الامام الحسين(ع) الظلامة الفاتحة الهادية

الامام الحسين(ع) الظلامة الفاتحة الهادية0%

الامام الحسين(ع) الظلامة الفاتحة الهادية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 60

الامام الحسين(ع) الظلامة الفاتحة الهادية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المحقق السيد سامي البدري
تصنيف: الصفحات: 60
المشاهدات: 28099
تحميل: 5307

توضيحات:

الامام الحسين(ع) الظلامة الفاتحة الهادية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 60 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28099 / تحميل: 5307
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين(ع) الظلامة الفاتحة الهادية

الامام الحسين(ع) الظلامة الفاتحة الهادية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولا بدّ أنهعليه‌السلام قد ذكّرهم وأخبرهم بما أعلنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ ولادتهعليه‌السلام بأنه سوف تقتله الفئة الباغية(١١) ظلماً وعدواناً.

ثمّ يقول لهم:« وأيم الله، لو كنتُ في جُحْرِ هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتهم، ووالله لَيَعْتَدُنَّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت » (١٢) .

ويقولعليه‌السلام لهم:« كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً، وأجربةً سغباً، لا محيص عن يوم خُط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، [نصبر على بلائه] ويوفّينا اُجور الصابرين. لن تشذ عن رسول الله لحمته... » (١٣) .

لقد كان الحسينعليه‌السلام يحدِّث بهذا وأمثاله سراً وعلانية في جو من الاستضعاف والخوف والإرهاب، يبصِّر المسلمين ويستنهض هممهم ويطلب نصرتهم، ويذكِّرهم بتكليفهم الشرعي، نظير ما كان يصنعه جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مكّة يوم استضعفته قريش وعذّبت أصحابه؛ فقُتل مَن قُتل، وسجن مَن سُجن، وشُرِّد من شُرِّد.

وليس من شكٍّ أنّ هذه الحركة التبليغية العلنية من الحسينعليه‌السلام تقوم على أساس ما أمر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تبليغ حديثه إلى الناس، وما أمر به الله ورسوله من إظهار العلم عند ظهور البدع. وقد اختار لها الحسينعليه‌السلام بتوفيق إلهي خاص ليتحرك في ظرفها المناسب، وهذه الحركة تعني في الوقت نفسه أنّ السلطة الاُمويّة في الشام سوف لن تسكت عليها، بل سيكون موقفها منها هو العمل على القضاء عليها بكلِّ وسيلة ممكنة، وبأقسى ما يُتصوّر من العقوبة لتكون للآخرين نكالاً وعبرة.

____________________

(١١) ذخائر العقبى، وفي مجمع الزوائد ومعجم الطبراني قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« واهاً لفراخ آل محمّد من خليفة مستخلف مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف! » .

وأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قتل الحسينعليه‌السلام في المصادر السنية والشيعيّة، بل والكتابية كثيرة جداً.

(١٢) الطبري ٥، ابن الأثير ٤، الناقص من طبقات ابن سعد ١ / ٤٣٣ عن معاوية بن قرة، تاريخ ابن عساكر ١٤ / ٢١٦ عن معاوية بن قرة، وابن كثير ٨، أقول: وذلك لما قتلوا يحيىعليه‌السلام .

وفي فتوح ابن أعثم ٥ / ٤٢ أنّ الحسينعليه‌السلام قال لعبد الله بن عمر:« أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل... فلم يعجل عليهم، بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؟ » . ثمّ قال له:« اتقِ الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي ».

(١٣) اللهوف - لابن طاووس.

٤١

الخطوة الثالثة: الهجرة إلى الكوفة؛ مركز الشيعة وبلد التضحية

كان الحسينعليه‌السلام على موعد مع شيعة أبيهعليه‌السلام في الكوفة أنه ينهض بهم بعد وفاة معاوية، والكوفة هي البلد الممتحن، وفيها بقية تلاميذ عليعليه‌السلام وحملة خطبه وأحاديثه، وأقضيته وأخبار سيرته(١٤) . كانت مؤهلة للانطلاق بالشيعة في مواجهة الاُمويِّين وتطويق انحرافهم والإطاحة بهم.

قدم إلى الحسينعليه‌السلام وهو في مكّة ثلّةٌ من وجوه الشيعة الكوفيِّين، منهم: برير الهمداني(١٥) ، وعابس بن حبيب الشاكري الهمداني(١٦) ، وشوذب مولى عابس(١٧) ، وحجّاج بن مسروق الجعفي(١٨) ، ويزيد بن مغفل المذحجي الجعفي(١٩) ، والصحابي أنس بن الحارث(٢٠) وغيرهم،

____________________

(١٤) هذه البقية التي حضر الكثير منها في المؤتمر الذي عقده الحسينعليه‌السلام في موسم الحج قبل موت معاوية بسنة، وتداول معهم أو مع الخواص منهم الخطّةَ العامة للتحرك حتّى بعد شهادة الحسينعليه‌السلام التي لم تكن خافية عليهم؛ لكثرة الروايات التي سمعوها من الصحابة، ومن عليعليه‌السلام ، ومن الحسينعليه‌السلام نفسه.

(١٥) من بقايا أصحاب عليعليه‌السلام ، ومن شيوخ القرّاء في الكوفة، له كتاب القضايا والأحكام يرويه عن عليٍّ وعن الحسن، وكتابه من الاُصول المعتبرة. سار من الكوفة إلى مكّة، وجاء معه إلى كربلاء.

(١٦) من أصحاب عليعليه‌السلام ، واشترك في حروبه، وكان من وجوه الشيعة، التحق بالحسينعليه‌السلام في مكّة ثمّ قدم معه. كان من أشجع الناس، وتحاموه وتكاثروا عليه بالحجارة من كلِّ جانب.

(١٧) اشترك مع عليعليه‌السلام في حروبه، وكان من وجوه الشيعة، وأخذ عنه أهل الكوفة العلم والحديث. صحب مولاه عابساً إلى مكّة بعد قدوم مسلم، وجاء معه من مكّة إلى كربلاء.

(١٨) كان من أصحاب عليعليه‌السلام ، أقبل مع الحسينعليه‌السلام من مكّة إلى كربلاء.

(١٩) كان قد أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد القادسية في عهد عمر، وكان أحد الشجعان من الشيعة والشعراء المجيدين، وكان من أصحاب عليعليه‌السلام ، حارب معه في صفّين، وبعثه في حرب الخريت، وكان مع الحسينعليه‌السلام في مجيئه من مكّة.

(٢٠)قال ابن حجر في الإصابة:أنس بن الحارث بن نبيه،قال ابن منده:عداده في أهل الكوفة.وقال البخاري:أنس بن الحارث قُتل مع الحسين بن عليعليهما‌السلام ، سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . قاله محمّد عن سعيد بن عبد الملك الحرّاني، عن عطاء بن مسلم، حدّثنا أشعث بن سحيم عن أبيه، سمعت أنس بن الحارث.ورواه البغوي وابن السكن وغيرهما من هذا الوجه، ومتنه: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « إنّ ابني هذا - يعني الحسينعليه‌السلام - يُقتل بأرض يقال لها: كربلاء،فمَن شهد ذلك منكم فلينصره ». قال فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقُتل بها مع الحسينعليه‌السلام .

٤٢

أنهى عددهم الذهبي إلى ستّين شيخاً(٢١) ، وبقوا مع الحسينعليه‌السلام حماية له إضافة إلى بني هاشم.

أرسل الحسينعليه‌السلام ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة يتحرك لتهيئة الأجواء، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة شيخ مذحج، أهم وأقوى شخصيّة اجتماعيّة وسياسيّة في الكوفة(٢٢) ، وكتب مسلم للحسينعليه‌السلام يخبره أنّ الأجواء مهيأة لقدومه.

نُمِّيَ الخبر إلى يزيد فعزل النعمان بن بشير؛ خوفاً من أن لا يُقْدِم على الحسينعليه‌السلام (٢٣) ، وضم الكوفة إلى عبيد الله بن زياد، وطلب منه الذهاب إليها ومواجهة حركة مسلم.

واستطاع ابن زياد أن يسيطر على الحركة الشعبيّة الكامنة في الخفاء بواسطة قوى الشرطة والأمن الداخلي الموالية للنظام الاُموي، ثمّ ألقى القبض على هانئ ومسلم وقتلهما، وزجّ في السجون آلاف(٢٤) من الشيعة على الشبهة والظنّة، وقطع الطرق المؤدية إلى الكوفة(٢٥) بالجيش والشرطة الذين تربَّوا على الولاء لبني اُميّة والطاعة للنظام منذ عشرين سنة.

____________________

(٢١) قال الذهبي ٣ / ٣٠٥: فسار (الحسين) في آله، وفي ستّين شيخاً من أهل الكوفة في عشر ذي الحجة. أقول: بل سار في الثامن من ذي الحجة.

(٢٢) قال ابن حجر في الإصابة: هانئ بن عروة المرادي، مخضرم سكن الكوفة، وكان من خواص عليعليه‌السلام ، قتله عبيد الله بن زياد وهو ابن بضع وتسعين سنة، فيكون أدرك من الحياة النبويّة فوق الأربعين. وتحت عنوان عروة بن الفضفاض قال ابن حجر: وكان ابنه هانئ بن عروة من رؤساء أهل الكوفة، وهو الذي نزل مسلم بن عقيل بن أبي طالب عنده لمّا أرسله الحسين بن عليعليه‌السلام لأخذ البيعة على أهل الكوفة، فقبض عبد الله بن زياد عليهما فقتلهما، وفي ذلك يقول الشاعر:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئٍ في السوق وابنِ عقيلِ

أقول: ومن معالم قوّته الاجتماعيّة أنه قال لابن زياد لما انكشف أمره: قد أمنتك على نفسك ومالك. (الإمامة والسياسة ٢ / ٥، العقد الفريد ٤ / ٣٧٧). وفي رواية قال له هانئ: يابن أخي، إنه قد جاء حقٌّ هو أحق من حقك وحقِّ أهل بيتك. (طبقات ابن سعد المفقود ١ / ٤٦٠)، فضرب ابن زياد وجهه بعصا بيده، ثمّ قدّمه فضرب عنقه.

(٢٣) طبقات ابن سعد المفقود ١ / ٤٥٩.

(٢٤) قدّر الدكتور الخربوطلي المصري في كتابه عن المختار / ٧٤ –٧٩ أنّ عدد الذين سجنهم ابن زياد يبلغ اثني عشر ألفاً من الشيعة، منهم المختار نفسه.

(٢٥) قال ابن سعد في الجزء المفقود ١ / ٤٦٦: وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسللون إلى الحسينعليه‌السلام من الكوفة، فبلغ ذلك عبيد الله، فخرج فعسكر بالنخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وأخذ الناس بالخروج إلى النُّخيلة، وضبط الجسر فلم يترك أحداً يجوزه.

٤٣

بعث يزيد إلى مكّة مَن يقتل الحسينعليه‌السلام غيلة، ووصل الخبر إلى الحسينعليه‌السلام ، واقترن ذلك مع وصول كتاب مسلم الذي يخبره فيه أنّ الأجواء في الكوفة مهيأة لقدومه.

خرج الحسينعليه‌السلام يوم الثامن من ذي الحجة من مكّة؛ خوفاً من أن يغتال في الموسم، أو يُقتل في الحرم وتُستباح به حرمة الحرم(٢٦) . وقد حاول والي مكّة منعه من الخروج فلم يفلح.

دخل الحسينعليه‌السلام أرض العراق واستقبلته طلائع جيش النظام الاُموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، ولم تدعه يدخل الكوفة أو يخرج عن أرض العراق، وانتهى المطاف بإجباره على النزول في كربلاء.

____________________

(٢٦) روى الطبري ٥ / ٣٨٦، قال هشام: عن عوانة بن الحكم، عن لبطة بن الفرزدق بن غالب، عن أبيه قال: حججت باُمّي، فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحج، وذلك في سنة ستّين، إذ لقيت الحسين بن علي خارجاً من مكّة، معه أسيافه وأتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن علي. فأتيته، فقلت: بأبي واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟ فقال:« لو لم أعجل لاُخذت » . وروى البسوي في كتاب المعرفة والتاريخ / ٥٣٢ كتابَ ابن عباس إلى يزيد بعد قتل الحسينعليه‌السلام وواقعة الحرة، جاء فيه: فما أنسَ من الأشياء فلست بناسٍ اطرادك حسيناًرضي‌الله‌عنه من حرم رسول الله إلى حرم الله، وتسييرك إليه الرجال لتقتله في الحرم، فما زلت بذلك وعلى ذلك حتّى أشخصته إلى العراق، فخرج خائفاً يترقّب، فتزلزلت به خيلك؛ عداوة لله ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وفي رواية اليعقوبي ٢ / ٢٤٧، فما زلت بذلك كذلك حتّى أخرجته من مكّة إلى أرض الكوفة، تزأر به خيلك وجنودك زئير الأسد؛ عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته، ثمّ كتبت إلى ابن مرجانة أن يستقبله بالخيل والأسنة والسيوف.

٤٤

واجتمعت عليه كتائب جيش النظام الاُموي بقيادة عمر بن سعد وعرضوا عليه البيعة وتسليم نفسه للسلطة أو يقاتلوه. اختار الحسينعليه‌السلام الموت على البيعة أو التسليم، وهو شعاره منذ اليوم الأوّل من حركته. وكذلك كان موقف مَن معه من أهل بيته وأصحابه من الكوفيِّين الذين صحبوه من مكّة، ومن الذين استطاعوا الفرار من الكوفة واللحاق به، أمثال: عمرو بن خالد الصيداوي(٢٧) ، وأبي الشعثاء يزيد بن زياد بن مهاصر البهدلي الكندي(٢٨) ، وحبيب بن مظاهر الأسدي(٢٩) ، ومسلم بن عوسجة الأسدي(٣٠) ، وأبي ثمامة الصائدي(٣١) ، ونافع بن هلال الجملي وغيرهم(٣٢) .

قُتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه وأهل بيته جميعاً بعد معركة غير متكافئة، وقُطعت رؤوسهم وسُيِّرت إلى الكوفة مع عيال الحسينعليه‌السلام ، ومن هناك سُيِّروا إلى الشام.

____________________

(٢٧) خرج من الكوفة بعد قتل مسلم هو ومولاه سعد بن مجمع بن عبد الله، وابنه عائذ، ودليلهم الطرماح. قال ابن الأثير: لما رآهم الحر حجزهم، فقال له الحسينعليه‌السلام :« هؤلاء أصحابي ولأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي » . فكفَّ عنهم الحر.

(٢٨) خرج من الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام فصادفه في الطريق قبل أن يلاقيه الحر.

(٢٩) قال ابن حجر في لسان الميزان: حبيب بن مظاهر الأسدي، روى عن علي بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه). ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال أبو عمرو الكشي: كان من أصحاب عليعليه‌السلام ، ثمّ كان من أصحاب الحسن والحسينعليهما‌السلام .

(٣٠) كان هو وحبيب مع مسلم بن عقيل، ثمّ خرج مع حبيب بعد قتل مسلم والتحقا بالحسينعليه‌السلام .

(٣١) كان من أصحاب عليعليه‌السلام الذين شهدوا معه مشاهده كلها، وبعده صحب الحسنعليه‌السلام ، ثمّ بقي في الكوفة إلى أن هلك معاوية، ثمّ بعد أن اجتمع مع من اجتمع من وجوه الشيعة في دار سليمان بن صرد خرج مع نافع بن هلال بعد قتل مسلم والتحق بالحسينعليه‌السلام .

(٣٢) ومن البصرة كما روى الطبري ٥ / ٣٥٤ عن أبي مخنف، قال: خرج يزيد بن نبيط - وهو من عبد القيس - إلى الحسينعليه‌السلام ، وكان له بنون عشرة، فقال: أيكم يخرج معي؟ فانتدب معه ابنان له؛ عبد الله وعبيد الله، فتقدّى في الطريق حتّى انتهى إلى حسينعليه‌السلام فدخل في رحله بالأبطح، ثمّ أقبل معه حتّى أتى فقاتل معه فقُتل معه هو وابناه.

٤٥

معالم التغيير بعد شهادة الحسينعليه‌السلام وانفتاح طريق الهداية من جديد

لئن شاء الله تعالى أن يقتل الحسينعليه‌السلام بعد خمسة شهور من حركته الهادية، فقد شاء أيضاً أن يتحرك الواقع السياسي والاجتماعي بعد الحسينعليه‌السلام بالاتجاه الذي يخدم الأهداف التي تحرك الحسينعليه‌السلام لها، وقُتل من أجلها، ثمّ يتحقق كل ما أراد تحقيقه.

وبيان ذلك كما يلي:

أوّلاً: تفهمت الاُمّة أنّ الطاعة المطلقة للخليفة ليست من الدين في شيء، وأنَّ الدين يدعو إلى مجاهدة سلطة بني اُميّة والإطاحة بهم، ومن ثمّ نهضت الاُمّة ثائرة تحت لواء هذا القائد أو ذاك من مختلف الاتجاهات.

وقد استمرت الثورات على الاُمويِّين حتّى هلكوا على يد بني العباس، ولم تعد سلطة حاكمة بعد ذلك تتبنّى لعن عليعليه‌السلام والتربية على بغضه.

ثانياً: تصدّعت وحدة الدولة، وغابت السلطة المركزية(١) لبني اُميّة التي كانت تلاحق المحدِّثين الصادقين، ولم تسترجع سيطرتها كاملة إلاّ بعد خمس وعشرين سنة من قتل الحسينعليه‌السلام ، وبذلك كُسِر الطوق المفروض على الحديث الصحيح، وعُرض عليعليه‌السلام والمطهرون من ذرّيتهعليهم‌السلام من جديد أئمة هداة في المجتمع؛ وذلك حين انطلق خلال هذه الفترة بقية الصحابة والتابعين من شيعة عليعليه‌السلام وغيرهم في المدينة ومكّة، والكوفة والبصرة، والشام وخراسان وغيرها ينشرون حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته، كل حسب استطاعته وبقدر ما تسمح له ظروفه.

____________________

(١) استقل ابن الزبير في مكّة والمدينة والعراق، ثمّ ثار المختار في الكوفة واقتطعها عن ابن الزبير مدة سنة ونصف، من ١٤ ربيع الأول سنة ٦٦ إلى ١٤ رمضان سنة ٦٧، ثمّ رجعت له بعد قتل المختار على يد مصعب وأهل البصرة، وجيش المهلب وفلول الجيش الذي قتل الحسينعليه‌السلام .

واختلف أهل الشام وصاروا رايتين؛ راية تدعو لابن الزبير وراية تدعو لمروان، واقتتلوا بسبب ذلك، ثمّ غلب مروان، واقتتل أهل خراسان لسنين، ثمّ كانت بيعتهم أخيراً لعبد الملك.

استقل نجدة الخارجي في اليمن، ثمّ قُتل نجدة من قبل أصحاب ابن الزبير. قُتل عبد الله بن الزبير من قبل أصحاب عبد الملك بن مروان، وصفا الملك لبني اُميّة من جديد.

وثار العراقيون من جديد بقيادة ابن الأشعث (٨١ - ٨٥)، واستقر الملك لبني اُميّة لمدة أربعين سنة تقريباً، واُزعج مرة اُخرى من قبل العراقيِّين بقيادة زيد، وقُتل سنة ١٢٢، ثمّ مات هشام سنة ١٢٥، ولم يستقر الملك لبني اُميّة بعد ذلك؛ إذ اختلفت كلمتهم، ثمّ زالت دولتهم على يد بني العباس سنة ١٣٢.

٤٦

فمن الصحابة في المدينة اُمّ سلمة (ت٦١)، وأبو سعيد الخدري (ت٦٤)، وعبد الله بن عباس (ت٦٨) بالمدينة ومكّة والطائف، وتوفي بها وله نيف وسبعون سنة، وجابر بن عبد الله الأنصاري (ت٧٤) عن ٩٤ سنة، وسلمة بن الأكوع (ت٧٤)، وسهل بن سعد الساعدي (ت٩١).

وفي الكوفة سليمان بن صرد (قُتل سنة ٦٦) هـ، وزيد بن أرقم (ت٦٨)، وعدي بن حاتم (ت٦٧)، والبرّاء بن عازب (ت٧٢)، وعامر بن واثلة (ت١١٠) بمكّة منفيّاً من الكوفة منذ تولّى الحجاج الكوفة، وهو آخر من توفي من الصحابة.

وفي البصرة مالك بن الحويرث (ت٧٤)، وأنس بن مالك (ت٩٠) الذي أخذ يحدّث بفضائل عليعليه‌السلام لمّا أصابته دعوة عليعليه‌السلام .

وفي مرو وخراسان بريدة بن الحصيب (ت٦٢)، وأبو برزة الأسلمي (ت٦٤).

وفي الشام واثلة بن الأسقع (ت٨٥)، وهو آخر مَن مات من الصحابة بدمشق.

ومن التابعين وهم بقية أصحاب عليعليه‌السلام ، وأغلبهم كوفيّون، أمثال: الحارث الأعور الهمداني (ت٦٥)، وسعد بن حذيفة بن اليمان (من رجال عهد المختار)، والأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة٧٠)، وحبة بن جوين (ت٧٦)، وأبي البختري، (قُتل سنة ٨٢)، وزاذان (ت٨٢)، وزر بن حبيش (ت٨١)، وعبد الله بن الحارث بن نوفل (ت٨٤)، وعبد الرحمن بن أبي ليلى (قُتل سنة ٨٢)، وفضالة بن أبي فضالة (ت٧٠ - ٨٠)، وكميل بن زياد قتله الحجّاج سنة (٨٢)، وقيس بن عباد قتله الحجّاج (٨٣)، وزيد بن وهب الجهني (ت٨٤، وقيل: ٩٦)، ومسلم بن صبيح (ت١٠٠).

ومنهم بصريون، مثل أبي الأسود الدؤلي، وخِلاس الهَجَري(٢) .

ومنهم مدنيون، أمثال: عمر بن أبي سلمة (ت٨٣)، وإياس بن سلمة بن الأكوع (ت١١٩)، ويزيد بن اُميّة (ت٧٠ - ٨٠).

____________________

(٢) كان من شرطة عليعليه‌السلام ، وله صحيفة كتبها عنه يحدث بها، توفي قبيل المئة بتقدير الذهبي، نقلاً عن ابن حجر في تهذيب التهذيب.

٤٧

ولولا هذه السنوات الخمس والعشرين من غياب السلطة المركزية التي أنتجتها شهادة الحسينعليه‌السلام لما استطاع اُولئك الصحابة والتابعون من نشرهم حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيان منزلة علي وأهل بيتهعليهم‌السلام ، أو ذمِّ بني اُميّة، أو نشرهم حديث عليعليه‌السلام وخطبه التي نجدها اليوم في كتب الحديث والتاريخ لدى عامة المسلمين.

ولولا انتشار أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته لما استطاع الأئمة من ذرّيّة الحسينعليهم‌السلام أن ينشروا سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله برواية عليعليه‌السلام .

ثالثاً: تنفس الشيعة (صحابة وتابعون) من جديد في الكوفة بشكل عام حين ارتفع الضغط الخاص عنهم مدة أربع سنوات (٦٤ - ٦٧) هـ، وبخاصة أيام المختار لمدة سنة ونصف (١٤ ربيع الأول ٦٦ - ١٤ رمضان ٦٧)، حيث استطاعوا أن يطهِّروا المجتمع الكوفي من قتلة الحسينعليه‌السلام الذين كانوا يمثّلون قمة الانحراف وبؤرة الفساد فيه، ويعيدوا التثقيف الصحيح باتجاه علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

وعلى الرغم من قصر مدة حكم المختار وقتله على يد مصعب الزبيري، وقتل سبعة آلاف شيعي صبراً بعده بضمنهم عمرة بنت النعمان بن بشير زوجة المختار؛ لأنها لم تتبرّأ من زوجها المختار، ثمّ ظلم الحجّاج وتتبعه لشيعة عليعليه‌السلام .

أقول: على الرغم من ذلك بقيت الكوفة قلعة صامدة على التشيع، أبيَّةٌ عن الترويض؛ ممّا اضطر الحجاج في حركة ابن الأشعث (سنة ٨٠ - ٨٣) أن يستعين بجيش شامي للقضاء عليها، ولم يسكنها الكوفة بعد ذلك؛ خوفاً على جيش أهل الشام من التأثّر بفكرهم؛ فبنى واسط خاصة لهم.

واستطاع الأئمة من ذرّية الحسينعليه‌السلام وبخاصة الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام أن يثقفوا قواعدهم الشعبية الكوفيّة من جديد، وانفسح المجال بشكل عام للإمام الصادقعليه‌السلام في السنوات الاُولى من حكم العباسيِّين (١٣٢ - ١٣٦) هـ، وبذلك عادت الكوفة كسابق عهدها أيام عليعليه‌السلام قلعة للتشيع ورواية أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٨

خلاصة وخاتمة

قال الله سبحانه تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) (الصف / ١٤).

وروى البخاري أنّ أعرابياً قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، ويقاتل ليرى مكانه في سبيل الله.

فقال:« مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » .

وجّه الحسينعليه‌السلام أصحابه في المرحلة السِّريَّة من حركته في مواجهة الانقلاب الفكري السياسي لمعاوية (٥٠ - ٥٩) هـ ليواصلوا نشر الأحاديث النبويّة الصحيحة في علي وأهل البيتعليهم‌السلام بين من يثقون به من الناس.

وكان آخر نشاط نوعي في هذا السبيل هو المؤتمر السري الذي عقده الحسينعليه‌السلام في مكّة في موسم الحج لسنة (٥٩) هجرية، أي قبل موت معاوية بسنة، وحضره عدد كبير من الصحابة والتابعين، وكانت المادة الأساسية في هذا المؤتمر هي خطاب الحسينعليه‌السلام الذي أطلع المؤتمرين آنذاك على خطورة الوضع الفكري والسياسي، ثمّ حثهم على نشر الحقائق الدينيّة في علي وأهل البيتعليهم‌السلام .

وقد استهل خطابهعليه‌السلام بقوله:« إنّي خفت دروس هذا الأمر » ، أي أمر ولاية أهل البيتعليهم‌السلام . ثمَّ أعلن الحسينعليه‌السلام بعد موت معاوية عن حركته التبليغيّة ليقاوم بدعتين سادتا وانتشرتا انتشاراً مطبقاً:

٤٩

الاُولى: التربية العامة على بغض عليعليه‌السلام ولعنه والبراءة منه، ورواية الأحاديث الكاذبة في ذمّه والطعن عليه، ومعاقبة من يظهر خلافه لهذه السياسة.

الثانية: التربية العامّة على الولاء المطلق للخليفة الاُموي والتقرّب إلى الله بطاعته ومحبته، ورواية الأحاديث الكاذبة في فضل بني اُميّة، وإكرام من يتجاوب مع هذه السياسة.

اختار الحسينعليه‌السلام مكّة قاعدة ينطلق منها في حركته التبليغيّة النهضوية تلك، يحيط به بنو هاشم لحمايته من أجل أن يقوم بممارسته التبليغيّة، ونشر أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليعليه‌السلام ، والنهوض بوجه الظالمين. هذه الممارسة التي تعاقب الدولة عليها بعقوبة الإعدام كما يقال بلغة العصر.

وتحرك الحسينعليه‌السلام على أخيار المسلمين القادمين من مختلف البلاد الإسلاميّة لأداء العمرة والحج، يحدِّث الجيل الجديد منهم بما حرَّمت الدولة الحديث به فلم يسمعوه، ويستنهض الجيل القديم ويذكِّرهم بتكليفهم الشرعي إزاء ظهور البدع، ومن ثمّ يطلب النصرة من الجميع ليحموه من دولة الضلال؛ لكي يواصل هو وأخيار الصحابة والتابعين تبليغ أحاديث جدّه وسنته للاُمّة.

تجاوب مع الحسينعليه‌السلام وجوه شيعة أبيه في العراق، وبخاصة في الكوفة الممتحنة في السنوات السابقة من النظام الاُموي، وبايعوه على النصرة، ودعوه إلى البلد لينهض به في مقاومة بني اُميّة كما نهض جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأهل المدينة لمقاومة قريش.

وشاء الله تعالى أن تنكشف الحركة في الكوفة وتُسحق في مهدها، ويُسجن أنصار الحسينعليه‌السلام فيها، ويُقتل هانئ أبرز وجوه في الكوفة وأقواها سياسياً واجتماعياً، ويُقتل بعده مسلم بن عقيل، وتُقطع الطرق المؤدّية إلى الكوفة لقطع الطريق على المختفين من أنصار الحسينعليه‌السلام ، ولمنعهم من اللحاق به، ويطوّق الركب الحسيني الخارج من مكّة خوفاً من أن تُستحل حرمتها به؛ حيث كان يزيد قد دسّ الرجال ليقتلوا الحسينعليه‌السلام غِيلة في الموسم.

٥٠

عرض جيش الدولة الاُموي على الحسينعليه‌السلام أن يسلّم نفسه للسلطة، وأبى الحسينعليه‌السلام ومَن معه ذلك، وجرت معركة غير متكافئة، وقُتل الحسينعليه‌السلام وأهلُ بيته وأصحابه، ورُفعت رؤوسهم على الرماح، وداست الخيل صدر الحسينعليه‌السلام ، واُخذت نساؤه وأطفاله أسرى إلى الشام.

صفا الجو ليزيد وبني اُميّة سنتين تقريباً بعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وقدَّروا أنهم أطفؤوا النور الحسيني، وأنّ خطر الزلزال عليهم وعلى خطّتهم انتهى إلى غير رجعة، وما دَرَوا أنّ القيام المخلص لله والقتل في سبيله هو من أعظم الوسائل التي يتألق بها نور الهداية، ويستحكم بها الخطر على المنحرفين، وتظهر معالمه جلية واضحة في كل البلاد الإسلاميّة؛ فقد ثار أهل المدينة على يزيد بعد سنتين (٦٣) هجرية من قتلِ الحسينعليه‌السلام ، وأعلن أهل مكّة تمردهم في غضون ذلك.

وعاجل الله تعالى يزيد فأماته مبكّراً، واستقال ولده معاوية الثاني من الحكم، ومات بعد استقالته بأيام، وتمزّقت الدولة الاُمويّة شر ممزّق؛ فاقتتل أهل الشام بينهم من أجل الملك وصاروا رايتين؛ راية تدعو لابن الزبير، واُخرى تدعو لمروان، ثمّ صفا الأمر لمروان بن الحكم بعد وقعة مرج راهط التي أهلكت آلاف الناس، ومن بعده لابنه عبد الملك.

واقتتل أهل خراسان. قال المدائني: لما مات يزيد بن معاوية وثب أهل خراسان بعمّالهم فأخرجوهم، وغلب كلّ قوم على ناحية، ووقعت الفتنة، وغلب عبد الله بن حازم على خراسان، ووقعت الحرب(١) ، وأقرَّ عبد الله بن الزّبير عبد الله بن خازم على خراسان، وكاتَبَه عبد الملك ليبايع له فرفض، فثار عليه وكيع بن الدورقية وقتله(٢) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٥٤٦.

(٢) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: عبد الله بن خازم البصري، أمير خراسان، يقال: له صحبة ورواية، روى عنه سعد بن عثمان الرازي وسعيد بن الأزرق. قال أبو أحمد العسكري: كان من أشجع الناس، ولي خراسان عشر سنين وافتتح الطبسين، ثمّ ثار به أهل خراسان فقتلوه، وكان الذي تولّى قتله وكيع بن الدورقية، وحمل رأسه إلى عبد الملك بن مروان. وقال خليفة بن خياط: قام بأمر الناس في وقعة قازن بباذغيس، وكتب إلى ابن عامر بالفتح فأقرّه على خراسان حتّى قُتل عثمان. وقال صالح بن الرحبية: قُتل سنة ٧١. وقال السلامي في تاريخه: لما وقعت فتنة ابن الزبير كتب إليه ابن خازم بطاعته فأقرّه على خراسان، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته فلم يقبل، فلما قُتل مصعب بعث إليه عبد الملك برأسه فغسله وصلّى عليه، ثمّ ثار عليه وكيع بن الدورقية وغيره فقتلوه. وبمعنى ذلك حكى أبو جعفر الطبري، وزاد: وكان قتله في سنة ٧٢.

٥١

وفي البصرة روى أبو مخنف قال: وثب الناس بعبيد الله بن زياد، وكسر الخوارج أبواب السجون وخرجوا منها(٣) ، وقادهم نافع بن الأزرق ومن بعده عبيد الله بن الماحوز، وجرت بينهم وبين أهل البصرة حروب كثيرة، ثمّ هزمهم المهلب بن أبي صفرة عن الأهواز.

وفي الكوفة وثب رؤساء الجيش والشرط بعمرو بن حريث خليفة ابن زياد ومدير شرطته، وكان هواهم مع ابن الزبير، فأخرجوه من القصر واصطلحوا على عامر بن مسعود بن اُميّة الجمحي القرشي، وبايعوا لابن الزبير، ثمّ كُسرت السجون وخرج الشيعة.

واقتتل أهل اليمن فيما بينهم كذلك. وكان البلد الوحيد الذي وجدت فيه حركة تحمل خط الحسينعليه‌السلام ونهجه هو الكوفة بزعامة سليمان بن صرد، ثمّ بزعامة المختار الثقفي، ولكن عبد الله بن الزبير لم يحتمل ذلك، وبخاصة وأنّ الكوفة كانت تابعة له؛ فبعث أخاه مصعباً بأهل البصرة وبقايا الجيش الذي قاتل الحسينعليه‌السلام الذي خرج من الكوفة فارّاً من المختار، ثم جرت بينهم وبين جيش المختار معارك ضارية انتهت بقتل المختاررحمه‌الله ، وقتلِ بعد ذلك زوجته لأنها لم تتبرّأ منه، ومعها سبعة آلاف صبراً ممّن كان مع المختار في القصر.

ولئن استطاع عبد الملك بعد عشرين عاماً أن ينتصر على المعارضة والثوّار في أنحاء البلاد الإسلامية، وأن يستعيد وحدة الدولة الاُمويّة، ويفرض السياسة التي اختطّها معاوية من جديد، فإنَّ حرارة البركان في الكوفة، والمغتربين من أبنائها في خراسان لم تكن قد انتهت؛ فكانت ثورة زيدرحمه‌الله في الكوفة، وكان قدره فيها كقدر جدّه الحسينعليه‌السلام ، فكان وقوداً وزيتاً للثائرين.

____________________

(٣) تاريخ الطبري ٥ / ٥٦٧ عن أبي مخنف.

٥٢

ثمّ كانت ثورة العباسيِّين بالكوفيِّين المغتربين ومَن معهم من أهل خراسان، وانهار على أيديهم الحكم الاُموي والاُطروحة الاُمويّة للإسلام المبني على لعن عليعليه‌السلام إلى غير رجعة؛ حيث لم يأتِ حكم بعد ذلك يتبنّى لعن عليعليه‌السلام إلى اليوم، ولن يأتيَ إلى آخر الدنيا.

وانتشرت الأحاديث النبويّة التي عمل بنو اُميّة على طمسها وكتمانها وتحريفها، واهتدى بها من أراد الهداية من الاُمّة، وهي محفوظة في كتب المسلمين جميعاً إلى اليوم.

وأيّد الله تعالى الحسينعليه‌السلام تأييداً خاصاً حين بتر نسل يزيد، فلا يوجد اليوم من يُنتسب إليه، وبارك الله تعالى في نسل الحسينعليه‌السلام فهو يملأ الدنيا، ورزقه منهم تسعة أئمة هدى أسباطاً، أعلام هداية نشروا ما كان يحمله الحسينعليه‌السلام من تراث نبوي كتبه عليعليه‌السلام بيده الكريمة الطاهرة، وأملاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من فيه الشريف المطهر، والتف حولهم شيعة يأخذون عنهم هذا التراث الإلهي، ويحملون ظلامة الحسينعليه‌السلام غضة طرية كل عام في عاشوراء؛ ليهتدي بهديها من شاء من الناس.

٥٣

كتاب أبي مخنف حول مقتل الحسينعليه‌السلام وحركة المختاررحمه‌الله

يُعدّ كتاب أبي مخنف (توفي قبل سنة ١٧٠ هـ) في مقتل الحسينعليه‌السلام وحركة المختار أقدم وأشهر كتاب في موضوعه، وقد اعتمد عليه خصوم الشيعة لمّا رأوا فيه بغيتهم من الطعن على أهل الكوفة، وتحملهم مسؤولية قتل الحسينعليه‌السلام ووصفهم بالغدر، كما اعتمد عليه الشيعة لتقديمه تفاصيل عن مقتل الحسينعليه‌السلام وحركته لا توجد في غيره.

وفيما يلي دراسة مختصرة عن أبي مخنف وكتابه، وظرفه السياسي الذي ظهر فيه تبيّن الموقف من أخبار كتابه.

قال فلهاوزن: وأبو مخنف هو أَثْبَتُ حجة … في تاريخ الشيعة طالما اتّصل بالكوفة، والطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر أخبارهم، وما أطولها(١) !

أقول: إنّ الطبري صاحب التاريخ ليس حجة حين يُكثِر من راوٍ معين في موضوع معين؛ فلقد أكثَرَ في تاريخه من روايات سيف بن عمر في حروب الردة ومقتل عثمان وحرب الجمل، وتبيِّن لدى التحقيق أنّ أكثر أخبار سيف في هذه المواضيع إمّا محرّفة أو موضوعة(٢) .

والطبري مؤرخ راعى في تأليفه لتاريخه أن يأتي منسجماً مع السياسة العباسيّة؛ ولذا نراه يذكر الرواية العباسيّة الرسمية لقصة وفاة الإمام علي الرضاعليه‌السلام ، وهي: أنه أكثر من أكل العنب فمات فجأة(٣) .

تبنّى رواية كتب أبي مخنف كثيرون، منهم: محمّد بن سعد في الطبقات الكبرى، والطبري في التاريخ، وابن أعثم في الفتوح، والبلاذري في أنساب الأشراف.

وروى المسعودي طرفاً منها في مروج الذهب، ثمّ أخذ ابن الأثير في كتابه الكامل، وابن كثير، وابن خلدون، والذهبي برواية الطبري؛ لأنه أوردها كاملة، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ الإسلامي من القدامى والمعاصرين؛ شيعة كانوا أو سنة.

____________________

(١)‏ الخوارج والشيعة - يوليوس فلهوزن - ترجمه عن الألمانية الدكتور عبد الرحمن بدوي / ١١٣، ط ٣ - الكويت / ١٩٧٨.

(٢) انظر كتب العلامة العسكري: خمسون ومئة صحابي مختلق - ثلاثة مجلدات، وعبد الله بن سبأ - مجلدان، فإنها مكرّسة لدراسة أخبار سيف بن عمر، وكشف الوضع والتحريف فيها.

(٣) ‏تاريخ الطبري ٧ / ١٥.

٥٤

لم يكن أبو مخنف من القائلين بالنصِّ على عليعليه‌السلام ، فهو ليس شيعياً بالمعنى الخاص للتشيع. قال ابن أبي الحديد: وأبو مخنف من المحدِّثين، وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها(٤) .

وممّا يؤكد ذلك قول الشيخ المفيد بعد أن أورد أخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما، قال: فهذه جملة من أخبار البصرة، وسبب فتنتها، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها قد أوردناها على سبيل الاختصار، وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامة دون الخاصة، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة(٥) .

هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام ، وهم السجاد والباقر، والصادق والكاظمعليهم‌السلام ، ولم يروِ عن واحد منهم بشكل مباشر، نعم روى عن بعض أصحابهم بعض الروايات. وقد وثَّقَ عددٌ من أعلام الشيعة أبا مخنف في النقل(٦) .

نحن نتئِد في قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط ببعض سيرة الأئمةعليهم‌السلام ، أو سيرة شيعة الكوفة، أو علاقة الأئمةعليهم‌السلام بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم عليعليه‌السلام سنة ٣٥ هجرية وحروبه إلى مقتل المختار سنة ٦٧ هجرية؛ وذلك لأنها تعطي رؤية تخالف الثابت عن أهل البيتعليهم‌السلام ، أو الثابت من التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم، من قبيل أنّ الحسينعليه‌السلام ندم على أخذ نسائه وبناته معه، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لمّا ارتفعت أصواتهن(٧) .

____________________

(٤)‏ شرح نهج البلاغة ١ / ١٤٧.

(٥)‏ الجمل / ٢٢٥.

(٦)‏ انظر معجم رجال الحديث وقاموس الرجال.

(٧)‏ قال أبو مخنف: حدّثني عبد الله بن عاصم، قال: حدثني الضحاك المشرقي، قال: لمّا سمع أخوات الحسينعليه‌السلام كلام الحسين يخاطب القوم يوم العاشر صحن وبكين، وبكى بناته، فارتفعت أصواتهن، فأرسل إليهنّ أخاه العباس بن علي وعلياً ابنه، وقال لهما:« أسكتاهنّ؛ فلعمري ليكثرن بكاؤهنّ ».

قال: فلما ذهبا ليسكتاهن قال:« لا يبعد ابن عبّاس » .

قال: فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكاءهن؛ لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ. الطبري ٤ / ٣٢١.

وقال أبو مخنف: وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان أنّ حسيناً لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس، وقال له: فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك؛ فوالله إني لخائف أن تُقتل كما قُتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه. الطبري ٤ / ٢٨٧.

٥٥

ومن قبيل أنّ يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسينعليهم‌السلام لما أمر بإرجاعه والسبايا إلى المدينة: لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيتها إيّاه، ولدفعت الحتف عنه بكلِّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن الله قضى ما رأيت(٨) .

وهناك من الرواة من أسفَّ إلى أكثر من هذا كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لأبي مخنف، يروي عن الغاز بن ربيعة الجرشى من حمير، قال: والله، إنّا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتّى دخل على يزيد بن معاوية، فقال له يزيد: ويلك! ما وراءك وما عندك؟

فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره؛ ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستّين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال على الاستسلام، فعدونا عليهم مع شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل ناحية، حتّى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم، أخذوا يهربون إلى غير وزر، ويلوذون منّا بالآكام والحفر لواذاً كما لاذ الحمائم من صقر.

فوالله يا أمير المؤمنين، ما كان إلاّ جزر جزور، أو نومة قائل حتّى أتينا على آخرهم. فهاتيك أجسادهم مجرّدة، وثيابهم مرمّلة، وخدودهم معفّرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح، زوّارهم العقبان والرخم...

قال: فدمعت عين يزيد وقال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمّية، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين(٩) .

ومن قبيل أنّ شيعة عليعليه‌السلام في الكوفة أمثال سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وغيرهما كتبوا للحسينعليه‌السلام بالقدوم ثمّ خذلوه حتّى قُتل، ثمّ ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره. وغير ذلك.

____________________

(٨) تاريخ الطبري ٤ / ٣٥٣.

(٩)‏ تاريخ الطبري ٤ / ٣٥١.

٥٦

أقول: نحن نرى أنّ هذه الأخبار سواء كانت في كتاب أبي مخنف أو في كتب غيره وضعت بأمر العباسيِّين ضمن سياسة تهدف إلى تطويق الكوفة ومحاصرتها إعلامياً، رُسمت خطوطها من قبل أبي جعفر المنصور خاصة ضمن مخطّط إعلامي شامل لتغيير الرؤية عن تاريخ علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ؛ نكاية بالحسنيِّين الثائرين؛ حيث كان هوى الثوّار من الكوفيِّين مع الحسنيِّين، وهوى مَن يرى العلم والحديث مع الإمام جعفر الصادق وآبائه الأئمةعليهم‌السلام .

ثمّ تحرّك الإعلام العباسي من خلال روايات الرواة الذين سايروا العباسيِّين في مخططهم رغبة في دنياهم؛ فوضعوا وحرّفوا ما شاؤوا من الروايات.

أمّا كون هوى الكوفيِّين مع الحسنيِّين فقد قال الطبري: لمّا ظهر محمّد وإبراهيم ابنا عبد الله، أرسل أبو جعفر المنصور إلى (عمّه) عبد الله بن علي وهو محبوس عنده، أنّ هذا الرجل قد خرج، فإن كان عندك رأي فأشر به علينا.

وكان ذا رأي عندهم، فقال: ارتحل الساعة حتّى تأتي الكوفة، فاجثُم(١٠) على أكبادهم؛ فإنهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارُهم، ثمّ احفُفْها بالمسالح؛ فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه، أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه(١١) .

وأمّا كونهم في الفقه والحديث والعلم يتبعون الإمام جعفر الصادق وآبائَهعليهم‌السلام فقد روى القاضي عياض(١٢) الحوار الذي دار بين أبي جعفر المنصور ومالك بن أنس، حيث عرض عليه أن يجعله مرجعاً فقهياً للدولة آنذاك.

قال مالك: فقلت له: ولأهل العراق قولاً تعدَّوْا فيه طورَهم.

فقال: أمّا أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، وإنّما العلم علم أهل المدينة، فضع للناس العلم.

وفي رواية، فقلت له: إنّ أهل العراق لا يرضون عِلمَنا.

فقال أبو جعفر: يضرب عليه عامَّتهم بالسيف، وتقطع عليه ظهورهم بالسياط(١٣) .

____________________

(١٠) ‏جثُم يجثُم: لصق ولزم.

(١١)‏ تاريخ الطبري ٦ / ١٩٤.

(١٢)‏ انظر تفصيل ذلك في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر التاريخ الإسلامي والسيرة النبويّة / ٤٧٠.

(١٣) وكان المنصور قبل ذلك قد قال لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد، فهيِّئ له من مسائلك الصعاب. الكامل في الضعفاء لابن عدي ٢ / ١٣٢.

٥٧

وقد خطب المنصور في الكوفة سنة (١٤٤) هجرية بعد أن قبض على عبد الله بن الحسن والد محمّد وإبراهيم قبيل أن ينهضا ويثورا عليه.

قال المسعودي: ولمّا أخذ المنصور عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر بالهاشميّة؛ فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ قال: يا أهل خراسان، أنتم شيعتنا وأنصارنا، وأهل دعوتنا، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منّا.

إنَّ ولد أبي طالب تركناهم - والذي لا إله إلاَّ هو - والخلافة، فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير؛ فقام فيها علي بن أبي طالبعليه‌السلام فما أفلح، وحكَّم الحكمين، فاختلفت عليه الاُمّة وافترقت الكلمة، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.

ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن عليعليه‌السلام ، فوالله ما كان برجل عرضت عليه الأموال فقبلها، ودسَّ إليه معاوية أنِّي أجعلك ولي عهدي، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه، وسلَّمه إليه، وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً اُخرى، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.

ثمَّ قام من بعده الحسين بن عليعليه‌السلام ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة، أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن، أهل هذه المِدرة السوء - وأشار إلى الكوفة - فوالله ما هي لي بحرب فاُحاربها، ولا هي لي بسلم فاُسالمها، فرَّق الله بيني وبينها، فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه، فأسلموه حتّى قُتل.

ثمَّ قام من بعده زيد بن علي، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه، وقد كان أبي محمّد بن علي ناشده الله في الخروج، وقال له: لا تقبل أقاويل أهل الكوفة؛ فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يُصلب بالكناسة، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب.

وناشده الله بذلك عمّي داود وحذَّرهرحمه‌الله غدر أهل الكوفة فلم يقبل، وتمَّ على خروجه فقُتل وصُلب بالكناسة(١٤) .

____________________

(١٤)‏ المسعودي - مروج الذهب ٣ / ٣٠١، وكانت بوادر التحسس من الكوفيِّين قبل ذلك. روى البلاذري في أنساب الأشراف ٣ / ١٥٠، قال: قال المدائني: كتب أبو مسلم إلى أبي العباس أنّ أهل الكوفة قد شاركوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم، وخالفوهم في الفعل، ورأيهم في آل علي الذي يعلمه أمير المؤمنين يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم إيّاهم، وإطماعهم فيما ليس لهم؛ فالحظهم يا أمير المؤمنين بلحظة بوار، ولا تؤهّلهم لجوارك؛ فليست دارهم لك بدار. وأشار عليه أيضاً عبد الله بن علي بنحو من ذلك، فابتنى مدينته بالأنبار وتحوّل إليها، وبها توفي.

٥٨

ولمّا قُتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أمر المنصور أن يُطاف برأسه بالكوفة سنة (١٤٥) هجرية، وخطب قائلاً: يا أهل الكوفة، عليكم لعنة الله وعلى بلد أنتم فيه... سبئيّة(١٥) ، خشبية(١٦) ، قائل يقول: جاءت الملائكة، وقائل يقول: جاء جبريل... لَلْعجب لبني اُميّة وصبرهم عليكم! كيف لم يقتلوا مقاتلتكم، ويسبوا ذراريكم، ويخربوا منازلكم!

أما والله يا أهل المَدَرَة الخبيثة، لئن بقيتُ لكم لأذلّنكم(١٧) .

وفي ضوء ذلك كان من الضروري التحقيق في الرواية التاريخيّة التي ظهرت في هذه الفترة الخطيرة؛ سواء كانت رواية أبي مخنف أو رواية غيره، وتجزئة الرواية إلى أجزاء، واستبعاد الجزء الذي يلتقي مع الهدف الإعلامي للعباسيِّين إن لم يكن لدينا غيرها.

إنّ الكتّاب المعاصرين أمثال الشيخ محمود شاكر(١٨) ، والدكتور أحمد شلبي(١٩) ، والشيخ الخضري ونظرائهم معذورون حين يعتمدون على رواية أبي مخنف دون أن يحقّقوا فيها؛ بسبب خلفيتهم العقائدية التي تسوّغ لهم قبول ذلك أو الاُنس به، أمّا أن يعتمد الكاتب الشيعي الإمامي(٢٠) على رواية أبي مخنف دون تحقيق أو دون تجزئة فإنَّه ليس معذوراً في ذلك(٢١) .

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

____________________

(١٥)‏ أي اتّباع عبد الله بن سبأ الذي ادّعي له أنه مبتدع الوصية لعليعليه‌السلام المشابهة لوصية موسى ليوشععليهما‌السلام الذي يترتب عليها البراءة ممّن تجاوز على موقعه.

(١٦) في النهاية لابن الأثير: الخشبية: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد، ويقال لضرب من الشيعة: الخشبية. وفي المشتبه للذهبي: الخشبي: هو الرافضي في عرف السلف.

(١٧)‏ أنساب الأشراف ٣ / ٢٦٩.

(١٨) ‏كاتب مصري ألّف موسوعة في التاريخ الإسلامي في عدة مجلدات.

(١٩)‏ كاتب مصري ألّف موسوعة التاريخ الإسلامي في عدّة مجلدات، وطُبعت طبعات عديدة، آخر ما رأيته هو الطبعة السابعة سنة ١٩٨٤م، وعنها ننقل في كتابنا هذا.

(٢٠)‏ قد يعترض البعض علينا باعتماد مرجع الشيعة في وقته الشيخ المفيدرحمه‌الله على رواية أبي مخنف في كتابه الإرشاد، أو في كتابه الجمل، ولكنه اعتراض غير وارد؛ لأن الشيخ المفيد في الجمل يصرّح أنه إنما أورد أخبار الجمل من مصدر غير إمامي لأجل الاحتجاج.

(٢١) أشرنا إلى طرف من هذا الموضوع في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبويّة / ٤٦٩ - ٤٨٠، نرجو أن نوفّق إلى تفصيلها في دراسة مستقلة.

٥٩

الفهرس

المقدمة ٢

التنبيه الأوّل. ٢

التنبيه الثاني. ٣

التنبيه الثالث.. ٣

التنبيه الرابع. ٤

الاُطروحات الأساسيّة في تفسير الثورة الحسينيّة ٥

الاُولى: الاُطروحة الاُمويّة ٥

الثانية: الاُطروحة العباسيّة ٥

الثالثة: اُطروحة الأئمة من ذرّية الحسين عليهم‌السلام.... ٦

الواقع التاريخي لحركة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن عليهما‌السلام في أداء وظيفتهم الإلهيّة قبل حركة الحسين عليه‌السلام     ٧

عهد النبوة الخاتمة ٧

عهد خلافة قريش المسلمة ١٠

حركة علي عليه‌السلام لإحياء السنة النبويّة ١٤

صلح الإمام الحسن عليه‌السلام يحفظ وحدة الكتاب والقبلة ويثقّف أهل الشام بالسنة النبويّة الصحيحة ١٨

ضلالة بني اُميّة ٢٠

المعركة بين الطرفين حول الهداية ٢٢

مفردات الواقع السياسي والاجتماعي الذي تحرك فيه الحسين عليه‌السلام     ٢٥

المفردة الأولى: البراءة من علي عليه‌السلام أحد أركان الإسلام الذي تقدّمه دولة معاوية للناس. ٢٥

أ - تربية الاُمّة على لعن علي عليه‌السلام والبراءة منه ٢٥

ب - تربية الاُمّة على الولاء لمعاوية وابنه يزيد وذرّيته وتوصيف نفسه بخليفة الله. ٢٧

ج - تربية الاُمّة على السكوت على الظلم. ٢٨

د - تربية الاُمّة على الطاعة المطلقة للخليفة ٢٨

المفردة الثانية: ظهور جيل مسلم جديد يتقرّب إلى الله تعالى بلعن علي عليه‌السلام.... ٢٩

المفردة الثالثة: محاصرة شيعة علي عليه‌السلام واضطهادهم وتصفيتهم. ٣٠

الواقع السياسي والاجتماعي الذي أسّسه معاوية ٣٢

التغيير المطلوب تحقيقه في الاُمّة ٣٣

الحسين عليه‌السلام هو الشخص الوحيد المعني بالتغيير المطلوب، والقادر عليه ٣٣

الحسين عليه‌السلام عُدَّة إلهية لتحقيق التغير المطلوب.. ٣٤

خطة الحسين عليه‌السلام العملية لتحقيق التغيير ٣٦

المرحلة الاُولى: اتخاذ موقف السكوت على عهد معاوية، والعمل سرّاً ٣٦

المرحلة الثانية: التحرك العلني بعد موت معاوية ٣٨

الخطوة الاُولى: الإعلان عن عدم إعطاء بيعة ليزيد وإن كلّفه ذلك حياته ٣٨

الخطوة الثانية: الانطلاق من مكّة لإعلان الحركة التبليغيّة ٣٩

الخطوة الثالثة: الهجرة إلى الكوفة؛ مركز الشيعة وبلد التضحية ٤٢

معالم التغيير بعد شهادة الحسين عليه‌السلام وانفتاح طريق الهداية من جديد  ٤٦

خلاصة وخاتمة ٤٩

كتاب أبي مخنف حول مقتل الحسين عليه‌السلام وحركة المختار رحمه‌الله    ٥٤

٦٠