اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)0%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 221
المشاهدات: 116438
تحميل: 6330

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116438 / تحميل: 6330
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢ ـ وعن علي بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسنعليه‌السلام في صحن داره فمرّ محمد ابنه فقلت له جُعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال :لا ، صاحبكم بعدي الحسن (١) .

٣ ـ عن إسحاق بن محمد عن محمد بن يحيى بن رئاب قال : حدثني أبو بكر الفهفكي قال : كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام أسأله عن مسائل فلمّا نفذ الكتاب قلت في نفسي : إنّي كتبت فيما كتب أسأله عن الخلف من بعده وذلك بعد مضي محمد ابنه فأجابني عن مسائلي :وكنت أردت أن تسألني عن الخلف ، أبو محمد ابني اصح آل محمد صلّى الله عليه وآله غريزة وأوثقهم عقيدة بعدي وهو الأكبر من ولدي إليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها فما كنت سائلاً عنه فسله فعنده علم ما يحتاج إليه والحمد لله (٢) .

٤ ـ عن علان الكلابي عن إسحاق بن إسماعيل النيشابوري قال حدثني شاهويه بن عبد الله الجلاب قال : كنت رويت دلائل كثيرة عن أبي الحسنعليه‌السلام في ابنه محمد فلمّا مضى بقيت متحيّراً وخفت أن أكتب في ذلك فلا أدري ما يكون فكتبت اسأل الدعاء ، فخرج الجواب بالدعاء لي وفي آخر الكتاب :أردت أن تسأل عن الخلف وقلقت لذلك فلا تغتم فإنّ الله عزّ وجلّ لا يضل قوماً بعد أن هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون ، وصاحبك بعدي أبو محمد ابني عنده علم ما تحتاجون إليه يقدّم الله ما يشاء ويؤخّر ما يشاء قد كتبت بما فيه تبيان لذي لبٍّ يقظان (٣) .

٥ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا الصقر ابن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضاعليه‌السلام يقول : إنّ الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ٣٢٥ ح ٢ .

(٢) إثبات الوصية : ٢٠٨ .

(٣) إثبات الوصية : ٢٠٩ .

١٤١

قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً (١) .

٦ ـ عن علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن يحيى بن يسار القنبري قال : أوصى أبو الحسنعليه‌السلام إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي (٢) .

٢ ـ تحصين الجماعة الصالحة وإعدادها لمرحلة الغيبة

إنّ هذا الترصين وإكمال البناء الذي نريد الحديث عنه قد قام به الإمام الهاديعليه‌السلام في كل المجالات التي تهمّ الجماعة الصالحة التي سوف تفقد نعمة الارتباط بالإمام المعصومعليه‌السلام في وقت لاحق وقريب جداً .

فلابدّ أن يتكامل بناؤها بحيث تكتفي بما لديها من نصوص وتراث علمي وعلماء بالله تعالى يمارسون مهمّة الريادة الاجتماعية والفكرية والدينية ، ويسهرون على مصالح وشؤون هذه الجماعة ؛ لتستمر في مسيرتها التكاملية باتجاه الأهداف الرسالية المرسومة لها .

ونلخّص هذا التحصين في المجالات التالية :

أ : التحصين العقائدي .

ب : التحصين العلمي .

ج : التحصين التربوي .

د : التحصين الأمني .

هـ : التحصين الاقتصادي

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٨٢ ح ٨ وعنه في إعلام الورى : ٢/ ٢٤٧ .

(٢) أصول الكافي : ١ / ٣٢٥ ح ١ ب النصّ على إمامة أبي محمدعليه‌السلام .

١٤٢

التحصين العقائدي

تمثَّلَ التحصين العقائدي الذي مارسه الإمامعليه‌السلام في تبيان وشرح وتعميق المفاهيم العقائدية بشكل خاص والدينية بشكل عام .

كما تمثّل في دفع الشبهات والإثارات الفكرية التي كانت تتداولها المدارس الفكرية آنذاك .

والنصوص التي أُثرت عن الإمامعليه‌السلام حول الرؤية والجبر والاختيار والتفويض والرد على الشبهات المثارة حول آيات القرآن الكريم تفيد تصدّي الإمامعليه‌السلام لهذا التحصين العقائدي في الساحة الإسلامية العامة والخاصة معاً .

ولم يكتف الإمامعليه‌السلام بالردّ على الشبهات العامة بل تصدّى للردّ الخاص على ما كان يُثار من تساؤلات خاصة تعرض لأفراد من أتباعه أو ممّن كان يتوسّم فيهم الإمامعليه‌السلام الانقياد للحق كبعض الواقفة الذين اهتدوا بفضل توجيهات الإمامعليه‌السلام .

قال علي بن مهزيار : وردت العسكر وأنا شاكّ في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم الربيع إلاّ أنّه صائف والناس عليهم ثبات الصيف وعلى أبي الحسن لباد وعلى فرسه تجفاف لبود وقد عقد ذنب الفرس ، والناس يتعجّبون منه ويقولون ألا ترون هذا المدني ما قد فعل بنفسه ، فقلت في نفسي : لو كان هذا إماماً ، ما فعل هذا .

فلمّا خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلاّ ابتلّ حتى غرق بالمطر وعادعليه‌السلام وهو سالم من جميعه ، فقلت في نفسي : يوشك أن يكون هو الإمام ، ثم قلت : أُريد أن اسأله عن الجنب إذا غرق في الثوب فقلت في نفسي : إن كشف وجهه فهو الإمام.

فلمّا قرب منّي كشف وجهه ثم قال : إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه ، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس .

١٤٣

فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة(١) .

وروى هبة الله ابن أبي منصور الموصلي أنّه كان بديار ربيعة كاتب نصراني وكان من أهل كفرتوثا يسمّى يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين والدي صداقة ، قال : فوافى فنزل عند والدي فقال له : ما شأنك قدمت في هذا الوقت ؟ قال : دعيت إلى حضرة المتوكّل ولا أدري ما يراد منّي إلاّ أنّي اشتريت نفسي من الله بمائة دينار ، وقد حملتها لعلي بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام معي فقال له والدي : قد وفّقت في هذا .

قال : وخرج إلى حضرة المتوكّل وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحاً مستبشراً فقال له والدي : حدثني حديثك ، قال : صرت إلى سرّ مَن رأى وما دخلتها قطّ فنزلت في دار وقلت أُحبّ أن أُوصل المائة إلى ابن الرضاعليه‌السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل وقبل أن يعرف أحد قدومي ، قال : فعرفت أنّ المتوكل قد منعه من الركوب وأنّه ملازم لداره ، فقلت : كيف أصنع ؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا ؟ لا آمن أن يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما أُحاذره .

قال : ففكّرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد ولا أمنعه من حيث يذهب لعلّي أقف على معرفة داره من غير أن اسأل أحداً ، قال : فجعلت الدنانير في كاغذة وجعلتها في كمّي وركبت فكان الحمار يتخرّق الشوارع والأسواق يمرّ حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار ، فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل ، فقلت للغلام : سل لمَن هذه الدار ، فقيل : هذه

ــــــــــــــ

(١) المناقب : ٢/٤٥١ .

١٤٤

دار ابن الرضا ! فقلت : الله أكبر دلالة والله مقنعة .

قال : وإذا خادم أسود قد خرج ، فقال : أنت يوسف بن يعقوب ؟ قلت : نعم .

قال : انزل ، فنزلت فأقعدني في الدّهليز فدخل ، فقلت في نفسي : هذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الغلام اسمي وليس في هذا البلد مَن يعرفني ولا دخلته قط .

قال : فخرج الخادم فقال : مائة دينار التي في كمّك في الكاغذ هاتها ! فناولته إيّاها ، قلت : وهذه ثالثة .

ثم رجع إليّ وقال : ادخل فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده فقال : يا يوسف ما آن لك ؟ فقلت : يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمَن اكتفى .

فقال :هيهات إنّك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان ، وهو من شيعتنا ، يا يوسف إنّ أقواماً يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالكم ، كذبوا والله إنّها لتنفع أمثالك امض فيما وافيت له فإنّك سترى ما تحبّ .

قال : فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت كلّ ما أردت فانصرفت .

قال هبة الله : فلقيت ابنه بعد هذا ـ يعني بعد موت والده ـ والله وهو مسلم حسن التشيّع فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانية ، وأنّه أسلم بعد موت أبيه ، وكان يقول : أنا بشارة مولايعليه‌السلام (١) .

وروى أبو القاسم البغدادي ، عن زرارة قال : أراد المتوكّل : أن يمشي علي ابن محمد بن الرضاعليهم‌السلام يوم السّلام فقال له وزيره : إنّ في هذا شناعة عليك وسوء قالة فلا تفعل ، قال : لا بدّ من هذا .

قال : فإن لم يكن بُدٌّ من هذا فتقدّم بأن يمشي القوّاد والأشراف كلّهم ، حتى لا يظن الناس أنّك قصدته بهذا دون غيره ، ففعل ومشىعليه‌السلام وكان الصيف فوافى الدهليز وقد عرق .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥٠/١٤٢ .

١٤٥

قال : فلقيته فأجلسته في الدهليز ومسحت وجهه بمنديل وقلت : ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك ، فلا تجد عليك في قلبك .

فقال :إيهاً عنك ( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) .

قال زرارة : وكان عندي معلّم يتشيّع وكنت كثيراً أمازحه بالرافضيّ فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت : تعال يا رافضي حتى أُحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم ، قال لي : وما سمعت ؟ فأخبرته بما قال ، فقال : أقول لك فاقبل نصيحتي .

قلت : هاتها ، قال : إن كان عليّ بن محمد قال بما قلت فاحترز واخزن كلّ ما تملكه فإنّ المتوكّل يموت أو يُقتل بعد ثلاثة أيام .

فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يديّ فخرج .

فلمّا خلوت بنفسي ، تفكّرت وقلت : ما يضرّني أن آخذ بالحزم ، فإن كان من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم ، وإن لم يكن لم يضرّني ذلك ، قال : فركبت إلى دار المتوكلّ فأخرجت كل ما كان لي فيها وفرّقت كلّ ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم ، ولم أترك في داري إلاّ حصيراً أقعد عليه .

فلمّا كانت الليلة الرابعة قُتل المتوكل وسلمت أنا ومالي وتشيّعت عند ذلك ، فصرت إليه ، ولزمت خدمته ، وسألته أن يدعو لي وتواليته حق الولاية(١) .

وبإسناده عنه قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سُرّ مَن رأى وأبو الحسن معنا فجعل رجل يعبث ويمزح ولا نرى له إجلالاً ، فاقبل على جعفر وقال : إنّه لا يأكل من هذا الطعام وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عليه عيشه ، فقدمت المائدة فقال : ليس بعد هذا خبر ،وقد بطل قوله فو الله لقد

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥٠/١٤٧ .

١٤٦

غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال : الحق أُمّك فقد وقعت من فوق البيت وهي بالموت ، فقال جعفر : قلت : والله لا وقفت بعد هذا وقطعت عليه (١) .

الموقف من الغلاة والفرق المنحرفة

ويعتبر موقف الإمام الهاديعليه‌السلام الصارم مع الغلاة خطوة من خطوات التحصين العقائدي للجماعة الصالحة وإبعادها من عوامل الانحراف والزيغ العقائدي الذي ينتهي إلى الكفر بالله تعالى أو الشرك به .

ويكمن نشاطهعليه‌السلام في فضح حقيقة هذا الخط المنحرف كما تجلّى في فضح عناصره .

والنصوص التي بأيدينا أشارت إلى أنّ الذين عرفوا بالغلو في عصره هم : أحمد بن هلال العبرطائي البغدادي ، والحسين بن عبيد الله القمّي الذي أُخرج من قم لاتّهامه بالغلو ، ومحمد بن أرومة ، وعلى بن حسكة القمّي ، والقاسم اليقطيني ، والفهري ، والحسن بن محمد بن بابا القمّي ، وفارس بن حاتم القزويني .

وأمّا كيفية تعامل الجماعة الصالحة ، مع هؤلاء فقد بيّنهعليه‌السلام فيما يلي : فعن أحمد بن محمد بن عيسى قال : كتبت إلى الإمام الهاديعليه‌السلام في قوم يتكلّمون ويقرأون أحاديث ينسبونها إليك والى آبائك فيها ما تشمئز منها القلوب ، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأوّلوها فإن رأيت أن تبيّن لنا وأن تمنّ على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من هذه الأقاويل

ــــــــــــــ

(١) الثاقب : ٢١٤ .

١٤٧

التي تصيّرهم إلى العطب والهلاك ؟ والذين ادّعوا هذه الأشياء ، ادعّوا أنّهم أولياء ، ودعوا إلى طاعتهم منهم : علي بن حسكة ، والقاسم اليقطيني ، فما تقول في القبول منهم جميعاً ؟ فكتب الإمام الهادي عليه‌السلام : ( ليس هذا ديننا فاعتزله ) (١) .

ظاهرة الزيارة ودورها في التحصين العقائدي

إنّ ظاهرة الاهتمام بالزيارة لأهل البيتعليهم‌السلام جميعاً أو لآحاد من الأئمةعليهم‌السلام كالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة ، أو زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام هي خطوة مهمة في مجال تعميق الوعي وترسيخ الولاء والانشداد لأهل بيت الرسالةعليهم‌السلام ، وفي هذا التعميق الواعي والانشداد العاطفي تحصين عقائدي واضح تميّز به الإمام الهاديعليه‌السلام .

وحين نقف على جملة المفاهيم التي وردت في هذه الزيارات نلمس بوضوح هذا الخط من التحصين العقائدي فيها .

ولنقف بعض الوقت متأمّلين عند هاتين الزيارتين المأثورتين عن الإمام الهاديعليه‌السلام :

أوّلاً : الزيارة الجامعة الكبيرة

عن موسى بن عمران النخعي قال : قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن

ــــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ٥١٧ ح ٩٩٤ و٩٩٥ .

١٤٨

أبي طالبعليهم‌السلام : علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم فقالعليه‌السلام :قل : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرسالة ، وخزان العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم ، وقادة الأمم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ، ودعائم الأخيار ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وأبواب الإيمان ، وأُمناء الرحمان ، وسلالة النبيّين ، وصفوة المرسلين ، وعترة خيرة ربّ العالمين ، ورحمة الله وبركاته .

وتعتبر هذه الزيارة من المصادر الفكرية المهمّة ومن الوثائق التي نستل منها ملامح التصوّر السليم .

ولذا نشير إلى بعض ما جاء فيها من مفاهيم :

١ ـ اصطفاء أهل البيتعليهم‌السلام

في المقطع الأوّل الذي بدأت به الزيارة حدّد الإمامعليه‌السلام المعاني التالية :

أ ـ إنّ الله اختصّ أهل البيتعليهم‌السلام بكرامته فجعلهم موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي .

ب ـ إنّ هذا الجعل الإلهي نابع من الصفات الكمالية التي يبلغون القمّة فيها كالعلم والحلم والكرم والرحمة .

ج ـ إنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم موضع الرسالة ؛ لأنّ الله قد اختارهم لمنصب القيادة العليا للبشرية فضلاً عن قيادة المسلمين .

٢ ـ حركة أهل البيتعليهم‌السلام

وقال الإمام الهاديعليه‌السلام :( السلام على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وذوي النهى ، وأُولي الحجى ، وكهف الورى ، وورثة الأنبياء ، والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ورحمة الله وبركاته السلام على محال معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحفظة سرّ الله ، وحملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرّية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورحمة الله وبركاته السلام على الدعاة إلى الله ، والأدلاّء على مرضات الله ، والمستقرّين في أمر الله ، والتامّين في محبّة الله ، والمخلصين في توحيد الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه وعباده المكرّمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ورحمة الله وبركاته ) .

١٤٩

وقد دلّ هذا النصّ على ما يلي :

أ ـ في المسيرة البشرية ينفرز دائماً خطّان هما : خطّ الهدى وخطّ الضلالة ولكل من الخطّين قيادته ، وأئمة أهل البيت هم أئمة الهدى ، أمّا غيرهم ممّن يتصدّى للإمامة مخالفاً لخطّ الهدى فهو من أئمة الضلال ؛ فلذلك لا يكون التلقّي إلاّ منهم ولا يكون نهج التحرّك إلاّ نهجهم .

ب ـ أمّا واقع الأئمة فهم ذوو العقول التامّة وكهف الورى وورثة الأنبياء والمثل الأعلى والدعوة الحسنى التي يُحتذى بها .

ج ـ إنّ حركة أهل البيت حركة إسلامية أصيلة ذات جذور ضاربة في الأعماق ، وهي استمرار المسيرة النبوية الراشدة وكل حركة تدّعي المنهج الديني أو الإصلاح الدنيوي ولا تسير على خطاهم فهي منحرفة ؛ فأهل البيتعليهم‌السلام محلّ معرفة الله ، ومساكن بركته ، ومعادن حكمته ، وحفظة سرّه ، وحملة كتابه ، وأوصياء نبيّه .

د ـ إنّ الدعاة مظاهر أصالة أهل البيت في المسيرة الإلهيّة كما يلي :

١ ـ أنّهم الدعاة إلى الله والأدلاّء على مرضاته .

٢ ـ ويتميّزون بالثبات على أمر الله .

٣ ـ كما يتميّزون بالحب التام لله .

٤ ـ والإخلاص في التوحيد .

٥ ـ والإظهار لشعائر الله من أمره ونهيه .

٦ ـ وعدم سبق الله بقول ، والعمل بأمره .

٣ ـ الأُسس الفكريّة للتشيّع

ويمكن أن نحدّد نقاطاً توضح الأُسس الفكرية التي تقوم عليها دعوة أهل البيت ، والتي يجب أن تسير الحركة الشيعية عليها وتلتزم بحدودها من خلال قوله عليه‌السلام : ( السلام على الأئمة الدعاة ، والقادة الهداة ، والسادة الولاة ، والذادة الحماة ، وأهل الذكر ، وأُولي الأمر ، وبقيّة الله وخيرته ، وحزبه وعيبة علمه ، وحجّته وصراطه ، ونوره وبرهانه ورحمة الله وبركاته .

١٥٠

أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له كما شهد الله لنفسه وشهدت له ملائكته وأُولوا العلم من خلقه لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم وأشهد أنّ محمداً عبده المنتخب ورسوله المرتضى أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون .

وأشهد أنّكم الأئمة الراشدون المهديّون المعصومون المكرّمون المقرّبون المتّقون الصادقون المصطفون المطيعون لله القوّامون بأمره العاملون بإرادته الفائزون بكرامته .

اصطفاكم بعلمه وارتضاكم لغيبه واختاركم لسرّه واجتباكم بقدرته وأعزّكم بهداه وخصّكم ببرهانه وانتجبكم لنوره وأيّدكم بروحه ورضيكم خلفاء في أرضه وحججاً على بريّته وأنصاراً لدينه وحفظةً لسرّه وخزنةً لعلمه ومستودعاً لحكمته وتراجمةً لوحيه وأركاناً لتوحيده وشهداء على خلقه وأعلاماً لعباده ومناراً في بلاده وأدلاّء على صراطه .

عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن وطهّركم من الدنس وأَذهب عنكم الرجس وطهّركم تطهيراً .

فعظَّمتم جلاله وأكبرتم شأنه ومجّدتم كرمه وأدمتم ذكره ووكّدتم ميثاقه وأحكمتم عقد طاعته ونصحتم له في السرّ والعلانية ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وبذلتم أنفسكم في مرضاته وصبرتم على الأذى في جنبه وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم في الله حقّ جهاده حتى أعلنتم دعوته وبيّنتم فرائضه وأقمتم حدوده ونشرتم شرايع أحكامه وسننتم سنّته وصرتم في ذلك منه إلى الرضا وسلمتم له القضاء وصدقتم من رسله من مضى ) .

إنّ العناصر الفكرية الأساسية للتشيّع والتي تُستفاد من هذا النص هي :

١ ـ الإيمان بالله وحده لا شريك له .

٢ ـ محمّد عبده المنتخب ورسوله المرتضى .

٣ ـ الأئمة هم بشر راشدون مهديّون معصومون مكرّمون ، وقيمتهم نابعة من تكريم الله لهم .

على أنّ الجانب العملي لحركة الأئمّة هو كما يلي :

١ ـ تعظيم الله وإكبار شأنه وتمجيد كرمه .

٢ ـ توكيد ميثاقه وإحكام عقد طاعته .

٣ ـ النصح له بالسرّ والعلن .

١٥١

٤ ـ الدعوة له بالحكمة والموعظة الحسنة .

٥ ـ التضحية المستمرّة في سبيل الله ببذل النفس والصبر على المكروه .

٦ ـ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وممارسة باقي العبادات والحدود الإسلامية .

٧ ـ الحفاظ على سلامة الشريعة من التحريف .

٨ ـ التسليم بالقضاء والقدر .

٩ ـ التأكيد على وحدة المسيرة النبوية وتصديق الرسل .

٤ ـ الموالون لأهل البيتعليهم‌السلام

وبيّن الإمام أنّ هناك صنفين من الناس قسم يوالي أهل البيتعليهم‌السلام فيسير في طريق الهدى ، وآخر يوالي أعداءهم فيسير في طريق الضلال ، قال عليه‌السلام :

( فالراغب عنكم مارق ، واللازم لكم لاحق ، والمقصّر في حقّكم زاهق .

والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه وميراث النبوّة عندكم وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم وعزائمه فيكم ونوره وبرهانه عندكم وأمره إليكم .

مَنْ والاكم فقد والى الله ، ومَنْ عاداكم فقد عادى الله ، ومَنْ أحبّكم فقد أَحبَّ الله ، ومَن أبغضكم فقد أبغض الله ، ومَن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله .

وأنتم الصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء والرحمة الموصولة والآية المخزونة والأمانة المحفوظة والباب المبتلى به الناس .

مَنْ أتاكم نجى ومَنْ لم يأتِكم هلك .

إلى الله تدعون وعليه تدلّون وبه تؤمنون وله تسلّمون وبأمره تعملون والى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون .

سَعَدَ مَن والاكم ، وهلك مَن عاداكم ، وخاب مَن جحدكم ، وضلّ مَن فارقكم ، وفاز مَن تمسّك بكم ، وأمن مَن لجأَ اليكم ، وسلم مَن صدقكم ، وهدي مَن اعتصم بكم .

مَن اتبعكم فالجنّة مأواه ، ومَن خالفكم فالنار مثواه ، ومَن جحدكم كافر ، ومَن حاربكم مشرك ، ومَن ردّ عليكم في أسفل درك من الجحيم ) .

١٥٢

الحقيقة الثانية : إنّ الموالي لأهل البيتعليهم‌السلام يعلم قيمتهم الحقيقية عند الله ؛ لذلك نجده يقول عليه‌السلام :

( أشهدُ أنَّ هذا سابق لكم فيما مضى وجارٍ لكم فيما بقي وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض .

خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين حتى مَنَّ علينا بكم فجعلكم في بيوت أذِنَ اللهُ أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه .

وجعل صلواتنا عليكم وما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفّارة لذنوبنا فكنّا عنده مسلمين بفضلكم ومعروفين بتصديقنا إيّاكم ) .

الحقيقة الثالثة : الرغبة في انتشار أمرهم وتشعشع فضلهم فلا يبقى خير إلاّ وأضاءه نورهم الشريف :

( فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرمين وأعلى منازل المقرّبين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في إدراكه طامع حتى لا يبقى ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا صدّيق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دنيّ ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبّار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلاّ عرفهم جلالة أمركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلّكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصّتكم لديه وقرب منزلتكم منه ) .

الحقيقة الرابعة : الإقرار الدائم بمعتقدات أهل البيتعليهم‌السلام والعمل بموجبها :( بأبي أنتم وأُمّي وأهلي ومالي وأُسرتي أُشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به ، كافر بعدوّكم وبما كفرتم به ، مستبصر بشأنكم وبضلالة مَن خالفكم موالٍ لكم ولأوليائكم مبغض لأعدائكم ومعادٍ لهم ، سِلْمٌ لمَن سالمكم وحرب لمَن حاربكم محقّق لما حقّقتم مبطل لما أبطلتم مطيع لكم عارف بحقّكم مقرّ بفضلكم محتمل لعلمكم ) .

ومن مصاديق الإيمان بقضيّة أهل البيت قول الإمامعليه‌السلام :

( محتجب بذمّتكم ومعترف بكم مؤمن بإيابكم مُصدِّق برجعتكم منتظر لأمركم مرتقب لدولتكم آخذ بقولكم عامل بأمركم مستجير بكم زائر لكم عائذ بقبوركم مستشفع إلى الله عزّ وجلّ بكم ومتقرّب بكم إليه ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كل أحوالي وأُموري ، مؤمن بسرّكم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم وأوّلكم وآخركم ومفوّض في ذلك كلّه إليكم

١٥٣

ومسلّم فيه معكم وقلبي لكم مسلم ورأيي لكم تبع ونصرتي لكم مُعدَّة حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ويردّكم في أيامه ويظهركم لعدله ويُمكّنكم في أرضه فمعكم معكم لا مع غيركم ، آمنت بكم وتولّيت آخركم بما تولّيت به أوّلكم وبرئت إلى الله عزّ وجلّ من أعدائكم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لكم الجاحدين لحقّكم والمارقين من ولايتكم الغاصبين لإرثكم الشاكين فيكم المنحرفين عنكم ومن كلِّ وليجة دونكم وكل مطاع سواكم ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار.

فثبّتني الله أبداً ما حييت على موالاتكم ومحبّتكم ودينكم ووفّقني لطاعتكم ورزقني شفاعتكم وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم إليه وجعلني ممّن يقتصُّ آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم ويكرّ في رجعتكم ويُملَّك في دولتكم ويشرّف في عافيتكم ويُمكَّن في أيامكم وتقرّ عينه غداً برؤيتكم .

بأبي أنتم وأُمّي ونفسي وأهلي ومالي مَن أراد الله بدأ بكم ومَن وحَّده قبل عنكم ومَن قصده توجّه بكم .

مواليّ لا أُحصي ثناءكم ولا أبلغ من المدح كنهكم ومن الوصف قدركم وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار وحجج الجبّار .

بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه وبكم يُنفّس الهمّ ويكشف الضر .

وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته والى جدّكم بُعث الروح الأمين ، آتاكم الله ما لم يُؤتِ أحداً من العالمين .

طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبّر لطاعتكم وخضع كل جبّار لفضلكم وذلّ كل شيء لكم وأشرقت الأرض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم ، بكم يُسلك إلى الرضوان وعلى مَن جحد ولايتكم غضب الرحمان .

بأبي أنتم وأُمّي ونفسي وأهلي ومالي ذكركم في الذاكرين وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس وآثاركم في الآثار وقبوركم في القبور فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم وأعظم شأنكم وأجلَّ خطركم وأوفى عهدكم وأصدق وعدكم .

كلامكم نور وأمركم رشد ووصيّتكم التقوى وفعلكم الخير وعادتكم الإحسان وسجيّتكم الكرم وشأنكم الحق والصدق والرفق وقولكم حكم وحتم ورأيكم علم وحلم وحزم ، إنْ ذُكِرَ الخير كنتم أوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه .

بأبي انتم وأُمّي ونفسي كيف أصف حسن ثنائكم وأحصي جميل بلائكم وبكم أخرَجنا الله من الذلّ وفَرّج عنّا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار .

١٥٤

بأبي أنتم وأُمّي ونفسي بموالاتكم علّمنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فسد من دنيانا ، وبموالاتكم تَمَّت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة ، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، ولكم المودّة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله عزّ وجلّ والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة .

( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) ( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) ( سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ) .

يا أولياء الله إنّ بيني وبين الله عزّ وجلّ ذنوباً لا يأتي عليها إلاّ رضاكم فبحق مَن ائتمنكم على سرّه واسترعاكم أمر خلقه وقرن طاعتكم بطاعته لمّا استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي فإنّي لكم مطيع ؛ مَن أطاعكم فقد أطاع الله ومَن عصاكم فقد عصى الله ومَن أحبّكم فقد أحبَّ الله ومَن أبغضكم فقد أبغض الله .

اللّهمّ إنّي لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمّد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي فبحقّهم الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقّهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم إنّك أرحم الراحمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً وحسبنا الله ونعم الوكيل ) .

ومن هذه الفقرات نستلهم النقاط التالية :

١ ـ ضرورة الإيمان بإيابهم وقيام دولتهم .

٢ ـ أهمّية زيارة قبورهم .

٣ ـ أهمّية الإيمان بالرجعة .

٤ ـ أهمّية الإيمان بسرّهم وعلانيتهم .

٥ ـ ضرورة الاستعداد لنصرة دولتهم لحدّ التمكين في الأرض .

٦ ـ ضرورة البراءة من عدوّهم .

٧ ـ فرح المؤمن بما رزقه الله على يد أهل البيت .

٨ ـ إنّ وحدة المسلمين السليمة لا تتمّ إلاّ تحت لوائهمعليهم‌السلام .

٩ ـ إنّ الإيمان بهم لا يكون عاطفياً ، بل يكون عن وعي وإدراك وبحث وتمحيص(١) .

ــــــــــــــ

(١) منهاج التحرّك عند الإمام الهاديعليه‌السلام : ١١٣ ـ ١٢٠ .

١٥٥

ثانياً ـ زيارة الغدير

من أهمّ زيارات الأئمة الطاهرين ـ عند الشيعة الإمامية ـ زيارة الغدير ، فقد اهتمّوا بها اهتماماً بالغاً ؛ لأنّها رمز لذلك اليوم الخالد في دنيا الإسلام ، ذلك اليوم الذي قرّر فيه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المصير الحاسم لأُمّته ، فنصب الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام خليفة على المسلمين .

وقد زار الإمام أبو الحسن الهاديعليه‌السلام جدّه أمير المؤمنين في السنة التي أشخصه فيها المعتصم من يثرب إلى سُرّ مَن رأى(١) .

نعم زاره بهذه الزيارة التي هي من أروع وأجلّ الزيارات ، فقد تحدّث فيها عن فضائل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وما عاناه في عصره من المشاكل السياسية والاجتماعية .

وإليك بعض ما حفلت به هذه الزيارة التي هي من ملاحم أهل البيتعليهم‌السلام :

١ ـ تحدّث الإمام أبو الحسن الهاديعليه‌السلام في زيارته ( الغديرية ) عن أنّ جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام هو أوّل مَن أسلم وآمن بالله واستجاب لدعوة نبيّه ، قال عليه‌السلام مخاطباً جدّه :

( وأنت أوّل مَن آمن بالله وصلّى له ، وجاهد ، وأبدى صفحته في دار الشرك ، والأرض مشحونة ضلالة والشيطان يعبد جهرة ) .

لقد تظافرت الأخبار بأنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هو أوّل مَن أذعن لرسالة خاتم النبيّين ، واستجاب لنداء الله ، ودعى إلى دين الله بعد رسول الله ، فقد روى ابن إسحاق ، قال :

ــــــــــــــ

(١) مفاتيح الجنان : ٣٦٣ .

١٥٦

كان أوّل ذكر آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّى معه ، وصدّق بما جاءه من عند الله علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يومئذٍ ابن عشر سنين(١) .

وروى الطبراني بسنده عن أبي ذرّ قال : أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليعليه‌السلام فقال :( هذا أوّل مَن آمن بي وأوّل مَن يصافحني يوم القيامة ) (٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعائشة :( هذا علي بن أبي طالب أوّل الناس إيماناً ) (٣) . وكثير من أمثال هذه الأخبار قد أعلنت ذلك .

٢ ـ وتحدّث الإمامعليه‌السلام في زيارته عن جهاد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وبسالته وشجاعته وصموده في الحروب قائلاً :

( ولك المواقف المشهودة ، والمقامات المشهورة ، والأيام المذكورة يوم بدر ، ويوم الأحزاب ( وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِرَاراً ) (٤) .

وقال الله تعالى : ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ) (٥) .

فقتلت عمرهم وهزمت جمعهم ، وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قوياً عزيزاً ، ويوم أحد إذ يصعدون ولا يلوون على أحد والرسول يدعوهم في أًخراهم وأنت تذود بهم المشركين عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات اليمين

ــــــــــــــ

(١) السيرة النبوية ، ابن إسحاق : ١/٢٦٢ وعنه في الطبري : ٢/٣١٢ .

(٢) فيض القدير : ٤ / ٣٥٨ .

(٣) الاستيعاب : ٢ / ٧٥٩ .

(٤) الأحزاب (٣٣) : ١٠ ـ ١٣ .

(٥) الأحزاب (٣٣) : ٢٢ .

١٥٧

وذات الشمال حتى ردّهم الله تعالى عنها خائفين ونصر بك الخاذلين .

ويوم حنين على ما نطق به التنزيل : ( إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) .

والمؤمنون أنت ومَن يليك ، وعمّك العباس ينادي المنهزمين يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، فاستجاب له قوم قد كفيتهم المؤونة وتكلّفت دونهم المعونة ، فعادوا آيسين من المثوبة ، راجين وعد الله تعالى بالتوبة ، وذلك قول الله جل ذكره : ( ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ) .

وأنت حائز درجة الصبر ، فائز بعظيم الأجر .

ويوم خيبر إذ اظهر الله خور المنافقين ، وقطع دابر الكافرين ـ والحمد لله ربّ العالمين ـ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار ، وكان عهد الله مسؤولاً .

وأضاف الإمام قائلاً :وشهدت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع حروبه ومغازيه ، تحمل الراية أمامه ، وتضرب بالسيف قدّامه ، ثم لحزمك المشهور وبصيرتك في الأمور أمّرك في المواطن ، ولم يكن عليك أمير ) .

٣ ـ وعرض الإمام في زيارته إلى مبيت الإمام على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووقايته له بنفسه حينما اجمعت قريش على قتله ، فكان الإمام الفدائي الأوّل في الإسلام ، يقول عليه‌السلام :

( وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه‌السلام إذ أجبت كما أجاب ، وأطعت كما أطاع إسماعيل محتسباً صابراً إذ قال : ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) .

وكذلك أنت لمّا أباتك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرك أن تضطجع في مرقده واقياً له بنفسك أسرعت إلى إجابته مطيعاً ، ولنفسك على القتل موطّناً فشكر الله تعالى طاعتك وأبان من جميل فعلك بقوله جلّ ذكره : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) (١) .

ــــــــــــــ

(١) راجع حياة الإمام علي الهاديعليه‌السلام : ١٤٠ ـ ١٤٧ .

١٥٨

التحصين العلمي

إنّ النقطة الجوهرية لتحقيق ورفع المستوى العلمي الذي تحتاجه الجماعة الصالحة هي تربية العلماء والكفاءات العلمية المتخصّصة في مختلف الفروع العلمية الإسلامية ، ثمّ إعطاء العلماء بالشريعة الدور المتميّز في المجتمع الإسلامي وهذا ما سار عليه أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بلا استثناء .

وتميّز عصر الإمام الهاديعليه‌السلام بأنّه العصر الممهّد لعصر الغيبة حيث ينقطع الناس عن إمامهم ولا يبقى للناس أيّ ملجأ فكريّ وديني سوى العلماء بالله الأُمناء على حلاله وحرامه .

ومن هنا كان اهتمام الإمامين العسكريين بالعلماء بليغاً جدّاً حيث عُبّر عنهم بأنّهم الكافلون لأيتام آل محمد ، وكان التبجيل والإجلال في سيرة الإمام الهاديعليه‌السلام لمثل هؤلاء العلماء ملفتاً للنظر جدّاً(١) .

ومَن يقرأ تراث الإمام الهاديعليه‌السلام يلاحظ استمرار العطاء العلمي في هذا العصر إلى جانب الاهتمام بإيضاح المنهج العلمي الذي كان يبتغيه أهل البيتعليهم‌السلام والتصدّي منهم لتعميقه .

وتكفي قراءة سريعة لرسالة الإمام الهاديعليه‌السلام إلى أهل الأهواز لتلمّس مدى اهتمامهعليه‌السلام بالتأصيل النظري وبالتربية على سلوك المنهج العلمي السليم(٢) .

ــــــــــــــ

(١) راجع الفصل الثالث من الباب الأوّل .

(٢) راجع الفصل الرابع من الباب الرابع ، رسالة الإمام إلى أهل الأهواز .

١٥٩

التحصين التربوي

بالرّغم من كل الظروف التي فرضت على الإمام الهاديعليه‌السلام لعزله عن شيعته ومحبّيه فإنّا نجد الإمامعليه‌السلام يمارس مسؤولياته التربوية بكل ما يتسنّى له من الوسائل التي تكون أبلغ في التأثير ، فهو تارة يدعو لبعض شيعته ويتوجّه إلى الله ليقضي حوائجهم ، وأخرى يلبّي حاجاتهم المادية فيسعفهم بمقدار من المال ، وثالثة يباشرهم بالكلام الصريح حول المزالق التي تنتظرهم .

فهذا أخوه موسى الذي نصب له المتوكل مصيدة ليوقعه فيما هو غير لائق به ويفضحه ويفضح أخاه الإمام الهاديعليه‌السلام يتصدّى الإمام بنفسه ليواجهه قبل أن يلتقي بالمتوكل ويحاول أن يبصّره بحقيقة ما ينتظره من مخاوف وأخطار معنوية(١) .

وفي أكثر من مورد يبادر الإمامعليه‌السلام لتقديم تجربة حسّيّة يعيش من خلالها أتباعه معنى التوجّه إلى الله واللجوء إليه في المهمّات ثم يبصّرهم بعد ذلك أهمّية هذا المبدأ .

فعن أبي محمد الفحّام بالإسناد عن أبي الحسن محمد بن أحمد قال : حدثني عمّ أبي قال : قصدت الإمام يوماً فقلت إنّ المتوكّل قطع رزقي وما اتّهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك ، فينبغي أن تتفضّل عليّ بمسألته فقال : تكفى إن شاء الله فلمّا كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسولاً يتلو رسولاً ، فجئت إليه فوجدته في فراشه فقال : يا أبا موسى تشغل شغلي عنك وتنسينا نفسك أي شيء لك عندي ؟ قلت : الصّلة الفلانية ، وذكرت أشياء فأمر لي بها وبضعفها ، فقلت للفتح وافى عليّ بن محمد إلى هاهنا وكتب رقعة ؟ قال : لا ، قال : فدخلت على الإمام فقال لي :يا أبا موسى هذا وجه الرضّا ، قلت : يا سيّدي ولكن قالوا إنّك ما مضيت إليه ولا سألت قال :إنّ الله تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمّات إلاّ إليه ولا نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه ، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ونخاف أن نعدل فيعدل .

ــــــــــــــ

(١) راجع الكافي : ١/٥٠٢ .

١٦٠