اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)0%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 221
المشاهدات: 116578
تحميل: 6337

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116578 / تحميل: 6337
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وحين كان يقوم الإمام السابق بالتمهيد لإمامته وطرح اسمه على الساحة بالتدريج ، حينئذٍ كان ينتبه الحكام لذلك وربّما كانت تفوت عليهم الفرص لاغتياله والقضاء عليه .

ولهذا حين كان يشار إليه بالبنان وتتوجّه إليه القلوب والنفوس كانت الدوائر الحاقدة تبدأ بالكيد له باستمرار .

قال أيوب بن نوح ، قلت للرضاعليه‌السلام : نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ، وإن يردّه الله إليك من غير سيف فقد بُويع لك وضُربت الدراهم باسمك ، فقال :ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلاّ اعتلّ ومات على فراشه حتى يبعث الله عزّ وجل لهذا الأمر رجلاً خفيّ المولد والمنشأ حتى خفي في نفسه (١) .

فالإمام الكاظم والإمام الرضاعليه‌السلام قد استشهدا وهما في الخامسة والخمسين من عمرهما بينما الإمام الجوادعليه‌السلام قد استشهد وهو في الخامسة والعشرين من عمره من دون أن يكون كل واحد منهم قد أُصيب بمرض يوجب موته ، بل كانوا أصحّاء بحيث كانت صحّتهم وسلامتهم الجسمية مثاراً لاتّهام الحكّام الحاقدين عليهم .

إذن فالإمام الجوادعليه‌السلام بإمامته المبكّرة التي أصبحت حدثاً فريداً تتناقله الألسن ، سواء بين الأحبّة أو الأعداء ، قد ضرب الرقم القياسي في القيادة الربّانية وذكّر الأمة بما كانت قد سمعته من إخبار القرآن الكريم بأنّ الله قد آتى كلاًّ من يحيى وعيسى الكتاب والحكم والنبوّة في مرحلة الصبا بل لمست ذلك بكل وجودها وهي ترى طفلاً لا يتجاوز العقد الواحد وإذا به يهيمن على عقول وقلوب الملايين .

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٥٤ .

١٢١

وفي هذا نوع إعداد لإمامة من يليه من الأئمةعليهم‌السلام الذين يتولّون الإمامة وهم في مرحلة الصبا خلافاً لما اعتاده الناس في الحياة .

وقد كانت إمامة ابنه الهاديعليه‌السلام ثاني مصداق لهذا الحدث الفريد الذي سوف لا يكون في تلك الغرابة ، بل سوف يعطي للخط الرسالي لأهل البيتعليهم‌السلام زخماً جديداً وفاعلية كبيرة ؛ إذ يحظى أتباعهم بمثل هذه النماذج الفريدة من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

والإمام المهدي الذي كان يتمّ التمهيد لولادته وإمامته ، رغم مراقبة الطغاة وترقّبهم لذلك ، كان المصداق الثالث للإمامة المبكّرة ، فلا غرابة في ذلك بعد استيناس الأمة بنموذجين من هذا النوع من الإمامة ، على الصعيد الإسلامي العام وعلى الصعيد الشيعي الخاص .

من هنا كان الظرف الذي يحيط بالإمام الهاديعليه‌السلام ظرفاً انتقالياً من مرحلة الإمامة الظاهرة إلى الإمامة الغائبة التي يُراد لها أن تدبّر الأمر ومن وراء الستار ويراد للأُمّة أن تنفتح على هذا الإمام وتعتقد به وتتفاعل معه رغم حراجة الظروف .

فهو الظرف الوحيد لإعداد الأمة لاستقبال الظرف الجديد ولا سيّما إذا عرفنا أنّ الإمام الهادي هو السابع من تسعة أئمة من أبناء الحسين ، والمهدي الموعود هو التاسع منهم وهو الذي مهّد لولادة حفيده من خلال ما خطط له من زواج خاص لولده الحسن العسكري دون أي إعلان عن ذلك ، فلا توجد إلاّ مسافة زمنية قصيرة جداً ينبغي له اغتنامها للإعداد اللازم والشامل .

إذن ما أقلّ الفرص المتاحة للإمام الهاديعليه‌السلام للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنّه لابد له أن يجمع بين الدقّة والحذر من جهة ، والإبلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام ويعمّق للأمة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين ولا أقل من إتمام الحجّة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعهعليه‌السلام .

١٢٢

ومن هنا كان على الإمام الهاديعليه‌السلام تحقيقاً للأهداف الكبرى أن يتجنب كل إثارة أو سوء ظن قد يوجّه له من قِبل الحكّام المتربّصين له ولأبنائه من أجل أن يقوم بإنجاز الدور المرتقب منه وهو تحقيق همزة الوصل الحقيقية بين ما حقّقه الأئمة الطاهرون من آبائه الكرام وما سوف ينبغي تحقيقه بواسطة ابنه وحفيدهعليهما‌السلام ؛ ولهذا لم يُمهل الإمام الحسن العسكري سوى ست سنين فقط وهي أقصر عمر للإمامة في تاريخ أهل البيتعليهم‌السلام إذ دامت إمامة الإمام عليعليه‌السلام ثلاثين سنة ، والإمام الحسن السبط عشر سنين ، والإمام الحسين عشرين سنة ، والإمام زين العابدين خمساً أو أربعاً وثلاثين سنة .

والإمام الباقر تسع عشرة سنة ، والإمام الصادق أربعاً وثلاثين سنة ، والإمام الكاظم خمساً وثلاثين سنة ، والإمام الرضا عشرين سنة ، والإمام الجواد رغم قصر عمره كانت إمامته سبع عشرة سنة ، والإمام الهادي أربعاً وثلاثين سنة .

وتأتي في هذا السياق كل الإجراءات التي قام بها الإمام الهاديعليه‌السلام من الحضور الرتيب في دار الخلافة وما حظي به من مقام رفيع عند جميع الأصناف والطبقات بدءاً بالأُمراء والوزراء وقادة الجيش والكتّاب وعامّة المرتبطين بالبلاط ـ كما سوف يأتي توضيحه فيما بعد إن شاء الله تعالى ـ وهكذا كل ما قام به بالنسبة للجماعة الصالحة ، التي سوف نفصّل الحديث عنها في فصل لاحق إن شاء الله تعالى .

متطلّبات الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهاديعليه‌السلام

١ ـ ترك مقارعة الحاكمين وتجنّب إثارتهم .

٢ ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية .

٣ ـ التحدّي العلمي للسلطة وعلمائها .

٤ ـ توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة .

١ ـ تجنّب إثارة الحكّام وعمّالهم

اتّسم سلوك الإمام الهاديعليه‌السلام طوال فترة إمامته بالتجنّب من أيّة إثارة للسلطة بدءاً بما فرض عليه من مُؤدّب يتولّى أمره ، ثم الاستجابة لدعوة المتوكل واستقدامه إلى سامراء وفسح المجال للتفتيش الذي قد تكرّر في المدينة وسامراء ، بل تعدّى ذلك إلى

١٢٣

تطمين المتوكل بأنّ الإمامعليه‌السلام لا يقصد الثورة عليه حين استعرض المتوكل قوّاته وقدرته العسكرية وأحضر الإمام في هذا الاستعراض ليطلعه على ما يملكه من قوّة لئلاّ يفكّر واحد من أهل بيتهعليهم‌السلام بالخروج على الخليفة وإذا بالإمام الهاديعليه‌السلام يجيبه بأنّا لا نناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظن(١) .

ولم يحصل المتوكل على أيّ مستمسك ضدّ الإمام بالرغم من التفتيش المفاجئ والمتكرّر .

وقد لاحظنا كيف يتجنّب الإمامعليه‌السلام مثل هذه الإثارات إلى جانب تقديمه للنصح والإرشاد والموعظة للمتوكل .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥٠/١٥٥ .

١٢٤

روى ابن شهرآشوب بإسناده عن أبي محمد الفحّام أنّه قال : سأل المتوكل ابن الجهم مَن أشعر الناس ؟ فذكر الجاهلية والإسلام ثم أنّه سأل أبا الحسنعليه‌السلام ، فقالعليه‌السلام الحمّاني حيث يقول :

لقد فاخرتنا من قريش عصابة

بمدّ خدود وامتداد أصابع

فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا

عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتاً والشّهيد بفضلنا

عليهم جهير الصوت في كل جامع

فإنّ رسول الله أحمد جدّنا

ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال : وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟

قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله جدّي أم جدّك ؟

فضحك المتوكل ثم قال : هو جدّك لا ندفعك عنه(١) .

ولم يبخل الإمام الهاديعليه‌السلام بالإجابة العلمية فيما كان يشكل عليهم أمره كما لاحظنا ، بل تعدّى ذلك الى وصف دواء ناجع لداء عدوّه المتوكل حين أيس من معالجات أطبّائه بالرغم من تظاهره بالعداء للعلويين (٢) .

٢ ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية

وقد لاحظنا في عصر الإمامعليه‌السلام ما امتحنت به الأمة الإسلامية بما عرف بمحنة خلق القرآن ، والإثارات المستمرّة حول الجبر والتفويض والاختيار .

وكانت للإمام الهاديعليه‌السلام مساهمات جادّة في كيفية معالجة الموقف بشكل ذكي ، والرسالة التي أُثيرت عن الإمام الهاديعليه‌السلام لأهل الأهواز

ــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي : ٢٨٧ ح ٥٥٧ ومناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٨ .

(٢) راجع الكافي : ١/٤٩٩ .

١٢٥

تضمّنت ردّاً علمياً تفصيلياً على شبهة الجبر والتفويض ، بل تضمّنت بيان منهج بديع سلكه الإمام عليه‌السلام في مقام الرد وحيث كان الغلو والتصرّف من الظواهر المنحرفة في المجتمع الإسلامي ، فقد واجههما الإمام الهادي عليه‌السلام بالشكل المناسب مع هاتين الظاهرتين (١) .

٣ ـ التحدّي العلمي للسلطة وعلمائها

لقد كان الاختبار العلمي لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام أقصر طريق للحكام لمعرفة ما هم عليه من الجدارة العلمية التي هي أحدى مقوّمات الإمامة وهو في نفس الوقت أقصر طريق لأهل البيتعليهم‌السلام للتألّق العلمي في المجتمع الإسلامي .

ومن هنا كانت السلطة بعد إجراء أيّ اختبار علمي تحاول التعتيم عليه لئلاّ يستفيد أتباع أهل البيتعليهم‌السلام من هذه الورقة المهمّة ضدّ السلطة الحاكمة .

ولكن المصادر التاريخية قد حفظت لنا نصوص هذه الاختبارات وفيها ما يدلّ على الرّد القاطع من أهل البيتعليهم‌السلام على جميع التحدّيات العلمية التي خطّطت لهم وانتصارهم في هذا الميدان الذي كان يعيد لهم مرجعيّتهم الدينية في الأمة الإسلامية .

وإليك نموذجاً من هذا الاختبار الذي أجراه ابن الأكثم في عصر المتوكل ثم حاول التعتيم عليه .

فقد روى ابن شهر آشوب أنّه : قال المتوكل لابن السكّيت اسأل ابن الرّضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله ، فقال : لم بعث الله موسى بالعصا ، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وبعث محمّداً بالقرآن والسّيف ؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام : بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السّحر ، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجّة عليهم ، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطّب فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم .

ــــــــــــــ

(١) راجع الفصل الثالث من الباب الأول مبحث ( التحذير من مجادلة الصوفيين ) وراجع أيضاً مبحث ( الإمام والغلاة ) في الفصل الثاني من الباب الرابع .

١٢٦

وبعث محمّداً بالقرآن في زمان الغالب على أهله السّيف والشّعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسّيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجّة عليهم ، فقال ابن السّكيت : فما الحجّة الآن ؟ قال :العقل ، يعرف به الكاذب على الله فيكذّب .

فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السّكيت ومناظرته ؟! وإنّما هو صاحب نحو وشعر ولغة ، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى عليّ بن محمدعليهما‌السلام على ابن السّكيت جوابها(١) .

وجاء في رواية أخرى أنّ هذه الأسئلة قد كتبها ابن الأكثم لموسى بن محمد بن الرضا ، ومن الواضح أنّ المقصود بها هو الإمام الهاديعليه‌السلام بلاريب ؛ ولهذا جاء بها أخوه موسى إليه فأجاب عنها الإمامعليه‌السلام ، وإليك نصّ الرواية :

عن موسى بن محمد بن الرضا قال : لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة فسألني عن مسائل ، فجئت إلى أخي علي بن محمدعليهما‌السلام فدار بيني وبينه من المواعظ ما حمّلني وبصّرني طاعته ، فقلت له : جُعلت فداك إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحكعليه‌السلام ثم قال :وما هي ؟

ــــــــــــــ

(١) مسند الإمام الهادي عليه‌السلام : ٢٥ .

١٢٧

قلت :

كتب يسألني عن قول الله :( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (١) نبي الله كان محتاجاً إلى علم آصف ؟

وعن قوله :( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) (٢) سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء ؟

وعن قوله :( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ) (٣) ، مَن المخاطب بالآية ؟ فإن كان المخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد شكّ ، وإن كان المخاطب غيره ، فعلى مَن إذن أُنزل الكتاب .

وعن قوله :( وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ ) (٤) ما هذه الأبحر ؟ وأين هي ؟

وعن قوله :( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ) (٥) فاشتهت نفس آدمعليه‌السلام أكل البر فأكل وأطعم وفيها ما تشتهي الأنفس ، فكيف عُوقب ؟

وعن قوله( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً ) (٦) يزوّج الله عباده الذكران وقد عُوقب قوم فعلوا ذلك ؟

وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله :( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٧) ؟

ــــــــــــــ

(١) النمل (٢٧) : ٤٠ .

(٢) يوسف (١٢) : ١٠٠ .

(٣) يونس (١٠) : ٩٤ .

(٤) لقمان : (٣١) : ٢٧ .

(٥) الزخرف (٤٣) : ٧١ .

(٦) الشورى (٤٢) : ٥٠ .

(٧) الطلاق (٦٥) : ٢ .

١٢٨

وعن الخنثى ، وقول عليعليه‌السلام : يورث من المبال ، فمَن ينظر ـ إذا بال ـ إليه ؟ مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلاً وقد نظرت إليه النساء ، وهذا ما لا يحل وشهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل .

وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها ، فدخلت بين الغنم كيف تذبح ؟ وهل يجوز أكلها أم لا ؟

وعن صلاة الفجر لِمَ يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار ؟ وإنّما يجهر في صلاة الليل .

وعن قول عليعليه‌السلام لابن جرموز : بشّر قاتل ابن صفية بالنار ، فلِمَ لم يقتله وهو إمام ؟!

وأخبرني عن عليعليه‌السلام لم قتل أهل صفّين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجاز على الجرحى ؟ وكان حكمه يوم الجمل أنّه لم يقتل مولّياً ولم يجهز على جريح ولم يأمر بذلك ، وقال مَن دخل داره فهو آمن ، ومَن ألقى سلاحه فهو آمن لِمَ فعل ذلك ؟ فإن كان الحكم الأوّل صواباً فالثاني خطأ وأخبرني عن رجل أقرّ باللواط على نفسه أيحد أم يدرأ عنه الحد ؟

قالعليه‌السلام : اكتب إليه : قلت : وما اكتب ؟ قالعليه‌السلام : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأنت فألهمك الله الرشد ، أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنّتك لتجد إلى الطعن سبيلاً إن قصرنا فيها والله يكافيك على نيّتك ، وقد شرحنا مسائلك فاصغ إليها سمعك وذلّل لها فهمك ، واشغل بها قلبك ، فقد لزمتك الحجّة والسلام سألت عن قول الله عزّ وجل :( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ) فهو آصف بن برخيا ، ولم يعجز سليمانعليه‌السلام عن معرفة ما عرف آصف لكنّه صلوات الله عليه أحب أن يعرّف أُمّته من الجن والإنس أنّه الحجّة من بعده ، وذلك من علم سليمانعليه‌السلام أودعه عند آصف بأمر الله ، ففهّمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته ، كما فهّم سليمانعليه‌السلام في حياة داودعليه‌السلام لتعرف نبوّته وإمامته من بعد لتأكّد الحجّة على الخلق .

١٢٩

وأمّا سجود يعقوبعليه‌السلام وولده كان طاعة لله ومحبّة ليوسفعليه‌السلام ، كما أنّ السجود من الملائكة لآدمعليه‌السلام لم يكن لآدمعليه‌السلام وإنّما كان ذلك طاعة لله ومحبّة منهم لآدمعليه‌السلام ، فسجود يعقوب وولده ويوسفعليه‌السلام معهم كان شكراً لله باجتماع شملهم ، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت :( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ـ إلى آخر الآية ـ) (١) .

وأمّا قوله :( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ) فإنّ المخاطب به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن في شكّ ممّا انزل إليه ولكن قالت الجهلة كيف لم يبعث الله نبياً من الملائكة إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق ؟! فأوحى الله إلى نبيه ، ( فسئل الذين يقرءون الكتاب ) بمحضر الجهلة ، هل بعث الله رسولاً قبلك إلاّ هو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أُسوة ، وإنّما قال : فإن كنت في شكّ ولم يكن شكّ ولكن للمنفعة كما قال :( تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) .

ولو قال ( عليكم ) لم يجيبوا إلى المباهلة ، وقد علم الله أنّ نبيّه يؤدّي عنه رسالته وما هو من الكاذبين ، فكذلك عرف النبي أنّه صادق فيما يقول ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه .

وأمّا قوله :( وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ

ــــــــــــــ

(١) يوسف (١٢) : ١٠٢ .

(٢) آل عمران (٣) : ٦١ .

١٣٠

مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ ) .

فهو كذلك لو أنّ أشجار الدنيا أقلام والبحر يمدّه سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيوناً لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله وهي عين الكبريت وعين التمر وعين الـ ( برهوت ) وعين طبرية وحمّة ماسبندان وحمّة افريقية يدعى لسان وعين بحرون ، ونحن كلمات الله لا تنفد ولا تُدرك فضائلنا .

وأمّا الجنّة فإنّ فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأباح الله ذلك كلّه لآدمعليه‌السلام والشجرة التي نهى الله عنها آدمعليه‌السلام وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظرا إلى مَن فضّل الله على خلائقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم يجد له عزماً .

وأمّا قوله :( أو يزوّجهم ذكراناً واناثاً ) أي يولد له ذكور ويولد له إناث يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج ، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبّست به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم ،( ... ومَن يفعل ذلك يلقَ اثاماً * يضاعفْ له العذاب يوم القيامة ويَخْلُدْ فيه مهاناً ) (١) إن لم يتب .

وأمّا شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا ، فإن لم يكن رضى فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة ؛ لأنّ الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها ، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها .

وأمّا قول عليعليه‌السلام في الخنثى فهي كما قال : ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه .

وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها

ــــــــــــــ

(١) الفرقان (٢٥) : ٦٨ ـ ٦٩ .

١٣١

ذُبحت وأُحرقت ونجا سائر الغنم .

وأمّا صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يغلس بها فقراءتها من الليل .

وأمّا قول عليعليه‌السلام : بشّر قاتل ابن صفية بالنار فهو لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ممّن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنينعليه‌السلام بالبصرة ؛ لأنّه علم أنّه يُقتل في فتنة نهروان .

وأمّا قولك : إنّ عليّاًعليه‌السلام قتل أهل صفّين مُقبلين ومُدبرين وأجاز على جريحهم وأنّه يوم الجمل لم يتبع مولّياً ولم يجهز على جريح ومَن ألقى سلاحه آمنه ومَن دخل داره آمنه ، فإنّ أهل الجمل قتل امامهم ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها وإنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا متنابذين ، رضوا بالكف عنهم فكان الحكم فيها رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم ؛ إذ لم يطلبوا عليه أعواناً .

وأهل صفّين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدّة وإمام يجمع لهم السلاح : الدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء ، يهيّئ لهم الأنزال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم فلم يساوِ بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتل أهل التوحيد لكنّه شرح ذلك لهم ، فمَن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك .

وأمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم تقم عليه بيّنة وإنّما تطوع بالإقرار من نفسه وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمنّ عن الله ، أمّا ما سمعت قول الله : ( هذا عطاؤنا ) ، قد انبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم ذلك(١) .

وقد أوضحت هذه الرواية الموقع العلمي للإمامعليه‌السلام ومدى تحدّيه لعلماء عصره

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٣٥٢ .

١٣٢

ولاسيّما علماء البلاط الذين لا يروق لهم مثل هذا التحدّي .

ولهذا قال ابن أكثم للمتوكل بعد ما قرأ هذه الأجوبة : ما نحب أن نسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه ، وأنّه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها وفي ظهور علمه تقوية للرافضة(١) .

٤ ـ توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة

إنّ النفوذ الذي نجده للإمام الهاديعليه‌السلام هو النفوذ المعنوي على عامّة رجال السلطة بما فيهم مَن لا يدين بالولاية لأهل البيتعليهم‌السلام .

وقد كانت أساليب الإمامعليه‌السلام في هذا المجال متنوّعة وواسعة فإنّه كان مطالباً بالحضور في دار الخلافة بشكل مستمر .

ومن هنا كان التعرّف على شخص الإمامعليه‌السلام وهديه وسكونه واتّزانه أمراً طبيعياً وفّر له هذه الفرصة والتي لم يلتفت الحكّام إلى مدى تبعاتها وآثارها التي تركتها في الساحة الإسلامية العامة وروّاد البلاط بشكل خاص .

وقد كانت للإمامعليه‌السلام كرامات شتّى كلّما دخل وخرج من دار الخلافة .

وقد قال أحد ندماء المتوكل للمتوكل : ما يعمل أحد بك أكثر ممّا تعمله بنفسك في علي بن محمد ، فلا يبقى في الدار إلاّ مَن يخدمه ولا يتبعونه بشيل ستر ولا فتح باب ولا شيء ، وهذا إذا علمه الناس قالوا : لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا ، دعه إذا دخل عليه يشيل الستر لنفسه ويمشي كما يمشي غيره فيمسّه بعض الجفوة .

فتقدم ألاّ يخدم ولا يشال بين يديه ستر ، وكان المتوكل ما رأى أحداً ممّن يهتم بالخبر مثله .

قال : فكتب صاحب الخبر إليه : أنّ علي بن محمد

ــــــــــــــ

(١) المناقب : ٣/٤٤٣ .

١٣٣

دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه ستر فهبّ هواء رفع الستر له فدخل .

فقال : اعرفوا حين خروجه ، فذكر صاحب الخبر أنّ هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتى خرج ، فقال : ليس نريد هواء يشيل الستر ، شيلوا الستر بين يديه(١) .

كما نجد جملة من الكتّاب والحجّاب والعيون وحتى السجّان ، فضلاً عن بعض القادة والأُمراء كانوا يدينون بالولاء والحبّ الخاص للإمام الهاديعليه‌السلام ، وقد رأينا في قصّة مرض المتوكل ونذر أُمّه للإمام الهاديعليه‌السلام (٢) ما يدل دلالة واضحة على مدى نفوذ الإمامعليه‌السلام في هذه الأوساط ، بينما كان المتوكّل قد خطّط لإبعاد الإمام عن شيعته ومحبّيه وإذا بالإمامعليه‌السلام يكتسح نفوذه المعنوي أرباب البلاط ويستبصر على يديه مجموعة ممّن لم يكن يعرف الإمامعليه‌السلام أو لم يكن ليواليه ، وكان الإمامعليه‌السلام يستفيد من هؤلاء في تحرّكه وارتباطاته التي خطّط الحكّام لمراقبتها أو قطعها وإبعاد الإمامعليه‌السلام عن قواعده وعن الوسط الاجتماعي الذي يريد أن يتحرّك فيه .

ــــــــــــــ

(١) مسند الإمام الهاديعليه‌السلام : ٣٩ .

(٢) راجع مبحث تفتيش دار الإمامعليه‌السلام في حكم المتوكلّ .

١٣٤

الفصل الثاني : الإمام الهاديعليه‌السلام وتكامل بناء الجماعة الصالحة وتحصينها

١ ـ الإمام الهاديعليه‌السلام وقضيّة حفيده المهديعليه‌السلام

عرفنا أنّ قضية الإمام المهديعليه‌السلام في عصر الإمام الهاديعليه‌السلام تُعدّ قضية أساسية للمسلمين بشكل عام ، ولأتباع أهل البيتعليهم‌السلام بشكل خاص ، والظروف التي كانت تحيط بالإمام الهاديعليه‌السلام كانت تزداد حراجة كلّما اقتربت أيّام ولادة الإمام المهديعليه‌السلام وغيبته .

ولابد أن نبحث عن هذه القضية في محورين : الأول منهما خاص بالإمام المهديعليه‌السلام ، والثاني منهما يرتبط بأتباعه وشيعته .

أمّا المحور الأول ، فالإمام الهاديعليه‌السلام مسؤول عن ترتيب التمهيدات اللازمة لولادة الإمام المهديعليه‌السلام بحيث يطّلع الأعداء عليها وهم يراقبون بدقّة كل تصرّفات الإمام الهادي ونشاط ابنه الحسن العسكريعليهما‌السلام .

وتشير النصوص إلى كيفية تدخّل الإمام الهاديعليه‌السلام لاختيار زوجة صالحة للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بحيث تقوم بالدور المطلوب منها في إخفاء ولادة ابنها المنتظر(١) .

وقد تظافرت نصوص الإمام الهاديعليه‌السلام على أنّ المهدي الذي ينتظر هو حفيده وولد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وأنّه الذي يولد خفية ويقول الناس عنه إنّه لم يولد بعد ، وإنّه الذي لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه .

ــــــــــــــ

(١) راجع القصّة في كمال الدين : ٤١٧ ، ومسند الإمام الهادي عليه‌السلام : ٩٨ ـ ١٠٤ .

١٣٥

وهكذا ، وتضمّنت هذه النصوص جملة من التعليمات الكفيلة بتحقيق غطاء ينسجم مع مهمّة الاختفاء والغيبة من قِبل الإمام المهديعليه‌السلام .

ومن أجل تحقيق عنصر الارتباط بالإمام في مرحلة الغيبة الأولى والتي تُعرف بالصغرى عمل الإمام على ربط شيعته ببعض وكلائه بشكل خاص وجعله حلقة الوصل بعد كسب ثقة شيعته بهذا الوكيل الذي تولّى مهمّة الوكالة للإمام الهادي والعسكري والمهديعليهم‌السلام معاً ؛ وبذلك يكون قد مهّد لسفارة أوّل سفراء الإمام المهديعليه‌السلام من دون حدوث مضاعفات خاصة ؛ لأنّ أتباع أهل البيتعليهم‌السلام قد اعتادوا على الارتباط بالإمام المعصوم من خلاله .

وإليك نصوص الإمام الهاديعليه‌السلام حول قضيّة الإمام المهديعليه‌السلام :

١ ـ الكليني ، عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام قال :إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم .

٢ ـ الصدوق قال : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى الدقّاق ، وعليّ بن عبد الله الورّاق رضي الله عنهما قالا : حدّثنا محمد بن هارون الصوفي قال : حدثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الرّوياني ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : دخلت على سيدي علي بن محمدعليهما‌السلام فلمّا بصر بي قال لي :مرحباً بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّاً قال : فقلت له : يا بن رسول الله إنّي أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عزّ وجل .

فقال :هات يا أبا القاسم ، فقلت : إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى واحد ، ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وإنّه ليس بجسم ولا صورة ، وعرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ، ومصوّر الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإنّ محمداً صلّى الله عليه وآله عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، وإن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة .

١٣٦

وأقول : إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا مولاي ، فقالعليه‌السلام :ومن بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلق من بعده ؟ قال : قلت : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال :لأنّه لا يرى شخصه ، ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً .

قال : فقلت : أقررت وأقول : إنّ وليّهم ولي الله ، وعدوّهم عدوّ الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله .

وأقول : إنّ المعراج حقٌّ ، والمساءلة في القبر حقٌّ ، وإنّ الجنة حقٌّ ، والنار حقٌّ ، والميزان حقٌّ ،( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

فقال علي بن محمدعليهما‌السلام :يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و ( في )الآخرة (١) .

٣ ـ عنه قال : حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عمر الكاتب ، عن عليّ بن محمد الصيمريّ ، عن علي بن

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٧٩ .

١٣٧

مهزيار قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام اسأله عن الفرج ، فكتب إليّ :إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج (١) .

٤ ـ عنه قال : حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثني إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن عليّ بن محمد بن زياد قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام اسأله عن الفرج ، فكتب إليّ :إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج (٢) .

٥ ـ عنه قال : حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي غانم القزويني قال : حدثني إبراهيم بن محمد بن فارس قال : كنت أنا[ ونوح ] وأيوب بن نوح في طريق مكة فنزلنا على وادي زبالة فجلسنا نتحدّث فجرى ذكر ما نحن فيه وبعد الأمر علينا فقال أيوب بن نوح : كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا ، فكتب إليّ :إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم (٣) .

٦ ـ عن أبي جعفر محمد بن أحمد العلوي عن أبي هاشم الجعفري قال : سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول :الخلف بعدي ابني الحسن فكيف بالخلف بعد الخلف ؟! فقلت : ولم ، جعلني الله فداك ؟ قال :إنّكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، قلت : فكيف نذكره ؟ فقال :قولوا الحجّة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) .

٧ ـ عن الصقر بن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضاعليهم‌السلام يقول :الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٨٠ .

(٢) كمال الدين : ٣٨١ .

(٣) كمال الدين : ٣٨١ .

(٤) إثبات الوصية : ٢٠٨ .

١٣٨

الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً(١) .

٨ ـ روى علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن علي بن صدقة ، عن علي بن عبد الغفار قال : لمّا مات أبو جعفر الثاني كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر يسألونه عن الآخر فكتبعليه‌السلام :الأمر بي ما دمت حيّاً فإذا نزلت بي مقادير الله تبارك وتعالى أتاكم الخلف منّي ، فأنّى لكم بالخلف بعد الخلف ؟!

٩ ـ وروى إسحاق بن محمد بن أيوب قال : سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول :صاحب هذا الأمر مَن يقول الناس لم يولد بعد (٢) .

وأمّا المحور الثاني فهو الأعداد النفسي وتحقيق الاستعداد الواقعي لدور غيبة الإمام المهديعليه‌السلام من قِبل شيعة الإمامعليه‌السلام .

وقد حقّق الإمام هذا الاستعداد وأخرجه من عالم القوّة إلى عالم الفعلية بما خطّطه لشيعته من تعويدهم على الاحتجاب عنهم ، والارتباط بهم من خلال وكلائه ونوّابه ، وتوعيتهم على الوضع المستقبلي ؛ لئلاّ يُفاجأوا بما سيطر عليهم من ظروف جديدة لم يألفوها من ذي قبل .

وكان للإمام الهاديعليه‌السلام أسلوب خاص لطرح إمامة ابنه الحسن العسكريعليه‌السلام بما يتناسب مع مهمّته المستقبلية في الحفاظ على حجّة الله ووليّه الذي سيولد في ظرف حرج جدّاً ؛ ليتسنّى لأتباعه الانقياد للإمام من بعده والتسليم له فيما سيخبر به من وقوع الولادة وتحقّق الغيبة وتحقّق الارتباط به عبر سفيره الذي تعرّفت عليه الشيعة ووثقت به .

ولهذا تفنّن الإمام الهاديعليه‌السلام في كيفية طرح إمامة الحسنعليه‌السلام وزمن طرح ذلك وكيفيّة الإشهاد عليه .

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٨٣ ح ١٠ وعنه في إعلام الورى : ٢/٢٤٧ .

(٢) إعلام الورى : ٢/٢٤٧ الحديث الأخير وقبله .

١٣٩

ومنه يبدو أنّ التعتيم الإعلامي حتى على إمامة الحسن العسكريعليه‌السلام كان مقصوداً للإمام الهاديعليه‌السلام ، فتارة ينفي إمامة غيره وأخرى يكنّيه وثالثة يصفه ببعض الصفات التي قد توهم إرادة غيره في بادئ النظر وترشد إليه في نهاية المطاف كما ورد عنه أنّ هذا الأمر في الكبير من ولدي .

حيث إنّ الكبير هو ( محمد ) المكنّى بأبي جعفر غير أنّه قد مات في حياة والده فلم يكن الكبير سوى الحسنعليه‌السلام .

وإليك جملة من هذه النصوص التي يمكن تصنيفها بحسب تسلسلها الزمني إلى ما صدر من الإمام الهاديعليه‌السلام قبل وفاة أبي جعفر ، وما صدر حين وفاته ، وما صدر بعدها ، وما صدر منه قُبيل استشهاد الإمام الهاديعليه‌السلام .

ويكفي الاطلاع عليها بتسلسلها التاريخي لنطمئن بتخطيط الإمام الهاديعليه‌السلام من أجل تحصين الجماعة الصالحة من كل إبهام أو تشكيك أو فراغ عقائدي أو انهيار ، بعد إيضاح الحق وتبلّجه لأهله الذين عرفوا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إمّا ظاهر مشهور أو خائف مستور .

وإليك هذه النصوص كالآتي :

١ ـ عن علي بن عمرو العطار قال : دخلت على أبي الحسن العسكريعليه‌السلام وأبو جعفر ابنه في الاحياء ، وأنا أظن أنّه هو فقلت : جُعلت فداك مَن أخصّ من ولدك ؟ فقال :لا تخصّوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري .

قال : فكتبت إليه بعد : فيمَن يكون هذا الأمر ؟ قال : فكتب إليّ :في الكبير من ولدي (١) .

ولا تعني إشارة الإمام إلى ولده أبي جعفر فهو يعلم أنّه سيمضي في حياته وسيكون الكبير أبا محمد العسكريعليه‌السلام وهو المؤهّل لها دون غيره من إخوته .

ــــــــــــــ

(١) أُصول الكافي : ١ / ٣٢٦ ح ٧ .

١٤٠