الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية3%

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 580

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية
  • البداية
  • السابق
  • 580 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192351 / تحميل: 8187
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

والحضور مهيب، والقارئ خطيب، والناس متفاعلة معه، يستمعون إليه والدموع تجري على خدودهم من خشية الله؛ لما يحتويه هذا الدعاء الشريف من معاني لطيفة وجميلة.

وبعد الانتهاء من قراءة الدعاء يقوم بعض الإخوة من الزوّار من أهل الخير بتوزيع الحلوى على الحضور؛ طلباً للأجر والثواب من ربّ الأرباب.

وكنت واقفاً بمسافة عنهم، وإلى جانبي شاب، فقدّموا له الحلوى فرفضها ولم يأخذها، فقلت له: أخي العزيز، لماذا لم تأخذ الحلوى؟

فقال: هؤلاء كفّار.

قلت: كيف ذلك وهم يقرؤون هذا الدعاء الربّاني التوحيدي؟!

قال: هم كفّار كفّار. وبعصبية وغضب.

قلت: هل سمعت ماذا كانوا يقرؤون؟ إنّهم يقرؤون دعاء كميل الذي فيه هذه الكلمات الرائعة:((اللهمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء، وبقوّتك التي قهرت بها كلّ شيء. اللهمَّ اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تُنزل النقم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُغيّر النعم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُنزل البلاء، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تقطع الرّجاء، اللهمّ اغفر لي كلّ ذنبٍ أذنبته، وكلّ خطيئةٍ أخطأتها)) (١) .

فقاطعني قائلاً: أنت من أين؟

_____________________

١ - مفاتيح الجنان / ٩٦، الدعاء والزيارة / ١١٩.

٥٤١

قلت: من العراق.

فقال: وأنت أيضاً كافر.

فسكتُّ عنه، ثمّ توجّهت بوجهي إلى قبر النبيُّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أقول: ساعد الله قلبك يا رسول الله من اُولئك القوم، حيث كان يخاطب الباري عزَّ وجلّ:((اللهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون)) .

انظر أيّها المؤمن إلى هذه الطريقة في الحوار والتعصّب وعدم الاستماع!

٥٤٢

الفصل العاشر: خاتمة وحلول

٥٤٣

٥٤٤

كان لا بدّ من هذا الاستطراد الطويل، وهذا النقاش والحوار لبعض أفكار وعقائد وأخلاق السلفيّة الوهابيّة؛ لأنّ الأمر عظيم، والخرق اتّسع في الأُمّة الإسلاميّة بسبب ما يفعلونه فيها وفي العالم من أحداث.

نعم، كان لا بدَّ لنا من هذا الاستطراد أيّها القارئ الكريم؛ لتتابع العقائد والأحداث كما تمليه علينا مسؤوليتنا أمام الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأجيال القادمة من الأُمّة الإسلاميّة المرحومة.

وأسأل نفسي أين الحل؟ ما هو المخرج من هذه الأزمة التي تئنّ منها الأُمّة كلّها في هذه الأيام، فقد صار الإسلام تهمة عالميّة، وإهانة على الإنسانيّة - والعياذ بالله - وهو الرحمة الربانيّة للناس أجمعين، ورسوله الكريم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة الله المُهداة إلى بني البشر قاطبة؟

فكّرت بالأمر مليّاً، وقلَّبت الأفكار، وتدبّرت الأخبار فوجدت أنَّ الحلّ الوحيد لهذه الأزمة هو مواجهتها بالحقائق، ودعوة عناصرها إلى الاستيقاظ من غفلتهم؛ لإعادتهم إلى حظيرة الإسلام بعد أن كاد يخرجهم منها محمد بن عبد الوهاب.

٥٤٥

ولكن يبقى السؤال كيف؟

إنّها المسألة التي يجب التفكير بها مليّاً، وعقد المؤتمرات والندوات، وتأليف الكتب والمطبوعات، والدوريات والنشرات، بالسلب والإيجاب.

إيجاباً: ببيان حقائق الدين وشريعة سيّد المرسلين الحقّة.

سلباً: توضيح العقائد الباطلة، والبدع الضالّة التي جاء بها بعض الرجال من أمثال ابن تيمية وابن عبد الوهاب والألباني، ومن سار على منهجهم، ونسج على منوالهم.

وأرى أنّ الحلّ يجب أن يكون على كلّ المستويات التكتيكية الآنيّة، والاستراتيجية البعيدة الأجل، وبتضافر الجهود المخلصة لإنقاذ هؤلاء البشر ممّا هم فيه من تيهٍ وانحراف، وذلك يتم باتّجاهين:

١ - عقائدي: يقوم به رجال الدين الإسلامي بكلّ طوائفهم للدفاع عن عقائد الإسلام الحقّة؛ لأنّهم جميعاً متّهمون بالكفر والشرك والخروج من الملّة، دون فرق بين شيخ كبير وطفل صغير.

٢ - سياسي: فالمصيبة الكبرى انطلقت من أحضان السياسة؛ لأنّها أوحت بهذه الأفكار إلى محمد بن عبد الوهاب، ومَنْ قبله ومَنْ بعده الذي اعتنقها وراح يدعو إليها، ويبحث عن مؤيّدين لها وداعمين لها، حتّى وجد ضالته في رجل طامح يتطلّع إلى بناء دولة، وزعامة كبرى في الجزيرة العربية، فتحالف معه لوصول كلّ منهما إلى هدفه، وهذا الذي حصل في بدايات القرن الماضي.

٥٤٦

والمعالجة السياسيّة تكون ذات تأثير أكبر، واستجابة من الجماهير أسرع وأوسع، فلولا دعم الحكومات ورجال الأعمال، وصرف المليارات من الدولارات على نشر الدعوة الوهابيّة، لكانت قد اندثرت وانمحت بموته وذهابه إلى ربّه محمّلاً بكل هذه الأوزار.

وللحقّ نقول: إنّ ما حصل في عاشوراء الدامي ضدّ المسلمين الشيعة؛ سواء كان في العراق، أو في باكستان، أو في أفغانستان، أو سائر البلدان من قبل، إنّما حصل بسبب تلك النظرة العدوانيّة من قبل طرف ضدّ الطرف الآخر.

فالوهابيّون يرون في الإنسان الشيعي سرطاناً في الجسد الإسلامي (والعياذ بالله)، يقدّمونه على أنّه عدوّ للإسلام والشريعة المحمديّة.

فكم من فتوى ضجّت بها كتب الطوائف الأُخرى في استباحة دماء الشيعة (كما تقدّم بعضها من قبل)! وكم من مكتبات ضخمة في دول الطوق العراقي قد أُسّست لغرض طمس الهوية الشيعية، وملاحقة المسلمين الشيعة أينما ذهبوا؟!

وكم شخصاً من أتباع الفكر التكفيري قد أفتى بوجوب الجنّة لِمَنْ يقتل شيعيّاً؟!

وبناءً عليه، فيجب إجراء تصحيح عام وشامل لكلّ هذه الدعوات التكفيرية، ومراجعة دقيقة لكلّ العقائد المنحرفة لهذه الجماعة، بمساندة الحكّام والحكومات والدوائر الرسمية في جميع البلدان الإسلاميّة والمنظمات العالميّة، وبعقد المؤتمرات والندوات لمعالجة هذه القضية.

وما يتوجّب على علماء الطوائف الأُخرى، وأصحاب القرار السياسي، هو اجتثاث تلك الفتاوى السخيفة التي سبّبت تصدّعاً وشقّاً كبيراً في الأُمّة

٥٤٧

الإسلاميّة، عن طريق طباعة وتوزيع كتب أو نشرات، أو مناهج دراسيّة في المدارس والجامعات، وإعادة النظر بمنهج أصحاب التكفير والعدوان؛ فإنّه آخذ بالاستشراء لتدمير شباب الأُمّة الإسلاميّة ومستقبلها ونهضتها، على حساب السلم والأمن والعدالة الاجتماعية لعموم الأُمّة الإسلاميّة.

إشاعة ثقافة التعايش السلمي

أمّا بالنسبة للمجتمع الإسلامي والدول الإسلاميّة، فإنّه يجب إشاعة فكر التعايش السلمي بين جميع الفرقاء، ومحاولة تصحيح النظرة ما بين جميع الأطراف، فالمسلم أخ للمسلم في الدين، وغير المسلم أخ للمسلم في الإنسانيّة، كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

والواجب علينا أن نتعايش على أساس تبادل الحقوق والواجبات بما تمليه علينا شريعتنا الإسلاميّة، والتركيز والدعوة إلى حوار ما بين الطوائف الإسلاميّة، بل حوار ما بين الأديان، بل حوار ما بين الحضارات.

فنشر ثقافة التعايش وقبول الآخر هو ثقافة حضاريّة إسلاميّة إنسانيّة، نطل بها على أنفسنا؛ لينظر إلينا الآخر كأُمّة واحدة يحسب حسابها في كلّ زمان ومكان، لا أن ينظروا إلينا على أنّنا فرقاء وملل ونحل نكفّر بعضنا بعضاً، ونقتل أنفسنا بأيدينا.

٥٤٨

التعايش ما بين المذاهب الإسلاميّة

بعد هذه المقدّمة نقول: هناك آيات عديدة في القرآن الحكيم، تتحدّث عن التنوّع والتعدّد في حياة البشر، فرغم أنّ البشر يتساوون في إنسانيّتهم العامّة، وفي خصائصهم الأوّلية المشتركة، إلاّ أنّهم في حقيقة الأمر يتمايزون بدرجة وأُخرى داخل المحيط البشري.

وهذا التنوّع إنّما هو جزء من ظاهرة كونيّة تشمل أصناف المخلوقات والكائنات، فمجرّات الفضاء وكواكبه متعدّدة متنوّعة، وعالم النبات يحتوي على ألوان وأشكال مختلفة رغم وحدة التربة التي ينبت منها، والماء الذي يسقى به، يقول تعالى:( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١) .

( وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ) (٢) .

وعالم الحيوان هو الآخر عامل متنوّع، فدواب الأرض وطيور السماء ليست أُمّة واحدة، وإنّما هي أُمم متعدّدة متنوّعة، يقول الباري (عزّ وجلّ):( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ) (٣) .

وحتى الملائكة ليسوا جميعاً في مستوى واحد، وعلى شاكلة واحدة، بل

_____________________

١ - سورة الرعد / ٤.

٢ - سورة الأنعام / ١٤١.

٣ - سورة الأنعام / ٣٨.

٥٤٩

هناك تنوّع في أشكالهم، ومهامهم ومقامهم، يقول تعالى:( الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) .

أمّا بالنسبة لعالم الإنسان فقد تحدّث القرآن الحكيم عن العديد من جوانب التنوّع في حياته، وضمن الأبعاد المختلفة.

التمايز الفردي: هناك نوع من التميّز الشخصي لكلّ فرد من أفراد البشر، فصورته وصوته يميّزانه عن الآخرين؛ ولذلك اعتمد التصوير الفوتوغرافي، والتسجيل الصوتي للدلالة على الشخص.

وكذا نرى خطوط أصابع يد الإنسان تسجّل تمايزاً دقيقاً بين أفراد البشر، فإبهام كلّ إنسان والخطوط الموجودة فيه لا تتشابه مع أيّ إنسان آخر مهما كانت درجة القرابة بينهما، حتّى في الحيّز الوراثي الواحد وحتى في التوأم؛ ومن هنا يعتبر أخذ بصمات الإنسان دليلاً ثبوتيّاً واضحاً يستدلّ بها عليه، ولعلّ في قوله تعالى:( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) (٢) إشارة إلى هذه الحقيقة العلميّة، تسبق ما أثبته العلم أخيراً في هذا المجال، حيث أصبح لدينا علم مستقل بذاته يسمّى (علم البصمات)، يستفاد منه في القانون الجنائي وتعتمد عليه الدوائر الأمنيّة في مكافحة الجريمة ومعرفة المجرمين.

تفاوت على مستوى العلم والمعرفة: مستوى الذكاء والفطنة يتفاوت بين

_____________________

١ - سورة فاطر / ١.

٢ - سورة القيامة / ٤.

٥٥٠

الناس حتّى أصبحت له مقاييس ومعدلات يرصد بها، كما إنّ الرغبة في العلم والمعرفة تختلف من شخص إلى آخر، يقول تعالى:( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) (١) .

تفاوت الحالة الاقتصادية: كما إنّ البشر في حياتهم المعيشيّة الماديّة ووجهها الاقتصادي متغايرون أيضاً، فيوجد غني وفقير، وفيما بينهما درجات عدّة متفاوتة، يقول تعالى في سورة الزخرف:( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً ) (٢) .

حيث إنّ تفاوت المواهب والقدرات والرغبات بين أبناء البشر هو الذي يشعرهم بحاجتهم إلى بعضهم البعض؛ فالبشر ليسوا نسخاً مكرّرة، إنّما هم متفاوتون ممّا يدفعهم للتعامل مع بعضهم، وتسخير بعضهم البعض لصالح المجموع، ولتقدّم حركة الحياة.

وهذا التفاوت يترتّب عليه تمايز مستوى المعيشة واختلاف أنماطها.

التنوّع العرقي والقومي: رغم أنّ مصدر الإنسانيّة رجل واحد وامرأة واحدة، هما آدم وحواء، كما يقول تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) (٣) .

إلاّ أنّ استمرار حركة التناسل البشري، واتّساع رقعة معيشتهم على سطح

_____________________

١ - سورة يوسف / ٧٦.

٢ - سورة الزخرف / ٣٢.

٣ - سورة النساء / ١.

٥٥١

المعمورة أدّى بمرور الزمن إلى أن تتكيف مظاهر وأشكال تكوّنهم الجسدي بما يتناسب وظروف المحيط الطبيعي الذي يعيشون فيه، ونظراً لاختلاف الأجواء والظروف الطبيعية التي تعيشها مجاميع البشر، فقد أفرزت حالات من الاختلاف في المظاهر والأشكال بين تلك المجاميع.

التنوع الإنساني واللغوي: ومن أجلى ألوان التنوّع في حياة البشر تنوّع اللغات وتعدّدها، فقد أبان العلماء أنّ هناك حوالي (٣٠٠٠) لغة منطوقة في العالم اليوم ولا تدخل اللهجات في إطار هذا العدد(١) ، ويكفي في الهند وحدها ثمّة (٨٥٠) ألف لغة ولهجة محليّة مستعملة.

لقد منح الله تعالى الإنسان القدرة على التعبير عمّا يدور في نفسه عبر النطق والكلام، يقول تعالى:( خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) (٢) .

ولذلك يعتبر القرآن تعدد اللغات واختلاف الألسنة آية من آيات الله، ويذكرها إلى جانب ذكر خلق السماوات والأرض، يقول الباري (عزّ وجلّ):( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ) (٣) .

التنوع الديني: وقد تحدّث القرآن الكريم عن تعدد الديانات، وأثبت ذكر أهم الديانات السماوية والوثنية، معتبراً ذلك التعدد والاختلاف ظاهرة طبيعية في هذه الحياة، لما منح الله تعالى

_____________________

١ - الموسوعة العربية العالمية ٢١ / ١١٩.

٢ - سورة الرحمن / ٣ - ٤.

٣ - سورة الروم / ١٢٢.

٥٥٢

الإنسان من حرية اختيار، وأودع في نفسه من نوازع الخير والشرّ، أمّا الحسم والفصل بين أتباع هذه الديانات فهو مؤجّل إلى ما بعد الحياة الدنيا.

يقول الله سبحانه وتعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (١) .

والمتمعّن في جوهر المعنى القرآني في هذا المجال، وضمن سياقه الموضوعي، يلاحظ دون أدنى شكّ إلى طبيعة الإقرار القرآني بحقيقة الاختلاف الديني بين بني البشر، والآية الكريمة تذكر أتباع ست ديانات كانت معروفة وسائدة آنذاك، بل ويبسط مدارات الحديث عن ذلك في أكثر من جهة وموضوع.

فأوّلاً: لا يمكن إلغاء حالة التعدّد الديني بالقوّة والفرض حيث يقول:( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (٢) ، ويقول:( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (٣) .

ثانياً: على المؤمن بدين الله أن يعتمد الأسلوب اللائق المناسب في الدعوة إلى دينه، دون تهريج أو تجريح، أو تشنّج وانفعال، قال تعالى في كتابه الكريم:( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٤) .

ثالثاً: يفترض أن يستهدف الإنسان من تديّنه الوصول إلى الحقيقة، فلا بدّ له

_____________________

١ - سورة الحج / ١٧.

٢ - سورة البقرة / ٢٥٦.

٣ - سورة الكافرون / ٦.

٤ - سورة النحل / ١٢٥.

٥٥٣

حينئذٍ من الانفتاح على الديانات والآراء الأُخرى بحثاً عن الحقّ والصواب، يقول الباري (عزّ وجلّ):( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ اُولئك الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَاُولئك هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ) (١) .

ولا يصح له أن ينكفئ على عقيدته الموروثة دون تفكير أو نقاش، قال تعالى:( قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (٢) .

لذا ينبغي أن يسود الحوار السليم بين الديانات المختلفة اعتماداً على الدليل والبرهان، قال تعالى:( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) (٣) .

والحوار بين الأديان يجب أن يكون موضوعيّاً هادئاً، على أساس الاحترام المتبادل، فقد قال سبحانه وتعالى:( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٤) .

رابعاً: لا ينبغي للاختلاف الديني بين الناس أن يؤدّي إلى الصراع والنزاع، فالأصل في العلاقة بين أبناء البشر هو التعايش والانسجام والاحترام المتبادل، أمّا مَنْ تُسوّل له نفسه الاعتداء على المختلفين معه فلا بدّ له من ردعه ومواجهة عدوانه، قال تعالى:( لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ

_____________________

١ - سورة الزمر / ١٨.

٢ - سورة المائدة / ١٠٤.

٣ - سورة الأنبياء / ٢٤.

٤ - سورة العنكبوت / ٤٦.

٥٥٤

وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (١) .

وينهى الإسلام عن جرح مشاعر أتباع الديانات حتّى لو كانت وثنية بسبّ مقدّساتهم؛ لأنّ ردّ فعلهم الطبيعي سيكون سبّ مقدّسات المسلمين، قال سبحانه وتعالى:( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ) (٢) .

التعايش منهج وتطبيق

مع التطوّر العلمي والتكنولوجي الهائل في حياة الإنسان نرى أنّ المسافات قد أُلغيت وتساقط الحدود بين أبناء البشر، وأصبحت الدنيا قرية واحدة، ممّا يفرض على الناس أن يتعايشوا مع بعضهم مهما تنوّعت انتماءاتهم، وتعدّدت هوياتهم من أجل مصالحهم المشتركة.

وخيرات الكون، وامكانات الحياة وضعها الله سبحانه تحت تصرّف الجميع، فهي لجميع الناس، لا يحقّ لأحد أن يستأثر بها على أحد، والانتماء والتوجّه لا يبرّران الاستئثار ولا يسوغان الحرمان.

لذلك يؤكّد القرآن الكريم أنّ عطاء الله ونعمه في هذه الحياة مبذولة لجميع البشر، يحد بها المؤمنون والكافرون على حدّ سواء، فعطاؤه سبحانه ليس محظوراً على أحد، يقول الله سبحانه وتعالى:( كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا

_____________________

١ - سورة الممتحنة / ٨.

٢ - سورة الأنعام / ١٠٨.

٥٥٥

كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ) (١) .

ويقول سبحانه وتعالى:( وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ) (٢) .

فالأرض وخيراتها للأنام جميعاً على اختلاف أعراقهم وأديانهم وتوجّهاتهم.

جاء في الحديث الشريف عن الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم أجمعين):((صلاح شأن الناس التعايش)) (٣) .

ودعا رجلٌ بحضرة الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام قائلاً: اللهمّ أغنني عنْ خَلقكَ.

فردّ عليه الإمام زين العابدين:((ليس هكذا، إنّما الناس بالناس، ولكن قل: اللهمّ أغنني عن شرارِ خلقك)) (٤) .

فالناس بالناس، ولا تصلح شؤونهم إلاّ بتعايشهم مع بعضهم البعض مهما تنوعّت انتماءاتهم وتوجّهاتهم، ولكن كيف يتحقّق التعايش مع كلّ هذا التنوّع؟

هناك شرطان أساسيان لتحقيق هذا التعايش:

أوّلاً: ضمان الحقوق والمصالح للأطراف المختلفة: فإذا ما شعر طرف من

_____________________

١ - سورة الإسراء / ٢٠.

٢ - سورة الرحمن / ١٠.

٣ - موسوعة البحار - للعلاّمة محمد باقر المجلسي ١ / ١٩٧.

٤ - موسوعة البحار ٧١ / ١٦٧.

٥٥٦

الأطراف بانتهاك حقوقه، أو التعدّي على مصالحه من قبل طرف آخر فلن تتوفّر حينئذٍ أجواء التعايش، وما يحصل غالباً من تنازع وصراع بين الجهات المتنوّعة في المجتمع إنّما هو بسبب طغيان وتعدّي فئة على حقوق ومصالح فئة أُخرى، والفئة المضطهدة حتّى إن كانت أقلّية أو ضعيفة إلاّ أنّ شعورها بالغبن والظلامة يمنعها من التفاعل الإيجابي مع بقيّة الفئات، بل يدفعها إلى التفكير في الثأر والانتقام.

ولذلك يشدّد القرآن الحكيم على لزوم رعاية حقوق الآخرين، وعدم الاعتداء على المخالفين، يقول تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) (١) .

ثانياً: الاحترام المتبادل: فالإنسانيّة جوهرٌ واحد مشترك عند أبناء البشر، فعليهم أن يحترموا إنسانيّتهم باحترام بعضهم البعض، وحتى إذا ما اختلفت اتّجاهاتهم لكنّهم نظراء ومتساوون في إنسانيّتهم، وكما يقول الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام :((فإنّهم - يعني الناس -صِنفان؛ إمّا أخٌ لك في الدّين، أو نظيرٌ لك في الخلْق)) (٢) .

ويشجّع القرآن العظيم المسلمين على حُسن التعامل مع المخالفين لهم في الدين، وإن يتواصلوا معهم على أساس الإحسان والاحترام، وحفظ

_____________________

١ - سورة المائدة / ٨.

٢ - نهج البلاغة / كتاب رقم ٥٣.

٥٥٧

الحقوق ما داموا مسالمين لم يبدؤوا المسلمين بعدوان، يقول الباري (عزّ وجلّ):( لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (١) .

وما الأحلاف والمعاهدات السلميّة التي عقدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع قبائل اليهود، وتجمعات النصارى، وفئات المشركين من العرب، إلاّ نموذج لما يريده الإسلام من قيام علاقات إنسانيّة إيجابيّة بين المختلفين من أجل تعايش مشترك.

ويسجّل التاريخ للمسلمين حرصهم على الالتزام بتلك المعاهدات، وتقيدهم بحسن التعامل والوفاء بالعهود، طبقاً لتعاليم الإسلام الموجبة لذلك، يقول تعالى:( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ) (٢) ،( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) (٣) .

فالإسلام ليس ديناً رقيّاً ولا قوميّاً ولا قبليّاً، بل كما خاطب الله نبيّه محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ) (٤) ،( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) (٥) .

وحتى الذين يرفضون استلام رسالة الله إليهم، ولا يتوفّقون لدخول الإسلام كدين يدينون به، إلاّ أنّهم لا يُحرمون أبداً من التفيؤ بظلال الإسلام

_____________________

١ - سورة الممتحنة / ٨.

٢ - سورة الإسراء / ٣٤.

٣ - سورة البقرة / ١٧٧.

٤ - سورة سبأ / ٢٨.

٥ - سورة الأعراف / ١٥٨.

٥٥٨

والعيش في رحاب دولته ونظامه.

فرسالة الإسلام ونبي الإسلام خير وعطاء ورحمة للبشرية جمعاء:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (١) .

ومبدأ (التكافل الاجتماعي) مضمون لكلّ أفراد المجتمع مع تنوّع أديانهم، وحدث مرّة أن رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام أثناء خلافته شيخاً مكفوفاً يستجدي الناس، فقال الإمام مُستنكراً:((ما هذا؟!)) .

قالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني.

فقال أمير المؤمنين:((استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال)) (٢) .

وهذا القانون لم يكن موجوداً لا في عهد الإمبراطوريّة الرومانيّة ولا اليونانيّة.

والقانون الإسلامي يحمي حقوق الجميع مع تنوّع أديانهم، ويسجّل التاريخ بإكبار كيف أنّ مواطناً يهوديّاً نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في درع، فحضر الإمام معه مجلس القضاء عند شُريح القاضي، وجلس في جنب خصمه اليهودي(٣) .

_____________________

١ - سورة الأنبياء / ١٠٧.

٢ - المحدّث العاملي في كتابه (وسائل الشيعة) ١٥ / ٦٦، ضمن باب تحت عنوان: أنّ نفقة النصراني إذا كبر وعجز عن الكسب من بيت المال.

٣ - موسوعة البحار ٤١ / ٥٦.

٥٥٩

والآداب والأخلاق الإسلاميّة التي يُربّي الإسلام عليها أبناءه سارية المفعول في التعامل بين أفراد المجتمع مع تنوّع أديانهم، وليست خاصّة بالمسلمين فيما بينهم.

روي أنّ غلاماً لابن عباس ذبح شاة، فقال له ابن عباس: إذا سَلخْتَ فابدأ بجارنا اليهودي، ثمّ كرّرها حتّى قال له الغلام: كم تقول هذا؟

فقال ابن عباس: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزل يوصينا بالجار حتّى خشينا أنّه سيورّثهُ(١) .

ومعنى هذا: أنّ الإسلام لا يفرّق في مكارم الأخلاق، وحقوق الاجتماع بين المسلم وأي مخالف آخر، فالكلّ في نظره سواء.

وهذا أيضاً ممّا يكرّس حالة الانسجام والتعايش بين المواطنين المتنوّعين دينيّاً، فالتمايّز الديني لا يؤثّر في التكافل الاجتماعي والاحترام المتبادل.

فالفقير والمحتاج يستحقّان المساعدة من المجتمع، دون النظر لدينه وعقيدته؛ حيث تَحُلُّ الصدقة أيضاً على فاسق وكافر من يهودي ونصراني، أو مجوسي ذمي أو حربي، لقوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (٢) .

ومعلوم أنّ الأسير في الآية حربي(٣) .

والتمايز الديني لا يمنع المشاركة في تحصيل المكاسب، والاستفادة من فرض

_____________________

١ - راجع رسالة الحقوق - لحسن القباني ٢ / ٥٣٤.

٢ - سورة الإنسان / ٨ - ٩.

٣ - راجع الفقه الإسلامي وأدلّته - وهبة الزحيلي ٢ / ٩٨.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580