الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية0%

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 580

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جلال معاش
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 580
المشاهدات: 177601
تحميل: 6961

توضيحات:

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 580 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177601 / تحميل: 6961
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشمس، كما نُقل عن عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية الذي يستدلّ على بطلان الكرويّة والدوران بعدم انكباب، أو انصباب الماء من الكأس الذي يضعه على الطاولة أمامه.

تصوّر يرعاك الله موقفهم من هذه الأمور العلميّة التي صارت من البديهيّات عند أطفالنا.

ويتمثل الخطر السلفي الوهابي في ناحيتين:

١ - الخطر الخارجي على غير المسلمين: الذين يريد الوهابيّون منهم أن يسلّموا قهراً، ويعتنقوا الوهابيّة حصراً، أو أن دماءهم وأموالهم وأعراضهم مباحة؛ لأنّهم كفّار ومشركون.

٢ - الخطر الداخلي على المسلمين: وذلك بسبب سياسة التكفير للأُمّة الإسلاميّة، وهي من أخطر الدعوات الخارجية (من الخوارج) التي ظهرت في الدين الإسلامي، منذ ظهوره المبارك وحتّى الآن، فما من دعوة أو نزعة، أو بدعة ظهرت، إلاّ وكانت تلاحظ الأُمّة الإسلاميّة، وترعى بيضة الإسلام، إلاّ هؤلاء الذين يكفّرون الأُمّة كلّها. سبحانك اللهمّ هذا بهتان عظيم!

فالعنف الوهابي العملي ظاهر للعيان، وحقدهم مشتعل النيران، تغلي بها القلوب الحجريّة التي يحملونها في صدورهم، وما الأحداث التي جرت في أفغانستان والباكستان، والهند والسعودية، واليمن ولبنان، ومصر والجزائر، وخصوصاً العراق الجريح وسائر البلدان، إلاّ شاهد على أعمالهم التخريبيّة التي شوّهت صورة الإسلام في العالم، وصار يُعرف بأنّه دين دموي! وإليكم ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية:

سلسلة جرائم نكراء أُخرى يندى لها الجبين، أقدمت عليها الأُمويّة

٥٢١

الجديدة من زمر الوهابيّة، وفلول البعث الكافر المرتبطين بتنظيمات القاعدة الإرهابيّة، أعداء الدين والإنسانيّة تُضاف إلى سجّل جرائمهم البشعة، وأعمالهم الوحشيّة الجبانة بحقّ الشعب العراقي المسلم عامّة، وشيعة أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على وجه الخصوص.

إذ قام أعداء الإنسانيّة صباح هذا اليوم العاشر من المحرّم ١٤٢٥ هـ بما يلي:

١ - تفجير خمس عبوات ناسفة بالقرب من ضريح أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام في مدينة كربلاء المقدّسة، أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين شهيد وجريح، رجالاً ونساءً وأطفالاً كلّهم من الزوّار الأبرياء.

٢ - وبنفس التوقيت في مدينة الكاظمية حيث مرقد الإمامين الجوادين (موسى الكاظم ومحمد الجواد عليهما السّلام) في ضواحي بغداد العاصمة العراقيّة.

٣ - وفي مدينة الصدر ببغداد التي قدّمت آلاف الشهداء في طريق العدل والحريّة والسّلام.

ارتكبت بنفس الأسلوب الجبان من خلال تفجير عدّة عبوات ناسفة، ثلاث منها خارج وداخل حرم الإمامين الجوادينعليهما‌السلام في الكاظميّة، أسفرت عن مقتل وجرح العديد من المواطنين الأبرياء يقدّر بالعشرات(١) .

وبين يدي العشرات من الأوراق التي تصف الحالة التي تمّ بها التفجير، وكلّها تؤكّد أنّها عمليات انتحاريّة كانت تستهدف الشيعة الإماميّة في يوم عزائها الأكبر عاشوراء.

_____________________

١ - وكالات الأنباء العالميّة كلّها، وكافة الصحف والمجلات العالمية و .

٥٢٢

قصص واقعيّة وحوارات مع الوهابيّة

١ - الوهابي وحجّاج بيت الله:

وأذكر أنّني في عام ١٤٢٠ هجرية، وفي أيّام الحجّ حيث وفّقني الله لذلك فله الحمد، وكنّا نبدأ بزيارة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة المنوّرة، وأهل البيتعليهم‌السلام وكرام الصحابة في البقيع الشريف وبقية الشهداء هناك.

وذات يوم رأيت اجتماعاً كبيراً من الناس غير العرب يقفون مع أحد العناصر الوهابيّة، ولا أحد منهم يفهم على الآخرين شيئاً؛ لأنّهم كلٌّ يتحدّث بلغته ولهجته ولكنته.

ورأيت الوهابي يتهجّم عليهم بصوت عالٍ، وسمعته يفسّق تارة، ويرمي بالكفر أو الشرك أُخرى! وهذا من أبسط التهم لديه؛ ولذا قال: يا عبّاد الأصنام والقبور!

فاقتربت منه وقلت له: يا أخي العزيز، هؤلاء حجّاج بيت الله الحرام، وجاؤوا هنا لزيارة قبر رسول الله وأهل بيته الأطهار والصحابة الكرام! ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوصى بهم، وأوصى بزيارته هذه؛ لأنّه قال:((مَنْ حجّ ولم يزرني فقد جفاني)) (١) .

وهؤلاء الضيوف جاؤوا لزيارته وتلبية ندائه، فلماذا هذا الجفاء والعنف معهم؟ فهذا لا يجوز، علماً أنّ الكثير منهم قطعوا آلاف الأميال ويأتون لأوّل مرّة، وربما لا يرجعون ثانية.

فقال لي وعينه محمرَّة: قل ماذا تريد؟

_____________________

١ - مستدرك الوسائل ١٠ / ١٨.

٥٢٣

قلت: عليك بالهدوء والاحترام لهؤلاء الضيوف؛ إنّهم ضيوف الرحمن والرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال: هؤلاء لا ينفع معهم الهدوء والرحمة.

قلت: أليس الله تعالى يقول في كتابه الكريم واصفاً ومخاطباً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (١) ،( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) . أين عطفك وحنانك، ورحمتك وأخلاقك الإسلاميّة؟!

فبهت الرجل، ثمّ سكت وأعرض عنّي وأدار لي ظهره!

بهذه الأخلاقيّات يتعاملون مع المسلمين وضيوف الرحمن، وزوّار وعشّاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في دار ضيافته الشريفة، فيشوّهون صورة الإسلام بعيون أبنائه، ويكرّهونهم بأقدس وأطهر الأماكن، ويبعّدونهم عن مقدّساتهم وآثار الرسول والرسالة المقدّسة، وللأسف الشديد كلّ ذلك يقع تحت اسم الإسلام والتوحيد والجهاد.

٢ - إهانة عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

إنّ الحجّ الواجب مرّة واحدة في الحياة، وقليل مَنْ يوفَّق للإعادة ثانية، والقليل جدّاً الذي يحجّ ثلاث مرّات ويُكتب أنّه مدمن الحجّ، والنادر الذي يذهب أكثر من ذلك إذا كان مسكنه خارج منطقة الجزيرة العربية.

ولهذا نرى أنّ النسبة العظمى ربما أكثر من ٩٠% من الحجّاج يأتون لأوّل

_____________________

١ - سورة الأنبياء / ١٠٧.

١ - سورة القلم / ٤.

٥٢٤

مرّة لأداء فريضة الحجّ ومندوب الزيارة.

فهي إذن رحلة العمر التي لن تتكرّر بالنسبة لهم، فهم إذن غرباء والغريب جاهل بالأرض والسّكان، والعادات والتقاليد، فهذا ما يزيد من غربته، ولكنّ الواجب يهدم بعض تلك الوحشة، وهيبة المكان وروحانيّة الزمان تضيفان الكثير من مظاهر الودّ والألفة بين الإخوة الحجّاج.

وهكذا فهم أوّل مرّة يدخلون المدنية المنوّرة، ويرون الروضة المباركة والقبر الشريف والقبّة المنيرة، فيرجعون إلى التاريخ ويتذكّرون ما تعلّموه وحفظوه عن ظهر قلب. بل ربما هو محفور في حنايا القلب، لا سيما وصف رسول الله وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم)، فترى أعينهم تفيض من الدمع شوقاً إلى الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذا الحال بالنسبة إلى مكة المكرّمة حيث البيت العتيق، ومسقط رأس الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآثار الرسالة والرسول تراها ماثلة للعيان، لا سيما التي لم تستطع يد الهدم الوهابيّة تخريبها، وتتذكر تلك العهود الغابرة، والأحداث الماضية وتسترجع في ذهنك حياة رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين الأوئل.

فكلّ خطوة، وكلّ لمحة، وكلّ شيء يذكّرك بمقدّساتك ودينك، وقرآنك العظيم والحروب والغزوات، وتسأل نفسك كم لاقى وعانى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لتبليغ الرسالة وإنقاذ البشر من الضلال وظلماته؟

ولذا ترى الحاجّ إذا ما وصل به المقام إلى أمام قبر النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وربما قبل ذلك بكثير، فإنّه يقف بخشوع ومهابة وكأنّه في حضرته المباركة، وتجري الدموع على خدّيه باكياً منتحباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهكذا عند قبور الأئمّة

٥٢٥

الأطهارعليهم‌السلام والشهداء والصحابة الأجلاّء.

الشوق والحبّ يسوقان المسلمين إليك يا رسول الله ليس إلاّ، فهم لم يروك عياناً، بل يطمعون برؤية محيّاك ولو بالمنام، إلاّ أنّهم قرؤوا وصفك، وسمعوا سيرتك العطرة، واعتنقوا ديانتك الحنيفيّة، وها هم الآن يقفون أمام قبرك خاشعين، وإلى الله داعين ضارعين، تكسوهم الهيبة، ويجلّلهم الخشوع أمام عظمة أعظم مخلوق خُلق، وينتشي القلب بعد أن يشمّ العبير الطيّب الذي يفوح من ذاك القبر المقدّس الذي هو أطيب من المسك وغيره، ويسمو الفكر، وترفرف الروح في فضاء من الروحانيّة والنورانيّة المقدّسة التي لا يمكن وصفها؛ لأنّها من الشعور الذي لا يوصف أبداً، وإنّما يُحسّ ويُعاش ممّنْ هم من أهل الإيمان؛ ولذا وربما باللاشعور تهجم إلى القفص الحديدي، أو إلى الشباك المطلّ على القبر، أو الجدار أو أي شيء يمكن لك أن تلمسه، وكلّما كان أقرب كان الأمر أطيب والمكان أهيب؛ وإذا لم تستطع شيئاً من ذلك فلا شك أنّك ستشير إشارة بيدك من بعيد إلى ذلك المكان المقدّس الشريف.

وبينما أنت بكلّ هذه الروحانيّة التي لا تحبّ أن يقطعها عليك أحد، تُفاجأ بعناصر وأفراد الوهابيّة يصيحون ويصرخون دون خوف من الله، ولا احترام لرسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أمرنا الله سبحانه باحترامه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (١) .

بل يهجمون عليك، وربما ضربوك إذا مددت يدك باتّجاه الحبيب

_____________________

١ - سورة الحجرات / ٢.

٥٢٦

المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقذفونك بالكفر والشرك قائلين: لا تَدْعُ، لا تتوسّل بالرسول، لا تلمس القفص؛ إنّه حديد لا ينفع. لا تقف هنا لا لا، وألف لا.

فقلت لأحدهم مرّة: فلماذا جئنا إلى المدينة إذن، وتحمّلنا مشاقّ السفر لقطع آلاف الأميال؟ فلماذا نأتي وتأتي الملايين إلى المدينة أصلاً؟

فقال: للصلاة في المسجد النبوي.

قلت: وقبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارته؟

قال: محمد مات وانتهى أمره.

قلت: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصينا بزيارة قبره الشريف بقوله:((مَنْ حجّ ولم يزرني فقد جفاني)) (١) ، وروايات كثيرة بهذا المعنى ملأت كتب المسلمين، وأنت تمنعنا من زيارته؟!

فقال: اذهب أنت رافضي، رافضي لا ينفع معك الكلام.

قلت: لماذا تمنعنا من الوقوف والنظر إلى قبر حبيب الله بينما أنت واقف وظهرك إلى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا إهانة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

فتركني وذهب ولم يجبني.

إنّه الجفاء والغلظة، وضيق الصدر الذي تتّصف به هذه الجماعة.

وكم أستحضر سيرة رسول الإنسانيّة وسيّد الكائناتصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقول في نفسي: الله أكبر! ما أعظمك يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وما أعظم صبرك، وأوسع صدرك الشريف! كم تحمّلت الأذى من مثل هؤلاء في حياتك، وأنت القائل:((ما أوذي

_____________________

١ - مغني المحتاج - لمحمد بن أحمد الشربيني ١ / ٥١٢.

٥٢٧

نبي مثل ما أوذيت)) (١) .

فكنت تدعوهم إلى خير الدنيا والآخرة، وهم يقذفونك بالسحر والجنون والكذب - والعياذ بالله - وأنت الصّادق الأمين، فساعد الله قلبك يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

إنّني كلّما ذهبت إلى الحجّ ونظرت بأُمّ عيني إلى هذه التصرّفات اللأخلاقيّة من هذه العناصر، أتذكر معاناة حبيب اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ الرسالة. أتذكّر مظلوميّة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك مظلوميّة سيّدة النساء فاطمة الزهراء، وبقيّة أئمّة أهل البيت (عليهم صلوات الله وسلامه)، ولكن لا أملك إلاّ أن أقول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

٣ - لا تسلّم عليه إنّه نجس:

ما رأيك بهذا العنوان، يستفزّك أليس كذلك؟

أخلاق هذه الجماعات لا تستفزّ فقط، بل كلّها استفزاز أصلاً، فهذا شأنهم عند كلّ مَنْ سمع وقرأ عن سيرتهم ومنهجهم.

وعليه فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (مَنْ قال: لا إله إلاّ الله محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو مسلم، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم)(٢) .

فيعامل كإنسان مسلم وإن عُلِمَ منه النفاق يقيناً، والإسلام أحد المطهّرات كما نعلم من خلال الفقه.

فالإنسان يطهر بمجرّد دخوله الإسلام، ويحكم بطهارته وجميع شؤونه وما يحيط به من أدوات، هذا هو فقه وشريعة الإسلام، وأمّا فقه ابن تيمية وابن عبد الوهاب فشيء آخر.

_____________________

١ - كشف الغمة ٢ / ٥٣٧، المناقب ٣ / ٢٤٧.

٢ - ما ذُكر هو قول لأنس بن مالك عندما سأله ميمون بن سياه قائلاً: يا أبا حمزة، ما يحرّم دم المسلم وماله؟ فقال أنس: مَنْ شهد أن لا إله إلاّ إلى آخره. ولعلّ أنس قد استنبطه من قوله (صّلى الله عليه وآله) في الشهادتين. (راجع السنن الكبرى - للنسائي ٢ / ٢٨٠ رقم ٣٤٣٠).  (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

٥٢٨

ففي زيارتنا هذا العام ١٤٢٥ هجرية للمدينة المنوّرة، وحيث كنّا مجموعة من المشايخ والعلماء الكرام، وإذا بصراخ وضجّة تعلو في جنبات البقيع الطاهر، فاستطلعنا الخبر وبحثنا عن الأمر، وإذا بأحد الإخوة من أصدقائنا المشايخ في نزاع وجدال عقيم مع أحد هذه العناصر هناك.

فسألناه عن الخبر وماذا جرى.

قال: سألني ذاك الشاب - وأشار إلى شاب يقف هناك - بعض الأسئلة الدينية، فرحت أُجيبه بكلّ احترام وتقدير عن كلّ أسئلته، وإذا بهذا الذي يقف أمامكم يقول للشاب السائل: لماذا تتكلّم معه؟ لماذا تتكلّم مع هذا الرافضي الكافر النجس؟ فاذهب وغسل يدك (طهّرها)؛ لأنّه كافر نجس؟!

فعندما سمعتُ ذلك وقف شعر بدني كلّه، وأصابتني قشعريرة شديدة من هول ما أسمع من هذا الجاهل، ففقدت أعصابي وبدأت أصرخ: أيّها الناس، يا عالم، تعالوا وانظروا إلى هذا الذي يقول عنّي: كافر نجس، فاجتمع الناس حولي، فهرب ذلك الرجل خوفاً من الناس، وبعد قليل جاء ومعه الشرطة، فأشار عليّ وذهب فأرادوا أن يعتقلوني، وانتهى الأمر وكأنّ شيئاً لم يكن.

والله عجيب من هؤلاء الناس! ماذا يحسبون أنفسهم؟ هكذا كنت أقول في نفسي، ولماذا كلّ هذا الهجوم؟! وبهذه الطريقة الجافة، واللسان الفظ الغليظ، والأخلاق السيئة التي تذكّرنا بأبي جهل، وأبي لهب، وأبي سفيان وغيرهم من رؤوس قريش في الزمن الغابر؟!

٥٢٩

٤ - أنا من أتباع محمد بن عبد الوهاب:

يعيبون علينا أنّنا من شيعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهذا فخرنا إلى أبد الآبدين، ويفتخرون أنّهم شيعة محمد بن عبد الوهاب.

الشيعة: تعني الأتباع والأصحاب والأنصار.

وقبل شهر رمضان المبارك من عام ١٤٢٤ هـ، وفي مكتبنا الكائن في مبنى الحوزة العلمية الزينبية المقدّسة في ضواحي دمشق الفيحاء، ذلك المعهد الكبير، والصرح الحضاري الشهير الذي بناه وشيّده الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي (أعلى الله درجاته) بجوار عمّته عقيلة الطالبيّين زينب الكبرى (سلام الله عليها) منذ عقود؛ لتكون منارة للنور يقصدها الناس طلباً للعلم والعمل.

هناك زارنا أحد الأصدقاء ومعه شاب وسيم فسلّما علينا، فرددنا السّلام عليهما بأحسن منه كما أمرنا ربّنا تعالى في كتابه العزيز:( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) (١) .

فقال صديقي: هذا صديقي وعنده بعض الأسئلة يطرحها عليكم إذا سمحتم.

فقلت: الأخ العزيز، من أين؟

قال: أنا من أتباع محمد بن عبد الوهاب.

قلت له: نحن من أتباع محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو قائدنا ونبيّنا، ورسول الله، وخاتم النبييّن، فنحن من أتباعه دون غيره، ونحن محمّديون لا غير قبل كلّ

_____________________

١ - سورة النساء / ٨٦.

٥٣٠

صبغة أُخرى، إلاّ أنّنا نتّبع بعده الإمام علي بن أبي طالب وأهل البيت الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم)؛ لأنّ الله ورسوله أمرنا بذلك، لأنّه على نهج الله وشريعة نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فالإمام عليعليه‌السلام هو وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وولداه الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانتاه وسيّدا شباب أهل الجنّة، وَوِدّ هؤلاء الكرام أجر للرسالة كما في سورة الشورى المباركة:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) .

ورحت أتحدّث للأخ الشاب عن الأخلاق الإسلاميّة، وأخلاق الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيتعليهم‌السلام ، وكيفية التعامل الصحيح مع الناس جميعاً على اختلاف مذاهبهم وأديانهم، احتراماً وتقديراً بالقول والفعل.

وأثناء الحديث سألته: الأخ متزوّج؟

فقال: لا، بل أعزب.

فاغتنمتها فرصة، فرحت أتحدّث له عن الزواج وسننه في الإسلام، وأحاديث رسول الله وأهل البيت (صلوات الله عليهم) في الزواج، وكيف تمّ زواج الإمام عليعليه‌السلام بسيّدة النساء فاطمة الزهراءعليها‌السلام ومهرها البسيط.

وهكذا طال بنا البحث، ولكن كنت دائماً وأبداً أدقّ على الوتر الحساس، وأعزف على اتجاه واحد، هو أنّنا أتباع محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا غير، ونحفظ سيرته وسنته أكثر من الآخرين، ونحيط علماً بأحواله ونلتزم بمنهجه قولاً وعملاً،

_____________________

١ - سورة الشورى / ٢٣.

٥٣١

وأنّه ليس في الإسلام شيء اسمه محمد بن عبد الوهاب، إلاّ هذا الذي جاء بعد ألف ومئتي عام ليقول لنا: إنّ الإسلام غير صحيح، والأُمّة الإسلاميّة كافرة ومشركة وضالة، لا تقول بالتوحيد فحلال دمها ومالها وعرضها!

وهكذا كان الشاب طيلة الجلسة حائراً في نفسه، مرتبكاً ممّا يسمعه، ومتفاجئاً من أحاديثنا وكأنّه يسمع بها لأوّل مرّة، فخرج من عندنا مع صاحبه وهو على حيرة ودهشة بعد أن شكرنا على الحديث، وودّعنا مصحوباً بالسّلامة.

٥ - لحيتك ليست طويلة وثوبك ليس بقصير!

إنّ من أكبر نعم المولى علينا هي نعمة الإسلام الكامل بالولاية العظمى، وعصرنا هذا عصر العلم والتكنولوجيا والطباعة والنشر، فالحقائق تظهر على الملأ، وكتب الحقّ تُطبع وتُنشر في كلّ زمان ومكان؛ إمّا بالورق، أو على الإنترنت، أو البريد الإلكتروني وغير ذلك، وهذه نعمة كذلك.

ولذا راح العديد من الناس، لا سيما العلماء وأساتذة الجامعات والمتنورون يقرؤون عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فيرون أنّ الحقّ معهم ومنهم وإليهم، فيعلنون انضمامهم إلى الركب المبارك ويركبون سفينة النجاة.

فالحقّ أبلج، والحق أحقّ أن يتّبع، ولكن مَنْ يتمسّك بالحقّ فذاك هو السعيد حقّاً. وفي هذا العقد الأخير (١٤١٥ - ١٤٢٥ هجرية) ازداد الدخول في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام زيادة ملحوظة؛ حيث دخل النور إلى قلوبهم فاستضاؤوا بنور العترة الطاهرة، وهذا كلّه كان؛ إمّا ببركة أمير المؤمنينعليه‌السلام ونهجه، أو الزهراء ومظلوميّتها، أو الإمام الحسين وشهادته المفجعة (صلوات الله عليهم).

فأهل التهريج والكذب والافتراء كانوا يصفون أتباع أهل البيتعليهم‌السلام أوصافاً

٥٣٢

هي أشبه بوصف اليهود أو المجوس أو أبشع من ذلك، وقد مرّت عليك بعض الفتاوى الظالمة لهم.

فمحمد بن عبد الوهاب يقول: إنّهم إذا ماتوا يُمسخون قردة وخنازير.

وآخر مثله يقول: يُدفع بالخشبة من بعيد إلى قبره إذا مات الشيعي.

وثالث القوم يقول: إنّ لهم أذناباً كأذناب الحيوانات، تظهر بالليل وتختفي بالنهار، كأنتيل الراديو في السيارة.

ورابع وخامس، والناس البسطاء المساكين يصدّقون هذه التخاريف، ويعتقدونها ويأخذونها كمسلّمات وبديهيّات؛ لأنّ الشيخ يتكلّم بها ويتشدّق ويتمنطق، ولا يدرون أنّه يقول غلطاً ويفعل شططاً.

والخوف دفع الشيعة إلى أقطار الأرض فتفرّقوا تحت كلّ حجر ومدر، فسكنوا قُلل الجبال وكهوفها في البلدان، منقطعين إلى الله في عباداتهم، لأنّهم محاربون بلا ذنب، ويُعتدى عليهم بلا رحمة كما حصل في مصر [زمن] صلاح الدين الأيوبي، وسورية في مرج دابق بحلب الشهباء، وأفغانستان وباكستان والعراق في هذه الأعوام المتأخّرة؛ لا لذنبٍ اقترفوه إلاّ حبّهم وولائهم لآل البيت الأطهار (عليهم السّلام).

فالشيعي مهدور الدم والمال والعرض؛ ولذا راح يخفي عقيدته وربما اسمه، وكثير منهم غيّروا دينهم لشدّة الظلم الذي وقع عليهم.

ولكن عصرنا الحاضر، هو عصر كشف الحقائق، ورفع الستور عن المحظور.

ومنذ فترة كنت أستمع لمحاضرة يلقيها سماحة الشيخ أحمد بدر حسون مفتي حلب، وهو من العلماء الأعلام في سورية، وله مكانته وحضوره في

٥٣٣

الساحة الثقافية والاجتماعية، لا سيما في مدينة حلب، وخلال المحاضرة روى هذه القصّة التي حدثت معه، قال: كنت ذاهباً إلى المدينة المنوّرة للزيارة المباركة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرأيت شاباً فسلّمت عليه فلم يردّ السّلام، فقلت: أخي، اُسلّم عليك ولا تردّ السّلام، والسّلام مستحبّ ورده فرض واجب! لماذا لا تردّ السّلام يا أخي؟!

فقال: لأنّ لحيتك ليست بطويلة، وثوبك ليس بقصير، (علماً أنّه كان يرتدي اللباس العلمائي وزيّ رجال الدين).

فيعقب الشيخ: فبتُّ حائراً من هذا الجواب الغريب الذي لم يأت به أحد، وما أنزل الله به من سلطان!

٦ - حوار عند قبر أم البنين:

في إحدى سنوات الحجّ حيث أكرمنا الله ووفّقنا لحجّ بيته الحرام، وزيارة خير الأنام والعترة الكرامعليهم‌السلام ، وخلال نزولنا إلى المدينة المنوّرة كالعادة، وفي إحدى الزيارات إلى بقيع الغرقد، أذكر أنّني كنت واقفاً عند قبر أُمّ البنين (فاطمة بنت حزام الكلابية)، زوجة أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام الذي نصحه بها أخوه عقيل بن أبي طالب، وذلك حين قال له: يا أخي، اختر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها.

فقال عقيل: أين أنت من فاطمة بنت حزام الكلابية؟

فذهب الإمام عليعليه‌السلام وخطبها وتزوجها، فكانت بارّة تقيّة، شديدة الحبّ

٥٣٤

والولاء، مخلصة لسيّدتها فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فكانت أوّل ما شرطت على أمير المؤمنينعليه‌السلام أن لا يناديها باسمها؛ حتّى لا يزعج الحسنان بتذكيرهم بأُمّهم فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

ولذا سمّيت في التاريخ والسيرة (أُمّ البنين)؛ لأنّها أنجبت أربعة أشبال ذكور هم: (العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان)، واستشهد الجميع تحت راية الإمام الحسينعليه‌السلام على بطاح كربلاء.

كنّا نزورها؛ احتراماً وتقديراً ووفاءً لها، وذات يوم أنا واقف عند قبرها سألني أخ من مصر العربية قبر مَنْ هذا؟

فقلت: قبر فاطمة أُمّ البنين زوجة الإمام عليعليه‌السلام .

فقال: قصدك فاطمة الزهراء (رضي الله عنها).

قلت: لا، هذه الزوجة الثانية لأمير المؤمنينعليه‌السلام تزوّجها بعد شهادة فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

فقال: أين إذن قبر فاطمة الزهراء؟

قلت: ليس لها قبر معروف، والتاريخ لا يعرف لها قبراً، ولكن يُقال:

١ - إنّها دُفنت في بقيع الغرقد هنا، ولكن لا أحد يعلمه بالتحديد.

٢ - أو إنّها دُفنت في بيتها حين قبضها الله سبحانه، وعندما تمّ توسيع المسجد كانت غرفتها (أي مكان قبرها) في الروضة المباركة التي وصفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :((روضة من رياض الجنّة)) .

وبينما أحدّثه ويحدّثني، ويسأل وأجيبه، ونتبادل أطراف الحديث والحوار

٥٣٥

كان هناك أربعة أشخاص من عناصر الوهابيّة يحرسون القبر الشريف، ويمنعون أحداً من البكاء وزيارته والسّلام على صاحبته أُمّ البنين (سلام الله عليها)، وإذا سألهم سائل: قبر مَنْ هذا؟

يقولون: لا نعلم، هذه أحجار لا تضرّ ولا تنفع، اذهب وصلِّ في المسجد النبوي.

وبينما نحن كذلك قفز إلينا أحدهم وقال: ماذا تقول يا شيخ! ليس لفاطمة قبر!

قلت: نعم، أين قبرها أرشدني ودلّني عليه، وأنا لك من الشاكرين.

فقال: هنا، وأشار بيده إلى البقيع كلّه.

قلت: أين؟ حدّد لي قبراً معيناً.

وعند ذلك سمع الإخوة الزائرون صوتي اُحدّثه، فجاؤوا إليَّ مسرعين وقالوا: شيخنا، اتركه وإلاّ فمصيرك إلى السجن أو التعذيب(١) ، أو التسفير خارج الحجاز، فيمنعونك من أداء مناسك الحجّ كما فعلوا بالكثير من قبل.

فسحبوني وأخرجوني من البقيع كلّه قبل أن يأتي عناصر الشرطة ويأخذوني معهم، فما كان منّي إلاّ أن اُحوقل وأسترجع بصمت وحسرة: (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، إنّا لله وإنّا إليه راجعون).

_____________________

١ - علماً أنّ هناك سجن خاصّ تحت أرض البقيع الغرقد.

٥٣٦

٧ - وحوار آخر بجوار الكعبة:

الحجّ واجب، وفرض على كلّ مَنْ استطاع إليه سبيلاً، مرّة واحدة في الحياة كلّها، وأحد أركان الحجّ الأساسي الطواف بالبيت العتيق.

ما أهيب ذاك المكان، وما أعظم روحانيّته ونورانيّته! إنّه أشبه ما يكون بيوم الحشر والنشر؛ حيث اجتماع الناس على صعيد واحد، في مكان واحد، ولباس واحد، وتلبية واحدة، ولا فرق بين غني ولا فقير، ولا كبير ولا صغير، الكلّ سواسية.

فترى الحجّاج يطوفون حول البيت العتيق يلبّون ويتضرّعون، ويضجّون ويعجّون إلى الله عزّ وجلّ، يهلّلون ويكّبرون ويتوسّلون إلى جناب قدسه، فمنهم مَنْ يطوف، وآخر متعلّق بالأستار، وأخر يلمس الجدران، ومنهم مَنْ يتبرّك بالأركان الأربعة: (ركن الحجر الأسود، والركن العراقي، والركن الشامي، والركن اليماني). وبعضهم في حِجر إسماعيلعليه‌السلام ، وآخرون عند باب المستجار الذي دخلت منه فاطمة بنت أسد، عندما استجارت بالله فانشق الجدار ودخلت وعاد الجدار إلى وضعه، فولدت الإمام علياًعليه‌السلام في جوف الكعبة وبقيت ثلاثة أيام.

والجميع متعلّق قلبه بالله، حبّاً وشوقاً وتطلّعاً إلى نفحاته الروحانيّة وأنواره القدسيّة. إنَّ هيبة المكان لا توصف أبداً.

وهنا، وفي مثل هذا المكان ترى العجب العُجاب، فالغضب مرتسم على وجوه اُولئك الوهابيّين، مكشّرين كأنّهم من زبانية جهنم، يدفعون ويهينون

٥٣٧

ويكفّرون الحجّاج على هواهم.

فهذا كافر، وذاك مشرك، والآخر عابد صنم، وهذه الكعبة أحجار لا تضرّ ولا تنفع، وهذا كذا، وذاك كذا، ويقسّمون الناس ويعطوهم شهادة الموحّد، أو الكافر أو المشرك وغير ذلك.

وبينما كنتُ عند حِجر أبينا إسماعيلعليه‌السلام قلت لأحد الحجّاج المتعصّبين المغررين: انظر هل هذا من الإسلام في شيء؟! هؤلاء حجّاج قطعوا آلاف الأميال للحجّ، وتجشّموا العناء بالسفر والمشقّة والتعب، وهم مسلمون موحّدون، ويعتقدون باُصول الدين وفروعه.

قال: هذا حجر لا أكثر ولا أقل.

قلت: والحجر الأسود ماذا يكون؟ فسكت ولم يحر جواباً.

فقلت: وغلاف القرآن أليس من الجلد أو النايلون وجلود الحيوانات، فلماذا تقبّله أنت؟

قال: نعم، وهل هذا حرام؟

قلت: لا أبداً، ولكن لماذا تقبّله؟

قال: لأنه يحوي القرآن.

فقلت: ما الفرق بين هذا وذاك؟ نحن لا نريد الحجر بل نريد ما وراء الحجر يا أخي.

فسكت ولم ينبث ببنت شفة.

فاستطردتُ قائلاً: فلو سلّمنا جدلاً بما تقولون، فهذه عقائد الناس التي يؤمنون بها كما لكم عقائدكم، فدعوا الناس وعقائدهم، واتركوهم يعبدون

٥٣٨

ربّهم كما يعتقدون( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (١) ، فكلّ شيء يمكن أن تجبرني عليه إلاّ مسألة العقيدة فهي معقودة في القلب، والقلب بيد الربّ وليس بأيدي البشر، إنّ الله سبحانه وتعالى خاطب رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٢) .

فما بالكم أنتم تريدون أن يعتنق الناس الوهابيّة بالقوّة والإكراه، ولماذا كلّ هذه القساوة والفظاظة؟

أبهذا أمر الدين وسيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أتريدون تبليغ الإسلام بهذه الطريقة المشينة؟! أؤكّد لك يا أخي، أنّكم وبهذه الطريقة العنيفة تنفّرون الناس من الدين، وتبعدوهم عن الإيمان!

فنحن في عصر الحضارة والنور، والاتصالات والفضائيات، والإنترنت وثورة المعلومات، وهذا عصر الحوار، والرأي والرأي الآخر، والحريات والديموقراطيات، فأين أنتم من كلّ ذلك؟!

فسكت قليلاً، ثمّ قال بعد أن ظهر عليه التأثّر بكلامي: لا أدري، ليس عندي جواب لك، وراح يردّد: الله يهدينا، الله يهدينا.

٨ - وهّابي ودعاء كميل:

قصص كثيرة وحوارات عقيمة، ولكن لا بدَّ منها في بعض الأحيان؛ لأنّها تفرض نفسها عليك، أو أن تصرف أحدهم يجرّك إلى الحوار رغم أنفك.

_____________________

١ - سورة البقرة / ٢٥٦.

٢ - سورة يونس / ٩٩.

٥٣٩

ففي عام ١٤٢١ هجرية أوّل ما نزلنا المدينة المنوّرة حيث يطيب لنا الجلوس بها؛ لأنّ هواؤها عليل وماؤها طيّب، وفيؤها ظليل، كيف لا وقد دعا لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل ما نزل فيها، فكانت تُسمّى (يثرب)؛ لشدّة قساوة الحياة فيها، حيث الرطوبة العالية والحرارة الشديدة، فما كان ينزل بها أحد غريب إلاّ ويمرض بسبب فساد الماء والهواء فيها. فعندما هاجر إليها الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله شكوا إليه حالها، وطلبوا منه الدعاء لها، فقال:((اللهمَّ طيّبْ ريحها)) ؛ فتحولّت إلى أطيب مدينة في العالم.

فصارت (طيبة) لطيب العيش فيها، ووجود الروضة الشريفة، والضريح المبارك للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآثار الرسالة، ممّا زادها مهابة وروحانيّة جمالاً وكمالاً، كيف لا وأنفاس رسول الله وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) تتردّد في جنباتها الأربعة.

ولكنّ الذي يعكِّر صفو العيش ويكدّر الحياة فيها، وجود العناصر العنيفة بأشكالهم الغريبة، وأخلاقهم الفظّة، وكلماتهم الجارحة، ونظراتهم الحاقدة الذين يرون أنّهم على الحقّ المبين، وأنّ غيرهم كفّار أو مشركون.

وذات مرّة، وفي ليلة الجمعة (مساء الخميس) كنّا نقرأ دعاء كميل، ذاك الدعاء العظيم الشأن الذي علَّمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام لصاحبه كميل بن زياد النخعي؛ فعُرف باسمه، وهو دعاء الخضرعليه‌السلام ، ويجدي ويفيد في ردّ الأعداء ودفع غائلتهم، وفتح باب الأرزاق، وغفران الذنوب، وهو من الأدعية المشهورة جدّاً.

كان ذلك في ساحة ما بين المسجد النبوي الشريف، ومقبرة البقيع المقدّس،

٥٤٠