الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية6%

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 580

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية
  • البداية
  • السابق
  • 580 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194157 / تحميل: 8245
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الفصل الثالث: حقيقة السجود لغير الله

٣٤١

٣٤٢

حقيقة سجود الملائكة لآدمعليه‌السلام

إنّ هذا السجود إذا كان بأمر من الله، يخرج عن حيّز العبادة للمسجود له إلى حيّز عبادة الآمر بالسجود، كما في قصّة أبينا آدمعليه‌السلام وسجود الملائكة له، وورود ذلك في عدد من السور القرآنية، كما في قوله تعالى:( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (١) .

نسأل: هل كان السجود هنا عبادة لآدمعليه‌السلام أم تعظيماً وتفخيماً وتكريماً له؟!

فالآية تدلّ دلالة قطعية وواقعية واضحة على أنّ آدمعليه‌السلام كان مسجوداً له، وأنّ الملائكة كانوا هم الساجدين، وأنّ الله اعتبر إبليس مستكبراً وكافراً؛ لأنّه لم يسجد لآدم، فهل كان آدم معبوداً إلهاً والملائكة عابدون له والعياذ بالله؟!

لا، إنّ الآية تدلّ على أنّ آدمعليه‌السلام كان مسجوداً للملائكة، ولم يحسب سجودهم له شركاً وعبادة لغير الله، ولم تعدّ الملائكة بذلك العمل مشركة، ولم يجعلوا بعملهم هذا ندّاً لله وشريكاً في المعبودية، بل كان عملهم تعظيماً لآدم وتكريماً لشأنه(٢) .

_____________________

١ - سورة البقرة / ٣٤.

٢ - التوحيد والشرك في القرآن الكريم / ٥١.

٣٤٣

وهنا يمكن أن يكون لدينا عدد من الصور لتفسير أو فهم هذا السجود الملائكي المقدّس لآدمعليه‌السلام ، كما يذهب معظم أهل التفسير قديماً وحديثاً:

- يمكن أن يتصوّر: أنّ معنى السجود لآدم في هذه الآية هو الخضوع له، لا السجود بمعناه الحقيقي المتعارف كسجود الصلاة.

- ويمكن أن يتصوّر: أنّ المقصود بالسجود لآدمعليه‌السلام ، هو جعله (قبلة) كالكعبة المشرّفة، لا السجود له سجوداً حقيقياً.

ولكن كلا التصوّرين باطلان بالدليل:

أمّا الأوّل: فلأنّ تفسير السجود في الآية بالخضوع خلاف الظاهر والمتفاهم العربي؛ إذ المتبادر من هذه الكلمة في اللغة والعرف هو الهيئة السجودية المتعارف عليها لا الخضوع.

وأمّا الثاني: فهو أيضاً باطل؛ لأنّه تأويل بلا مصدر يرجع إليه، ولا دليل يدلّ عليه، هذا مضافاً إلى أنّ آدمعليه‌السلام لو كان قبلة للملائكة لما كان ثمة مجال لاعتراض الشيطان؛ إذ قال:( أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) (١) .

لأنّه يلزم أبداً أن تكون القبلة أفضل من الساجد، ليكون أيّ مجال لاعتراضه، بل اللازم هو كون المسجود له أفضل من الساجد، في حين أنّ آدمعليه‌السلام لم يكن أفضل في نظر الشيطان، وهذا ممّا يدلّ على أنّ السجود كان أمام مسجود له.

_____________________

١ - سورة الإسراء / ٦١.

٣٤٤

يقول الجصّاص: ومن الناس مَنْ يقول أنّ السجود كان لله، وآدم بمنزلة القبلة لهم، وليس هذا بشيء؛ لأنّه يوجب أن لا يكون في ذلك حظّ من التفضيل والتكرمة، وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدمعليه‌السلام مفضلاً مكرماً.

ويدلّ أنّ الأمر بالسجود قد كان أراد به الله تكرمة آدمعليه‌السلام وتفضيله، وقول إبليس فيما حكى الله عنه:( أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) (١) .

فأخبر إبليس أنّ امتناعه من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته لآدم بأمر إيّاه بالسجود له. ولو كان الأمر بالسجود على أنّه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة له ولا فضيلة، لما كان لآدم في ذلك حظّ ولا فضيلة يُحسد عليها كالكعبة المنصوبة للقبلة(٢) .

وعلى هذا فمفهوم الآية هو: أنّ الملائكة سجدوا لآدم بأمر الله سجوداً واقعيّاً، وأنّ آدم أصبح مسجوداً للملائكة بأمر الله، وهنا أظهر الملائكة من أنفسهم غاية الخضوع أمام آدمعليه‌السلام ، ولكنّهم مع ذلك لم يكونوا ليعبدوه(٣) .

هل السجود ليوسفعليه‌السلام عبادة؟

إنَّ العودة إلى القرآن الكريم واستعراض الآيات التي تحدّثنا عن سجود آخر ولا عبادة للمسجود له، تضعنا أمام قصّة نبيّ الله يوسفعليه‌السلام وأبويه وإخوته،

_____________________

١ - سورة الإسراء / ٦١ - ٦٢.

٢ - أحكام القرآن ١ / ٣٠٢.

٣ - التوحيد والشرك في القرآن الكريم / ٥٢.

٣٤٥

كما تحدّثنا السورة المباركة بقوله تعالى:( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) (١) .

ورؤياه التي يتذكّرها هي:( إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) (٢) .

وقد تحقّقت هذه الرؤيا بعد سنوات عجاف طويلة، بحيث سجد ليوسف أبواه وإخوته جميعاً عندما اجتمع شملهم تحت ظلّه وملكه لمصر، علماً بأنّ أحد الساجدين هو والده يعقوبعليه‌السلام وهو نبيّ كما لا يخفى عليك أخي العزيز.

ألا ترى أنّ تعبير القرآن واضح وصريح بسجودهم ليوسفعليه‌السلام ؟

وعن هذا البيان القرآني يستفاد جليّاً أنّ مجرّد السجود لأحد بما هو مع قطع النظر عن الضمائم والدوافع ليست عبادة، والسجود كما نعلم هو غاية الخضوع والتذلّل(٣) .

إذ أنّه ليس كلّ خضوع بركوع أو سجود أو تذلّل يعتبر عبادة، ويعتبر فاعلها مشركاً بالله كما يذهب أصحاب الفكر الوهابي، والقرآن الكريم يؤيِّد ما نذهب إليه ويدحضهم بكلّ قوّة في العديد من الموارد والآيات المباركة.

إنّ الله سبحانه وتعالى، ورسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله والعترة الطاهرةعليهم‌السلام ، والأولياء والصلحاء والعقلاء يأمرون الولد بالخضوع لوالديه احتراماً

_____________________

١ - سورة يوسف / ١٠٠.

٢ - سورة يوسف / ٤.

٣ - التوحيد والشرك / ٥٣.

٣٤٦

وإجلالاً لهما حتّى ولو كانا كافرين أو مشركين، ويعبر عن ذلك بخفض الجناح لهما، وهو كناية عن الخضوع الشديد والتذلّل لهما، بقوله تعالى:( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) (١) .

فهل يا ترى إنّ الله سبحانه عندما أمرنا هذا الأمر بالخضوع والتدلّل للوالدين، أمرنا بعبادتهما والشرك به والعياذ بالله؟! إنّ مثل هذا التفكير السقيم عجيب غريب فعلاً!

عمر والحجر الأسود

وكذلك أمرنا سبحانه وجميع البشر بالحجّ للبيت العتيق، والطواف حوله واستلام الحجر الأسود، والسعي بين الصفا والمروة، والصعود على عرفات للوقوف على صعيده الطاهر، ورمي الجمرات في منى، وغير ذلك من مناسك الحجّ الإسلاميّة التي تنطوي على معاني رفيعة عالية، ومغازي معنوية سامية، ونفعل ذلك بأمر من الله وسنّةٍ من رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا عبادة للحجر والمدر والصخور، وما شابه ذلك من مكوّنات تلك الأماكن المقدّسة الطاهرة.

وهل نشرك بالله في أفعالنا العبادية تلك، لا سيما ونحن نترك الأهل والمال والبلاد ونقصد البيت العتيق؛ لنحجّ إلى الله عبادة وطاعة، وتقرّباً إلى جناب قدسه طمعاً بالمغفرة وزيادة الأجر بالجنّة؟!

والأعجب من هذا وذاك في التفكير السلفي الوهابي اعتصامهم برواية عمر ابن الخطاب الذي يحتجّ بها الشيخ عبد العزيز إمام المسجد النبوي الشريف،

_____________________

١ - سورة الإسراء / ٢٤.

٣٤٧

بمحاورة له مع بعض الإخوة الكرام حيث يقول عمر للحجر الأسود بعدما قبّله: (إنّي أعلم أنّك حجر لا تنفع ولا تضرّ، ولولا أنّي رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّلك ما قبّلتك)(١) .

ولكن هذا الشيخ ذُهل عن جواب الإمام عليعليه‌السلام لعمر في نفس الموقف حين بيّن له غلط عقيدته، وأعطاه الصحيح ببيانه الفصيح، حين قال له:((نعم والله، إنّه ليضرّ وينفع؛ لأنّه الحجر الذي وضع فيه ميثاق الخلق عندما جمعهم الله في عالم الذرّ، وألقمه لهذا الحجر وكان أبيض من الثلج، وهو من حجار الجنّة، وسوف يشهد لكلّ مَنْ أتاه واستلمه يوم القيامة)) (٢) .

والرواية معروفة ومشهورة، وأقنعت عمر بن الخطاب في حينها، ولكنّها لم تقنع هؤلاء البشر في هذه العصور؛ لأنّهم يرون أنّ السجود والركوع، واستلام الحجر الأسود، والخضوع والتذلّل هو من الشرك الأكبر الذي يخرج من الملّة، أو الأصغر الذي يُفَسَّق صاحبُه ويُعذَّر، وإلاّ فليقتل والعياذ بالله.

فهل يمكن أن يفكّر بمثل هذا التفكير عاقل يا عقلاء الدنيا؟! أين العقل؟! هل هو نائم أو مخدّر تحت تأثير الفضائيات الداعرة أو المخدّرات القاتلة؟ أم أنّه في إجازة طويلة الأمد؟ أم أنّه محكوم عليه بالإعدام قهراً تحت ظلام الدعوات الباطلة؟!

لقد جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليثير لكم دفائن العقول منذ أكثر من ١٤٠٠ عام، فلماذا حبستم عقولكم في قمقم معظم، وجلدتم أنفسكم بسياط الجهل القاسية

_____________________

١ - صحيح البخاري ٢ / ٥٧٩ كتاب الحجّ ح ١٥٢٠.

٢ - التفسير الكبير - للفخر الرازي ١٦ / ٣٢ قريب من هذا المعنى.

٣٤٨

من دعوة ضالّة جاءت بتعاليم بعيدة عن الفطرة؟!

اقرؤوا ما كتب إليه أخوه سليمان بن عبد الوهاب وغيره من العلماء الأعلام الغيارى على دين الإسلام الحنيف، وسيأتيكم بعض منه في البحوث القادمة بإذن الله.

العبادة عند النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

وفي الجملة نقول: ليس مطلق الخضوع عبادة، وإلاّ لكنّا وقعنا جميعاً في الشرك، ووقع معنا حتّى رؤوس الفكر السلفي؛ وذلك لأنّهم يخضعون للآباء والأُمّهات، ويأمرون أولادهم وأزواجهم بالخضوع لهم، ويتذلّلون للأمراء والكبراء ويخضعون لهم بعض الخضوع.

فالتواضع ولين الجانب وسعة الصدر، وبعض الأخلاقيّات التي تشتمل على بعض الخضوع ليست من العبادة في شيء، بل هي أخلاقيّات إنسانيّة رائعة لا يمكن أن نتخلّى عنها.

فالاحترام والتقدير ليس عبادة، وإلاّ فإنّ الله سبحانه أمر المسلمين بعدم رفع الصوت أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدم الجهر له بالقول، وعدم مناداته من وراء الحجرات، وعندما كثرت مناجاتهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم بدفع صدقة قبل المناجاة، فلم يعمل بهذا الأمر الإلهي إلاّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما هو مشهور في السيرة وكتب التفسير كلّها.

وكُتب السنن فيها الكثير من الأحاديث التي تحكي عن تعظيم وتقدير المسلمين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واحترامه احتراماً يبهر كلّ غريب جاء إليهم، وكانوا يتسابقون إلى أوامره ويطبقونها في كلّ صغيرة وكبيرة، حتّى أنّهم كانوا يتبرّكون

٣٤٩

بفضل وضوئه، ويتطببون بلمسه أو بشمِّ عرفه (عرقه)؛ لأنّه أطيب من المسك والعنبر.

يروى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى البطحاء في وقت الظهيرة فتوضأ وراح يصلّي، فقام الناس (المسلمون) فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم، والرواي يقول: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك(١) .

هذا فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه الأوائل، فهل هذا عبادة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون الله؟! وفاعله مشرك بالله والعياذ بالله؟! إنّ هذا القول لإفك عظيم!

فالعبادة - عزيزي القارئ - هي الخضوع والخشوع مع اعتقاد جازم بإلهيّة المخضوع له المعبود، أو أنّها الخضوع اللفظي أو العملي الناشئ عن الاعتقاد بألوهيّة المخضوع له.

ومن العلماء مَنْ وضع هذا التعريف في قالب آخر حيث قال: إنَّ العبادة هي الخضوع ممّن يرى نفسه غير مستقل في وجوده وفعله أمام مَنْ يكون مستقلاً بنفسه غنيّاً عن غيره.

والعبادة بهذا المعنى هي نداء الله تعالى وسؤاله والخضوع التامّ أمامه، لاستنزال حاجات الدنيا والآخرة للعبد؛ لأنّ الله هو الفاعل الحقيقي،

_____________________

١ - صحيح البخاري ١ / ١٨٣ كتاب الصلاة ح ٤٧٩، وما يُقارب هذا المعنى راجع الأحاديث رقم: (١٥٨ - ١٨٦ - ١٨٧ - ٣٦٩ - ٣٣٤٧ - ٣٣٤٨ - ٥٣٤٦ - ٥٥٢١ - ٥٩٩١).

٣٥٠

والمتصرّف المختار، والمالك الكلّي لأمور الدنيا والآخرة كلّها، والمتصرّف فيها بالتدبير الحكيم، ولو دعا العبد أو نادى أيّ موجود آخر في هذه الحياة بهذا الوصف تماماً أو بعضاً، فالدعاء والنداء عبادة له وشرك بلا كلام أو نزاع في ذلك.

وعلى ذلك، فلو خضع واحد منّا أمام موجود زاعماً بأنّه مستقل في ذاته أو فعله لصار الخضوع عبادة، بل لو طلب فعل الله من غيره لكان هذا الطلب نفسه عبادة وشركاً(١) .

هذا هو المعنى الحقيقي للعبادة، وليس كلّ ما يذهب إليه أتباع محمد بن عبد الوهاب من أنّ كلّ خضوع أو خشوع، أو دعاء أو استغاثة، أو زيارة هي عبادة لذاك الذي نتوجّه إليه؛ لأنّ التوجّه إلى أيّ شيء أو أحد دون اعتقادٍ جازمٍ بألوهيةٍ، أو جزءٍ من ألوهيةٍ في مَنْ نتوجه إليه، أو أنّه يملك استقلالية ذاتية في تصرّفه، أو تصريف شؤون أو بعض شؤون هذا الكون الفسيح لا يعتبر عبادة أو شركاً.

_____________________

١ - التوحيد والشرك في القرآن الكريم / ٨٨.

٣٥١

٣٥٢

الفصل الرابع: الرسول الأعظم في الفكر الوهابي

٣٥٣

٣٥٤

كُتب الكثير الكثير عن الرسول الأعظم محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أُمّته ومن خارج هذه الأُمّة، منذ أن ظهر إلى الوجود بشخصه المبارك، ولا سيما بعد أن بدأ دعوته الإسلاميّة الميمونة.

فكان القمّة الإنسانيّة التي لا تُرتقى، بل ينظر إليها كما النجوم في السماء، لا بل هو شمس الوجود وقطب دائرتها النوراني.

ولطالما أُعجب به البشر من كلّ صنف ونوع من بني آدم على مختلف الألوان والقوميّات في الدنيا، ومختلف الأديان والانتماءات العقائديّة كذلك، حتّى أنّ الكفّار وأهل الشرك اعترفوا بعظمته وعلوّ مكانته على أقرانه، ولا أقران له كما نعتقد.

ولذا تراهم كلّما كتب كاتب عن الأنبياء والعظماء والمصلحين والأطهار، ترى اسم النبيّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يكون على قمّة الهرم كما يقول الكاتب الغربي المشهور (مايكل هارت) في كتابه (المائة الأوائل).

نعم، لقد بهر العقول وحيّر الألباب بعظمته وعلوّ همّته، ورسالته التي نعتنق وندين لله بها، وكم كتب النصارى عن شخصيّة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ معبّرين عن مدى إعجابهم وحبّهم لذاك الرمز الخالد الذي جعله الله للبشرية

٣٥٥

قدوة وأسوة بقوله تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) (١) .

هذا هو البشير النذير والسراج المنير. هذا هو العلم الشامخ والنور الباهر. هذا هو الرسول العظيم والنبي الكريم هو خاتم الأنبياء، وسيد البشر من الأوّلين والآخرين الذي أفرده الله سبحانه بالرسالة الخاتمة، وقال عنه:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (٢) .

إنّ المتأمّل في هذه الجملة النورانيّة، وهذا الوصف الكريم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى أنّه تفرّد به دون غيره من الأنبياء والرسلعليهم‌السلام .

فكلّ نبيّ كان يبشّر قومه بالرسول الذي بعده، وكلّ رسول كان يبشّر بالرسول الذي يليه، وجميعهم كانوا يبشّرون بالرسول الخاتم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن نوحعليه‌السلام إلى إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، ومنه إلى موسى الكليمعليه‌السلام وعيسى المسيحعليه‌السلام الذي قال مبشّراً:( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (٣) .

فكلّهم كانوا محطّات نورانيّة وأساسيّة في الحركة التكامليّة والمسيرة الرساليّة في بني البشر، ولكن عندما وصلت إلى المحطّة النهائيّة والرسول الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت قد وصلت إلى القمّة؛ إذ أنّه ليس بعده نبيّ ولا رسول، وليس بعد

_____________________

١ - سورة الممتحنة / ٦.

٢ - سورة الفتح / ٢٩.

٣ - سورة الصف / ٦.

٣٥٦

رسالته رسالة تنزل من السماء إلى الأرض لتخلّص البشريّة من العذاب والعناء.

فـ (محمد رسول الله) أي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي يستحق أن يُطلق عليه هذا الوصف دون غيره. فمحمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكفى به رسولاً، وإذا ذكر هو يذهل الإنسان عن كلّ رسول غيره.

أقول: نعم، إنّ الرسول الحقّ هو محمد دون غيره، رغم أنّ إخوانه من الرسل السابقين كانوا حقائق موجودة، ولكن إذا ذُكر العظيم ذُهل عمَّن هم أقلّ منه عظمة.

فكيف تعامل الفكر السلفي والوهابي مع هذا الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! كيف تناولوا ذكره ووصفه، والصلاة عليه، وسيرته وسنّته؟!

وكيف بالتالي تعاملوا مع أهله الأطهار الأبرارعليهم‌السلام وذريّته المباركة؟!

تلك هي المعضلة الكبرى، أن تقرأ ما يقولونه أو يطرحونه حول ذاك الحبيب الإلهي وأهل بيته وخاصّته وذريّته الكرام (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

إنّ أصحاب هذه الدعوة أرادوا أن يصنعوا إسلاماً مشوّهاً على مقاساتهم وأفكارهم، مستفيدين من الدين وسماحته، فراحوا( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) (١) ، ويلفِّقون الأحاديث، ويخترعون الأخبار والروايات الكاذبة، ويجتزئون ويقطعون المرويّات الصحيحة والمتواترة في هذه الأُمّة المرحومة.

عمدوا إلى الاُصول فشوَّهوها، وإلى الفروع فحرَّفوها، وإلى السَّنن

_____________________

١ - سورة النساء / ٤٦.

٣٥٧

فبتروها، فكان لديهم مسخ باطل سمّوه ديناً.

يتعلّقون بالقشور ويتركون اللباب، يبهرهم المصباح ولا يسألون عن الكهرباء التي نوّرته، حتّى إنّ أكابرهم وفي أواخر القرن العشرين أنكروا المسلّمات التي عرفها صبياننا، ككروية الأرض ودورانها حول نفسها أو حول الشمس.

فهل سمعت بهذا من قبل؟! أو قرأت كهذا في مثل هذا العصر؟

إنّ هذه الأمّة لم تقدّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حقّ قدره، وأمّا هؤلاء فسأدع الحكم عليهم إليك عزيزي القارئ، وإليك الكلام وبعض أطرافه فقط.

محمد طارش وليس بسيّد!

سيّدنا رسول الله محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين.

كم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((أنا سيّد ولد آدم ولا فخر)) (١) كما روته كتب السيرة والسنن؟

ومن البديهي المتعارف أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد البشر من أُمّة ربيعة ومضر، لا بل من كلّ البشر.

فهو السيّد المطاع، والقائد المعظّم، وهذا ما لم يرق لأصحاب الفكر الوهابي السلفي، فقالوا: لا يجوز إطلاق لفظ السيادة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لا بل تجرّأ أحد المتأخّرين إلى القول: إنّه يجوز إطلاق لفظ السيادة على أيّ إنسان إلاّ سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدعوى أنّ هذا يجرّ إلى عبادته من دون الله تعالى.

_____________________

١ - وسائل الشيعة ٢٥ / ٢٣، بحار الأنوار ٩ / ٢٩٤.

٣٥٨

كيف نعبد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أطلقنا عليه لفظاً يمكن أن نطلقه على كلّ أحد، وهو الجدير بهذا الوصف دون غيره، هذا الذي لا أدريه ولا أعرف كيف توصّلت عبقرية ذاك الأستاذ إليه؟!

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد البشر وسيّد ولد آدم، وسيّد الأنبياء والمرسلينعليهم‌السلام ، هذه بديهيات؛ ولذا كان الصحابة ينادونه: (يا سيّدي) كما تشهد كتب السيرة والسنن، فلماذا لا يجوز أن نطلقها على رسولنا الكريم (صلوات الله عليه وآله)، وتطالبنا أن نطلقها عليك؟!

وليس هذا فقط، بل إنّ بعضهم كان ينظر لنفسه على أنّه أفضل أو خير من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - والعياذ بالله - وأنفع للأُمّة من رسولها؛ لأنّه حيّ ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميّت!

وذهب آخر إلى القول - وهذا القول منسوب في الحقيقة لابن عبد الوهاب شخصياً -: ما محمّد؟ إنّ عصاي هذه خيرٌ من محمد؛ لأنّها ينتفع بها في قتل الحيّة ونحوها، ومحمّد قد مات ولم يبقَ فيه نفعٌ أصلاً، وإنّما هو طارش وقد مضى!

ولا شكّ أنّ هذا الكلام كفرٌ بالإجماع، وهذه الجملة الأخيرة: (هو طارش) من محمد بن عبد الوهاب كما هو معلوم، وتعني في لغة أهل الشرق: المرسل من قوم إلى آخرين (ساعي بريد)، فيعني بهذا القول أنّه (صلوات الله عليه وآله) حامل كتب (رسائل)، أي غاية أمره أنّه كالطارش الذي يرسله الأمير أو غيره في أمرٍ لأناسٍ؛ ليبلّغهم إيِّاه ثمّ ينصرف(١) .

_____________________

١ - السلفية الوهابيّة / ٧٧، عن روضة المحتاجين لمعرفة قواعد الدين - للشيخ رضوان العدل بيبرس / ٣٨٤.

٣٥٩

وساعي البريد كما هو معلوم شخص مجهول في معظم الأحيان، بل هو مُهان كذلك لدناءة وظيفته عند الجهّال، وتأثيره فيمَنْ يرسل إليهم لا يتعدّى الخبر الذي يحمله، أو الرسالة التي يبلغها إليهم إذا ما عرف فحواها، ويتركهم ويمضي دون ذكر أو تأثير في حياتهم الخاصّة أو العامّة إلاّ أن يذكره ذاكر.

فهل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك؟( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) !

ولا أدري وربما لا أفهم من معنى الكلمة غير الذي فهمه وشرحه ذاك الشيخ الجليل؛ لأنّ الطرش تعني ببعض لغات العرب: (الدواب) لا سيما الماشية (الغنم والمِعزَى) خاصة.

ويكون (الطارش) هو صاحب (الطرش) والمسؤول عنه: أي الراعي. وكما هو معلوم فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرعى الغنم في مكة المكرّمة في بدايات شبابه وأوائل صباه، وبالرواية عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((ما من نبيّ ولا رسول إلاّ ورعى الغنم، إلاّ إدريس فإنّه كان بزازاً (خياطاً))) (١) .

أعتقد والله العالم أنّهم يعنون أنّ رسول الله كان راعياً للغنم لا أكثر ولا أقل، فما عساه أن تكون قيمته عندهم وهو بهذه الوظيفة!

والأدهى قول أحدهم: إنّ محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زينة كالخاتم في اليد للزينة، إنّه خاتم باليد فقط، وينزع خاتمه من يده للإيضاح أمام مَنْ يسمعه، فهل سمعت بهذا التفسير العجيب الغريب؟!

_____________________

١ - وسائل الشيعة ١٧ / ٤١، مستدرك الوسائل ١٣ / ٢٦.

٣٦٠

الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة

والأعظم من هذا وذاك أنّ زعيم القوم محمد بن عبد الوهاب كان ينهى عن الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتأذّى من سماعها، وينهى عن الإتيان بها ليلة الجمعة (مع إنّها أفضل الأعمال كما في الرواية)، وعن الجهر بها على المنائر (لا سيما التعقيب بعد الأذان) ويؤذي مَنْ يفعل ذلك ويعاقبه أشدّ العقاب وربما يقتله.

وكان يقول - وعليه إثم ذلك -: إنّ الربابة في بيت الخاطئة - يعني الزانية - أقلُّ إثماً ممّن ينادي بالصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنائر(١) .

وأحرق كتاب (دلائل الخيرات) وغيره من كتب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، متستراً بقوله (ملبّساً على أتباعه) إنّ ذلك بدعة، وإنّه يريد المحافظة على التوحيد(٢) .

ولم يكتفِ ابن عبد الوهاب بتلك التهم للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأوصاف والنعوت البعيدة كلّ البعد عن الأدب والاحترام، فإنّه ولشدّة نصبه وعداوته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله راح يمنع الناس من الصلاة عليه، وهي من أعظم القربات عند الله، وكثير من العلماء في كلّ عصر ومصر ألّفوا كتباً تشيد وتحضّ على الصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كيف لا، وسبحانه وتعالى يقول له:( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣) .

_____________________

١ - السلفية الوهابيّة / ٧٦.

٢ - المصدر نفسه.

٣ - سورة التوبة / ١٠٣.

٣٦١

و( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) .

ولم يكتفِ كذلك بهذه الموبقة العظيمة، بل راح يمنع الناس من الحضور في مجالس الذكر، ومَنْ رفع أصواتهم بالذكر المأمور به كالتسبيح والتهليل والتكبير، وقراءة القرآن أو الدعاء للمؤمنين، وراح يحارب تلك المجالس العامرة بالنور، والتي تحفّها الملائكة حيث تنزل؛ لتتبرّك بحضور مثل تلك المجالس النورانيّة العامرة بالإيمان.

واعتبروا ذلك كلّه من بدع الصوفية؛ ولذا حين جاء (الوهابيون) حرّموا مظاهر التصوّف كالاجتماع على الذكر، وقراءة القرآن، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الأذان، وحمل المسبحة، كما حاربوا اسم التصوّف بشكل عام، وأوّل مَنْ ابتدع ذلك محمد بن عبد الوهاب النجدي.

ومحاربة الذكر ومظاهر التصوّف، هي ممّا افترق به محمد بن عبد الوهاب ومَنْ جاء بعده من المتمسلفين عن قدامى أئمّتهم مثل ابن تيميّة وغيره(٢) ؛ لأنّ هذا الأخير يمتدح الصوفية وكلّ مظاهرها لا سيما الذكر والاجتماع عليه.

فما عسانا أن نقول عن كلّ هذه الأقوال والتصرّفات البعيدة كلّ البعد عن الدين الإسلامي الحنيف، بل هي بعيدة عن الإنسانيّة وأخلاقيّات الوفاء للعظماء المتعارف عليها في كلّ عصر ومصر(٣) ؟!

_____________________

١ - سورة الأحزاب / ٥٦.

٢ - السلفية الوهابيّة / ٧٥.

٣ - حقيقة الحديث عن الصوفية والتصوّف، هل طريقتهم يقرّها الإسلام؟ وهل هي مطابقة لسُنّة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ هذا ممّا يحتاج إلى دراسة وبحث وتحقيق.

٣٦٢

مواقف الوهابيّة من الإمام عليعليه‌السلام

يقول أكثر الدارسين لسيرة ومنهج هذه الجماعة: أنّ تعاملهم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ليكون لولا العداء العجيب الذي يكنّه ابن عبد الوهاب وأتباعه لأهل البيت النبويّ ورجالات البيت الهاشميّ ككلّ، لا سيما السادة الكرام.

وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو بدوره أخبرنا، كما في نهج البلاغة بقوله:((والله، لَو ضَربتُ خيشومَ المؤمنِ بسيفي هذا على أن يُبغضني ما أبغضني، ولو وضعتُ الدنيا بين يدي المنافق على أن يُحبّني ما أحبّني؛ وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال لي: يا عليّ لا يحبّك إلا مؤمنٌ، ولا يُبغضك إلاّ منافقٌ)) (١) .

ولهذا الحديث عدّة روايات وبألفاظ مختلفة، ممّا يؤكّد صدروها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتلك الألفاظ لاختلاف مناسباتها، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :((يا علي، لا يحبّك إلاّ طاهر الولادة، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة)) (٢) .

وهذا ما أكّدته عائشة بنت أبي بكر حين سألوها عن الإمام عليعليه‌السلام في أواخر أيّامها، فقالت شعراً:

إذا ما التِّبْرُ حُكَّ على محكٍّ

تبيّنَ زيفهُ من غيرِ شكِّ

وفينا الدرُّ والذهب المصفى

عليّ بيننا شبهُ المحكِّ

_____________________

١ - نهج البلاغة / قصار الحكم رقم ٤٥.

٢ - ينابيع المودّة / ١٥٨ ب٤٤.

٣٦٣

نعم، إنّ الإمام علياًعليه‌السلام هو المحكّ المميّز للناس، ألم يقل له رسول الله (صلى الله عليه وآله):((حبّ علي عنوان صحيفة المؤمن)) (١) ؟!

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((مَنْ آذى علياً فقد آذاني)) (٢) .

وقال أيضاً:((علي مع الحقّ والحقّ مع علي لا يفترقان)) (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((مَنْ أطاع علياً فقد أطاعني، ومَنْ عصى علياً فقد عصاني)) (٤) .

وأكّدت كتب الصحاح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((يا علي، لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق)) (٥) .

هذا الذي فضائله كُتبت على صفحات تاريخ الإنسانيّة بأنصع الكلمات النورانيّة، هذا الذي قام الإسلام بسيفه، ومال خديجة كما في الرواية.

هذا الذي قاتل على التنزيل مع رسول الله، وقاتل على التأويل من بعده؛ حفاظاً على دين الله من أن يصيبه هدم أو ثلم، فسلامة الدين أحبّ إليه كما هو ثابت عنه (صلوات الله عليه وآله).

فما هو موقف هذه الجماعة من عظيم الإسلام وإمام المسلمين، وأمير

_____________________

١ - ينابيع المودّة / ١٠٥ ب ٢٠.

٢ - مسند أحمد بن حنبل / ح ١٥٣٩٤.

٣ - ينابيع المودة / ٦٥ ب ٧.

٤ - الحاكم في المستدرك ٣ / ١٢١ و ١٢٨.

٥ - صحيح مسلم ١ / ٨٦، الترمذي ٥ / ٦٤٣، النسائي ٨ / ١١٦، ابن ماجة ١ / ٤٢.

٣٦٤

المؤمنين، وقائد الغرِّ المحجّلين، ويعسوب الدين، عدل القرآن الناطق. هذا الذي لولاه لما كان للإسلام ذكر أو فكر؟

وأدعوك عزيزي القارئ إلى تصوّر الإسلام بدون علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، هل يمكن أن نرفع علياً من تاريخ الإسلام الحنيف؟

إليك بعض ما قاله إمام النواصب ابن تيميّة الذي أصّل اُصول السلفية، وأسّس لهم القواعد التي بنوا عليها دعوتهم الخارجة عن سنن الدين القويم، ومن أقواله نعرف أصله وفصله.

كان يقول ابن تيميّة في الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : (إنّ أبا بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول، وعليٌّ أسلم صبيّاً، والصبي لا يصحّ إسلامه على قول)(١) .

فالإمام عليعليه‌السلام لم يكن مسلماً عند ابن تيميّة؛ لأنّه أسلم صبيّاً ولا يصح إسلام الصبي كما يقول ويدّعي، ولكن كيف يطلق هذا الحكم - بعدم صحة إسلام الصبي - لا أدري؟!

لسنا هنا في باب إثبات الفضائل أو مناقشة إسلام الإمام عليعليه‌السلام ، ولكن نرجع إلى كلّ مَنْ أرّخ عن هذا الإمام وسيرته، منذ أن كان في بطن أُمّه، ثمّ ولادته متفرّداً بهذه الخصيصة في جوف الكعبة، ثمّ تربيته بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ البداية وحتى شهادته في محراب عبادته في مسجد الكوفة؟!

_____________________

١ - السلفية الوهابيّة / ٦٥ عن الدرر الكامنة ١ / ١٥٥، في ترجمة ابن تيمية.

٣٦٥

فهل تجد في سيرته العطرة ما يخرجه عن الدين والعياذ بالله؟! أم أنّك تجد قصّة حياته كلّها ديناً يدان بها؟! فأين هذا ممّن شاخ وكبر على الشرك وعبادة الأصنام؟!

نعم، إنّه صوت العدالة الإنسانيّة الشامخة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكفى كونه صنو النبيّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم، إنّ الإغضاء عن خصائص الإمامعليه‌السلام وعظيم مزاياه (وفضائله) إغضاء عن الشمس في رائعة النهار، وإغضاء عن الخُلق النبيل، وعن الصدق الذي لا يحجبه شيء، وعن اليقين، وعن الشجاعة والإيمان والحكمة في أتّم معانيها، إغضاء عن الكمال (الإنساني).

ولكن، هناك مَنْ لا يقف عند حدود الإغضاء، بل يبتعد حتّى ينال منهعليه‌السلام تلميحاً أو تصريحاً - والعياذ بالله -، نيلاً يحمله عليه هوى في الآخرين يريد أن يرفعهم، أو شنآن ينقله من باب إلى آخر من أبواب كلامٍ لا يستحسن له وجه في حالٍ من الأحوال(١) .

وهذا حال السلفية كلّهم، وعلى رأسهم ابن تيميّة وتلميذه الأخير محمد بن عبد الوهاب؛ فإنّهم ناصبوا رسول الله وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) العداء، فكان أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أوّل هدف لهم يريدون النيل منه؛ ليبرّروا فعلة أعدائه بني أُميّة بسبابه ولعنه على المنابر أعواماً متطاولة.

ولتكون ذريعة لانتقاص أبنائه وشيعته الذين يدينون لله بحبّهم وولائهم لأميرهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وانطلاقاً من البغض والحقد راحوا إلى كلّ

_____________________

١ - ابن تيمية حياته وعقائده / ٣٢١.

٣٦٦

فضيلة ورواية تتحدّث عن فضائلهعليه‌السلام فكذّبوها وأنكروها أصلاً، ولم تسلم منهم الروايات المتواترة والأحاديث الثابتة والصحيحة المؤكّدة بحقّه.

وأنكروا حتّى نزول آيات القرآن بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام الذين كان رأسهم وأصلهم أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وسيّدة النساء فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، حتّى إنّ حديث الولاية المتواترة كما يؤكّد تواتره الذهبي، وخطبة حجّة الوداع التي يقول فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((مَنْ كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله، وأدر الحقّ معه كيفما دار)) (١) .

فيقول عنه ابن تيمية: (فليس هو في الصحاح، لكن هو ممّا رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته)! وأمّا ابن حزم فإنّه يقول عنه: (فلا يصح من طريق الثقاة أصلاً)(٢) .

وهل تصدّق أنّ الألباني ذاك السلفي العنيد يعترف بصحة الحديث وتواتره، ويستغرب من معلّمه وأستاذه البعيد، فيقول: فمن العجيب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيميّة على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في (منهاج السنّة ٤ / ١٠٤).

فلا أدري - بعد ثبوت تواتره - وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة.

وفي مكان آخر يقول الشيخ: (وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من

_____________________

١ - بحار الأنوار ٣٧ / ١٤٨.

٢ - السلفية الوهابيّة / ٦٥، منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٣٦٧

تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها)(١) .

هذا ديدنهم، وتلك هي مبالغ علمهم، فشيخ الإسلام السلفي - لا الإسلام المحمدي - ينكر كلّ فضائل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حتّى التي تسالم عليها الصبيان، وسارت بها وبأمثالها الركبان، كالعلم والشجاعة.

ابن تيميّة وعلم علي بن أبي طالبعليه‌السلام

يقول ابن تيمية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : (لا نسلّم أنّ علياً كان أحفظ للكتاب والسنّة وأعلم بهما من أبي بكر وعمر، بل هما كان أعلم بكتاب الله والسنّة منه)(٢) .

هل سمعت بمثل هذه الدعوى الباطلة والفرية المفضوحة؟! هل كان الرجل يعلم من صاحبيه أكثر من علمهما بأنفسهما؟! ونُحيله إلى كتب التاريخ؛ فإنّها أحصت أكثر من مئة وخمسين مرّة قال فيها عمر بن الخطاب: (لولا علي لهلك عمر)(٣) .

وفي رواية أُخرى: (أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن)(٤) .

وكم مرّة أحصر هو وصاحبه عن أبسط الأسئلة في كتاب الله حتّى المعاني

_____________________

١ - المصدر السابق / ٦٦.

٢ - منهاج السنة ٣ / ٢٧٠.

٣ - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد ١٢ / ٢٠٥.

٤ - ابن حجر في فتح الباري ١٢ / ١٠١، أبو داوود في السنن ٢ / ٢٢٧، البخاري في صحيحه باب لا يُرجم المجنون والمجنونة.

٣٦٨

اللغوية، ألم يقل أبو بكر: (أيّ سماء تظلّني، وأيّ أرض تقلّني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم). وقال عمر: (لا عيب على عمر أن يقول لا أعلم).

وقال عمر أيضاً: (كلّ الناس أفقه منك يا عمر حتّى ربّات الحجال)(١) .

ألا تعجب من إمامٍ أخطأ وامرأة أصابت؟!

ومَنْ قال أنّ أبا بكر أو ابن الخطاب كانا ممّن حفظا كتاب الله؟!

فها هي كتب التاريخ والسنن إن كان فيها إلاّ أنّ عمر بن الخطاب حفظ سورة البقرة بعد اثني عشر سنة من نزولها، فذبح لذلك عجلاً سميناً فرحاً بذلك.

أين ذلك كلّه وسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:((أقضاكم علي)) ،((أحكمكم علي))، ((أعلمكم علي)).

الإمام علي مُلئ إيماناً من مشاشة رأسه إلى أخمص قدميه، فكان الأنزع البطين الذي بطن العلوم كلّها، وهو الذي جمع القرآن حفظاً ورواية وتفسيراً حتّى إنّ جميع علوم الإسلام تنتهي إليه بطريق من الطرق، أو تتعلّق به بسبب من الأسباب.

إنّ إنكار القوم لعلم باب مدينة العلم النبويّة الإلهيّة، حيث قال النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله :((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمَنْ أراد العلم فليأتِ باب المدينة)) (٢) لهو إنكار لأوضح الواضحات، ولكن في الأمر قضية، ووراء الأكمة ما

_____________________

١ - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد ١ / ١٨٢، السيوطي في الدرّ المنثور ٢ / ١٣٣، ابن كثير في تفسيره ١ / ٣٦٨، القرطبي في تفسيره ٥ / ٩٩.

٢ - تاريخ دمشق - لابن عساكر ٤٢ / ٣٨٧ الرقم (٨٩٧٦)، الحاكم النيسابوري ٣ / ١٢٦ و١٢٨ و٢٢٦، ليالي بيشاور - لسلطان الواعظين، ويذكر فيه خمسين مصدراً من مصادر العامّة.

٣٦٩

وراءها، فهذا نتيجة الحقد الأعمى والبغض الشنيع لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

الوهابيّة والذريّة الطاهرةعليهم‌السلام

ولنا هنا أن نسأل ما هو موقف الوهابيّة من الذريّة الطاهرةعليهم‌السلام ؟

خذها إليك من رأسهم محمد بن عبد الوهاب الذي يقول في كتابه (مسائل الجاهليّة): الافتخار بكونهم من ذريّة الأنبياءعليهم‌السلام ، فردّ الله عليهم بقوله:( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) .

ثمّ يذكر قول البعض: أنا علويٌّ، أو حسنيٌّ، أو حسينيٌّ(٢) .

فالافتخار بالانتساب إلى فخر ربيعة ومضر، إلى سيّد البشر محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو بدعة وضلالة، ومن آثار الجاهليّة عند القوم.

إنّ هذا التصريح من (ابن تيمية وبعده محمد بن عبد الوهاب) بغمط فضل آل البيتعليهم‌السلام ، ومحاولته لزرع العقيدة الناصَّة على عدم قيمة أن يكون الإنسان من آل البيت ومن تلك الذريّة الطاهرةعليهم‌السلام ، واستعمال الآية في غير موضعها، والتظاهر بالاستدلال بالقرآن لطمس قول الحقيقة(٣) ، والكثير الكثير من الآيات المباركة التي رفعت شأنهم وعظّمت مكانتهم في الدنيا والآخرة، والتي منها:

_____________________

١ - سورة البقرة / ١٤١.

٢ - مسائل الجاهليّة / ١٣٢، ط / مؤسسة مكة، توزيع الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة.

٣ - السلفية الوهابيّة / ٦٨.

٣٧٠

( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) . و( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ، وآية( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) (٣) .

ثمّ إنّنا نرى على أرض الواقع أنّ هؤلاء لا يحترمون أهل البيت إطلاقاً، بل إذا وجدوا عالماً من آل البيت فإنّهم يطعنون في نسبه محاولين إزاحة هذا الشرف عنه، ثمّ في ردّهم عليه نراهم لا يحترمونه البتة، وإنّما يحترمون أهل نحلتهم أثناء ردّهم على أحد منهم إذا أخطأ في مسألته.

ومن ذلك: أنّ الألباني عندما كان يردّ على الأشراف الغماريين فيما يسوِّده، فإنّه كان يعبّر بأسوأ أنواع التعبير في الخطاب، ويستعمل كلمات هابطة لا تدلّ على الاحترام! بينما يعبّر في حقّ ابن باز أثناء ردّه عليه بعبارات التوقير والإجلال والاحترام! وما ذلك إلاّ للنّصب الذي يحملونه في صدورهم(٤) .

وسنوافيك يا عزيزي ببعض هذه الحرب الشنيعة على الإسلام ورجاله المخلصين فيما بعد بإذن الله.

الصلاة على العترة الطاهرة هي من الواجبات، وهي من الأمور التي أكّدت الشريعة عليها، والصلاة لا تتمّ ولا تُقبل ولا تسقط واجباً ما لم تكن (الصلاة) كاملة، وهذا واضح بالحديث المتواتر الذي نقله العلماء وأرباب السنن، وذلك

_____________________

١ - سورة الشورى / ٢٣.

٢ - سورة الأحزاب / ٣٣.

٣ - سورة آل عمران / ٣٤.

٤ - السلفية الوهابيّة / ٦٧.

٣٧١

حين نزلت آية الصلاة وهي قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) .

يروي كعب بن عجزة أنّه قال: قلنا يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((قولوا: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد)) .

وبراوية أُخرى تمام الصلاة الإبراهيمية:((قولوا: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد)) (٢) .

وهذا من الأحاديث المتّفق عليها، وهو من المسلّمات في ديننا الحنيف؛ لأنّ الصلاة الواجبة لا تُقبل إلاّ بها.

ولنِعْمَ ما قال ذاك الأخ الكريم: فهذه الصلاة على آل محمد الذين كانوا معه في المباهلة، والتي يؤدّيها ابن تيمية في تشهّده وفي دعائه، هل يستطيع أن يحذف منها ذكرهم ويضع مكانها أبا بكر وعمر؛ لتكون صلاته أتمّ واستجابة دعائه أولى وأسرع؟!

إنّه يعلم، ويعلم كلّ مسلم أنّ صلاته عندئذٍ ستكون باطلة، بل لو أبقى ذكرهم فيها وأضاف معهم أبا بكر وعمر لبطلت صلاته بلا جدال، فكم الفرق بين مَنْ جُعل ذكره في الصلاة واجباً لا تصحّ بدونه، ومَنْ إذا ذُكر في الصلاة

_____________________

١ - سورة الأحزاب / ٥٦.

٢ - الدرّ المنثور ٥ / ٢١٦، وكذا نقلته كتب الصحاح كلّها كالبخاري ومسلم مع تغيير في الألفاظ.

٣٧٢

بطلت؟(١)

إنّه لفرق شاسع، فأين الثّرى من الثريّا، وأين الذرّة من المجرّة؟! تصوّر أنّ ذكرهمعليهم‌السلام والصلاة عليهم واجبة في الصلاة كالوضوء الواجب للصلاة الواجبة، فهل تصحّ صلاة بلا وضوء؟!

وربما يقول قائل: إنّنا نصلّي على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونمسك أو نقف، ولكن إذا ألحقنا به الأهل أو الآل الكرامعليهم‌السلام فإنّنا نتبعهم بالصحابة والأعلام.

أقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نهانا عن هذه الصلاة التي يصلّيها البعض؛ وذلك بالرواية القائلة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء)) .

فقالوا: وما الصلاة البتراء؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((تقولون اللهمَّ صلِّ على محمّد وتمسكون، بل وقالوا: اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وعلى آلِ محمّد)) (٢) .

وقبل أن نترك هذا المقام الرفيع السامي لذكر محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، لا بأس بأن نتبّرك بهذا الحديث الشريف الذي روته كتب السنن، وأوصى بعض العلماء الأعلام بأن يكتب على كفنه؛ ليكون له حرزاً من النار بإذن الله.

يروي البخاري عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:((ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات شهيداً.

_____________________

١ - ابن تيمية حياته وعقائده / ٣١٣.

٢ - الصواعق المحرقة / ١٤٦.

٣٧٣

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات مغفوراً له.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات تائباً.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات مؤمناً مستكمل الإيمان.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، بشره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير.

وفي رواية:ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد يزفُّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات على السنّة والجماعة)) .

هذا للمحبّ، فما للمبغض؟ اسمع بقيّة الحديث:

((ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد مات كافراً.

إلا ومَنْ مات على بغض آل محمّد، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله.

ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد، لم يشم رائحة الجنّة)) (١) .

هل عرفت الفرق بين المحبّ للآل الكرامعليهم‌السلام ، والمبغض الشانئ لهم؟

عليك أن تعرف الناس بهذه المقاييس الرحمانيّة النورانيّة، لا أن تأخذ بالأسماء والألقاب ووسع الأكمام وحسن الهندام وغير ذلك.

_____________________

١ - صحيح البخاري، تفسير الكشاف، تفسير سورة الشورى / ٢٣.

٣٧٤

فشيخ الإسلام ابن تيميّة هو شيخ الإسلام لكن غير إسلام الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّه شيخ دين جديد جاء به من عند نفسه حتّى رماه علماء عصره بالكفر والزندقة، وسجنه أهل السياسة حتّى مات في سجنه.

الفتنة وقرن الشيطان

ألم تسمع يا عزيزي الغالي بحديث الشيطان وقرنه الذي روته كتب السنن؟

إليك إذن ما يشفي الغليل، ويروي العطشان للحقيقة:

جاء في صحيح البخاري وغيره قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((الإيمان يماني، والفتنة من ها هنا حيث يطلعُ قرنُ الشيطان)) (١) .

ولك أن تعرف ما المقصود من (ها هنا) لتعلم الجهة وتحدد المكان المقصود.

فرواية أُخرى عن ابن عمر أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وهو مستقبل المشرق:((إنّ الفتنة ها هنا)) (٢) .

وفي رواية أُخرى كذلك يقول فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((اللهمّ بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا، وفي مدنا، ويمننا، وشامنا ، ثمّ استقبل مطلع الشمس، فقال:ها هنا يطلُعُ قَرنُ الشيطان)) (٣) .

وفي رواية أُخرى أكثر تحديداً ما نصّه: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، قال: أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده نحو اليمن فقال:((الإيمان ها هنا، ألا إنّ القسوة

_____________________

١ - صحيح البخاري ٦ / ٢٤١، صحيح مسلم ٥ ح ٢٩٠٥.

٢ - صحيح البخاري ٦ / ٢٤١، وصحيح ابن حبان ٨ / ٢٢٣ ح ٦٦١٤.

٣ - مسند أحمد بن حنبل / ح ٦٠٥٥، صحيح مسلم / ح ١٣٨٣.

٣٧٥

وغلظ القلوب في الفدادين (الرعاة والجمّالون)عند اُصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن للشيطان في ربيعة ومضر)) (١) .

وأهل الحجاز يعلمون أنّ نجد تقع في الجهة الشرقية بالنسبة للحجاز، ومنها خرج مسيلمة الكذاب وإليها جاءته صاحبته سجاح التي ادّعت النبوّة كذلك.

وتروي الصحاح الكثير من الأحاديث عن الفتن وأواخر الزمان، منها هذه الرواية عن سويد بن غفلة، قال عليعليه‌السلام :((سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البريّة، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ قتلهم أجر لِمَنْ قتلهم يوم القيامة)) (٢) .

وهذا الحديث هو غير الحديث الذي يتحدّث فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويحذّر الأُمّة من فتنة الخوارج، والذي يقول فيه:((يخرج فيكم قوم تحقّرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) (٣) .

فهل عرفت السرّ الذي من أجله أطلق العلماء الأعلام والغيارى على الإسلام على أتباع هذه الجماعة اسم الخوارج؛ لأنّ جميع الأحاديث المتقدّمة وغيرها تصفهم وتنعتهم وتدلّ، بل وتشير إليهم مباشرة؟!

_____________________

١ - فتح الباري ٦ / ٣٥٠.

٢ - صحيح البخاري / ح ٥٠٥٧.

٣ - صحيح البخاري / ح ٥٠٥٨، صحيح مسلم / ح ١٠٦٤.

٣٧٦

سليمان بن عبد الوهاب يردّ على أخيه

ولنِعْمَ ما ردَّ به الشيخ سليمان بن عبد الوهاب على أخيه محمد بخصوص هذه المسألة، اسمعه حيث يقول:

إنّ أوّل فتنة وقعت بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقعت بأرضنا هذه (يعني بلاد نجد حين خرج مسيلمة الكذاب وغيره)، فنقول: هذه الأمور التي تجعلون بها المسلم كافراً، بل تكفّرون مَنْ لم يكفّره ملأ مكة والمدينة، واليمن والحرمين. وبلدنا هذه هي أوّل مَنْ ظهرت فيها الفتن، ولا نعلم في بلاد المسلمين أكثر من فتنها قديماً وحديثاً (وهذا مصداق للأحاديث المتقدّمة وهي معجزة نبوّية بلا شك).

وأنتم (يعني أخوه وأتباعه) الآن مذهبكم أنّه يجب على العامّة اتّباع مذهبكم، وأنّ مَنْ اتبعه ولم يقدر على إظهاره في بلده، وتكفير أهل بلده وجب عليه الهجرة إليكم، وأنّكم الطائفة المنصورة.

وهذا خلاف كلّ الأحاديث المتقدّمة، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره الله بما هو كائن على أُمّته إلى يوم القيامة، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله بدوره أخبر بما يجري عليهم ومنهم.

فلو علم أنّ بلاد المشرق خصوصاً نجد بلاد مسيلمة أنّها تصير دار الإيمان، وأنّ الطائفة المنصورة تكون بها، وأنّها بلاد يظهر فيها الإيمان ولا يخفى في غيرها، وأنّ الحرمين الشريفين واليمن تكون بلاد كفر تُعبد فيها الأوثان وتجب الهجرة منها لأخبر بذلك كلّه، ولدعا لأهل المشرق وخصوصاً نجد، ولدعا على الحرمين واليمن والشام، وأخبر أنّهم يعبدون الأصنام وتبرّأ منهم، وإذا لم يكن إلاّ عكس ذلك، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمَّ المشرق، وخصَّ نجد بأنّ

٣٧٧

منها يطلع قرن الشيطان، وأنّ منها وفيها الفتن، وامتنع من الدعاء لها، وهذا خلاف زعمكم.

وإنّ اليوم عندكم الذين دعا لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّار، والذين أبى أن يدعوا لهم وأخبر أنّ منها يطلع قرن الشيطان، وأنّ منها الفتن والزلازل هي بلاد الإيمان تجب الهجرة إليها(١) .

هل نحتاج إلى تعليق بعد هذا البيان الواضح من الشيخ سليمان؟!

وهل يلزمنا الردّ على محمد بن عبد الوهاب بعد أن ردّ عليه شقيقه بهذا التصريح في كتابه القيّم (الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة)، والعنوان يخبرك عن المحتوى والمضمون؟!

عصمنا الله وإيّاكم من السقوط في مهاوي عبادة الذّات، أو اتّباع الشيطان اللعين الرجيم، وجعلنا من المعتصمين بمحمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

_____________________

١ - الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة / ١٣٧.

٣٧٨

الفصل الخامس: الإمام الحسينعليه‌السلام في الفكر السلفي

٣٧٩

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580