الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية6%

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 580

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية
  • البداية
  • السابق
  • 580 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194156 / تحميل: 8245
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة

والأعظم من هذا وذاك أنّ زعيم القوم محمد بن عبد الوهاب كان ينهى عن الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتأذّى من سماعها، وينهى عن الإتيان بها ليلة الجمعة (مع إنّها أفضل الأعمال كما في الرواية)، وعن الجهر بها على المنائر (لا سيما التعقيب بعد الأذان) ويؤذي مَنْ يفعل ذلك ويعاقبه أشدّ العقاب وربما يقتله.

وكان يقول - وعليه إثم ذلك -: إنّ الربابة في بيت الخاطئة - يعني الزانية - أقلُّ إثماً ممّن ينادي بالصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنائر(١) .

وأحرق كتاب (دلائل الخيرات) وغيره من كتب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، متستراً بقوله (ملبّساً على أتباعه) إنّ ذلك بدعة، وإنّه يريد المحافظة على التوحيد(٢) .

ولم يكتفِ ابن عبد الوهاب بتلك التهم للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأوصاف والنعوت البعيدة كلّ البعد عن الأدب والاحترام، فإنّه ولشدّة نصبه وعداوته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله راح يمنع الناس من الصلاة عليه، وهي من أعظم القربات عند الله، وكثير من العلماء في كلّ عصر ومصر ألّفوا كتباً تشيد وتحضّ على الصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كيف لا، وسبحانه وتعالى يقول له:( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣) .

_____________________

١ - السلفية الوهابيّة / ٧٦.

٢ - المصدر نفسه.

٣ - سورة التوبة / ١٠٣.

٣٦١

و( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) .

ولم يكتفِ كذلك بهذه الموبقة العظيمة، بل راح يمنع الناس من الحضور في مجالس الذكر، ومَنْ رفع أصواتهم بالذكر المأمور به كالتسبيح والتهليل والتكبير، وقراءة القرآن أو الدعاء للمؤمنين، وراح يحارب تلك المجالس العامرة بالنور، والتي تحفّها الملائكة حيث تنزل؛ لتتبرّك بحضور مثل تلك المجالس النورانيّة العامرة بالإيمان.

واعتبروا ذلك كلّه من بدع الصوفية؛ ولذا حين جاء (الوهابيون) حرّموا مظاهر التصوّف كالاجتماع على الذكر، وقراءة القرآن، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الأذان، وحمل المسبحة، كما حاربوا اسم التصوّف بشكل عام، وأوّل مَنْ ابتدع ذلك محمد بن عبد الوهاب النجدي.

ومحاربة الذكر ومظاهر التصوّف، هي ممّا افترق به محمد بن عبد الوهاب ومَنْ جاء بعده من المتمسلفين عن قدامى أئمّتهم مثل ابن تيميّة وغيره(٢) ؛ لأنّ هذا الأخير يمتدح الصوفية وكلّ مظاهرها لا سيما الذكر والاجتماع عليه.

فما عسانا أن نقول عن كلّ هذه الأقوال والتصرّفات البعيدة كلّ البعد عن الدين الإسلامي الحنيف، بل هي بعيدة عن الإنسانيّة وأخلاقيّات الوفاء للعظماء المتعارف عليها في كلّ عصر ومصر(٣) ؟!

_____________________

١ - سورة الأحزاب / ٥٦.

٢ - السلفية الوهابيّة / ٧٥.

٣ - حقيقة الحديث عن الصوفية والتصوّف، هل طريقتهم يقرّها الإسلام؟ وهل هي مطابقة لسُنّة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ هذا ممّا يحتاج إلى دراسة وبحث وتحقيق.

٣٦٢

مواقف الوهابيّة من الإمام عليعليه‌السلام

يقول أكثر الدارسين لسيرة ومنهج هذه الجماعة: أنّ تعاملهم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ليكون لولا العداء العجيب الذي يكنّه ابن عبد الوهاب وأتباعه لأهل البيت النبويّ ورجالات البيت الهاشميّ ككلّ، لا سيما السادة الكرام.

وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو بدوره أخبرنا، كما في نهج البلاغة بقوله:((والله، لَو ضَربتُ خيشومَ المؤمنِ بسيفي هذا على أن يُبغضني ما أبغضني، ولو وضعتُ الدنيا بين يدي المنافق على أن يُحبّني ما أحبّني؛ وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال لي: يا عليّ لا يحبّك إلا مؤمنٌ، ولا يُبغضك إلاّ منافقٌ)) (١) .

ولهذا الحديث عدّة روايات وبألفاظ مختلفة، ممّا يؤكّد صدروها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتلك الألفاظ لاختلاف مناسباتها، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :((يا علي، لا يحبّك إلاّ طاهر الولادة، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة)) (٢) .

وهذا ما أكّدته عائشة بنت أبي بكر حين سألوها عن الإمام عليعليه‌السلام في أواخر أيّامها، فقالت شعراً:

إذا ما التِّبْرُ حُكَّ على محكٍّ

تبيّنَ زيفهُ من غيرِ شكِّ

وفينا الدرُّ والذهب المصفى

عليّ بيننا شبهُ المحكِّ

_____________________

١ - نهج البلاغة / قصار الحكم رقم ٤٥.

٢ - ينابيع المودّة / ١٥٨ ب٤٤.

٣٦٣

نعم، إنّ الإمام علياًعليه‌السلام هو المحكّ المميّز للناس، ألم يقل له رسول الله (صلى الله عليه وآله):((حبّ علي عنوان صحيفة المؤمن)) (١) ؟!

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((مَنْ آذى علياً فقد آذاني)) (٢) .

وقال أيضاً:((علي مع الحقّ والحقّ مع علي لا يفترقان)) (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((مَنْ أطاع علياً فقد أطاعني، ومَنْ عصى علياً فقد عصاني)) (٤) .

وأكّدت كتب الصحاح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((يا علي، لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق)) (٥) .

هذا الذي فضائله كُتبت على صفحات تاريخ الإنسانيّة بأنصع الكلمات النورانيّة، هذا الذي قام الإسلام بسيفه، ومال خديجة كما في الرواية.

هذا الذي قاتل على التنزيل مع رسول الله، وقاتل على التأويل من بعده؛ حفاظاً على دين الله من أن يصيبه هدم أو ثلم، فسلامة الدين أحبّ إليه كما هو ثابت عنه (صلوات الله عليه وآله).

فما هو موقف هذه الجماعة من عظيم الإسلام وإمام المسلمين، وأمير

_____________________

١ - ينابيع المودّة / ١٠٥ ب ٢٠.

٢ - مسند أحمد بن حنبل / ح ١٥٣٩٤.

٣ - ينابيع المودة / ٦٥ ب ٧.

٤ - الحاكم في المستدرك ٣ / ١٢١ و ١٢٨.

٥ - صحيح مسلم ١ / ٨٦، الترمذي ٥ / ٦٤٣، النسائي ٨ / ١١٦، ابن ماجة ١ / ٤٢.

٣٦٤

المؤمنين، وقائد الغرِّ المحجّلين، ويعسوب الدين، عدل القرآن الناطق. هذا الذي لولاه لما كان للإسلام ذكر أو فكر؟

وأدعوك عزيزي القارئ إلى تصوّر الإسلام بدون علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، هل يمكن أن نرفع علياً من تاريخ الإسلام الحنيف؟

إليك بعض ما قاله إمام النواصب ابن تيميّة الذي أصّل اُصول السلفية، وأسّس لهم القواعد التي بنوا عليها دعوتهم الخارجة عن سنن الدين القويم، ومن أقواله نعرف أصله وفصله.

كان يقول ابن تيميّة في الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : (إنّ أبا بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول، وعليٌّ أسلم صبيّاً، والصبي لا يصحّ إسلامه على قول)(١) .

فالإمام عليعليه‌السلام لم يكن مسلماً عند ابن تيميّة؛ لأنّه أسلم صبيّاً ولا يصح إسلام الصبي كما يقول ويدّعي، ولكن كيف يطلق هذا الحكم - بعدم صحة إسلام الصبي - لا أدري؟!

لسنا هنا في باب إثبات الفضائل أو مناقشة إسلام الإمام عليعليه‌السلام ، ولكن نرجع إلى كلّ مَنْ أرّخ عن هذا الإمام وسيرته، منذ أن كان في بطن أُمّه، ثمّ ولادته متفرّداً بهذه الخصيصة في جوف الكعبة، ثمّ تربيته بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ البداية وحتى شهادته في محراب عبادته في مسجد الكوفة؟!

_____________________

١ - السلفية الوهابيّة / ٦٥ عن الدرر الكامنة ١ / ١٥٥، في ترجمة ابن تيمية.

٣٦٥

فهل تجد في سيرته العطرة ما يخرجه عن الدين والعياذ بالله؟! أم أنّك تجد قصّة حياته كلّها ديناً يدان بها؟! فأين هذا ممّن شاخ وكبر على الشرك وعبادة الأصنام؟!

نعم، إنّه صوت العدالة الإنسانيّة الشامخة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكفى كونه صنو النبيّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم، إنّ الإغضاء عن خصائص الإمامعليه‌السلام وعظيم مزاياه (وفضائله) إغضاء عن الشمس في رائعة النهار، وإغضاء عن الخُلق النبيل، وعن الصدق الذي لا يحجبه شيء، وعن اليقين، وعن الشجاعة والإيمان والحكمة في أتّم معانيها، إغضاء عن الكمال (الإنساني).

ولكن، هناك مَنْ لا يقف عند حدود الإغضاء، بل يبتعد حتّى ينال منهعليه‌السلام تلميحاً أو تصريحاً - والعياذ بالله -، نيلاً يحمله عليه هوى في الآخرين يريد أن يرفعهم، أو شنآن ينقله من باب إلى آخر من أبواب كلامٍ لا يستحسن له وجه في حالٍ من الأحوال(١) .

وهذا حال السلفية كلّهم، وعلى رأسهم ابن تيميّة وتلميذه الأخير محمد بن عبد الوهاب؛ فإنّهم ناصبوا رسول الله وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) العداء، فكان أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أوّل هدف لهم يريدون النيل منه؛ ليبرّروا فعلة أعدائه بني أُميّة بسبابه ولعنه على المنابر أعواماً متطاولة.

ولتكون ذريعة لانتقاص أبنائه وشيعته الذين يدينون لله بحبّهم وولائهم لأميرهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وانطلاقاً من البغض والحقد راحوا إلى كلّ

_____________________

١ - ابن تيمية حياته وعقائده / ٣٢١.

٣٦٦

فضيلة ورواية تتحدّث عن فضائلهعليه‌السلام فكذّبوها وأنكروها أصلاً، ولم تسلم منهم الروايات المتواترة والأحاديث الثابتة والصحيحة المؤكّدة بحقّه.

وأنكروا حتّى نزول آيات القرآن بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام الذين كان رأسهم وأصلهم أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وسيّدة النساء فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، حتّى إنّ حديث الولاية المتواترة كما يؤكّد تواتره الذهبي، وخطبة حجّة الوداع التي يقول فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((مَنْ كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله، وأدر الحقّ معه كيفما دار)) (١) .

فيقول عنه ابن تيمية: (فليس هو في الصحاح، لكن هو ممّا رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته)! وأمّا ابن حزم فإنّه يقول عنه: (فلا يصح من طريق الثقاة أصلاً)(٢) .

وهل تصدّق أنّ الألباني ذاك السلفي العنيد يعترف بصحة الحديث وتواتره، ويستغرب من معلّمه وأستاذه البعيد، فيقول: فمن العجيب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيميّة على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في (منهاج السنّة ٤ / ١٠٤).

فلا أدري - بعد ثبوت تواتره - وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة.

وفي مكان آخر يقول الشيخ: (وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من

_____________________

١ - بحار الأنوار ٣٧ / ١٤٨.

٢ - السلفية الوهابيّة / ٦٥، منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٣٦٧

تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها)(١) .

هذا ديدنهم، وتلك هي مبالغ علمهم، فشيخ الإسلام السلفي - لا الإسلام المحمدي - ينكر كلّ فضائل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حتّى التي تسالم عليها الصبيان، وسارت بها وبأمثالها الركبان، كالعلم والشجاعة.

ابن تيميّة وعلم علي بن أبي طالبعليه‌السلام

يقول ابن تيمية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : (لا نسلّم أنّ علياً كان أحفظ للكتاب والسنّة وأعلم بهما من أبي بكر وعمر، بل هما كان أعلم بكتاب الله والسنّة منه)(٢) .

هل سمعت بمثل هذه الدعوى الباطلة والفرية المفضوحة؟! هل كان الرجل يعلم من صاحبيه أكثر من علمهما بأنفسهما؟! ونُحيله إلى كتب التاريخ؛ فإنّها أحصت أكثر من مئة وخمسين مرّة قال فيها عمر بن الخطاب: (لولا علي لهلك عمر)(٣) .

وفي رواية أُخرى: (أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن)(٤) .

وكم مرّة أحصر هو وصاحبه عن أبسط الأسئلة في كتاب الله حتّى المعاني

_____________________

١ - المصدر السابق / ٦٦.

٢ - منهاج السنة ٣ / ٢٧٠.

٣ - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد ١٢ / ٢٠٥.

٤ - ابن حجر في فتح الباري ١٢ / ١٠١، أبو داوود في السنن ٢ / ٢٢٧، البخاري في صحيحه باب لا يُرجم المجنون والمجنونة.

٣٦٨

اللغوية، ألم يقل أبو بكر: (أيّ سماء تظلّني، وأيّ أرض تقلّني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم). وقال عمر: (لا عيب على عمر أن يقول لا أعلم).

وقال عمر أيضاً: (كلّ الناس أفقه منك يا عمر حتّى ربّات الحجال)(١) .

ألا تعجب من إمامٍ أخطأ وامرأة أصابت؟!

ومَنْ قال أنّ أبا بكر أو ابن الخطاب كانا ممّن حفظا كتاب الله؟!

فها هي كتب التاريخ والسنن إن كان فيها إلاّ أنّ عمر بن الخطاب حفظ سورة البقرة بعد اثني عشر سنة من نزولها، فذبح لذلك عجلاً سميناً فرحاً بذلك.

أين ذلك كلّه وسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:((أقضاكم علي)) ،((أحكمكم علي))، ((أعلمكم علي)).

الإمام علي مُلئ إيماناً من مشاشة رأسه إلى أخمص قدميه، فكان الأنزع البطين الذي بطن العلوم كلّها، وهو الذي جمع القرآن حفظاً ورواية وتفسيراً حتّى إنّ جميع علوم الإسلام تنتهي إليه بطريق من الطرق، أو تتعلّق به بسبب من الأسباب.

إنّ إنكار القوم لعلم باب مدينة العلم النبويّة الإلهيّة، حيث قال النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله :((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمَنْ أراد العلم فليأتِ باب المدينة)) (٢) لهو إنكار لأوضح الواضحات، ولكن في الأمر قضية، ووراء الأكمة ما

_____________________

١ - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد ١ / ١٨٢، السيوطي في الدرّ المنثور ٢ / ١٣٣، ابن كثير في تفسيره ١ / ٣٦٨، القرطبي في تفسيره ٥ / ٩٩.

٢ - تاريخ دمشق - لابن عساكر ٤٢ / ٣٨٧ الرقم (٨٩٧٦)، الحاكم النيسابوري ٣ / ١٢٦ و١٢٨ و٢٢٦، ليالي بيشاور - لسلطان الواعظين، ويذكر فيه خمسين مصدراً من مصادر العامّة.

٣٦٩

وراءها، فهذا نتيجة الحقد الأعمى والبغض الشنيع لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

الوهابيّة والذريّة الطاهرةعليهم‌السلام

ولنا هنا أن نسأل ما هو موقف الوهابيّة من الذريّة الطاهرةعليهم‌السلام ؟

خذها إليك من رأسهم محمد بن عبد الوهاب الذي يقول في كتابه (مسائل الجاهليّة): الافتخار بكونهم من ذريّة الأنبياءعليهم‌السلام ، فردّ الله عليهم بقوله:( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) .

ثمّ يذكر قول البعض: أنا علويٌّ، أو حسنيٌّ، أو حسينيٌّ(٢) .

فالافتخار بالانتساب إلى فخر ربيعة ومضر، إلى سيّد البشر محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو بدعة وضلالة، ومن آثار الجاهليّة عند القوم.

إنّ هذا التصريح من (ابن تيمية وبعده محمد بن عبد الوهاب) بغمط فضل آل البيتعليهم‌السلام ، ومحاولته لزرع العقيدة الناصَّة على عدم قيمة أن يكون الإنسان من آل البيت ومن تلك الذريّة الطاهرةعليهم‌السلام ، واستعمال الآية في غير موضعها، والتظاهر بالاستدلال بالقرآن لطمس قول الحقيقة(٣) ، والكثير الكثير من الآيات المباركة التي رفعت شأنهم وعظّمت مكانتهم في الدنيا والآخرة، والتي منها:

_____________________

١ - سورة البقرة / ١٤١.

٢ - مسائل الجاهليّة / ١٣٢، ط / مؤسسة مكة، توزيع الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة.

٣ - السلفية الوهابيّة / ٦٨.

٣٧٠

( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) . و( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ، وآية( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) (٣) .

ثمّ إنّنا نرى على أرض الواقع أنّ هؤلاء لا يحترمون أهل البيت إطلاقاً، بل إذا وجدوا عالماً من آل البيت فإنّهم يطعنون في نسبه محاولين إزاحة هذا الشرف عنه، ثمّ في ردّهم عليه نراهم لا يحترمونه البتة، وإنّما يحترمون أهل نحلتهم أثناء ردّهم على أحد منهم إذا أخطأ في مسألته.

ومن ذلك: أنّ الألباني عندما كان يردّ على الأشراف الغماريين فيما يسوِّده، فإنّه كان يعبّر بأسوأ أنواع التعبير في الخطاب، ويستعمل كلمات هابطة لا تدلّ على الاحترام! بينما يعبّر في حقّ ابن باز أثناء ردّه عليه بعبارات التوقير والإجلال والاحترام! وما ذلك إلاّ للنّصب الذي يحملونه في صدورهم(٤) .

وسنوافيك يا عزيزي ببعض هذه الحرب الشنيعة على الإسلام ورجاله المخلصين فيما بعد بإذن الله.

الصلاة على العترة الطاهرة هي من الواجبات، وهي من الأمور التي أكّدت الشريعة عليها، والصلاة لا تتمّ ولا تُقبل ولا تسقط واجباً ما لم تكن (الصلاة) كاملة، وهذا واضح بالحديث المتواتر الذي نقله العلماء وأرباب السنن، وذلك

_____________________

١ - سورة الشورى / ٢٣.

٢ - سورة الأحزاب / ٣٣.

٣ - سورة آل عمران / ٣٤.

٤ - السلفية الوهابيّة / ٦٧.

٣٧١

حين نزلت آية الصلاة وهي قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) .

يروي كعب بن عجزة أنّه قال: قلنا يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((قولوا: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد)) .

وبراوية أُخرى تمام الصلاة الإبراهيمية:((قولوا: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد)) (٢) .

وهذا من الأحاديث المتّفق عليها، وهو من المسلّمات في ديننا الحنيف؛ لأنّ الصلاة الواجبة لا تُقبل إلاّ بها.

ولنِعْمَ ما قال ذاك الأخ الكريم: فهذه الصلاة على آل محمد الذين كانوا معه في المباهلة، والتي يؤدّيها ابن تيمية في تشهّده وفي دعائه، هل يستطيع أن يحذف منها ذكرهم ويضع مكانها أبا بكر وعمر؛ لتكون صلاته أتمّ واستجابة دعائه أولى وأسرع؟!

إنّه يعلم، ويعلم كلّ مسلم أنّ صلاته عندئذٍ ستكون باطلة، بل لو أبقى ذكرهم فيها وأضاف معهم أبا بكر وعمر لبطلت صلاته بلا جدال، فكم الفرق بين مَنْ جُعل ذكره في الصلاة واجباً لا تصحّ بدونه، ومَنْ إذا ذُكر في الصلاة

_____________________

١ - سورة الأحزاب / ٥٦.

٢ - الدرّ المنثور ٥ / ٢١٦، وكذا نقلته كتب الصحاح كلّها كالبخاري ومسلم مع تغيير في الألفاظ.

٣٧٢

بطلت؟(١)

إنّه لفرق شاسع، فأين الثّرى من الثريّا، وأين الذرّة من المجرّة؟! تصوّر أنّ ذكرهمعليهم‌السلام والصلاة عليهم واجبة في الصلاة كالوضوء الواجب للصلاة الواجبة، فهل تصحّ صلاة بلا وضوء؟!

وربما يقول قائل: إنّنا نصلّي على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونمسك أو نقف، ولكن إذا ألحقنا به الأهل أو الآل الكرامعليهم‌السلام فإنّنا نتبعهم بالصحابة والأعلام.

أقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نهانا عن هذه الصلاة التي يصلّيها البعض؛ وذلك بالرواية القائلة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء)) .

فقالوا: وما الصلاة البتراء؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :((تقولون اللهمَّ صلِّ على محمّد وتمسكون، بل وقالوا: اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وعلى آلِ محمّد)) (٢) .

وقبل أن نترك هذا المقام الرفيع السامي لذكر محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، لا بأس بأن نتبّرك بهذا الحديث الشريف الذي روته كتب السنن، وأوصى بعض العلماء الأعلام بأن يكتب على كفنه؛ ليكون له حرزاً من النار بإذن الله.

يروي البخاري عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:((ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات شهيداً.

_____________________

١ - ابن تيمية حياته وعقائده / ٣١٣.

٢ - الصواعق المحرقة / ١٤٦.

٣٧٣

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات مغفوراً له.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات تائباً.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات مؤمناً مستكمل الإيمان.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، بشره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير.

وفي رواية:ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد يزفُّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد، مات على السنّة والجماعة)) .

هذا للمحبّ، فما للمبغض؟ اسمع بقيّة الحديث:

((ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد مات كافراً.

إلا ومَنْ مات على بغض آل محمّد، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله.

ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد، لم يشم رائحة الجنّة)) (١) .

هل عرفت الفرق بين المحبّ للآل الكرامعليهم‌السلام ، والمبغض الشانئ لهم؟

عليك أن تعرف الناس بهذه المقاييس الرحمانيّة النورانيّة، لا أن تأخذ بالأسماء والألقاب ووسع الأكمام وحسن الهندام وغير ذلك.

_____________________

١ - صحيح البخاري، تفسير الكشاف، تفسير سورة الشورى / ٢٣.

٣٧٤

فشيخ الإسلام ابن تيميّة هو شيخ الإسلام لكن غير إسلام الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّه شيخ دين جديد جاء به من عند نفسه حتّى رماه علماء عصره بالكفر والزندقة، وسجنه أهل السياسة حتّى مات في سجنه.

الفتنة وقرن الشيطان

ألم تسمع يا عزيزي الغالي بحديث الشيطان وقرنه الذي روته كتب السنن؟

إليك إذن ما يشفي الغليل، ويروي العطشان للحقيقة:

جاء في صحيح البخاري وغيره قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((الإيمان يماني، والفتنة من ها هنا حيث يطلعُ قرنُ الشيطان)) (١) .

ولك أن تعرف ما المقصود من (ها هنا) لتعلم الجهة وتحدد المكان المقصود.

فرواية أُخرى عن ابن عمر أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وهو مستقبل المشرق:((إنّ الفتنة ها هنا)) (٢) .

وفي رواية أُخرى كذلك يقول فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((اللهمّ بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا، وفي مدنا، ويمننا، وشامنا ، ثمّ استقبل مطلع الشمس، فقال:ها هنا يطلُعُ قَرنُ الشيطان)) (٣) .

وفي رواية أُخرى أكثر تحديداً ما نصّه: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، قال: أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده نحو اليمن فقال:((الإيمان ها هنا، ألا إنّ القسوة

_____________________

١ - صحيح البخاري ٦ / ٢٤١، صحيح مسلم ٥ ح ٢٩٠٥.

٢ - صحيح البخاري ٦ / ٢٤١، وصحيح ابن حبان ٨ / ٢٢٣ ح ٦٦١٤.

٣ - مسند أحمد بن حنبل / ح ٦٠٥٥، صحيح مسلم / ح ١٣٨٣.

٣٧٥

وغلظ القلوب في الفدادين (الرعاة والجمّالون)عند اُصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن للشيطان في ربيعة ومضر)) (١) .

وأهل الحجاز يعلمون أنّ نجد تقع في الجهة الشرقية بالنسبة للحجاز، ومنها خرج مسيلمة الكذاب وإليها جاءته صاحبته سجاح التي ادّعت النبوّة كذلك.

وتروي الصحاح الكثير من الأحاديث عن الفتن وأواخر الزمان، منها هذه الرواية عن سويد بن غفلة، قال عليعليه‌السلام :((سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البريّة، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ قتلهم أجر لِمَنْ قتلهم يوم القيامة)) (٢) .

وهذا الحديث هو غير الحديث الذي يتحدّث فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويحذّر الأُمّة من فتنة الخوارج، والذي يقول فيه:((يخرج فيكم قوم تحقّرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) (٣) .

فهل عرفت السرّ الذي من أجله أطلق العلماء الأعلام والغيارى على الإسلام على أتباع هذه الجماعة اسم الخوارج؛ لأنّ جميع الأحاديث المتقدّمة وغيرها تصفهم وتنعتهم وتدلّ، بل وتشير إليهم مباشرة؟!

_____________________

١ - فتح الباري ٦ / ٣٥٠.

٢ - صحيح البخاري / ح ٥٠٥٧.

٣ - صحيح البخاري / ح ٥٠٥٨، صحيح مسلم / ح ١٠٦٤.

٣٧٦

سليمان بن عبد الوهاب يردّ على أخيه

ولنِعْمَ ما ردَّ به الشيخ سليمان بن عبد الوهاب على أخيه محمد بخصوص هذه المسألة، اسمعه حيث يقول:

إنّ أوّل فتنة وقعت بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقعت بأرضنا هذه (يعني بلاد نجد حين خرج مسيلمة الكذاب وغيره)، فنقول: هذه الأمور التي تجعلون بها المسلم كافراً، بل تكفّرون مَنْ لم يكفّره ملأ مكة والمدينة، واليمن والحرمين. وبلدنا هذه هي أوّل مَنْ ظهرت فيها الفتن، ولا نعلم في بلاد المسلمين أكثر من فتنها قديماً وحديثاً (وهذا مصداق للأحاديث المتقدّمة وهي معجزة نبوّية بلا شك).

وأنتم (يعني أخوه وأتباعه) الآن مذهبكم أنّه يجب على العامّة اتّباع مذهبكم، وأنّ مَنْ اتبعه ولم يقدر على إظهاره في بلده، وتكفير أهل بلده وجب عليه الهجرة إليكم، وأنّكم الطائفة المنصورة.

وهذا خلاف كلّ الأحاديث المتقدّمة، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره الله بما هو كائن على أُمّته إلى يوم القيامة، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله بدوره أخبر بما يجري عليهم ومنهم.

فلو علم أنّ بلاد المشرق خصوصاً نجد بلاد مسيلمة أنّها تصير دار الإيمان، وأنّ الطائفة المنصورة تكون بها، وأنّها بلاد يظهر فيها الإيمان ولا يخفى في غيرها، وأنّ الحرمين الشريفين واليمن تكون بلاد كفر تُعبد فيها الأوثان وتجب الهجرة منها لأخبر بذلك كلّه، ولدعا لأهل المشرق وخصوصاً نجد، ولدعا على الحرمين واليمن والشام، وأخبر أنّهم يعبدون الأصنام وتبرّأ منهم، وإذا لم يكن إلاّ عكس ذلك، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمَّ المشرق، وخصَّ نجد بأنّ

٣٧٧

منها يطلع قرن الشيطان، وأنّ منها وفيها الفتن، وامتنع من الدعاء لها، وهذا خلاف زعمكم.

وإنّ اليوم عندكم الذين دعا لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّار، والذين أبى أن يدعوا لهم وأخبر أنّ منها يطلع قرن الشيطان، وأنّ منها الفتن والزلازل هي بلاد الإيمان تجب الهجرة إليها(١) .

هل نحتاج إلى تعليق بعد هذا البيان الواضح من الشيخ سليمان؟!

وهل يلزمنا الردّ على محمد بن عبد الوهاب بعد أن ردّ عليه شقيقه بهذا التصريح في كتابه القيّم (الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة)، والعنوان يخبرك عن المحتوى والمضمون؟!

عصمنا الله وإيّاكم من السقوط في مهاوي عبادة الذّات، أو اتّباع الشيطان اللعين الرجيم، وجعلنا من المعتصمين بمحمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

_____________________

١ - الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة / ١٣٧.

٣٧٨

الفصل الخامس: الإمام الحسينعليه‌السلام في الفكر السلفي

٣٧٩

٣٨٠

تحدّثنا عن عداء السلفية لرسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبيّنا كيف كان يمنع محمد بن عبد الوهاب من الصلاة على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وربما يعاقب مَنْ يرفع صوته بها.

وتحدّثنا عن عدائهم للإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ميزان الأعمال، وميزان ما بين الإيمان والكفر بالعقيدة.

وتحدّثنا عن عدائهم ومحاربتهم لأهل البيتعليهم‌السلام عامّة باعتبارهم ذرّية الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته التي اختارها الله، وأوصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الأُمّة بها، وكانت مودّتهم أجر الرسالة الخاتمة.

وبقي علينا فرع كريم من الأصل العظيم، إنّه الحسين بن عليعليهما‌السلام ومحنته الكبرى في هذه الأُمّة، ودماؤه الزكية وأبناؤه وإخوته وأصحابه من الشهداء الذين كُتب الإسلام بدمائهم على صفحات الوجود.

فما هو موقف السلفية والوهابيّة من هذا الإمام العظيم، وشهادته المفجعة على بطاح كربلاء؟

المولى أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام الذي قال الله عنه الكثير من آيات القرآن المجيد، وقال عنه جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الكثير الكثير من الأحاديث التي

٣٨١

تجعل من الإمامعليه‌السلام :((مصباح هدى وسفينة نجاة)) (١) و (سيّد شباب أهل الجنّة)(٢) و (ريحانة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقرّة عين البتول)(٣) و (الإمام إن قام وإن قعد).

وقد تقدّم في القسم الأوّل - المناقب والأخلاق الحسينيّة - بعض الإشارات التي لاحت لنا من نوره الوضّاء، واستطعنا أن نستفيد منها لا سيما ما يتعلّق بالأخلاق والقيم الإنسانيّة الإسلاميّة التي مثّلها الإمامعليه‌السلام بشخصه الكريم في حياة المسلمين على أرض الواقع.

وأهل الإنصاف من كلِّ نِحلة ودين ودنيا عندما يقرؤون عن الحسين بن عليعليه‌السلام ، وما جرى عليه من مصائب وأهوال حتّى قُتل شهيداً مظلوماً سعيداً، راضياً مرضيّاً عند الله ورسوله، يتأثّرون بتضحياته الجسام ويتّخذونه قدوة وأسوة.

فكم من مسيحي تأثّر بالإمام الحسينعليه‌السلام وكتب عنه الدراسات والمؤلّفات، كأنطون بارا وسليمان الكتاني، وغيرهما من علماء النصارى حتّى قال قائلهم: لو أنّ لنا شخصاً كالإمام الحسينعليه‌السلام لصنعنا له تمثالاً من ذهب نضعه في مدخل كلّ قرية.

وقال آخر: بل لوضعناه في كلّ بيت ولدعونا الناس إلى المسيحيّة باسم

_____________________

١ - موسوعة البحار ٣٦ / ٢٥ ح٨.

٢ - سنن الترمذي ٥ / ٦٥٦ ح٣٧٦٨، باب مناقب الحسن والحسينعليهما‌السلام .

٣ - كنز العمال ١٢ / ١١٣ ح٣٤٢٥١، ينابيع المودة / ١٩٣، الفصول المهمة / ١٥٢.

٣٨٢

الحسينعليه‌السلام المظلوم(١) .

وكم من الثوار استفاد من سيرة وسنّة الإمامعليه‌السلام في تحرير بلدانهم، ألم يقل المهاتما غاندي محرّر الهند من الاستعمار البريطاني: (تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)؟!

وأمّا علماء الإسلام من مختلف المذاهب فإنّ حصر الكتب التي كتبوها عن الإمام السبط الشهيد متعذّر وليس بالمقدور؛ ذلك لأنّ ما لم يطبع أكثر من المطبوع، والمجهول منها أكثر من المعلوم، ورغم كلّ ذلك فإنّ المكتبات تضجّ بالكتب عن سيد الشهداء وأبي الأحرار الحسين بن عليعليه‌السلام .

رغم ذلك كلّه ورغم كلّ الآيات التي شملت الإمامعليه‌السلام ، والأحاديث التي رويت في الإمام الشهيد، وأقوال العلماء من كلّ الأديان والأمم وبكلّ لسان، رغم ذلك كلّه فعند السلفية: أنّه قُتل بسيف جدّه!

نعم، إنّها فتوى قاضي القضاة لعشرات السنوات، إنّه شريح القاضي هو الذي أطلق تلك الفتوى ليُرضي سيّده يزيد (لعنة الله عليه)، ويُغضب الربّ الجليل وسيّد الخلقصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال: إنّ الحسين قُتل بسيف جدّه.

وكذلك ذهب القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي في كتابه (العواصم من القواصم) إلى أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قُتل بسيف جدّه وشريعته(٢) .

وكم طبع هذا الكتاب ووزّع في الأسواق بالمجان وبلا أثمان؛ لما فيه من التعصّب المقيت

_____________________

١ - انظر الحسين في الكفر المسيحي / ٢٤.

٢ - راجع: العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله / ٢٢٩، طباعة السلفية، القاهرة ١٣٧١ هـ.

٣٨٣

والتهجّم على أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم بلا ذنب ولا سبب.

وذلك - على ما يدّعي - لأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام خرج على الخليفة الحاكم، وهو لا يستحق الخلافة، وليس للإمامة أهلاً - والعياذ بالله -، فثار على يزيد وسلطانه فقتله؛ لأنّه أراد الفتنة بالأُمّة، وهذا حكمه القتل والتنكيل.

فبالحكم الشرعي الذي ينصّ على وجوب قتل الخارج على الخليفة قُتل الإمام السبط الشهيد (عليه السّلام)، ويزيد لم يفعل إلاّ واجبه بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه!

ولن نطيل الكلام في هذا المقام، بل سأنقل لك أيّها القارئ الكريم فقرات وكلمات من شيخ الإسلام السلفي ابن تيمية، رأس الجماعة وعالمهم، وآراءه في النهضة الحسينيّة المباركة، ورموز أعدائها يزيد وجيشه؛ لتعلم مدى تعلّق هؤلاء الناس بالدين الإسلامي الحنيف ورموزه المقدّسة.

فما عساه يقول ابن تيمية في النهضة وقائدها العظيم سيد شباب أهل الجنةعليه‌السلام ؟

بادئ ذي بدء نتذكّر كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام التي يعرب فيها عن فلسفته في المسألة وأسبابها ودوافعها وما الذي يريده منها.

قال المولى أبو عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) في البيان الأوّل للنهضة أمام والي المدينة ووزيره مروان بن الحكم، حين أمر الوليد أن يضرب عنق الإمام إن لم يبايع:((أيّها الأمير، إنّا أهلُ بيت النبوّة، ومعدنُ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلُّ الرّحمة، بنا فتح الله وبنا يختمُ، ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمور، وقاتلُ النّفس

٣٨٤

المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نُصبح وتُصبحون، وننظرُ وتنظرون أيُّنا أحقُّ بالخلافة والبيعة)) (١) .

هذا هو البيان النهضوي الأوّل وفيه: رفض البيعة لمثل يزيد الفاسق الفاجر.

والإمام السبط الشهيد عندما أراد الخروج من المدينة قاصداً مكة المكرّمة في أيّام الحجّ، كتب وصيته لأخيه محمد بن الحنفية، ويا لها من وصية نورانيّة رائعة يقول فيهاعليه‌السلام :((وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أُريدُ أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمَنْ قبلني بقبول الحقِّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردَّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين)) (٢) .

فالإمام الحسينعليه‌السلام خرج على يزيد ليس لأنّه حاكم الدولة الإسلاميّة، لا بل لأنّه فاسق فاجر، ولا يمكن أن يكون مثلُه حاكماً للمسلمين؛ لأنّه بعيد كلّ البعد عن الإسلام وعن أخلاقيّاته وعقائده السمحة.

ولم يخرج نزهة بسبب الترف والرفاهيّة، ولا طمعاً في الحكم والرئاسة، بل كان الهدف سامياً، والغاية نبيلة، والمطلوب عمل دؤوب ودماء زاكيات تسيل، وأجساد طاهرة تُقطّع، وستور وخدور تُنتهك.

_____________________

١ - مقتل الحسين - للمقرّم / ١٣١، مثير الأحزان / ٢٤، مقتل الحسين - للخوارزمي ١ / ١٨٤، الفتوح ٥ / ١٤.

٢ - مقتل الحسين - للمقرّم / ١٣٩، العوالم / ٥٤، مقتل الخوارزمي ١ / ١٨٨، المناقب ٤ / ٨٩، الفتوح ٥ / ٢٣.

٣٨٥

وذلك كلّه لطلب الإصلاح لهذه الأُمّة التي عدلت بها بنو أُميّة عن جادة الصّواب إلى السبل الشيطانيّة المختلفة، وكان التدهور قد وصل إلى أن تسنّم كرسي القيادة العليا مثل يزيد الخارج عن الإسلام، بل هو إلى دين أُمّه أقرب وإلى طباعهم أنسب.

فأُمّة الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله غدت مهدَّدة بالاضمحلال، وديانته أصبحت مهدَّدة بالانحلال إذا لم يخرج الحسين مُعلناً الرفض لهذا الحاكم العنيد والطاغية يزيد الذي زاد على كلّ الأعمال الخبيثة التي قام بها أبوه وجدّه من قبل في محاربة الإسلام ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولكنّ المصيبة عند السلفية والوهابيّة تكمن هنا بالضبط، وبالذّات قول الإمامعليه‌السلام : ((وأسيرَ بسيرةِ جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب))؛ لأنّهم لا يريدون لسيرة وسنّة علي بن أبي طالبعليه‌السلام أن تكون هي السائدة، ولا لكلمته أن تكون هي العليا في الحياة الإسلاميّة، مع أنّ ذلك لأجل الحقّ تعالى، وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال المبين!

وكثيراً ما خطب الإمام الحسينعليه‌السلام خلال مسيرته المظفَّرة ووعظ الناس، ونبّه الأُمّة إلى المخاطر المحدقة بها من حكومة يزيد، وها هي بعض الكلمات التي قالها الإمام الحسينعليه‌السلام أمام جيش يزيد؛ ليعتذر إلى الله بقيام الحجّة عليهم:((أيُّها الناس، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَنْ رأى سُلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعملُ في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء (بنو أُميّة وأزلامهم)قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد،

٣٨٦

وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلُّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقُّ مَنْ غيّر ...)) (١) .

تنبّه لخطاب المولى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه ينادي الناس، أيّ الذين يتّصفون بالإنسانيّة، وأمّا مَنْ تبلّد قلبه وتجلّد عقله فإنّ هذا النداء لا يخصّه، كاُولئك الخوارج عن الإنسانيّة.

والإمام الحفيد يحدّث عن جدّه الرسول (صلوات الله عليهما وآلهما) مباشرة ودون وسائط كأبي هريرة الدوسي، أو كعب الأحبار اليهودي، أو غيره من المدلّسين، أو الذين وقع عليهم الجرح والتعديل في علم الرجال، بل سيّد شباب أهل الجنّة يروي عن سيّد البشر وخاتم الأنبياءعليهم‌السلام هذه الرواية والتي تضعنا أمام شمس الحقيقة.

إنّ تحكّم سلطان جائر وجب على كلّ حرٍّ أن يكون ثائراً؛ إمّا باليد والسيف، أو الكلمة والقلم، ولا مجال لأضعف الإيمان (بالقلب) إذا كانت بيضة الإسلام وشريعته مهدّدة بالانحراف والضياع.

وهذا بالضبط كان حال الأُمّة الإسلاميّة حين وصل بها السقوط والتسافل؛ ليتسنم الحكم والقيادة السياسية شخص فاسد فاسق منافق كيزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ويسلّط زبانيته ورجاله الساقطين على هذه الأُمّة ويستهلكون مقدّراتها؛ ولذا فقد وجب النهوض للإصلاح، وحرم السكوت والخنوع؛ لأنّ الأُمّة

_____________________

١ - الكامل في التاريخ ٤ / ٤٨.

٣٨٧

والملّة يتهدّدها طغيان يزيد وجلاوزته من صبيان أُميّة اللعناء على لسان الوحي وسيّد الأنبياء والرسل (صلوات الله عليهم أجمعين وآله الطاهرين).

فمَنْ ينهض بهذا الواجب إلاّ المؤمن التقيّ؟ ومَنْ يخنع للفاسق إلاّ الفاسق أو الجبان الشقيّ؟ ولكن قد تسأل ماذا فعل صبيان أُميّة وزعيمهم يزيد؟

الجواب يأتيك من بطل التوحيد الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) في الخطاب نفسه، فقد كان من أفعال هؤلاء ما يلي:

١ - التزام طاعة الشيطان، وقد أمروا أن يكفروا به( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) (١) .

٢ - ترك طاعة الرحمان:( وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (٢) .

٣ - إظهار الفساد، فالزعيم شاربٌ للخمر، لاعبٌ بالقرد والنرد، معلنٌ بالفسق.

٤ - تعطيل الحدود، كيف يقيمونها وهم جهلاء بها، بل وهم أوّل المستحقين لإقامتها عليهم؟!

٥ - الاستئثار بالفيء، فقد استهلكوا اقتصاد الأُمّة الذي فيه حياتها ورفاهها.

٦ - أحلّوا حرام الله؛ كالخمر، والزنى، والقتل وغيرها.

٧ - حرّموا حلال الله.

ألا تكفي هذه البنود السبعة لمعرفة أحوال الجماعة في الديانة والتدين؟

_____________________

١ - سورة فاطر / ٦.

٢ - سورة الأنبياء / ٩٢.

٣٨٨

بلى والله، إنّها لتكفي واحدة منها لتخرجهم من حظيرة الدين الحنيف وتعيدهم إلى حظائر أجدادهم وما كانوا يعبدونَ، كاللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأُخرى التي ما انفك يقسم بها أبو سفيان حتّى آخر أيّام حياته المشحونة بالحقد والحرب لله ولرسوله وللمؤمنين.

ورغم ذلك فقد صار عند هؤلاء من المسلمين الذين حسن إسلامهم، بل ومن المؤمنين الكبار؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم فتح مكة:((مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن)) (١) ، فلم يميّزوا بين الأمن على نفسه من القتل والمؤمن.

تأمّل في كلام الإمام الحسينعليه‌السلام حيث قال في أواخر حياته:((ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدَّعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة؛ يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنين)) (٢) .

فالقوم خيّروه بين السيف والقتل، أو الذلّ والمهانة!

ولكن هيهات؛ إنّه ابن أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام الذي قال: (لو اجتمعت العرب على قتالي لما وليت)(٣) ، وربما لو اجتمعت الإنس والجنّ على قتاله أو قتال ولدهعليهما‌السلام لما هربا من ساحة المعركة؛ لأنّ الهارب ذليل وحاشاهم من الذلّ.

لماذا هذا الإباء إذن؟

١ - الله يأبى لهم ذلك.

٢ - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأبى لهم ذلك.

_____________________

١ - مسند أحمد ٢ / ٢٩٢.

٢ - موسوعة البحار ٤٥ / ١٠، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / ٢١٦، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢ / ٦.

٣ - لعل المؤلّف يقصد قولهعليه‌السلام :((والله، لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها)) . راجع شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد ١٦ / ٢٨٩.(موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

٣٨٩

٣ - المؤمنون بالله ورسوله يأبون الذلّ لمولاهم وإمامهم.

٤ - حجور طابت وطهرت، وهي فاطمة الزهراءعليها‌السلام وأُمّها خديجة، وغيرهنّ من الطاهرات.

٥ - وأنوف أبيّة، فالإمامعليه‌السلام سيّد أُباة الضيم والأحرار في هذه الدنيا.

كلّ ذلك لماذا؟ من أجل أن لا نؤثر طاعة الشيطان على عبادة الرحمان، فنترك يزيد وجلاوزته يعيثون في الأرض فساداً وفي الأُمّة إفساداً.

فأطلقها مدويّة منذ ذاك اليوم الدامي:((لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذلِّيل، ولا أفرُّ فِرار العَبيد)) ، أو((ولا أقرّ لكم إقرار العبيد)) (١) .

النهضة الحسينيّة عند ابن تيمية

هذا بعض ما قاله الإمام الحسينعليه‌السلام ، وتلك هي فلسفته لشرح أسباب نهضته المباركة.

ولكن كيف قرأ السلفيون والوهابيون هذه النهضة العظيمة؟

تلك هي المسألة، وهذا ما نستوضحه في هذه الصفحات نقلاً عن عميدهم وسيّدهم ابن تيمية وليس غيره.

يقول عن شهادة الإمامعليه‌السلام في جملة غاية في الصدق واللطافة: بل تمكّن اُولئك الظَّلمة الطغاة من سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى قتلوه مظلوماً شهيداً(٢) .

ولكن إذا سألته بعد هذه الجملة التي يعترف بها أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام هو

_____________________

١ - إرشاد المفيد / ٢٣٥.

٢ - منهاج السنة النبوية ٢ / ٢٤١.

٣٩٠

سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه قُتل مظلوماً ليس ظالماً، وأنّ قتلته هم طغاة ظالمون، إذا سألته مَنْ القاتل الظالم، أليس الطاغية يزيد بن معاوية الذي أمر بقتل الإمام ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة؟!

يقول: لا، يزيد بريء من دم الحسين؛ لأنّه أمير المؤمنين! وحاكم سياسي أعلى للدولة، ولذا فإن خروج الحسين على يزيد رأي فاسد؛ لأنّ مفسدته أعظم من مصلحته، وقلَّ مَنْ خرج على إمام ذي سلطان إلاّ كان ما تولّد على فعله من الشرّ أعظم ممّا تولّد من الخير(١) .

وتتعجّب كيف يكون خروج الإمام الحسينعليه‌السلام لا مصلحة ولا خير فيه؟!

وكيف يمكن لإنسان مسلم أن يقول أنّ رأي الإمام الحسينعليه‌السلام فاسد، وأنّ عمله فيه مفسدة للأُمّة الإسلاميّة، وهو الذي خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه؟!

اسمعه يقول: ولم يكن في خروجه مصلحة لا في دين ولا في دنيا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده(٢) .

هل يمكن لعاقل أن يتكلّم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم؟! إذ أنّه كيف لم يرَ هذا الرجل وأتباعه المصلحة المتوخّاة من نهضة الإمامعليه‌السلام ؟ وينفيها من الدنيا والآخرة، كيف ذلك؟ ومن أين له العلم بأحوال الآخرة؟!

ويقول ما هو أدهى وأعظم من ذلك: إنّ ما قصده الحسين من تحصيل الخير

_____________________

١ - منهاج السنة النبوية ٢ / ٢٤١.

٢ - المصدر نفسه.

٣٩١

ودفع الشرّ لم يحصل منه شيء، بل زاد الشرّ بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك وصار سبباً لشرّ عظيم(١) .

لماذا صار الإمام الحسينعليه‌السلام سبباً لشرّ عظيم يابن تيمية المبجّل؟!

يقول: لأنّ خروجه ممّا أوجب الفتن(٢) .

ويعني بالفتن التي كان الإمام الحسينعليه‌السلام سبباً فيها: الثورات المتتالية على بني أُميّة إلى أن أسقطتهم، ورمت بأسطورة معاوية إلى مزابل ونفايات التاريخ، من ثورة المدينة المنوّرة إلى حركة ابن الزبير في مكة المكرّمة مروراً بثورة التوابين، وثورة زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ، ونهضات تلو نهضات وثورات تعقبها ثورات حتّى أطاح العباسيون ببني أُميّة ودفعوها إلى أرذل ما يمكن.

وهذا ما لا يتمنّاه الجماعة السلفية وشيخهم ابن تيمية الذي كان يريد أن يطول الظلم الأموي، وتدوم الجولة الأمويّة إلى آخر الدهر.

وهذا ما صرّح به مؤسس دولتهم معاوية بن أبي سفيان حين قال للمغيرة بن شعبة نديمة: لا والله، إلاّ دفناً دفناً(٣) . ويقصد الدفن لذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يعلن عنه بالأذان خمس مرّات.

ألا تعجب عزيزي القارئ أن يرى الهندوسي مصلحةً بخروج الإمام الحسينعليه‌السلام ويتعلّم منه، والمسيحي يرى كلّ الخير بنهضة الإمام الحسينعليه‌السلام ويتمنّى أن يكون لديهم مثل هذا العظيم؛ ليصنعوا له تماثيل من ذهب، ويدعون

_____________________

١ - منهاج السنة النبوية ٢ / ٢٤٢.

٢ - المصدر نفسه.

٣ - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد ٥ / ١٣٠.

٣٩٢

الناس إلى المسيحية باسمه، وقبل هؤلاء جميعاً الله سبحانه وتعالى يقرّر أنّ كلّ المصلحة والخير بنهضة المولى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ويأمره بالخروج على يزيد.

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى كلّ المصلحة والخير بخروج حفيده الإمام السبط الشهيد فيأمره بالخروج إلى الشهادة؛ لأنّ له مكانة عند الله لا ينالها إلاّ بالشهادة، وأنّ دين الإسلام لن يستمر ويستقيم إلاّ بشهادة سيّد شباب أهل الجنّة.

وأبو الأحرار الحسينعليه‌السلام وكلّ مَنْ معه من آل البيتعليهم‌السلام وأصحابه الكرام يرون الخير والمصلحة بالنهضة، ويأتي ابن تيمية بعد ذلك ليكتشف الحقيقة ويعلنها مدوّيةً على الملأ وكأنّه اكتشف كنزاً من العلم أنّ الإمامعليه‌السلام صار سبباً لشرٍّ عظيم.

لماذا؟! لأنّ خروجه أوجب الفتن(١) !

هل تتصوّر هذا من إنسان يدّعي الانتماء إلى الإسلام والإنسانيّة؟!

ويحتجّ على سبط الرسول وعلينا ببعض تلك الآراء الفاسدة، أو الغير ناضجة ممّن نصح الإمام السبط بعدم الخروج على يزيد، يقول: لذا أشار عليه بعضهم أن لا يخرج، وهم بذلك قاصدون نصيحته، طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين! والله ورسوله إنّما يأمر بالصلاح لا بالفساد(٢) !

_____________________

١ - منهاج السنة النبوية ٢ / ٢٤٢.

٢ - المصدر نفسه ٢ / ٢٤١.

٣٩٣

ولكن الإمامعليه‌السلام لم يخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه، وليسير بسيرة جدّه وأبيه أمير المؤمنين، والله ورسوله قطعاً مع الحسينعليه‌السلام ونهضته، وليس مع يزيد وطغيانه وفساده وتهتّكه.

ولكن دعه مع إمامه يزيد، ودعنا وإمامنا الحسينعليه‌السلام ، خير لبني الإنسان ألف مرة أن يكون فيهم خُلقٌ كخُلق الحسين الذي أغضب يزيد بن معاوية، من أن يكون جميع بني الإنسان على ذلك الخُلق الذي يرضى به يزيد(١) .

إنّه كلام حقّ لا يرضى به ابن تيمية وأمثاله من السلفيّة والوهابيّة الذين يرون ويعتقدون بإمامة يزيد الدينيّة والدنيويّة، ويطالبون السبط الشهيدعليه‌السلام بالبيعة والاعتذار عمّا بدر منه في نهضته؛ لأنّه أوجب الفتن على إمامهم يزيد.

وأعجب شيء أن يُطلب الحسين بن علي أن يبايع مثل هذا الرجل، ويزكّيه أمام المسلمين، ويشهد له عندهم أنّه نِعمَ الخليفة المأمول، صاحب الحقّ في الخلافة، وصاحب القدرة عليها!

ولا مناص للحسين من خصلتين: هذه البيعة، أو الخروج؛ لأنّهم لن يتركوه بمعزل عن الأمر لا له ولا عليه.

إنَّ بعض المؤرّخين من المستشرقين وضعاف الفهم من الشرقيين، ينسون هذه الحقيقة ولا يولونها نصيباً من الرجحان في كفّ الميزان.

وكان خليقاً بهؤلاء أن يذكروا أنّ مسألة العقيدة الدينية في نفس الحسين بن

_____________________

١ - أبو الشهداء الحسين بن علي / ١٠٨.

٣٩٤

علي لم تكن مسألة مزاج أو مساومة، وأنّه كان رجلاً يؤمن أقوى الإيمان بأحكام الإسلام، ويعتقد أشدّ الاعتقاد أنّ تعطيل حدود الدين هو أكبر بلاء يحيق به وبأهله وبالأُمّة قاطبةً في حاضرها ومصيرها؛ لأنّه مسلم ولأنّه سبط محمد، فمَنْ كان إسلامه هداية نفس، فالإسلام عند الحسين هداية في نفس وشرف بيت(١) .

ولكنّ السلفية لا ترى الإسلام هداية نفس، ولا يعتقدون بشرف البيت النبوي؛ لأنّهم يحاربون أهله لا سيما ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يزيد عند ابن تيميّة

ولابن تيميّة فلسفة خاصّة بالنسبة لأميره يزيد بن معاوية؛ فإنّه المدافع العنيد عن سيّده يزيد، ولا شيء يريد من وراء ذلك إلاّ محاربة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم؛ لأنّ يزيد إمام ذو سلطان، وابن تيمية يعتقد بإمامة كلّ مَنْ ركب كرسي السلطنة والإمارة.

ومن المعروف أنّ يزيد متهتّك فاجر على المستوى الشخصي قبل أن يتسلّط على هذه الأُمّة بسلطان والده معاوية الذي اعتبر المدافعون عنه أنّ يزيد أحد أهم مخازيه الموبقة، مقرونة بحربه لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام وقتله لحجر بن عدي وأصحابه الشهداء.

فيزيد أُمّه ميسون الكلبيّة النصرانيّة التي لم تتحدّث كتب التاريخ أنّها أسلمت، بل تحدّث التاريخ على تربية ولدها يزيد على أخلاقها وعادات أهلها

_____________________

١ - أبو الشهداء الحسين بن علي / ١١٥.

٣٩٥

من الشرك والكفر وكلّ ما يخرج الإنسان من الدين الإسلامي، كشرب الخمور، وركوب الفواحش كلّها، لا سيما الزنا حتّى بالمحرّمات، وضرب الطنبور واللعب بالقرود والفهود وغير ذلك من الرزايا التي تربّى عليها يزيد بين أخواله النصارى.

هذا الذي قاله عنه عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة عندما خرج من عنده بوفد رسمّي من أهل المدينة المنوّرة: (والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء؛ إنّه رجل ينكح أُمّهات الأولاد، والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة)(١) .

كانت إمارة يزيد أقل من أربع سنوات ارتكب خلالها من الكوارث الفاجعة التي ما زالت الدّنيا تتحدّث عنها.

فعل هتلر واحدة فقط باليهود وكما يقولون كذباً وافتراء، وذلك بما يسمّى الهولوكوست (أيّ المحرقة) حيث ادّعوا أنّه أحرق اليهود في ألمانيا؛ لأنّهم العنصر الخبيث في أيّ مجتمع نزلوه، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وما زالوا يتحدّثون بها في كلّ المحافل الدوليّة، ووسائل الاتصالات العالميّة، مظهرين بشاعة أعمال هتلر الذي أصبح لعنة التاريخ المعاصر.

ولكنّ يزيد فعل أكثر من ذلك بكثير بحيث لا يُقاس عمل أيّ مجرم بأعماله مهما بلغت من الهمجية، ومنها:

١ - في السنة الأولى: قتل الحسين بن عليعليه‌السلام وذريّة الرسول الأعظم

_____________________

١ - تاريخ الخلفاء / ١٦٥.

٣٩٦

محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهل فعل بنو إسرائيل بأنبيائهمعليهم‌السلام كهذا الفعل؟!

٢ - في السنة الثانية: قتل أهل المدينة واستباحها ثلاثة أيام لجيشه ففعلوا الأفاعيل، فهل فعلت النازيّة بستالينغراد كهذا؟!

٣ - في السنة الثالثة: أحرق الكعبة المشرّفة بعد أن رماها بالمنجنيق، فهل فعل نيرون الذي أحرق روما أبشع من فعلة الحجّاج؟!

٤ - وفي السنة الرابعة: قيل أنّه تزوّج عمّته - والعياذ بالله -، وهذا لا يفعله الأوادم ولا حتّى الحيوانات، إلاّ الخنازير وأشباهها من البشر.

هذا الذي فعل كلّ ذلك ما شأنه، وما مكانه عند السلفية وشيخها ابن تيمية؟!

نعم، إنّه معذور في أعماله كلّها وذلك لسببين:

١ - لأنّه إمام ذو سلطان ويحقّ له أن يفعل ما يشاء في سلطانه.

٢ - لأنّه متأوّل، فإذا أحسن فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد، فهو مأجور على كلّ حال، فإذا قتل الحسينعليه‌السلام بتأوّله فإنّه يُخطئ إذا كان مخطئاً وله أجر اجتهاده عند الشيخ ابن تيمية!

يقول الشيخ بتأويل يزيد: (وأمّا أهل التأويل المحض فاُولئك مجتهدون مخطئون، خطؤهم مغفورٌ لهم، وهم مثابون على ما أحسنوا فيه من حسن قصدهم واجتهادهم في طلب الحقّ واتّباعه)(١) .

هذا الكلام يقوله ابن تيمية في الجدال عن يزيد، وتبريراً لأخطائه؛ فمن

_____________________

١ - رأس الحسين / ٢٠٤.

٣٩٧

المناسب جدّاً أن يدعمه باتّفاق العلماء على أنّهم لا يكفّرون أهل القبلة بمجرّد الذنوب ولا بمجرّد التأويل، (فلماذا تكفّر السلفية الأُمّة كلّها إذن) وأنّ الشخص الواحد إذا كانت له حسنات وسيئات فأمره إلى الله تعالى(١) !

ويزيد من أين له هذه الحسنات أيّها الشيخ؟!

قلَّب الشيخ أوراق التاريخ فلم يجد إلاّ ما تقدّم من يزيد: تاركاً للصلاة، ملازماً للخمور، ولا تفارقه الأغاني والغانيات، ملاعباً للكلاب والقرود والفهود، لا علاقة له بالدين، وجلّ علاقته من هذه الدنيا نيل كلّ ما استطاع من الشهوات واللذائذ المحرّمة بلا رادعٍ من دين ولا وازعٍ من ضمير.

وهذا ما لا يرضاه الشيخ في إمامه، فغاص في التاريخ إلى قعره فوجد ما يتمسّك به وهو: وكان له موقف في القسطنطينية - وهو أوّل جيش غزاها - ما يعدّ من الحسنات(٢) .

وا ويلاه! أيّ حسنة تلك التي وجدتها أيّها الشيخ في ذهاب إمامك يزيد مع الجيش الذي توجّه إلى القسطنطينية، أيّة حسنة ليزيد في ذلك يا عقلاء المسلمين؟!

وربما تزداد عجباً من جعل هذا الفعل حسنة ليزيد إذا علمت يا عزيزي الكريم كيف شارك يزيد في ذلك الجيش، خذها من المؤرّخين!

قال ابن الأثير في أحداث سنة ٤٩ هجرية: (في هذه السنة وقيل سنة خمسين

_____________________

١ - رأس الحسين / ٢٠٦.

٢ - المصدر نفسه / ٢٠٧.

٣٩٨

سيَّر معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتلّ، فأمسك عنه أبوه.

قال: فأصاب الناس في غزاتهم جوعٌ ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول:

ما إن أُبالي بما لاقت جموعهمُ

بالفَرقَدونة من حمّى ومن مُومِ

إذا اتكأتُ على الأنماطِ مرتفقا

بدير مُرّانَ عندي أُمّ كلثومِ

وأُمّ كلثوم امرأته بنت عبد الله بن عامر. (هكذا قالوا والحقيقة بضمير الغيب)، فبلغ معاوية شعره، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم، فسار معه جمع كثير أضافهم إليه أبوه(١) .

وأنت تقرأ هذه السطور التي لخّص فيها العلماء حسنة يزيد بالخروج إلى أرض الروم، تلك الحسنة التي كانت رغماً عن أنفه، وليس بشجاعته أو صولته وجولته؛ لأنّه لا يصول ويجول إلاّ في أحضان النساء.

إنّ مدى تعلّقه بالجهاد، وحبّه للفتوح الإسلاميّة واضح للعيان، ومدى اهتمامه بذاك الجيش الجرّار من المجاهدين كذلك، فهو (ما إن أبالي بما لاقت جموعهم)، كيف يبالي إذن وهو (بدير مران) ذاك الدير النصراني معتكفاً فيه لحاجاته وديانته يعبد هواه وشيطانه( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ ) (٢) .

حسنة يزيد يا شيخ ما هي إلاّ أتفه سيئة له، فكيف صارت عندك حسنة

_____________________

١ - الكامل في التاريخ ٣ / ٤٥٨.

٢ - سورة الجاثية / ٢٣.

٣٩٩

ترفع عنه موبقة استباحة المدينة وقتل الأصحاب والتابعين لهم بإحسان، لا إله إلاّ الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله؟!

هذه الحسنة التي ترفع السيئة عند ابن تيميّة لسيّده ومولاه يزيد، ولكن أين التأويل في بقيّة أعمال يزيد؟

خذها من الشيخ نفسه:

١ - قتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

يقول: إنّ يزيد لم يظهر الرضا بقتله، وأنّه أظهر الألم لقتله، والله أعلم بسريرته، وقد عُلم أنّه لم يأمر بقتله ابتداءً، ولكنّه كان مع ذلك ما انتقم من قاتليه، ولا عاقبهم على ما فعلوا إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه، ولا قام بالواجب في الحسين وأهل بيته، ولم يظهر له من العدل وحسن السيرة ما يوجب حمل أمره على أحسن المحامل، ولا نقل أحد أنّه كان على أسوأ الطرائق التي توجب الحدّ(١) .

فيزيد لم يقتل ولا حتّى أمر بالقتل، ولكنّه لم يعاقب القاتل؛ لأنّه فعل ذلك لمصلحته، وهذا أمر عادي في عرف الملوك، وأعظم ما كان منه أنّه لم يحلم عن الإمام الحسينعليه‌السلام ويحمله على العدل وحسن السيرة، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب حدّاً وتنكيلاً وهذا بإجماع العلماء، ولست أدري أيّ علماء إلاّ علماء السلفيّة والوهابيّة.

ولا داعي للتعليق على كلّ هذه الدعاوي الباطلة بداية ونهاية، إلاّ أنّني أنقل ما نقله المؤرّخون عن الأمر بقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام الذي صدر من يزيد،

_____________________

١ - رأس الحسين / ٢٠٧.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580