتم إلاّ بتعديل صنائعهم فكان تعديله لمعاوية لا لوجود العدل والصلاح في ذاته ولكنّ طرحه مؤد إلى طرح من صنعه وتكفيره يصيب من أيده بشيء من الشرر.

فلذلك عمد إلى الدس والتأويل والوضع والتبديل والتغيير لا من أجل معاوية وحزبه ولكن من أجل من أيدهم وأوصلهم إلى ما صاروا إليه.

وبناءاً على هذا فإنّ آية الشيطان انعكست عليه واصبح لعنة الأجيال بعد أن أراد أن تكون هذه اللعنة على غيره وتحل بمن عداه عداوة لله ورسوله وانظر حديث المغيرة التالي عنه تعرف أنّ معاوية كان يخطط لمحو الدين.

قال المطرف بن المغيرة بن شعبة دخلت مع أبي على معاوية فكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليله فامسك عن العشاء ورأيته مغنماً فانتظرته ساعة فظننت أنه لأمر حدث فينا فقلت: مالي أراك مغتماً منذو الليلة؟ فقال: يا بني جئت من عند أكفر الناس واخبثهم قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به إنك قد بلغت ستاً يا أميرالمؤمنين فلو اظهرت عدلاً وبسطت خيراً فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم فوصلت ارحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقائه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدى أن هلك حتى هلك ذكره إلاّ أن يقول قائل أبوبكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن

١٩٥

يقول قائل: عمر وإنّ ابن ابي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرّات اشهد أنّ محمّداً رسول الله فأي عمل يبقى وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبالك! لا والله إلاّ دفناً دفناً(1) .

هذا ويروي الرواة الحمقى عنه أنه كان يقوم لرجل من أهل الشام لشبهه من رسول الله وقد مر ذلك آنفاً. وبدأ الخبيث حكمه بالكذب على رسول الله، ولعن أهل بيته نقل ابن أبي الحديد عن الواقدي:

أنّ معاوية لما عاد من العراق إلى الشام بعد بيعة الحسنعليه‌السلام واجتماع الناس إليه خطب فقال: أيها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي: إنّك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة فإنّ فيها الابدال وقد اخترتكم فالعنوا ابا تراب فلعنوه فلما كان من الغد كتب كتاباً ثم جمعهم فقرأه عليهم وفيه هذا كتاب كتبه أميرالمؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمداً نبياً وكان امياً لا يقرأ ولا يكتب فاصطفى له من أهله وزيراً كان كاتباً اميناً فكان الوحي ينزل على محمد وأنا اكتبه وهو لا يعلم ما اكتب فلم يكن بيني وبين الله أحد من خلقه فقال له الحاضرون كلهم صدقت يا أميرالمؤمنين .....(2) وكان اميرالمؤمنينعليه‌السلام قد اخبرهم عن ذلك في احدى خطبه فقال:

أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلغوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة مني فأما السب فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة وأما البرائة فلا تتبرئوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة(3) .

والمعني بهذا الكلام معاوية لعنه الله بقرينة قولهعليه‌السلام مندحق البطن لقول الرواة: كان بطن معاوية كبيراً(4) وقد مرّ عليك كثرة أكله بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستلزم لاندحاق بطنه يقول الشارح ان ابي الحديد:

إنّ معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب عليعليه‌السلام والبرائة منه.

____________________

(1) شرح ابن ابي الحديد، ج5 ص129 وص130.

(2) شرح ابن ابي الحديد، ج4 ص72.

(3) انظر خطبة 57 من شرح بن ابي الحديد، ج4 ص54.

(4) شيخنا مغنيه في ظلال نهج البلاغة، ج1 ص307.

١٩٦

وخطب بذلك على منابر الإسلام وصار ذلك سنة في أيام بني امية إلى أن قام عمر بن عبدالعزيزرضي‌الله‌عنه فأزاله وذكر شيخنا ابو عثمان الجاحظ أنّ معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إنّ أبا تراب الحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعناًوبيلاً وعذبه عذاباً أليما وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاربها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبدالعزيز(1 ).

وروى ابوالحسن المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كوره وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرئون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته .....(2)

وأمر عماله وولاة الأقاليم بأخذ الناس بالشدة بخاصة اولئك الذين لهم هوىً في أميرالمؤمنين وأمر المغيرة بن شعبة وهو يومئذ امير الكوفة من قبل معاوية حجر بن عدي أن يقوم في الناس فيلعن علياًعليه‌السلام فأبى ذلك فتوعده فقام فقال: أيها الناس، إنّ أميركم أمرني أن العن علياً فالعنوه فقال أهل الكوفة: لعنه الله! وأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد.

وأراد زياد أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البراءة من عليعليه‌السلام ولعنه وأن يقتل كل من امتنع من ذلك ويخرب منزله فضربه الله ذلك اليوم بالطاعون فمات لا رحمه الله بعد ثلاثة أيام وذلك في خلافة معاوية لعنه الله(3) .

وكان هدف معاوية من هذا اللعن تربية اجيال تأتي بعده تتبرء من علي وأهل بيته ومن ثم يسئ إلى ابن عمه وإلى دينه.

إنّ قوماً من بني امية قالوا لمعاوية يا أميرالمؤمنين إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن هذا الرجل فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً(4) .

____________________

(1) شرح ابن ابي الحديد، ج4 ص56 وص57.

(2) النصائح الكافية، ص97.

(3) شرح النهج الحديدي، ج4 ص58.

(4) النصائح الكافية، ص97.

١٩٧

والسؤال الملح هنا هل بلغ معاوية ما أمل في علي وأهل بيته أو أنّ الأمر انعكس عليه فحلت اللعنة به وانقلبت سياسته عليه فصارو من اعانه أكثر لعنا من ابليس لعنه الله؟!!

شاءوا لعلياء كم حصداً فما قدروا

إذالأله تولّى زرع ما حصدوا

( وَاللّهُ مُتِمّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)

وتم لمعاوية ما أراد فترة من الزمن حتى اتخذ قوم من اولياءه ذلك سنة ولما تركها عمر بن عبدالعزيزرحمه‌الله نودي من جوانب المسجد السنة السنة تركت السنة وحتى أجمع أهل حمص في زمن ما على أن الجمعة لا تصح بغير لعن أبي ترابعليه‌السلام (1) ولمعاوية نجاح آخر في هذا الزمان وهو وجود قوم بين المسلمين يرون الصفات التي ذكرها لنفسه في كتابه إلى أهل الشام صحيحة ويوالونه على أساس منها ومنهم وهابية اليوم كما أن نجاحه في إطلاق هذا الإسم (السنة)على شطر الأمة الأكبر والسنة التي قصدها معاوية هي (لعن علي وأهل بيته).

يقول سالم بن حمد العماني: فمن ثمّ ترى أصحابنا لا يتسمّون بذلك وإنما يتسمون بأهل الاستقامة في الديانة وعكس هذا الإسم تسمية أهل السنة فإنّه كان في الزمان الأول قبيحاً يكون المراد بالسنة التي سنها معاوية في سب علي وشتمه على المنابر فصار ذلك سنة ينشأ عليها الصغير ويموت عليها حتى غيرها عمر بن عبدالعزيز في خلافته فأهل ذلك الحال هم أهل السنة في ذلك الزمان ثم اندرس هذا السبب واختفى وظنوا أنّ السنة سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمدّحوا بذلك وجمعوا بين المتضادين في الولاية وهم يعلمون أنّ الحق مع فريق منهم وخالفوا سنتهم الأولى حين صارت الدولة لبني العباس من بني هاشم قلت: روى هذا كله المسعودي والحاكم في تسميتهم بالسنية(2) .

____________________

(1) النصائح الكافية، ص116.

(2) العقود الفضية في اصول الاباضية، تأليف ابي عبدالله سالم بن حمد بن سليمان بن حميد الحارثي العماني الأباضي المضيري، ص70 وص71.

١٩٨

بمن اقتدى معاوية..

إن كان ابن ابي الحديد حمّل معاوية وزر من جاء بعده لأن سياسته افضت بالأمة إلى ذلك.

فإنّ وزر معاوية يحمله أيضاً من مهد له واعانه حتى بلغ الحكم وناله وقد مر بك هذا الفصل باسهاب فيما تقدم من الكتاب يقول ابن ابي الحديد بعد طعنه في عقيدته بقوله لأبي الدرداء وهو يكلمه في الشرب بآنية الذهب والفضة وبخيره عن قول النبي: (إن الشارب فيهما ليجرجر في جوفه نار جهنم). فيجيبه معاوية: أما أنا فلا أرى بذلك بأساً.

يقول المعتزلي: وهذا الخبر يقدح في عدالته كما يقدح أيضاً في عقيدته لأن من قال في مقابلة خبر قد روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما أنا فلا أرى بأساً فيما حرمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بصحيح العقيدة ومن المعلوم أيضاً من حالة استئثاره بمال الفئ وضربه من لا حد عليه واسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه وحكمه برأيه في الرعية وفي دين الله واستلحاقه زياداً وهو يعلم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللماهر الحجر» وقتله حجر بن عدي وأصحابه ولم يجب عليه القتل ومهانته لأبي ذر الغفاري وجبهه وشتمه واشخاصه إلى المدينة على قتب بغير وطاء لأنكاره عليه ولعنه علياً وحسناً وحسيناً وعبدالله بن عباس على منابر الإسلام وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد مع ظهور فسقه وشربه المسكر جهاراً ولعبه بالنرد ونومه بين القيان والمغنيات واصطباحه معهن ولعبه بالطنبور بينهن، وتطريقه بني امية للوثوب على مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلافته حتى افضت إلى يزيد بن عبدالملك والوليد بن يزيد المفتضحين الفاسقين صاحب حبابه وسلاّمه والآخر رامي المصحف بالسهام وصاحب الأشعار في الزندقة والألحاد .....(1)

أقول: إنّ هذا التطريق أول من فعله مع بني امية عمر بن الخطاب وهو الذي بنى عش معاوية المنهار حتى تمكن من الخلافة ونالها بتمهيد من ابن الخطاب فإن

____________________

(1) شرح ابن ابي الحديد، ج5 ص31 وص130.

١٩٩

كان معاوية متحملاً من أصر من جاء بعده بشطر فليحمل معه صاحبه من أصره واصرهم لأن المقياس واحد والا فلا عبرة بالقواعد التي تسيّرنا على ضوئها إذا كنا نحمّل من نشاء ونعفى من نشاء نزولاً عند مقتضيات الهوى ووسوسات العاطفة وأخيراً أقول إنّ الرجل اقتدى بمن كان قبله من اخوانه في سب أهل البيت وهو القائل لمحمد عن أبيه:

فإن يكن ما نحن فيه صواباً: فأبوك أوله وإن يكن جوراً فأبوك اسه ونحن شركائه فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله وكشف معاوية عن قدوته فيما جنى على أهل البيت إنه أبوبكر فقد كان أبوبكر أول من سبّهم ووصفهم بالنعوت المنكرة والأوصاف المستشبعة.

لما خطبت الصديقة خطبتها المعروفة والقوم حضور وفيهم ابوبكر شق عليه مقالتها فصعد المنبر وقال: أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قاله؟!

أين كانت هذه الأماني في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا من سمع فليقل ومن شهد فليتكلم إنما هو تعاله شهيده ذنبه مرب لكل فتنة هو الذي يقول: كرّوها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفه ويستنصرون بالنساء كام طحال احب أهلها إليها البغي ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت ولو قلت لبحث اني ساكت ما تركت..(1)

إنّ هذا الذي قاله أبوبكر من مقذع الشتم ولم يشتم أحد في جاهلية ولا في اسلام بمثله اللهم إلا إذا كان شاعراً ليس على لسانه رقيب أو عتيد ولك أن تنظر الجزء السادس عشر من شرح ابن ابي الحديد لتعرف ما يعني بام طحال.. فإني لا اجرء على تسطير ذلك في كتابي والمعني بالكلام اميرالمؤمنينعليه‌السلام .. والقضية التي ثارت ثائرة الشيخ من أجلها هي فدك وكان قد عزم على ابتلاعها.

عن ابي الطفيل قال لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله أم أهله؟ فقال بل أهله قالت: فأين سهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: فقال أبوبكر: إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ الله عزوجل إذا أطعم نبيّاً طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده فرأيت ان أرد على المسلمين. فقالت:

____________________

(1) شرح ابن ابي الحديد، ج16 ص215.

٢٠٠