اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)25%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122499 / تحميل: 6744
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المتوكل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثين ألف درهم إلى الإمام فحملت له ، ولما جاء الأعرابي قال له الإمامعليه‌السلام :( خذ هذا المال واقضِ منه دينك ، وانفق الباقي على عيالك وأهلك واعذرنا ) .

وأكبر الأعرابي ذلك ، وقال للإمام : إنّ ديني يقصر على ثلث هذا المبلغ .

فأبى الإمامعليه‌السلام أن يستردّ منه من الثلاثين شيئاً ، فولّى الأعرابي وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته (١) .

٢ ـ الزهد :

لقد عزف الإمام الهادي عليه‌السلام عن جميع مباهج الحياة ومتعها وعاش عيشةً زاهدة إلى أقصى حدّ ، لقد واظب على العبادة والورع والزهد ، فلم يحفل بأي مظهر من مظاهر الحياة ، وآثر طاعة الله على كل شيء ، وقد كان منزله في يثرب وسُرّ مَن رأى خالياً من كل أثاث ، فقد داهمت منزله شرطة المتوكل ففتّشوه تفتيشاً دقيقاً فلم يجدوا فيه شيئاً من رغائب الحياة ، وكذلك لما فتّشت الشرطة داره في سُرّ مَن رأى ، فقد وجدوا الإمام في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر وهو جالس على الرمل والحصى ، ليس بينه وبين الأرض فراش (٢) .

٣ ـ العمل في المزرعة :

وتجرّد الإمام العظيم من الأنانية ، حتى ذكروا أنّه كان يعمل بيده في أرض له لإعاشة عياله ، فقد روى عليّ بن حمزة حيث قال : ( رأيت أبا

ــــــــــــــ

(١) الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٧٦ والفصول المهمّة لابن الصباغ : ٢٧٤ والصواعق المحرقة : ٣١٢ .

(٢) أصول الكافي : ١/٤٩٩ وعنه في الإرشاد : ٢/٣٠٢ ، ٣٠٣ وعن الكليني في إعلام الورى : ٢/١١٩ والفصول المهمّة : ٣٧٧ .

٢١

الحسن الثالث يعمل في أرض وقد استنقعت قدماه من العرق فقلت له : جُعلت فداك أين الرجال ؟ فقال الإمام : يا علي قد عمل بالمسحاة مَن هو خير منّي ومن أبي في أرضه قلت : مَن هو ؟ قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء الصالحين ) (١) .

٤ ـ إرشاد الضالين :

واهتمّ الإمام الهادي عليه‌السلام اهتماماً بالغاً بإرشاد الضالين والمنحرفين عن الحق وهدايتهم إلى سواء السبيل ، وكان من بين مَن أرشدهم الإمام وهداهم : أبو الحسن البصري المعروف بالملاح ، فقد كان واقفياً يقتصر على إمامة الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ولا يعترف بإمامة أبنائه الطاهرين ، فالتقى به الإمام الهادي فقال له : ( إلى متى هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها ؟! ) وأثّرت هذه الكلمة في نفسه فآب إلى الحقّ ، والرشاد (٢) .

٥ ـ التحذير عن مجالسة الصوفيّين :

وحذّر الإمام الهاديعليه‌السلام أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بالصوفيين والاختلاط بهم ؛ لأنّهم مصدر غواية وضلال للناس ، فهم يظهرون التقشّف والزهد لإغراء البسطاء والسذّج وغوايتهم.

فلقد شدّد الإمام الهاديعليه‌السلام في التحذير من الاختلاط بهم حتى روى

ــــــــــــــ

(١) كتاب مَن لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٦٢ .

(٢) إعلام الورى : ٢/١٢٣ عن كتاب الواحدة للعمي ، وعن الأعلام في بحار الأنوار : ٥٠/١٨٩ .

٢٢

الحسين بن أبي الخطاب قال : كنت مع أبي الحسن الهاديعليه‌السلام في مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري ، وكان بليغاً وله منزلة مرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية المسجد فجلسوا في جانب منه ، وأخذوا بالتهليل ، فالتفت الإمام إلى أصحابه فقال لهم :( لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين فإنّهم حلفاء الشياطين ، ومخرّبو قواعد الدين ، يتزهّدون لإراحة الأجسام ، ويتهجّدون لصيد الأنعام ، يتجرّعون عمراً حتى يديخوا للايكاف (١) حمراً ، لا يهللون إلاّ لغرور الناس ، ولا يقلّلون الغذاء إلاّ لملء العساس واختلاس قلب الدفناس (٢) ، يكلّمون الناس بإملائهم في الحبّ ، ويطرحونهم بإذلالهم في الجب ، أورادهم الرقص والتصدية ، وأذكارهم الترنّم والتغنية ، فلا يتبعهم إلاّ السفهاء ، ولا يعتقد بهم إلاّ الحمقاء ، فمَن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً أو ميتاً ، فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومَن أعان واحداً منهم فكأنّما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان ) .

فقال أحد أصحابه : وإن كان معترفاً بحقوقكم ؟ .

فزجره الإمام وصاح به قائلاً :( دع ذا عنك ، مَن اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدري أنّهم أخسّ طوائف الصوفية ، والصوفية كلّهم مخالفونا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلاّ نصارى أو مجوس هذه الأُمّة ، أُولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ) (٣) .

ــــــــــــــ

(١) يديخوا : أي يذلوها ويقهروها .

(٢) الدفناس : الغبيّ والأحمق ، كما في مجمع البحرين : ٤/٧١ .

(٣) حديقة الشيعة للأردبيلي : ٦٠٢ ، ٦٠٣ عن المرتضى الرازي في كتاب الفصول ، وابن حمزة في كتاب الهادي إلى النجاة ، كلاهما عن الشيخ المفيد ، وعنه في روضات الجنّات : ٣/١٣٤ .

٢٣

٦ ـ تكريمه للعلماء :

وكان الإمام الهاديعليه‌السلام يكرم رجال الفكر والعلم ويحتفي بهم ويقدّمهم على بقية الناس ؛ لأنّهم مصدر النور في الأرض ، وكان من بين مَن كرّمهم أحد علماء الشيعة وفقهائهم ، وكان قد بلغه عنه أنّه حاجج ناصبياً فأفحمه وتغلّب عليه فسرّ الإمامعليه‌السلام بذلك ، ووفد العالم على الإمام فقابله بحفاوة وتكريم ، وكان مجلسه مكتظّاً بالعلويين والعباسيين ، فأجلسه الإمام على دست ، وأقبل عليه يحدّثه ، ويسأل عن حاله سؤالاً حفياً ، وشقّ ذلك على حضّار مجلسه من الهاشميين فالتفتوا إلى الإمام ، وقالوا له : كيف تقدّمه على سادات بني هاشم ؟ فقال لهم الإمام :( إيّاكم أن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (١) أترضون بكتاب الله عزّ وجلّ حكماً ؟ ) فقالوا جميعاً : بلى يا ابن رسول الله(٢) .

وأخذ الإمام يقيم الدليل على ما ذهب إليه قائلاً :أليس الله قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ ـ إلى قوله ـ :وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (٣) فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم ، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع على مَن ليس بمؤمن ، أخبروني عنه قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات ) أو قال : يرفع الله

ــــــــــــــ

(١) آل عمران (٣) : ٢٣ .

(٢) كذا ، والصحيح : ألا ترضون ، وإلاّ فالجواب بنعم وليس ببلى .

(٣) المجادلة (٥٨) : ١١ .

٢٤

الذين أُوتوا شرف النسب درجات ؟! أو ليس قال الله : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (١) .

فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله ، إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علّمه إيّاها لأشرف من كل شرف في النسب .

وسكت الحاضرون ، فقد ردّ عليهم الإمام ببالغ حجّته ، إلاّ أنّ بعض العبّاسيين انبرى قائلاً : يا ابن رسول الله لقد شرّفت هذا علينا ، وقصرتنا عمّن ليس له نسب كنسبنا ، وما زال منذ أول الإسلام يقدّم الأفضل في الشرف على مَن دونه .

وهذا منطق رخيص فإنّ الإسلام لا يخضع بموازينه إلاّ للقيم الصحيحة التي لم يعِها هذا العباسي ، وقد ردّ عليه الإمامعليه‌السلام قائلاً : سبحان الله ! أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيمي ، والعباس هاشمي ، أو ليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب ، وهو هاشمي أبو الخلفاء ، وعمر عدوي ، وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ، ولم يدخل العباس ؟! فإن كان رفعاً لمَن ليس بهاشمي على هاشمي منكراً ، فأنكروا على العباس بيعته لأبي بكر وعلى عبد الله بن عباس بخدمته لعمر ، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز (٢) .

٧ ـ العبادة :

إنّ الإقبال على الله والإنابة إليه وإحياء الليالي بالعبادة ومناجاة الله وتلاوة كتابه هي السّمة البارزة عند أهل البيتعليهم‌السلام .

أمّا الإمام الهاديعليه‌السلام فلم يرَ الناس في عصره مثله في عبادته وتقواه

ــــــــــــــ

(١) الزمر (٣٥) : ٩ .

(٢) الاحتجاج للطبرسي : ٢ / ٢٥٩ .

٢٥

وشدّة تحرّجه في الدين ، فلم يترك نافلة من النوافل إلاّ أتى بها ، وكان يقرأ في الركعة الثالثة من نافلة المغرب سورة الحمد وأوّل سورة الحديد إلى قوله تعالى : ( انّه عليم بذات الصدور ) وفي الركعة الرابعة سورة الحمد وآخر سورة الحجرات (١) .

٨ ـ استجابة دعائه :

وقد ذكرت بوادر كثيرة من استجابة دعاء الإمامعليه‌السلام عند الله كان منها :

١ ـ ما رواه المنصوري عن عمّ أبيه ، قال : قصدت الإمام عليّاً الهادي ، فقلت له : يا سيّدي إنّ هذا الرجل ـ يعني المتوكّل ـ قد اطرحني ، وقطع رزقي ، وملّني وما أُتّهم به في ذلك هو علمه بملازمتي بك ، وطلب من الإمام التوسّط في شأنه عند المتوكّل ، فقالعليه‌السلام :تُكفى إن شاء الله ، ولما صار الليل طرقته رسل المتوكل فخفّ معهم مسرعاً إليه ، فلما انتهى إلى باب القصر رأى الفتح واقفاً على الباب فاستقبله وجعل يوبّخه على تأخيره ثم أدخله على المتوكّل فقابله ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً : يا أبا موسى تنشغل عنّا ، وتنسانا ؟! أي شيء لك عندي ؟ وعرض الرجل حوائجه وصِلاته التي قطعها عنه ، فأمر المتوكّل بها وبضعفها له ، وخرج الرجل مسروراً .

وانصرف الرجل فتبعه الفتح فأسرع إليه قائلاً : لست أشكّ أنّك التمست منه ـ أي من الإمام ـ الدعاء ، فالتمس لي منه الدعاء .

ومضى ميمّماً وجهه نحو الإمامعليه‌السلام فلمّا تشرّف بالمثول بين يديه

ــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة : ٤/٧٥٠ .

٢٦

قالعليه‌السلام له :يا أبا موسى هذا وجه الرضا .

فقال الرجل بخضوع : ببركتك يا سيّدي ، ولكن قالوا لي : إنّك ما مضيت إليه ولا سألته .

فأجابه الإمام ببسمات قائلاً :إنّ الله تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه ، ولا نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه ، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا .

وفطن الرجل إلى أنّ الإمام قد دعا له بظهر الغيب ، وتذكّر ما سأله الفتح فقال : يا سيّدي إنّ الفتح يلتمس منك الدعاء .

فلم يستجب الإمام له وقال :إنّ الفتح يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ، الدعاء إنّما يدعى له إذا أخلص في طاعة الله ، واعترف برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبحقّنا أهل البيت (١) .

٢ ـ روي أنّ عليّ بن جعفر كان من وكلاء الإمامعليه‌السلام فسعي به إلى المتوكّل فحبسه ، وبقي في ظلمات السجون مدّة من الزمن ، وقد ضاق به الأمر فتكلّم مع بعض عملاء السلطة في إطلاق سراحه ، وقد ضمن أن يعطيه عوض ذلك ثلاثة آلاف دينار ، فأسرع إلى عبيد الله وهو من المقرّبين عند المتوكّل ، وطلب منه التوسّط في شأن عليّ بن جعفر ، فاستجاب له ، وعرض الأمر على المتوكل ، فأنكر عليه ذلك وقال له : لو شككت فيك لقلت : إنّك رافضي ، هذا وكيل أبي الحسن الهادي وأنا على قتله عازم .

وندم عبيد الله على التوسّط في شأنه ، وأخبر صاحبه بالأمر ، فبادر إلى عليّ بن جعفر وعرّفه أنّ المتوكّل عازم على قتله ولا سبيل إلى إطلاق

ــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي : ٢٨٥ ح ٥٥٥ وعنه في بحار الأنوار : ٥٠/١٢٧ وفي المناقب : ٤/٤٤٢ .

٢٧

سراحه ، فضاق الأمر بعليّ بن جعفر ، فكتب رسالة إلى الإمام جاء فيها : ( يا سيّدي الله الله فيَّ ، فقد خفت أن أرتاب ، فوقّع الإمام على رسالته :( أمّا إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك ) ، وأصبح المتوكّل محموماً دنفاً ، وازدادت به الحمّى فأمر بإطلاق جميع المساجين ، وأمر بإطلاق سراح علي بن جعفر بالخصوص ، وقال لعبيد الله : لِمَ لَمْ تعرض عليَّ اسمه ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً ، فأمره بأن يخلّي عنه ، وأن يلتمس منه أن يجعله في حلّ ممّا ارتكبه منه ، وأطلق سراحه ، ثم نزح إلى مكّة فأقام بها بأمر من الإمام )(١) .

هذه بعض البوادر التي ذكرها الرواة من استجابة دعاء الإمام ، ومن المؤكّد أنّ استجابة الدعاء ليس من عمل الإنسان وصنعه ، وإنّما هو بيد الله تعالى فهو الذي يستجيب دعاء مَن يشاء من عباده ، وممّا لا شبهة فيه أنّ لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام منزلة كريمة عنده تعالى ؛ لأنّهم أخلصوا له كأعظم ما يكون الإخلاص ، وأطاعوه حقّ طاعته وقد خصّهم تعالى باستجابة دعائهم كما جعل مراقدهم الكريمة من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء(٢) .

ــــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ٦٠٦ ح ١١٢٩ وعنه في بحار الأنوار : ٥٠/١٨٣ .

(١) راجع حياة الإمام علي الهادي عليه‌السلام : ٤٢ ـ ٦٢ .

٢٨

الباب الثاني : فيه فصول :

الفصل الأوّل : نشأة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثالث : الإمام الهادي في ظلِّ أبيهعليهما‌السلام .

الفصل الأوّل : نشأة الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام

١ ـ نسبه الشريف

هو أبو الحسن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام وهو العاشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

أُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية(١) وعُرفت بأُمّ الفضل (٢) .

٢ ـ ولادته ونشأته

وُلدعليه‌السلام للنصف من ذي الحجّة أو ثاني رجب سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين(٣) .

وكانت ولادتهعليه‌السلام في قرية ( صريا ) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال(٤) .

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ٢٩٨ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٣ ، وعنه في بحار الأنوار : ٥٠ / ١١٤ .

(٣) أصول الكافي : ١ / ٤٩٧ ، والإرشاد : ٣٦٨ ، والمصباح : ٥٢٣ .

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٣ ، وثلاثة أميال تعادل خمسة كيلومترات .

٢٩

٣ ـ بشارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادته

وبشرّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادته في حديث طويل حول الأئمة عليهم‌السلام بقوله : ( وإنّ الله ركّب في صلبه ـ إشارة إلى الإمام الجواد عليه‌السلام ـ نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارّة مباركة ، طيّبة طاهرة ، سمّاها عنده علي بن محمد فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم ، وكل سرّ مكتوم ، من كفّيه ، وفي صدره شيء أنبأه به ، وحذّره من عدوّه ) (١) .

٤ ـ كنيته وألقابه

يُكنّى الإمامعليه‌السلام بأبي الحسن ، وتمييزاً له عن الإمامين الكاظم والرضاعليهما‌السلام يقال له أبو الحسن الثالث .

أمّا ألقابه فهي : الهادي والنقيّ وهما أشهر ألقابه ، والمرتضى ، والفتّاح ، والناصح ، والمتوكّل ، وقد منع شيعته من أن ينادوه به لأنّ الخليفة العباسي كان يُلقّب به(٢) .

وفي المناقب ذكر الألقاب التالية : النجيب ، الهادي ، المرتضى ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتَمن ، الطيّب ، العسكري ، وقد عرف هو وابنه بالعسكريينعليهما‌السلام (٣) .

ــــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٦٢ ، ح ٢٩ .

(٢) كشف الغمّة : ٢ / ٣٧٤ .

(٣) المناقب : ٤ / ٤٣٢ .

٣٠

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الهاديعليه‌السلام

يمكن تقسيم حياة الإمام الهاديعليه‌السلام التي ناهزت الأربعين سنة إلى مراحل متعدّدة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به .

غير أنّ التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمةعليهم‌السلام ، والذي يرتكز على تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحد منهم ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهمعليهم‌السلام والذي يتمثّل في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأمة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها ومبادئها وصيانة دولة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التردّي ما أمكن والتمهيد لاستلام زمام الحكم حينما لا يتنافى مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها .

والمرحلة الأولى من حياة الإمام الهاديعليه‌السلام تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجوادعليه‌السلام وهي بين (٢١٢ هـ) إلى (٢٢٠ هـ) ويبلغ أقصاها ثمان سنوات تقريباً .

وقد عاصر فيها كلاًّ من : المأمون والمعتصم العباسيين .

والمرحلة الثانية تتمثّل في الفترة الزمنية بين تولّيهعليه‌السلام لمنصب الإمامة في نهاية سنة (٢٢٠ هـ) والى حين استشهادهعليه‌السلام في سنة (٢٥٤ هـ) وهي أربع وثلاثون سنة تقريباً .

وقد عاصر في هذه الفترة ستة من ملوك بني العباس ، وهم على الترتيب :

١ ـ المعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ) .

٢ ـ الواثق (٢٢٧ ـ ٢٣٢ هـ) .

٣ ـ المتوكّل (٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ) .

٤ ـ المنتصر (٢٤٧ ـ ٢٤٨ هـ) .

٥ ـ المستعين (٢٤٨ ـ ٢٥٢ هـ) .

٦ ـ المعتز (٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ) .

٣١

وسوف نتابع المرحلة الأولى من حياة هذا الإمام العظيم في الفصل الثالث من الباب الثاني ، ونقف عند أهم الأحداث التي ترتبط به في فترة حياته في ظل أبيهعليه‌السلام .

وأمّا المرحلة الثانية من حياته المباركة فسوف ندرس ظروفها ونقف عند ملامحها ومتطلّباتها خلال الأبواب الثلاثة الأخيرة .

الفصل الثالث : الإمام علي بن محمد الهادي في ظلّ أبيه الجوادعليهما‌السلام

لقد تقلّد الإمام محمد الجوادعليه‌السلام الزعامة الدينية والمرجعية الفكرية والروحية للشيعة بعد استشهاد الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام سنة (٢٠٢ هـ)(١) .

وكان عمره الشريف حوالى سبع سنوات وكان مع حداثته يدبّر أمر الرضاعليه‌السلام بالمدينة ويأمر الموالي وينهاهم لا يخالف عليه أحد منهم(٢) .

وقال صفوان بن يحيى : قلت للرضاعليه‌السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهب الله وأقرَّ عيوننا فلا أرانا الله يومك فإذا كان كون فإلى مَن ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفرعليه‌السلام وهو نائم بين يديه .

فقلت : جُعلت فداك هو ابن ثلاث سنين !(٣)

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام :إنّ الله بعث عيسى بن مريم قائماً بشريعته وهو في دون السنّ التي يقوم فيها أبو جعفر على شريعتنا (٤) .

وعاش بعد أبيه تسع عشرة سنة إلاّ خمساً وعشرين يوماً(٥) وهي مدّة إمامتهعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية : ١٨٤ .

(٢) إثبات الوصية : ١٨٥ .

(٣) إثبات الوصية : ١٨٥ و١٨٦ .

(٤) إثبات الوصية : ١٨٥ و١٨٦ .

(٥) الكافي : ١ / ٥٧٢ ، ح ١٢ .

٣٢

الشيعة وإمامة الجوادعليه‌السلام

بعد التحاق الإمام الرضاعليه‌السلام بالرفيق الأعلى ، كان عمر الإمام الجوادعليه‌السلام سبع سنوات وهذه الإمامة المبكّرة كانت أول ظاهرة ملفتة للنظر عند الشيعة أنفسهم فضلاً عن غيرهم .

واحتار بعض رموز الشيعة فضلاً عن غيرهم بالرغم من التمهيد لهذه الظاهرة من قِبل الإمام الرضاعليه‌السلام قبل إشخاصه إلى خراسان وبعده .

من هنا اجتمع جملة من كبار الشيعة في بيت أحدهم يتداولون في أمر الإمامة ، وكان من بين هؤلاء المجتمعين ، الريّان بن الصلت ، ويونس ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، فجعلوا يبكون ، فقال لهم يونس : دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي ـ أي الإمام الجوادعليه‌السلام ـ فردّ عليه الريان بن الصلت قائلاً :

( إن كان أمر من الله جلّ وعلا ، فابن يومين مثل ابن مائة سنة ، وإن لم يكن من عند الله فلو عمَّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه ، وهذا ممّا ينبغي أن ينظر فيه )(١) .

ويتّضح من النص السابق تأكيد الريّان على مفهوم الإمامة باعتبارها منصباً إلهياً كالنبوّة من حيث الاختيار والانتخاب لهذا المنصب .

فإنّه بيد الله سبحانه ، قال تعالى :( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) وليس للناس فيها أمر واختيار .

ــــــــــــــ

(١) دلائل الإمامة : ٢٠٥ .

٣٣

عصر الإمام الجواد

عاصر الإمام الجوادعليه‌السلام من خلفاء بني العباس المأمون (١٩٨ ـ ٢١٨ هـ) والمعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ) ، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجوادعليه‌السلام ، وزوّجه ابنته أم الفضل ، ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضاعليه‌السلام وولاّه عهده وقرّب العلويين(١) .

أمّا حكم المعتصم فكان حكماً استبدادياً مقروناً بشيء من العطف وحسن التدبير ، وقد وصفه المسعودي(٢) بحسن السيرة واستقامة الطريقة .

وقد اعتمد الخلفاء العباسيون الأوائل في إنشاء حكومتهم واستمرارها على الفرس دون العرب وأسندوا إليهم المناصب المدنيّة والعسكرية ، ممّا أدّى إلى سيادة الفرس في مختلف الميادين وضمور دور العرب في الدولة العباسية ومؤسّساتها المختلفة ، وأثمرت هذه الظاهرة التنافس بين العرب والفرس ، حتى جاء المعتصم ـ وكانت أُمّه تركيّة ـ فاعتمد على العنصر التركي واتّخذهم حرساً له ، وأسند إليهم مناصب الدولة وقلّدهم ولاية الأقاليم البعيدة عن مركز الخلافة وأخرج العرب من ديوان العطاء وأحلّ محلّهم الترك فحقد العرب والفرس عليهم جميعاً .

ولم يقتصر الصراع على ما كان بين العرب والفرس والترك بل تعدّاه إلى قيام المنافسة بين العنصر العربي نفسه ، فاشتعلت نيران العصبية بين عرب الشمال المضريين ، وعرب الجنوب اليمنيين(٣) .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٦٦ ـ ٦٧ للدكتور حسن إبراهيم حسن .

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٤٧٦ .

(٣) تاريخ الإسلام : ٣٩٥ .

٣٤

وهذا يوضح لنا شدّة

الصراع داخل الأسرة الحاكمة نفسها .

فكان شعب الدولة العباسية في نهاية العصر الأوّل يتكوّن من :

١ ـ العرب ( المضريين واليمنيين ) .

٢ ـ الفرس ( الخراسانيين ) الذين ساعدوا العباسيين في إنشاء حكومتهم .

٣ ـ الترك ، الذين آلت إليهم إدارة الدولة .

٤ ـ أهل الذمّة ( أهل الكتاب ) وهم : اليهود والنصارى .

وكانت الطوائف الدينية منفصلة بعضها عن بعض تمام الانفصال ، وكان لا يجوز للمسيحي أن يتهوّد ولا لليهودي أن يتنصّر ، واقتصر تغيير الدين على الدخول في الإسلام ، وكان الرقيق يكوّنون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع الإسلامي ، وكانت سمرقند تُعدّ من أكبر أسواق الرقيق ؛ إذ كان أهلها يتخذون ذلك صناعة لهم يعيشون منها .

وكان لاتساع رقعة الدولة العباسية ، ووفرة ثرواتها ، ورواج تجارتها أثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل حتى لقد غدا الناس جميعاً من الخليفة إلى العامة طلاّباً للعلم أو على الأقلّ أنصاراً للأدب ، وكان الناس في عهد هذه الدولة يجوبون ثلاث قارّات سعياً إلى موارد العلم والعرفان ليعودوا إلى بلادهم وهم يحملون أصنافاً من العلم ، ثم يصنّفون ما بذلوه من جهد متصل بمصنّفات هي أشبه شيء بدوائر المعارف ، والتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم إلينا بصورة لم تكن متوقّعة من قبل(١) .

هذا في الشرق الإسلامي ، وأمّا في الغرب فقد نافست قرطبة بغداد والبصرة والكوفة ودمشق والفسطاط فأصبحت حاضرة الأندلس حتى جذبت مساجدها الأوربيين الذين وفدوا لارتشاف العلم من مناهله والتزوّد من الثقافة الإسلامية ، ومن ثم ظهرت فيها طائفة من العلماء والشعراء والأُدباء والفلاسفة والمترجمين والفقهاء وغيرهم .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٣ .

٣٥

ولم يقتصر اهتمام العلماء المسلمين على العلوم النقلية مثل علم التفسير ، والقراءات وعلم الحديث والفقه والكلام ، بل شمل اهتمامهم العلوم العقلية ، كالفلسفة ، والهندسة ، وعلم النجوم ، والطب ، والكيمياء ، وغيرها .

وفي العصر العباسي الأوّل اشتغل الناس بالعلوم الدينية وظهر المتكلّمون وتكلّم الناس في مسألة خلق القرآن ، وتدخّل المأمون في ذلك ، فأوجد مجالس للمناظرة بين العلماء في حضرته ؛ ولهذا عاب الناس عليه تدخّله في الأمور الدينية كما عابوا عليه تفضيل علي بن أبي طالبعليه‌السلام على سائر الخلفاء(١) .

وفي هذا العصر ظهر صنفان من العلماء :

الصنف الأول : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم النقل والاستيعاب ويسمون أهل علم .

والصنف الثاني : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم الابتداع والاستنباط ويسمون أهل عقل(٢) .

كما نشطت في هذا العصر أيضاً ، في ميدان الفقه مدرستان : مدرسة أهل الحديث في المدينة ومدرسة الرأي في العراق .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٣ .

(٢) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢٤ .

٣٦

الحالة السياسية

كانت تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع والصراع على السلطة بين ولاة العهد ؛ لأنّ أحدهما كان يرى أن يولّي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون(١) .

وقد كان الأمين شديد البطش لكنّه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير وتجلّى ضعف تدبيره في الاضطرابات التي نشأت نتيجة صراعه مع المأمون على السلطة ، والتي استمرت من سنة (٩٣ ـ ٩٨هـ) حيث تمكّن أعوان المأمون من قتل محمد الأمين والاستيلاء على بغداد ، ومن ثمّ تفرّد المأمون في إدارة الحكم وعزل قوّاد وولاة أخيه الأمين ، وأبدلهم بأنصاره وأعوانه الذين مكّنوه من الانتصار على الأمين .

وفي عهد المأمون قد حدثت عدّة ثورات وحركات مسلّحة تمكّن منها جيش الدولة ، وأعاد الأمصار التي حصلت فيها تلك الثورات وانفصلت عن الدولة إلى الخضوع إلى سلطان الخليفة ، وكان بعد استقرار الوضع واستتباب السيطرة للمأمون أن قام بغزو بلاد الروم عام (٢١٧ هـ)(٢) .

ويصوّر أحد شعراء العصر العباسي الأوّل ـ من أهل بغداد وهو يُعرف بعلي ابن أبي طالب الأعمى ـ الحالة السياسية والاجتماعية في هذه الفترة من زمن الدولة العباسية فيما أنشده بقوله :

ــــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٤ / ٣٥٠ ـ ٣٥٣ .

(٢) تاريخ الطبري ، تاريخ الأُمم والملوك ، أحداث السنين (١٩٩ ـ ٢١٧ هـ) .

٣٧

أضاع الخلافة غِشُّ الوزير

وفِسقُ الإمام ورأي المشير

وما ذاك إلاّ طريق الغرور

وشرّ المسالك طُرقُ الغرور

فعال الخليفة أعجوبة

وأعجب منه فعال الوزير

وأعجب من ذا وذا أنّنا

نبايع للطفل فينا الصغير

ومَن ليس يُحسن مسح انفه

ولم يخل من متنه حجرُ ظير

وما ذاك ، إلاّ بباغٍ وغاو

يريدان نقض الكتاب المنير

وهذان لولا انقلاب الزمان

أفي العير هذان أم في النفير

ولكنّها فتن كالجبا

ل نرتع فيها بصنع الحقير(١)

ولمّا قُتل الأمين حُمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة ، وأعطى الجند ، وأمر كل مَن قبض رزقه أن يلعنه ، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس ، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : العن هذا الرأس فقال : لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أُمّهاتهم ، فقيل له : لعنت أمير المؤمنين ! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل ، وأمر بحطّ الرأس وردّه إلى العراق(٢) .

وجابه حكم المأمون تحدّيات عديدة وخطيرة كادت أن تسقط دولته وأهم الأحداث التي كانت أيام حكومته هي :

١ ـ ثورة ابن طباطبا(٣) سنة (١٩٩ هـ) بقيادة أبي السرايا .

وهي من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام الجوادعليه‌السلام وقد رفعت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكادت

ــــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٣ / ٣٩٧ .

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٤١٤ .

(٣) هو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .

٣٨

أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية ؛ إذ استجاب لها الكثير من أبناء الشعب المسلم واستطاع أبو السرايا بعقله الملهم أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ويجعلهم قادة في جيشه ممّا أدّى إلى اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى الانضمام لثورته .

ووجّه إليه المأمون ، زهير بن المسيب على عشرة آلاف مقاتل ، ولكنّ زهيراً انهزم جيشه واستبيح عسكره ، وقد قوي شأنهم بعد ذلك وهزموا جيشاً آخر أرسله المأمون إليهم ، واستولوا على ( واسط ) .

ثم التقى بهم جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين ، فهرب أبو السرايا إلى القادسية ، ودخل هرثمة إلى الكوفة ، ثم قتل أبو السرايا ، وكان ذلك في سنة (٢٠٠ هـ)(١) .

٢ ـ ولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام .

وفي سنة إحدى ومائتين فرض المأمون على الإمام علي بن موسى الرضا قبول ولاية العهد ، وأمر عمّال الدولة برمي السواد ولبس الخضرة ؛ فشقّ ذلك على العباسيين وقامت قيامتهم بإدخاله الرضاعليه‌السلام في الخلافة فخالفوا المأمون وبايعوا عمّه المنصور بن المهدي فضعف عن الأمر ، وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه إبراهيم بن المهدي فبايعوه وجرت لذلك حروب عديدة(٢) .

وبعد أن عجز المأمون عن تحقيق أغراضه من فرض ولاية العهد ـ كما يريد ـ على الإمام الرضاعليه‌السلام قام بدس السمّ إليه واغتياله وذلك في سنة ثلاث

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٢ ـ ١١٣ .

(٢) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٢ ـ ١١٣ .

٣٩

ومائتين(١) .

٣ ـ أحداث سنة ست ومائتين : وفي هذه السنة استفحل أمر بابك الخرّمي بجبال آذربيجان وأكثر الغارة والقتل وهزم عسكر المأمون وفعل القبائح(٢) .

٤ ـ أحداث سنة تسع ومائتين : وفي هذه السنة ظهر نصر بن أشعث العقيلي ، وكانت بينه وبين عبد الله بن طاهر الخزاعي قائد جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد (٣) .

٥ ـ غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدّة حصون وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر(٤) .

وامتدّت هذه الحروب أكثر من سنتين ، وقد أسرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام (٢١٧ هـ) .

الإمام الجوادعليه‌السلام والمأمون العباسي

لقد انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام تباين سياسة أسلافه من ملوك بني العباس .

ويُعد هذا التحوّل في العلاقة بين السلطة والأئمة دليلاً على اتّساع المساحة التي كان يشغلها تأثير الأئمة وسط الأمة والمجتمع الإسلامي مع انشداد الغالبية المؤثّرة بالأئمةعليهم‌السلام والقول

ــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية : ١٨١ ـ ١٨٣ .

(٢) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٤ .

(٣) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٥ ـ ١١٧ .

(٤) تاريخ الذهبي دول الإسلام : ١١٥ ـ ١١٧ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثمّ يضيف :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) ،( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) .(١)

في الحقيقة أنّ هذه الأقسام الثلاثة مرتبطة بعضها بالآخر ومكملة للآخر ، وكذلك لأنّنا كما نعلم أنّ القمر يتجلى في الليل ، ويختفي نوره في النهار لتأثير الشمس عليه ، والليل وإن كان باعثا على الهدوء والظلام وعنده سرّ عشاق الليل ، ولكن الليل المظلم يكون جميلا عند ما يدبر ويتجه العالم نحو الصبح المضيء وآخر السحر ، وطلوع الصبح المنهي الليل المظلم أصفى وأجمل من كل شيء حيث يثير في الإنسان إلى النشاط ويجعله غارقا في النور الصفاء.

هذه الأقسام الثلاثة تتناسب ضمنيا مع نور الهداية (القرآن) واستدبار الظلمات (الشرك) وعبادة (الأصنام) وطلوع بياض الصباح (التوحيد) ، ثمّ ينتهي إلى تبيان ما أقسم من أجله فيقول تعالى :( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) .(٢)

إنّ الضمير في (إنّها) إمّا يرجع إلى «سقر» ، وإمّا يرجع إلى الجنود ، أو إلى مجموعة الحوادث في يوم القيامة ، وأيّا كانت فإنّ عظمتها واضحة.

ثمّ يضيف تعالى :( نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) .(٣)

لينذر الجميع ويحذرهم من العذاب الموحش الذي ينتظر الكفّار والمذنبين وأعداء الحق.

وفي النهاية يؤكّد مضيفا أنّ هذا العذاب لا يخص جماعة دون جماعة ، بل :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) فهنيئا لمن يتقدم ، وتعسا وترحا لمن يتأخر.

واحتمل البعض كون التقدم إلى الجحيم والتأخر عنه ، وقيل هو تقدم النفس

__________________

(١) «أسفر» من مادة (سفر) على وزن (قفر) ويعني انجلاء الملابس وانكشاف الحجاب ، ولذا يقال للنساء المتبرجات (سافرات) وهذا التعبير يشمل تشبيها جميلا لطلوع الشمس.

(٢) «كبر» : جمع كبرى وهي كبيرة ، وقيل المراد بكون سقر إحدى الطبقات الكبيرة لجهنّم ، هذا المعنى لا يتفق مع ما أشرنا إليه من قبل وكذا مع الآيات.

(٣) «نذيرا» : حال للضمير في «أنّها» الذي يرجع إلى سقر ، وقيل هو تمييز ، ولكنه يصح فيما لو كان النذير مصدرا يأتي بمعنى (الإنذار) ، والمعنى الأوّل أوجه.

١٨١

الإنسانية وتكاملها أو تأخرها وانحطاطها ، والمعنى الأوّل والثّالث هما المناسبان ، دون الثّاني.

* * *

١٨٢

الآيات

( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) )

التّفسير

لم صرتم من أصحاب الجحيم؟

إكمالا للبحث الذي ورد حول النّار وأهلها في الآيات السابقة ، يضيف تعالى في هذه الآيات :( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) .

«رهينة» : من مادة (رهن) وهي وثيقة تعطى عادة مقابل القرض ، وكأن نفس الإنسان محبوسة حتى تؤدي وظائفها وتكاليفها ، فإن أدت ما عليها فكت وأطلقت ، وإلّا فهي باقية رهينة ومحبوسة دائما ، ونقل عن أهل اللغة أنّ أحد

١٨٣

معانيها الملازمة والمصاحبة(١) ، فيكون المعنى : الكلّ مقترنون بمعية أعمالهم سواء الصالحون أم المسيئون.

لذا يضيف مباشرة :( إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ) .

إنّهم حطموا أغلال وسلاسل الحبس بشعاع الإيمان والعمل الصالح ويدخلون الجنّة بدون حساب.(٢)

وهناك أقوال كثيرة حول المقصود من أصحاب اليمين :

فقيل هم الذين يحملون كتبهم بيمينهم ، وقيل هم المؤمنون الذين لم يرتكبوا ذنبا أبدا ، وقيل هم الملائكة ، وقيل غير ذلك والمعنى الأوّل يطابق ظاهر الآيات القرآنية المختلفة ، وما له شواهد قرآنية ، فهم ذو وإيمان وعمل صالح ، وإذا كانت لهم ذنوب صغيرة فإنّها تمحى بالحسنات وذلك بحكم( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٣) .

فحينئذ تغطّي حسناتهم سيئاتهم أو يدخلون الجنّة بلا حساب ، وإذا وقفوا للحساب فسيخفف عليهم ذلك ويسهل ، كما جاء في سورة الإنشقاق آية (٧) :( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) .

ونقل المفسّر المشهور «القرطبي» وهو من أهل السنة تفسير هذه الآية عن الإمام الباقرعليه‌السلام فقال : «نحن وشيعتنا أصحاب اليمين وكل من أبغضنا أهل البيت فهم مرتهنون».(٤)

وأورد هذا الحديث مفسّرون آخرون منهم صاحب مجمع البيان ونور

__________________

(١) لسان العرب مادة : رهن.

(٢) قال الشّيخ الطوسي في التبيان أن الاستثناء هنا هو منقطع وقال آخرون كصاحب (روح البيان) أنّه متصل ، وهذا الاختلاف يرتبط كما ذكرنا بالتفسيرات المختلفة لمعنى الرهينة ، وما يطابق ما اخترناه من التّفسير هو أن الاستثناء هنا منقطع وعلى التفسير الثّاني يكون متصلا.

(٣) سورة هود ، الآية ١١٤.

(٤) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٨٧٨.

١٨٤

الثقلين والبعض الآخر أورده تذييلا لهذه الآيات.

ثمّ يضيف مبيّنا جانبا من أصحاب اليمين والجماعة المقابلة لهم :

( فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ ) (١) ( عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) .

يستفاد من هذه الآيات أن الرابطة غير منقطعة بين أهل الجنان وأهل النّار ، فيمكنهم مشاهدة أحوال أهل النّار والتحدث معهم ، ولكن ماذا سيجيب المجرمون عن سؤال أصحاب اليمين؟ إنّهم يعترفون بأربع خطايا كبيرة كانوا قد ارتكبوها :

الاولى :( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) .

لو كنّا مصلّين لذكّرتنا الصلاة بالله تعالى ، ونهتنا عن الفحشاء والمنكر ودعتنا إلى صراط الله المستقيم.

والأخرى :( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) .

وهذه الجملة وإن كانت تعطي معنى إطعام المحتاجين ، ولكن الظاهر أنه يراد بها المساعدة والإعانة الضرورية للمحتاجين عموما بما ترتفع بها حوائجهم كالمأكل والملبس والمسكن وغير ذلك.

وصرّح المفسّرون أنّ المراد بها الزكاة المفروضة ، لأنّ ترك الإنفاق المستحب لا يكون سببا في دخول النّار ، وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى على أنّ الزّكاة كانت قد فرضت بمكّة بصورة إجمالية ، وإن كان التشريع بجزئياتها وتعيين خصوصياتها وتمركزها في بيت المال كان في المدينة.

والثّالثة :( وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ) .

كنّا نؤيد ما يصدر ضدّ الحقّ في مجالس الباطل. نقوم بالترويج لها ، وكنّا معهم

__________________

(١) «يتساءلون» : وهو وإن كان من باب (تفاعل) الذي يأتي عادة في الأعمال المشتركة بين اثنين أو أكثر ، ولكنه فقد هذا المعنى هنا كما في بعض الموارد الأخرى ، ولمعنى يسألون ، وتنكير الجنات هو لتبيان عظمتها و (في جنات) خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو في جنات.

١٨٥

أين ما كانوا ، وكيف ما كانوا ، وكنّا نصدق أقوالهم ، ونضفي الصحة على ما ينكرون ويكذبون ونلتذ باستهزائهم الحقّ.

«نخوض» : من مادة (خوض) على وزن (حوض) ، وتعني في الأصل الغور والحركة في الماء ، ويطلق على الدخول والتلوث بالأمور ، والقرآن غالبا ما يستعمل هذه اللفظة في الإشتغال بالباطل والغور فيه.

(الخوض في الباطل) له معان واسعة فهو يشمل الدخول في المجالس التي تتعرض فيها آيات الله للاستهزاء أو ما تروج فيها البدع ، أو المزاح الواقح ، أو التحدث عن المحارم المرتكبة بعنوان الافتخار والتلذذ بذكرها ، وكذلك المشاركة في مجالس الغيبة والاتهام واللهو واللعب وأمثال ذلك ، ولكن المعنى الذي انصرفت إليه الآية هو الخوض في مجالس الاستهزاء بالدين والمقدسات وتضعيفها وترويج الكفر والشرك.

وأخيرا يضيف :( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ) .

من الواضح أنّ إنكار المعاد ويوم الحساب والجزاء يزلزل جميع القيم الإلهية والأخلاقية ، ويشجع الإنسان على ارتكاب المحارم ، ويرفع كلّ مانع هذا الطريق ، خصوصا إذا استمر إلى آخر العمر ، على كل حال فإنّ ما يستفاد من هذه الآيات أنّ الكفار هم مكلّفون بفروع الدين ، كما هم مكلّفون بالأصول ، وكذلك تشير إلى أن الأركان الاربعة ، أي الصلاة والزّكاة وترك مجالس أهل الباطل ، والإيمان بالقيامة لها الأثر البالغ في تربية وهداية الإنسان ، وبهذا لا يمكن أن يكون الجحيم مكانا للمصلين الواقعيين ، والمؤتين الزّكاة ، والتاركين الباطل والمؤمنين بالقيامة.

بالطبع فإنّ الصلاة هي عبادة الله ، ولكنّها لا تنفع إذا لم يمتلك الإنسان الإيمان به تعالى ، ولهذا فإنّ أداءها رمز للإيمان والإعتقاد بالله والتسليم لأوامره ، ويمكن القول إنّ هذه الأمور الأربعة تبدأ بالتوحيد ينتهي بالمعاد ، وتحقق العلاقة والرابطة بين الإنسان والخالق ، وكذا بين المخلوقين أنفسهم.

١٨٦

والمشهور بين المفسّرين أنّ المراد من (اليقين) هنا هو الموت ، لأنّه يعتبر أمر يقيني للمؤمن والكافر ، وإذا شك الإنسان في شيء ما فلا يستطيع أن يشك بالموت ونقرأ أيضا في الآية (٩٩) من سورة الحجر :( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) .

ولكن ذهب البعض إلى أنّ اليقين هنا يعني المعرفة الحاصلة بعد موت الإنسان وهي التي تختص بمسائل البرزخ والقيامة ، وهذا ما يتفق نوعا ما مع التّفسير الأوّل.

وفي الآية الأخيرة محل البحث إشارة إلى العاقبة السيئة لهذه الجماعة فيقول تعالى :( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) .

فلا تنفعهم شفاعة الأنبياء ورسل الله والائمّة ، ولا الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين ، ولأنّها تحتاج إلى عوامل مساعدة وهؤلاء أبادوا كل هذه العوامل ، فالشفاعة كالماء الزلال الذي تسقى به النبتة الفتية ، وبديهي إذا ماتت النبتة الفتية ، لا يكن للماء الزلال أن يحييها ، وبعبارة أخرى كما قلنا في بحث الشفاعة ، فإنّ الشفاعة من (الشفع) وتعني ضم الشيء إلى آخر ، ومعنى هذا الحديث هو أنّ المشفّع له يكون قد قطع قسطا من الطريق وهو متأخر عن الركب في مآزق المسير ، فتضم إليه شفاعة الشافع لتعينه على قطع بقية الطريق(١) .

وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى مسألة الشفاعة وتنوع وتعدد الشفعاء عند الله ، وهي جواب قاطع لمن ينكر الشفاعة ، وكذلك توكّد على أنّ للشفاعة شروطا وأنّها لا تعني إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب الذنوب ، بل هي عامل مساعد لتربية الإنسان وإيصاله على الأقل إلى مرحلة تكون له القابلية على التشفع ، بحيث لا تنقطع وشائج العلاقة بينه وبين الله تعالى والأولياء.

* * *

__________________

(١) التّفسير الأمثل ، المجلد الأوّل ، ذيل الآية (٤٨) من سورة البقرة.

١٨٧

ملاحظة :

شفعاء يوم القيامة :

نستفيد من هذه الآيات والآيات القرآنية الأخرى أنّ الشفعاء كثيرون في يوم القيامة (مع اختلاف دائرة شفاعتهم) ويستفاد من مجموع الرّوايات الكثيرة والمنقولة من الخاصّة والعامّة أنّ الشفعاء يشفعون للمذنبين لمن فيه مؤهلات الشفاعة :

١ ـ الشفيع الأوّل هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما نقرأ في حديث حيث قال : «أنا أوّل شافع في الجنّة»(١) .

٢ ـ الأنبياء من شفعاء يوم القيامة ، كما ورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع الأنبياء في كلّ من يشهد أن لا إله إلّا الله مخلصا فيخرجونهم منها»(٢) .

٣ ـ الملائكة من شفعاء يوم المحشر ، كما نقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يؤذن للملائكة والنّبيين والشّهداء أن يشفعوا»(٣) .

٤ ، ٥ ـ الأئمّة المعصومين وشيعتهم كما قال في ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال : «لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة»(٤)

٦ ، ٧ ـ العلماء والشّهداء كما ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء»(٥) .

وورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يشفع الشّهيد في سبعين إنسانا

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٣٠.

(٢) مسند أحمد ، ج ٣ ، ص ١٢.

(٣) مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ٤٣.

(٤) الخصال للصدوقرحمه‌الله ، ص ٦٢٤.

(٥) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ، ص ١٤٤٣.

١٨٨

من أهل بيته»(١) .

وفي حديث آخر نقله المجلسي في بحار الأنوار : «إنّ شفاعتهم تقبل في سبعين ألف نفر»(٢) .

ولا منافاة بين الرّوايتين إذ أنّ عدد السبعين والسبعين ألف هي من أعداد الكثرة.

٨ ـ القرآن كذلك من الشفعاء في يوم القيامة كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «واعلموا أنّه (القرآن) شافع مشفع»(٣) .

٩ ـ من مات على الإسلام فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا بلغ الرجل التسعين غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفّع في أهله»(٤) .

١٠ ـ العبادة : كما جاء في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة»(٥) .

١١ ـ ورد في بعض الرّوايات أنّ العمل الصالح كأداء الأمانة يكون شافعا في يوم القيامة.(٦)

١٢ ـ والطريف هو ما يستفاد من بعض الرّوايات من أنّ الله تعالى أيضا يكون شافعا للمذنبين في يوم القيامة ، كما ورد في الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشفع النّبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي»(٧) .

والرّوايات كثيرة في هذه الباب وما ذكرناه هو جانب منها.(٨)

__________________

(١) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ١٥.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠٠ ، ص ١٤.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ، ١٧٦.

(٤) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ٨٩.

(٥) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ١٧٤.

(٦) مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٢ ، ص ١٤.

(٧) صحيح البخاري ، ج ٩ ، ص ١٤٩.

(٨) للاستيضاح يمكن مراجعة كتاب مفاهيم القرآن ، ج ٤ ، ص ٢٨٨ ـ ٣١١.

١٨٩

ونكرر أنّ للشفاعة شروطا لا يمكن بدونها التشفع وهذا ما جاء في الآيات التي بحثناها والتي تشير بصراحة الى عدم تأثير شفاعة الشفعاء في المجرمين ، فالمهم أن تكون هناك قابلية للتشفع ، لأنّ فاعلية الفاعل لوحدها ليست كافية (أوردنا شرحا مفصلا في هذا الباب في المجلد الأوّل في بحث الشفاعة)

* * *

١٩٠

الآيات

( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣)كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦) )

التّفسير

يفرّون من الحق كما تفرّ الحمر من الأسد :

تتابع هذه الآيات ما ورد في الآيات السابقة من البحث حول مصير المجرمين وأهل النّار ، وتعكس أوضح تصوير في خوف هذه الجماعة المعاندة ورعبها من سماع حديث الحقّ والحقيقة.

فيقول الله تعالى أوّلا :( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (١) لم يفرّون من دواء

__________________

(١) «ما» مبتدأ و (لهم) خبر و (معرضين) حال الضمير لهم (وعن التذكرة) جار ومجرور ومتعلق بالمعرضين ، وقيل تقديم (عن التذكرة) على (معرضين) دلالة على الحصر أي أنّهم أعرضوا عن التذكرة المفيدة فقط ، على كل حال فإنّ المراد من التذكرة هنا كلّ ما هو نافع ومفيد وعلى رأسها القرآن المجيد.

١٩١

القرآن الشافي؟ لم يطعنون في صدر الطبيب الحريص عليهم؟ حقّا إنّه مثير( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) .

«حمر» : جمع (حمار) والمراد هنا الحمار الوحشي ، بقرينة فرارهم من قبضة الأسد والصياد ، وبعبارة أخرى أنّ هذه الكلمة ذات مفهوم عام يشمل الحمار الوحشي والأهلي.

«قسورة» : من مادة (قسر) أي القهر والغلبة ، وهي أحد أسماء الأسد ، وقيل هو السهم ، وقيل الصيد ، ولكن المعنى الأوّل أنسب.

والمشهور أنّ الحمار الوحشي يخاف جدّا من الأسد ، حتى أنّه عند ما يسمع صوته يستولي عليه الرعب فيركض إلى كلّ الجهات كالمجنون ، خصوصا إذا ما حمل الأسد على فصيل منها ، فإنّها تتفرق في كل الجهات بحيث يعجب الناظر من رؤيتها.

وهذا الحيوان وحشي ويخاف من كل شيء ، فكيف به إذا رأى الأسد المفترس؟!

على كل حال فإنّ هذه الآية تعبير بالغ عن خوف المشركين وفرارهم من الآيات القرآنية المربية للروح ، فشبههم بالحمار الوحشي لأنّهم عديمو العقل والشعور ، وكذلك لتوحشّهم من كل شيء ، في حين أنّه ليس مقابلهم سوى التذكرة.

( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) (١) ، وذلك لتكبّرهم وغرورهم الفارغ بحيث يتوقعون من الله تعالى أن ينزل على كلّ واحد منهم كتابا.

وهذا نظير ما جاء في الآية (٩٣) من سورة الإسراء :( وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى

__________________

(١) «صحف» : جمع صحيفة ، وهي الورقة التي لها وجهان ، وتطلق كذلك على الرسالة والكتاب.

١٩٢

تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) .

وكذا في الآية (١٢٤) من سورة الأنعام حيث يقول :( قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) .

وعلى هذا فإنّ كلّا منهم يتنظر أن يكون نبيّا من اولي العزم! وينزل عليه كتابا خاصّا من الله بأسمائهم ، ومع كل هذا فليس هناك من ضمان في أن يؤمنوا بعد كل ذلك.

وجاء في بعض الرّوايات أنّ أبا جهل وجماعة من قريش قالوا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا نؤمن بك حتى تأتينا بصحف من السماء عليها فلان ابن فلان من ربّ العالمين ، ويأتي الأمر علنا باتباعك والإيمان بك.(١)

ولذا يضيف في الآية الأخرى :( كَلَّا ) ليس كما يقولون ويزعمون ، فإنّ طلب نزول مثل لهذا الكتاب وغيره هي من الحجج الواهية ، والحقيقة( بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ) .

إذا كانوا يخافون الآخرة فما كانوا يتذرعون بكل هذه الذرائع ، ما كانوا ليكذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كانوا ليستهزئوا بآيات الله تعالى ، ولا بعدد ملائكته ، ومن هنا يتّضح أثر الإيمان بالمعاد في التقوى والطهارة من المعاصي والذنوب الكبيرة ، والحقّ يقال إن الإيمان بعالم البعث والجزاء وعذاب القيامة يهب للإنسان شخصية جديدة يمكنه أن يغير إنسانا متكبرا ومغرورا وظالما إلى إنسان مؤمن متواضع ومتق عادل.

ثمّ يؤكّد القرآن على أنّ ما يفكرون به فيما يخصّ القرآن هو تفكّر خاطئ :( كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) .

إنّ القرآن الكريم قد أوضح الطريق ، ودعانا إلى التبصر فيه ، وأنار لنا السبيل

__________________

(١) تفسير القرطبي ، والمراغي ، وتفاسير اخرى.

١٩٣

ليرى الإنسان موضع أقدامه ، وفي الوقت نفسه لا يمكن ذلك إلّا بتوفيق من الله وبمشيئته تعالى ، وما يذكرون إلّا ما يشاء الله.

ولهذا الآية عدّة تفاسير :

إحداها : كما ذكرناه سابقا ، وهو أن الإنسان لا يمكنه الحصول على طريق الهداية إلّا بالتوسل بالله تعالى وطلب الموفقية منه.

وطبيعي أن هذا الإمداد والتوفيق الإلهي لا يتمّ إلّا بوجود أرضية مساعدة لنزوله.

والتّفسير الآخر : ما جاء في الآية السابقة :( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) يمكن أن يوجد وهما وأنّ كل شيء مرتبط بإرادة الإنسان نفسه ، وأنّ إرادته مستقلة في كل الأحوال ، وتقول هذه الآية رافعة بذلك هذا الاشتباه ، إنّ الإنسان مرتبط بالمشيئة الإلهية ، وإن هذه الآية مختارا حرّا وهذه المشيئة هي الحاكمة على كل هذا العالم الموجود ، وبعبارة اخرى : إنّ هذا الاختبار والحرية والمعطاة للإنسان في بمشيئته تعالى وإرادته ، ويمكن سلبها أنّى شاء.

وأمّا التّفسير الثّالث فإنّه يقول : إنّهم لا يمكنهم الإيمان إلّا أن يشاء الله ذلك ويجبرهم ، ونعلم أنّ الله لا يجبر أحدا على الإيمان أو الكفر ، والتّفسير الأوّل والثّاني أنسب وأفضل.

وفي النهاية يقول :( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) .

فهو أهل لأن يخافوا من عقابه وأن يتقوا في اتّخاذهم شريكا له تعالى شأنه ، وأن يأملوا مغفرته ، وفي الحقيقة ، أنّ هذه الآية إشارة إلى الخوف والرجاء والعذاب والمغفرة الإلهية ، وهي تعليل لما جاء في الآية السابقة ، لذا نقرأ

في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «قال الله : أنا أهل

١٩٤

أن اتقى ولا يشرك بي عبدي شيئا وأنا أهل إن لم يشرك بي شيئا أن ادخله الجنّة»(١) .

وبالرغم من أنّ المفسّرين ـ كما رأينا ـ قد أخذوا التقوى هنا بمعناها المفعولي ، وقالوا إنّ الله تعالى أهل لأن يتّقى من الشرك والمعصية ، ولكن هناك احتمالا آخر ، وهو أنّ تؤخذ بمعناها الفاعلي ، أي أن الله أهل للتقوى من كلّ أنواع الظلم والقبح ومن كل ما يخاف الحكمة ، وما عند العباد من التقوى هو قبس ضعيف من ما عند الله ، وإنّ كان التعبير بالتقوى بمعناه الفاعلي والذي يقصد به الله تعالى قليل الاستعمال ، على كل حال فإنّ الآية قد بدأت بالإنذار والتكليف ، وانتهت بالدعوة إلى التقوى والوعد بالمغفرة.

ونتعرض هنا بالدعاء إليه خاضعين متضرعين تعالى :

ربّنا! اجعلنا من أهل التقوى والمغفرة.

اللهم! إن لم تشملنا ألطافك فإنّنا لا نصل إلى مرادنا ، فامنن علينا بعنايتك.

اللهم! أعنّا على طريق مليء بالمنعطفات والهموم والمصائد الشيطانية الصعبة ، وأعنا على الشيطان المتهيئ لإغوائنا ، فبغير عونك لا يمكننا المسير في هذا الطريق.

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة المدّثّر

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٥.

١٩٥
١٩٦

سورة

القيامة

مكيّة

وعدد آياتها أربعون آية

١٩٧
١٩٨

«سورة القيامة»

محتوى السورة :

كما هو واضح من اسم السورة فإنّ مباحثها تدور حول مسائل ترتبط بالمعاد ويوم القيامة إلّا بعض الآيات التي تتحدث حول القرآن والمكذبين ، وأمّا الآيات المرتبطة بيوم القيامة فإنّها تجتمع في أربعة محاور :

١ ـ المسائل المرتبطة بأشراط الساعة.

٢ ـ المسائل المتعلقة بأحوال الصالحين والطالحين في ذلك اليوم.

٣ ـ المسائل المتعلقة باللحظات العسيرة للموت والانتقال إلى العالم الآخر.

٤ ـ الأبحاث المتعلقة بالهدف من خلق الإنسان ورابطة ذلك بمسألة المعاد.

فضيلة السورة :

في حديث روي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة القيامة شهدت أنا وجبرائيل له يوم القيامة أنّه كا مؤمنا بيوم القيامة ، وجاء ووجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة»(١) .

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام قال : «من أدمن قراءة( لا أُقْسِمُ ) وكان يعمل بها ، بعثها الله يوم القيامة معه في قبره ، في أحسن صورة

__________________

(١) مجمع البيان ، ١٠ ـ ، ص ٣٩٣.

١٩٩

تبشّره وتضحك في وجهه ، حتى يجوز الصراط والميزان»(١) .

والجدير بالملاحظة أنّ ما كنّا نستفيد منه في القرائن التي في فضائل تلاوة السور القرآنية قد صرّح بها الإمام هنا في هذه الرّواية حيث يقول : «من أدمن قراءة لا اقسم وكان يعمل بها» ولذا فإنّ كل ذلك هو مقدمة لتطبيق المضمون.

* * *

__________________

(١) المصدر السّابق.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221