اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)25%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122516 / تحميل: 6744
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وفيما يأتي تراجم بعض أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، وقد رتّبناها حسب تسلسل حروف الهجاء :

١ ـ إبراهيم بن عبده النيسابوري :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ومن أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، وذكر الكشي أنّ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بعث رسالة إلى إسحاق بن إسماعيل ، سلّم فيها على إبراهيم بن عبده ، ونصّبه وكيلاً على قبض الحقوق الشرعية وقد بعثه إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي ، وزوّده برسالة جاء فيها :( وبعد ، فقد بعثت لكم إبراهيم بن عبده ، ليدفع النواحي ، وأهل ناحيتك ، حقوقي الواجبة عليكم إليه ، وجعلته ثقتي وأميني عند مواليي هناك فليتقوا الله ، وليراقبوا وليؤدّوا الحقوق ، فليس لهم عذر في ترك ذلك ولا تأخيره ، ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه ورحمهم الله ـ وإيّاك معهم ـ برحمتي لهم إنّ الله واسع كريم ) (١) .

٢ ـ إبراهيم بن محمد الهمداني :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ومن أصحاب الإمام الجواد والهاديعليهما‌السلام ، وقال الكشي : كان وكيله وقد حجّ أربعين حجّة وكتب الإمام له :( قد وصل الحساب تقبّل الله منك ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ، ومن الكسوة بكذا ، فبارك لك فيه ، وفي جميع نعمة الله عليك ، وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن التعرّض لك وبخلافك ، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب : أمرته بذلك أيضاً ، وكتبت إلى مواليي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل لي سواك ) (٢) .

ودلّت هذه الرواية على وثاقته وجلالة أمره ، وسموّ مكانته عند الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢٣٢ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٦٩ .

١٨١

٣ ـ إبراهيم بن مهزيار :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد ، ومن أصحاب الإمام الهاديعليهما‌السلام قال النجاشي : له كتاب البشارات وروى الكشي بسنده عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، قال : إنّ أبي لمّا حضرته الوفاة دفع إليّ مالاً ، وأعطاني علامة ولم يعلم بها أحد إلاّ الله عزّ وجل ، وقال : مَن أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال ، قال : فخرجت إلى بغداد ، ونزلت في خان فلمّا كان في اليوم الثاني جاء شيخ فطرق الباب فقلت للغلام انظر من في الباب ، فخرج ، ثم جاء وقال : شيخ في الباب فأذنت له في الدخول ، فقال : أنا العمري ، هات المال الذي عندك ، وهو كذا وكذا ومعه العلامة ، قال : فدفعت له المال(١) .

ودلّت هذه الرواية على أنّ إبراهيم كان وكيلاً للإمامعليه‌السلام في قبض الحقوق الشرعية ، ومن الطبيعي أنّه إنّما يؤتمن عليها فيما إذا كان ثقة وعدلاً .

٤ ـ احمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري القمّي :

كان وافد القمّيين ، روى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسنعليهما‌السلام وكان من خاصّة أبي محمدعليه‌السلام ، وله من الكتب :

١ ـ مسائل الرجال للإمام الهاديعليه‌السلام .

٢ ـ علل الصلاة .

٣ ـ علل الصوم .

وهو ممّن رأى الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ ووردت أخبار كثيرة في مدحه والثناء عليه(٢) .

ــــــــــــــ

(١) خلاصة الأقوال : ٥١ .

(٢) رجال النجاشي : ٩١ ، وخلاصة الأقوال : ٦٣ .

١٨٢

٥ ـ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، يكنّى أبا جعفر وهو شيخ القمّيين ووجيههم ، وكان الرئيس الذي يلقى السلطان ، صنّف كتباً منها : كتاب ( التوحيد ) وكتاب ( فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وكتاب ( المتعة ) وكتاب ( النوادر ) وكتاب ( الناسخ والمنسوخ ) وكتاب ( فضائل العرب ) وغيرها (١) .

٦ ـ أيّوب بن نوح بن درّاج :

الثقة الأمين ، قال النجاشي : إنّه كان وكيلاً لأبي الحسن ، وأبي محمد عليهما‌السلام عظيم المنزلة عندهما ، مأموناً ، وكان شديد الورع ، كثير العبادة ، ثقة في رواياته ، وأبوه نوح بن دراج كان قاضياً بالكوفة ، وكان صحيح الاعتقاد ، وأخوه جميل بن دراج (٢) ، قال الشيخ : أيوب بن نوح بن دراج ثقة له كتاب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث (٣) وقال الكشي : كان من الصالحين ومات وما خلف إلاّ مائة وخمسين ديناراً ، روى عن الإمام أبي الحسن عليه‌السلام وروى عنه جماعة من الرواة (٤) .

٧ ـ الحسن بن راشد :

يُكنّى أبا علي مولى لآل المهلّب البغدادي ، ثقة .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٣/٨٦ .

(٢) رجال النجاشي : ١٠٢ .

(٣) الفهرست : ٥٦ .

(٤) رجال النجاشي : ١٠٢ .

١٨٣

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، الذين لا يطعن عليهم بشيء ولا طريق لذمّ واحد منهم ، وقد نصّبه الإمام وكيلاً وبعث إليه بعدة رسائل منها(١) :

١ ـ ما رواه الكشي بسنده إلى محمد بن عيسى اليقطيني ، قال : كتب ـ يعني الإمام الهادي ـ إلى أبي علي بن بلال في سنة (٢٣٢ هـ) رسالة جاء فيها :( وأحمد الله إليك ، وأشكر طوله وعوده ، وأُصلّي على محمد النبي وآله ، صلوات الله ورحمته عليهم ، ثم إنّي أقمت أبا علي مقام الحسين بن عبد ربّه ، وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يقدمه أحد ، وقد أعلم أنّك شيخ ناحيتك فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك ، فعليك بالطاعة له ، والتسليم إليه جميع الحق قبلك ، وأن تحضّ مواليّ على ذلك ، وتعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته ، فذلك موفور ، وتوفير علينا ، ومحبوب لدينا ، ولك به جزاء من الله وأجر ، فإنّ الله يعطي مَن يشاء ذو الإعطاء والجزاء برحمته ، وأنت في وديعة الله ، وكتبت بخطّي وأحمد الله كثيراً ) (٢) .

ودلّت هذه الرسالة على فضل ابن راشد ووثاقته وأمانته ، فقد أرجع إليه الشيعة وأوصاهم بطاعته والانقياد إليه ، وتسليم ما عندهم من الحقوق الشرعيّة إليه .

٢ ـ روى الكشي بسنده إلى أحمد بن محمد بن عيسى قال : نسخت الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها ، وهذا نصّه :

ــــــــــــــ

(١) رجال الطوسي : ٣٧٥ .

(٢) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٣ ـ ٣١٤ .

١٨٤

 ( وأحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافيته ، وأُصلّي على نبيّه وآله أفضل صلاته وأكمل رحمته ورأفته ، وإنّي أقمت ابا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ، ومَن كان من قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، وولّيته ما كان يتولاّه غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقّي ، وارتضيته لكم ، وقدّمته على غيره في ذلك ، وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإليّ ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علّة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرّع إلى طاعة الله ، وتحليل أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البرّ والتقوى واتقوا الله لعلّكم ترحمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ، فقد أوجبت في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم الله ، ويزيدكم من فضله ، فإنّ الله بما عنده واسع كريم ، متطوّل على عباده رحيم ، نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه ، وكتبته بخطّي ، والحمد لله كثيراً ) (١)

وكشفت هذه الرسالة عن سموّ مكانة ابن راشد عند الإمامعليه‌السلام وعظيم منزلته عنده حتى قرن طاعته بطاعتهعليه‌السلام ، وعصيانه بعصيانهعليه‌السلام .

٣ ـ وبعث الإمام أبو الحسنعليه‌السلام رسالة له وإلى أيوب بن نوح جاء فيها بعد البسملة :( أنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي ، وأن يلزم كل واحد منكما ما وكّل به ، وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته ، فإنّكم إذا انتهيتم إلى كل ما أُمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب ، أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ، ولا يلي لهم استيذاناً علي ، ومر مَن أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيّره إلى الموكّل بناحيته ، وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب ، وليعمل كل واحد منكما بمثل ما أمرته به ) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٤ .

(٢) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٥ .

١٨٥

لقد كانت لأبي راشد مكانة مرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، ومن الطبيعي أنّه لم يحتل هذه المنزلة إلاّ بتقواه وورعه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ولمّا توفّي ابن راشد ترحّم عليه الإمامعليه‌السلام ودعا له بالمغفرة والرضوان .

٨ ـ الحسن بن علي :

ابن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الناصر للحق من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، وهو والد جدّ السيد المرتضى من جهة أُمّه ، قال السيدقدس‌سره في أول كتابه ( شرح المسائل الناصريات ) : وأمّا أبو محمد الناصر الكبير وهو الحسن بن علي ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة ، وهو الذي نشر الإسلام في الديلم حتى اهتدوا به من الضلالة ، وعدلوا بدعائه بعد الجهالة ، وسيرته الجميلة أكثر من أن تُحصى وأظهر من أن تخفى(١) .

٩ ـ الحسن بن علي الوشا :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام .

قال النجاشي : إنّه ابن بنت الياس الصيرفي الخزّاز ، وقد روى الحسن عن جدّه الياس أنّه لمّا حضرته الوفاة ، قال : اشهدوا عليّ وليست ساعة الكذب هذه الساعة : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :والله لا يموت عبد يحب الله ورسوله ويتولّى الأئمة فتمسّه النار .

ــــــــــــــ

(١) الناصريات : ٦٣ .

١٨٦

وروى أحمد بن محمد بن عيسى قال : خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشا ، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلا ، وأبان بن عثمان الأحمر ، فأخرجهما لي فقلت له : أحب أن تجيزهما لي فقال لي : يا هذا رحمك الله ، وما عجلتك ، اذهب فاكتبهما ، واسمع من بعد ، فقلت : لا آمن الحدثان ، فقال : لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه ، فإنّي أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلٌّ يقول : حدثني جعفر بن محمد ، وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله كتب منها : ثواب الحج ، والمناسك والنوادر(١) .

١٠ ـ داود بن القاسم الجعفري :

يُكنّى أبا هاشم ، من أهل بغداد ، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمةعليهم‌السلام شاهد الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمرعليه‌السلام ، وروى عنهم كلّهم ، وله أخبار ومسائل وله شعر جيّد فيهم ، وكان مقدّماً عند السلطان وله كتاب .

عدّه البرقي من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام الحسن العسكريعليهم‌السلام قال الكشي : قال أبو عمرو : له ـ أي لداود ـ منزلة عالية عند أبي جعفر ، وأبي الحسن ، وأبي محمدعليهم‌السلام وموقع جليل(٢) .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٦/٣٨ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٤١ .

١٨٧

١١ ـ الريّان بن الصلت :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، ومن أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام وأضاف أنّه ثقة ، وروى الكشي بسنده عن معمر بن خلاد ، قال : قال لي الريان بن الصلت : وكان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان ، فقال : أحبّ أن تستأذن لي على أبي الحسنعليه‌السلام فأسلم عليه وأودّعه وأحب أن يكسوني من ثيابه ، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه ، قال : فدخلت عليه ، فقال لي مبتدئاً : يا معمر أين ريان ، أيحب أن يدخل علينا فأكسوه من ثيابي ، وأعطيه من دراهمي ؟ قال : قلت : سبحان الله !!! والله ما سألني إلاّ أن أسألك ذلك له ، فقال : يا معمر إنّ المؤمن موفّق ، قل له فليجيئ ، قال : فأمرته فدخل عليه فسلّم عليه فدعا بثوب من ثيابه ، فلمّا خرج قلت : أي شيء أعطاك ؟ وإذا بيده ثلاثون درهماً(١) وقد دلّت هذه البادرة على حسن إيمانه وحسن عقيدته .

١٢ ـ عبد العظيم الحسني :

هو السيد الشريف الحسيب النسيب من مفاخر الأسرة النبوية علماً وتقى وتحرّجاً في الدين ونلمح إلى بعض شؤونه :

أ ـ نسبه الوضّاح : يرجع نسبه الشريف إلى الإمام الزكي أبي محمد الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ابن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ب ـ وثاقته وعلمه : كان ثقة عدلاً ، متحرّجاً في دينه كأشدّ ما يكون التحرج ، كما كان عالماً وفاضلاً وفقيهاً فقد روى أبو تراب الروياني ، قال : سمعت أبا حماد الرازي ، يقول : دخلت على علي بن محمدعليه‌السلام بـ ( سُرّ مَن رأى )

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٢٤ .

١٨٨

فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني عنها ، فلمّا ودعته قال لي :يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم الحسني واقرأه منّي السلام (١) .

ودلّت هذه الرواية على فقهه وعلمه .

ج ـ عرض عقيدته على الهادي عليه‌السلام : وتشرّف السيد الجليل عبد العظيم بمقابلة الإمام الهاديعليه‌السلام فعرض على الإمام أصول عقيدته وما يدين به قائلاً : (يا ابن رسول الله إنّي أُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه) .

فقابله الإمام مبتسماً وقال له :( هات يا أبا القاسم ) .

وانبرى عبد العظيم يعرض على الإمام المبادئ التي آمن بها قائلاً : ( إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدّين ، حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وأنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر وربّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه .

وأنّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين ، فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، وأنّ شريعته خاتمة الشرايع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة وأقول : إنّ الإمام والخليفة ، وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي ) والتفت إليه الإمام فقال :( ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ ) .

ــــــــــــــ

(١) معجم الرجال الحديث : ١١/٥٣ .

١٨٩

واستفسر عبد العظيم عن الحجّة من بعده قائلاً : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال الإمامعليه‌السلام :( لأنّه لا يرى شخصه ، ولا يحل ذكره باسمه ، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ) .

وانبرى عبد العظيم يعلن إيمانه بما قال الإمامعليه‌السلام قائلاً : ( أقررت ، وأقول : إنّ وليّهم ولي الله ، وعدوّهم عدوّ الله وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله .

وأقول : إنّ المعراج حق والمساءلة في القبر حق وأنّ الجنّة حق والنار حق والصراط حق والميزان حق وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث مَن في القبور .

وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية ـ أي الولاية لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .

وبارك له الإمام عقيدته قائلاً :( يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ) (١) .

١٣ ـ عثمان بن سعيد العمري السمّان :

يكنّى أبا عمرو ، الثقة الزكي ، خدم الإمام الهاديعليه‌السلام وله من العمر إحدى عشرة سنة ، احتلّ المكانة المرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، فقد روى أحمد ابن إسحاق القمّي قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت له : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول مَن نقبل ، وأمر مَن نمتثل ؟ فقالعليه‌السلام :

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٧٩ ح ١ ، وعنه في إعلام الورى : ٢/٢٤٤ ، ٢٤٥ .

١٩٠

هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه .

فلمّا قضى أبو الحسنعليه‌السلام نحبه رجعت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري وقلت لهعليه‌السلام ذات يوم : مثل قولي لأبيه ، فقال لي :هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضين ، وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه (١) .

ودلّت هذه الرواية على وثاقته ، وأنّه قد نال المنزلة الكريمة عند الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ، كما دلّت على فضله وعلمه ، وأنّه كان مرجعاً للفتيا وأخذ الأحكام .

١٤ ـ علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي :

كان من مفاخر العلماء ومن مشاهير تلاميذ الإمام الهاديعليه‌السلام ونتحدّث بإيجاز عن بعض شؤونه :

أ ـ عبادته : كان من عيون المتّقين والصالحين ، ويقول المؤرّخون : إنّه كان إذا طلعت الشمس سجد لله تعالى ، وكان لا يرفع رأسه حتى يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه ، وكان على جبهته سجّادة مثل ركبة البعير من كثرة سجوده(٢) .

ب ـ ثناء الإمام الجواد عليه‌السلام عليه : وأثنى الإمام الجوادعليه‌السلام ثناءً عاطراً على ابن مهزيار ، وكان ممّا أثنى عليه أنّه بعث له رسالة جاء فيها :

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١٢/١٢٣ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٢٥ .

١٩١

 ( يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير ، والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت : إنّي لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً وما خفي علي مقامك ولا خدمتك ، في الحرّ والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنّه سميع الدعاء ) (١) .

وكشفت هذه الرسالة عن إكبار الإمام وتقديره ودعائه له ، وأنّهعليه‌السلام لم ير في أصحابه وغيرهم مثل هذا الزكي تقوى وورعاً وعلماً .

ج ـ مؤلّفاته : ألّف عليّ مجموعة من الكتب تزيد على ثلاثين كتاباً كان معظمها في الفقه وهذه بعضها : كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب الطلاق ، كتاب الحدود ، كتاب الديّات ، كتاب التفسير ، كتاب الفضائل ، كتاب العتق والتدبير ، كتاب التجارات والإجارات ، كتاب المكاسب ، كتاب المثالب ، كتاب الدعاء ، كتاب التجمل والمروّة ، كتاب المزار ، وغيرها(٢) .

د ـ طبقته في الحديث : وقع علي بن مهزيار في أسناد كثير من الروايات تبلغ (٤٣٧) مورداً ، روى عن : الإمام أبي جعفر الثاني ، وأبي الحسن الثالث ، وغيرهما لقد كان علي بن مهزيار من دعائم الفكر الشيعي ، وكان من أفذاذ عصره وعلماء دهره .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١٣/٢١١ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٥٣ .

١٩٢

١٥ ـ الفضل بن شاذان النيشابوري :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، وهو من أساطين العلماء ، ومن أبرز رجال الفكر الإسلامي في عصره ، خاض في مختلف العلوم والفنون وألّف فيها ، ونعرض بإيجاز لبعض شؤونه :

أ ـ ثناء الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام عليه : وأشاد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بالفضل بن شاذان ، وأثنى عليه ثناءً عاطراً ، فقد عرضت عليه إحدى مؤلّفاته فنظر فيه فترحّم عليه وقال :( أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ) (١) .

ونظرعليه‌السلام مرة أخرى إلى مؤلَّف آخر من مؤلّفاته فترحّم عليه ثلاث مرات ، وقال مقرّظاً للكتاب : ( هذا صحيح ينبغي أن يعمل به ) (٢) .

ب ـ ردّه على المخالفين : انبرى الفضل للدفاع عن مبادئه ، وإبطال الشبه التي أُثيرت حول عقيدته ، وقد قال : أنا خلف لمَن مضى أدركت محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى وغيرهما ، وحملت عنهم منذ خمسين سنة ، ومضى هشام بن الحكمرحمه‌الله ، وكان يونس بن عبد الرحمانرحمه‌الله خلفه ، كان يرد على المخالفين ، ثم مضى يونس بن عبد الرحمان ولم يخلف خلفاً غير السكّاك ، فردّ على المخالفين حتى مضىرحمه‌الله ، وأنا خلف لهم من بعدهم

ــــــــــــــ

(١) جامع الرواة : ٢/٥ .

(٢) طرائف المقال : ٢/٦٣٢ .

١٩٣

رحمهم الله )(١) .

لقد كان خلفاً لأولئك الأعلام الذين نافحوا وناضلوا عن مبادئهم الرفيعة التي تبنّاها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

ج ـ مؤلّفاته : ألّف هذا العالم الكبير في مختلف العلوم ، كعلم الفقه وعلم التفسير وعلم الكلام والفلسفة واللغة والمنطق وغيرها ، وكانت مؤلّفاته تربو على مائة وثمانين مؤلّفاً ، وقد ذكر بعضها الشيخ والنجاشي وابن النديم وغيرهم .

١٦ ـ محمد بن أحمد المحمودي :

يكنّى أبا علي ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، قال الكشي : وجدت بخطّ أبي عبد الله الشاذاني في كتابه : سمعت الفضل بن هاشم الهروي يقول : ذكر لي كثرة ما يحجّ المحمودي ، فسألته عن مبلغ حجّاته فلم يخبرني بمبلغها ، وقال : رزقت خيراً كثيراً والحمد لله ، فقلت له : فتحجّ عن نفسك أو غيرك ؟ فقال : عن غيري بعد حجّة الإسلام أحجّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجعل ما أجازني الله عليه لأولياء الله وأهب ما أثاب على ذلك للمؤمنين والمؤمنات ، فقلت : ما تقول في حجّتك ؟ فقال : أقول : اللّهمّ إنّي أهللت لرسولك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعلت جزائي منك ومنه لأوليائك الطاهرينعليهم‌السلام ، ووهبت ثوابي عنهم لعبادك المؤمنين والمؤمنات بكتابك وسنّة نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر الدعاء(٢) .

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨١٨ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٧٩٨ .

١٩٤

١٧ ـ محمد بن الحسن بن أبي الخطّاب الزيّات :

الكوفي الثقة ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، قال النجاشي : إنّه كان جليلاً من أصحابنا ، عظيم القدر ، كثير الرواية ، ثقة ، عين ، حسن التصانيف ، مسكون إلى روايته له كتاب التوحيد ، كتاب المعرفة والبدار ، كتاب الرد على أهل القدر ، كتاب الإمامة ، كتاب اللؤلؤة ، كتاب وصايا الأئمة ، كتاب النوادر .

١٨ ـ محمد بن الفرج الرخجي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام كانت له اتصالات وثيقة بالإمامعليه‌السلام ، وجرت بينهما عدّة مراسلات ، ومنها : ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن الفرج : قال : كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام اسأله عن أبي علي بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم ، وابن بند ، فكتبعليه‌السلام إليّ :ذكرت ابن راشد رحمه‌الله فإنّه عاش سعيداً ، ومات شهيداً . ودعا لابن بند والعاصمي(١) .

وقد مرّت بعض المراسلات الأُخرى له مع الإمامعليه‌السلام وهي تكشف عن ثقة الإمام بمحمد وتسديده له ، ولمّا مرض محمد بعث له الإمام أبو الحسن عليه‌السلام بثوب فأخذه ووضعه تحت رأسه فلمّا توفّي كُفّن فيه .

١٩ ـ معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الكوفي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، قال النجاشي فيه : إنّه ثقة جليل من أصحاب الرضاعليه‌السلام قال أبو عبد الله الحسين : سمعت شيوخنا يقولون : روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلاً وله كتب منها : كتاب الطلاق ، كتاب الحيض ، كتاب الفرائض ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ، كتاب الديّات ، وله نوادر(٢) .

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٦٣ .

(٢) رجال النجاشي : ٤١٢ .

١٩٥

٢٠ ـ يعقوب بن إسحاق :

أبو يوسف الدورقي الأهوازي المشهور بابن السكّيت ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، كان مقدّماً عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسنعليه‌السلام وكانا يختصّانه ، وله عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام رواية ومسائل .

كان ابن السكيت حامل لواء علم العربية والأدب والشعر واللغة والنحو ، وله تصانيف كثيرة منها : ( تهذيب الألفاظ ) وكتاب ( إصلاح المنطق ) قتله المتوكل لولائه لأهل البيتعليهم‌السلام .

النساء :

ولم يذكر الشيخ الطوسي من النساء اللاتي روين عن الإمام الهاديعليه‌السلام سوى السيدة الكريمة كلثم الكرخية ، وقد عدّها الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام وأضاف أنّ الرّاوي عنها هو عبد الرحمان الشعيري ، وهو أبو عبد الرحمان بن داود البغدادي(١) .

ــــــــــــــ

(١) اقتبسنا ما ورد في هذا الفصل عن أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام من ( حياة الإمام علي الهاديعليه‌السلام ) : ١٧٠ ـ ٢٣٠ للشيخ باقر شريف القرشي .

١٩٦

البحث الثاني : نماذج من تراث الإمام الهاديعليه‌السلام

١ ـ من تراثه التفسيري :

١ ـ روى العياشي بإسناده عن حمدويه ، عن محمد بن عيسى قال : سمعته يقول : كتب إليه إبراهيم بن عنبسة ـ يعني إلى علي بن محمدعليه‌السلام ـ إن رأى سيّدي ومولاي أن يخبرني عن قول الله :( يسألونك عن الخمر والميسر ) فما الميسر جُعلت فداك ؟

فكتبعليه‌السلام :كل ما قُومر به فهو الميسر وكل مسكر حرام (١) .

٢ ـ وروى بإسناده عن أيوب بن نوح بن دراج قال : سألت أبا الحسن الثالثعليه‌السلام عن الجاموس وأعلمته أنّ أهل العراق يقولون إنّه مسخ ، فقال :أو ما سمعت قول الله : ( ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ) (٢) .

٣ ـ وروى العياشي : بإسناده عن موسى بن محمّد بن علي عن أخيه أبي الحسن الثالثعليه‌السلام قال :الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد ، عهد إليهما أن لا ينظرا إلى مَن فضّل الله عليه وعلى خلايقه بعين الحسد ، ولم يجد الله له عزماً (٣) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير العيّاشي : ١ / ١٠٦ .

(٢) تفسير العيّاشي : ١ / ٣٨٠ .

(٣) تفسير العيّاشي : ١/٩ .

١٩٧

٢ ـ من تراثه الكلامي

١ ـ عن أحمد بن إسحاق ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالثعليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس ؟ فكتب : لا تجوز الرؤية ، ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئيّ لم تصحّ الرؤية ; وكان في ذلك الاشتباه ، لأنَّ الرائي متى ساوى المرئيَّ في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان ذلك التشبيه لأنّ الأسباب لا بدّ من اتّصالها بالمسبّبات(١) .

٢ ـ عن بشر بن بشّار النيسابوريّ قال : كتبت إلى الرَّجلعليه‌السلام : إنّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول : (هو) جسم ومنهم من يقول : (هو) صورة فكتب إليَّ : سبحان من لا يحدُّ ولا يوصف ولا يشبهه شيء وليس كمثله شي وهو السميع البصير(٢) .

٣ ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمدانيّ ، ومحمّد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : سمعته يقول :وهو اللّطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، لو كان كما يقول المشبّهة لم يعرف الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشأ ، لكنّه المنشئ فرَّق بين مَن جسّمه وصوَّره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبهه هو شيئاً .

قلت : أجل جعلني الله فداك لكنّك قلت : الأحد الصمد وقلت : لا يشبهه شيء والله واحد والإنسان واحد أليس قد تشابهت الوحدانيّة ؟

قال :يا فتح أحلت ثبّتك الله إنّما التشبيه في المعاني ، فأمّا في الأسماء فهي واحدة

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ٩٧ ، والتوحيد : ١٠٩ .

(٢) الكافي : ١ / ١٠٢ .

١٩٨

وهي دالّة على المسمّى وذلك أنَّ الإنسان وإن قيل واحدٌ فإنّه يخبر أنّه جثّة واحدة وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد ؛ لأنَّ أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة ومن ألوانه مختلفة غير واحد وهو أجزاء مجزّأة ، ليست بسواء .

دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه وكذلك سائر جميع الخلق ، فالإنسان واحد في الاسم ولا واحد في المعنى والله جلَّ جلاله هو واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان ، فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع المؤلّف من أجزاء مختلفة وجواهر شتّى غير أنّه بالاجتماع شيء واحد .

قلت : جُعلت فداك فرَّجت عنّي فرَّج الله عنك ، فقولك : اللّطيف الخبير فسّره لي كما فسّرت الواحد فإنّي أعلم أنّ لطفه على خلاف لطف خلقه المفصل غير أنّي أُحبُّ أن تشرح ذلك لي .

فقال :يا فتح إنّما قلنا : اللّطيف للخلق اللّطيف ( و ) لعلمه بالشيء اللّطيف أو لا ترى وفّقك الله وثبّتك إلى أثر صنعه في النبات اللّطيف وغير اللّطيف ومن الخلق اللّطيف ومن الحيوان الصغار ومن البعوض والجرجس وما هو أصغر منها ما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأُنثى والحدث المولود من القديم .

فلمّا رأينا صغر ذلك في لطفه واهتداءه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه وما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار وإفهام بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثمَّ تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة وأنّه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها .

لا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا علمنا أنَّ خالق هذا الخلق لطيف لطف بخلق ما سمّيناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة ، وأنَّ كلَّ صانع شيء فمن شيء صنع والله الخالق اللّطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء (١) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ١١٨ ، والتوحيد : ١٨٥ .

١٩٩

٤ ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد الهمدانيّ وعن محمّد ابن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال :إنَّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو يشاء أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ أن يأكلا لمّا غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى (١) .

٥ ـ عن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسنعليه‌السلام يسأله عن الله عزَّ وجلَّ أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوَّنها ، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوَّن عند ما كوَّن ؟ فوقَّععليه‌السلام بخطّه :لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء (٢) .

٦ ـ عن الفتح بن يزيد الجرجانيِّ عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن أدنى المعرفة ، فقال :الإقرار بأنّه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنّه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنّه ليس كمثله شيء (٣) .

٧ ـ عن معلى بن محمّد ، قال : سئل العالمعليه‌السلام كيف علم الله ؟ قال :علم ، وشاء ، وأراد ، وقدَّر ، وقضى ، وأبدى فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدَّر ، وقدَّر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيَّة ، وبمشيَّته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التَّقدير ، وبتقديره كان

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ١٥١ واعلم أنّ الرواية مشتملة على كون المأمور بالذبح إسحاق دون إسماعيل وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة .

(٢) التوحيد : ١٤٥ .

(٣) التوحيد : ٢٨٣ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221