الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة14%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107318 / تحميل: 6467
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه: (برُّ فاطمة ووِلدها (عليهم السلام))، وتَركها العامّة ظاهراً وباطناً، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وليس هذه أوّل قارورة كُسرت في الإسلام) (١).

وقال المجلسي الثاني:(وتأويل خير العمل بالولاية، لا ينافي في كونها من فصول أذان الله؛ لأنّها من أعظم شرائط صحّتها وقبولها) (٢).

وذَكرَ ما يُماثل ذلك أو ما يقرُب منه ابن شهرآشوب في المناقب (٣) ، وسيأتي نقل الروايات في ذلك مخصوصاً والكلمات في ذلك، وهي دالّة على أنّ ماهيّة الأذان متضمّنة للدعاء لولاية أهل البيت (عليهم السلام)، كما أنّه دعاء للإسلام والإقرار بالشهادتين.

* عدّة طبايع

أقول: ويستفاد من كلام العامّة وأقوال المذاهب الأخرى: أنّ الأذان تنطبق عليه عدّة طبايع مندوبة، فمضافاً إلى خصوصيّة الأذان تنطبق عليه أيضاً الطبيعة العامّة لشعائر الإسلام فيندرج في قاعدة تعظيم الشعائر، كما تنطبق عليه طبيعة ذِكر الله المندوب، ولعلّه باللحاظ الثالث تخرج الحيّعلات عن طبيعة بقيّة الفصول إذ ليس هي بذكر، ومن ثُمّ لم يُسوِّغ الشيخ الطوسي في المبسوط حكايتهنّ في الصلاة عند سماع الأذان وقال: إنّهن من كلام الآدمي، وإن كنّ مستحبّات من حيثيّة الأذان، أي حيثيّة الإعلام، وبالتالي فطبيعة الأذان قد اجتمع فيها عدّة طبايع شرعيّة، ولكلّ منها حكم ينسحب عليها دون الطبيعة الأخرى كما هو واضح من أمثلة الأحكام الآنفة، ومن ثُمَّ يتبيّن تعدّد وجه مشروعيّة الشهادة الثالثة في الأذان، والتي تصل إلى ثلاثة وجوه أو أكثر:

____________________

(١) روضة المتّقين: ج٢، ص٢٣٧ - ٢٣٨.

(٢) البحار: ج٨٤، باب ٣٥ من أبواب الأذان والإقامة، ذيل ح٢٤.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب: ج٣، ص٣٢٦.

١٠١

الأوّل: كونهُ جزء طبيعة الأذان من حيث هو، أي من حيث الأذانيّة ومن خصوص عنوان الأذان كجزء منه.

الثاني: الاستحباب العام من جهة قاعدة الاقتران.

الثالث: من جهة الشعيرة والشعائر الإيمانيّة.

الرابع: من جهة كون الشهادة الثالثة ذِكر الله، كما أشار إليه جملة من فحول أعلام النجف في فتياهم.

ومثله ما قاله الشيخ الطوسي (١) قال: لو فرغَ من صلاته ولم يحكه فيها، كان مخيّراً بين الحكاية وعدمها.

قال الشيخ: لا مزيّة لأحدهما من حيث كونه أذاناً، بل من حيث كونه تسبيحاً وتكبيراً.

وفي موضعٍ من الذكرى (٢) استدلّ على مشروعيّة الأذان للصلاة الثانية عند الجمع، قال: وكذلك في المغرب والعشاء في المزدلفة وهل يكره الأذان؟ لم أقف فيه على نص ولا فتوى، ولا ريب في استحضار ذِكر الله على كلّ حال، ولو أذّن من حيث إنّه ذِكر الله فلا كراهيّة.

وقال أيضاً: (واحتجّ الشيخ للكراهيّة بما ذكرناه من جَمع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وظاهره أنّه لا تصريح فيه بالكراهيّة، والأقرب الجزم بانتفاء التحريم، وأنّه يكره في مواضع استحباب الجمع، أمّا لو اتّفق الجمع مع عدم استحبابه (أي في موارد عدم استحبابه)؛ فإنّه يسقط أذان الإعلام ويبقى أذان الذِكر والإعظام) (٣) .

____________________

(١) المبسوط: ج١، ص٩٧.

(٢) الذكرى: ص٢٣١.

(٣) الذكرى: ص٢٣٢.

١٠٢

وأفتى الفقهاء بتعدّد موارد يُستحب فيها الأذان في غير الصلاة منها: الفلوات الموحشة، ومنها: أذان المولود، ومنها: مَن ساء خُلقه، ومنها: الأذان المقدّم لدخول الفجر للاستعداد والتهيّؤ له، وبعض الموارد الأخرى.

* غاياتهُ:

وهو يعطي: أنّ حقيقة الأذان غير خاصّة بالصلاة فقط، بل هو يتضمّن معاني وغايات أُخر من التذكّر بالإيمان والموعظة، وكونهُ من الأذكار الشريفة، وأنّه ممّا يُحترز به كبقيّة الأحراز الشرعيّة، وهذه المعاني قد وردت أنّها من خصائص الشهادة الثالثة والولاية لعلي (عليه السلام)، نظير ما ورد (١) في بعض المصادر الدالّة على خصائص الولاية المطابقة لتلك الموارد التي يُستحب فيها الأذان.

وقال الشهيد الثاني في الروضة - في مسألة سقوط الأذان في موارد الجمع وغيرها، حيث استدلّ البعض على مشروعيّة الأذان في كونه ذِكراً -: وأمّا تقسيم الأذان إلى القسمين؛ لأنّه عبادة خاصّة أصلها الإعلام، وبعضها ذِكر، وبعضها غير ذِكر، تؤدّي وظيفته بإيقاعه سرّاً ينافي اعتبار أصله، والحيّعلات تنافي ذكريّته، بل هو قسم ثالث وسُنّة متّبعة، ولم يوقعها الشارع في هذه المواضع - أي مواضع الجمع - فيكون بدعة، نعم، قد يقال: إنّ مطلق البدعة ليس محرّماً، بل ربّما قسّمها بعضهم إلى الأحكام الخمسة ومع ذلك لا يثبت الجواز.

____________________

(١) نظير ما رواه الشيخ في مصباح المتهجّد في تعقيب صلاة الصبح، ثُمّ قل: (أصبحتُ اللهمّ مُعتصماً بذِمامك المنيع الذي لا يُطاول ولا يحاول،... في جُنّة من كلّ مخوفٍ بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيّك محتجباً... بجدارٍ حصين الإخلاص في الاعتراف بحقّهم والتمسّك بحبلهم،...).

١٠٣

وقال في مسالك الإفهام - في مسألة أخذ الأجرة على الأذان، من أنّه هل يكون الأذان محرّماً وغير مشروع كما ذهب إليه العلاّمة في المختلف؟ -: وهو متّجه، لكن يُشكل بأنّ النيّة غير معتبرة فيه، والمحرّم هو أخذ المال لا نفس الأذان؛ لأنّه عبادة أو شعار) (١).

وقال في المدارك (٢) : (وذكرَ الشهيد في الدروس: أنّ استحباب الأذان من القاضي لكلّ صلاة ينافي سقوطه عمّن جمع في الأداء، وهو غير جيّد؛ لعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلها، ثُمّ احتملَ كون الساقط مع الجمع أذان الإعلان دون الأذان الذكري، وهو احتمال بعيد؛ لأنّ الأذان عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار وغيرها، ولا ينحصر مشروعيّته في الإعلام بالوقت، إذ قد ورد في كثير في الروايات أنّ من فوائده: دعاء الملائكة إلى الصلاة، وكيف كان فهو وظيفة شرعيّة فيتوقف على النقل، ومتى انتفى سقط التوظيف مطلقاً، وأمّا الفرق بين الأذان الذكري وغيره فلا أعرف له وجهاً).

وأيضا ً (٣) قال: (الثالثة: لو فرغَ من الصلاة ولم يحكِ الأذان، فالظاهر سقوط الحكاية؛ لفوات محلّها وهو ما بعد الفصل بغير فصل أو معه).

____________________

(١) مسالك الإفهام: ج٣، ص١٣١.

(٢) المدارك: ج٣، ص٢٦٣.

(٣) المدارك: ج٣، ص٢٩٥.

١٠٤

وقال العلاّمة في التذكرة (١): إنّه يكون مخيّراً بين الحكاية وعدمها.

وقال الشيخ في الخلاف (٢): يؤتى به لا من حيث كونه أذاناً، بل من حيث كونه ذِكراً، وهما ضعيفان.

وقال: ذهبَ بعض أصحاب الشافعي إلى وجوب الأذان والإقامة كفايةً، وذهبَ مالك إلى وجوبه في مساجد الجماعة التي يُجمع فيها للصلاة، وذهب ابن حنبل إلى وجوب الأذان على أهل المصر، واستدلّوا ببعض الروايات (٣) بأنّه: من شعائر الإسلام فأشبهَ الجهاد، وناقشهُ العلاّمة بالفرق بين الأصل وهو (الإسلام) وبين الفرع وهو (الأذان): بأنّ الأصل وضِعَ للدخول في الدين، وهو من أهمّ الواجبات فكان الطريق إليه واجباً، والأذان وضِع للدخول في الجماعة وهي غير واجبة، فالأَولى بالوسيلة أن لا تكون واجبة) (٤).

أقول: ويتحصّل من كلمات الأعلام في الأذان: ذهابهم إلى كونه متضمّناً لعدّة طبايع، وأنّها منطبقةٌ عليه، كما أنّ له غايات شرعيّة متعدّدة، ومن ثُمّ تترتّب عليه أحكام مختلفة بحسب الماهيّات المنطبقة عليه وبحسب اختلاف غاياته، كما أنّهم حرّروا ما هو الركن فيه ممّا ليس بركن ورتّبوا على ذلك اختلاف حالاته، فهذه المقامات المتعدّدة في الأذان يجدها المتتّبع في كلمات الأعلام، أمّا الطبايع التي ذكروها فهي: (الإعلام، الذِكر، التشهّد، الدعاء للصلاة، الشعاريّة).

____________________

(١) التذكرة: ج٣، ص٨٣.

(٢) التذكرة: ج٣، ص٨٣، المبسوط: ج١، ص ٩٧.

(٣) المغني: ج١، ص٤٦١، المجموع: ج٣، ص٨١، المدوّنة الكبرى: ج١، ص٦١.

(٤) منتهى المطلب: ج٤، ص٤١١ طبعة جامعة المدرّسين.

١٠٥

وقد بنوا على حقيقة هذه الطبايع لا من باب الاحتمال، بل على نحو التحقيق، فرتّبوا آثاراً وأحكام كلّ طبيعة عليه، كما تُلاحظ ذلك في كلماتهم المتقدّمة المُقتطفة ويجدها المتتبّع في مظان تلك المسائل، ويشير إلى تعدّد طبايع الأذان ما في معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّما أُمرَ الناس بالأذان لِعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيراً للناس، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لمَن جهلَ الوقت واشتغل عنه، ويكون المؤذِّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ومرغِّباً فيها، مُقرّاً له بالتوحيد، مجاهراً بالإيمان، مُعلناً بالإسلام، مؤذِّناً لمَن ينساها، وإنّما يقال له: مؤذِّن؛ لأنّه يؤذّن بالأذان بالصلاة، وإنّما بدأ فيه بالتكبير وختمَ بالتهليل؛ لأنّ الله أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه، واسم الله في التكبير في أوّل الحرف، وفي التهليل في آخره.

وإنّما جَعل مثنى مثنى؛ ليكون تكراراً في آذان المستمعين مؤكّداً عليهم إن سهى أحدٌ عن الأوّل لم يسهى عن الثاني؛ ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جَعل الأذان مثنى مثنى، وجَعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدو غفلةً وليس قبله كلام يُنبّه المستمع له، فجَعل الأوليان تنبيهاً للمستمعين لمَا بعده في الأذان، وجَعل بعد التكبير الشهادتان؛ لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان؛ ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان فجعلَ شهادتين شهادتين، كما جَعل في سائر الحقوق شاهدان، فإذا أقرّ العبد لله عزّ وجل بالوحدانيّة، وأقرّ للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الإيمان؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله، وإنّما جَعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؛ لأنّ الأذان إنّما وضِع لموضع الصلاة، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان، ودعاء إلى الفلاح، وإلى خير العمل، وجَعل ختمُ الكلام باسمه كما فُتح باسمه) (١).

____________________

(١) الوسائل: الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ح١٤.

١٠٦

فالمحصّل: أنّ الرواية بيّنت أنّ في الأذان ذِكر الله، ودعوى إلى التوحيد، ودعوى إلى الإسلام، ودعوى إلى الإيمان، وهذا العنوان الأخير سيأتي أنّ أحد طبايع الأذان، اشتماله على الدعوة إلى الإيمان والولاية، كما أشارت الرواية إلى الإقرار والتشهّد.

كما أنّ الأذان نداء ودعوى إلى الصلاة، وسيأتي شرح كامل لدلالة الرواية على الشهادة الثالثة في الأذان في الفصل الأوّل، ثُمّ إنّ ممّا مرّ من كلمات الفقهاء يظهر أنّ ما ذكروه من غايات في الأذان - وموارد مستحبّة له غير الصلاة (تأكيداً لمَا سبق) - أنّهم يبنون على ترتيب الآثار على الحقائق الأخرى المنطبقة على الأذان، وأنّه ليس تمام حقيقته النداء للصلاة والإعلام لها، هذا فضلاً عن انطباق عناوين طارئة أخرى عليه كالشعاريّة وغيرها من العناوين التي رتّبوا آثارها على الأذان، كما أنّهم بيّنوا ما هو الرُقي في الأذان وهو ماهيّة الذِكر بالتكبير، وماهيّة التشهّد بالشهادتين دون بقيّة الماهيّات المتضمّن الأذان لها.

١٠٧

المبحثُ الأوّل

الشهادةُ الثالثة في الأذان وأجزاء الصلاة

وفيه ثلاثة فصول:

الفصلُ الأوّل

تقريبُ إثبات جزئيّة الشهادة الثالثة والإقامة فضلاً عن مشروعيّتها فيهما

١٠٨

الفصل الأوّل

تقريبُ إثبات جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة فضلاً عن مشروعيّتها فيهما

ويُستدلّ لذلك بعدّةٍ من طوائف الروايات الخاصّة الدالّة مطابقةً على ذلك بالصراحة أو الظهور، والبحث يقع في جهات:

الجهةُ الأُولى: البحث في طوائف الروايات الخاصّة التي روى متونها الصدوق في الفقيه سنداً ودلالة وأقوالاً، وهي ثلاث طوائف، ثُمّ تُتبع بذكر طوائف روائيّة خاصّة أخرى.

الجهةُ الثانية: البحث في مقتضى قاعدة شرطيّة الولاية، والإيمان في صحّة الأعمال، والعبادات لشرطيّة الشهادة الثالثة في الأذان.

١٠٩

الجهةُ الأُولى

البحثُ في طوائف الروايات الخاصّة التي روى متونها الصدوق في الفقيه سنداً ودلالةً وأقوالاً

نصُ الطوائف الثلاث الأُول: لقد جاء في كتاب مَن لا يحضره الفقيه للصدوق في باب الأذان والإقامة، بعد استعراضه لصورتيهما قال: (هذا هو الأذان الصحيح لا يُزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (محمّداً وآل محمّد خير البريّة) مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله) مرّتين، ومنهم مَن روى بدل ذلك: (أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنّما ذكرتُ ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا) (١).

وهذه المتون التي ذكرها الصدوق بنحو الإرسال هي ثلاث طوائف بالأحرى كما مرّ توضيحه في المدخل.

____________________

(١) الفقيه: ج١، ص٢٩٠ طبعة قم.

١١٠

* البحثُ في سند الطائفة:

نظرةُ الصدوق: ويُلاحظ ويُستشفى من كلام الصدوق عدّة أمور:

١ - وجود روايات واردة في الشهادة الثالثة وأنّها متعدّدة ذات طوائف.

٢ - إنّ تلك الروايات كانت في أصول أصحابنا لا في كتب الفِرَق المنحرفة - فِرق المفوضة -، وإلاّ لمَا أشار إليها الصدوق؛ لعدم دأبه بالتعرّض لروايات الفِرق الأخرى، ويَعضد هذه الحقيقة ما سيأتي من كلام الشيخ الطوسي (قدِّس سرّه) حول هذه الروايات الدال على ذلك أيضاً.

٣ - حكاية الصدوق بوجود جملة من الشيعة يمارسون الأذان بالشهادة الثالثة في زمانه، ويعملون بتلك الروايات وكانوا من جملة أبناء الطائفة وفي مُدنهم، بل إنّ التدبّر في كلام الصدوق - حيث وَصفَ سلسلة الرواة لطرق تلك الروايات بأنّهم متّهمون بالتفويض - يقتضي كون تلك الروايات متداولة في الطبقات السابقة عليه روايةً وعملاً، فيظهر من ذلك أنّ السيرة المزبورة متقادِمة على عصر الصدوق.

٤ - إنّ الصدوق قد عَقد في كتاب التوحيد (١) باباً تحت عنوان (تفسير حروف الأذان والإقامة)، ثُمّ نقلَ رواية طويلة في تفسير الأذان لم تتضمّن (حيّ على خير العمل)، فعلّقَ عليها بقوله: إنّما تَرك الراوي لهذا الحديث (حيّ على خير العمل) للتقيّة، ثُمّ قال: وقد رويَ في خبر آخر أنّ الصادق (عليه السلام) سُئل عن معنى (حيّ على خير العمل)؟ فقال: (خيرُ العمل الولاية)، وفي خبرٍ آخر: (خيرُ العمل برّ فاطمة وولدها (عليهم السلام)) انتهى كلامه.

____________________

(١) باب ٣٤، ص٢٣٨ - ٢٤١، التوحيد، طبعة قم.

١١١

فيظهر من الصدوق: البناء على أنّ بعض فصول الأذان قد تُترك في روايات الأذان لأجل التقيّة، فمِن الغريب بعد ذلك استنتاجه لوضع الشهادة الثالثة في الروايات المتقدّمة لأجل ترك ذِكرها في كثير من الروايات الأخرى، حسب سياق كلامه في كتاب الفقيه، فلاحظ كلامه المتقدِّم على العبارة التي نقلناها.

كما أنّه يظهر منه في كتابه التوحيد: أنّ الأذان مشتمل على فصل كنائي عن ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وهو حيّ على خير العمل، فهذا ممّا يَعضد تضمّن الأذان لذكر الولاية، بل قد روى الصدوق في العِلل (١) في المصحّح عن ابن عمير، عن أبي الحسن أنّه سأله عن (حيّ على خير العمل) لِمَ تُركت من الأذان؟ قال: (تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً، فقال: أمّا العلّة الظاهرة؛ فلئلاّ يدع الناس الجهاد أو اتكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة (٢) ؛ فإنّ خير العمل الولاية، فأراد من أمْر بترك حيّ على خير العمل من الأذان، أن لا يقع حثٌ عليها ودعاء إليها) انتهى.

ممّا يدلّ على بناء الصدوق على كون فصل (حيّ على خير العمل): هو عنوان لولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وصيغة من صيغ الشهادة الثالثة الكنائيّة، ثُمّ إنّه يُلاحظ على كلام الصدوق في الفقيه جملة من الأمور.

أولاً: إنّ الصدوق قد اعتمد وروى في كتاب التوحيد (٣)، رواية في الأذان بسند متّصل تتضمّن نداء مَلك من الملائكة العظام - إذا حضر وقت الصلاة - بالشهادات الثلاث،

____________________

(١) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، باب ١٩، ح١٦.

(٢) أي: الخفيّة التي لم يفصح الثاني عنها عَلناً.

(٣) التوحيد: باب ٣٨، ص٢٨١، ح١٠.

١١٢

وإنّه لأجل ذلك تصيح الديكة في أوقات الصلاة كما سيأتي نقلها مفصّلاً، مع أنّه قد روى أيضاً في عِلل الشرائع - كما سيأتي - أنّ هذا النداء ذا صلة بالأذان، كما سيأتي مفصّلاً بحسب الروايات التي رواها الصدوق نفسه (قدِّس سرّه).

ثانياً: إنّ الصدوق في الفقيه قد بنى وروى ذِكر أسمائهم (عليهم السلام) بوصف الإمامة في قنوت الصلاة، وقنوت صلاة الوتر، حيث أورد في باب قنوت الصلاة الرواية بقوله: وقال الحَلبي له (للصادق (عليه السلام)): أسمّي الأئمّة (عليهم السلام) في الصلاة؟ قال: (أجمِلهم) (١).

مع أنّه أوردَ في الموضع الأوّل الفتوى لسعد بن عبد الله، بعدم جواز الدعاء في القنوت بالفارسيّة، ممّا يظهر منه أنّ الحال في القنوت توقيفي غير موسع، ومع ذلك أفتى برجحان ذِكرهم بالإمامة فيه.

وكذلك أفتى الصدوق بالشهادة الثالثة في المقنع، في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام قال: ثُمّ تُكبّر تكبيرتين وقل: وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض، عالِم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، على ملّة إبراهيم، ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حنيفاً مسلماً) (٢).

ثالثاً: إنّ والد الصدوق علي بن بابويه (قدِّس سرّه) ذَكر الشهادة الثالثة في عدّة مواضع:

____________________

(١) الفقيه: ج١، ص٣١٧ طبعة قم، وص٤٩٣.

(٢) المقنع: ص٩٣، طبعة قم، مؤسّسة الإمام الهادي.

١١٣

منها: في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام، نظير ما مرّ في عبارة الصدوق.

ومنها: في التشهّد حيث قال: (أشهدُ أنّك نِعم الرب، وأنّ محمّداً نِعم الرسول، وأنّ عليّ بن أبي طالب نِعم الولي) (١) .

ومنها: في صيغة الصلاة على النبي وآله في تشهّد الصلاة حيث قال: (اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعلى الأئمّة الراشدين من آل طه وياسين، اللهمّ صلِّ على نورك الأنور، وحبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الكريم، وعلى جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط) (٢).

ومنها: ما ذكرهُ علي بن بابويه في صيغة التسليم في الصلاة حيث قال: (السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (٣) ، وقريب منه ما تقدّم.

ويأتي من اعتماد الصدوق في الفقيه ذلك في التسليم للصلاة، فلم توجِب رواية كلّ هذه المواضع التُهمة بالتفويض عند الصدوق، فما الوجه في تخصيص رواة الشهادة الثالثة في الأذان بتهمة التفويض، مع أنّ عبارة الصدوق متدافعة بين الصدر والذيل؛ حيث إنّه في الصدر وَصفَ رواة هذه الروايات بالمفوّضة على نحو التحقيق، وفي الذيل وَصفهم بأنّهم متّهمون بالتفويض أي يظنّ بهم ذلك، ومنشأ هذا الظن ليس إلاّ تخرّصاً ورَجماً بالغيب، بعد كون الشهادة الثالثة مضمونها من ضروري المذهب، ومُكمِّلة للدين، ولقبول ورضا الرب بالأعمال واشتراط الإيمان بها،

____________________

(١) الفقه الرضوي: ص١٨ طبعة آل البيت (عليهم السلام).

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١١٤

وبعدما اتّضح رواية الصدوق نفسه لروايات في موارد عدّة في الصلاة يذكرها بصيغ مختلفة للشهادة الثالثة، فأي التقاء لذلك مع التفويض؟

ويُحتمل قريباً أنّ الصدوق ذَكر ذلك تقيّة، نظراً للأحداث والفتن الدامية التي حصلت بين الشيعة وسنّة جماعة الخلافة في بغداد وغيرها من البلدان، قَبل ورود الصدوق لبغداد بعقود من السنين، وكذلك أثناء وروده إليها وقد استعرَضَت الكتب التاريخيّة (١) ذلك بتفصيل، ويَعضد هذا الاحتمال قرائن منها:

أ - الصلة الوثيقة بين الصدوق وآل بويه، مع أنّهم هم الذين رفعوا شعار التشيّع في الأذان: كالشهادة الثالثة، وحيّ على خير العمل - كما مرّ تفصيله - في بغداد، وجنوب إيران، مع أنّ آل بويه من الشيعة الاثنى عشريّة، ولم يكونوا من فِرق الغلاة والمفوّضة.

ب - قول الصدوق في الفقيه في باب الوضوء، وفي صفة وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: وقد فوّض الله عزّ وجل لنبيّه أمر دينه، ولم يُفوّض إليه تعدّي حدوده (٢).

وقال المجلسي في البحار بعد نقل الكلام المتقدّم للصدوق: ولعلّ الصدوق عندما نفى المعنى الأوّل حيث قال في الفقيه: وقد فوّض الله عزّ وجب إلى نبيّه أمر دينه، ولم يفوّض إليه تعدّي حدوده)، وأيضاً هو (رحمه الله) قد روى كثيراً من أخبار التفويض في كتبه (٣) ولم يتعرّض لتأويلها) (٤).

____________________

(١) قد مرّ تفصيل المصادر في ذلك في المدخل في مبحث السيرة، فلاحظ.

(٢) ثواب الأعمال: باب عقاب العُجب ص٣٥١، اعتقادات الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج٢، ص٢٠٢، مَن لا يحضرهُ الفقيه: ج١، ص٢٠١، طبعة جماعة المدرّسين، حديث ٦٠٥.

(٣) الفقيه: ج١، ص٤١ طبعة قم، منشورات جماعة المدرّسين.

(٤) البحار: ج٢٥، ص٣٤٧.

١١٥

قال الصدوق في كتابه الاعتقادات: (وقد فوّض الله تعالى إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر دينه فقال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، وقد فوّض ذلك إلى الأئمّة (عليهم السلام)....) (١).

قال الصدوق في الفقيه، وقال زرارة بن أعين، قال أبو جعفر (عليه السلام): (كان الذي فرضَ الله تعالى على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهمٌ - يعني السهو - فزاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبعاً فيهنّ السهو....) (٢).

أقول: فمع هذه التصريحات من الصدوق بالتفويض، أو صحّة بعض أقسام التفويض، كالتفويض في التشريع من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحدود التي رسمها الله تعالى له، مع فتوى الصدوق بالشهادة الثالثة في مواضع من الصلاة، كما في: ضمن دعاء التوجّه (٣) ، وفي قنوت الصلاة (٤) ، وفي التسليم (٥) ، بل في الفقه الرضوي - الذي هو رسالة والده علي بن بابويه - ذَكر الشهادة الثالثة في تشهّد الصلاة (٦) .

ومع ما تقدّم - من وقوع الفتن الدامية بين الشيعة وأهل سنّة الجماعة في بغداد، وحلب، ومصر، وبين آل بويه وغيرهم، كما مرّ مفصّلاً في بحث السيرة - لا يبعد كون حكم الصدوق بالتفويض على رواة هذه الروايات أنّه من باب التمسّك بالتقيّة، ولزوم الاتّقاء على الشيعة،

____________________

(١) اعتقادات الصدوق: ص١٠٩ - ١١١.

(٢) مَن لا يحضرهُ الفقيه: ج١ باب فرض الصلاة، ح٦٠٥، ص٢٠١ طبعة جماعة المدرّسين.

(٣) المقنع: ص٩٣، طبع قم - مؤسّسة الإمام الهادي.

(٤) الفقيه: ج١، ص٤، ص٣، وص٣١٧، طبعة قم.

(٥) المقنع: ص٩٦، طبع قم - مؤسّسة الإمام الهادي والفقيه: ج١، ص٣١٩.

(٦) الفقه الرضوي: ص١٠٨، طبعة آل البيت.

١١٦

وقد يكون التدافع بين صدر عبارته وذيلها تعريض وإيماء وتلويح بالتقيّة، حيث حَكم في صدر عبارته بأنّها من وضع المفوّضة، ثُمّ ذَكر في ذيل عبارته: أنّ مَن يتعاطى هذه الروايات ويعمل بها فهو متّهم بالتفويض، مع أنّ الجزم بالوضع متوقف على الجزم أيضاً بالتفويض، وعلى الجزم بمنافاة المضمون؛ لمسلّمات وأصول المذهب، فكيف يتلائم ذلك مع عدم الجزم بالتفويض، بل المظنّة بأنّهم مفوّضة ومتّهمون.

رابعاً: إنّ ميزان التفويض والغُلو عند الصدوق (قدِّس سرّه) - وشيخه ابن الوليد، ومدرسة الرواة والمحدّثين القميّين - يختلف عن ميزان ذلك لدى الشيخ المفيد، والمرتضى، والطوسي، والمدرسة البغداديّة والكوفيّة؛ فإنّ الأولى اتّصفت بالحدّة والإفراط في ذلك، فإنّ بعضهم - كالصدوق في كتابه المزبور - يجعل نفي السهو عن المعصوم في الأفعال ذات الحكم الإلزامي أوّل درجات الغلو، ووقائع المدرسة الأولى - مع كبار وجوه وفقهاء ومتكلمي الطائفة والبرقي وغيرهم - معروفة، فلاحظ رجال الكشّي وغيره، ونحن وإن نُعطي النصفة والحق للمدرسة الأولى في ذلك، نظراً لأخذ الحيطة في تراث الروايات، ودَحراً لأيدي الوضّاع والمدلّسين عن الطمع في الجعل، إلاّ أنّ ذلك كلّه في إطار الوقاية والحماية، لا أنّه يعني صحَّة كلّ تشدّدهم وحدّتهم في صرامة المباني الرجاليّة والدرائيّة، التي تُضيّع هي الأخرى قسماً من التراث الروائي الديني.

ولذلك خطّأ جمهور أصحابنا - حتّى ابن الغضائري البغدادي المتشدّد - طعْنَ الصدوق وشيخه في عدّة مواضع، كما في طعنه على أصلَي زيد الزرّاد، وزيد النرسي، بأنّهما موضوعان من قِبَل محمد بن موسى الهمداني: بأنّ هذين الأصلين قد رواهما الأصحاب بأسانيد مختلفة أخرى صحيحة.

١١٧

وكما في تخطئة النجاشي وغيره من الرجاليّين المحدِّثين، في استغرابهم بعض ما استثناه ابن الوليد، وبتبعه الصدوق من نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد الأشعري القمّي، حيث حكى النجاشي عن شيخه أبي العبّاس بن نوح تعجّبه من استثناء روايات محمد بن عيسى بن عبيد من الكتاب المزبور، مع أنّه كان على ظاهر العدالة والثقة.

وقد استثنى الصدوق وشيخه من الكتاب المزبور روايات سهل بن زياد الآدمي، مع أنّ الكليني أدمنَ الرواية عنه في الكافي، مع أنّ الصدوق أيضاً قد اعتمده في طريق المشيخة، وكذا استثنيا روايات أحمد بن هلال العبرتائي، مع أنّ الشيخ في العدّة ادّعى إجماع الطائفة على العمل برواياته في حال استقامته، وغيرها من الموارد التي امتنعَ الصدوق من نقل رواية الرواة الموجودة في الأصول المعتبرة لمسلكه الخاصّ به وبشيخه، بل تراهما يمتنعان من نقل رواية كتابين (أصلَين) معتبرَين عند الأصحاب لذلك.

ومن موارد وأمثلة التشدّد بحدّة التي تفرّد بها الصدوق: ما ذهبَ إليه في الفقيه من أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً، وذَكر جملة من الروايات بهذا المضمون، ثُمّ قال: (مَن خالفَ هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامّة في ردّها اتُّقي كما يُتّقى من العامّة، ولا يُكلّم إلاّ بالتقيّة كائناً مَن كان، إلاّ أن يكون مسترشداً فيرشد ويَبين له، فإنّ البدعة إنّما تُماث وتبطل بترك ذِكرها ولا قوّة إلاّ بالله) (١).

وقال أيضاً في الخصال بعدما أورد الروايات: (إنّ إكمال العدّة ثلاثين يوماً، مذهب خواص الشيعة وأهل الاستبصار في شهر رمضان أنّه لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً،

____________________

(١) الفقيه: كتاب الصوم، باب النوادر، ص١٧١، ج٢، طبعة قم.

١١٨

والأخبار في ذلك موافِقة للكتاب ومخالفة للعامّة، فمَن ذَهب من ضَعفة الشيعة إلى الأخبار التي وردت للتقيّة، في أنّه ينقص ويصيبه ما يصيب الشهور من النقصات والتمام اتُقي كما تُتّقى العامّة، ولم يُكلّم إلاّ بما يُكلّم به العامّة، ولا قوّة إلاّ بالله) (١).

مع أنّه قد رجعَ عن ذلك في كتابه المُقنع، فقال في باب رؤية هلال شهر رمضان: (وقد يكون شهر رمضان تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين، ويُصيبه ما يصيب الشهور من النقصان والتمام) (٢) .

____________________

(١) الخصال: ج٢، ص٥٣١، طبعة قم.

(٢) المقنع: ص١٨٣، طبعة قم.

١١٩

نظرةُ الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى (قدِّس سرّهما)

وقد اختلفَ موقف الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى عن الصدوق في اعتبار طرق هذه الروايات، ومثلهما ابن برّاج، والعلاّمة، والشهيد الأوّل، ولنذكر جملة من عبائرهما:

قال السيّد المرتضى في رسالته (مسائل مبّافارقيات) في المسألة الخامسة عشر: هل يجب في الأذان بعد قول (حيّ على خير العمل) محمّد وعلي خير البشر؟

الجواب: إن قال: محمّد وعلي خير البشر على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز؛ فإنّ الشهادة بذلك صحيحة، وإن لم يكن فلا شيء عليه) (١) .

أقول: وظاهر جوابه في الشق الثاني أنّه إن أتى به على أنّه من داخل الأذان وفصوله فلا شيء عليه، أي فيسوغ ذلك، وهي فتوى منه (قدِّس سرّه) بمضمون إحدى الروايات التي أوردها الصدوق في الفقيه، والتي مرّ نقل متونها، كما أنّ سؤال السائل - من مدينة كبيرة من بلاد الجزيرة وهي مبّافارقي - هو عن وجوب أداء الشهادة الثالثة في الأذان، وهو يفيد المفروغيّة من مشروعيّتها، كما أنّه يكشف عن ممارسة وقيام السيرة بالتأذين بها في الأذان عند الشيعة آنذاك؛ وإنّما وقعَ الترديد في لزومها، وهذا يدعم ما تقدّم من عبارة الصدوق في الفقيه: من وجود السيرة لدى الشيعة آنذاك على التأذين بالشهادة الثالثة، وهي سيرة في بداية الغيبة الكبرى، مضافاً إلى ما قدّمناه في عبارة الصدوق من دلالتها على كون هذه السيرة لدى رواة تلك الطوائف قَبل الغيبة الصغرى؛ لدلالة رواياتهم لها على عملهم بها،

____________________

(١) رسالة المسائل: ص٢٥٧ مطبوعة بضميمة جواهر الفقه لابن برّاج، طبعة جماعة المدرّسين، ورسائل المرتضى: طبعة السيّد المرعشي، ج١، ص٢٧٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فأخبر بذلك. فوقف فيمن يليهم من أصحابه ثم قال لهم:

«انهضوا إليهم وعليكم السكينة وسيماء الصالحين ووقار الإسلام. إن أقربنا من الجهل بالله والجرأة عليه والاغترار لقوم رئيسهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر والمجلود الحد في الإسلام والطريد مروان، وهم هؤلاء يقومون ويشتمون. وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهمإلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأوثان! فالحمد لله قديماً وحديثاً على ما عاداني الفاسقون المنافقون. إن هذا الخطب لجليل، إن فساقاً منافقين كانوا عندنا غير مؤتمنين وعلى الإسلام متخوفين،خدعوا شطر هذه الأمة وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهوائهم إلى الباطل. فقد نصبوا لنا الحرب وجدُّوا في إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون».

ثم حرض عليهم وقال: «إن هؤلاء لا يزالون عن موقفهم هذا دون طعن دراك(١) تطير منه القلوب، وضرب يفلق الهام وتطيح منه الأنوف والعظام وتسقط منه المعاصم، وحتى تقرع جباههم بعمد الحديد وتنشر حواجبهم على صدورهم والأذقان والنحور. أين أهل الدين، طلاب الأجر»؟

حملة محمد بن الحنفية بأربعة آلاف على عسكر معاوية

فثارت عليه عصابة نحو أربعة آلاف، فدعا محمد بن الحنفية فقال: «يا بني، امش نحو هذه الراية مشياً وئيداً على هينتك(٢) حتى إذا شرعت في صدورهم الأسنة فامسك

____________________

= وأما مروان بن الحكم فهو الذي أخرجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أبيه من المدينة وطرده عنها، فنزل الطائف. ولما أدخل مروان - حين ولد - على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون. راجع الغدير: ج ٨ ص ٢٤٤ و ٢٦٠.

١. قوله «دراك» أي متواصل.

٢. أي بتمهل وتأني.

٣٤١

حتى يأتيك رأيي»، ففعل.

وأعدَّ عليعليه‌السلام مثلهم؛ فلما دنا محمد وأشرع الرماح في صدورهم أمر عليعليه‌السلام الذين كان أعدَّهم أن يحملوا معهم. فشدوا عليهم ونهض محمد ومن معه في وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم وقتلوا عامتهم.

٣٤٢

٣٦

دعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام

أبان عن سليم، قال: سألت المقداد عن عليعليه‌السلام ، قال: كنا نسافر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وذلك قبل أن يأمر نساءه بالحجاب - وهو يخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس له خادم غيره، وكان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة.

فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينام بين علي وعائشة ليس عليهم لحاف غيره، فإذا قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الليل يصلي حطَّ بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتهم، ويقوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلي.

فأخذت علياًعليه‌السلام الحمى ليلة فأسهرته، فسهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لسهره، فبات ليله مرة يصلي ومرة يأتي علياًعليه‌السلام يسلّيه وينظر إليه حتى أصبح. فلما صلى بأصحابه الغداة قال: «اللهمَّ اشف علياً وعافه، فإنه قد أسهرني مما به من الوجع». فعوفي، فكأنما أنشط من عقال ما به من علة.

ما سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه لعليعليه‌السلام

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبشر يا أخي! قال ذلك وأصحابه حوله يسمعون. فقال عليعليه‌السلام : بشرَّك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك. قال: إني لم أسأل الله الليلة شيئاً إلا أعطانيه ولم أسأل لنفسي شيئاً إلا سألت لك مثله. إني دعوت الله أن يواخي بيني وبينك ففعل؛ وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن بعدي ففعل؛ وسألته إذا ألبسني ثوب النبوة والرسالة أن يلبسك ثوب الوصية والشجاعة ففعل؛ وسألته أن يجعلك وصيي ووارثي

٣٤٣

وخازن علمي ففعل؛ وسألته أن يجعلك مني بمنزلة هارون من موسى وأن يشد بك أزري ويشركك في أمري ففعل، إلا أنه قال: «لا نبي بعدك» فرضيت، وسألته أن يزوِّجك ابنتي ويجعلك أبا وُلدي ففعل.

فقال رجل لصاحبه: أرأيت ما سأل؟! فوالله لو سأل ربه أن ينزل عليه ملكاً يعينه على عدوه أو يفتح له كنزاً ينفقه هو وأصحابه - فإن به حاجة! - كان خيراً له مما سأل! وقال الآخر: والله لصاع من تمر خير مما سأل!

٣٤٤

٣٧

١

ما قاله أصحاب الصحيفة الملعونة عند موتهم(١)

كلام معاذ بن جبل وما رآه عند الموت

عن أبان قال: سمعت سليم بن قيس يقول: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأزدي ثم الثمالي(٢) ختن معاذ بن جبل - وكانت ابنته تحت معاذ بن جبل - وكان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهاداً. قال:

ماتمعاذ بن جبل بالطاعون(٣) ، فشهدته يوم مات - وكان الناس متشاغلين بالطاعون - قال: فسمعته حين احتضر وليس في البيت معه غيري - وذلك في خلافة عمر بن

____________________

١. ينبغي أن نورد هنا ما رواه ابن شهر آشوب في مناقبه: ج ٣ ص ٢١٢ عن الإمام الباقر  في قوله تعالى: ( كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ) إذا عاينوا عند الموت ما أعد لهم من العذاب الأليم، وهم أصحاب الصحيفة التي كتبوا على مخالفة عليعليه‌السلام :( وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) .

راجع عن تفصيل معاقدة أصحاب الصحيفة وأسمائهم: الحديث ٤ من هذا الكتاب. وراجع عن سائر ما قاله أبو بكر وعمر عند مماتهم: البحار ج ٨ طبع قديم ص ١٩٦ ب ١٨.

٢. عبد الرحمن بن غنم أسلم زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يره ولم يفد إليه. ولزم معاذ بن جبل منذ بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن إلى أن مات معاذ في خلافة عمر. وكان يعرف بصاحب معاذ وكان أفقه أهل الشام وهو الذي فقَّه عامة التابعين من أهل الشام. وكانت له جلالة وقدر وهو الذي عاتب أبا الدرداء وأبا هريرة بحمص لما انصرفا من عند عليعليه‌السلام رسولين لمعاوية. توفي عبد الرحمن سنة ٧٨.

٣. وذلك في سنة ١٨ الهجرية.

٣٤٥

الخطاب - يقول: ويل لي! ويل لي! ويل لي! ويل لي! فقلت في نفسي: أصحاب الطاعون يهذون ويتكلمون ويقولون الأعاجيب.

فقلت له: تهذي رحمك الله؟ فقال: لا.

فقلت: فلِم تدعو بالويل؟ قال: لموالاتي عدو الله على ولي الله!

فقلت له: من هو؟ قال: لموالاتي عدو اللهعتيقاً وعمر على خليفة رسول الله ووصيه علي بن أبي طالب.

فقلت: إنك لتهجر!؟ فقال: يا بن غنم، والله ما أهجر! هذا رسول الله وعلي بن أبي طالب يقولان: يا معاذ بن جبل، أبشر بالنار أنت وأصحابك الذين قلتم: «إن مات رسول الله أو قتل زوينا الخلافة عن علي فلن يصل إليها »، أنت وعتيق وعمر وأبو عبيدة وسالم.

فقلت: يا معاذ، متى هذا؟ فقال: في حجة الوداع، قلنا: «نتظاهر على علي فلا ينال الخلافة ما حيينا ». فلما قبض رسول الله قلت لهم: «أنا أكفيكم قومي الأنصار، فاكفوني قريشاً ». ثم دعوت على عهد رسول الله إلى الذي تعاهدنا عليه بشير بن سعيد وأسيد بن حضير(١) ، فبايعاني على ذلك.

فقلت: يا معاذ، إنك لتهجر!؟ قال: «ضع خدي بالأرض». فما زال يدعو بالويل والثبور حتى قضى.

كلام أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة عند الموت

قال سليم: قال لي ابن غنم: ما حدثت به أحداً قبلك قط - لا والله غير رجلين، فإني فزعت مما سمعت من معاذ. فحججت فلقيت الذي ولى موتأبي عبيدة بن الجراح

____________________

١. بشير بن سعيد كان رئيس الخزرج. قُتل في إمارة أبي بكر باليمن. وأسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأوسي الأنصاري الأشهلي كان رئيس الأوس. مات سنة ٢٠، وهو ممن حمل الحطب إلى بيت فاطمةعليها‌السلام لإضرامه. فأصحاب الصحيفة لما يئسوا من سعد بن عبادة رئيس الأنصار أجمع تعاهدوا مع هذين اللذين كان كل واحد منهما رئيساً لنصف قبائل الأنصار.

٣٤٦

وسالم مولى أبي حذيفة (١) ، فقلت: أوَ لم يقتل سالم يوم اليمامة؟ قال: بلى، ولكن احتملناه وبه رمق. قال: فحدثني كل واحد منهما بمثله سواء، لم يزد ولم ينقص أنهما قالا كما قال معاذ.

كلام أبي بكر عند الموت

قال أبان: قال سليم: فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر. فقال: اكتم عليَّ،وأشهد أن أبي عند موته قال مثل مقالتهم ، فقالت عائشة: إن أبي ليهجر!

كلام عمر عند الموت

قال محمد: فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان فحدثته بما قال أبي عند موته وأخذت عليه العهد والميثاق ليكتمنَّ عليَّ. فقال لي ابن عمر: اكتم عليَّ،فوالله لقد قال أبي مثل مقالة أبيك ما زاد ولا نقص .(٢) ثم تداركها عبد الله بن عمر وتخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، لما قد علم من حبي له وانقطاعي إليه، فقال: إنما كان أبي يهجر!

توثيق أمير المؤمنينعليه‌السلام لهذا الحديث

فأتيت(٣) أمير المؤمنينعليه‌السلام فحدثته بما سمعت من أبي وبما حدثنيه ابن عمر عن أبيه، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قد حدثني بذلك عن أبيه وعن أبيك وعن أبي عبيدة وعن سالم وعن معاذ من هو أصدق منك ومن ابن عمر. فقلت: من هو ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: بعض من يحدثني. قال: فعلمت من عنى. فقلت: صدقت يا أمير المؤمنين، إنما حسبت إنساناً حدثك، وما شهد أبي - وهو يقول هذا - غيري.(٤)

____________________

١. مات أبو عبيدة في سنة ١٨ الهجرية في مدينة حمص بالشام، وقتل سالم في سنة ١٢ في وقعة اليمامة.

٢. راجع عن كلام عبد الله بن عمر عن أبيه: الحديث ١١ من هذا الكتاب.

٣. هذا من كلام محمد بن أبي بكر.

٤. معناه: إني ظننت أولاً أن الذي أخبرك عما جرى كان شخصاً من الأشخاص، وحيث لم يكن عند قول أبي في ساعات موته أحداً غيري وأنت قلت «بعض من يحدثني» علمت أن الذي أخبرك لم يكن من البشر.

٣٤٧

قال سليم: فقلت لعبد الرحمن بن غنم: مات معاذ بالطاعون، فبم مات أبو عبيدة بن الجراح؟ قال: بالدبيلة.(١)

٢

بعض ما جرى عند موت أبي بكر

فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غير أخيكعبد الرحمن وعائشة وعمر ؟ قال: لا. قلت: وهل سمعوا منه ما سمعت؟ قال: سمعوا منه طرفاً فبكوا وقالوا: يهجر. فأما كل ما سمعت أنا فلا.

أبو بكر يشاهد رسول الله وعلياًعليهما‌السلام عند الموت

قلت: والذي سمعوا منه ما هو؟ قال: دعا بالويل والثبور، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، ما لك تدعو بالويل والثبور؟ قال:هذا رسول الله وعلي معه يبشرني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة وهو يقول: «لعمري لقد وفيت بها فظاهرت على ولي الله أنت وأصحابك، فأبشر بالنار في أسفل السافلين».

فلما سمعها عمر خرج وهو يقول: إنه ليهجر. قال: لا والله ما أهجر، أين تذهب؟ قال عمر: أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار. قال: الآن أيضاً؟! أوَ لم أحدثك: أن محمداً - ولم يقل رسول الله - قال لي وأنا معه في الغار: «إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر». فقلت: أرنيها. فمسح وجهي فنظرت إليهافاستيقنت عند ذلك أنه

____________________

١. الدبيلة مصغرة: الطاعون وخراج ودمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالباً.

٣٤٨

ساحر! (١) فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنه ساحر!؟

فقال عمر: «يا هؤلاء إن أباكم يهجر! فاخبوه واكتموا ما تسمعون منه لا يشمت بكم أهل هذا البيت». ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوضأوا للصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا.

إقرار أبي بكر بدخوله في تابوت جهنم

فقلت له لما خلوت به: يا أبه، قل: «لا إله إلا الله». قال: «لا أقولها أبدا ولا أقدر عليها حتى أرد النار فأدخل التابوت . فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له: أي تابوت؟ فقال: تابوت من نار مقفل بقفل من نار، فيه اثنا عشر رجلاً، أنا وصاحبي هذا. قلت: عمر؟ قال: نعم، فمن أعني؟ وعشرة في جب في جهنم عليه صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع الصخرة.

لعن عمر على لسان أبي بكر

قلت: تهذي؟ قال: «لا والله ما أهذي.لعن الله ابن صهاك . هو الذي صدني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين(٢) ، لعنه الله، الصق خدي بالأرض»، فألصقت خده بالأرض

____________________

١. روي في البحار: ج ٨ ص ١٠٩ ح ١٠ بأسناده عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك، سمى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر الصديق؟ قال: نعم. قلت: فكيف؟ قال: حين كان معه في الغار قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، وإنك لتراها؟ قال: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ فقال: ادن مني. قال: فدنا منه فمسح على عينيه، ثم قال: أنظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر. ثم نظر إلى قصور أهل المدينة. فقال في نفسه: الآن صدَّقتُ أنك ساحر! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصديق أنت!

٢. قال الله تعالى في سورة الفرقان: الآيات ٣١ - ٢٧:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ، لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ =

٣٤٩

فما زال يدعو بالويل والثبور حتى غمَّضته.

ثم دخل عليَّ عمر وقد غمضته، فقال: هل قال بعدي شيئاً؟ فعرفته ما قال. فقال عمر: يرحم الله خليفة رسول الله، اكتمه فإن هذا هذيان، وأنتم أهل بيت معروف لكم في مرضكم الهذيان! فقالت عائشة: صدقت! وقالوا لي جميعاً: لا يسمعنَّ أحد منكم من هذا شيئاً فيشمت به ابن أبي طالب وأهل بيته.

قال سليم: فقلت لمحمد: من تراه حدَّث أمير المؤمنينعليه‌السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا؟ فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنه يراه في منامه كل ليلة، وحديثه إياه في المنام مثل حديثه إياه في الحياة واليقظة، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة ».

____________________

=لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ، وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ، وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) .

وقال تعالى في سورة زخرف: الآيات ٣٩ - ٣٦:« وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ، حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ، وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) .

وروي في الكافي - كتاب الروضة - ص ٢٧ في حديث طويل بأسناده عن الإمام الباقرعليه‌السلام : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه، فقال: ولئن تقمصها دوني الأشقَيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهَّدا، يتلاعنان في دورهما ويتبرَّء كل واحد منهما من صاحبه. يقول لقرينه إذا التقيا:( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) .

فيجيبه الأشقى على رثوثة: «يا ليتني لم أتَّخذك خليلاً، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً». فأنا الذكر الذي عنه ضلَّ والسبيل الذي عنه مال والإيمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب. ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار، لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة، ما لهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة ...

٣٥٠

قال سليم: فقلت لمحمد بن أبي بكر: من حدَّثك بهذا؟ قال: عليعليه‌السلام . فقلت: وأنا سمعته أيضاً منه كما سمعت أنت.

فقلت لمحمد: فلعل ملكاً من الملائكة حدَّثه؟ قال: أو ذاك؟! قلت: وهل تحدِّث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: أما تقرأ القرآن:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلا مُحَدَّثٍ) ؟(١) قال: قلت له: أمير المؤمنينعليه‌السلام محدث هو؟ قال: نعم، وكانت فاطمةعليها‌السلام محدثة ولم تكن نبية، ومريم كانت محدثة ولم تكن نبية، وأم موسى ما كانت نبية وكانت محدثة، وكانت سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبية.

توثيق أمير المؤمنينعليه‌السلام لهذا الحديث مرة ثانية

قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر ونعي عزيت به أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) وخلوت به فحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وخبرته بما خبرني به

____________________

١. سورة الحج: الآية ٥٢، وفي المصحف:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) وقد ورد روايات متضافرة أنه في قراءة أهل البيتعليهم‌السلام :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلا مُحَدَّثٍ) كما في المتن، وروى ابن شهرآشوب في المناقب: ج ٣ ص ٣٣٦: أن ابن عباس أيضاً قرأ: «ولا محدَّث» كما روى الصفار في بصائر الدرجات: ص ٣٢١ ح ٨ عن قتادة أنه قرأ: «ولا محدَّث».

راجع عن آية المحدَّث وبيان معناها بصائر الدرجات للصفار: ص ٣٢٤ - ٣٢٠، الكافي للكليني: ج ١ ص ١٧٦ و ١٧٧ و ٢٧٠، الإختصاص للشيخ المفيد: ص ٣٢٣، أمالي الطوسي: ج ٢ ص ٢١.

وقد أورد العلامة الأميني في الغدير: ج ٥ ص ٤٢ بحثاً إضافياً حول آية المحدَّث ومعنى المحدث عند الشيعة وغيرهم، ونقل عن القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري: ج ٦ ص ٩٩ قراءة ابن عباس «... ولا نبي ولا محدَّث». وكذلك نقله عن أبي جعفر الطحاوي في مشكل الآثار: ج ٢ ص ٢٥٧ وعن القرطبي في تفسيره: ج ١٢ ص ٧٩. راجع أيضاً البحار: ج ٢٦ ص ٦٦ ب ٢.

٢. ذكر في مجمع النورين للمرندي: ص ٢٠٦ أن أمير المؤمنينعليه‌السلام جلس للتعزية بمحمد بن أبي بكر ثلاثة أيام لأنه ولده.

٣٥١

عبد الرحمن بن غنم، قال:صدق محمد رحمه الله ، أما إنه شهيد حي يرزق.(١)

خصائص الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام

يا سليم، إن أوصيائي أحد عشر رجلاً من ولدي أئمة هداة مهديون كلهم محدَّثون.

قلت: يا أمير المؤمنين، ومن هم؟ قال: ابني هذا الحسن، ثم ابني هذا الحسين، ثم ابني هذا - وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين وهو رضيع - ثم ثمانية من ولده(٢) واحداً بعد واحد. وهم الذين أقسم الله بهم فقال:( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ) (٣) ، فالوالد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا، و «ما ولد» يعني هؤلاء الأحد عشر وصياً صلوات الله عليهم.

قلت: يا أمير المؤمنين، فيجتمع إمامان؟ قال: نعم، إلا أن واحداً صامت لا ينطق حتى يهلك الأول.

نقل لنا فقرة عن النسخة ٦٨ من مخطوطات الكتاب، نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث:

موت أصحاب الصحيفة على الجاهلية

هذا ما خطَّه بيده أبان عن لسان سليم: «إن القوم - وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وأنس وسعد وعبد الرحمن بن عوف - شهدوا على أنفسهم عند مماتهم:أنهم ماتوا على ما مات عليه آبائهم في الجاهلية ...».

____________________

١. ليعلم أن محمد بن أبي بكر كان ربيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام وخريجه وجارياً عنده مجرى أولاده، ورضيع الولاء والتشيع منذ زمن الصبا فنشأ عليه، فلم يكن يعرف أباً غير عليعليه‌السلام ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره.

٢. أي من ولد علي بن الحسينعليه‌السلام .

٣. سورة البلد: الآية ٣.

٣٥٢

٣٨

افتراق الأمة إلى أهل حق وأهل باطل ومذبذبين

أبان عن سليم: قال: سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: إنا لقعود عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما معنا غيرنا، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين كلهم بدريون.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ستفترق أمتي بعدي ثلاث فرق:فرقة حق لا يشوبه شيئ من الباطل، مثلهم كمثل الذهب الأحمر كلما سبكته على النار ازداد جودة وطيباً، إمامهم أحد هذه الثلاثة،وفرقة أهل باطل لا يشوبه شيئ من الحق، مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثاً ونتناً، إمامهم أحد هذه الثلاثة؛ وفرقة أخرىضُلّال مذبذبون ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إمامهم أحد هذه الثلاثة.

فسألتهم عن الثلاثة، فقالوا: إمام الحق والهدىعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص إمام المذبذبين؛ وحرصت عليهم أن يسموا لي الثالث فأبوا عليَّ وعرَّضوا لي(١) حتى عرفت من يعنون به.

قال سليم: فحدَّثت أمير المؤمنينعليه‌السلام بالكوفة بما حدثني به سلمان وأبو ذر والمقداد من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين رآى الثلاثة من أهل بدر من المهاجرين من قريش مقبلين، قال: «تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق» فسموك وسموا سعداً، والثالث لم يسموا إلا بالمعاريض حتى علمت من عنوا.

____________________

١. أي لم يصرِّحوا باسمه وذكروه بالتعريض.

٣٥٣

فقالعليه‌السلام : لا تُلمهم يا سليم، فإن الأمة قد أشربت قلوبهم حبه كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل. يا سليم، أفي شك أنت فيه من هو؟ قال: قلت: بلى(١) ، ولكن أحب أن تسميه لي وأسمعه منك فأزداد يقيناً.

قال: هو عتيق .

أمر الولاية أشد خُبرية من الذهب والفضة

إن هذا الأمر الذي عرفكم الله ومنَّ به عليكمأشد خبرية من الذهب والفضة ، وأقل الأمة الذين يعرفونه، ولقد ماتت أم أيمن وإنها لمن أهل الجنة وما كانت تعرف ما عرَّفك الله(٢) ، فاحمد الله وخذ ما أعطاك الله وخصَّك به بشكر.

واعلم أن الله تعالى يعطي الدنيا البر والفاجر،وإن هذا الأمر الذي أنت فيه إنما يعطيه الله صفوته من خلقه . إن أمرنا لا يعرفه إلا ثلاثة من الخلق: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان.

يا سليم، إن ملاك هذا الأمر الورع لأنه لا ينال ولايتنا إلا بالورع.

____________________

١. أي بلى أعرفه ولا أشك فيه.

٢. روي في البحار: ج ٢٢ ص ٢٦٥ ح ٨ والكافي: ج ٢ ص ٤٠٥ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أرأيت أم أيمن، فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

٣٥٤

٣٩

غدير خم

أبو سعيد الخدري يروي بيعة الغدير

أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول:

إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا الناس بغدير خم، فأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقُمَّ؛ وكان ذلك يوم الخميس. ثم دعا الناس إليه وأخذ بضبع علي بن أبي طالبعليه‌السلام فرفعها حتى نظرت إلى بياض إبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ».

قال أبو سعيد: فلم ينزل عن المنبر حتى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .(١) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبولاية علي من بعدي.

شعر حسان في غدير خم بشهادة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله، ائذن لي لأقول في عليعليه‌السلام أبياتاً. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل على بركة الله.

فقال حسان: يا مشيخة قريش،اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله . ثم أنشأ يقول:

____________________

١. سورة المائدة: الآية ٣.

٣٥٥

ألَمْ تَعْلَمُوا أن النَّبِيَّ مُحَمَّداً

لَدى دَوْح خُمٍ حينَ قامَ مُنادِياً

وَقد جاءَ جِبْريلُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ

بِأَنَّكَ مَعْصُومٌ فَلا تَكُ وانِياً

وَبَلِّغْهُم ما أنْزَلَ اللهُ رَبُّهُمْ

وَإنْ أنْتَ لَمْ تَفْعَلْ وَحاذَرْتَ باغِياً

عَلَيْكَ فَما بَلَّغْتَهُمْ عَنْ إلهِهِمْ

رِسالَتَهُ إنْ كُنتَ تَخْشَى الأعاديا

فَقامَ بِهِ إذْ ذاكَ رافِعُ كَفِّهِ

بِيُمْنى يَدَيْهِ مُعْلِنُ الصَّوْتِ عالِياً

فَقالَ لَهُمْ: مَنْ كُنْتُ مَولاهُ مِنْكُم

وَكانَ لِقَولي حافِظاً لَيْسَ ناسِياً

فَمَولاهُ مِنْ بَعدي عَليٌّ وَإنَّني

بِهِ لَكُم دُونَ البَرِيَّةِ راضياً

فَيا رَبِّ مَنْ والى عَلِيّاً فَوالِهِ

وَكُنْ لِلَّذي عادى علياً مُعادِياً

وَيا رَبِّ فَانْصُرْ ناصِريهِ لِنَصْرِهِمْ

إمامَ الهُدى كَالْبَدْرِ يَجْلُو الدِّياجِيا

وَيا رَبِّ فَاخْذُلْ خاذِليهِ وَكُنْ لَهُمْ

إذا وَقَفُوا يَوْمَ الحِسابِ مُكافِياً

نقل لنا فقرة عن النسخة ٦٨ من مخطوطات الكتاب، نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث:

اعتراض أبي بكر وعمر في الغدير

قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت الظهيرة وأمر بنصب خيمة وأمر علياًعليه‌السلام أن يدخل فيها، وأول من أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هما أبو بكر وعمر. فلم يقوما إلا بعد ما سألا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل من أمر الله هذه البيعة؟ فأجابهما: نعم، من أمر الله جل وعلا، واعلما أن من نقض هذه البيعة كافر ومن لم يطع علياً كافر ، فإن قول علي قولي وأمره أمري. فمن خالف قول علي وأمره فقد خالفني.

وبعد ما أكَّد عليهم هذا الكلام أمرهم بالإسراع في البيعة. فقاما ودخلا على عليعليه‌السلام وبايعاه بإمرة المؤمنين. وقال عمر عند البيعة: بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان وأبا ذر بالبيعة، فقاما ولم يقولا شيئاً....

٣٥٦

٤٠

من خصال أمير المؤمنينعليه‌السلام

أبان عن سليم بن قيس قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول: كانت لي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشر خصال ما يسرني بإحديهن ما طلعت عليه الشمس وما غربت.

فقيل له: بيِّنها لنا يا أمير المؤمنين.

فقال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، أنت الأخ وأنت الخليل وأنت الوصي وأنت الوزير، وأنت الخليفة في الأهل والمال وفي كل غيبة أغيبها. ومنزلتك منى كمنزلتي من ربي، وأنت الخليفة في أمتي. وليك وليي وعدوك عدوي، وأنت أمير المؤمنين وسيد المسلمين من بعدي.

أثر حب أهل البيتعليهم‌السلام في ثبات الإيمان

ثم أقبل عليعليه‌السلام على أصحابه فقال: يا معشر الصحابة، والله ما تقدمت على أمر إلا ما عهد إليَّ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فطوبى لمن رسخ حبنا أهل البيت في قلبه. ليكون الإيمان أثبت في قلبه من جبل أحُد في مكانه،ومن لم تصِر مودتنا في قلبه إنماث (١) الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء .

والله ثم والله،ما ذكر في العالمين ذكرٌ أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مني ، ولا صلى القبلتين كصلاتي. صليت صبياً ولم أرهق حُلماً.

____________________

١. أي ذاب.

٣٥٧

وهذه فاطمة بضعة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تحتي، هي في زمانها كمريم بنت عمران في زمانها.

وأقول لكم الثالثة: إن الحسن والحسين سبطا هذه الأمة، وهما من محمد كمكان العينين من الرأس، وأما أنا فكمكان اليدين من البدن، وأما فاطمة فكمكان القلب من الجسد.

مثلنا مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

٣٥٨

٤١

كلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الأخيرة عن الشيعة

أبان عن سليم، قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم توفي وقد أسندته إلى صدري وإن رأسه عند أذني، وقد أصغت المرأتان(١) لتسمعا الكلام. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمَّ سدِّ مسامعهما.

ثم قال لي: يا علي، أرأيت قول الله تبارك وتعالى( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٢) ، أتدري من هم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال:فإنهم شيعتك وأنصارك ، وموعدي وموعدهم الحوض يوم القيامة إذا جثَت الأمم على ركبها وبدا لله تبارك وتعالى في عرض خلقه ودعا الناس إلى ما لا بد لهم منه. فيدعوك وشيعتك، فتجيئون غراً محجلين شباعاً مرويين.

يا علي،( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) (٣) ، فهم اليهود وبنو أمية وشيعتهم، يُبعثون يوم القيامة أشقياء جياعاً عطاشى مسودة وجوههم.

____________________

١. أي عائشة وحفصة.

٢. سورة البينة: الآية ٧.

٣. سورة البينة: الآية ٦.

٣٥٩

يوجد في آخر نسخ «ب» و «د» من كتاب سليم هذه الزيادة:

الأمر بحفظ الكتاب حتى ظهور الحق

صُن هذا الكتاب يا جابر(١) ، فالملك لبني العباس حتى يختم بعباد الله ذو العين الآخرة(٢) ويظهر نادٍ(٣) بالحجاز ويخرب جامع الكوفة وما شيَّده الثاني بالفرات. وإذا هلك ملك الترك تميد(٤) لسان الشام ويكثر الملوك ويظهر الحق والحمد لله.

____________________

١. لعل هذا خطاب من الإمام المعصومعليه‌السلام إلى جابر بن عبد الله أو جابر بن يزيد الجعفي يأمره بالاحتفاظ بكتاب سليم. هذا وإن بقية الكلام إخبا‘ عن بعض الملاحم بصورة مجملة.

٢. روى الشيخ الطوسي في الغيبة: ص ٢٨٥ عن كعب الأحبار أنه قال: إذا ملك رجل من بني العباس يقال له «عبد الله»، وهو ذو العين، بها افتتحوا وبها يختمون، وهو مفتاح البلاء وسيف الفناء.

٣. «ب»: نار.

٤. أي تضطرب.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420