الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية 0%

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 377

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد شعاع فاخر
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 111561
تحميل: 12206

توضيحات:

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111561 / تحميل: 12206
الحجم الحجم الحجم
الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فأنت وما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

ولو كان الخليفة صادقاً فيما يدعيه لكان أهل بيت النبي أولى من غيرهم في ردّ فدك عليهم لصدق العنوان عليهم ولوجود الفضل فيهم.

ولكنّ الحقيقة أن الرجل يريدها لنفسه.

عن عروة ابن الزبير: إنّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه مواريثهنّ من سهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر وفدك فقالت لهن عائشة: أما نتقين الله؟ أما سمعتن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم وضيقهم فإذا مت فهو إلى والي الأمر من بعدي(2) فالشيخ يريد فدكاً أن تعود إليه وشهيده ابنته فمن من علي وأبي بكر أولى بثعاله؟؟!

وأخيراً نقول إنّ معاوية أصاب من الحقيقة مقتلاً حين اعترف بقدوته في سب أهل البيت أنّه الشيخ الأول الذي ردّ الجميل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظلماً لابنته واحراقاً لبابها وغصباً لنحلتها وهدرا لكرامتها وسبّاً لبعلها فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وهذا السب هو الذي كرهه الإمام ونهى أصحابه عنه حين سمعهم يشتمون أهل الشام أي يذكرونهم بالقبيح من القول لا كما زعمه الدينوري حيث قال: بلغ علياً أن حجراً بن عدي وعمرو بن الحمق. يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما فاتياه فقالا: يا اميرالمؤمنين السنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى ورب الكعبة المسدّنه، قالوا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟ قال:.. كرهت لكم أن تكونوا شتّامين لعانين ولكن قولوا: اللهم احقن دمائنا ودماءهم واصلح ذات بيننا وذات بينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوى عن الفي من لهج به(3) .

وقد وهم الدينوري لأن السب لا يشمل اللعن بل هو الشتم والنهي عن السب الذي نقله الدينوري هو كلام للإمام ورد في نهج البلاغة: إني اكره لكم أن تكونوا سبّابين ولكنكم لو وصفتم اعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وابلغ في العذر.

____________________

(1) المسند الجامع، ج9 ص630.

(2) البلاذري، انساب الأشراب، ج2 ص173.

(3) الدينوري، الأخبار الطوال، ص165.

٢٠١

قال الشارح المعتزلي: والذي كرهه الإمامعليه‌السلام منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام ولم يكن يكره منهم لعنهم اياهم والبذاءة منهم لا كما يتوهمه قوم من الحشويه فيقولون: لا يجوز لعن أحد ممن عليه اسم الإسلام وينكرون على من يلعن، ومنهم من يغالي في ذلك فيقول: لا العن الكافر، ولا العن ابليس، وإنّ الله تعالى لا يقول لأحد يوم القيامة لم لم تلعن؟ وإنما يقول: لم لعنت؟!

قال ابن ابي الحديد: واعلم أنّ هذا خلاف نص الكتاب، لأنّه تعالى قال:( إِنّ اللّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدّ لَهُمْ سَعِيراً ) (1)

وقال:( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ ) (2)

وقال في ابليس:( وَإِنّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى‏ يَوْمِ الدّينِ ) (3)

وقال:( مّلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا ) (4)

وفي الكتاب العزيز من ذلك الكثير الواسع(5) . والناظر في معاني اللعن يدرك لأول وهلة أن لاصلة بينه وبين الشتم مطلقاً فقد ذكر له المفسرون عدداً من المعاني.

المسخ، ضرب الجزية، السخط عذاب القبر الحد الدعاء والطرد والنار الفرق(6) .

واللاعن لا يتصور هذه المعاني كلها حين يلعن بل لا يقصد بعضها كضرب الجزية والحد والعرف.

وإنما يدعو على مستحق اللعن أن يحل به سخط الله أو يعذب في قبره أو يطرد من رحمته سبحانه أو يقذف في ناره جزاءاً لما استحل من محارم الله فأين هذه المعاني من السب والشتمية واللعن في الواقع دعاء وداخل في مفهومه ويثاب الداعي عليه إن طلبه لمستحق وإلاّ فهو من الكبائر ويحل بالداعي إن كان في غير المستحق.

____________________

(1) سورة الاحزاب: 64.

(2) سورة البقرة: 159.

(3) سورة ص: 78.

(4) سورة الاحزاب: 61.

(5) شرح ابن ابي الحديد، ج11 ص21 وص22.

(6) الحسين بن أحمد الدامغاني، قاموس القرآن، ص415.

٢٠٢

من ثم نجد بني امية وصاحبهم معاوية لعنوا أولياء الله أياماً قليلة أعقبتهم هذه اللعنة الطويلة. وسوف تبقى عالقة بهم لا تفارقهم إن شاء الله.

السمة الخامسة حمل الناس على الكذب وبذل المال على ذلك

كانت أيام معاوية لأهل الإسلام بمنزلة النفق المظلم الذي لا يلجه الضيائ ولا الهواء.. فتخبط الناس فيه ذات اليمين وذات الشمال على غير هدى ولا دلالة هاد.

وبدء معاوية عهده بالكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووظف ميزانية دولته للإنفاق على ذلك فقد كتب إلى عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي شهادة وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا الي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجد امرىءٌ من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفعه فليثوا بذلك حيناً.

ثمّ كتب إلى عماله: أنّ الحديث في عثمان قد جهر وفشافي كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وأتوني بمناقض له في الصحابة فإنّ هذا أحب إلي واقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته واشد عليهم من مناقب عثمان وفضله(1). ونعرض بعد هذا الكلام لثلاث مسائل لم يولّها العقاد والمؤرخون عنابتهم.

الأولى: أنّ مناقب عثمان التي ملأت الطروس وفاضت لو كانت في زمانه لما احتاج إلى إثبات فضيلة لنفسه لا يدعيها إلاّ مغفل غبي أو آخر لا يملك من المناقب كبيرة أو صغيرة لذلك يفزع إلى مثل هذه التُرهات التي هي إلى المذمة أقرب منها إلى

____________________

(1) انظر السيد ابن عقيل، النصائح الكافية، ص97 وص98.

٢٠٣

المحمدة وهي قوله: إنّه لم يمسّ عضوه بيمينه منذ وبايع رسول الله بها وتكرر منه هذا القول في غير مناسبة وصاح به على المنابر وأذاعه على محاصريه قبل مصرعه.

ولو رزق عثمان السلامة من هذه الفضيلة لكان خيراً له وابقى وإلاّ فما وجه المدح في مثل هذا وهل مسّ العضو باليمين أو باليسار عيب ليتجنبه المسلم تفقهاً؟؟!

وهل اصاب عثمان وحده واخطأ المسلمون أمس واليوم والصحابة باجمعهم آنذاك لأنهم لم يهجروا هذه الفعلة الشنعاء؟!

مما لا ريب فيه أنّ عثمان لم يعلنها على الناس وهو يملك خيراً منها هذا مع فرض صدقه وصحتها أمّا إذا أردنا الدقة في الحكم فعلينا أن نطالبه بشاهد يشهد له وحينئذ ليس بوسعه إلاّ الإقتداء بثعاله في مثل هذه الحالة.

الثانية: ذكر العلماء أمر معاوية الرواة بالوضع في مناقب الثلاثة ونادراً ما اشاروا إلى امره الرواة بالوضع لصالحه.. فهناك روايات موضوعه في مناقب معاوية تصحك الثكلى وهذا من فضل الله على الحق وأهله أن جرّد الكذبة والوضاعين من العقل ساعة الوضع أو مطلقاً فاعماهم عن التبصر واصمهم عن التدبر واسوق لك مهزلة واحدة لتتبصر وتتدبر.

قال ابن حجر الهيثمي وهو من اشد الناس دفاعاً عن معاوية واثباتاً لمناقبه الموضوعة: ومنها - أي ومن مناقب معاوية - ما جاء بسند ليس فيه علة إلاّ اختلاط حصل لبعض رواته أن عوف بن مالك كان قائلاً نائماً بمسجد بأريحاء فانتبه فإذا هو اسد يمشي إليه فأخذ سلاحه فقال له الأسد: صه إنما ارسلت اليك برسالة لتبلغها قلت: من أرسلك؟ قال: الله أرسلني إليك لتعلم أنّ معاوية من أهل الجنة قلت: من معاوية؟ قال: ابن ابي سفيان..

وهنا يعقب ابن حجر على هذه المنقبة فيقول: ولا يستبعد ذلك لأنّ كلام الأسد له كرامه وهي جائزة الوقوع خلافاً للمعتزلة وكونه من أهل الجنة شهدت به أدلة كثيرة(1) .

____________________

(1) ابن حجر الهيثمي، تطهيرالجنان، ص12.

٢٠٤

وتداعى إلى ذهني نادرة تنسب إلى بعض المجانين لما سئل عن مغاويه بالغين بن ابي طالب من هو؟ قال: ذاك نبي ارسله الله إلى بني اسرائيل ليخبرهم أنّ عصى موسى كانت من شجر التوت!! ولا فرق من حيث المعنى بين هذه النادرة وعقل صاحبها وبين هذه المنقبة ومن يرويها أو يخرجه في كتاب لمعاوية.

الثالثة: أنت تقرء كتب الحديث فتعثر على العجائب في ما وضع الرواة المرتزقة من المناقضات للروايات الواردة في فضل ابي تراب وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ولكني ارشد القارئ إلى ظاهرة عجيبة في كل مكذوبة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك أنّ فيها دلالةً ذاتية على وضعها بدون حاجة إلى بذل الجهد لتكذيبها من خارجها خذ على سبيل المثال حديث سدّ الأبواب إلاّ باب علي ثم انظر مناقضه وهو إلاّ باب ابي بكر أو إلاّ باب عثمان ودقق النظر في الموضوعين لمناقضته ولكي تزداد يقيناً بما أقول انقلها جميعاً لك.

حديث سدّ الأبواب

وحديث (سدوا الأبواب التي في المسجد إلاّ باب علي..) أخرجه الأيمه والحفاظ بصيغ وسياقات مختلفة وأكثر السياقات اختصاراً فيما اعلم رواية أبي نعيم عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بالابواب فسدّت كلها إلاّ باب علي.

والحديث متواتر عند الفريقين اما تواتره عند الشيعة فثابت لا ريب فيه وأما تواتره عند أهل السنة والجماعة فإنّه يستفاد من لازم خلافه(1) .

وهو ما رووه في باب ابي بكر وخوخته فقد زعموا له التواتر ولم ينقل بالطرق المعتبرة والأسانيد الصحيحة والحسنة التي نقل بها الحديث الأول.

بل الحكم له بالتواتر فيه مسامحة فإنّه لم يرو إلاّ من طريقهم وحدهم وحديث باب عليعليه‌السلام روي من طريق الفريقين فأين هذا من ذاك.

ومع وروده مخرّجاً بهذه الطرق فقد ادّعى بعضهم كابن الجوزي ومن لف لفّه

____________________

(1) السيوطي، الحادي للفناويى، ج1 ص145.

٢٠٥

الوضع له وقد كفانا ابن حجر العسقلاني عناء الرد عليه وعلى نظراته في القول المسدد قال ابن حجر:

قول ابن الجوزي: أنّه باطل وأنّه موضوع دعوى لم يستدل عليها إلاّ بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين وهذا اقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم ولا ينبغي الأقدام على الحكم بالوضع إلاّ عند عدم إمكان الجمع ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أن لا يمكن بعد ذلك إذ فوق كل ذي علم عليم(1) .

ولم يشر هذا الحافظ مع استحالة الجمع بين الحديثين الى أيّ واحد منهما يكون الرد أو القبول؟ أباب علي أم باب أبي بكر؟!

وطامة أخرى لأبن الجوزي يزعم أنّ حديث سدوا الأبواب إلاّ باب عليعليه‌السلام من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق على صحته في: سدو الأبواب إلاّ باب أبي بكر(2) .

وهذا من باب «رمتني بدائها وانسلت». وهي كارثة على الأمة لأنّ الأحاديث الموضوعة في مناقب القوم ما وضعت إلاّ مناقضة لمناقب أهل البيتعليهم‌السلام الثابتة بأمر معاوية ولما بعد الزمان وتطاولت السنون بيننا وبين عصر الإسلام الأول صعب علينا وربما استحال التفريق بين الحديثين الأصيل والدخيل الصحيح والموضوع ومن ثم سهل على المدّعين نعت أي واحد منهما بما شاءوا من النعوت.

ولهذا تمت لابن الجوزي مزعمته عن حديث باب علي أن ينبزه بالوضع للمناقضة والحال أنّ الحديث الذي اعتبره صحيحاً هو حامل هذه الصفة وستعرف ذلك قريباً إن شاء الله.

____________________

(1) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد المطبوع بذيل المسند، ص491.

(2) ابن الجوزي، الموضوعات، ج1 ص366.

٢٠٦

اثبات ابن حجر للحديث

قال: هوحديث مشهور له طرق متعددة، كل طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ومجموعها مما يقطع بصحته على طريقة كثير من أهل الحديث وإمّا كونه معارضاً لما في الصحيحين فغير مسلم ليس بينهما معارضة وبعد كلام رد به على البزار قال: فمن طرقه ما رواه الإمام أحمد في مسنده أيضاً في مسند زيد بن أرقم قال: حدثنا محمد بن جعفر ثناعون عن ميمون عن زيد بن ارقم قال كان لنفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبواب شارعة في المسجد قال: فقال يوماً (سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي) قال: فتكلم في ذلك أناس قال: فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فاني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته(1) .

وشرع الحافظ في بيان طرقه الكثيرة والجفاظ الذين أخرجوه ومنهم النسائي والحاكم عن أحمد بن حنبل وقول الحاكم: صحيح الإسناد والحافظ المقدسي في الأحاديث (المختارة) مما ليس في الصحيحين، قال: ومن طرقه أيضاً ما رواه النسائي في السنن الكبرى والكلايذي في معاني الأخبار والترمذي بسنده عن ابن عباس قال: امر رسول الله بسد الأبواب فسدّت إلاّ باب علي.

قال: وروى الإمام أحمد والنسائي أيضاً من طريق أبي عوانه الوضّاح عن ابي بلج يحيى عن عمر بن ميمون قال قال ابن عباس في أثناء حديث:.. وسدّوا أبواب المسجد غيرباب علي فكان يدخل المسجد وهوجنب وهوطريقه ليس له طريق غيره قال: وأخرج النسائي والطبراني في الأوسط حديث سعد بن ابي وقاص عن مصعب بن سعد عنه قال: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسد الأبواب إلاّ باب علي فقالوا يا رسول الله! سددت أبوابنا كلها إلاّ باب علي! فقال: ما أنا سددت أبوابكم ولكن الله سدّها.

وأخرجه الكلابذي في معاني الأخبار عن عبدالله بن عمر(2) إلى أن قال

____________________

(1) ابن حجر، القول المسدد، ص492 ذيل المسند.

(2) القول المسدد، ص492 بتصرف.

٢٠٧

الحافظ ابن حجر: فهذه الطرق المتظاهرة من روايات الثقات تدلّ على أن الحديث صحيح دلالة قوية وهذا غاية نظر المحدث(1) .

أقول أنا لم ينسبه إلى الوضع إلاّ ابن الجوزي في كتابه الموضوعات وقد رد عليه الحافظ ابن حجر بما فيه مقنع كما رد عليه الحافظ السيوطي في اللئالي المصنوعة وبالغ في الرد عليه ولم تكن لابن الجوزي حجة إلاّ أنّه معارض بالحديث الوارد في الصحيحين كما مر من قول ابن حجر وقد بذل القوم جهداً عجيباً أدخلهم في حيص بيص في سبيل الجمع بين الحديثين ولم يوفقوا والحمد لله وقد ارتكبوا المخالفات وتأول الأقوال المضحكة حول ذلك من أجل الجمع والذي حملهم على هذا الجهد هو القاعدة التي لا يمكن تجاوزها وهي: اعتبار (ما اتفق عليه الشيخان) من المتواتر الذي لا يجوز ردّه قال في طلعة الأنوار:

أعلى الصحيح ما عليه اتفقا

وما روى الجعفي فرداً ينتقى

والجعفي هو محمد بن اسماعيل البخاري. وما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم) لا شك عند السنة في صحته بل عده بعضهم كابن الصلاح مثل المتواتر حكماً كما أشرت إليه في دليل الناسك بقولي: وابن الصلاح قال: إن ما جرى بوفق ذين مثل ما تواتر ...(2)

وهذا الذي حمل ابن الجوزي على رد الصحيح الثابت من أجل الباطل الموضوع.

بعد أن سفّه ابن حجر قول ابن الجوزي وأثبت جهله شرع في عمليه الجمع بين البابين فارتكب لذلك مخالفات عجيبة فتارة يسميه أي باب أبي بكر باباً وأخرى يسميه خوخة وثالثة ورابعة وهكذا ولم يصل إلى قعر المأساة بل ظل عقله معلقاً في فراغ هائل كالريشة في الفراغ يستبد بها الهواء وكان عليه أن يقول الحقيقة ويخترق الطريقة ويزيّف القاعدة صيانة للعقل وكرامة للعلم ودفعاً للهوى هلاّ القى نظرة على واقع الأمر فيعلم أن باب أبي بكر وضعه الواضع في مقابل باب عليعليه‌السلام .

____________________

(1) القول المسدد، ص492 بتصرف.

(2) محمد حبيب الله الجكني، زاد المسلم، ج1 ص5 وص6.

٢٠٨

لأنّ بيوت أبي بكر ليست ملاصقة للمسجد ليكون له باب شارعاً فيه وإنما بينه وبين المسجد بيوت ممتدة تحجز بينه وبين جدار المسجد يقول محمد حبيب الله الجكنى: يشير به أي بسدّ الباب - إلى قطع المنازعة مع أبي بكر في أمر الخلافة على الاستعارة التصريحية بأن شبّه طريق النزاع فيه بالابواب وقرينته ذكر المسجد الذي كان عامة جلوس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحكامه فيه ولم يكن بيت أبي بكر متصلاً به وهذا الحديث قاله عليه السلام والصلاة في مرض موته في آخر خطبه خطبها ولا ينافيه قوله: في حق علي كرّم الله وجهه: (سدّوا أبواب المسجد كلها إلاّ باب علي) لأنّه محمول على حقيقته لأن بيت علي ثبت أنّه كان في جنب المسجد النبوي فلم يقصد به الإشارة إلى خلافته أولاً قبل الصديق رضي الله عنهما جميعاً(1) .

أما أنا فاعذر هؤلاء المساكين الذين كمموا عقولهم وهي عقول علماء فحول بقواعد كانت لها بمنزلة القيود الثقيلة فهي ما فثئت ترسف بها فماذا يصنع الجكنى أو ابن حجر والسيوطي إزاء الطامة الكبرى (ما أنفق عليه الشيخان).

أيضربون به عرض الجدار ويستعدون للبلاء النازل وأخفه الإتهام بالرفض أم يضحون بعقولهم على مذبح اتفاق الشيخين وكان اخف المصيبتين الأخيرة وهكذا فعلوا قلبوا الباب أولاً إلى خوخه ثم صيروره رمزاً وأشارة على الاستعارة التصريحية وهم يعلمون أنّ الواقع لا هذا ولا ذاك بل الحديث موضوع ليقابل حديث (إلاّ باب عليعليه‌السلام ) والحديث سكته دار معاوية لضرب الأحاديث الموضوعة ولابد بعد الذي مرّ من مناقشة خفيفة وإن طال المقام.

 مناقشة لابد منها ولا محيص عنها

إنّ القوم لما اعيتهم الحيلة في الجمع بين الثابت الصحيح الذي تسالم الحفاظ على نقله وتصحيح سنده ومتنه وبين ما وضع معارضة له وليس له ما يدعمه من الثبوت إلاّ إخراج الشيخين البخاري ومسلم له في صحيحهما حاروا في أمرهم ودخلوا في طخية عمياء من رواتهم من ثم عمدوا إلى هذا الجمع العجيب الذي هو

____________________

(1) محمد حبيب الله الجكني، زاد المسلم، فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، ج1 ص86.

٢٠٩

أشد استحالة من الجمع بين الضب والنون.

والذي يبطل هذا الجمع ويرده ويجرده من الوزن والقيمة..!!

أولاً: أكثر الروايات تنص على أنّه بابٌ وليس خوخة أبي بكر فماذا يصنعون بهذه الروايات فإن جوزوا عليها الوضع جاز أيضاً على روايات الخوخة إذ لا ترجيح في المسئلة وإذا رجحوا روايات الخوخة بداعي الجمع دفعاً للمعارضة رجحنا روايات الباب وحينئذ تتعارض مع الثابت الصحيح فتسقط وترد.

ثانياً: ليس لروايات باب أبي بكر من الإعتبار إلاّ كونها مما اتفق عليه الشيخان وهي قاعدة فولاذية قعّدوها لأمور خاصة واملتها مرحلة من الزمن معيّنة وما زالت فاعلة فينا.

وهذه القواعد عندنا هي بمنزلة الآلهة في العصر الجاهلي أسماء سُميت وما أنزل الله بها من سلطان صنعها الجاهلي بيديه ثم راح يعبدها كما يعبد المؤمن ربه ...

والمسئلة التي نحن فيها تقوقع في ظلام القاعدة (متفق عليه) ولا تدع مجالاً لبصيص من نور العقل ينفذ إليها ولو حكّموا العقل لأمكن ردّها بأقل اعتبار وعلينا كباحثين قبل أن نتمهذب لأحد النظر في هذه القاعدة بل الآلة!!

فإن رأيناها جارية في الجميع لم تُهمل من أفرادها واحداً بل استوعبت الكل فهذه مسئلة أخرى يختلف موقفنا معهم فيها.

ومع عدم جريانها في الجميع بل أجريت في البعض وأهملت في البعض الآخر من قبل واضعيها جاز حينئذ إهمالها ولم يبق لها الإعتبار المدعى وكان شأنها شأن القواعد الدستورية فلو أنّ قاعدة رفع الفاعل أو نصب المفعول لم تكن عامة في الجميع بل جاز أن ينصب بها الفاعل ويرفع المفعول لكانت مهملة غير معتبرة عند أحد.

وهكذا الحال بالنسبة إلى هذه القاعدة فقد اضطر عبّادها إلى الحكم برد بعض أفرادها. وهي رواية الابتر ابن الابتر عمرو بن العاص عن النبي: آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء فحكموا بعدم صحتها بل بوضعها نظراً للخطأ المترتب على إثباتها لأن لفظ

٢١٠

(آل) معناها لغة الأهل والعيال والإتباع(1) وبناءاً على هذا المعنى يكون بنو هاشم جميعاً بمن فيهم جعفر وحمزة والحسن والحسين ليسوا لرسول الله بأولياء وهذا أولاً مدفوع بالقرآن الكريم، وفيه قوله تعالى:( وأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى‏ بِبَعْضٍ ) وثانياً في السنة النبوية عشرات الأحاديث تصادم موضوعة ابن العاص وتردها وكلها اظهار لفضل آل ابي طالب وبيان لمناقبهم واشادة بهم وفيها أحاديث تتناقض مع موضوعة ابن العاص لفظاً ومعنىً كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنينعليه‌السلام في غدير خم (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاداه)(2) فكيف والحال هذه يقول من أوتي جوامع الكلم (ليسوا لي بأولياء) ليشمل حتى بضعته الزهراء لأنها آل لأبي طالبعليه‌السلام .

من هنا اضطرتهم الحال إلى الإيهام أولاً فصيّروها آل فلان ثم صرفوها إلى ابن العاص وممن نقل ذلك القاضي عياض والرجل على فضله ووفور علمه لم يسلم من الغفلة والغفلات تعرض للأريب فإذا جاز اعتبار هذا الحديث موضوعاً أو متناهياً في الضعف على أقل تقدير مع كونه متفقاً عليه جاز ردّ رواية باب أبي بكر بانخرام القاعدة التي صححوه وقبلوه بها.

ثالثاً إنّ بيت أبي بكر لم يكن ملاصقاً للمسجد حتى يكون بابه أو خوخته شارعة فيه بل يفصل بينه وبين المسجد خوخات وبيوت وأبواب ولذا الجئتهم ضرورة الحال إلى التأويل بحمل ذلك على إشارة الإستخلاف وهنا ينبغي عليهم الإقرار بالنص كالشيعة وحينئذ يسهل الجدل معهم بتفييم النصين الواردين عن النبي في الإمامعليه‌السلام وأولهم.

وعرض كل واحد من النصين على الموازين العلمية والقواعد الثابتة المقررة في أصل الشرع لإختيار الحق منهما واعتماده في تأسيس الإعتقاد مع أنّهم لا يقولون بالنص: فكيف يمكن الجمع بين هذا وذاك رابعاً أنّ المتتبع لروايات الباب والخوخة

____________________

(1) صحاح الجوهري، مادة أول.

(2) الحديث الشريف أكثر من متواتر ويكون ذكرنا للمصادر التي اخرجته كمن يوقد شمعه للإستضاءة في ضوء الشمس ولك أن تنظر محمد السعيد زغلول، موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف، حرف الميم.

٢١١

البكريين يقع على اضطراب في سياق الرواية فضيع لا يمكن أن يصدر من إنسان سوي فضلاً عن سيد البلغاء والفصحاء والأنبياء ألا تراه بينا هو ينعى نفسه على رؤوس المئات من أفاضل الصحابة وفيهم الخطباء والشعراء وأهل الحل والعقد وفيهم من تحل له الحبى من بني عبدالمطلف الادنين فاكدت الأذهان ونضبت القرائح وغاضت الفهوم ولم يبق ذهن فاعل منها إلاّ ذهن أبي بكر فعرف ما يرمي إليه النبي فبكى ولم تكتف الرواية برمي الصحابة بقلة الادراك بل قذفتهم بالبلادة والبلاهة حيث عجبوا من بكاء نابغتهم أبي بكر من قول قاله النبي ولا موجب للبكاء.

فما كان من النبي إلاّ أن يتباهى بأبي بكر وصحبته ويخلع عليه فضيلة الخوخة الوهمية الرمزية التي يعجز عن فهمها حتى الملائكة المقربون فما هو الرابط بين صدر الرواية وعجزها ومقدّمها وتاليها يا امة القرآن.

ولكي تطّلع على واقع الحال وتسلم من قيل وقال وتستغنى عن السؤال انقل لك سياقاً واحداً من باب ابي بكر بلفظ البخاري الذي أخرجه في المناقب باب قول النبي سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر ....

عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وقال: إنّ الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال: فبكى ابوبكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عبد خيّر فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المخيّر وكان أبوبكر اعلمنا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ من أمن الناس علي في صحبته وماله ابابكر ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت ابابكر ولكن اخوة الإسلام ومردّته لا يبقين في المسجد باب الاسد إلاّ باب أبي بكر(1) .

وأخرجه البخاري أيضاً في باب الهجرة ومسلم في كتاب فضائل الصحابة في باب أبي بكر.

وهذه الرواية تنص على أنّه باب وليس خوخة وبعد هذا نقول لأهل الجمع بين الضب والنون وعباد القواعد كيف تكون لأبي بكر المنة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله تعالى يقول: يمنون عليك أن أسلموا بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان..

____________________

(1) محمد بن اسماعيل البخاري، الجامع الصحيح، ج5 ص4، ط مطابع الشعب، مصر.

٢١٢

هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا صح سد الأبواب قبل هذا باعوام كما تقرر في باب أميرالمؤمنينعليه‌السلام فكيف بقيت هذه الأبواب وهذه الخوخات مفتوحة ولو أنّ القوم نبذوا هذه القواعد الباطلة ظهر يا وضربوا بها عرض الجدار لعلموا أنّ باب أبي بكر ما هو إلاّ من وضع السياسة الأموية التي أقرّها معاوية بن أبي سفيان ليقابلوا به باب علي الذي هو باب حطة وباب الرحمة الواسعة ومن دخله كان آمناً من عذاب الله لقد كان من التواتر والشهرة بين المسلمين بحيث أقر به العدو والولي والدني والقصي.

يقول عبدالله بن عمر: كنا نقول في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رسول الله خير الناس ثمّ أبوبكر ثم عمر ولقد اوتي ابن ابي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم زوجه رسول الله ابنته وولدت له وسد الأبواب إلاّ بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر(1) .

أخرج ابن مردويه عن أبي الحمراء وحبه العرني قالا: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تسد الأبواب التي في المسجد فشق عليهم قال: حبه إني لانظر إلى حمزة بن عبدالمطلب وهو تحت قطيفة حمراء وعيناه تذرفان وهو يقول: أخرجت عمك وأبابكر وعمر والعباس واسكنت ابن عمك فقال رجل!!(2) يومئذ: ما يألو يرفع ابن عمه قال: فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قد شق عليهم فدعا الصلاة جامعة فلما اجتمعوا صعد المنبر فلم يسمع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبة قط كان ابلغ منها تمجيداً وتوحيداً فلما فرغ قال: أيها الناس ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها ولا أنا اخرجتكم واسكنته ثم قرء والنجم إذا هوى، إلى يوحى(3) .

نكتفي بهذا المقدار في اعطاء صورة لنموذج ما كان يفعله ابن هند من الوضع والدس حيث كتب إلى مرتزقته مثل أبي هريرة وعروة بن الزبير وغيرهما ...: ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وائتوني بمناقض له في

____________________

(1) أحمد بن حنبل، المسند ج2 ص26.

(2) لا أشك أنّه عمر.

(3) السيوطي، الدر المنثور، ج6 ص122، ط دار المعرفة، بيروت.

٢١٣

الصحابة فإن هذا أحب إلي واقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ....(1)

وما درى أن حجة أبي تراب وشيعته هي حجة الله ولله الحجة البالغة والواقع أنّ باب علي هو ذلك الباب الذي يفضي إلى مدينة العلم رسول الله وليس تلك الألواح المسمّرة إلى بعضها البعض ولو كان الثاني لكان استاذه عمر قد انتصر على علي منذودهر بعيد حين أحرقه بالنار.

لو لا احتراق الباب ما احترقت لهم

في الغاضرية اربع وستور

لو لم تسير الطهر فاطم خلفه

ما زينب خلف العليل تسير

لو لم يقاد المرتضى من داره

ما قيد السجاد وهو اسير

ومن أبواب الشر والكذب التي فتحها معاوية وما زالت اعاصير الشر والفتن تهب على الأمة منها أمس واليوم هي القصص.

أخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن نافع وغيره من أهل العلم قالوا: لم يقص في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في زمان أبي بكر ولا زمان عمر و إنّما القصص محدّث أحدثه معاويه حين كانت الفتنة(2) .

وهذا باب في الكذب واسع طالما سال منه الصديد والنتن حتى ملأ بطون الكتب والمعاجم.

أخرج السلفي من طريق الفضل بن زياد قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: اكذب الناس السؤال والقصاص وعن أبى قلابة: ما أمات العلم إلا القصاص.

وأخرج العقيلي عن عاصم قال: كان أبو عبد الرحمن يقول: اتّقوا القصاص(3) .

وباب الكذب الذى فتحه ابن آكلة الأكباد وصنيعة ابن الخطاب واسع جدّاً ولكنّنا نعرض عنه ونقفله ونلعن من فتحه. وحسبه انّه الآن تبوّأ مقعده من النار.

____________________

(1) النصائح الكافية، ص97.

(2) أبو ريةرحمه‌الله ، أضواء على السنة المحمدية، ص124.

(3) أبوريه، اضواء على السنة المحمدية، ص124. والواقع إنّ أوّل من قصّ تميم الداري بإذن عمر. انظر. مناهج التأليف عند العلماء العرب، ص29.

٢١٤

السمة السادسة تخويف الناس وتطميعهم

اعتمد معاوية فى علاقته بالرعية على الإرهاب وسلّط عليهم سلاحين أحدهما أشد فتكاً من صاحبه السلاح الأول السيف. سله لعمّال قساة لايعرفون الرحمة وأمرهم بالقتل على الظنة والشبهة وأن لايتقاعسوا فى أخذ الشاهد بالغائب والحي بالميّت والبريء بالسقيم. وقد أنعمه هؤلاء الطغاة السفّاحون عيناً وقتلوا في الاُمّة قتلاً ذريعاً حتّى أصبح من ليس على دين معاوية أو مذهبه. لايدري أيصبح فيقتل أم يمسي فيقتل ناهيك بمن يتشيّع لأهل البيتعليهم‌السلام .

السلاح الثاني. هو السلاح الصامت وقد سلّط هذا السلاح على أوليائه أكثر ممّا سلّطه على أعدائه وراح يحصد به الرؤوس والأعيان. حتّى ذلّ له الجميع وأطاعه القاصي والداني. فكان من لم ينله سلاح السيف. فإنّ سلاح السم له بالمرصاد. وكتب الى عمّاله نسخة واحدة الى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة اُخرى:

من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره ...(1) .

واستعمل معاويه زياداً فكان اشد العمال حرصاً ودعوة الى لعن عليعليه‌السلام وسبّه. قال أبى الأثير: بعث زياد بن أبيه في طلب صيفي بن فسيل الشيباني فأتي به فقال له: يا عبدالله ما تقول في أبي تراب فقال: لا أعرفه فقال ما أعرفك به أتعرف عليّاً بن أبى طالب فذاك أبو تراب قال: كلاّ ذاك أبو الحسن والحسين فقال له صاحب الشرطة: يقول الأمير هو أبو تراب وتقول: لا. قال: فان كذب الأمير أكذب أنا وأشهد على باطل كما شهد؟ فقال له زياد: وهذا أيضاً علي بالعصى فأتي بها قال: ماتقول في علي قال: أحسن قول. قال: أضربوه فضربوه حتّى لصق بالأرض ثمّ قال: اقلعوا عنه ماقولك في علي قال: قال: والله لو شرحتني بالمواسي ما قلت فيه إلاّ ماسمعت مني قال: لتلعننه أو لأضربن عنقك قال: لا أفعل فأوثقوه حديداً وحبسوه قال الحافظ

____________________

(1) النصائح الكافية، ص98.

٢١٥

الذهبي في التذكرة قتل زياد رشيداً الهجري لتشيّعه فقطع لسانه وصلبه(1) .

وقد ساعده على ظلمه وتجبّره قوم مرتزقة. هم عبيد الدنيا. والدين لعق على ألسنتهم:

قال معاوية لعمرو بن العاص: قدّم عك والأشعريين فأنهم كانوا أوّل من انهزم في هذه الجولة. فأتاهم عمرو، فبلغهم قول معاويه فقال رئيسهم مسروق العكّي: انتظروني حتى آتي معاوية. فأتاه فقال: افرض لقومي في الفين الفين. ومن هلك منهم فابن عمّه مكانه قال: ذلك لك. فانصرف الى قومه فاعلمهم ذلك. فتقدّموا فاضطربوا هم وهمدان بالسيوف اضطراباً شديداً فاقسمت عك لاترجع حتى ترجع همدان واقسمت همدان على مثل ذلك فقال عمرو لمعاويه، لقيت أسدٌ أسداً لم أرَ كاليوم قط فقال معاوية: لو ان معك حياً آخر كعكٍّ. ومع علي كهمدان لكان الفناء(2) . فكانت مسألة عك هي من أجل دراهم الفين تصيّدوها من معاوية. بالطبع ماكانوا ليقبضونها بدون مقابل بل لابد من أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدى وتقطع الأرجل فانظر الى وضع هؤلاء المرتزقين العجيب. رضوا بأن يبذلوا أغلى شيء عندهم. وهي الحياة بالثمن البخس دراهم معدودة.

واتّخذ معاوية سياسة الترغيب والترهيب شعاراً يرفعه في دولته علماً منه أن النّاس ليسوا على شاكلة واحدة. فمنهم من يحركه المال كالشراع يتحرّك بإتّجاه الريح. ومنهم من لاتصبيه المادّة ولاتقع من نفسه موقعاً حسناً. لذلك جرّد في هؤلاء السيف وبالغ في سفك دمائهم حتّى لاثت فنائهم له كأهل الكوفة وأهل اليمن. وممّن ساقه بعض الترغيب سعيد بن عثمان بن عفان. وهذا يعطيك نموذجاً آخر لمن استسلم للمادّة فلان لمعاوية بعد أن كان عصياً مشمخراً. يقول ابن قتيبة:

لما قدم معاوية الشام أتاه سعيد بن عثمان بن عفان وكان شيطان قريش ولسانها قال: يا أمير المؤمنين علام تبايع ليزيد وتتركني فوالله لتعلم أن أبي خير من أبيه واُمّي خير من اُمّه وأنا خير منه.

____________________

(1) السيد بن عقيل، النصائح الكافية، ص103.

(2) الدينوري، الأخبار الطوال، ص186.

٢١٦

وانّك انّما نلت ما أنت فيه بأبي. فضحك معاوية وقال: يا أبي أخي. أما قولك: انّ أباك خير من أبيه. فيوم من عثمان خير من معاوية وأما قولك: انّ اُمّك خير من امّه ففضل قرشية على كلبيّه فضل بيّن وأمّا أن أكون نلث ماأنا فيه بأبيك فإنّما هو الملك يؤتيه الله من يشاء قتل أبوك رحمه الله. فتواكلته بنو العاصي(1) وقامت فيه بنو حرب فنحن أعظم بذلك منةً عليك وأمّا أن تكون خيراً من يزيد فوالله ما أحب أن داري مملوءة رجالاً مثلت بيزيد ولكن دعني من هذا القول. وسلني أعطك فقال سعيد بن عثمان: يا أمير المؤمنين، لايعدم يزيد مركباً مادمت له وماكنت لأرضى ببعض حقّي دون بعض. فأذا أبيت فاعطني ممّا أعطاك الله فقال معاوية لك خراسان قال سعيد ماخراسان؟ قال: إنها لك طعمة وصلة رحم. فخرج راضياً وهو يقول:

ذكرت أمير المؤمنين وفضله

فقلت جزاه الله خيراً بما وصل

وقد سبقت منّى إليه بوادر

من القول فيه آفة العقل والزلل

فعاد أمير المؤمنين بفضله

وقد كان فيه قبل عودته ميل

وقال خراسان لك اليوم طعمة

فجوزي أمير المؤمنين بما فعل

فلو كان عثمان الغداة مكانه

لما نالني من ملكه فوق مابذل

فلمّا انتهى قوله الى معاوية، أمر يزيد أن يزوّده وأمر إليه بخلعه(2) وهذه الطعمة الخراسانية هي والطعمة المصرية التي رضخها لإبن العاص سواء. فقد اشترى من هذا وذاك. ذمتهما ودينهما. ان كان لهما ذلك واستطاع معاوية بما بذل وما أرهب ترويض الأمة فلانت لحكمه ولولا ذلك لكان أبعد الناس عن الحكم.

____________________

(1) تواكلته بنو العاص: تركت القصاص من قتلته.

(2) ابن قتيبة، الأمامة والسياسة، ج1 ص5/164.

٢١٧

السمة السابعة: اختيار الجناة والقساة والطغاة والفسّاق لتوليتهم على الاُمّة.

فخوّضوا في الدماء وأظهروا فيها الفساد

اختلفت سياسة الحكّام في اختيار الولاة. فقد كان عمر يختارهم من المغمورين الذين لاشأن لهم ليكونوا أطوع له وأسهل عليه وتكون الاُمّة أقل احتفاءاً بهم والتفافاً عليهم. امثال أبى هريرة والأشعري وابن مسعود وغيرهم.

وكان الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وشعاره في التولية الأمانة والدين. وقد قال لطلحة والزبير (نحن لانولي إلاّ من ارتضينا امانته ودينه) ولم يأت الزمان بمثل أمير المؤمنين. فلم بمتد بهذا المبدأ العمر الا ريثما انتقل الإمام الى الرفيق الأعلى فكانت الولايات تقدم الى الرجل طبقاً لمواصفات خاصة في الوالي أو الموليّ وتحضرني الآن نكتة غريبة عن مزاج المأمون العباسي في التولية وربّما تكون غريبة عن الباب ولكن لها نسب جدُّ قريب فيما نحن فيه وهي طريفة ممتعة.

عن محمّد بن الجهم البرمكي قال: قال لي المأمون يوماً: يامحمّد انشدني بيتاً في المديح جيداً فاخراً عربياً لمحدث حتى أوليك كورة تختارها قال: قلت. قول علي بن خليل:

فمع السماء فروع نبتهم

ومع الحضيض منابت الغرس

متهللين على أسرتهم

ولدى الهياج مصاعب شمس

فقال احسنت. قد وليتك الدينور.

فانشدني بيت هجاء على هذه الصفة حتى أوليك كورة اُخرى. فقلت:

قبحت مناظرهم فحين خبرتهم

حسنت مناظرهم لقبح المخبر

فقال قد أحسنت قد وليتك همذان فانشدني مرثية على هذا حتّى اوليك. حتى أزيدك كورة اُخرى فقلت قول الذي يقول:

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه

فطيب تراب القبر دل على القبر

فقال: قد أحسنت قد وليتك نهاوند فانشدني بيتاً من الغزل على هذا الشرط حتّى اوليك كورة اخرى. فقلت قول الذي يقول:

تعالى نجدد دارس العلم بيننا

كلانا على طول الجفاء ملوم

٢١٨

فقال قد أحسنت قد جعلت الخيار إليك فاختر فاخترت السوس من كور الأهواز فولاني ذلك أجمع ووجهت الى السوس بعض أهلي(1) .

ولا أعلم سياسة في العالم تضارع سياسة التولية بالشعر غير ناظرة الى الكفائة والأمانة والدين. وأمّا معاوية فقد انتهج في التولية خطة اُخرى. هي اختيار الوالي. إذا كان اشد اجراماً وأعظم فتكاً وأكثر ارهاباً من غيره. فمن هؤلاء زياد بن سميّة.

وقد مرّ عليك في أثناء هذا الكتاب أنّ زياداً استعمل في زمن الإمامعليه‌السلام . فلم يرق محجمة دم واحدة ولم يحتقب مالاً لنفسه ولم يشكه أحدٌ من رعيته وكان الإمامعليه‌السلام قد فرض رقابة عتيدة على الولاة. وقلب نظام الجاسوسية من الرعية فجعلها على الولاة ومنهم زياد. جاء في عهده لمالك الأشتر:

ليكن أبعد رعيتك منك واشنؤهم عندك أطلبهم لمعائب الناس. فأنّ في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها. فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها فإنّما عليك تطهير ماظهرلك. والله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستُر الله منك ماتحب ستره من رعيّتك.

ويقولعليه‌السلام : ثمّ انظر في امور عمّالك. فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباة وأثره. فإنّهما جماع من شعب الحور والخيانة الى أن يقولعليه‌السلام : ثمّ تفقدّ أعمالهم وابعث العيون من أهل الصّدق والوفاء عليهم فإنّ تعاهدك في السر لاُمورهم. حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرّعية(2) .

وهذا النظام البديع من الرصد والمراقبة. هو الذى حمل زياداً واضرابه على احترام العدل والكف عن ظلم الرعية.

اما ابن هند فقد كان يبيح للعامل فعل كلّ ذنب وإتيان كلّ جرم إذا كان يجلب له الذهب ويمده به متدفقاً في الليل والنهار.

افتتح معاوية عهده بخطبة تنذر بالشر وتفصح عمّا كان قد اضمر للاُمّه وما ينوي ايقاعه بها من النكال. فقد قال:

____________________

(1) الأغاني، ج14 ص178.

(2) في ظلال نهج البلاغة، ج4 ص52 وص79.

٢١٩

ايها الناس! إنّ الحرب صعبة وانّ السلم من ومبره ألا وقد زبنتنا الحرب وزبنّاها. - كرهتنا وكرهناها - والفتنا والفناها فنحن بنوها وهي امّنا أيّها الناس! استقيموا على سبيل الهدى ودعوا الأهواء المضلّه والبدع المردية ولست أراكم تزدادون بعد الوصاة الا استجراءاً ولن ازداد بعد الأعذار والحجة عليكم الا عقوبة وقد التقينا نحن وأنتم عند حد السيف فمن شاء فليتحرّك أو يتقهقر ومثلي ومثلكم الا كما قال ابن قيس بن رفاعة الأنصاري:

من يصل ناري بلا ذنب ولاترة

يصلى بنار كريم غير غدّار

انا النذير لكم منّي مجاهرة

كي لا ألام على نهيي وانذاري(1)

فهذه الخطبة تدل دلالة قاطعة على مايخبئ عدوّ الله للنّاس من عتو وطغيان وقد أتبع القول بالعمل فسلّط على العراق زياداً. وما هي إلاّ أيّام قلائل حتّى صرّح عن محضه وكشف عن حقيقته بتلك الخطبة البتراء. والواقع انّ حقيقة معاوية ايضاً كامنة تحت ظلّ الفاظة وجمله الجائرة يقول الطبري:

انّ معاوية استعمل زياداً على البصرة وخراسان وسجستان ثمّ جمع له الهند والبحرين وعمّان وقدم البصرة في آخر شهر ربيع الآخر أو غرّة جمادى الاُولى سنة خمس والفسق بالبصرة ظاهر فاش. فخطب خطبة بتراء.

أما بعد فانّ الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والفجر الموقد لأهله النار الباقي عليهم سعيرها مايأتي سفهاءكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الاُمور العظام. ينبت فيها الصغير. ولايتحاشى منها الكبير. كأن لم تسمعوا بآي الله ولم تقرءوا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعدّ الله من الثواب الكريم. لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته الى أن يقول:

انّي رأيت آخر هذا الأمر لايصلح إلاّ بما صلح به أوّله. لين في غير ضعف وشدّة في غير جبرية وعنف واني أقسم بالله لأخذن الولي بالولي والمقيم بالظاعن. والمقبل بالمدبر والصحيح منكم بالسقيم حتّى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد. او تستقيم لي قناتكم. ان كذبة المنبر تبقى مشهورة. فاذا

____________________

(1) القلقشندي، صبح الأعشى، ح1 ص259.

٢٢٠