الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة4%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107185 / تحميل: 6454
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشهادة الثالثة

محمّد السند

١

٢

الشهادة الثالثة

محمّد السند

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

تقريظ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أخذَ الإيمان برسالة خاتم أنبياءه ديناً في ميثاقه على جميع أنبياءه لإعطائهم النبوّة حيث قال: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (١) .

فكان جميع الأنبياء والرُسل على دين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد جعلَ تعالى من أصول هذا الدين والديانة أيضاً ولاية وصيّه عليّاً (عليه السلام) حيث قال: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٢) ، وقال تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (٣) ،

____________________

(١) آل عمران: ٨١.

(٢) المائدة: ٦٧.

(٣) المائدة: ٣.

٧

فجعلَ الولاية من الدين الواحد الذي بُعثت به جميع الأنبياء لا من مختصّات الشريعة الأخيرة.

ثُمّ الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين لكلّ الأزمنة والبيئات البشريّة إلى يوم القيامة، الذي قال تعالى في شأنه: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (١) ، فقرنَ ذكرهُ بذكر الله تعالى حيثما يُذكر، فرفعَ ذكرهُ في الأذان مع ذكره تعالى، كما قرنَ اسمه باسمه في العرش وعلى آله المطهّرين الذين أذهبَ عنهم الرجس، والذي قال تعالى في شأنهم: ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ... ) (٢)، ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (٣) ، ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) (٤).

فرفعَ الله تلك البيوت التي هي رجال معصومون من الرجس مطهّرون، كما رفعَ ذِكر نبيهّ، فقرنَ الشهادة بولايتهم بالشهادتين، فجعلَ حقيقة التشهّد في شريعة الإيمان هي الشهادات الثلاث ونَعت أهل الإيمان بقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ) (٥) فجمعَ لفظ الشهادة.

وبعد، فهذا الكتاب سفرٌ استدلالي في الآيات، والروايات، والسيرة، وفتاوى المتقدّمين حول الشهادة الثالثة في الأذان وتشهّد الصلاة، قد قام جناب الفهّامة اللوذعي،

____________________

(١) الانشراح: ٤.

(٢) النور: ٣٥.

(٣) النور: ٣٦.

(٤) النور: ٣٧.

(٥) المعارج: ٣٣.

٨

نجم الأفاضل الشيخ علي الشكري (دام توفيقه) بتقريره، بعدما عرضَ لي مجموعة من التساؤلات حول الوجيزة التي كنتُ كتبتها في ذلك وطُبعت عام ٤٨هـ ق، فوجدتُ الإجابة عليها تُكوّن كتاباً مستقلاً، وقد كتبَ التوفيق الإلهي أن وَقفنا على شواهد روائيّة وموارد للاستدلال لم يقف عليها البحث الفقهي من قبل.

فأرجو منه تعالى له المزيد من التوفيق والنجاح لخدمة الدين ومنهاج الحقّ والهدى.

محمّد السند

٥ / ربيع الأول / ١٤٢٦هـ.ق

٩

١٠

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله، الحمد لله على هدايته إلى حقائق الإيمان، وأنارَ قلوبنا بأنوار العلم والمعرفة بأهل بيته محمّد بقدر ما احتَمَلتهُ قلوبنا ووَعته عقولنا القاصرة، ثُمّ الصلوات الزاكيات على سيّدنا ونبيّنا وشفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا محمّد، الصادع بالدين الحنيف والمبلِّغ لرسالات ربّه، وعلى آله الأطهار والدعاة إلى الله والناشرين لأحكام الله، لاسيّما سيّد العترة المشهود له بالولاية في السماوات والأرضين، المقرون اسمه بنبيّ الرحمة في كلّ عالَم الوجود والإمكان.

وبعد: إنّ من مِنن المولى القدير (جلّ شأنه) ومعونة سيّد المُرسلين وآله الطاهرين، أنْ وفِّقتُ لحضور أبحاث الأستاذ المحقّق آية الله الشيخ محمّد السَند (دامت إفاداته وتأييداته)، والارتواء من منهله الصافي العَذب، وقد امتازت أبحاثه بالدقّة والتحقيقات البكر لاسيّما بحث الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة وباقي أفعال الصلاة، إذ إنّني لم أجد أحداً من السابقين ولا المتأخّرين قد بلورَ جزئيّة الشهادة الثالثة بهذه الطريقة، وهذا الفهم الدقيق والواسع والمستفاد من الضوابط العامّة والقواعد الأساسيّة للمذهب والدين، كما قد أمتاز بحثه بالتفحّص الطويل والعميق في روايات وتراث أهل البيت (عليهم السلام)، فلله درّه وعلى الله أجره وألحقهُ الله وجمعهُ مع أئمّتنا المعصومين الطاهرين.

١١

وبعد، فإنّه قد قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (١) .

فيا تُرى ما هذا الذي أُمرَ الرسول بالنداء به على رؤوس الناس في أُخريات حياته المزامن لآخر سورة نَزلت عليه؟ وما هذا الأمر الذي عَدل بإبلاغه ربُّ العزّة إبلاغ كلّ الرسالة؟ أوَ ما كان رسول الله قد أبلغَ فريضة التوحيد من شهادة أن لا إله إلاّ الله منذ أوّل يوم صدعَ بالرسالة في مكّة، أوَ ما كان رسول الله قد أبلغ الفريضة الثانية بأنّه رسول الله، وأيّ شيء يَعظم خَطبهِ مثل الشهادتين بحيث يُنذر الباري نبيّه بأنّ عدم إبلاغه للناس هو: بمنزلة عدم الإبلاغ للرسالة برمّتها، وما هو هذا الأمر الذي يتخوّف من الناس التمرّد عليه وعدم انصياعهم له، أوَ ما كان الشرك وعبادة الأصنام مستفحلة في قلوبهم، ومع ذلك سارعَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بإبلاغ التوحيد عندما أُمرَ بالصدع، أوَ ما كانت قريش والعرب والجاهليّة تُنابذ بني هاشم على نبوّة النبي ومع ذلك لم يأبه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الإنذار والتبشير بنبوّته، فإذاً أيّ شيء هذا الذي يخشى النبي من عصيان وتمرّد الناس عن الاستجابة إليه؟ ثُمّ ما هذا الأمر الذي يوجِب سلب الإيمان عن الناس بتمرّدهم عليه؟

إنّ هذا الأمر تطالعنا الآية الأخرى في سورة المائدة بالإفصاح عنه حيث قال تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (٢) .

____________________

(١) المائدة: الآية ٦٧.

(٢) المائدة: الآية ٣.

١٢

وهذه الآية تُناغم الآية السابقة، وتُفصح عن حدثٍ في ذلك اليوم قد وقعَ به إياس الكفار من إزالة الدين، وبه حَصلت الضمانة الإلهيّة لخلود هذا الدين، كما حَصل به عزّة المسلمين ومنعةُ حوزتهم، فما هو هذا الشيء الذي حدثَ في ذلك اليوم وكُتبَ به إعزازهم، وما هذا الأمر في ذلك اليوم الذي لولاه لم يكمل الدين ولولاه لم يرضَ الربُّ تعالى الإسلام ديناً؟ وهذا التعبير على وزان التعبير في الآية الأولى: من أنّ لولا إبلاغ ذلك لمَا حصلَ إبلاغ الرسالة أي إنّه ثمرة الرسالة وضمان بقائها، وإنّ من أركان الاعتقاد الذي به يتكامل ظاهر الإسلام إلى طور حقيقة الإيمان، إذ إنّه الغاية المرضيُّ بها من ظاهر الإسلام قال تعالى: ( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (١) .

فكانت بيعة الغدير وميثاق الولاية بالشهادة الثالثة تتلو الشهادتين، وبها كمال الدين لا خصوص الشريعة ورضا الرب للإسلام، ولا مجرّد الشرعة والمنهاج فآلت ركناً اعتقاديّاً ثالثاً في الدين، بل هي شرط حقيقة التوحيد كما في حديث الرضا (عليه السلام) المعروف بالسلسلة الذهبيّة عن آبائه عن رسول الله حيث قال:

(سمعتُ أبي موسى بن جعفر يقول: سمعتُ أبي جعفر بن محمّد يقول: سمعتُ أبي محمّد بن علي يقول: سمعتُ أبي علي بن الحسين يقول: سمعتُ أبي الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: سمعتُ أبي أمير المؤمنين يقول: سمعتُ رسول الله يقول: سمعتُ جبرئيل يقول: سمعتُ الله جلّ جلاله يقول: لا إله إلاّ الله حِصني، فمَن دخلَ حِصني أمِنَ من عذابي، قال: فلمّا مرّت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها) (٢).

____________________

(١) الحجرات: الآية ٤.

(٢) التوحيد للصدوق: ص٢٥، باب ثواب الموحّدين والعارفين، ح ٢٣.

١٣

فآلى بتجريد الشهادتين من الشهادة الثالثة إلى الانخلاع من ربقة الإيمان، وقد جعلَ تعالى من صفات الإيمان في المؤمنين ما أشار إليه في قوله تعالى: ( وَالّذِينَ هُم بِشَهَاداتِهِمْ قَائِمُونَ ) (١).

فجاء بلفظ الجمع؛ ليدلّك على زيادة الشهادات على الاثنتين، وقد تواترت الروايات الواردة عن أهل البيت بل وعن جملة من المصادر العامّة، على أنّ التشهّد حقيقة شرعيّة في الشهادات الثلاث، بل وفي مجمل العقائد الحقّة وذلك بلسان اقتران الشهادات الثلاث في كلّ مراحل نواميس الخلقة الإلهيّة، وسيأتي الإشارة إلى المصادر الروائيّة ومضانّ أبواب تلك الروايات.

كما قد وردَ أنّ التشهّد كحقيقة شرعيّة أُخذت في حقيقة الأذان، وجُعل في مطّلع الأذان للنداء به، فكانت مجموع هذه المقرّرات الشرعيّة بمثابة التقرير الواضح من الشرع على النداء بالشهادة الثالثة في الأذان حيث يُنادى فيه بالتشهّد، بل قد روى اقتران الشهادات الثلاث في حقيقة التشهّد جملة غفيرة من الصحابة (٢) ، كما ورد في روايات الفريقين ممّا يدلّك على تأصّل تشريعها النبوي في الأذان منذ عصر صاحب الرسالة،

____________________

(١) المعارج: الآية ٣٣.

(٢) وسيأتي ذكر هذه الروايات في مطاوي الكتاب.

١٤

كما هو الحال في إبلاغه لميثاق الولاية في بيعة الغدير، هذا مضافاً إلى ما يأتي من الأدلّة الخاصّة على ذلك إلاّ أنّه كما تُنكّر لأصل الولاية ولبيعة الغدير، تُنكّر أيضاً للنداء بالشهادة الثالثة في الأذان، كيف لا وقد جرى بعد وفاة الرسول ما جرى مالا تستوعبه الأسماع، وقد روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة، عن أبي عبد الله قال: (إيّاكم وذِكر علي وفاطمة، فإنّ الناس ليس شيء أبغض إليهم من ذِكر علي وفاطمة (عليهما السلام) (١).

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في معرض كلامه عن حرب بني أميّة لعلي ولذكره: (إنّ الطِباع تَحرص على ما تُمنع منه وتلحّ فيه، فالناس لمّا مُنعوا من ذِكر فضائله والموالاة له وألزموا سبّه وبغضه، ازدادوا بذلك محبّةً له وإظهاراً لشرفه ولذلك سبّوه بني أميّة ألف شهر على المنابر، فما زاد ذلك ذِكر عليّ إلاّ علوّاً ولا ازدادَ الناس في محبّته إلاّ غلوّاً) (٢).

وأخرجَ مالك في الموطّأ بإسناده: أنّ رجلاً سأل عثمان بن عفّان عن الأختين من مُلك اليمين هل يُجمع بينهما؟ فقال: أحلّتهما آية، فأمّا أنا فلا أحبّ أن أصنع ذلك، قال: فخرجَ من عنده فلقيَ رجلاً من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسألهُ عن ذلك؟ فقال:

____________________

(١) الكافي: ج٨، ص١٥٩.

(٢) شرح نهج البلاغة: ج١٣، ص٢٢٣.

١٥

لو كان ليس من الأمر شيء ثُمّ وجدتُ أحداً فعلَ ذلك لجعلتهُ نكالاً.

قال ابن شهاب: أراه عليّ بن أبي طالب، وعلّقَ ابن عبد البر في كتاب الاستذكار على هذه الرواية بقوله: (إنّما كنّى قبيصة ابن ذؤيب عن عليّ بن أبي طالب؛ لصحبته عبد الملك بن مروان وكانوا يستثقلون ذِكر عليّ بن أبي طالب) (١).

وكذلك رويَ: أنّه قد أُدخل عَدي بن حاتم الطائي على معاوية وقال له: ما أبقى الدهر من ذِكر علي بن أبي طالب، فقال عدي: فهل رعى الدهر إلاّ ذِكراً وقال: كيف حُبّك له فتنفّس الصَعداء، وقال: حُبّي والله جديد لا يبيد، وقد تمكّن من شغاف الفؤاد إلى يوم المعاد، وقد امتلأ من حُبّه صدري وفاضَ في جسدي وفكري) (٢).

ونَقل ابن أعثم في الفتوح أيضاً: (أنّ معاوية قال له: يا أبا طريف، ما الذي أبقى لك الدهر من ذِكر عليّ بن أبي طالب فقال عدي: وهل يتركني الدهر أن لا أذكره قال: فما الذي بقيَ في قلبك من حُبّه؟ قال عدي: كلّه وإذا ذُكر ازداد، فقال معاوية: ما أريد إلاّ أخلاق ذكره فقال عدي: قلوبنا ليست بيدك يا معاوية، فضحك معاوية.... الحديث) (٣) .

____________________

(١) الموطّأ لمالك بن أنس: ج٢، ص١٠، راجع أيضاً تفسير ابن كثير ج١، ص٤٨٤، وقد ذكرَ الشيخ الأميني تسعة مصادر أخرى فراجع ج٨، ص٢١٥، طبعة طهران.

(٢) أشعّة الأنوار في فضل حيدر الكرار: ص٣١٤، طبعة النجف.

(٣) الفتوح لابن أعثم: ج٣، ص١٣٤.

١٦

وروى أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني عن ابن عائشة قال: كان أبو عدي يكره ما يجري عليه بنو أُميّة من ذِكر علي وسبّه على المنابر، ويُظهر الإنكار لذلك فشهدَ عليه قوم من بني أميّة بمكّة بذلك ونهوه عنه، فانتقلَ إلى المدينة وقال:

شَردوا بي عند امتداحي عَليّ

ورأوا ذاك في داءً دوّياً

فَو ربّي ما أبرح الدهر حتّى

تختلي مُهجتي بحبّي عليّاً

وبنيه لحُب أحمد أنّي

كنتُ أحببتهم بحبّ النبيا

حُبّ دين لا حبّ دنيا وشر

الحبّ حبّ يكون دنيوياً (١)

ونقلَ ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الاسكافي قوله: (لولا ما غَلب على الناس من الجهل وحبّ التقليد، لم يُحتج إلى نقض ما احتجّت به العثمانيّة، فقد عَلم الناس كافة أنّ الدولة والسلطان لأَرباب مقالتهم، وعرفَ كلّ أحد على أقدار شيوخهم وعلمائهم وأُمرائهم وظهور كلمتهم وقهر سلطانهم وارتفاع التقيّة عنهم، والكرامة والجائزة لمَن روى الأخبار والأحاديث في فضل أبي بكر، وما كان من تأكيد بني أميّة لذلك، وما رواه المحدِّثون من الأحاديث طلباً لمَا في أيديهم فكانوا لا يألون جهداً في طول ما ملكوا أن يخملوا ذِكر علي (عليه السلام) وولده، ويطفئوا نورهم ويكتموا فضائلهم ومناقبهم وسوابقهم ويحملوا على شتمهم وسبّهم ولَعنهم على المنابر، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم، فكانوا بين قتيلٍ وأسير وشريد وهارب ومُستخف وذليل وخائف ومترقّب،

____________________

(١) قاموس الرجال: ج١٠، ص١٣١، المُجدي في أنساب الطالبيين لعلي بن محمد العلوي، ص٣٦٤.

١٧

حتّى أنّ الفقيه والمحدِّث والقاضي والمتكلّم يتقدّم إليه ويتوعّد بغاية الإبعاد وأشدّ العقوبة، ألاَّ يذكروا شيئاً من فضائلهم ولا يرخّصوا لأحد أن يطيف بهم، وحتّى بلغَ من تقيّة المحدِّث أنّه إذا ذَكر حديثاً عن علي (عليه السلام) كنّى عن ذكره فقال: قال رجل من قريش، وفعلَ رجل من قريش، ولا يذكر عليّاً (عليه السلام) ولا يتفوّه باسمه، ثُمّ رأينا جميع المختلفين قد حاولوا نقض فضائله ووجّهوا الحِيل والتأويلات نحوه من: خارجي مارق، وناصب حنق، وثابت مُستبهم، وناشئ معاند، ومنافق مُكذّب، وعثماني حسود يعترض ويطعن...

وقد علمتُ أنّ معاوية ويزيد ومَن كان بعدهما من بني مروان أيّام مُلكهم - وذلك نحو ثمانين سنة - لم يدعوا جهداً في حمل الناس على شتمه ولعنه وإخفاء فضائله وستر مناقبه وسوابقه) (١) .

ثُمّ ذكرَ ابن أبي الحديد روايات مستفيضة من مصادرهم، في السُنن التي أقامها بنو أميّة في النيل من علي (عليه السلام) وشتمه فلاحظ ذلك (٢) .

وكذلك نقلَ ابن أبي الحديد في موضع آخر بقوله: (ولقد كان الحجّاج ومَن ولاّه كعبد الملك والوليد، ومَن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني أميّة على إخفاء محاسن علي (عليه السلام)، وفضائله وفضائل ولده وشيعته وإسقاط أقدارهم، أحرص منهم على إسقاط قراءة عبد الله وأُبي؛ لأنّ تلك القراءات لا تكون سبباً لزوال مُلكهم وفساد أمرهم وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي (عليه السلام) وولده وإظهار محاسنهم بوارهم، وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم،

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج١٣، ص٢١٩.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج١٣، ص٢١٩.

١٨

فحرصوا واجتهدوا في إخفاء فضائله، وحملوا الناس على كتمانها وسترها، وأبى الله أن يزيد أمره وأمرَ ولده إلاّ استنارة وإشراقاً، وحبّهم إلاّ شَغفاً وشدّة، وذِكرهم إلاّ انتشاراً وكثرة، وحجّتهم إلاّ وضوحاً وقوّة، وفضلهم إلاّ ظهوراً، وشأنهم إلاّ علوّاً، وأقدارهم إلاّ إعظاماً حتى أصبحوا بإهانتهم إيّاهم أعزّاء...) (١) الحديث.

ومن هذا يُعلم أنّ ذِكر أهل البيت (عليهم السلام) حاربهُ أعداء الله بهذه الصورة، مع أنّ ذِكرهم لم يكن في أذان أو في صلاة بل كان ذِكر فضائلهم ومحاسنهم - وهم سادة الخلق على رؤوس الأشهاد - من خلال الخُطب ومجالس الذكر، فكيف إذاً لو ذُكر عليٌ وأولاده في الأذان - وهو الحقّ - ماذا كانت تصنع قريش، وماذا كان يصنع معاوية وهو الذي كان يصعب عليه أن يسمع ذِكر خاتم النبيين وسيّد المرسلين - الذي نقلهُ ونَقَلهم من الضلالة إلى الهدى - في الأذان، ولولا خوف الاتّهام بصراحة الكفر والخروج عن الإسلام لأسقطَ ذكرهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الأذان، بل من كلّ شيء في ذِكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإلى هذا المعنى أشارت روايات عديدة من مصادرهم أذكر بعضاً منها.

الأولى: ما رواه أحمد بن أبي طاهر في كتاب (أخبار الملوك): أنّ معاوية سمعَ المؤذِّن يقول: (أشهدُ أن لا إله إلاّ الله) فقالها ثلاثاً، فقال: أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله فقال: لله أبوك يا بن عبد الله لقد كنتَ عالي الهمّة، ما رضيتَ إلاّ أن يُقرن اسمك باسم ربّ العالمين) (٢) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ج١٣، ص٢٢٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد: ج١٠، ص١٠١، طبعة المرعشي النجفي.

١٩

الثانية: (روى الزبير بن بكار في الموفقيات وهو غير متّهم على معاوية، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة لمَا هو معلوم من حاله من مجانبة علي (عليه السلام) والانحراف عنه، قال المطرف بن المغيرة بن شعبة:

دخلتُ مع أبي على معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدّث معه، ثُمّ ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ويَعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسكَ عن العشاء ورأيته مغتمّاً فانتظرتهُ ساعة وظننتُ أنّه لأمرٍ حَدث فينا فقلتُ: مالي أراك مُغتمّاً منذ الليلة؟ فقال: يا بُني، جئتُ من عند أكفر الناس وأخبثهم، قلتُ: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوتُ به: إنّك قد بلغتَ سنّاً يا أمير المؤمنين فلو أظهرتَ عدلاً وبسطتَ خيراً فإنّك قد كبرتَ، ولو نظرتَ إلى إخوتك من بني هاشم فوصلتَ أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه فقال:

هيهات هيهات! أيّ ذِكر أرجو بقاءه! مَلك أخو تيم فعدلَ وفعل ما فعل، فما عدا أن هلكَ حتى هلكَ ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثُمّ مَلك أخو عدي، فاجتهدَ وشمّر عشر سنين فما عدا أن هَلك حتّى هلكَ ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر، وإنّ ابن أبي كبشة ليُصاح به كلّ يوم خمس مرّات: (أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله) فأيّ عملٍ يبقى؟ وأيّ ذِكر يدوم بعد هذا لا أباً لك! لا والله إلاّ دَفناً دفناً) (١).

ومن هذين الروايتين يُعلم عدم تسليم معاوية بالشهادة الثانية، ولله درّ ابن أبي الحديد حيث قال: (وقد طَعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، ولم يقتصروا على تفسيقه وقالوا عنه: إنّه كان مُلحداً لا يعتقد النبوّة، ونقلوا عنه في فلتات كلامه وسقطات ألفاظه ما يدلّ على ذلك) (٢).

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد: ج٦، ص١٢٩ - ١٣٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد: ج٦٠، ص١٢٩.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420