اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)25%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122498 / تحميل: 6744
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المتوكل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثين ألف درهم إلى الإمام فحملت له ، ولما جاء الأعرابي قال له الإمامعليه‌السلام :( خذ هذا المال واقضِ منه دينك ، وانفق الباقي على عيالك وأهلك واعذرنا ) .

وأكبر الأعرابي ذلك ، وقال للإمام : إنّ ديني يقصر على ثلث هذا المبلغ .

فأبى الإمامعليه‌السلام أن يستردّ منه من الثلاثين شيئاً ، فولّى الأعرابي وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته (١) .

٢ ـ الزهد :

لقد عزف الإمام الهادي عليه‌السلام عن جميع مباهج الحياة ومتعها وعاش عيشةً زاهدة إلى أقصى حدّ ، لقد واظب على العبادة والورع والزهد ، فلم يحفل بأي مظهر من مظاهر الحياة ، وآثر طاعة الله على كل شيء ، وقد كان منزله في يثرب وسُرّ مَن رأى خالياً من كل أثاث ، فقد داهمت منزله شرطة المتوكل ففتّشوه تفتيشاً دقيقاً فلم يجدوا فيه شيئاً من رغائب الحياة ، وكذلك لما فتّشت الشرطة داره في سُرّ مَن رأى ، فقد وجدوا الإمام في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر وهو جالس على الرمل والحصى ، ليس بينه وبين الأرض فراش (٢) .

٣ ـ العمل في المزرعة :

وتجرّد الإمام العظيم من الأنانية ، حتى ذكروا أنّه كان يعمل بيده في أرض له لإعاشة عياله ، فقد روى عليّ بن حمزة حيث قال : ( رأيت أبا

ــــــــــــــ

(١) الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٧٦ والفصول المهمّة لابن الصباغ : ٢٧٤ والصواعق المحرقة : ٣١٢ .

(٢) أصول الكافي : ١/٤٩٩ وعنه في الإرشاد : ٢/٣٠٢ ، ٣٠٣ وعن الكليني في إعلام الورى : ٢/١١٩ والفصول المهمّة : ٣٧٧ .

٢١

الحسن الثالث يعمل في أرض وقد استنقعت قدماه من العرق فقلت له : جُعلت فداك أين الرجال ؟ فقال الإمام : يا علي قد عمل بالمسحاة مَن هو خير منّي ومن أبي في أرضه قلت : مَن هو ؟ قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء الصالحين ) (١) .

٤ ـ إرشاد الضالين :

واهتمّ الإمام الهادي عليه‌السلام اهتماماً بالغاً بإرشاد الضالين والمنحرفين عن الحق وهدايتهم إلى سواء السبيل ، وكان من بين مَن أرشدهم الإمام وهداهم : أبو الحسن البصري المعروف بالملاح ، فقد كان واقفياً يقتصر على إمامة الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ولا يعترف بإمامة أبنائه الطاهرين ، فالتقى به الإمام الهادي فقال له : ( إلى متى هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها ؟! ) وأثّرت هذه الكلمة في نفسه فآب إلى الحقّ ، والرشاد (٢) .

٥ ـ التحذير عن مجالسة الصوفيّين :

وحذّر الإمام الهاديعليه‌السلام أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بالصوفيين والاختلاط بهم ؛ لأنّهم مصدر غواية وضلال للناس ، فهم يظهرون التقشّف والزهد لإغراء البسطاء والسذّج وغوايتهم.

فلقد شدّد الإمام الهاديعليه‌السلام في التحذير من الاختلاط بهم حتى روى

ــــــــــــــ

(١) كتاب مَن لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٦٢ .

(٢) إعلام الورى : ٢/١٢٣ عن كتاب الواحدة للعمي ، وعن الأعلام في بحار الأنوار : ٥٠/١٨٩ .

٢٢

الحسين بن أبي الخطاب قال : كنت مع أبي الحسن الهاديعليه‌السلام في مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري ، وكان بليغاً وله منزلة مرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية المسجد فجلسوا في جانب منه ، وأخذوا بالتهليل ، فالتفت الإمام إلى أصحابه فقال لهم :( لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين فإنّهم حلفاء الشياطين ، ومخرّبو قواعد الدين ، يتزهّدون لإراحة الأجسام ، ويتهجّدون لصيد الأنعام ، يتجرّعون عمراً حتى يديخوا للايكاف (١) حمراً ، لا يهللون إلاّ لغرور الناس ، ولا يقلّلون الغذاء إلاّ لملء العساس واختلاس قلب الدفناس (٢) ، يكلّمون الناس بإملائهم في الحبّ ، ويطرحونهم بإذلالهم في الجب ، أورادهم الرقص والتصدية ، وأذكارهم الترنّم والتغنية ، فلا يتبعهم إلاّ السفهاء ، ولا يعتقد بهم إلاّ الحمقاء ، فمَن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً أو ميتاً ، فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومَن أعان واحداً منهم فكأنّما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان ) .

فقال أحد أصحابه : وإن كان معترفاً بحقوقكم ؟ .

فزجره الإمام وصاح به قائلاً :( دع ذا عنك ، مَن اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدري أنّهم أخسّ طوائف الصوفية ، والصوفية كلّهم مخالفونا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلاّ نصارى أو مجوس هذه الأُمّة ، أُولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ) (٣) .

ــــــــــــــ

(١) يديخوا : أي يذلوها ويقهروها .

(٢) الدفناس : الغبيّ والأحمق ، كما في مجمع البحرين : ٤/٧١ .

(٣) حديقة الشيعة للأردبيلي : ٦٠٢ ، ٦٠٣ عن المرتضى الرازي في كتاب الفصول ، وابن حمزة في كتاب الهادي إلى النجاة ، كلاهما عن الشيخ المفيد ، وعنه في روضات الجنّات : ٣/١٣٤ .

٢٣

٦ ـ تكريمه للعلماء :

وكان الإمام الهاديعليه‌السلام يكرم رجال الفكر والعلم ويحتفي بهم ويقدّمهم على بقية الناس ؛ لأنّهم مصدر النور في الأرض ، وكان من بين مَن كرّمهم أحد علماء الشيعة وفقهائهم ، وكان قد بلغه عنه أنّه حاجج ناصبياً فأفحمه وتغلّب عليه فسرّ الإمامعليه‌السلام بذلك ، ووفد العالم على الإمام فقابله بحفاوة وتكريم ، وكان مجلسه مكتظّاً بالعلويين والعباسيين ، فأجلسه الإمام على دست ، وأقبل عليه يحدّثه ، ويسأل عن حاله سؤالاً حفياً ، وشقّ ذلك على حضّار مجلسه من الهاشميين فالتفتوا إلى الإمام ، وقالوا له : كيف تقدّمه على سادات بني هاشم ؟ فقال لهم الإمام :( إيّاكم أن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (١) أترضون بكتاب الله عزّ وجلّ حكماً ؟ ) فقالوا جميعاً : بلى يا ابن رسول الله(٢) .

وأخذ الإمام يقيم الدليل على ما ذهب إليه قائلاً :أليس الله قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ ـ إلى قوله ـ :وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (٣) فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم ، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع على مَن ليس بمؤمن ، أخبروني عنه قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات ) أو قال : يرفع الله

ــــــــــــــ

(١) آل عمران (٣) : ٢٣ .

(٢) كذا ، والصحيح : ألا ترضون ، وإلاّ فالجواب بنعم وليس ببلى .

(٣) المجادلة (٥٨) : ١١ .

٢٤

الذين أُوتوا شرف النسب درجات ؟! أو ليس قال الله : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (١) .

فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله ، إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علّمه إيّاها لأشرف من كل شرف في النسب .

وسكت الحاضرون ، فقد ردّ عليهم الإمام ببالغ حجّته ، إلاّ أنّ بعض العبّاسيين انبرى قائلاً : يا ابن رسول الله لقد شرّفت هذا علينا ، وقصرتنا عمّن ليس له نسب كنسبنا ، وما زال منذ أول الإسلام يقدّم الأفضل في الشرف على مَن دونه .

وهذا منطق رخيص فإنّ الإسلام لا يخضع بموازينه إلاّ للقيم الصحيحة التي لم يعِها هذا العباسي ، وقد ردّ عليه الإمامعليه‌السلام قائلاً : سبحان الله ! أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيمي ، والعباس هاشمي ، أو ليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب ، وهو هاشمي أبو الخلفاء ، وعمر عدوي ، وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ، ولم يدخل العباس ؟! فإن كان رفعاً لمَن ليس بهاشمي على هاشمي منكراً ، فأنكروا على العباس بيعته لأبي بكر وعلى عبد الله بن عباس بخدمته لعمر ، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز (٢) .

٧ ـ العبادة :

إنّ الإقبال على الله والإنابة إليه وإحياء الليالي بالعبادة ومناجاة الله وتلاوة كتابه هي السّمة البارزة عند أهل البيتعليهم‌السلام .

أمّا الإمام الهاديعليه‌السلام فلم يرَ الناس في عصره مثله في عبادته وتقواه

ــــــــــــــ

(١) الزمر (٣٥) : ٩ .

(٢) الاحتجاج للطبرسي : ٢ / ٢٥٩ .

٢٥

وشدّة تحرّجه في الدين ، فلم يترك نافلة من النوافل إلاّ أتى بها ، وكان يقرأ في الركعة الثالثة من نافلة المغرب سورة الحمد وأوّل سورة الحديد إلى قوله تعالى : ( انّه عليم بذات الصدور ) وفي الركعة الرابعة سورة الحمد وآخر سورة الحجرات (١) .

٨ ـ استجابة دعائه :

وقد ذكرت بوادر كثيرة من استجابة دعاء الإمامعليه‌السلام عند الله كان منها :

١ ـ ما رواه المنصوري عن عمّ أبيه ، قال : قصدت الإمام عليّاً الهادي ، فقلت له : يا سيّدي إنّ هذا الرجل ـ يعني المتوكّل ـ قد اطرحني ، وقطع رزقي ، وملّني وما أُتّهم به في ذلك هو علمه بملازمتي بك ، وطلب من الإمام التوسّط في شأنه عند المتوكّل ، فقالعليه‌السلام :تُكفى إن شاء الله ، ولما صار الليل طرقته رسل المتوكل فخفّ معهم مسرعاً إليه ، فلما انتهى إلى باب القصر رأى الفتح واقفاً على الباب فاستقبله وجعل يوبّخه على تأخيره ثم أدخله على المتوكّل فقابله ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً : يا أبا موسى تنشغل عنّا ، وتنسانا ؟! أي شيء لك عندي ؟ وعرض الرجل حوائجه وصِلاته التي قطعها عنه ، فأمر المتوكّل بها وبضعفها له ، وخرج الرجل مسروراً .

وانصرف الرجل فتبعه الفتح فأسرع إليه قائلاً : لست أشكّ أنّك التمست منه ـ أي من الإمام ـ الدعاء ، فالتمس لي منه الدعاء .

ومضى ميمّماً وجهه نحو الإمامعليه‌السلام فلمّا تشرّف بالمثول بين يديه

ــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة : ٤/٧٥٠ .

٢٦

قالعليه‌السلام له :يا أبا موسى هذا وجه الرضا .

فقال الرجل بخضوع : ببركتك يا سيّدي ، ولكن قالوا لي : إنّك ما مضيت إليه ولا سألته .

فأجابه الإمام ببسمات قائلاً :إنّ الله تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه ، ولا نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه ، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا .

وفطن الرجل إلى أنّ الإمام قد دعا له بظهر الغيب ، وتذكّر ما سأله الفتح فقال : يا سيّدي إنّ الفتح يلتمس منك الدعاء .

فلم يستجب الإمام له وقال :إنّ الفتح يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ، الدعاء إنّما يدعى له إذا أخلص في طاعة الله ، واعترف برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبحقّنا أهل البيت (١) .

٢ ـ روي أنّ عليّ بن جعفر كان من وكلاء الإمامعليه‌السلام فسعي به إلى المتوكّل فحبسه ، وبقي في ظلمات السجون مدّة من الزمن ، وقد ضاق به الأمر فتكلّم مع بعض عملاء السلطة في إطلاق سراحه ، وقد ضمن أن يعطيه عوض ذلك ثلاثة آلاف دينار ، فأسرع إلى عبيد الله وهو من المقرّبين عند المتوكّل ، وطلب منه التوسّط في شأن عليّ بن جعفر ، فاستجاب له ، وعرض الأمر على المتوكل ، فأنكر عليه ذلك وقال له : لو شككت فيك لقلت : إنّك رافضي ، هذا وكيل أبي الحسن الهادي وأنا على قتله عازم .

وندم عبيد الله على التوسّط في شأنه ، وأخبر صاحبه بالأمر ، فبادر إلى عليّ بن جعفر وعرّفه أنّ المتوكّل عازم على قتله ولا سبيل إلى إطلاق

ــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي : ٢٨٥ ح ٥٥٥ وعنه في بحار الأنوار : ٥٠/١٢٧ وفي المناقب : ٤/٤٤٢ .

٢٧

سراحه ، فضاق الأمر بعليّ بن جعفر ، فكتب رسالة إلى الإمام جاء فيها : ( يا سيّدي الله الله فيَّ ، فقد خفت أن أرتاب ، فوقّع الإمام على رسالته :( أمّا إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك ) ، وأصبح المتوكّل محموماً دنفاً ، وازدادت به الحمّى فأمر بإطلاق جميع المساجين ، وأمر بإطلاق سراح علي بن جعفر بالخصوص ، وقال لعبيد الله : لِمَ لَمْ تعرض عليَّ اسمه ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً ، فأمره بأن يخلّي عنه ، وأن يلتمس منه أن يجعله في حلّ ممّا ارتكبه منه ، وأطلق سراحه ، ثم نزح إلى مكّة فأقام بها بأمر من الإمام )(١) .

هذه بعض البوادر التي ذكرها الرواة من استجابة دعاء الإمام ، ومن المؤكّد أنّ استجابة الدعاء ليس من عمل الإنسان وصنعه ، وإنّما هو بيد الله تعالى فهو الذي يستجيب دعاء مَن يشاء من عباده ، وممّا لا شبهة فيه أنّ لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام منزلة كريمة عنده تعالى ؛ لأنّهم أخلصوا له كأعظم ما يكون الإخلاص ، وأطاعوه حقّ طاعته وقد خصّهم تعالى باستجابة دعائهم كما جعل مراقدهم الكريمة من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء(٢) .

ــــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ٦٠٦ ح ١١٢٩ وعنه في بحار الأنوار : ٥٠/١٨٣ .

(١) راجع حياة الإمام علي الهادي عليه‌السلام : ٤٢ ـ ٦٢ .

٢٨

الباب الثاني : فيه فصول :

الفصل الأوّل : نشأة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثالث : الإمام الهادي في ظلِّ أبيهعليهما‌السلام .

الفصل الأوّل : نشأة الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام

١ ـ نسبه الشريف

هو أبو الحسن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام وهو العاشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

أُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية(١) وعُرفت بأُمّ الفضل (٢) .

٢ ـ ولادته ونشأته

وُلدعليه‌السلام للنصف من ذي الحجّة أو ثاني رجب سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين(٣) .

وكانت ولادتهعليه‌السلام في قرية ( صريا ) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال(٤) .

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ٢٩٨ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٣ ، وعنه في بحار الأنوار : ٥٠ / ١١٤ .

(٣) أصول الكافي : ١ / ٤٩٧ ، والإرشاد : ٣٦٨ ، والمصباح : ٥٢٣ .

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٣ ، وثلاثة أميال تعادل خمسة كيلومترات .

٢٩

٣ ـ بشارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادته

وبشرّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادته في حديث طويل حول الأئمة عليهم‌السلام بقوله : ( وإنّ الله ركّب في صلبه ـ إشارة إلى الإمام الجواد عليه‌السلام ـ نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارّة مباركة ، طيّبة طاهرة ، سمّاها عنده علي بن محمد فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم ، وكل سرّ مكتوم ، من كفّيه ، وفي صدره شيء أنبأه به ، وحذّره من عدوّه ) (١) .

٤ ـ كنيته وألقابه

يُكنّى الإمامعليه‌السلام بأبي الحسن ، وتمييزاً له عن الإمامين الكاظم والرضاعليهما‌السلام يقال له أبو الحسن الثالث .

أمّا ألقابه فهي : الهادي والنقيّ وهما أشهر ألقابه ، والمرتضى ، والفتّاح ، والناصح ، والمتوكّل ، وقد منع شيعته من أن ينادوه به لأنّ الخليفة العباسي كان يُلقّب به(٢) .

وفي المناقب ذكر الألقاب التالية : النجيب ، الهادي ، المرتضى ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتَمن ، الطيّب ، العسكري ، وقد عرف هو وابنه بالعسكريينعليهما‌السلام (٣) .

ــــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٦٢ ، ح ٢٩ .

(٢) كشف الغمّة : ٢ / ٣٧٤ .

(٣) المناقب : ٤ / ٤٣٢ .

٣٠

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الهاديعليه‌السلام

يمكن تقسيم حياة الإمام الهاديعليه‌السلام التي ناهزت الأربعين سنة إلى مراحل متعدّدة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به .

غير أنّ التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمةعليهم‌السلام ، والذي يرتكز على تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحد منهم ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهمعليهم‌السلام والذي يتمثّل في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأمة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها ومبادئها وصيانة دولة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التردّي ما أمكن والتمهيد لاستلام زمام الحكم حينما لا يتنافى مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها .

والمرحلة الأولى من حياة الإمام الهاديعليه‌السلام تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجوادعليه‌السلام وهي بين (٢١٢ هـ) إلى (٢٢٠ هـ) ويبلغ أقصاها ثمان سنوات تقريباً .

وقد عاصر فيها كلاًّ من : المأمون والمعتصم العباسيين .

والمرحلة الثانية تتمثّل في الفترة الزمنية بين تولّيهعليه‌السلام لمنصب الإمامة في نهاية سنة (٢٢٠ هـ) والى حين استشهادهعليه‌السلام في سنة (٢٥٤ هـ) وهي أربع وثلاثون سنة تقريباً .

وقد عاصر في هذه الفترة ستة من ملوك بني العباس ، وهم على الترتيب :

١ ـ المعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ) .

٢ ـ الواثق (٢٢٧ ـ ٢٣٢ هـ) .

٣ ـ المتوكّل (٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ) .

٤ ـ المنتصر (٢٤٧ ـ ٢٤٨ هـ) .

٥ ـ المستعين (٢٤٨ ـ ٢٥٢ هـ) .

٦ ـ المعتز (٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ) .

٣١

وسوف نتابع المرحلة الأولى من حياة هذا الإمام العظيم في الفصل الثالث من الباب الثاني ، ونقف عند أهم الأحداث التي ترتبط به في فترة حياته في ظل أبيهعليه‌السلام .

وأمّا المرحلة الثانية من حياته المباركة فسوف ندرس ظروفها ونقف عند ملامحها ومتطلّباتها خلال الأبواب الثلاثة الأخيرة .

الفصل الثالث : الإمام علي بن محمد الهادي في ظلّ أبيه الجوادعليهما‌السلام

لقد تقلّد الإمام محمد الجوادعليه‌السلام الزعامة الدينية والمرجعية الفكرية والروحية للشيعة بعد استشهاد الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام سنة (٢٠٢ هـ)(١) .

وكان عمره الشريف حوالى سبع سنوات وكان مع حداثته يدبّر أمر الرضاعليه‌السلام بالمدينة ويأمر الموالي وينهاهم لا يخالف عليه أحد منهم(٢) .

وقال صفوان بن يحيى : قلت للرضاعليه‌السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهب الله وأقرَّ عيوننا فلا أرانا الله يومك فإذا كان كون فإلى مَن ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفرعليه‌السلام وهو نائم بين يديه .

فقلت : جُعلت فداك هو ابن ثلاث سنين !(٣)

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام :إنّ الله بعث عيسى بن مريم قائماً بشريعته وهو في دون السنّ التي يقوم فيها أبو جعفر على شريعتنا (٤) .

وعاش بعد أبيه تسع عشرة سنة إلاّ خمساً وعشرين يوماً(٥) وهي مدّة إمامتهعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية : ١٨٤ .

(٢) إثبات الوصية : ١٨٥ .

(٣) إثبات الوصية : ١٨٥ و١٨٦ .

(٤) إثبات الوصية : ١٨٥ و١٨٦ .

(٥) الكافي : ١ / ٥٧٢ ، ح ١٢ .

٣٢

الشيعة وإمامة الجوادعليه‌السلام

بعد التحاق الإمام الرضاعليه‌السلام بالرفيق الأعلى ، كان عمر الإمام الجوادعليه‌السلام سبع سنوات وهذه الإمامة المبكّرة كانت أول ظاهرة ملفتة للنظر عند الشيعة أنفسهم فضلاً عن غيرهم .

واحتار بعض رموز الشيعة فضلاً عن غيرهم بالرغم من التمهيد لهذه الظاهرة من قِبل الإمام الرضاعليه‌السلام قبل إشخاصه إلى خراسان وبعده .

من هنا اجتمع جملة من كبار الشيعة في بيت أحدهم يتداولون في أمر الإمامة ، وكان من بين هؤلاء المجتمعين ، الريّان بن الصلت ، ويونس ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، فجعلوا يبكون ، فقال لهم يونس : دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي ـ أي الإمام الجوادعليه‌السلام ـ فردّ عليه الريان بن الصلت قائلاً :

( إن كان أمر من الله جلّ وعلا ، فابن يومين مثل ابن مائة سنة ، وإن لم يكن من عند الله فلو عمَّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه ، وهذا ممّا ينبغي أن ينظر فيه )(١) .

ويتّضح من النص السابق تأكيد الريّان على مفهوم الإمامة باعتبارها منصباً إلهياً كالنبوّة من حيث الاختيار والانتخاب لهذا المنصب .

فإنّه بيد الله سبحانه ، قال تعالى :( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) وليس للناس فيها أمر واختيار .

ــــــــــــــ

(١) دلائل الإمامة : ٢٠٥ .

٣٣

عصر الإمام الجواد

عاصر الإمام الجوادعليه‌السلام من خلفاء بني العباس المأمون (١٩٨ ـ ٢١٨ هـ) والمعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ) ، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجوادعليه‌السلام ، وزوّجه ابنته أم الفضل ، ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضاعليه‌السلام وولاّه عهده وقرّب العلويين(١) .

أمّا حكم المعتصم فكان حكماً استبدادياً مقروناً بشيء من العطف وحسن التدبير ، وقد وصفه المسعودي(٢) بحسن السيرة واستقامة الطريقة .

وقد اعتمد الخلفاء العباسيون الأوائل في إنشاء حكومتهم واستمرارها على الفرس دون العرب وأسندوا إليهم المناصب المدنيّة والعسكرية ، ممّا أدّى إلى سيادة الفرس في مختلف الميادين وضمور دور العرب في الدولة العباسية ومؤسّساتها المختلفة ، وأثمرت هذه الظاهرة التنافس بين العرب والفرس ، حتى جاء المعتصم ـ وكانت أُمّه تركيّة ـ فاعتمد على العنصر التركي واتّخذهم حرساً له ، وأسند إليهم مناصب الدولة وقلّدهم ولاية الأقاليم البعيدة عن مركز الخلافة وأخرج العرب من ديوان العطاء وأحلّ محلّهم الترك فحقد العرب والفرس عليهم جميعاً .

ولم يقتصر الصراع على ما كان بين العرب والفرس والترك بل تعدّاه إلى قيام المنافسة بين العنصر العربي نفسه ، فاشتعلت نيران العصبية بين عرب الشمال المضريين ، وعرب الجنوب اليمنيين(٣) .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٦٦ ـ ٦٧ للدكتور حسن إبراهيم حسن .

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٤٧٦ .

(٣) تاريخ الإسلام : ٣٩٥ .

٣٤

وهذا يوضح لنا شدّة

الصراع داخل الأسرة الحاكمة نفسها .

فكان شعب الدولة العباسية في نهاية العصر الأوّل يتكوّن من :

١ ـ العرب ( المضريين واليمنيين ) .

٢ ـ الفرس ( الخراسانيين ) الذين ساعدوا العباسيين في إنشاء حكومتهم .

٣ ـ الترك ، الذين آلت إليهم إدارة الدولة .

٤ ـ أهل الذمّة ( أهل الكتاب ) وهم : اليهود والنصارى .

وكانت الطوائف الدينية منفصلة بعضها عن بعض تمام الانفصال ، وكان لا يجوز للمسيحي أن يتهوّد ولا لليهودي أن يتنصّر ، واقتصر تغيير الدين على الدخول في الإسلام ، وكان الرقيق يكوّنون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع الإسلامي ، وكانت سمرقند تُعدّ من أكبر أسواق الرقيق ؛ إذ كان أهلها يتخذون ذلك صناعة لهم يعيشون منها .

وكان لاتساع رقعة الدولة العباسية ، ووفرة ثرواتها ، ورواج تجارتها أثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل حتى لقد غدا الناس جميعاً من الخليفة إلى العامة طلاّباً للعلم أو على الأقلّ أنصاراً للأدب ، وكان الناس في عهد هذه الدولة يجوبون ثلاث قارّات سعياً إلى موارد العلم والعرفان ليعودوا إلى بلادهم وهم يحملون أصنافاً من العلم ، ثم يصنّفون ما بذلوه من جهد متصل بمصنّفات هي أشبه شيء بدوائر المعارف ، والتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم إلينا بصورة لم تكن متوقّعة من قبل(١) .

هذا في الشرق الإسلامي ، وأمّا في الغرب فقد نافست قرطبة بغداد والبصرة والكوفة ودمشق والفسطاط فأصبحت حاضرة الأندلس حتى جذبت مساجدها الأوربيين الذين وفدوا لارتشاف العلم من مناهله والتزوّد من الثقافة الإسلامية ، ومن ثم ظهرت فيها طائفة من العلماء والشعراء والأُدباء والفلاسفة والمترجمين والفقهاء وغيرهم .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٣ .

٣٥

ولم يقتصر اهتمام العلماء المسلمين على العلوم النقلية مثل علم التفسير ، والقراءات وعلم الحديث والفقه والكلام ، بل شمل اهتمامهم العلوم العقلية ، كالفلسفة ، والهندسة ، وعلم النجوم ، والطب ، والكيمياء ، وغيرها .

وفي العصر العباسي الأوّل اشتغل الناس بالعلوم الدينية وظهر المتكلّمون وتكلّم الناس في مسألة خلق القرآن ، وتدخّل المأمون في ذلك ، فأوجد مجالس للمناظرة بين العلماء في حضرته ؛ ولهذا عاب الناس عليه تدخّله في الأمور الدينية كما عابوا عليه تفضيل علي بن أبي طالبعليه‌السلام على سائر الخلفاء(١) .

وفي هذا العصر ظهر صنفان من العلماء :

الصنف الأول : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم النقل والاستيعاب ويسمون أهل علم .

والصنف الثاني : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم الابتداع والاستنباط ويسمون أهل عقل(٢) .

كما نشطت في هذا العصر أيضاً ، في ميدان الفقه مدرستان : مدرسة أهل الحديث في المدينة ومدرسة الرأي في العراق .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٣ .

(٢) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢٤ .

٣٦

الحالة السياسية

كانت تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع والصراع على السلطة بين ولاة العهد ؛ لأنّ أحدهما كان يرى أن يولّي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون(١) .

وقد كان الأمين شديد البطش لكنّه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير وتجلّى ضعف تدبيره في الاضطرابات التي نشأت نتيجة صراعه مع المأمون على السلطة ، والتي استمرت من سنة (٩٣ ـ ٩٨هـ) حيث تمكّن أعوان المأمون من قتل محمد الأمين والاستيلاء على بغداد ، ومن ثمّ تفرّد المأمون في إدارة الحكم وعزل قوّاد وولاة أخيه الأمين ، وأبدلهم بأنصاره وأعوانه الذين مكّنوه من الانتصار على الأمين .

وفي عهد المأمون قد حدثت عدّة ثورات وحركات مسلّحة تمكّن منها جيش الدولة ، وأعاد الأمصار التي حصلت فيها تلك الثورات وانفصلت عن الدولة إلى الخضوع إلى سلطان الخليفة ، وكان بعد استقرار الوضع واستتباب السيطرة للمأمون أن قام بغزو بلاد الروم عام (٢١٧ هـ)(٢) .

ويصوّر أحد شعراء العصر العباسي الأوّل ـ من أهل بغداد وهو يُعرف بعلي ابن أبي طالب الأعمى ـ الحالة السياسية والاجتماعية في هذه الفترة من زمن الدولة العباسية فيما أنشده بقوله :

ــــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٤ / ٣٥٠ ـ ٣٥٣ .

(٢) تاريخ الطبري ، تاريخ الأُمم والملوك ، أحداث السنين (١٩٩ ـ ٢١٧ هـ) .

٣٧

أضاع الخلافة غِشُّ الوزير

وفِسقُ الإمام ورأي المشير

وما ذاك إلاّ طريق الغرور

وشرّ المسالك طُرقُ الغرور

فعال الخليفة أعجوبة

وأعجب منه فعال الوزير

وأعجب من ذا وذا أنّنا

نبايع للطفل فينا الصغير

ومَن ليس يُحسن مسح انفه

ولم يخل من متنه حجرُ ظير

وما ذاك ، إلاّ بباغٍ وغاو

يريدان نقض الكتاب المنير

وهذان لولا انقلاب الزمان

أفي العير هذان أم في النفير

ولكنّها فتن كالجبا

ل نرتع فيها بصنع الحقير(١)

ولمّا قُتل الأمين حُمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة ، وأعطى الجند ، وأمر كل مَن قبض رزقه أن يلعنه ، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس ، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : العن هذا الرأس فقال : لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أُمّهاتهم ، فقيل له : لعنت أمير المؤمنين ! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل ، وأمر بحطّ الرأس وردّه إلى العراق(٢) .

وجابه حكم المأمون تحدّيات عديدة وخطيرة كادت أن تسقط دولته وأهم الأحداث التي كانت أيام حكومته هي :

١ ـ ثورة ابن طباطبا(٣) سنة (١٩٩ هـ) بقيادة أبي السرايا .

وهي من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام الجوادعليه‌السلام وقد رفعت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكادت

ــــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٣ / ٣٩٧ .

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٤١٤ .

(٣) هو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .

٣٨

أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية ؛ إذ استجاب لها الكثير من أبناء الشعب المسلم واستطاع أبو السرايا بعقله الملهم أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ويجعلهم قادة في جيشه ممّا أدّى إلى اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى الانضمام لثورته .

ووجّه إليه المأمون ، زهير بن المسيب على عشرة آلاف مقاتل ، ولكنّ زهيراً انهزم جيشه واستبيح عسكره ، وقد قوي شأنهم بعد ذلك وهزموا جيشاً آخر أرسله المأمون إليهم ، واستولوا على ( واسط ) .

ثم التقى بهم جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين ، فهرب أبو السرايا إلى القادسية ، ودخل هرثمة إلى الكوفة ، ثم قتل أبو السرايا ، وكان ذلك في سنة (٢٠٠ هـ)(١) .

٢ ـ ولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام .

وفي سنة إحدى ومائتين فرض المأمون على الإمام علي بن موسى الرضا قبول ولاية العهد ، وأمر عمّال الدولة برمي السواد ولبس الخضرة ؛ فشقّ ذلك على العباسيين وقامت قيامتهم بإدخاله الرضاعليه‌السلام في الخلافة فخالفوا المأمون وبايعوا عمّه المنصور بن المهدي فضعف عن الأمر ، وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه إبراهيم بن المهدي فبايعوه وجرت لذلك حروب عديدة(٢) .

وبعد أن عجز المأمون عن تحقيق أغراضه من فرض ولاية العهد ـ كما يريد ـ على الإمام الرضاعليه‌السلام قام بدس السمّ إليه واغتياله وذلك في سنة ثلاث

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٢ ـ ١١٣ .

(٢) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٢ ـ ١١٣ .

٣٩

ومائتين(١) .

٣ ـ أحداث سنة ست ومائتين : وفي هذه السنة استفحل أمر بابك الخرّمي بجبال آذربيجان وأكثر الغارة والقتل وهزم عسكر المأمون وفعل القبائح(٢) .

٤ ـ أحداث سنة تسع ومائتين : وفي هذه السنة ظهر نصر بن أشعث العقيلي ، وكانت بينه وبين عبد الله بن طاهر الخزاعي قائد جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد (٣) .

٥ ـ غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدّة حصون وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر(٤) .

وامتدّت هذه الحروب أكثر من سنتين ، وقد أسرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام (٢١٧ هـ) .

الإمام الجوادعليه‌السلام والمأمون العباسي

لقد انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام تباين سياسة أسلافه من ملوك بني العباس .

ويُعد هذا التحوّل في العلاقة بين السلطة والأئمة دليلاً على اتّساع المساحة التي كان يشغلها تأثير الأئمة وسط الأمة والمجتمع الإسلامي مع انشداد الغالبية المؤثّرة بالأئمةعليهم‌السلام والقول

ــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية : ١٨١ ـ ١٨٣ .

(٢) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٤ .

(٣) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٥ ـ ١١٧ .

(٤) تاريخ الذهبي دول الإسلام : ١١٥ ـ ١١٧ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221